الميزان في تفسير القرآن الجزء ٨

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 408

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 408
المشاهدات: 86260
تحميل: 5882


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 408 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 86260 / تحميل: 5882
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 8

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

دعاء الربّ يؤيّد هذا المعنى الأخير كما في الآية السابقة:( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ) وقوله:( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) المؤمن: ٦٠ حيث ذكر أوّلاً الدعاء ثمّ بدّله ثانياً من العبادة إيماءً إلى اتّحادهما، وقوله:( وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّن يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ مَن لَّا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَىٰ يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَن دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ ) الأحقاف: ٦، وقوله:( هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) المؤمن: ٦٥ يريد إخلاص العبادة.

ويؤيّده ذيل الآية:( وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) بظاهره فإنّه لو كان المراد بالدعاء التسمية أو النداء دون العبادة لكان الأنسب أن يقال: بما كانوا يصفون كما قال في موضع آخر:( سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ ) الأنعام: ١٣٩.

فمعنى الآية - والله أعلم - ولله جميع الأسماء الّتي هي أحسن فاعبدوه وتوجّهوا إليه بها والتسمية والنداء من لواحق العبادة.

قوله تعالى: ( وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) إلى آخر الآية. اللحد والإلحاد بمعنى واحد وهو التطرّف والميل عن الوسط إلى أحد الجانبين، ومنه لحد القبر لكونه في جانبه بخلاف الضريح الّذي في الوسط فقرائة يلحدون بفتح الياء من المجرّد، ويلحدون بضمّ الياء من باب الإفعال بمعنى واحد، ونقل عن بعض اللغويّين: أنّ اللحد بمعنى الميل إلى جانب، والإلحاد بمعنى الجدال والمماراة.

وقوله:( سَيُجْزَوْنَ ) الآية بالفصل لأنّه بمنزلة الجواب لسؤال مقدّر كأنّه لمّا قيل:( وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) قيل: إلى مَ يصير حالهم؟ فاُجيب:( سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) وللبحث في الأسماء الحسنى بقايا ستوافيك في كلام مستقلّ نورده بعد الفراغ عن تفسير الآيات إن شاء الله تعالى.

قوله تعالى: ( وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) قد مرّ بعض ما يتعلّق به من الكلام في قوله تعالى:( وَمِن قَوْمِ مُوسَىٰ أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ ) الآية: ١٥٩ من السورة وتختصّ هذه الآية بأنّها لوقوعها في سياق تقسيم الناس إلى ضالّ

٣٦١

ومهتد، وبيان أنّ الملاك في ذلك دعاؤه سبحانه بأحسن الأسماء اللائقة بحضرته والإلحاد في أسمائه، تدلّ على أنّ النوع الإنسانيّ يتضمّن طائفة قليلة أو كثيرة مهتدية حقيقة إذ الكلام في الإهتداء والضلال الحقيقيّين المستندين إلى صنع الله، ومن يهدي الله فهو المهتدي ومن يضلل فاُولئك هم الخاسرون، والإهتداء الحقيقيّ لا يكون إلّا عن هداية حقيقيّة، وهي الّتي لله سبحانه، وقد تقدّم في قوله تعالى:( فَإِن يَكْفُرْ بِهَا هَؤُلَاءِ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْمًا لَّيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ) الأنعام: ٨٩، وغيره أنّ الهداية الحقيقيّة الإلهيّة لا تتخلّف عن مقتضاها بوجه وتوجب العصمة من الضلال، كما أنّ الترديد الواقع في قوله تعالى:( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ) يونس: ٣٥. يدلّ على أنّ من يهدي إلى الحقّ يجب أن لا يكون مهتدياً بغيره إلّا بالله فافهم ذلك.

وعلى هذا فإسناد الهداية إلى هذه الاُمّة لا يخلو عن الدلالة على مصونيّتهم من الضلال واعتصامهم بالله من الزيغ إمّا بكون جميع هؤلاء المشار إليهم بقوله:( أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ ) متّصفين بهذه العصمة والصيانة كالأنبياء والاوصياء، وإمّا بكون بعض هذه الاُمّة كذلك وتوصيف الكلّ بوصف البعض نظير قوله تعالى: ( وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) الجاثية: ١٦، وقوله:( وَجَعَلَكُم مُّلُوكًا ) المائدة: ٢٠، وقوله:( لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) البقرة: ١٤٣، وإنّما المتّصف بهذه المزايا بعضهم دون الجميع.

والمراد بالآية - والله أعلم - إنّا لا نأمركم بأمر غير واقع أو خارج عن طوق البشر فإنّ ممّن خلقنا اُمّة متلبّسة بالإهتداء الحقيقيّ هادين بالحقّ لأنّ الله كرمهم بهدايته الخاصّة.

قوله تعالى: ( وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ ) الاستدراج الاستصعاد أو الاستنزال درجةً فدرجةً، والاستدناء من أمر أو مكان، وقرينة المقام تدلّ على أنّ المراد به هنا الاستدناء من الهلاك إمّا في الدنيا أو في الآخرة.

وتقييد الاستدراج بكونه من حيث لا يعلمون للدلالة على أنّ هذا التقريب خفيّ غير ظاهر عليهم بل مستبطن فيما يتلهّون فيه من مظاهر الحياة المادّيّة فلا يزالون يقترابون

٣٦٢

من الهلاك باشتداد مظالمهم فهو تجديد نعمة بعد نعمة حتّى يصرفهم التلذّذ بها عن التأمّل في وبال أمرهم كما مرّ في قوله تعالى:( ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّىٰ عَفَوا ) الأعراف: ٩٥، وقال تعالى:( لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ ) آل عمران: ١٩٧.

ومن وجه آخر لما انقطع هؤلاء عن ذكر ربّهم وكذّبوا بآياته سلبوا اطمئنان القلوب وأمنها بالتشبّث بذيل الأسباب الّتي من دون الله وعذّبوا باضطراب النفوس وقلق القلوب وقصور الأسباب وتراكم النوائب، وهم يظنّون أنّها الحياة ناسين معنى حقيقة الحياة السعيدة فلا يزالون يستزيدون من مهلكات زخارف الدنيا فيزدادون عذاباً وهم يحسبونه زيادة في النعمة حتّى يردوا عذاب الآخرة وهو أمرّ وأدهى، فهم يستدرجون في العذاب من لدن تكذيبهم بآيات ربّهم حتّى يلاقوا يومهم الّذي يوعدون.

قال تعالى:( أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) الرعد: ٢٨، وقال:( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ) طه: ١٢٤، وقال:( فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ) التوبة: ٥٥، وهذا معنى آخر من الاستدراج لكن قوله تعالى بعده:( وَأُمْلِي لَهُمْ ) لا يلائم ذلك فالمتعيّن هو المعنى الأوّل.

