الصحابه في حجمهم الحقيقي

الصحابه في حجمهم الحقيقي40%

الصحابه في حجمهم الحقيقي مؤلف:
تصنيف: دراسات
ISBN: 964-319-193-1
الصفحات: 88

  • البداية
  • السابق
  • 88 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 27674 / تحميل: 6442
الحجم الحجم الحجم
الصحابه في حجمهم الحقيقي

الصحابه في حجمهم الحقيقي

مؤلف:
ISBN: ٩٦٤-٣١٩-١٩٣-١
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

الصحابة في حجمهم الحقيقي

المؤلف: الهاشمي بن علي

١
٢

٣

بسم الله الرحمٰن الرحيمالحمد لله رب العالمين والصلاة علىٰ خاتم المرسلين محمّد وآله الغرّ الميامين

من الثوابت المسلّمة في عملية البناء الحضاري القويم استناد الاُمّة إلىٰ قيمها السليمة ومبادئها الأصلية ، الأمر الذي يمنحها الإرادة الصلبة والعزم الأكيد في التصدّي لمختلف التحديات والتهديدات التيتروم نخر كيانها وزلزلة وجودها عبر سلسلة من الأفكار المنحرفة والآثار الضالة باستخدام أرقىٰ وسائل التقنية الحديثة.

وإن أنصفنا المقام حقّه بعد مزيد من الدقّة والتأمّل نلحظ أن المرجعية الدينية المباركة كانت ولا زالت هي المنبع الأصيل والملاذ المطمئن لقاصدي الحقيقة ومراتبها الرفيعة ، كيف؟! وهي التي تعكس تعاليم الدين الحنيف وقيمه المقدّسة المستقاة من مدرسة آل العصمة والطهارةعليهم‌السلام بأبهىٰ صورها وأجلىٰ مصاديقها.

هذا ، وكانت مرجعية سماحة آية الله العظمىٰ السيّد علي السيستانيـمد ظلهـهي السبّاقة دوماً في مضمار الذبّ عن حمىٰالعقيدة ومفاهيمها الرصينة ، فخطت بذلك خطوات مؤثّرة والتزمت برامج ومشاريع قطفت وستقطف أينع الثمار بحوله تعالىٰ.

ومركز الأبحاث العقائدية هو واحد من المشاريع المباركة الذي

٤

اُسس لأجل نصرة مذهب أهل البيتعليهم‌السلام وتعاليمه الرفيعة.

ولهذا المركز قسم خاص يهتم بمعتنقي مذهب أهل البيتعليهم‌السلام على مختلف الجهات ، التي منها ترجمة ما تجود به أقلامهم وأفكارهم من نتاجات وآثارـحيث تحكي بوضوح عظمة نعمة الولاء التي مَنّ الله سبحانه وتعالىٰ بها عليهمـ إلىٰ مطبوعات توزع في شتىٰ أرجاء العالم.

وهذا المؤلَّف « الصحابة في حجمهم الحقيقي » الذي يصدر ضمن « سلسلة الرحلة إلىٰ الثقلين » مصداق حي وأثر عملي بارز يؤكّد صحة هذا المدعىٰ.

علىٰ انّ الجهود مستمرة في تقديم يد العون والدعم قدر المكنة لكل معتنقي المذهب الحقّ بشتىٰ الطرق والاساليب ، مضافاً إلىٰ استقراء واستقصاء سيرة الماضين منهم والمعاصرين كي يتسنىٰجمعها في كتاب تحت عنوان « التعريف بمعتنقي مذهب أهل البيت ».

سائلنيه تبارك وتعالىٰ أن يتقبل هذا القليل

بوافر لطفه وعنايته

مركز الأبحاث العقائدية

فارس الحسون

٥

مقدمة المؤلّف :

بسم الله الرحمن الرحيم

والصلاة والسلام علىٰ سيدنا محمّد وعلىٰ آله الطاهرين وأصحابه المتقين.

أمّا بعد ، إنّ الاختلاف ليس شيئاً بدعاً وكما أنه ليس رحمة ، وقلّما وجدت جماعة أو فرقة أو شعب أو حضارة لم يدبّ إليها الاختلاف فيقطع أوصالها ويفرّق جمعها ، بل لا نعلم جماعة اتسقت أُمورها وانتظمت وحدتها واستمرّ حالها علىٰ ذلك ، وقد ورد في أحاديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والأئمة من آله النّهي عن الاختلاف والفرقة(١) ، إذ ما اختلفت جماعة إلاّ وكان بعضها متّبعاً للهوىٰ ، فالهوىٰ هو السبب الرئيسي إن لم نقل الوحيد للاختلاف ، وهكذا كان شأن هذه الأُمة الإسلامية التي تعبد ربّاً واحداً وتؤمن بكتاب واحد وبنبي واحد ، حيث دبّ الاختلاف فيها فتقطعت طرائق قدداً وأحزاباً شتىٰوتقطعت تلكم الأحزاب إلىٰ أُخرىٰ وهكذا حتّىٰ اختلط الحابل بالنابل وكلّ يدّعي أنه علىٰ الصراط السويّ ، والأتعس من ذلك من يدّعي أنّ غيره علىٰ باطل محض.

ولسنا الآن بصدد البحث في هذه الاختلافات وأسبابها ومن يقف وراءها.

__________________

١)أنظر قول أميرالمؤمنين علي بن أبي طالب في نهج البلاغة حيث يقول :« الخِلافُ يَهْدمُ الرَّأْيَ » ص٦٤٦ ، الكلمات القصار.

٦

أقول وبالله التوفيق : أنا المدعو الهاشمي بن علي التونسي ، نشأت وترعرعت في مدينتي قابس مدينة البحر والواحة وعشت سنيّ طفولتي وشبابي في أحضان عائلة محافظة متوسطة الحال.

