الغدير في الكتاب والسُنّة والأدب الجزء ٢

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 388
مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 388
سنة ١١٨١.
١٢ - سيِّدنا المحسن الأمين العاملي مؤلِّف أعيان الشيعة.
١٣ - عمر فرّوخ من كتّاب العصر الحاضر، له تأليفٌ في المترجم طبع ببيروت في مائة صحيفة.
وتوجد ترجمته في طبقات إبن المعتزّ ص ١٣٣. فهرست إبن النديم ص ٢٣٥. تأريخ الطبري ١١ ص ٩. فهرست النجاشي ص ١٠٢. تأريخ الخطيب ٨ ص ٢٤٨. مروج الذهب ٢ ص ٢٨٣ و ٣٥٧. معجم البلدان ٣ ص ٣٧. تأريخ إبن عساكر ٤ ص ١٨ - ٢٧. نزهة الألبّاء ص ٢١٣. تأريخ إبن خلِّكان ١ ص ١٣١. رجال إبن داود. خلاصة العلّامة. مرآت الجنان ٢ ص ١٠٢. معاهد التنصيص ١ ص ١٤. شذرات الذهب ٢ ص ٧٢. مجالس المؤمنين ص ٤٥٨. كشف الظنون ١ ص ٥٠١. رياض الجنَّة للزنوزي في الروضة الرابعة. أمل الآمل ص ٨. منتهى المقال ص ٩٦. منهج المقال ص ٩٢. تكملة أمل الآمل لسيّدنا الصدر الكاظمي. دائرة المعارف للبستاني ٢ ص ٥٦. دائرة المعارف الإسلاميَّة ١ ص ٣٢٠. دائرة المعارف لفريد وجدي ٢ ص ٦٨٥ - ٦٩٣. وغيرها.
ولادته ووفاته
لم نجزم فيهما بشئ ممّا في المعاجم لتكثّر الإختلاف فيها، وكان الحقيق أن يُؤخذ بالمنقول عن إبنه تمام إذ أهل البيت أدرى بما فيه، لكن إختلاف المعاجم في المنقول عنه يسلب الثقة به، فمجموع الأقوال: أنَّه وُلد سنة ١٧٢، ١٨٨، ١٩٠، ١٩٢ وتوفّي سنة ٢٢٨، ٢٣١، ٢٣٢ بالموصل ودفن بها وبنى عليه أبو نهشل بن حميد الطوسي قبَّة خارج باب الميدان على حافّة الخندق ورثاه عليُّ بن الجهم بقوله:
غاضت بدائع فطنة الأوهام |
وغدت عليها نكبة الأيّامِ |
|
وغدا القريض ضئيل شخص باكياً |
يشكو رزيَّته إلى الأقلامِ |
|
وتأوَّهت غور القوافي بعده |
ورمى الزَّمان صحيحها بسقامِ |
|
أودى مثقَّفها ورائد صعبها |
وغدير روضتها أبا تمامِ |
وقال الحسن بن وهب يرثيه:
فُجع القريض بخاتم الشعراءِ |
وغدير روضتها حبيب الطائي |
|
ماتا معاً فتجاورا في حفرةٍ |
وكذاك كانا قبلُ في الأحياءِ |
قد يُعزى البيتان إلى ديك الجنِّ. ورثاه الحسن بن وهب أيضاً بقوله من قصيدة:
سقى بالموصل القبر الغريبا |
سحايبُ ينتحبن له نحيبا |
|
إذا أظللنه أظللن فيه |
شعيب المزن يتبعها شعيبا |
|
ولطَّمن البروق به خدوداً |
وأشققن الرُّعود به جيُوبا |
|
فإنَّ تراب ذاك القبر يحوي |
حبيبا كان يدعى لي حبيبا |
ورثاه محمد بن عبد الملك الزّيات وزير المعتصم، وقيل: إنَّه لأبي الزبرقان عبد الله بن الزبرقان الكاتب مولى بني أُميَّة بقوله:
نبأُ أتى من أعظم الأنباءِ |
لما ألمَّ مقلقل الأحشاءِ |
|
قالوا: جبيبٌ قد ثوى فأجبتهم |
ناشدتكم لا تجعلوه الطائي |
سُئل شرف الدين أبو المحاسن محمد بن عنين عن معنى قوله:
سقى الله روح الغوطتين ولا ارتوت |
من الموصل الجدباء إلّا قبورها |
لِمَ حرَّمها وخصَّ قبورها؟! فقال: لأجل أبي تمام.
خلف المترجم ولده الشاعر تمام، قصد بعد موت أبيه عبد الله بن طاهر فاستنشده فأنشده:
حيّاك ربُّ الناس حيّاكا |
إذ بجمال الوجه روّاكا |
|
بغداد من نورك قد أشرقت |
وأورق العود بجدواكا |
فأطرق عبد الله ساعة ثمَّ قال:
حيّاك ربُّ الناس حيّاكا |
إنَّ الذي أمَّلت أخطاكا |
|
أتيت شخصاً قد خلا كيسه |
ولو حوى شيئاً لأعطاكا |
فقال: أيّها الأمير؟ إنَّ بيع الشعر بالشعر ربا فاجعل بينهما فضلاً من المال. فضحك منه وقال: لئن فاتك شعر أبيك فما فاتك ظرفه: فأمر له بصلة. [غرر الخصايص لوطواط ص ٢٥٩].
الجواد قد يكبو
لا ينقضي العجب وكيف ينقضي من مثل أبي تمام العريق في المذهب، والعارف
بنواميسه، والبصير بأحوال رجالاته، وما لهم من مآثر جمَّة، وجهود مشكورة، وهو جِدُّ عليم بما لأضدادهم من تركاض وهملجة في تشويه سمعتهم، وإعادة تاريخهم المجيد المملؤ بالأوضاح، والغرر، إلى صورة ممقوتة، محفوفة بشية العار، مشفوعة كلّ هاتيك بجلبة ولغط، وقد انطلت لديه أمثلة من تلكم السفاسف حول رجل الهدى، الناهض المجاهد، والبطل المغوار، المختار بن أبي عُبيد الثقفي؛ فحسب ما قذفته به خصمآءه الألدّاء في دينه وحديثه ونهضته حقايق راهنة حتّى قال في رائيَّته المثبتة في ديوانه ص ١١٤.