قوله تعالى: ( وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) الإملاء هو الإمهال، وقوله:( إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ) تعليل لمجموع ما في الآيتين، وفي قوله( وَأُمْلِي ) بعد قوله:( سَنَسْتَدْرِجُهُم ) الآية، التفات من التكلّم مع الغير إلى التكلّم وحده للدلالة على مزيد العناية بتحريمهم من الرحمة الإلهيّة وإيرادهم مورد الهلكة.

وأيضاً الإملاء هو إمهالهم إلى أجل مسمّي. فيكون في معنى قوله:( وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) الشورى: ١٤، وهذه الكلمة هي قوله لآدمعليه‌السلام حين إهباطه إلى الأرض:( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) البقرة: ٣٦ وهو القضاء الإلهيّ والقضاء مختصّ به تعالى لا يشاركه فيه غيره، وهذا بخلاف الاستدراج الّذي هو إيصال النعمة بعد النعمة وتجديدها فإنّها نعمٌ إلهيّة مفاضة بالوسائط من

٣٦٣

الملائكة والأمر فلهذا السبب جئ في الاستدراج بصيغة المتكلّم مع الغير، وغيّر ذلك في الإملاء وفي الكيد الّذي هو أمر متحصّل من الاستدراج والإملاء إلى لفظ المتكلّم وحده.

قوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلَّا نَذِيرٌ مُّبِينٌ ) في تركيب الكلام اختلاف شديد بينهم، والّذي يستبق إلى الذهن من السياق أن يكون قوله:( أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا ) كلاماً تامّاً سيق للإنكار و التوبيخ ثمّ قوله:( مَا بِصَاحِبِهِم مِّن جِنَّةٍ ) الآية كلاماً آخر سيق لبيان صدق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في دعواه النبوّة، وهو يشير إلى ما يتفكّرون فيه كأنّه قيل: أولم يتفكّروا في أنّه ما بصاحبهم من جنّة الآية حتّى يتبيّن لهم ذلك؟ نعم، ما به من جنّة إن هو إلّا نذير مبين.

والتعبير عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بصاحبهم للإشارة إلى مادّة الاستدلال الفكريّ فإنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يصحبهم ويصحبونه طول حياته بينهم فلو كان به شئ من جنّة لبان لهم ذلك البتّة فهو فيما جاء به نذير لا مجنون، والجنّة بناء نوع من الجنّون على ما قيل وإن كان من الجائز أن يكون المراد به الفرد من الجنّ بناء على ما يزعمونه أنّ المجنون يحلّ فيه بعض الجنّ فيتكلّم من فيه وبلسانه.

قوله تعالى: ( أَوَلَمْ يَنظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) إلى آخر الآية قد مرّ كراراً أنّ الملكوت في عرف القرآن على ما يظهر من قوله تعالى:( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ ) يس: ٨٣ هو الوجه الباطن من الأشياء الّذي يلي جهة الربّ تعالى، وأنّ النظر إلى هذا الوجه واليقين متلازمان كما يفهم من قوله:( وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ ) الأنعام: ٧٥.

فالمراد توبيخهم في الإعراض والانصراف عن الوجه الملكوتيّ للأشياء لم نسوه ولم ينظروا فيه حتّى يتبيّن لهم أنّ ما يدعوهم إليه هو الحقّ؟

وقوله:( وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِن شَيْءٍ ) عطف على موضع السماوات، وقوله( مِن شَيْءٍ ) بيان لما الموصولة، ومعنى الآية: لم لم ينظروا في خلق السماوات والأرض وأيّ شئ آخر ممّا خلقه الله؟ لكن لا من الوجه الّذي يلي الأشياء حتّى ينتج العلم بخواصّ الأشياء

٣٦٤

الطبيعيّة بل من جهة أنّ وجوداتها غير مستقلّة بنفسها مرتبطة بغيرها محتاجة إلى ربّ يدبّر أمرها وأمر كلّ شئ، وهو ربّ العالمين.

وقوله:( وَأَنْ عَسَىٰ أَن يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ ) عطف على قوله :( مَلَكُوتِ ) الآية لكونه في تأويل المفرد والتقدير: أولم ينظروا في أنّه عسى أن يكون قد اقتراب أجلهم فإنّ النظر في هذا الاحتمال ربّما صرفهم عن التمادي على ضلالهم وغيّهم فأغلب ما يصرف الإنسان عن الاشتغال بأمر الآخرة، ويوجّه وجهه إلى الاغترار بالدنيا نسيان الموت الّذي لا يدري متى يرد رائده، وأمّا إذا التفت إلى ذلك وشاهد جهله بأجله وأنّ من المرجوّ المحتمل أن يكون قد اقتراب منهم فإنّه يقطع منابت الغفلة ويمنعه عن اتّباع الهوى وطول الأمل.

وقوله:( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ ) الضمير للقرآن على ما يستدعيه السياق، وفي الكلام إيآس من إيمانهم بالمرّة أي إن لم يؤمنوا بالقرآن وهو تجلّيه سبحانه عليهم بكلامه يكلّمهم بما يضطرّ عقولهم بقبوله من الحجج والبراهين والموعظة الحسنة وهو مع ذلك معجزة باهرة فلا يؤمنون بشئ آخر البتّة، وقد أخبر سبحانه أنّه طبع على قلوبهم فلا سبيل لهم إلى فقه القول والإيمان بالحقّ، ولذلك عقبه بقوله في الآية التالية:( مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ) الآية.

قوله تعالى: ( مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَيَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ) العمه الحيرة والتردّد في الضلال أو عدم معرفة الحجّة، وإنّما لم يذكر ما يقابله وهو أنّ من يهدي فلا مضلّ له لأنّ الكلام مسوق لتعليل الآية السابقة:( فَبِأَيِّ حَدِيثٍ ) الآية كأنّه قيل: لم لا يؤمنون بحديث البتّة؟ فقيل: لأنّ من يضلل الله الآية.

( كلام في الأسماء الحسنى في فصول)

١ - ما معنى الأسماء الحسنى؟ و كيف الطريق إليها؟ نحن أوّل ما نفتح أعيننا ونشاهد من مناظر الوجود ما نشاهده يقع إداراكنا على أنفسنا وعلى قرب الاُمور منّا

٣٦٥

وهي روابطنا مع الكون الخارج من مستدعيات قوانا العاملة لإبقائنا فأنفسنا، وقوانا، وأعمالنا المتعلّقة بها هي أوّل ما يدقّ باب إدراكنا لكنّا لا نرى أنفسنا إلّا مرتبطة بغيرها ولا قوانا ولا أفعالنا إلّا كذلك، فالحاجة من أقدم ما يشاهده الإنسان، يشاهدها من نفسه ومن كلّ ما يرتبط به من قواه وأعماله والدنيا الخارجة، وعند ذلك يقضي بذات مّا يقوم بحاجته ويسدّ خلّته، وإليه ينتهي كلّ شئ، وهو الله سبحانه، ويصدّقنا في هذا النظر والقضاء قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ ) .