وكنت منذ سنيّ طفولتي متعلّقاً بالدين ، حيث ما زلت أذكر تلك الأيام الجميلة التي كنت أرافق فيها والدي لصلاة الجمعة في الجامع الكبير بالحيّ القديم من مدينتي ، وقد رزقني الله سبحانه حافظة عجيبة فكنت أرجع إلىٰ البيت وأحكي لأهلي ما قاله الإمام في خطبة الجمعة وما جاء فيها من وعد ووعيد.

وكانت لا تفوتني من الصلوات الخمس إلاّ صلاة الصبح ، حيث كان يتعذر عليّ حضورها لأنّ أهلي ما كانوا ليسمحوا لطفل صغير بالذهاب في ذلك الوقت المبكّر لأداء الصلاة ، وكانت تقام في ذلك المسجد دروس في تاريخ الأنبياء وتاريخ الصحابة وسيرة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما كان يفوتني منها حرف واحد.

وكنت أحفظ قصائد في مدح خير البريّة ، حيث كنت أواظب علىٰ الحضور في المناسبات الإسلامية وخاصّة في المولد النبوي الشريف ، وكان ممّا يرغبني في حضور تلك المناسبات ما يقدّم فيها من الحلويّات والمشروبات وما كان فيها من الزينة والجمال.

وقلّما مرّت فرصة يزورنا فيها أو أزور فيها بعض الأهل والأصدقاء إلاّ وطفقت أحدثهم عمّا امتلأت به ذاكرتي ، فتارة أُحدثهم عن النبي يوسفعليه‌السلام ، وأُخرىٰ عن تقوىٰ الصحابة وإيثارهم ، وثالثة عن القيامة ، ورابعة عن الجحيم وأهوالها ، وأُخرىٰ عن الجنة ونعيمها ، وكان البعض

٧

يتعجّب ممّا أقول فلم يكن سمع بذلك طول عمره ولا واتته الفرصة أن يسمع.

وهكذا استمر بي الحال حتّىٰ دخلت إلىٰ مرحلة التعليم الثانوي ، حيث بدأنا ندرس فيها التاريخ الإسلامي منذ عصر ما قبل الإسلام إلىٰ الفتنة الكبرىٰ كما يقولون.

الصدمة :

كنت أدرس في الصف مادة التاريخ ، وكان عندنا أُستاذ يتبنّىٰ الفكر القومي ، ولمّا مررنا علىٰ معركة صفّين ابتسم الأُستاذ وقال : « فاقترح الداهية عمرو بن العاص فكرة رفع المصاحف حتّىٰ يخدعوا جيش عليّوينجوا من الهزيمة المنكرة التي بدأت تلوح لهم ».

صعقني جدّاً هذا الكلام ، فقلت في نفسي أعمرو بن العاص يفعل هذا؟ هذا الصحابي الجليلـالذي عرفناه من أقتاب الصحابة كماقال لنا شيوخناـيخدع ويمكر؟! إذاً أين تقوىٰ الصحابة وإخلاصهم الّذي دمغجنا به شيوخنا؟! شعرت حينها بتمزّق نفسيّ شديد بين ثقافتي الإسلامية التي تقدّم كل الصحابة وترفعهم إلىٰ صفوف الملائكة وبين حقائق التاريخ إن كانت حقّة؟!

رجعت إلىٰ البيت مغموماً وسألت أخي عن المسألة فقال لي : إنّ هذا ليس من شأننا فلا تخض فيه وهمـ أي الصحابة ـ أدرىٰ بزمانهم و....

لم يقنعني هذا الكلام البارد الفارغ من كلّ معنىٰ ، وهل يمكن أن يمارس المؤمن العادي الخداع والمكر؟! فكيف بالصحابة؟!

وتمضي السنوات وتبقىٰ في نفسي أشياء وأشياء ، لكني لمّا لم أصل إلىٰ الجواب قفلت عليها في صدري وألقيت حبلها علىٰ غاربها ومضيت...

٨

وتشاء الأقدار أن تجمعني بصديق قديم وزميل دراسة كنّا تفارقنا مدة من الزمن وإذا بي أسمع أنه شيعيّ ؟!

لقد كنت أعتقد أنّ المذهب السنّي هو المذهب الصافي وخاصة أتباع الإمام مالك إمام دار الهجرة حيث أنّ أكثر إفريقيا مالكيّون ، وكنت أعتقد أنّ بقية المذاهب الثلاثة وإن كانت علىٰ الحق لكن المذهب المالكي أصفاها وأحقّها ، نعم كانت أحياناً تجول في خاطري تساؤلات حول الاختلافات التي ما بين هذه المذاهب الأربعة وكنت لا أرىٰ مبرّراً لاختلافها ، نعم لقد تعلّمنا منذ صغرنا أن اختلافها رحمة وأنهم كلهم من رسول الله ملتمس ، لكن كان في نفسي من ذلك ما كان ، لكني قنعت بحجّة شيوخنا أو ربمّا أقنعت بها نفسي.

وكنت قاطعاً ببطلان مذهب الشيعة وأنهم متطرفون في عقائدهم ، وكنت أسمع ما كان ينقله البعض حول بكاءهم علىٰ الحسين وسبّهم للصحابة فيزداد عجبي ، وكنت أتمنّىٰ أن ألتقي بواحدٍ منهم لاُقنعه أو علىٰ الأقل لأعرف لماذا هم هكذا.

كان أوّل ماناقشني فيه صديقي الشيعي حديث العشرة المبشّرين بالجنة(١) وقال لي : هل يُعقل أن يكون طلحة والزبير وعلي في الجنة وقد قتل بعضهم بعضاً وشتم بعضهم بعضاً؟! وهل يعقل كذلك أن يكونوا في النار؟!

فكان ممّا أجابني به أنّ الصحابة علىٰ ثلاثة أقسام : قسم الثابتين بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقسم المرتدّين ( فعلاً لا قولاً ) ، وقسم المنافقين ، وعليه لا

__________________

١)أنظر ذلك في سنن ابن ماجة ١ : ٤٨ ، باب فضائل العشرة.