والهاشميّون استقلّت عيرهم |
من كربلاء بأوثق الأوتارِ |
|
فشفاهم المختار منه ولم يكن |
في دينه المختار بالمختارِ |
|
حتى إذا انكشفت سرائره اغتدوا |
منه براء السمع والأبصارِ |
ومَن عطف على التاريخ والحديث وعلم الرجال نظرةً تشفعها بصيرة نفّاذة علم أنَّ المختار في الطليعة من رجالات الدين والهدى والإخلاص؛ وأنّ نهضته الكريمة لم تكن إلّا لإقامة العدل باستيصال شأفة الملحدين، وإجتياح جذوم الظلم الأمويّ، وإنَّه بمنزح من المذهب الكيساني؛ وإنَّ كل ما نبزوه من قذائف وطامّات لا مقيل لها من مستوى الحقيقة والصدق، ولذلك ترحَّم عليه الأئمَّة الهداة سادتنا: السجّاد والباقر والصادق صلوات الله عليهم، وبالغ في الثناء عليه الإمام الباقر عليه السَّلام، ولم يزل مشكوراً عند أهل البيت الطاهر هو وأعماله.
وقد أكبره ونزَّهه العلماء الأعلام منهم: سيِّدنا جمال الدين إبن طاوس في رجاله. وآية الله العلّامة في الخلاصة. وإبن داود في الرجال. والفقيه إبن نما فيما أفرد فيه من رسالته المسمّاة بذوب النضار. والمحقِّق الأردبيلي في حديقة الشيعة. وصاحب المعالم في التحرير الطاووسي. والقاضي نور الله المرعشي في المجالس. وقد دافع عنه الشيخ أبو عليّ في منتهى المقال. وغيرهم.
وقد بلغ من إكبار السلف له أنَّ شيخنا الشهيد الأوَّل ذكر في مزاره زيارةً تخصُّ به ويُزار بها وفيها الشهادة الصريحة بصلاحه ونصحه في الولاية وإخلاصه في طاعة الله ومحبَّة الإمام زين العابدين، ورضا رسول الله وأمير المؤمنين صلوات الله
عليهما وآلهما عنه؛ وأنَّه بذل نفسه في رضا الأئمَّة ونصرة العترة الطاهرة والأخذ بثأرهم.
والزيارة هذه توجد في كتاب «مراد المريد» وهو ترجمة مزار الشهيد للشيخ علي بن الحسين الحايري، وصحَّحها الشيخ نظام الدين الساوجي مؤلِّف «نظام الأقوال» ويظهر منها أنّ قبر المختار في ذلك العصر المتقادم كان من جملة المزارات المشهورة عند الشيعة، وكانت عليه قبَّةٌ معروفةٌ كما في رحلة إبن بطوطة ١ ص ١٣٨.
ولقد تصدّى لتدوين أخبار المختار وسيرته وفتوحه ومعتقداته وأعماله جماعةٌ من الأعلام فمنهم:
١ - أبو مخنف لوط بن يحيى الأزدي المتوفّى ١٥٧، له كتاب [ أخذ الثار في المختار ].
٢ - أبو المفضل نصر بن مزاحم المنقري الكوفي العطّار المتوفّى ٢١٢، «أخبار المختار».
٣ - أبو الحسن عليّ بن عبد الله بن أبي سيف المدايني المتوفّى ٢١٥ / ٢٥ «أخبار المختار».
٤ - أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الثقفي الكوفي المتوفّى ٢٨٣، له «أخبار المختار».
٥ - أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي المتوفّى ٣٠٢، له «أخبار المختار».
٦ - أبو جعفر محمد بن علي بن بابويه القمي الصدوق المتوفّى ٣٨١، له »كتاب المختار».
٧ - أبو جعفر محمد بن الحسن الطوسي المتوفّى ٤٦٩، له [ مختصر أخبار المختار ].
٨ - أبو يعلى محمد بن الحسن بن حمزة الجعفري الطالبي خليفة شيخنا المفيد، له «أخبار المختار».
٩ - الشيخ أحمد بن المتوّج له «الثارات» أو «قصص الثار». منظومة.
١٠ - الفقيه نجم الدين جعفر الشهير بابن نما المتوفّى ٦٤٥، له (ذوب النضار
في شرح الثار) طبع برمَّته في المجلد العاشر من البحار.
١١ - الشيخ عليّ بن الحسن العاملي المروزي له [ قرَّة العين في شرح ثارات الحسين ] فرغ منه. ٢٠ رجب سنة ١١٢٧.
١٢ - الشيخ أبو عبد الله عبد بن محمد له [ قرَّة العين في شرح ثار الحسين ] طبع مع [ نور العين ومثير الأحزان ].
١٣ - السيِّد إبراهيم بن محمد تقي حفيد العلّامة الكبير السيِّد دلدار علي النقوي النصير آبادي له [ نور الأبصار في أخذ الثار ].
١٤ - المولى عطاء الله بن حسام الهروي له (روضة المجاهدين) طبع سنة ١٣٠٣.
١٥ - المولى محمد حسين بن المولى عبد الله الأرجستاني، له «حملة مختاريَّة».
١٦ - الكاتب الهندي نوّاب علي نزيل لكهنو له «نظارة إنتقام» طبع في جزئين.
١٧ - الحاج غلام علي بن إسماعيل الهندي، له «مختار نامه».
١٨ - سيِّدنا السيِّد محسن الأمين العاملي له [ أصدق الأخبار في قصَّة الأخذ بالثار ] ط.
١٩ - السيِّد حسين الحكيم الهندي، له ترجمة (ذوب النضار) لابن نما.
٢٠ - السيِّد محمد حسين بن السيِّد حسين بخش الهندي المولود ١٢٩٠، له (تحفة الأخيار في إثبات نجاة المختار).