وقد عجز التاريخ عن العثور على بدء ظهور القول بالربوبيّة بين الأفراد البشريّة بل وجده وهو يصاحب الإنسانيّة إلى أقدم العهود الّتي مرّت على هذا النوع حتّى أنّ الأقوام الوحشيّة الّتي تحاكي الإنسان الأوّلي في البساطة لمّا اكتشفوهم في أطراف المعمورة كقطّان أميركا واُستراليا وجدوا عندهم القول بقوى عالية هي وراء مستوى الطبيعة ينتحلون بها، وهو قول بالربوبيّة وإن اشتبه عليهم المصداق فالإذعان بذات ينتهي إليها أمر كلّ شئ من لوازم الفطرة الإنسانيّة لا يحيد عنه إلّا من انحرف عن إلهام فطرته لشبهة عرضت له كمن يضطرّ نفسه على الاعتياد بالسمّ وطبيعته تحذّره بإلهامها، وهو يستحسن ما ابتلي به.

ثمّ إنّ أقدم ما نواجهه في البحث عن المعارف الإلهيّة أنّا نذعن بانتهاء كلّ شئ إليه، وكينونته ووجوده منه فهو يملك كلّ شئ لعلمنا أنّه لولم يملكها لم يمكن أن يفيضها ويفيدها لغيره على أنّ بعض هذه الأشياء ممّا ليست حقيقته إلّا مبنيّة على الحاجة منبئة عن النقيصة، وهو تعالى منزّه عن كلّ حاجة ونقيصة لأنّه الّذي إليه يرجع كلّ شئ في رفع حاجته ونقيصته.

فله الملك - بكسر الميم وبضمّها - على الإطلاق، فهو سبحانه يملك ما وجدناه في الوجود من صفة كمال كالحياة والقدرة والعلم والسمع والبصر والرزق والرحمة والعزّة وغير ذلك.

فهو سبحانه حيّ، قادر، عليم، سميع، بصير لأنّ في نفيها إثبات النقص ولا سبيل للنقص إليه، ورازق ورحيم وعزيز ومحي ومميت ومبدء ومعيد وباعث إلى غير ذلك لأنّ

٣٦٦

الرزق والرحمة والعزّة والإحياء واللإماتة والإبداء والإعادة والبعث له، وهو السبّوح القدّوس العليّ الكبير المتعال إلى غير ذلك نعني بها نفى كلّ نعت عدميّ وكلّ صفة نقص عنه.

فهذا طريقنا إلى إثبات الأسماء والصفات له تعالى على بساطته، وقد صدّقنا كتاب الله في ذلك حيث أثبت الملك - بكسر الميم - والملك - بضمّ الميم - له على الإطلاق في آيات كثيرة لا حاجة إلى إيرادها.

٢ - ما هو حد ما نصفه أو نسمّيه به من الأسماء؟ تبيّن من الفصل الأوّل أنّا ننفي عنه جهات النقص والحاجة الّتي نجدها فيما نشاهده من أجزاء العالم، وهي تقابل الكمال كالموت والفقد والفقر والذلّة والعجز والجهل ونحو ذلك، ومعلوم أنّ نفي هذه الاُمور، وهي في نفسها سلبيّة يرجع إلى إثبات الكمال فإنّ في نفي الفقر إثبات الغنى، وفي نفي الذلّة والعجز والجهل إثبات العزّة والقدرة والعلم وهكذا.

وأمّا صفات الكمال الّتي نثبتها له سبحانه كالحياة والقدرة والعلم ونحو ذلك فقد عرفت أنّا نثبتها بالإذعان بملكه جميع الكمالات المثبتة في دار الوجود غير أنّا ننفي عنه تعالى جهات الحاجة والنقص الّتي تلازم هذه الصفات بحسب وجودها في مصاديقها.

فالعلم في الإنسان مثلاً إحاطة حضوريّة بالمعلوم من طريق انتزاع الصورة وأخذها بقوى بدنيّة من الخارج والّذي يليق بساحته أصل معنى الإحاطة الحضوريّة، وأمّا كونه من طريق أخذ الصورة المحوج إلى وجود المعلوم في الخارج قبلاً وإلى آلات بدنيّة مادّيّة مثلاً فهو من النقص الّذي يجب تنزيهه تعالى منه، وبالجملة نثبت له أصل المعنى الثبوتيّ ونسلب عنه خصوصيّة المصداق المؤدّية إلى النقص والحاجة.

ثمّ لمّا كنّا نفينا عنه كلّ نقص وحاجة ومن النقص أن يكون الشئ محدوداً بحدّ منتهياً بوجوده إلى نهاية فإنّ الشئ لا يحدّ نفسه وإنّما يحدّه غيره الّذي يقهره بضرب الحدّ والنهاية له، ولذلك نفينا عنه كلّ حدّ ونهاية فليس سبحانه محدوداً في ذاته بشئ ولا في صفاته بشئ وقد قال تعالى:( وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) الرعد: ١٦ فله الوحدة الّتي تقهر كلّ شئ من قبله فتحيط به.

٣٦٧

ومن هنا قضينا أنّ صفاته تعالى عين ذاته، وكلّ صفة عين الصفة الاُخرى، فلا تمايز إلّا بحسب المفهوم، ولو كان علمه غير قدرته مثلاً، وكلّ منهما غير ذاته كما فينا معاشر الإنسان مثلاً لكان كلّ منها يحدّ الآخر والآخر ينتهي إليه فكان محدود وحدّ ومتناه ونهاية فكان تركيب وفقر إلى حادّ يحدّها غيره، تعالى عن ذلك وتقدّس، وهذه صفة أحديّته تعالى لا ينقسم من جهة من الجهات، ولا يتكثّر في خارج ولا في ذهن.

وممّا تقدّم يظهر فساد قول من قال: إنّ معاني صفاته تعالى ترجع إلى النفى رعاية لتنزيهه عن صفات خلقه فمعنى العلم والقدرة والحياة هناك عدم الجهل والعجز والموت، وكذا في سائر الصفات العليا، وذلك لاستلزامه نفي جميع صفات الكمال عنه تعالى، وقد عرفت أنّ سلوكنا الفطريّ يدفع ذلك، وظواهر الآيات الكريمة تنافيه، ونظيره القول بكون صفاته زائدة على ذاته أو نفي الصفات وإثبات آثارها وغير ذلك ممّا قيل في الصفات فكلّ ذلك مدفوعة بما تقدّم من كيفيّة سلوكنا الفطريّ، ولتفصيل البحث عن بطلانها محلّ آخر.

