وأظننا لا نستغرب في مثل هذا الوضع أن تقوم ثورات وثوّار، أصحاب دين انتصاراً لدينهم وغضباً له، أو أصحاب دنيا طلباً للحكم والسلطة باسم الدين وتحت رايته.
ثار هؤلاء وتبعهم الناس وثاروا معهم وقاتلوا وقتلوا في صفوفهم. لم يُجبروا على ذاك ولم يكرهوا، ولم يدفع لهم ثمن للانضمام إليهم والقتال معهم، إلاّ كرههم للحكم الأموي وبرمهم به، وعدم صبرهم على ظلمه ويأسهم من صلاحه.
ثار هؤلاء وكلهم عرب من قبائل عربية شهيرة وأُسر عربية أشهر.
ثاروا طوائف وفرق، وثاروا أفراداً انضم إليهم والتحق بهم هؤلاء المظلومون من العرب المسلمين.
هل كانوا يثورون لو لم يظلم الحكم ويتعسّف ويجور؟
وهل كان سيثور معهم أحد وينضم إليهم أحد، لو لم يكن الحكم فاسداً قد ملّه الناس وملّوا ظلمه وتعسّفه وجوره؟
ثار الخوارج ابتداءً من فروة بن نوفل الأشجعي وحوثرة بن وداع، حتى نافع وقطري وشبيب.
وثار الشيعة ابتداءً من سليمان بن صرد الخزاعي في عين الوردة، والمختار بن أبي عبيد، حتى زيد بن علي.
وثار عبد الله بن الزبير وعبد الرحمان بن الأشعث ويزيد بن المهلب.
فهل رأيت بين هؤلاء مَن لم يكن عربياً ومن أُسرة عربية معروفة؟!
هل فيهم مَن هو مولى يريد الكيد للعروبة والإسلام وإعادة مجد فارس ودين ماني ومزدك؟!
أكانت الثورة لهواً ومجلس شراب، فثاروا وتبعهم الناس يتدافعون وراء كأس خمر وسماع مغنٍّ والتمتّع برقص جارية.
ليس السؤال لم ثاروا، لكن السؤال - لو لم يثوروا - لمَ لمْ يثوروا؟
ثاروا لأنّه كان لا بد أن يثوروا، وإلاّ جرّدناهم من أفضل صفات الإنسان وأكرمها، حين يظلم فيخضع ويستكين ولا يرفض ولا يتمرّد ولا يثور. وما أظن هذا ممّا يشرّف العرب ويرضي كبرياءهم وإن كان يرضي - كما يبدو - هؤلاء العروبيين الذين يقفون دائماً مع السلطة وينتصرون لها ويدافعون عن جرائمها، وينسون دائماً هذه الجماهير المضطهدة المظلومة ويلومونها ويتهمونها إن توجّعت أو صرخت أو تحرّكت، مع أنّها لا تختلف في عروبتها عن عروبة حكّامهم الظالمين لهم.
ولقد تساءلت: إن كان عروبيو هذا العهد من الكتّاب والمؤلّفين المدافعين عن بني أُميّة أصرح عروبة، وأشد اعتزازاً بها ودفاعاً عنها من ابن الزبير وابن الأشعث وابن المهلب، لولا هذا الجهل والحمق والغباء الذي يجعل كل ثائر في نظرهم ضد سلطة عربية، شعوبياً أو مخدوعاً بها أو مسخراً منه.