٢١ - الشيخ ميرزا محمد علي الأوردبادي، له [ سبيك النضار. أو: شرح حال شيخ الثار ] في مائتي وخمسين صحيفة وقد أدّى فيه حق المقال، وأغرق نزعاً في التحقيق، و لم يُبق في القوس منزعا، قرأت كثيراً منه ووجدته فريداً في بابه لم يؤلِّف مثله، جزاءه الله عن الحقِّ والحقيقة خيرا. وله في المختار قصيدةٌ على رويِّ قصيدة أبي تمام عطف فيها على مديحه إطراء صاحبه ومشاطره في الفضيلة: إبراهيم بن مالك الأشتر وهي:
يهنيك يا بطل الهدى والثارِ |
ما قد حويت بمدرك الأوتارِ |
|
لك عند آل محمد كم من يد |
مشكورة جلّت عن الأكبارِ |
|
عرفتك مقبلة الخطوب محنَّكاً |
فيه جنان مهذّب مغوارِ |
أضرمت للحرب العوان لظىً بها |
أضحت بنو صخر وقود النارِ |
|
وأذقت نغل سُميَّة بأس الهدى |
وأُميَّةً كأس الرَّدى والعارِ |
|
فرؤا هواناً عند ضفَّة خاذرٍ |
بمهنَّد عند الكريهة وارِ |
|
فرَّقت جمعهم العرمرم عنوةً |
يوم الهياج بفيلق جرَّارِ |
|
وفوارس من حزب آل المصطفى |
أُسد الوغى خوّاضة الأخطارِ |
|
وبواسل لم تغرهم وثباتهم |
إلّا بكلِّ مدجّج ثُوّارِ |
|
لم يعرفوا إلّا الإمام وثاره |
فتشادقوا فيها بيا لَلثارِ |
|
فتفرَّقت فرقاً علوج أُميَّة |
من كلِّ زنّاء إلى خمّارِ |
|
وأخذت ثاراً قبله لم تكتحل |
علويَّةٌ مذ أُرزئت بالثّارِ |
|
وعمرت دوراً هدّمت منذ العدى |
بالطفِّ قد أوردت بربِّ الدارِ |
|
عظم الجراح فلم يُصب أعماقه |
إلّاك يا حُيّيت من مسبارِ |
|
في نجدةٍ ثقفيَّة يسطو بها |
في الروع من نخع هزبر ضاري |
|
النَّدب إبراهيم من رضخت له |
الصيد الأُباة بملتقى الآصارِ |
|
من زانه شرف الهدى في سؤدد |
وعلاً يفوح بها أريج نجارِ |
|
حشو الدروع أخو حجى من دونه |
هضب الرواسي الشمّ في المقدارِ |
|
إن يحكه فالليث في حملاته |
والغيث في تسكابه المدرارِ |
|
أو يحوه فقلوب آل محمد |
المصطفين السّادة الأبرارِ |
|
ما إن يخض عند اللّقافي غمرة |
إلّا وأرسب من سطا بغمارِ |
|
أو يمّم الجلّى بعزمٍ ثاقبٍ |
إلّا وردّ شواظها بأُوارِ |
|
المرتدي حلل المديح مطارفاً |
والممتطي ذللاً لكلِّ فخارِ |
|
وعليه كلّ الفضل قصرٌ مثلما |
كلُّ الثنا قصرٌ على المختارِ |
|
عن مجده أرج الكبا وحديثه |
زهت الروابي عنه بالأزهارِ |
|
ومآثرٌ مثل النجوم عدادها |
قد شفّعت بمحاسن الآثارِ |
|
وكفاه آل محمد ومديحهم |
عمّا يُنضّد فيه من أشعارِ |
|
أسفي على أن لم أكن من حزبه |
وكمثلهم عند الكفاح شعاري |
فهناك إمّا موتةٌ أرجو بها |
أجر الشهادة في ثناءٍ جاري |
|
أو أنَّني أحظى بنيل المبتغى |
من آل حرب مدركاً أوتاري |
|
وأخوض في الأوساط منهم ضارباً |
ثبج العدى بالمقضب البتّارِ |
|
ولأثكلنَّ أراملاً في فتيةٍ |
نشئوا على الإلحاد في استهتارِ |
|
ومشيخة قد أورثوا كلّ الخنا |
والعار أجرية من الكفّارِ |
|
لكن على ما فيَّ من مضض الجوى |
إذ لم أكن أحمي هناك ذماري |
|
لم تعدني تلك المواقف كلّها |
إذ أنَّ ما فعلوا بها مختاري |
|
فلقد رضيت بما أراقوا من دمٍ |
فيها لكلِّ مذمَّم كفّارِ |
|
ولأشفينَّ النفس منهم في غدٍ |
عند اشتباك الجحفل الموّارِ |
|
يوم إبن طه عاقدٌ لبنوده |
وجنوده تلتاح في إعصارِ |
|
تشوي الوجوه لظىً به نزّاعة |
لشوى الكماة بأنصل وشفارِ |
|
فهنالك الظفر المريح جوى الحشا |
من رازحٍ في كربه بأسارِ |
|
ويتمُّ فيه القصد من عُصب الولا |
لبني الهدى كالسيِّد المختارِ |
|
يا أيّها النَّدب المؤجَّج عزمه |
وأمين آل المصطفى الأطهارِ |
|
يا نجعة الخطب الملمِّ وآفة الـ |
ـكرب المهمَّ وندحة الأوزارِ |
|
لا غرو إن جهلت علاك عصابةٌ |
فالقوم في شُغل عن الإبصارِ |
|
فلقد بزغت ذكاً وهل يُزرى بها |
إن تعش عنها نظرةُ الإبصارِ؟! |
|
لك حيث مرتبع الفخار مبائةٌ |
ولمن قلاك مزلَّة الإغرارِ |
|
ومبوَّءٌ لك في جوار محمَّدٍ |
وملاذ عترته حماة الجارِ |
|
فلئن رموك بمحفظ من إفكهم |
فالطود لا يلوى بعصف الذاري |
|
أو يجحدوك مناقباً مأثورةً |
مشكورةً في الورد والإصدارِ |
|
فلك الحقيقة والوقيعة لم تزل |
عن قدس مجدك في شفير هارِ |
|
فتهنّ محتبياً بسؤددك الذي |
تزورّ عنه جلبة المهذارِ |
|
خذها إليك قصيدةً منضودةً |
من جوهرٍ أو من سبيك نضارِ |
|
لم يحكها نجم السماء لأنَّها |
بزغت بشارقة من الأقمارِ |
كلّا ولا ضاهى محاسن نظمها |
ما عن حُطيئة جاء أو بشّارِ |
|
هي غادةٌ زفَّت إليك ولم يُشن |
إقبالها بدُعارة ونفارِ |
|
هبَّت عليك نسائمٌ قدسيَّة |
حيَّت ثراك برحمةٍ ويسارِ |
|
وسقى لإبراهيم مضطجع الهدى |
ودق الغمام المرزم المكثارِ |
|
ما نافح الروض النسيم مشفّعاً |
سجع البلابل فيه شدو هزارِ |
|
يتلو كَما يُتلى بكلِّ صحيفة |
مرّ العشيِّ وكرَّة الإبكارِ |
١٠ - دعبل الخزاعي
الشهيد ٢٤٦
تجاوبن بالأرنان والزفراتَ |
نوائح عجم اللفظ والنطقاتِ |
|
يخبِّرن بالأنفاس عن سرِّ أنفس |
أُسارى هوى ماضٍ وآخر آتِ |
|
فأسعدن أو أسعفن حتّى تقوَّضت(١) |
صفوف الدجا بالفجر منهزماتِ |
|
على العرصات الخاليات من المها |
سلام شجٍ صبّ على العرصاتِ(٢) |
|
فعهدي بها خضر المعاهد مألفاً |
من العطرات البيض والخفراتِ(٣) |
|
ليالي يعدين الوصال على القلا |
ويعدى تدانينا على الغرباتِ |
|
وإذ هنَّ يلحظن العيون سوافراً |
ويسترن بالأيدي على الوجناتِ |
|
وإذ كلُّ يوم لي بلحظيَّ نشوةٌ |
يبيت بها قلبي على نشواتِ |
|
فكم حسرات هاجها بمحسَّر(٤) |
وُقوفيَ يوم الجمع من عرفاتِ |
|
ألم تر للأيّام ما جرَّ جورها |
على الناس من نقص وطول شتاتِ؟! |
|
ومن دُول المستهزئين ومن غدا |
بهم طالباً للنور في الظلماتِ |
|
فكيف ومن أنّى بطالب زلفة |
إلى الله بعد الصوم والصلواتِ؟!؟! |
|
سواحبِّ أبناء النبيِّ ورهطه |
وبغض بني الزرقاء والعبلاتِ |
|
وهند وما أدَّت سُميَّة وابنها |
أولوا الكفر في الإسلام والفجراتِ |
|
همُ نقضوا عهد الكتاب وفرضه |
ومحكمه بالزور والشبهاتِ |
|
ولم تك إلّا محنة قد كشفتهم |
بدعوى ظلال من هَنٍ وهناتِ |
|
تراثٌ بلا قربى وملكٌ بلا هدى |
وحكمٌ بلا شورى بغير هداتِ |
____________________
١ - تقوضت الصفوف: انتقضت وتفرقت.