٣ - الانقسامات الّتي لها: يظهر ممّا قدّمناه من كيفيّة السلوك الفطريّ أنّ من صفات الله سبحانه ما يفيد معنى ثبوتيّاً كالعلم والحياة وهي المشتملة على معنى الكمال، ومنها ما يفيد معنى السلب وهي الّتي للتنزيه كالسبّوح والقدّوس، وبذلك يتمّ انقسام الصفات إلى قسمين: ثبوتيّة، وسلبيّة.

وأيضاً من الصفات ما هي عين الذات ليست بزائدة عليها كالحياة والقدرة والعلم بالذات، وهي الصفات الذاتيّة، ومنها ما يحتاج في تحقّقه إلى فرض تحقّق الذات قبلا كالخلق والرزق وهي الصفات الفعليّة، وهي زائدة على الذات منتزعة عن مقام الفعل، ومعنى انتزاعها عن مقام أنّا مثلاً نجد هذه النعم الّتي نتنعّم بها ونتقلّب فيها نسبتها إلى الله سبحانه نسبة الرزق المقرّر للجيش من قبل الملك إلى الملك فنسمّيها رزقاً، وإذ كان منتهياً إليه تعالى نسمّيه رازقاً، ومثله الخلق والرحمة والمغفرة وسائر الصفات والأسماء الفعليّة، فهي تطلق عليه تعالى ويسمّى هو بها من غير أن يتلبّس بمعانيها كتلبّسه بالحياة والقدرة وغيرها من الصفات الذاتيّة، ولو تلبّس بها حقيقة لكانت صفات ذاتيّة

٣٦٨

غير خارجة من الذات فللصفات والأسماء انقسام آخر إلى الذاتيّة والفعليّة.

ولها انقسام آخر إلى النفسيّة والاضافيّة فما لا إضافة في معناها إلى الخارج عن مقام الذات كالحياة نفسيّ، وما له إضافة إلى الخارج سواء كان معنى نفسيّاً ذا إضافة كالصنع والخلق هي النفسيّة ذات الإضافة، أو معنى إضافيّاً محضاً كالخالقيّة والرازقيّة هي الإضافيّة المحضة.

٤ - نسب الصفات والأسماء إلينا ونسبتها فيما بينها. لا فرق بين الصفة والاسم غير أنّ الصفة تدلّ على معنى من المعاني يتلبّس به الذات أعمّ من العينيّة والغيريّة، والاسم هو الدالّ على الذات مأخوذة بوصف. فالحياة والعلم صفتان، والحيّ والعالم اسمان وإذ كان اللّفظ لا شأن له إلّا الدلالة على المعنى وانكشافه به فحقيقة الصفة والاسم هو الّذي يكشف عنه لفظ الصفة والاسم فحقيقة الحياة المدلول عليها بلفظ الحياة هي الصفة الإلهيّة وهي عين الذات، وحقيقة الذات بحياتها الّتي هي عينها هو الاسم الإلهيّ، وبهذا النظر يعود الحيّ والحياة اسمين للاسم والصفة وإن كانا بالنظر المتقدّم نفس الاسم ونفس الصّفة.

وقد تقدّم أنّا في سلوكنا الفطريّ إلى الأسماء إنّما تفطّنّا بها من جهة ما شاهدناه في الكون من صفات الكمال فأيقنّا من ذلك أنّ الله سبحانه مسمّى بها لما أنّه مالكها الّذي أفاض علينا بها، وما شاهدنا فيه من صفات النقص والحاجة فأيقنّا أنّه تعالى منزّه منها متّصف بما يقابلها من صفة الكمال وبها يرفع عنّا النقص والحاجة فيما يرفع، فمشاهدة العلم والقدرة في الكون تهدينا إلى اليقين بأنّ له سبحانه علماً وقدرة يفيض بهما ما يفيضه من العلم والقدرة، ومشاهدة الجهل والعجز في الوجود تدلّنا على أنّه منزّه عنهما متّصف بما يقابلهما من العلم والقدرة الّذين بهما ترفع حاجتنا إلى العلم والقدرة فيما ترفع، وهكذا في سائرها.

ومن هنا يظهر أنّ جهات الخلقة وخصوصيّات الوجود الّتي في الأشياء ترتبط إلى ذاته المتعالية من طريق صفاته الكريمة أي إنّ الصفات وسائط بين الذات وبين مصنوعاته فالعلم والقدرة والرزق والنعمة الّتي عندنا بالترتيب تفيض عنه سبحانه بما أنّه عالم قادر

٣٦٩

رازق منعم بالترتيب، وجهلنا يرتفع بعلمه، وعجزنا بقدرته، وذلّتنا بعزّته، وفقرنا بغناه، وذنوبنا بعفوه و مغفرته، وإن شئت فقل بنظر آخر هو يقهرنا بقهره ويحدّنا بلا محدوديّته، وينهينا بلا نهايته، ويضعنا برفعته، ويذلّلنا بعزّته، ويحكم فينا بما يشاء بملكه - بالضمّ - ويتصرّف فينا كيف يشاء بملكه - بالكسر فافهم ذلك.

وهذا هو الّذي نجري عليه بحسب الذوق المستفاد من الفطرة الصافية فمن يسأل الله الغنى ليس يقول: يا مميت يا مذلّ أغنني، وإنّما يدعوه بأسمائه: الغنيّ والعزيز والقادر مثلاً، والمريض الّذي يتوجّه إليه لشفاء مرضه يقول: يا شافي يا معافي يا رؤوف يا رحيم ارحمني واشفني، ولن يقول: يا مميت يا منتقم يا ذا البطش اشفني، وعلى هذا القياس.

والقرآن الكريم يصدّقنا في هذا السلوك والقضاء، وهو أصدق شاهد على صحّة هذا النظر فتراه يذيّل آياته الكريمة بما يناسب مضامين متونها من الأسماء الإلهيّة ويعلل ما يفرغه من الحقائق بذكر الاسم والاسمين من الأسماء بحسب ما يستدعيه المورد من ذلك. والقرآن هو الكتاب السماويّ الوحيد الّذي يستعمل الأسماء الإلهيّة في تقرير مقاصده، ويعلّمنا علم الأسماء من بين ما بلغنا من الكتب السماويّة المنسوبة إلى الوحي.

فتبيّن أنّا ننتسب إليه تعالى بواسطة أسمائه، وبأسمائه بواسطة آثارها المنتشرة في أقطار عالمنا المشهود فآثار الجمال والجلال في هذا العالم هي الّتي تربطنا بأسماء جماله وجلاله من حياة وعلم وقدرة وعزّة وعظمة وكبرياء، ثمّ الأسماء تنسبنا إلى الذات المتعالية الّتي تعتمد عليها قاطبة أجزاء العالم في استقلالها.