٩

يمكن أن يكونوا كلهم عدولاً.

ومّما واجهني به صديقي هذا من الحجج حديث الثقلين الذي يقول فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « إني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا أبدا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ولن يتفرقا حتّى يردا عليّ الحوض »(١) وقد كفانا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مؤونة إمامة الأُمّة السياسيّة والعلمية بالائمة من أهل بيته.

وخضنا نقاشات عديدة حول تنزيه الله تعالىٰ عن الرؤية والحركة والانتقال وتنزيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الذنوب والكبائر والخطأ والنسيان.

وهكذا رأيت أنّ عائشة وحفصة نزلت فيهما سورة كاملة تهددهما بالطلاق وبعذاب النار... ورأيت أنّ كل بناء السنة العقائدي متهاوٍ بل هو من صنع وبناء حكّام بني أُمية أعداء الله ورسوله وبني العباس ومن بعدهم من الظالمين إلىٰ اليوم.

ورأيت أنّ الشيعة مذهب صافٍ عقلاني مليء بالحجج الدامغة من القرآن الكريم والسنّة المحمدية ولا مجال للخرافات والتحريفات والأكاذيب فيه ، وهكذا إذ بينما كنت أنسب إلىٰ الشيعة كلّ قبيح ، استفقت علىٰ أنّ مذهبهم حقّ ، ولهذا كثرت حوله الأباطيل والدعايات الباطلة التي لم يُرم بهاحتّىٰ دين اليهود والمجوس.

وعرفت حينها معنىٰ قوله تعالىٰ :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة ...) (٢) .

__________________

١) سنن الترمذي : ج٥ فضائل أميرالمؤمنين.

٢) سورة الحجرات : ٦.

١٠

وعرفت الحديث القائل : « الناس أعداء ما جهلوا »(١) .

وأنا من موقعي هذا أدعُ كل إنسان حرّ أن يطّلع علىٰ كتب الشيعة وعلىٰ آرائهم دون واسطة ، كما عرفت أنا كتب السنّة كالبخاري والموّطأ دون واسطة.

وقارنوا بين المذاهب ، فلسنا أقلّ من معاوية الذي قتل النفوس وأحدث الفتن ثم يقال عنه : إنّه اجتهد فأخطأ ، فنحن إن وصلنا إلىٰ الحقّـ إلىٰ دين الله ورسولهـفلنا أجران ، وإن لم نتوصّل إلىٰ ذلك فلعلّ الله يكتب لنا أجراً واحداً ، وذلك لصدق نيّاتنا وصفاء سرائرنا.

وجرّبوا أن تطالعوا عن التشيّع والشيعة الإثني عشريّة ، فليس في ذلك بأس ولا ضرر ولا فتنة ولا سمّ كما يدّعي بعض العلماء المتحجّرين ، بل إنّ أحدنايفاخربأنّه قرأمجموعة آثارفيكتورهيجو مثلاً أو اطّلع علىٰ مسرحيّات شكسبير وتجده جاهلاً بما يقوله إخوانه وبما يعتقدونه جهلاً مطبقاً.

أقول قولي هذا واستغفر الله العلىّ العظيم

الهاشمي بن علي رمضان

قابس ـ تونس

١ ـ شوال ـ ١٤١٩ ه‍

__________________

١)نهج البلاغة : ١٧٢ الكلمات القصار.

١١

مفتاح الحقيقة :

رأيت طوال حياتيـسنّياً ثم شيعيّاً بعد ذلكـأنّ مسألة الصحابة عموماً من المواضيع الحسّاسة والمهمة والتي جعلت فيما مضىٰ علىٰ عيني حجاباً منعني من الولوج في عالم البحث عن الحقيقة ، وكان سبب ذلك شيئان :

أوّلهما : أنني كنت خائفاً في داخلي من التعرض للصحابة باعتبار ما تربّينا عليه من التخويف والنهي عن الخوض في هذه المسألة ، فكانت تمثّل خطّاً أحمراً بالنسبة لي بالرغم ممّا كان يجيش في صدري من صرخات وعذابات.

وثانيهما : ما كان يقوله شيوخنا بأن نكفّ عمّا شجر بين الصحابة فهم كلهم من أهل الصلاح وأنهم حاملوا لواء الرسالة بعد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما جعلني أصرف النظر عن هكذا بحوث.

ولهذا اخترت موضوع مقالتي هذه مسألة الصحابة ، حتّىٰ ترتفع الضبابيّة عن الأعين.

١٢
١٣

الولوج في البحث :

إنّ مسألة الصحبة من المسائل التي أسالت حبراً كثيراً وصار حولها لغط كثير ، فأهل السنّة عموماً يعتبرون الصحابة جزءاً لا يتجزأ من إيمان الفرد المسلم ، وإذا طعن أي فرد بأيّ واحد من الصحابة فقد اقترف إثماً عظيماً ووزراً كبيراً.

لكن هذه المسألةـمسألة الصحابةـلو يتجرّد الباحث المسلم المنصف للخوض فيها فسيرىٰ ويعلم علم اليقين أنّها لَيسَتْ من المعتقدات المهمة سواء التي اتفقت عليها طوائف المسلمين كالتوحيد والمعاد والنبوّة ، ولا من التي اختُلِفَ حولها كالعدل والإمامة.

فأركان الإسلام عند أهل السنة خمسة وهي : شهادة أن لا إلٰه إلاّ الله وأن محمّداً رسول الله ، والصلاة والزكاة وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلاً والإيمان بالقضاء والقدر خيره وشرّه.

فأين الصحابة من هذه الأركان الخمسة التي يقوم عليها الإسلام؟!

وأما عند الشيعة فأُصول الدين خمسة وهي : التوحيد والعدل والنبوّة والمعاد ، والإمامة ، وإن كان العدل والإمامة من أركان وأُصول المذهب عندهم أي لا يكفر الانسان بإنكارها ، وكما ترىٰ فلا أثر للصحابة في هذه العقيدة ولا وجود لهم.