٢ - المها: البقرة الوحشية. الصب: العاشق وذو الولع الشديد.
٣ - خفرت الجارية: استحيت أشدّ الحياء.
٤ - وادي محسر بكسر السين المشددة: حد «منى» إلى جهة «عرفة».
رزايا أرتنا خضرة الأُفق حمرة |
وردّت أجاجاً طعم كلِّ فراتِ |
|
وما سهلت تلك المذاهب فيهمُ |
على الناس إلّا بيعة الفلتاتِ |
|
وما قيل أصحاب السقيفة جهرةً |
بدعوى تراث في الضلال نتاتِ |
|
ولو قلّدوا الموصى إليه أُمورها |
لزمّت بمأمون عن العثراتِ |
|
أخي خاتم الرسل المصفّى من القذى |
ومفترس الأبطال في الغمراتِ |
|
فإن جحدوا كان «الغدير» شهيده |
وبدرٌ واُحدٌ شامخ الهضباتِ |
|
وآيٌ من القرآن تُتلى بفضله |
وإيثاره بالقوت في اللّزياتِ |
|
وغرُّ خلال أدركته بسبقها |
مناقب كانت فيه مؤتنفاتِ (١) |
(القصيدة ١٢١ بيتاً)
*(ما يتبع الشعر)*
من كلمات أعلام العامَّة
١ - قال أبو الفرج في الأغاني ١٨ ص ٢٩: قصيدة دعبل:
مدارسُ آيات خلت من تلاوةٍ |
ومنزلُ وحي مقفر العرصاتِ(٢) |
من أحسن الشعر وفاخر المدايح المقولة في أهل البيت عليهم السَّلام، قصد بها عليَّ إبن موسى الرِّضا عليه السَّلام بخراسان قال: دخلت على عليِّ بن موسى الرِّضا عليه السَّلام فقال لي: أنشدني شيئاً ممّا أحدثت. فأنشدته:
مدارسُ آيات خلت من تلاوةٍ |
ومنزلُ وحي مقفر العرصاتِ |
حتى انتهيت إلى قولي:
إذا وتروا مدّوا إلي واتريهمُ |
أكفّاً عن الأوتار منقبضاتِ |
قال: فبكى حتّى أُغمي عليه وأومأ إلى الخادم كان على رأسه: أن اسكت. فسكتُّ فمكث ساعة ثمَّ قال لي: أعد. فأعدت حتّى انتهيت إلى هذا البيت أيضاً فأصابه مثل الذي أصابه في المرَّة الأولى وأومأ الخادم إليَّ: أن اسكت. فسكتُّ فمكث ساعة أُخرى ثمَّ قال لي: أعد. فأعدت حتّى إنتهيت إلى آخرها. فقال لي: أحسنت - ثلاث مرّات -
____________________
١ - أنف كل شيء: أوله. وروض أنف: ما لم يرعه أحد: كأس أنف: لم يشرب بها. المستأنف: ما لم يسبق إليه.
٢ - هو البيت الثلاثون من القصيدة وتسمى به.
ثمَّ أمر لي بعشرة آلاف درهم ممّا ضرب باسمه ولم تكن دفعت إلى أحد بعدُ وأمر لي من في منزله بحليّ كثير أخرجه إليَّ الخادم، فقدمت العراق فبعت كلَّ درهم منها بعشرة دراهم إشتراها منّي الشيعة فحصل لي مائة ألف درهم فكان أوَّل مال إعتقدته(١)
قال إبن مهرويه: وحدَّثني حذيفة بن محمد: أنَّ دعبلاً قال له: إنَّه استوهب من الرِّضا عليه السلام ثوباً قد لبسه ليجعله في أكفانه فخلع جبَّة كانت عليه فأعطاه إيّاها وبلغ أهل قم خبرها فسألوه أن يبيعهم إيّاها بثلاثين ألف درهم فلم يفعل فخرجوا عليه في طريقه فأخذوها منه غصباً وقالوا له: إن شئت أن تأخذ المال فافعل وإلّا فأنت أعلم. فقال لهم: إنّي والله لا أُعطيكم إيّاها طوعاً ولا تنفعكم غصباً وأشكوكم إلى الرِّضا عليه السَّلام فصالحوه على أن أعطوه الثلاثين ألف الدرهم وفرد كُمٍّ من بطانتها، فرضي بذلك فأعطوه فردكُمٍّ فكان في أكفاته وكتب قصيدته:
مدارسُ آيات خلت من تلاوةٍ |
..................................... |
فيما يقال على ثوب وأحرم فيه وأمر بأن يكون في أكفانه(٢)
وروى في ص ٣٩ عن دعبل قال: لَمّا هربت من الخليفة بتُّ ليلة بنيسابور وحدي وعزمت على أن أعمل قصيدة في عبد الله بن طاهر في تلك الليلة فإنّي لفي ذلك إذ سمعت والباب مردودٌ عليَّ: السَّلام عليكم ورحمة الله اُنج يرحمك الله. فاقشعرَّ بدني من ذلك ونالني أمرٌ عظيمٌ فقال لي: لا ترع عافاك الله فإنّي رجلٌ من إخوانك من الجنِّ من ساكني اليمن طرء إلينا طارئ من أهل العراق فأنشدنا قصيدتك:
مدارسُ آيات خلت من تلاوةٍ |
ومنزلُ وحي مقفر العرصاتِ |
فأحببت أن أسمعها منك. قال فأنشدته إيّاها فبكى حتّى خرَّ، ثمَّ قال: رحمك الله ألا أُحدِّثك حديثاً يزيد في نيَّتك ويعينك على التمسّك بمذهبك؟! قلت: بلى. قال مكثت حيناً أسمع بذكر جعفر بن محمد عليه السَّلام فصرت إلى المدينة فسمعته يقول: حدَّثني أبي عن أبيه عن جدِّه أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: عليٌّ وشيعته هم الفائزون. ثمَّ ودَّعني لينصرف فقلت له: يرحمك الله إن رأيت أن تخبرني باسمك فافعل. قال: أنا ظبيان
____________________
١ - في معاهد التنصيص ١ ص ٢٠٥، عيون أخبار الرضا ص ٢٨٠.