وهذه الآثار الّتي عندنا من ناحية أسمائه تعالى مختلفة في أنفسها سعة وضيقاً، وهما بإزاء ما في مفاهيمها من العموم والخصوص فموهبة العلم الّتي عندنا تنشعب منها شعب السمع والبصر والخيال والتعقّل مثلاً، ثمّ هي والقدرة والحياة وغيرها تندرج تحت الرزق والإعطاء والإنعام والجود، ثمّ هي والعفو والمغفرة ونحوها تندرج تحت الرحمة العامّة.

ومن هنا يظهر أنّ ما بين نفس الأسماء سعة وضيقاً، وعموماً وخصوصاً على الترتيب الّذي بين آثارها الموجودة في عالمنا فمنها خاصّة، ومنها عامّة، وخصوصها وعمومها بخصوص

٣٧٠

حقائقها الكاشفة عنها آثارها وعمومها، وتكشف عن كيفيّة النسب الّتي بين حقائقها النسب الّتي بين مفاهيمها فالعلم اسم خاصّ بالنسبة إلى الحيّ وعامّ بالنسبة إلى السميع البصير الشهيد اللطيف الخبير والرازق خاصّ بالنسبة إلى الرحمان، وعام بالنسبة إلى الشافي الناصر الهادي وعلى هذا القياس.

فللأسماء الحسنى عرض عريض تنتهي من تحت إلى اسم أو أسماء خاصّة لا يدخل تحتها اسم آخر ثمّ تأخذ في السعة والعموم ففوق كلّ اسم ما هو أوسع منه وأعمّ حتّى تنتهي إلى اسم الله الأكبر الّذي يسع وحده جميع حقائق الأسماء وتدخل تحته شتات الحقائق برُمّتها، وهو الّذي نسمّيه غالباً بالاسم الأعظم.

ومن المعلوم أنّه كلّما كان الاسم أعمّ كانت آثاره في العالم أوسع، والبركات النازلة منه أكبر وأتمّ لما أنّ الآثار للأسماء كما عرفت فما في الاسم من حال العموم والخصوص يحاذيه بعينه أثره، فالاسم الأعظم ينتهي إليه كلّ أثر، ويخضع له كلّ أمر.

٥ - ما معنى الاسم الاعظم؟ شاع بين الناس أنّه اسم لفظيّ من أسماء الله سبحانه إذا دعي به استجيب، ولا يشذّ من أثره شئ غير أنّهم لما لم يجدوا هذه الخاصّة في شئ من الأسماء الحسنى المعروفة ولا في لفظ الجلالة اعتقدوا أنّه مؤلّف من حروف مجهولة تأليفاً مجهولاً لنا لو عثرنا عليه أخضعنا لإرادتنا كلّ شئ.

وفي مزعمة أصحاب العزائم والدعوات أنّ له لفظاً يدلّ عليه بطبعه لا بالوضع اللغويّ غير أنّ حروفه وتأليفها تختلف باختلاف الحوائج والمطالب، ولهم في الحصول عليه طرق خاصّة يستخرجون بها حروفا أوّلاً ثمّ يؤلّفونها ويدعون بها على ما يعرفه من راجع فنّهم.

وفي بعض الروايات الوارادة إشعار مّا بذلك كما ورد أنّ( بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ) أقرب إلى اسم الله الأعظم من بياض العين إلى سوادها، وما ورد أنّه في آية الكرسيّ وأوّل سورة آل عمران، وما ورد أنّ حروفه متفرّقة في سورة الحمد يعرفها الإمام وإذا شاء ألّفها ودعا بها فاستجيب له.

وما ورد أنّ آصف بن برخيا وزير سليمان دعا بما عنده من حروف اسم الله الأعظم

٣٧١

فأحضر عرش ملكة سبأ عند سليمان في أقلّ من طرفة عين، وما ورد أنّ الاسم الأعظم على ثلاث وسبعين حرفاً قسّم الله بين أنبيائه اثنتين وسبعين منها، واستأثر واحدة منها عنده في علم الغيب، إلى غير ذلك من الروايات المشعرة بأنّ له تأليفاً لفظيّاً.

والبحث الحقيقيّ عن العلّة والمعلول وخواصّها يدفع ذلك كلّه فإنّ التأثير الحقيقيّ يدور مدار وجود الأشياء في قوّته وضعفه والمسانخة بين المؤثّر والمتأثّر، والاسم اللفظيّ إذا اعتبر من جهة خصوص لفظه كان مجموعة أصوات مسموعة هي من الكيفيّات العرضيّة، وإذا اعتبر من جهة معناه المتصوّر كان صورة ذهنيّة لا أثر لها من حيث نفسها في شئ البتّة، ومن المستحيل أن يكون صوت أوجدناه من طريق الحنجرة أو صورة خياليّة نصوّرها في ذهننا بحيث يقهر بوجوده وجود كلّ شئ، ويتصرّف فيما نريده على ما نريده فيقلّب السماء أرضاً والأرض سماءً ويحوّل الدنيا إلى الآخرة وبالعكس وهكذا، وهو في نفسه معلول لإرادتنا.

والأسماء الإلهيّة واسمه الأعظم خاصّة وإن كانت مؤثّرة في الكون ووسائط وأسباباً لنزول الفيض من الذات المتعالية في هذا العالم المشهود لكنّها إنّما تؤثّر بحقائقها لا بالألفاظ الدالّة في لغة كذا عليها، ولا بمعانيها المفهومة من ألفاظها المتصوّرة في الأذهان ومعنى ذلك أنّ الله سبحانه هو الفاعل الموجد لكلّ شئ بما له من الصفة الكريمة المناسبة له الّتي يحويها الاسم المناسب، لا تأثير اللفظ أو صورة مفهومة في الذهن أو حقيقة اُخرى غير الذات المتعالية.

إلّا أنّ الله سبحانه وعد إجابة دعوة من دعاه كما في قوله:( أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ) البقرة: ١٨٦، وهذا يتوقّف على دعاء وطلب حقيقيّ، وأن يكون الدعاء والطلب منه تعالى لا من غيره - كما تقدّم في تفسير الآية - فمن انقطع عن كلّ سبب واتّصل بربّه لحاجة من حوائجه فقد اتّصل بحقيقة الاسم المناسب لحاجته فيؤثّر الاسم بحقيقته ويستجاب له، وذلك حقيقة الدعاء بالاسم فعلى حسب حال الاسم الّذي انقطع إليه الداعي يكون حال التأثير خصوصاً وعموماً، ولو كان هذا الاسم هو الاسم الأعظم انقاد لحقيقته كلّ شئ واستجيب للداعي به دعاؤه على الإطلاق. وعلى هذا يجب أن يحمل ما ورد من الروايات و

٣٧٢

الأدعية في هذا الباب دون الاسم اللفظيّ أو مفهومه.