وأمّا الإيمان ، فكما اتفقت عليه كلمة المسلمين وكما ورد في القرآن

١٤

فمؤسّس علىٰ الإيمان بالله وكتبه ورسله والملائكة.

اقرأ قوله تعالىٰ في سورة البقرة حيث يقول :( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) (١) .

وانظر إلىٰ قوله تعالىٰ في سورة النساء حيث يقول :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَىٰ رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنزَلَ مِن قَبْلُ وَمَن يَكْفُرْ بِاللهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ) (٢) .

فأين محلّ الصحابة في هذا الإيمان؟!!

ثم أليس لكلّ نبيّ صحابة؟! فإذا كان الإيمان بصحابة رسول الله من ضرورات الإسلام أو من أركان الإيمان ، فلماذا لا يكون الإيمان بصحابة نوح وإبراهيم وموسىٰ وعيسىٰ كذلك؟!

ثم بأيّ دليل من الكتاب والسنّة نجد أن الإيمان بمسألة الصحابة جميعاً واجب علينا كالإيمان بالله ورسوله؟!

__________________

١) سورة البقرة : ٢٨٥.

٢) سورة النساء : ١٣٦.

١٥

كلمة الصحبة ومشتقاتها في القرآن :

وقبل الخوض في هذا الموضوع بتفاصيله وأبعاده نرىٰ لزاماً علينا أن نأتيعلىٰ كلمة الصحبة ومشتقاتها من القرآن الكريم ، لنرىٰ أنّها استعملت في معانٍ عديدة مختلفة.

يقول تعالىٰ في كتابه المجيد مخاطباً مشركي قريش :( مَا بِصَاحِبِكُم مِّن جِنَّةٍ ) (١) ، فأنت ترىٰ أن الله جعل عتاة قريش الذين اتهموا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجنون ، تراه يخاطبهم بأنهم أصحابه ، وهذا المعنىٰ لا يخفىٰ علىٰ كل فطن ، إذ معناه رسولكم الذي أُرسل إليكم.

نفس هذا المعنىٰ تجده في قوله تعالىٰ :( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَىٰ ) (٢) .

ويتكرّر هذا المعنىٰ في قوله تعالىٰ :( وَمَا صَاحِبُكُم بِمَجْنُونٍ ) (٣) .

كذلك يطلق لفظ الصاحب أو الصحابي في القرآن علىٰ النسبة إلىٰ مكان ، كقوله تعالىٰ :( يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ ) (٤) ، فبالرغم من أنّ رفيقي يوسفعليه‌السلام كانا كافرين بدليل قوله تعالىٰ :( أَأَرْبَابٌ مُّتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ ) (٥) .

__________________

١) سورة سبأ : ٤٦.

٢) سورة النجم : ٢.

٣) سورة التكوير : ٢٢.

٤) سورة يوسف : ٣٩.

٥) سورة يوسف : ٣٩.

١٦

لكن لأنّه جمعهما مكان واحد مع يوسف ، صارا صاحبين له نسبة إلىٰ المكان الذي اجتمعوا فيه.

هذا المعنىٰ موجود أيضاً في قوله تعالىٰ :( وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) (١) ، وأصحاب النار كما هو معلوم بالبداهة أهلها وساكنوها.

ونفس المعنىٰ أيضاً موجود في الآيات التالية :

( أَصْحَابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُّسْتَقَرًّا وَأَحْسَنُ مَقِيلًا ) (٢) .

( أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا ) (٣) .

( وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ ) (٤) .

( وَنَادَىٰ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ ) (٣) .

( وَإِن كَانَ أَصْحَابُ الْأَيْكَةِ لَظَالِمِينَ ) (٦) .

( وَلَقَدْ كَذَّبَ أَصْحَابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ ) (٧) .

( وَأَصْحَابُ مَدْيَنَ ) (٨) .

( أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ ) (٩) .

( أَصْحَابِ الْقُبُورِ ) (١٠) .

__________________

١) سورة البقرة : ٢٧٥.

٢) سورة الفرقان : ٢٤.

٣) سورة الكهف : ٩.

٤) سورة التوبة : ٧٠.

٥) سورة الأعراف : ٤٨.

٦) سورة الحجر : ٧٨.

٧) سورة الحجر : ٨٠.

٨) سورة الحج : ٤٤.

٩) سورة يس : ١٣.

١٠) سورة الممتحنة : ١٣.

١٧

( أَصْحَابُ الْأُخْدُودِ ) (١) .

هذا وقد تُطلق كلمة الصاحب أو الصحابي أو الأصحاب نسبة إلىٰ زمان كقوله تعالىٰ :( كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ) (٢) .

وقد يطلق لفظ الصحبة نسبة إلىٰ حيوان كقوله تعالىٰ :( أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ) (٣) و :( فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلَا تَكُن كَصَاحِبِ الْحُوتِ ) (٤) .

كذلك يطلق لفظ الصحبة نسبة إلىٰ آلة كقوله تعالىٰ :( وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ ) (٥) .

كما يطلق لفظ الصحبة أو الصاحبة علىٰ الزوجة كما في قوله تعالىٰ :( أَنَّىٰ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُن لَّهُ صَاحِبَةٌ ) (٦) ، و :( وَأَنَّهُ تَعَالَىٰ جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا ) (٧) ، و :( يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ ) (٨) .

وقد يطلق معنىٰ الصحبة علىٰ رجل يحاور آخر بغض النظر عن كفر أو إيمان الصاحب كقوله تعالىٰ :( قَالَ لَهُ صَاحِبُهُ وَهُوَ يُحَاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ مِن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ سَوَّاكَ رَجُلًا ) (٩) .

__________________

١) سورة البروج : ٤.

٢) سورة النساء : ٤٧.

٣) سورة الفيل : ١.

٤) سورة القلم : ٤٨.

٥) سورة العنكبوت : ١٥.

٦) سورة الانعام : ١٠١.