٢ - وذكر في معجم الأدباء ٤ ص ١٩٦، ومعاهد التنصيص ١ ص ٢٠٥، وعصر المأمون ٣.
بن عامر(١) .
٢ - قال أبو إسحاق القيرواني الحصري المتوفّى سنة ٤١٣ في «زهر الآداب» ١ ص ٨٦: كان دعبل مدّاحاً لأهل البيت عليهم السَّلام كثير التعصّب لهم والغلوِّ فيهم وله المرثية المشهورة وهي من جيِّد شعره وأوّلها:
مدارسُ آيات خلت من تلاوة |
ومنزلُ وحي مقفر العرصاتِ |
|
لآل رسول الله بالخيف من منى |
وبالبيت والتعريف والجمراتِ |
|
ديار عليٍّ والحسين وجعفر |
وحمزة والسجّاد ذي الثفناتِ |
|
قفا نسأل الدار التي خفَّ أهلها |
متى عهدها بالصوم والصلواتِ؟! |
|
وأين الأولى شطّت بهم غربة النوى |
أفانين في الآفاق مفترقاتِ؟! |
|
أُحبُّ قصيَّ الدار من أجل حبّهم |
وأهجر فيهم أُسرتي وثقاتي |
٣ - قال الحافظ إبن عساكر في تاريخه ٥ ص ٢٣٤: ثمَّ إنّ المأمون لَمّا ثبتت قدمه في الخلافة وضرب الدنانير باسمه أقبل بجمع الآثار في فضايل آل الرسول فتناهى إليه فيما تناهى من فضائلهم قول دعبل:
مدارسُ آيات خلت من تلاوة |
ومنزلُ وحي مقفر العرصاتِ |
|
لآل رسول الله بالخيف من منى |
وبالبيت والتعريف والجمراتِ |
فما زالت تردَّد في صدر المأمون حتّى قدم عليه دعبل(٢) فقال له: أنشدني قصيدتك التائيَّة ولا بأس عليك ولك الأمان من كلِّ شيء فيها فإنّي أعرفها وقد رويتها إلّا أنّي أُحبُّ أن أسمعها من فيك. قال: فأنشده حتّى صار إلى هذا الموضع:
ألم تر إنّي مذ ثلاثين حجَّة |
أروح وأغدو دائم الحسراتِ |
|
أرى فيئهم في غيرهم متقسِّماً |
وأيديهمُ من فيئهم صفراتِ |
|
فآل رسول الله نحفٌ جسومهم |
وآل زياد غلّظ القصراتِ |
|
بنات زياد في الخدور مصونةٌ |
وبنت رسول الله في الفلواتِ |
____________________
١ - وذكره صاحب معاهد التنصيص ١ ص ٢٠٥.
٢ - ومن هنا يوجد في الأغاني ١٨ ص ٥٨، وزهر الآداب ١ ص ٨٦، ومعاهد التنصيص ١ ص ٢٠٥، والإتحاف ١٦٥.
إذا وتروا مدّوا إلى واتريهمُ |
أكفّاً عن الأوتار منقبضاتِ |
|
فلو لا الذي أرجوه في يوم أوغدٍ |
تقطّع نفسي إثرهم حسراتِ |
فبكى المأمون حتّى اخضلّت لحيته وجرت دموعه على نحره، وكان دعبل أوَّل داخل عليه وآخر خارج من عنده.
٤ - قال ياقوت الحمّويي في «معجم الأُدباء» ٤ ص ٦ ١٩: قصيدته التائيَّة في أهل البيت من أحسن الشعر، وأسنى المدايح قصد بها عليَّ بن موسى الرِّضا عليه السلام بخراسان [وذكر حديث البردة وقصَّتها المذكورة ثمَّ قال:] ويقال: إنَّه كتب القصيدة في ثوب وأحرم فيه وأوصى بأن يكون في أكفانه، ونُسخ هذه القصيدة مختلفةٌ في بعضها زيادات يُظنّ(١) أنها مصنوعةٌ ألحقها بها أُناسٌ من الشيعة وإنّا موردون ما صحَّ منها:
مدارسُ آيات خلت من تلاوة |
ومنزلُ وحي مُقفر العرصاتِ |
|
لآل رسول الله بالخيف من منى |
وبالركن والتعريف والجمراتِ |
|
ديار عليٍّ والحسين وجعفر |
وحمزة والسجّاد ذي الثفناتِ |
|
ديارٌ عفاها كلُّ جون مبادرٍ |
ولم تعف للأيّام والسنواتِ |
|
قفا نسأل الدار التي خفَّ أهلها |
متى عهدها بالصَّوم والصَّلواتِ؟! |
|
وأين الأولى شطَّت بهم غربة النوى |
أفانين في الآفاق مفترقاتِ؟! |
|
همُ أهل ميراث النبيِّ إذا اعتزوا |
وهم خيرُ قاداتٍ وخيرُ حماةِ |
|
وما الناس إلّا حاسدٌ ومكذِّبٌ |
ومضطغنٌ ذو إحنة وتراتِ |
|
إذا ذكروا قتلى ببدر وخيبر |
ويوم حُنين أسبلوا العبراتِ |
|
قبورٌ بكوفان وأُخرى بطيبة |
وأُخرى بفخٍّ نالها صلواتي |
|
وقبرٌ ببغداد لنفس زكيَّة |
تضمَّنها الرَّحمن في الغرفاتِ |
|
فأمّا المصمّات التي لست بالغاً |
مبالغها منّي بكنه صفاتِ |
|
إلى الحشر حتّى يبعث الله قائماً |
يفرِّج منها الهمّ والكرباتِ |
|
نفوسٌ لدى النهرين من أرض كربلا |
معرَّسهم فيها بشطِّ فراتِ |
____________________
١ - يأتي في آخر ما يتبع الشعر: إن هذا الظن إثم ولا يغني من الحق شيئاً.