ومعنى تعليمه تعالى نبيّاً من أنبيائه أو عبداً من عباده اسماً من أسمائه أو شيئاً من الاسم الأعظم هو أن يفتح له طريق الانقطاع إليه تعالى باسمه ذلك في دعائه ومسألته فإن كان هناك اسم لفظيّ وله معنى مفهوم فإنّما ذلك لأجل أنّ الألفاظ ومعانيها وسائل وأسباب تحفظ بها الحقائق نوعاً من الحفظ فافهم ذلك.

واعلم أنّ الاسم الخاصّ ربّما يطلق على ما لا يسمّى به غير الله سبحانه كما قيل به في الاسمين: الله، والرحمان. أمّا لفظ الجلالة فهو علم له تعالى خاصّ به ليس اسماً بالمعنى الّذي نبحث عنه، وأمّا الرحمان فقد عرفت أنّ معناه مشترك بينه وبين غيره تعالى لما أنّه من الأسماء الحسنى، هذا من جهة البحث التفسيريّ، وأمّا من حيث النظر الفقهيّ فهو خارج عن مبحثنا.

٦ - عدد الأسماء الحسنى: لا دليل في الآيات الكريمة على تعيّن عدد للأسماء الحسنى تتعيّن به بل ظاهر قوله:( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ) طه: ٨، وقوله:( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا ) الأعراف: ١٨٠، وقوله:( لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الحشر: ٢٤، وأمثالها من الآيات أنّ كلّ اسم في الوجود هو أحسن الأسماء في معناها فهو له تعالى فلا تتحدّد أسمائه الحسنى بمحدّد.

الّذي ورد منها في لفظ الكتاب الإلهيّ مائة وبضعة (١٢٧) وعشرون اسماً هي.

ا - الإله، الأحد، الأوّل، الآخر، الأعلى، الأكرم، الأعلم، أرحم الراحمين، أحكم الحاكمين، أحسن الخالقين، أهل التقوى، أهل المغفرة، الأقرب الأبقى.

ب - البارئ، الباطن، البديع، البرّ، البصير.

ت - التوّاب.

ج - الجبّار، الجامع.

ح - الحكيم، الحليم، الحيّ، الحقّ، الحميد، الحسيب، الحفيظ، الحفيّ.

٣٧٣

خ - الخبير، الخالق، الخلّاق، الخير، خير الماكرين، خير الرازقين، خير الفاصلين، خير الحاكمين، خير الفاتحين، خير الغافرين، خير الوارثين، خير الراحمين، خير المنزلين.

ذ - ذو العرش، ذو الطول، ذو انتقام، ذو الفضل العظيم، ذو الرحمة، ذو القوّة، ذو الجلال والإكرام، ذو المعارج.

ر - الرّحمان، الرّحيم، الرّؤوف، الرّبّ، رفيع الدرجات، الرّزّاق، الرّقيب.

س - السميع، السلام، سريع الحساب، سريع العقاب.

ش - الشهيد، الشاكر، الشكور، شديد العقاب، شديد المحال.

ص - الصمد.

ظ - الظاهر.

ع - العليم، العزيز، العفوّ، العليّ، العظيم، علّام الغيوب، عالم الغيب والشهادة.

غ - الغنيّ، الغفور، الغالب، غافر الذنب، الغفّار.

ف - فالق الإصباح، فالق الحبّ والنوى، الفاطر، الفتّاح.

ق - القويّ، القدّوس، القيّوم، القاهر، القهّار، القريب، القادر، القدير، قابل التوب، القائم على كلّ نفس بما كسبت.

ك - الكبير، الكريم، الكافي.

ل - اللطيف.

م - الملك، المؤمن، المهيمن، المتكبّر، المصوّر، المجيد، المجيب، المبين ، المولى، المحيط، المقيت، المتعال، المحيي، المتين، المتقدر، المستعان، المبدئ ، مالك الملك.

ن - النصير، النور.

و - الوهّاب، الواحد، الوليّ، الوالي، الواسع، الوكيل، الودود.

ه‍ - الهادي.

٣٧٤

وقد تقدّم أنّ ظاهر قوله:( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ) ( لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ) أنّ معاني هذه الأسماء له تعالى حقيقة وعلى نحو الأصالة، ولغيره تعالى بالتبع فهو المالك لها حقيقة، وليس لغيره إلّا ما ملّكه الله من ذلك، وهو مع ذلك مالك لما ملّكه غيره لم يخرج عن ملكه بالتمليك، فله سبحانه حقيقة العلم مثلاً وليس لغيره منه إلّا ما وهبه له وهو مع ذلك له لم يخرج من ملكه وسلطانه.

ومن الدليل على الاشتراك المعنويّ في ما يطلق عليه تعالى وعلى غيره من الأسماء والأوصاف ما ورد من أسمائه تعالى بصيغة أفعل التفضيل كالأعلى والأكرم فإنّ صيغة التفضيل تدلّ بظاهرها على اشتراك المفضّل والمفضّل عليه في أصل المعنى، وكذا ما ورد بنحو الإضافة كخير الحاكمين وخير الرازقين وأحسن الخالقين لظهوره في الاشتراك.

٧- هل أسماء الله توقيفية؟ تبيّن ممّا تقدّم أن لا دليل على توقيفيّه أسماء الله تعالى من كلامه بل الأمر بالعكس، والّذي استدلّ به على التوقيف من قوله:( وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ) الآية مبنيّ على كون اللام للعهد، وأن يكون المراد بالإلحاد التعدّي إلى غير ما ورد من أسمائه من طريق السمع، وكلا الأمرين مورد نظر لما مرّ بيانه.

وأمّا ما ورد مستفيضاً ممّا رواه الفريقان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إنّ لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلّا واحداً من أحصاها دخل الجنّة) أو ما يقرب من هذا اللفظ فلا دلالة فيها على التوقيف. هذا بالنظر إلى البحث التفسيريّ، وأمّا البحث الفقهيّ فمرجعه فنّ الفقه والاحتياط في الدين يقتضي الاقتصار في التسمية بما ورد من طريق السمع، وأمّا مجرّد الإجراء والإطلاق من دون تسمية فالأمر فيه سهل.

( بحث روائي)

في التوحيد بإسناده عن الرّضا عن آبائه عن عليّعليه‌السلام : إنّ لله عزّوجلّ تسعة وتسعين اسماً من دعا الله بها استجاب له، ومن أحصاها دخل الجنّة.

٣٧٥

أقول: وسيجئ نظيره عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من طرق أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام والمراد بقوله:( من أحصاها دخل الجنّة) الإيمان باتّصافه تعالى بجميع ما تدلّ عليه تلك الأسماء بحيث لا يشذّ عنها شاذّ.