٧) سورة الجن : ٣.

٨) سورة المعارج : ١٢.

٩)سورة الكهف : ٣٧.

١٨

كذلك يُطلق لفظ الصحبة نسبة إلىٰ الحق أو الباطل كقوله تعالىٰ :

( فَسَتَعْلَمُونَ مَنْ أَصْحَابُ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ وَمَنِ اهْتَدَىٰ ) (١) .

( فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ ) (٢) .

( وَأَصْحَابُ الْمَشْأَمَةِ ) (٣) .

( وَأَصْحَابُ الشِّمَالِ ) (٤) .

ويطلق لفظ الصحبة كذلك نسبة إلىٰ شخص كقوله تعالى:

( قَالَ أَصْحَابُ مُوسَىٰ ) (٥) .

( فَنَادَوْا صَاحِبَهُمْ فَتَعَاطَىٰ فَعَقَرَ ) (٦) .

وهكذا ترىٰ أن لفظ الصحبة ومشتقاتها ليس له أيّ فضل في ذاته ولا أيّ مزيّة ، بل نستطيع أن نقول إنّه لفظ محايد.

بعد هذا الاستعراض لهذه الايات القرآنية نأتي إلىٰ تعريف الصحابي لغة :

يقول الخليل بن أحمد الفراهيدي في مادة « صحب » : « الصحاب يُجمع بالصَّحب والصحبان والصحبة والصحاب. والأصحاب : جماعة الصحب والصحابة مصدر قولك : صاحبك الله وأحسن صِحابتك. ويقال عند الوداع : مصاحباً معافىٰ إلىٰ أن يقول : « وكلّ شيء لاءم شيئاً فقد استصحبه »(٧) .

هذا وقد أعرضنا عن بقية كتب اللغة خشية التطويل.

__________________

١) سورة طه : ١٣٥.

٢) سورة الواقعة : ٨.

٣) سورة الواقعة : ٩.

٤) سورة الواقعة : ٤١.

٥) سورة الشعراء : ٦١.

٦) سورة القمر : ٢٩.

٧) كتاب العين للخليل : ٢ / ٩٧٠ حرف الصاد.

١٩

الصحابي اصطلاحاً :

يقول ابن حجر العسقلاني في كتابه الإصابة في تمييز الصحابة : « الصحابي من لقي النبيّمؤمناً به ومات علىٰ الإسلام ، فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت ، ومن روىٰ عنه أو لم يرو ، ومن غزا معه أو لم يغز ، ومن رآه رؤية ولم يجالسه ، ومن لم يره لعارض كالعُمي ، ويخرج بقيد الإيمان من لقيه كافراً ولو أسلم بعد ذلك إذا لم يجتمع به مرة أُخرىٰ »(١) .

وقال الإمام البخاري في تعريف الصحابي مايلي : « ومن صحب النبيأو رآه من المسلمين فهو من أصحابه »(٢) .

وعلىٰ هذين التعريفين يكون كلّ شعب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحابة من الطفل الصغير إلىٰ الشيخ الكبير إلىٰ المرأة.

وياليت الأمر وقف عند هذا الحدّ ، بل إنّ علماء السنّة أجمعوا علىٰ أن كل الصحابة عدول ثقات!!

__________________

١) كتاب الاصابة ١ : ٤.

٢) صحيح البخاري ٥ : ٢.

٢٠
٢١

عدالة الصحابة :

يقول ابن الأثير في مقدمة كتابه أُسد الغابة في معرفة الصحابة ما يأتي : « والصحابة يشاركون سائر الرواة في جميع ذلك إلاّ الجرح والتعديل ، فإنهم كلّهم عدول لا يتطرق الجرح إليهم ، لأنّ الله عزّوجلّ ورسوله زكّياهم وعدّلاهم ، وذلك مشهور لا نحتاج لذكره »(١) .

أما ابن حجر العسقلاني فيقول عن عدالة الصحابة : « اتفق أهل السنّة أنّ الجميع عدول ، ولم يخالف في ذلك إلاّ شذوذ من المبتدعة ، وقد ذكر الخطيب في الكفاية فصلاً نفيساً في ذلك فقال : عدالة الصحابة ثابتة معلومة بتعديل الله لهم وإخباره عن طهارتهم واختياره لهم ، فمن ذلك قوله تعالىٰ :( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) (٢) وقوله :( وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) (٣) ، وقوله :( لَّقَدْ رَضِيَ اللهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ) (٤) ، وقوله :( وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ) (٥) ، وقوله :( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) (٦) ، وقوله :( لِلْفُقَرَاءِ __________________

١)مقدمة ابن الاثير في كتابه أُسد الغابة ١ : ١٠.

٢) سورة آل عمران : ١١٠.

٣) سورة البقرة : ١٤٣.

٤) سورة الفتح : ١٨.

٥) سورة التوبة : ١٠٠.

٦) سورة الانفال : ٦٤.

٢٢

الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ أُولَٰئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ ) إلىٰ قوله :( إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) (١) ، في آيات كثيرة يطول ذكرها وأحاديث شهيرة يكثر تعدادها ، وجميع ذلك يقتضي القطع بتعديلهم ولا يحتاج أحد منهم مع تعديل الله لهم إلىٰ تعديل أحد من الخلق ، إلىٰ أن يقول إلىٰ أن روى بسندهإلىٰ أبي زرعة الرازي قال : إذا رأيت الرجل ينتقص أحداً من أصحاب رسول اللهفاعلم أنه زنديق ، وذلك أن الرسول حق والقرآن حق وما جاء به حق ، وإنما أدّىٰ إلينا ذلك كلّه الصحابة وهؤلاء ( وهم ) يريدون أن يجرحوا شهودنا ليُبطلوا الكتاب والسنّة ، والجرح بهم أولىٰ وهم زنادقة انتهىٰ »(٢) .