تقسَّمهم ريبُ الزمان كما ترى |
لهم عقرةٌ مغشيَّة الحجراتِ |
|
سوى أنَّ منهم بالمدينة عصبةٌ |
مدى الدهر أضناه من الأزماتِ |
|
قليلة زوّارٍ سوى بعض زوَّرٍ |
من الضبع والعقبان والرخماتِ |
|
لهم كلّ حين نومةٌ بمضاجع |
لهم في نواحي الأرض مختلفاتِ |
|
وقد كان منهم بالحجاز وأهلها |
مغاوير يختارون في السّرواتِ |
|
تنكّب لأواء السنين جوارهم |
فلا تصطليهم جمرة الجمراتِ |
|
إذا وردوا خيلاً تشمَّس بالقنا |
مساعر جمر الموت والغمراتِ |
|
وإن فخروا يوماً أتوا بمحمَّد |
وجبريل والفرقان ذي السوراتِ |
|
ملامك في أهل النبيِّ فإنَّهم |
أحبّاي ما عاشوا وأهل ثقاتي |
|
تخيَّرتهم رشداً لامري فإنَّهم |
على كلِّ حال خيرة الخيراتِ |
|
فيا ربِّ زدني من يقيني بصيرةً |
وزد حبّهم يا ربّ في حسناتي |
|
بنفسيَ أنتم من كهول وفتية |
لفكِّ عَناة أو لحمل دياتِ |
|
أُحبُّ قصيَّ الرحم من أجل حبِّكم |
وأهجر فيكم أُسرتي وبناتي |
|
وأكتمُ حبّيكم مخافة كاشحٍ |
عتيدٍ لأهل الحقِّ غير مواتِ |
|
لقد حفَّت الأيّام حولي بشرَها |
وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي |
|
ألم تر إنّي مذ ثلاثين حجَّة |
أروح وأغدو دائم الحسراتِ؟! |
|
أرى فيئهم في غيرهم متقسَّماً |
وأيديهمُ من فيئهم صفراتِ |
|
فآل رسول الله نحفٌ جسومهم |
وآل زياد حفّل القصراتِ(١) |
|
بنات زياد في القصور مصونةٌ |
وآل رسول الله في الفلواتِ |
|
إذا وتروا مدّوا إلى أهل وترهم |
أكفّاً من الأوتار منقبضاتِ |
|
فلولا الذي أرجوه في اليوم أو غدٍ |
لقطّع قلبي إثرهم حسراتي |
|
خروج إمام لا محالة خارجٌ |
يقوم على اسم الله والبركاتِ |
|
يميِّز فينا كلَّ حقٍّ وباطلٍ |
ويجزي على النعماء والنقماتِ |
|
سأقصر نفسي جاهداً عن جدالهم |
كفانيَ ما ألقى من العبراتِ |
____________________
١ - الحفل من الحافل: الممتلئ. القصرات جمع قصرة: أصل العنق.
فيا نفس طيبي ثمَّ يا نفس أبشري |
فغير بعيد كلّ ما هو آتِ |
|
فإن قرَّب الرَّحمن من تلك مدَّتي |
وأخّر من عمري لطول حياتي |
|
شفيت ولم أترك لنفسي رزيَّة |
وروّيت منهم منصلي وقناتي |
|
أُحاول نقل الشمس من مستقرِّها |
وأسمع أحجاراً من الصلداتِ |
|
فمن عارفٍ لم ينتفع ومعاندٍ |
يميل مع الأهواء والشبهاتِ |
|
قصاراي منهم أن أموت بغصَّة |
تردّد بين الصدر واللهواتِ |
|
كأنَّك بالأضلاع قد ضاق رحبها |
لما ضمنت من شدَّة الزفراتِ |
٥ - أخرج شيخ الإسلام أبو إسحاق الحمّويي (المترجم له ج ١ ص ١٢٣) عن أحمد بن زياد عن دعبل الخزاعي قال: أنشدت قصيدة لمولاي عليّ الرِّضا رضي الله عنه:
مدارسُ آيات خلت من تلاوة |
ومنزلُ وحي مُقفر العرصاتِ |
قال لي الرِّضا: أفلا الحق البيتين بقصيدتك؟! قلت: بلى يا بن رسول الله؟ فقال:
وقبر بطوس يا لها من مصيبة |
ألحَّت بها الأحشاء بالزَّفراتِ |
|
إلى الحشر حتّى يبعث الله قائماً |
يفرِّج عنّا الهمَّ والكرباتِ(١) |
قال دعبل: ثمَّ قرأت باقي القصيدة فلمّا إنتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة واقع |
يقوم على اسم الله والبركاتِ |
بكى الرِّضا بكاء شديداً ثمَّ قال: يا دعبل نطق روح القدس بلسانك أتعرف مَن هذا الإمام؟! قلت: لا إلّا أنّي سمعت خروج إمام منكم يملأ الأرض قسطاً وعدلاً. فقال: إنّ الإمام بعدي إبني محمد وبعد محمد إبنه عليّ وبعد عليّ إبنه الحسن وبعد الحسن إبنه الحجَّة القائم، وهو المنتظر في غيبته، المطاع في ظهوره، فيملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما مُلأت جوراً وظلماً، وأمّا متى يقوم فإخبارٌ عن الوقت لقد حدَّثني أبي عن آبائه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: مثله كمثل الساعة لا تأتيكم إلّا بغتة. ويأتي هذا الحديث عن الشبراوي أيضاً.
٦ - قال أبو سالم إبن طلحة الشافعيّ المتوفّى ٦٥٢ في «مطالب السئول» ص
____________________
١ - ألحقهما الإمام عليه السلام بعد قول دعبل:
وقبر ببغداد لنفس زكية |
تضمنها الرحمان في الغرفات |
٨٥ قال دعبل: لَمّا قلت: مدارس آيات. قصدت بها أبا الحسن عليَّ بن موسى الرِّضا وهو بخراسان وليّ عهد المأمون فأحضرني المأمون وسألني عن خبري ثمَّ قال لي: يا دعبل؟ أنشدني - مدارس آيات خلت من تلاوة - فقلت: ما أعرفها يا أمير المؤمنين؟ فقال: يا غلام أحضر أبا الحسن عليّ بن موسى الرِّضا عليه السلام؟ فلم يكن إلّا ساعة حتّى حضر فقال له: يا أبا الحسن؟ سألت دعبلاً من - مدارس آيات خلت من تلاوة - فذكر أنّه لا يعرفها. فقال لي أبو الحسن: يا دعبل؟ أنشد أمير المؤمنين؟ فأخذت فيها فأنشدتها فاستحسنها فأمرني بخمسين ألف درهم. وأمر لي أبو الحسن الرِّضا بقريب من ذلك فقلت: يا سيِّدي؟ إن رأيت أن تهبني شيئاً من ثيابك ليكون كفني. فقال: نعم. ثمَّ دفع لي قميصاً قد إبتذله ومنشفة لطيفة، وقال لي: إحفظ هذا تُحرس به. ثمّ دفع ذو الرياستين أبو العبّاس الفضل بن سهل وزير المأمون صلةً وحملني على برذون أصفر خراسانيّ، وكنت أُسايره في يوم مطير وعليه ممطر خزّ وبرنس فأمر لي به ودعا بغيره جديد ولبسه وقال: إنّما آثرتك باللبيس لأنّه خير الممطرين. قال: فأُعطيت به ثمانين ديناراً فلم تطب نفسي ببيعه، ثمَّ كرَّرت راجعاً إلى العراق فلمّا صرت في بعض الطريق خرج علينا الأكراد فأخذونا فكان ذلك اليوم يوماً مطيراً فبقيت في قميص خلق وضرّ شديد متأسِّف من جميع ما كان معي على القميص والمنشفة ومفكّر في قول سيّدي الرِّضا إذ مرّ بي واحدٌ من الأكراد الحراميَّة تحته الفرس الأصفر الذي حملني عليه ذو الرياستين وعليه الممطر ووقف بالقرب منّي ليجتمع إليه أصحابه وهو ينشد - مدارس آيات خلت من تلاوة - ويبكي فلمّا رأيت ذلك عجبت من لصّ من الأكراد يتشيَّع ثمّ طمعت في القميص والمنشفة فقلت: يا سيِّدي. لمن هذه القصيدة؟! فقال: وما أنت وذلك؟! ويلك. فقلت: لي فيه سببٌ أُخبرك به. فقال: هي أشهر بصاحبها من أن تجهل. فقلت: مَن؟! قال: دعبل بن عليّ الخزاعي شاعر آل محمد جزاه الله خيراً. قلت له: يا سيِّدي فأنا والله دعبل وهذه قصيدتي. الحديث.
