هل لأنّه وضع أربعة آلاف حديث ونسبها إلى النبي كما يقولون؟
ما أظن فابن أبي العوجاء لم يعترف بوضع تلك الأحاديث إلاّ حين أُخذ لتُضرب عنقه وأحسّ بالقتل، كما تؤكّد النصوص التي سمعناه، وليس قبل ذلك.
ما هي التهمة إذن؟ الزندقة؟ ولماذا لم تقتل هذه التهمة غيره من أصحابه الذين شهروا بها كأبي نواس وواليه ومطيع وحماد ويونس، وكانوا خلطاء لا يفترقون حتى في الزندقة.
لقد قتل من هؤلاء عبد الله بن المقفّع.
وقتل صالح بن عبد القدوس.
وها هو عبد الكريم بن أبي العوجاء يلحق بهم.
فماذا بين هؤلاء الثلاثة من جامع يفردهم عن أصحابهم ويجعلهم المقتولين دونهم.
أظنـه: الفكر
لقد كان ابن المقفّع مفكّراً، وكان صالح بن عبد القدوس مفكّراً، وكان عبد الكريم بن أبي العوجاء مفكّراً.
وليس من شيء يخيف السلطة أكثر من الفكر حين يبحث وينقد ويرفض.
قصر الآخرون من الزنادقة، كما يدّعون، نشاطهم على اللهو والخمر والمجون فنجوا وتركتهم السلطة في لهوهم وخمرهم ومجونهم أو شجعتهم وأذاعت ما ينظمون ويصورون في لهوهم وخمرهم ومجونهم.
وتجاوز ابن المقفّع وابن عبد القدوس وابن أبي العوجاء ما هو مسموح به من السلطة أو ما كانت تشجع عليه فكان القتل مصيرهم وسيلحق بهم بشّار.
أما الأربعة آلاف حديث التي يحاول الرواة أن يجعلوا منها السبب في مقتل ابن أبي العوجاء فليس فيها ما يقنع فنحن حتى اليوم لا نعرف منها واحداً نص عليه رجال الحديث بأنه من وضع عبد الكريم.
أين ما حلّله ابن أبي العوجاء ممّا حرّمه الإسلام؟ هل حلّل القتل أو الزنا أو السرقة أو شهادة الزور؟
لقد كانت هذه محرّمة قبل ابن أبي العوجاء وفي عصره وبعد عصره حتى اليوم؛ لم يشك في حرمتها أحد ولم يذهب إلى استحلالها أحد منذ حرّمها الإسلام.
وأين ما حرّمه ممّا حلّله أو أوجبه الله على عباده؟ ولأترك الصلاة والصوم والحج وغيرها من أركان الإسلام التي لا يجرؤ عبد الكريم ولا مَن هو أكبر منه على المس بها لا تحريمها، إلاّ إذا خرج جهاراً من الإسلام مبشّراً بدين جديد، وهو ما لم يفعله عبد الكريم. ولو فعله لوجد ألف سيف، قبل سيف السلطة تتوزّع لحمه.
ماذا حرّم ابن أبي العوجاء إذن في الأربعة آلاف حديث التي دسّها؟! هل حرّم صلة الرحم أو عيادة المريض أو مساعدة المحتاجين ممّا يدعو إليه الإسلام ويحث عليه؟!