فعلىٰ رأي علماء أهل السنّة كل شعب رسول الله الذي آمن به صحابة ، وهم أيضاً عدول كلّهم لا يتطرق الشك إليهم أبداً حتّىٰ إلىٰ واحد منهم.

وقالوا : من يطعن في صحابي واحد فهو زنديق ، وقالوا : إنّ الله طهرهم وزكّاهم جميعاً.

وحتّىٰ يتبيّن لك الامر تعال إلىٰ كلام الله المجيد وانظر رأي القرآن في الصحابة أو فقل رأيه في كثير منهم.

__________________

١) سورة الحشر : ٨.

٢) الاصابة في تمييز الصحابة ١ : ٦ ـ ٧.

٢٣

الصحابة في القرآن :

يقول تعالىٰ في سورة الفتح :( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَٰلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) (١) .

فمن ينظر إلىٰ أول الآية يرىٰ أن الممدوحين مع رسول الله هم عموم الصحابة ، لكن انظر إلىٰ قوله تعالىٰ :( وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم ... ) .

فلم يَعِدْ الله جميع الصحابة بالمغفرة والأجر ، بل فقط مَنْ آمن وعمل صالحاً ، ولو كان الوعد للجميع لقال : ( وعدهم الله ) فتأمل.

ويقول تعالىٰ في نفس هذه السورة :( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) (٢) .

وأنت ترىٰ في هذه الآية أنّ الله تعالىٰ يحذّر الناكثين بأنهم إنّما ينكثون علىٰ

 __________________

١) سورة الفتح : ٢٩.

٢) سورة الفتح : ١٠.

٢٤

أنفسهم وليسوا بضارّي الله تعالىٰ شيئاً.

ولدىٰ قراءة سورة الحجرات تصادف هذه الآية :( إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّىٰ تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (٢) .

فانظر لوصف الله تعالىٰ هذه الفئة من المسلمين حيث وصفهم بأبشع وصف وهو أنهم لا يعقلون ، وقد وصفهم الله في صدر السورة بأنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي مع أنهم مؤمنين بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ويقول في سورة الحجرات أيضاً :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَىٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) (٣) .

ومن المعلوم والمشهور أن هذه الآية نزلت في الوليد بن عقبة ، وهو أخو عثمان بن عفان لامه ، عندما بعثه إلىٰ بني المصطلق فرجع وكذب علىٰ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (١) ، فالله يصف الوليد بالفاسق ، وأئمة السنّة يقولون إنّه عدل؟!

ويقول تعالىٰ في سورة التوبة :( لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَةٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ) (٢) .

في هذه الآية يذكر الله ويشنّع علىٰ المسلمين فرارهم يوم حنين حيث

__________________

١) سورة الحجرات : ٤ ـ ٥.

٢) سورة الحجرات : ٦.

٣) أنظر تفسير الفخر الرازي ( التفسير الكبير ) في سورة الحجرات : ٦ ، تفسير الطبري ٢٦ : ٧٨ ، تفسير الدرّ المنثور ٧ : ٥٥٥.

٤) سورة التوبة : ٢٥.

٢٥

تركوا النبي مع ثلة قليلة عدد أصابع اليد وفرّوا ، وقد اغترَّ المسلمون في حنين بكثرتهم حتّىٰ قال أبو بكر : « لن نُغلَب اليوم من قلّة »(١) .

وقال الله أيضاً مخاطباً الصحابة :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ إِلَّا تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلَا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (٢) .

فالله هنا يقرّع الصحابة بسبب تثاقلهم عن الغزو وكما لايخفىٰ فإن اللهتعالىٰ توعّد الصحابة في هذه الآية بالعذاب الأليم وباستبدالهم بقوم آخرينـالفرس علىٰ رأيـإذا لم ينفروا في سبيله ، فأين مدح الله للصحابة هنا؟!

وفي نفس سورة التّوبة هذه تقرأ قوله تعالىٰ :( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) (٣) .

المشهور أن هذه الآية نزلت في أحد الصحابة علىٰ عهد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهو ثعلبة بن حاطب الأنصاري ، الذي شكا لرسول الله الفقر وطلب أن يدعو له

 __________________

١) أنظر تفسير الفخر الرازي ( التفسير الكبير ) في سورة التوبة : ٢٥.

٢) سورة التوبة : ٣٨ـ٣٩. يقول الفخر الرازي في تفسير سورة التوبة : وهذا يدل أنّ كل المؤمنين كانوا متثاقلين في ذلك التكليف ، وذلك التثاقل معصية. ويقول الرازي بعد ذلك ، إنّ خطاب الكل وارادة البعض مجاز مشهور في القرآن.

٣) سورة التوبة : ٧٥ ـ ٧٧.

٢٦

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالغنىٰ والثروة ، ولمّا أعطاه الله سؤله رفض دفع الزكاة وقال : إنّها الجزية أو أخت الجزية ، فأنزل الله فيه هذه الآية.

إنّ ثعلبة صحابي أنصاري عاش مسلماً مؤمناً بالله ورسوله لكنه يوصف بالنفاق كما قال تعالىٰ ; فأين عدالة الصحابة جميعاً؟! وأين ما يدّعيه علماء أهل السنة وأئمتهم؟! ثم يأتي من يقول : إذا انتقصت أحداً من الصحابة فأنت زنديق!! فها هو الله ينتقص بعضهم بل كثير منهم ، افتونا بعلم إن كنتم صادقين.

ويقول تعالىٰ في سورة الأحزاب :( وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا ) (١) .

قد يقول كثير من علماء أهل السنة : إنّ هذه الآية خاصة بالمنافقين ولا دخل لها بالصحابة ( وسنُبيّن أن المنافقين هم صحابة كذلك فيما بعد ) ولكن من ينظر مليّاً إلىٰ الآية فسيجدها تقصد فئتين ، المنافقين ثم فئة أُخرىٰ غير المنافقين وهم الذين في قلوبهم مرض.