وقال ص ٨٦ بعد ذكر الحديث ما لفظه: فانظر إلى هذه المنقبة وما أعلاها و ما أشرفها وقد يقف على هذه القصَّة بعض الناس ممَّن يطالع هذا الكتاب ويقرأه فتدعوه نفسه إلى معرفة هذه الأبيات المعروفة بـ - مدارس آيات - ويشتهي الوقوف
عليها وينسبني في إعراضي عن ذكرها إمّا أنّني لم أعرفها، أو: أنّني جهلت ميل النفوس حينئذ إلى الوقوف عليها فأحببت أن أدخل راحةً على بعض النفوس وأن أدفع عنّي هذا النقص المتطرِّق إلى بعض الظنون فأوردت منها ما يُناسب ذلك وهي:
ذكرتُ محلَّ الربع من عرفاتِ |
وأرسلت دمع العين بالعبراتِ |
|
وفلَّ عرى صبري وهاج صبابتي |
رسوم ديار أقفرت وعراتِ |
|
مدارسُ آيات خلت من تلاوة |
ومهبطُ وحي مُقفر العرصاتِ |
|
لآل رسول الله بالخيف من منى |
وبالبيت والتعريف والجمراتِ |
|
ديار عليٍّ والحسين وجعفرٍ |
وحمزة والسجّاد ذي الثفناتِ(١) |
|
ديارٌ عفاها جور كلِّ مُنابذ |
ولم تعف بالأيّام والسنواتِ |
|
ودارٌ لعبد الله والفضل صنوه |
سليل رسول الله ذي الدعواتِ |
|
منازلُ كانت للصَّلاة وللتّقى |
وللصَّوم والتطهير والحسناتِ |
|
منازلُ جبريل الأمين يحلّها |
من الله بالتسليم والزكواتِ |
|
منازلُ وحي الله معدن علمه |
سبيل رشادٍ واضح الطرقاتِ |
|
منازلُ وحي الله ينزل حولها |
على أحمد الروحات والغدواةِ |
|
فأين الأولى شطّت بهم غربة النوي |
أفانين في الأقطار مفترقاتِ؟! |
|
همُ آل ميراث النبيِّ إذا انتموا |
وهم خيرُ سادات وخيرُ حماتِ |
|
مطاعيم في الاعسار في كلِّ مشهد |
لقد شُرِّفوا بالفضل والبركاتِ |
|
إذا لم نُناج الله في صلواتنا |
بذكرهمُ لم يقبل الصَّلواتِ |
|
أئمَّة عدل يُقتدى بفعالهم |
وتُؤمن منهم زلَّة العثراتِ |
|
فيا ربّ زد قلبي هدىً وبصيرةً |
وزد حبَّهم يا ربّ في حسناتي |
|
ديار رسول الله أصبحن بلقعاً |
ودار زياد أصبحت عمراتِ |
|
وآل رسول الله غُلَّت رقابهم |
وآل زياد غُلّظ القصراتِ |
____________________
١ - ذكر الثعالبي في ثمار القلوب ص ٢٣٣ بيتين من القصيدة أحدهما: مدارس آيات. والثاني هذا البيت وقال: (ذو الثفنات) كان يقال لكل من علي بن الحسين بن علي (ع) وعلي بن عبد الله بن عباس: ذو الثفنات. لَمّا على أعضاء السجود منهما من السجدات الشبيهة بثفنات الإبل وذلك لكثرة صلاتهما.
وآل رسول الله تُدمى نحورهم |
وآل زياد زيَّنوا الحجلاتِ |
|
وآل رسول الله تُسبى حريمهم |
وآل زياد آمنوا السرياتِ |
|
وآل زياد في القصور مصونةٌ |
وآل رسول الله في الفلواتِ |
|
فيا وارثي علم النبيِّ وآله |
عليكم سلامٌ دائم النفحاتِ |
|
لقد آمنت نفسي بكم في حياتها |
وإنّي لأرجو الأمن من بعد مماتي |
٧ - ذكر شمس الدين سبط إبن الجوزي الحنفي المتوفّى ٦٥٤ في تذكرته ص ١٣٠ من القصيدة ٢٩ بيتاً وفيها ما لم يذكره الحمّوي في «معجم الأُدباء» وذُكرت في هامش التذكرة القصيدة من أوَّلها إلى - مدارس آيات -.
٨ - ذكر صلاح الدين الصفدي المتوفّى ٧٦٤ في «الوافي بالوفيات» ١ ص ١٥٦. طريق رواية القصيدة عن عبيد الله(١) بن جخجخ النحوي عن محمد بن جعفر بن لنكك أبي الحسن البصري النحوي عن أبي الحسين العباداني عن أخيه عن دعبل. وهذا الطريق ذكره جلال الدين السيوطي في «بغية الوعاة» ص ٩٤.