وفي الدّر المنثور أخرج البخاريّ ومسلم وأحمد والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجه وابن خزيمة وأبو عوانة وابن جرير وابن أبي حاتم وابن حبّان والطبرانيّ وأبوعبدالله بن منده في التوحيد وابن مردويه وأبونعيم ولبيهقيّ في كتاب الأسماء والصفات عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلّم): إنّ لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلّا واحداً من أحصاها دخل الجنّة إنّه وتر يحبّ الوتر.

أقول: رواها عن أبي نعيم وابن مردويه عنه، ولفظه: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلّم) لله مائة اسم غير اسم من دعا بها استجاب الله له دعاءه، وعن الدار قطنيّ في الغرائب عنه ولفظه: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلّم): قال عزّوجلّ: لي تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنّة.

وفيه أخرج أبو نعيم وابن مردويه عن ابن عبّاس وابن عمر قالا: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ لله تسعة وتسعين اسماً مائة غير واحد من أحصاها دخل الجنّة.

أقول: ورواه أيضاً عن أبي نعيم عن ابن عبّاس وابن عمر ولفظه: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلّم): لله تسعة وتسعون اسماً من أحصاها دخل الجنّة، وهي في القرآن.

أقول: والرواية تعرّض ما سيأتي من روايات الإحصاء حيث إنّ جميعها مشتملة على أسماء ليست في القرآن بلفظها إلّا أن يكون المراد كونها في القرآن بمعناها.

وفي التوحيد بإسناده عن الصادق عن آبائه عن عليّعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ لله تبارك وتعالى تسعة وتسعين اسماً مائة إلّا واحداً من أحصاها دخل الجنّة.

وهي: الله، الإله، الواحد، الأحد، الصمد، الأوّل، الآخر، السميع، البصير، القدير، القاهر، العليّ، الأعلى، الباقي، البديع، الباري، الأكرم، الظاهر الباطن، الحيّ، الحكيم، العليم، الحليم، الحفيظ، الحقّ، الحسيب، الحميد، الحفيّ الربّ، الرحمان، الرحيم، الذاري، الرازق، الرقيب، الرؤوف، الرائي، السلام،

٣٧٦

المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، السيّد، سبّوح، الشهيد، الصادق، الصانع، الظاهر، العدل، العفوّ، الغفور، الغنيّ، الغياث، الفاطر، الفرد، الفتّاح، الفالق، القديم، الملك، القدّوس، القويّ، القريب، القيّوم، القابض، الباسط، قاضي الحاجات، المجيد، المولى، المنّان، المحيط، المبين، المغيث، المصوّر، الكريم، الكبير الكافي، كاشف الضرّ، الوتر، النور، الوهّاب، الناصر، الواسع، الودود، الهادي، الوفيّ، الوكيل، الوارث، البرّ، الباعث، التوّاب، الجليل، الجواد، الخبير، الخالق، خير الناصرين، الديّان، الشكور، العظيم، اللطيف، الشافي.

وفي الدّر المنثور أخرج الترمذيّ وابن المنذر وابن حبّان وابن منده والطبرانيّ والحاكم وابن مردويه والبيهقيّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلّم): إنّ لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلّا واحد من أحصاها دخل الجنّة إنّه وتر يحبّ الوتر: هو الله الّذي لا إله إلّا هو الرحمن، الرحيم، الملك، القدّوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الخالق، البارئ، المصوّر، الغفار، القهّار، الوهّاب، الرزّاق، الفتّاح، العليم، القابض، الباسط، الخافض، الرافع، المعزّ، المذلّ، السميع البصير، الحكم، العدل، اللطيف، الخبير، الحليم، العظيم، الغفور، الشكور، العليّ، الكبير، الحفيظ، المقيت، الحسيب، الجليل، الكريم، الرقيب، المجيب، الواسع، الحكيم، الودود، المجيد، الباعث، الشهيد، الحقّ، الوكيل، القويّ، المتين، الوليّ، الحميد، المحصي، المبدئ، المعيد، المحيي، المميت، الحيّ، القيّوم، الواجد، الماجد، الواحد، الأحد، الصمد، القادر، المقتدر، المقدّم، المؤخّر، الأوّل، الآخر، الظاهر، الباطن، البرّ، التوّاب، المنتقم، العفوّ، الرؤوف، مالك الملك، ذو الجلال والإكرام، الوالي، المتعال، المقسط، الجامع، الغنيّ، المغني، المانع، الضارّ، النافع، النور، الهادي، البديع، الباقي، الوارث، الرشيد، الصبور.

وفيه أخرج ابن أبي الدنيا في الدعاء والطبرانيّ كالاهما و أبوالشيخ والحاكم وابن مردويه وأبو نعيم و البيهقيّ عن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه و آله و سلّم): أنّ لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنّة :

٣٧٧

اسأل الله، الرحمان، الرحيم، الإله، الربّ، الملك، القدّوس، السلام، المؤمن، المهيمن، العزيز، الجبّار، المتكبّر، الخالق، البارئ، المصوّر، الحكيم، العليم، السميع، البصير، الحيّ، القيّوم، الواسع، اللطيف، الخبير، الحنّان، المنّان، البديع، الغفور، الودود، الشكور، المجيد، المبدئ، المعيد، النور، البادى - وفي لفظ: القائم - الأوّل، الآخر، الظاهر، الباطن، العفوّ، الغفّار، الوهّاب، الفرد - وفي لفظ: القادر - الأحد، الصمد، الوكيل، الكافي، الباقي، المغيث، الدائم، المتعال، ذا الجلال والإكرام، المولى، النصير، الحقّ، المبين، الوارث، المنير، الباعث، القدير - وفي لفظ: المجيب - المحيي، المميت، الحميد - وفي لفظ: الجميل - الصادق، الحفيظ، المحيط، الكبير، القريب، الرقيب، الفتّاح، التوّاب، القديم، الوتر، الفاطر، الرزّاق، العلّام، العليّ، العظيم، الغنيّ، المليك، المقتدر، الأكرم، الرؤوف، المدبّر، المالك، القاهر، الهادي، الشاكر، الكريم، الرفيع، الشهيد، الواحد، ذا الطول، ذا المعارج، ذا الفضل، الخلّاق، الكفيل، الجليل.

أقول: وذكر لفظ الجلالة في هذه الروايات المشتملة على الإحصاء لإجراء الأسماء عليه. وإلّا فهو خارج عن العدد.