يقول الله تعالىٰ عزّوجلّ في سورة الأحزاب أيضاً :( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَىٰ طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَٰكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ وَاللهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَٰلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلَا أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ

__________________

١)سورة الاحزاب : ١٢.

٢٧

أَبَدًا إِنَّ ذَٰلِكُمْ كَانَ عِندَ اللهِ عَظِيمًا ) (١) .

وقد قال الامام الفخر الرازي في تفسيره : « القائل هو طلحة بن عبيدالله الذي قال : لئن عشتُ بعد محمّد لأنكحنّ عائشة »(٢) .

ويقول تعالىٰ في آية أُخرىٰ من سورة الأحزاب :( يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَن يَأْتِ مِنكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ يُضَاعَفْ لَهَا الْعَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا ) (٣) .

نعم هذا هو منطق القرآن لا قرابة بين الله وبين أحد من خلقه ولا مجاملة من الله ولا من رسوله لأحد ، لا لصحابي ولا لزوجة النبيّ ، إنّ أكرم الخلق عند الله أتقاهم بما في ذلك الأنبياء والمرسلين ، بل إنّ صحبة الرسول مسؤولية خطيرة وكذلك الزوجيّة لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فمن لم يراعها حقّ رعايتها كان عذابه مضاعفاً لمارأىٰ من الحق ومن هدي الرسول الكريم ، فهل بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هاد وهل بعده من عظيم؟! ولولا رسول الله لأخذ عذاب الله كثيراً من الصحابة كما أخذ السامريّ ومن كان قبل الصحابة من أتباع وأصحاب الأنبياء ، ألا ترىٰ إلىٰ قوله تعالىٰ :( وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا

__________________

١) سورة الأحزاب : ٥٣.

٢)تفسير الفخر الرازي لهذه الآية ٢٥ : ١٨٠ ، تفسير الدرّ المنثور ٦ : ٦٤٣ ، وأنظر تفسير الألوسي حيث يورد رواية عن ابن عباس لكنّه كعادة القوم لم يذكر طلحة بالإسم فيها وإنّما بلفظ « رجل » ، ثمّ أورد إسمه في رواية ثانية حاول تضعيفها بدون أيّ دليل! أنظر روح المعاني للالوسي البغدادي ١١ : ٢٤٩ ـ ٢٥٠.

٣)سورة الأحزاب : ٣٠.

٢٨

كَانَ اللهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ ) (١) .

ويقول الله تعالىٰ في سورة الأحزاب :( إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا ) (٢) .

إنّ الله لا يتأذّىٰ ولكن أذىٰ الله من أذىٰ الرسول ، وعليه فكلّ من آذىٰالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صحابيّاً أو غيره فقد آذىٰ الله ، وهذا نظير قوله تعالىٰ :( مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ ) (٣) ، وما أكثر من آذىٰ الرسول من الصحابة والصحابيّات ، ومن أراد اليقين فليبحث فسيرىٰ عجباً.

ويقول الله تعالىٰ في سورة آل عمران :( وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِوَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ * إِذْ هَمَّت طَّائِفَتَانِ مِنكُمْ أَن تَفْشَلَا وَاللهُ وَلِيُّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ) (٤) .

ويقول الفخر الرازي في تفسيره : « أنها نزلت في حيّين من الأنصار همّا بترك القتال في أُحد والعودة إلىٰ المدينة أُسوة برأس النفاق عبدالله بن أُبي بن أبي سلول »(٥) .

ويقول تعالىٰ في سورة آل عمران حول معركة أُحد :( وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُم بِإِذْنِهِ حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُم مِّن بَعْدِ مَا أَرَاكُم مَّا تُحِبُّونَ مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ

__________________

١) سورة الأنفال : ٣٣.

٢) سورة الأحزاب : ٥٧.

٣) سورة النساء : ٨٠.

٤) سورة آل عمران : ١٢١ ـ ١٢٢.

٥) التفسير الكبير للفخر الرازيـتفسير سورة آل عمران : ١٢١ـ١٢٢ ، تفسير الطبري ٤ : ٤٨ ، الدرّ المنثور ٢ : ٣٠٥.

٢٩

الْآخِرَةَ ... ) (١) .

ويقول كذلك :( إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِّكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَىٰ مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) (٢) .

ويقول أيضاً :( إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ) (٣) .

مرحىٰ لهؤلاء الصحابة الذين يفرّون من ساحة المعركة ويتركون الرسول خلفهم والرسول يناديهم في ذلك الموقف الشديد.

وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره : « أنّ عمر بن الخطاب كان من المنهزمين ، إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين!! ومن الذين فرّوا يوم أُحد عثمان بن عفان ورجلين من الأنصار يقال لهما سعد وعقبة ، انهزموا حتّىٰ بلغوا موضعاً بعيداً ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام فقال لهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لقد ذهبتم بها عريضة »(٤) !

ثم لنأت إلىٰ سورة الجمعة ولنقرأ هذه الآية :( وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْوًا انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِمًا قُلْ مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ ) (٥) .

__________________

١) سورة آل عمران : ١٥٢.

٢) سورة آل عمران : ١٥٣.

٣)سورة آل عمران : ١٥٥.

٤) تفسير الفخر الرازي في تفسير الآية ١٥٥ من سورة آل عمران ، تفسير الطبري ٤ : ٩٦ ، تفسير الدرّ المنثور ٢ : ٣٥٥ ـ ٣٥٦.

٥) سورة الجمعة : ١١.

٣٠

وقد نزلت هذه الآية في الصحابة الذين كانوا يصلون الجمعة مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حتّىٰ إذا دخل دحية الكلبيـوكان مشركاًـالمدينة بتجارة من الشام فترك الصحابة المسجد وخرجوا إليه ولم يبق معهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ اثنا عشر رجلاً علىٰ رواية ، حتّىٰ قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم : « لو اتّبع آخرهم أوّلهم لالتهب الوادي عليهم ناراً »(١) .