٩ - روى الشبراوي الشافعيُّ المتوفّى ١١٧٢ في «الإتحاف» ص ١٦٥ عن الهروي قال: سمعت دعبلاً يقول: لَمّا أنشدت مولاي الرِّضا قصيدتي الّتي أوّلها:
مدارسُ آيات خلت من تلاوة |
ومهبطُ وحي مقفر العرصاتِ |
فلمّا انتهيت إلى قولي:
خروج إمام لا محالة خارج |
يقوم على اسم الله والبركاتِ |
|
يميِّز فينا كلَّ حقّ وباطل |
ويُجزي على النعماء والنقماتِ |
بكى الرِّضا عليه السَّلام بكاءً شديداً ثمَّ رفع رأسه إليّ فقال لي: يا خَزاعيُّ نطق روح القدس على لسانك بهذين البيتين فهل تدري من هذا الإمام؟! ومتى يقوم؟! فقلت: لا يا سيِّدي؟ إلّا أنّي سمعت بخروج إمام منكم (إلى آخر ما مرّ عن الحمّويي)(٢)
وفي «الإتحاف» ص ١٦١: نقل الطبري في كتابه عن أبي الصلت الهروي قال: دخل الخزاعيُّ على عليِّ بن موسى الرِّضا بمرو فقال: يا بن رسول الله؟ إنّي قلت فيكم
____________________
١ - قال ياقوت الحموي: كان ثقة صحيح الكتابة.
٢ - وذكره الصدوق في العيون. ٣٧٠، والأمالي ٢١٠، والطبرسي في أعلام الورى ١٩٢.
أهل البيت قصيدةً وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك وأُحبُّ أن تسمعها منّي فقال له عليُّ الرِّضا: هات قل. فأنشأ يقول:
ذكرت محلَّ الربع من عرفاتِ |
فأجريتُ دمع العين بالعبراتِ |
|
وفلَّ عُرى صبري وهاجت صبابتي |
رسوم ديار أقفرت وعراتِ |
|
مدارسُ آيات خلت من تلاوة |
ومهبطُ وحي مُقفر العرصاتِ |
|
لآل رسول الله بالخيف من منى |
وبالبيت والتعريف والجمراتِ |
|
ديار عليّ والحسين وجعفر |
وحمزة والسجّاد ذو الثفناتِ |
|
ديارٌ لعبد الله والفضل صنوه |
نجيُّ رسول الله في الخلواتِ |
|
منازلُ كانت للصَّلاة وللتّقى |
وللصوم والتطهير والحسناتِ |
|
منازلُ جبريل الأمين يحلّها |
من الله بالتعليم والرَّحماتِ |
|
منازلُ وحي الله معدن علمه |
سبيل رشاد واضح الطرقاتِ |
|
قفا نسأل الدار الّتي خفَّ أهلها |
متى عهدها بالصَّوم والصَّلواتِ |
|
وأين الأولى شطّت بهم غربة النوى |
فأمسين في الأقطار مفترقاتِ؟! |
|
أُحبُّ قضاء الله من أجل حبِّهم |
وأهجر فيهم أُسرتي وثقاتي |
|
همُ أهل ميراث النبيِّ إذا انتموا |
وهم خيرُ سادات وخيرُ حماةِ |
|
مطاعيم في الاعسار في كلِّ مشهد |
لقد شُرِّفوا بالفضل والبركاتِ |
|
أئمَّة عدل يُقتدى بفعالهم |
وتؤمن منهم زلّة العثراتِ |
|
فيا ربّ زد قلبي هدىً وبصيرةً |
وزد حبّهم يا ربّ في حسناتي |
|
لقد آمنت نفسي بهم في حياتها |
وإنّي لأرجو الأمن بعد وفاتي |
|
ألم تر انّي مذ ثلاثين حجَّة |
أروح وأغدو دائم الحسراتِ؟! |
|
أرى فيئهم في غيرهم متقسّماً |
وأيديهمُ من فيئهم صفراتِ |
|
إذا وتروا مدّوا إلى أهل وترهم |
أكفّاً عن الأوتار منقبضاتِ |
|
وآل رسول الله نحفٌ جسومهم |
وآل زياد أغلظ القصراتِ |
|
سأبكيهمُ ما ذرَّ في الأُفق شارقٌ |
ونادى منادي الخير بالصَّلواتِ |
|
وما طلعت شمسٌ وحان غروبها |
وبالليل أبكيهم وبالغدواتِ |
ديار رسول الله أصبحن بلقعاً |
وآل زياد تسكن الحجراتِ |
|
وآل زياد في القصور مصونةٌ |
وآل رسول الله في الفلواتِ |
|
فلو لا الّذي أرجوه في اليوم أو غدٍ |
تقطّع نفسي إثرهم حسراتي |
|
خروج إمام لا محالة خارج |
يقوم على اسم الله بالبركاتِ |
|
يُميِّز فينا كلَّ حسن وباطل |
ويُجزي عن النعماء والنقماتِ |
|
فيا نفس طيبي ثمَّ يا نفس فاصبري |
فغير بعيد كلّ ما هو آتِ |
وهي قصيدةٌ طويلةٌ عدَّة أبياتها مائةٌ وعشرون بيتاً. ولَمّا فرغ دعبل من إنشادها نهض أبو الحسن الرِّضا وقال: لا تبرح. فأنفذ إليه صرّة فيها مائة دينار واعتذر إليه. فردَّها دعبل وقال: والله ما لهذا جئت وإنَّما جئت للسَّلام عليه والتبرُّك بالنظر إلى وجهه الميمون وإنّي لفي غنيً فإن رأى أن يُعطيني شيئاً من ثيابه للتبرُّك فهو أحبُّ إليَّ. فأعطاه الرِّضا جبَّة خزّ عليه الصرَّة وقال للغلام: قل له: خذها ولا تردَّها فإنّك ستصرفها أحوج ما تكون إليها. فأخذها وأخذ الجبَّة. [ إلى آخر حديث اللّصوص المذكور ].
١٠ - ذكر الشبلنجي في «نور الأبصار» ص ١٥٣ ما مرَّ عن الشبراوي برمَّته حرفيّاً.
*(أمّا أعلام الطايفة)*
فقد ذكر القصيدة وقصَّة الجبَّة واللصوص جمعٌ كثيرٌ لا نطيل المقال بذكر كلماتهم بل نقتصر منها على ما لمُ يذكر في الكلمات المذكورة. روى شيخنا الصدوق في «العيون» ٣٦٨ و«الأمالي» ٢١١ عن الهروي قال: دخل دعبل على أبي الحسن الرِّضا عليه السلام بمرو فقال له: يا بن رسول الله؟ إنّي قد قلت فيكم قصيدة وآليت على نفسي أن لا أنشدها أحداً قبلك فقال عليه السلام: هاتها. فأنشده فلمّا بلغ إلى قوله:
أرى فيئهم في غيرهم متقسماً |
وأيديهمُ من فيئهم صفراتِ |
بكى أبو الحسن عليه السلام وقال له: صدقت يا خزاعي؟ فلمّا بلغ إلى قوله:
إذا وتروا مدّوا إلي واتريهمُ |
أكفّاً عن الأوتار مُنقبضاتِ |
جعل أبو الحسن عليه السلام يقلب كفيه ويقول: أجل والله منقبضات: فلمّا بلغ إلى قوله:
لقد خفت في الدنيا وأيّام سعيها |
وإنّي لأرجو الأمن من بعد وفاتي |