وفيه أخرج أبونعيم عن محمّد بن جعفر قال: سألت أبي جعفر بن محمّد الصادق عن الأسماء التسعة والتسعين الّتي من أحصاها دخل الجنّة فقال: هي في القرآن: ففي الفاتحة خمسة أسماء، يا الله يا ربّ يا رحمان يا رحيم يا مالك، وفي البقرة ثلاثة وثلاثون اسماً: يا محيط يا قدير يا عليم يا حكيم يا عليّ يا عظيم يا توّاب يا بصير يا وليّ يا واسع يا كافي يا رؤوف يا بديع يا شاكر يا واحد يا سميع يا قابض يا باسط يا حيّ يا قيّوم يا غنيّ يا حميد يا غفور يا حليم يا إله يا قريب يا مجيب يا عزيز يا نصير يا قويّ يا شديد يا سريع يا خبير.

وفي آل عمران: يا وهّاب يا قائم يا صادق يا باعث يا منعم يا متفضّل، وفي النساء: يا رقيب يا حسيب يا شهيد يا مقيت يا وكيل يا عليّ يا كبير، وفي الأنعام يا فاطر يا قاهر يا لطيف يا برهان، وفي الأعراف: يا محيي يا مميت، وفي الأنفال يا نعم المولى يا نعم

٣٧٨

النصير، وفي هود: يا حفيظ يا مجيد يا ودود يا فعّالاً لما يريد، وفي الرعد: يا كبير يا متعال، وفي إبراهيم: يا منّان يا وارث، وفي الحجر: يا خلّاق.

وفي مريم: يا فرد، وفي طه: يا غفّار، وفي قد أفلح: يا كريم، وفي النور: يا حقّ، يا مبين، وفي الفرقان: يا هادي، وفي سبأ يا فتّاح، وفي الزمر: يا عالم، وفي غافر: يا غافر يا قابل التوب يا ذا الطول يا رفيع، وفي الذاريات: يا رزّاق يا ذا القوّة يا متين، وفي الطور: يا برّ.

وفي اقتربت: يا مليك يا مقتدر، وفي الرحمن: يا ذاالجلال والإكرام يا ربّ المشرقين يا ربّ المغربين يا باقي يا محسن، وفي الحديد: يا أوّل يا آخر يا ظاهر يا باطن، وفي الحشر: يا ملك يا قدّوس يا سلام يا مؤمن يا مهيمن يا عزيز يا جبّار يا متكبّر يا خالق يا بارئ يا مصوّر، وفي البروج يا مبدئ يا معيد، وفي الفجر: يا وتر، وفي الاخلاص: يا أحد يا صمد.

أقول: والرواية لا تخلو عن تشويش فإنّ فيه إدخال لفظ الجلالة في الأسماء التسعة والتسعين وليس منها، وقد كرّر بعض الأسماء كالكبير، وقد ذكر في أوّلها التسعة والتسعون، واُنهيت إلى مائة وعشرة أسماء، وفيها مع ذلك موضع مناقشات اُخر فيما يذكر من وجود الاسم في بعض السور كالفرد في سورة مريم، والبرهان في سورة الأنعام. إلى غير ذلك.

وعلى أيّ حال ظهر لك من هذه الروايات وهي الّتي عثرنا عليها من روايات الإحصاء أنّها لا تدلّ على انحصار الأسماء الحسنى فيما تحصيها مع ما فيها من الاختلاف في الأسماء، وذكر بعض ما ليس في القرآن الكريم بلفظ الاسميّة، وترك بعض ما في القرآن الكريم بلفظ الاسمّية بل غاية ما تدلّ عليه أنّ من أسماء الله تسعة وتسعين من خاصّتها أنّ من دعا بها استجيب له، ومن أحصاها دخل الجنّة.

على أنّ هناك روايات اُخرى تدلّ على كون أسمائه تعالى أكثر من تسعة وتسعين كما سيأتي بعضها، وفي الأدعية المأثورة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأئمّة أهل البيتعليهم‌السلام شئ كثير من أسماء الله غير ما ورد منها في القرآن واُحصى في روايات الإحصاء.

٣٧٩

وفي الكافي بإسناده عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: أنّ الله تبارك وتعالى خلق اسماً بالحروف غير متصوّت، وباللفظ غير منطق، و بالشخص غير مجسّد، وبالتشبية غير موصوف، وباللون غير مصبوغ، منفيّ عنه الأقطار مبعّد عنه الحدود، محجوب عنه حسّ كلّ متوهّم مستتر غير مستور.

فجعله كلمة تأمّة على أربعة أجزاء معاً ليس منها واحد قبل الآخر فأظهر منها ثلاثة أسماء لفاقة الخلق إليها، وحجب واحداً منها وهو الاسم المكنون والمخزون فهذه الأسماء الّتي ظهرت(١) فالظاهر هو الله، تبارك، وتعالى، وسخّر سبحانه لكلّ اسم من هذه الأسماء أربعة أركان فذلك اثنا عشر ركناً، ثمّ خلق لكلّ ركن منها ثلاثين اسماً فعلاً منسوباً إليها: فهو الرحمان، الرحيم، الملك، القدّوس، الخالق، البارئ، المصوّر، الحيّ، القيّوم، لا تأخذه سنة ولا نوم، العليم، الخبير، السميع، الحكيم، العزيز، الجبّار، المتكبّر، العليّ، العظيم، المقتدر، القادر، السلام، المؤمن، المهيمن، البارئ، المنشئ، البديع، الرفيع، الجليل، الكريم، الرازق، المحيي، المميت، الباعث، الوارث.

فهذه الأسماء وما كان من الأسماء الحسنى حتّى تتمّ ثلاثمأة وستّين اسماً فهي نسبة لهذه الأسماء الثلاثة، وهذه الأسماء الثلاثة أركان، وحجب الاسم الواحد(٢) المكنون المخزون بهذه الأسماء الثلاثة، وذلك قوله عز وجل:( قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ )

أقول: قولهعليه‌السلام إنّ الله تبارك وتعالى خلق اسماً بالحروف غير متصوّت الخ هذه الصفات المعدودة صريحة في أنّ المراد بهذا الاسم ليس هو اللفظ، ولا معنى يدلّ عليه اللفظ من حيث إنّه مفهوم ذهني فإنّ اللفظ والمفهوم الذهنيّ الّذي يدلّ عليه لا معنى لاتّصافه بالاوصاف الّتي وصفه بها وهو ظاهر، وكذا يأبي عنه ما ذكره في الرواية بعد ذلك فليس المراد بالاسم إلّا المصداق المطابق للّفظ لو كان هناك لفظ، ومن المعلوم أنّ الاسم بهذا المعنى - وخاصّة بالنظر إلى تجزّية بمثل: الله وتبارك وتعالى - ليس إلّا الذات المتعالية أو هو قائم بها غير خارج عنها البتّة.

____________________

(١) رواه في التوحيد هكذا: المخزون بهذه الأسماء الثلاثة الّتي ظهرت: فالظاهر هو الله (و) تبارك وسبحان ولكلّ اسم من هذه أربعة أركان الخ.

(٢) في التوحيد : اركان و حجب للاسم الواحد الخ

٣٨٠