ونأتي إلىٰ سورة التحريم حيث ترىٰ عجباً ، إذ فضحت هذه السورة زوجتين من زوجات الرسول وهما عائشة وحفصة ، حيث جاء في سبب نزولها أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يأتي زينب بنت جحش ويأكل عندها عسلاً ، فاتفقت عائشة مع حفصة علىٰ أن تقولا للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ فيك رائحة مغافير ( الثوم ) ، وهكذا كان إلىٰ أن قال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لقد حرّمتُ العسلعلىٰ نفسي » ، فنزلت سورة التحريم ومنها قوله تعالىٰ :( إِن تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَٰلِكَ ظَهِيرٌ ) (٢) .

وصالح المؤمنين كما رواه البعض هو علي بن أبي طالبعليه‌السلام (٣) .

ومعنىٰ صغت كما قال الفخر الرازي في تفسيره : مالت عن الحقّ.

__________________

١)انظر تفسير الفخر الرازي سورة الجمعة ، تفسير الدر المنثور ٨ : ١٦٥ ، تفسير الطبري ٢٨ : ٦٧ ـ ٦٨.

٢)سورة التحريم : ٤.

وأنظر قصة المغافير هذه في صحيح البخاري ٦ : ١٩٤.

٣)أنظر تفسير روح المعاني للالوسي البغدادي ١٤ : ٣٤٨. في تفسيره لسورة التحريم.

٣١

وتواصل السورة :( عَسَىٰ رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِّنكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُّؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا ) (١) .

فالله يقول لعائشة وحفصة لا تظنّا أنكما أفضل النّساء لأنكما زوجتا الرسول ، بل يستطيع الله أن يبدله نساءاً خيراً منكنّ.

ثم يقارن الله تعالىٰ عائشة وحفصة بامرأة نوح وامرأة لوط ليحذّرهنّ أنّ كونهما زوجتين لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدرأ عنهما عذاب النار ولا يجعلهنّ بالضرورة من أهل الجنة ، يقول تعالىٰ :( ضَرَبَ اللهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (٢) .

ثم يأتي علماء أهل السنة بعد كلّ هذه الأدلة ليقولوا : إنّ عائشة أحبّ النّاس لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والويل لمن يقول غير ذلك!(٣) .

ثم تعال معي إلىٰ سورة النور ، حيث يقول العزيز الحكيم :( إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُم مَّا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ وَالَّذِي تَوَلَّىٰ كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (١) .

فتأمّل قوله تعالىٰ :( عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ) ، ألا يعني ذلك أنهم داخلون في دائرة الصحابة ، وقد ورد في التفاسير أنّ الذين جاؤوا بالإفك ( اتهام عائشة ) هم زيادة علىٰ رأس النفاق عبدالله بن أبي سلول ، حسان بن ثابت شاعر

__________________

١) سورة التحريم : ٥.

٢) سورة التحريم : ١٠.

٣) أنظر مثلاً صحيح الترمذي ٥ : ٧٠٧ حديث رقم ٣٨٩٠.

٤) سورة النور : ١١.

٣٢

الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والإسلام ، وزيد بن رفاعة ومسطح بن أُثاثة وحمنة بنت جحش(١) .

وقد يدّعي الكثير من البسطاء أنّ هذه فضيلة لعائشة حيث برّأها الله وأنزل فيها قرآناً من فوق سماواته ، لكن من يتأمّل الحالة جيّداً يجد أنّ الآية نزلت لتبرأة ساحة النبي الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وتنزيهه ، ولو كانت عائشة زوجة لغير رسول الله ما كان ينزل فيها حرف واحد ، لأنّ الله تعالىٰ بيّن أحكامه وأحكام السرقة والخمر وغيرها في كتابه ، لكن نظراً لحساسية موقع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنزلته العظمية برأ الله ساحته ونزّهها.

ويقول الله تعالىٰ في سورة الأنفال :( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَىٰ حَتَّىٰ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَّوْلَا كِتَابٌ مِّنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (٢) .

في هذه الآيات خطاب شديد للصحابة الذين حاربوا في بدر لأنهم أخذوا أسرىٰ ، وليس هذا من شأن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما ليس من شأن الأنبياء السابقين ، لكن الله سمح لهم بعد ذلك بأخذ الفداء ، والعجيب أنّ كثيراً من المفسّرين أدخلوا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا التهديد مع أنّ ظاهر الآية واضح في مخاطبة الصحابة ، ثم أنّ رسول الله ما كان ليقوم بفعل أو قول دون إذن الله فلماذا يدخل في دائرة التهديد؟! نعم هذا ما فعلته أيدي بني أُمية الحاقدةعلىٰ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته فينطبق عليهم قول الله تعالىٰ :( يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ

__________________

١) راجع تفسير الفخر الرازي في تفسير سورة النور ، تفسير الدرّ المنثور ٦ : ١٤٨ ، تفسير الطبري ١٨ : ٦٨.

٢) سورة الأنفال : ٦٧ ـ ٦٨.

٣٣

مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ) (١) .

وتقرأ في سورة الأنعام هذه الآية :( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَن قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنزَلَ اللهُ ... ) (٢) .

وفي قول نزلت هذه الآية في عبدالله بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان بن عفان والذي أهدر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دمه لأنّه قال إنني أستطيع أن أقول مثل ما أنزل الله ، والعجيب أنّ هذا الأفّاك الاثيم يصبح في زمن عثمان أحد وزراء الدولة وقادة الجيش؟!

هذا غيض من فيض ، ولولا أنّ المجال لا يتّسع لأكثر من هذا لأتينا علىٰ كلّ الآيات النازلة في شأن الصحابة والتي كانت تفضح بعضاً منهم أو تُقرّع البعض الآخر أو تهدّدهم وتتوعّدهم.

وهكذا ترىٰ أنّ القرآن يضع الصحابة في محلّهم الطبيعي.

والعجب أنّ علماء أهل السنّة كما أشرنا إلىٰ ذلك سابقاً يزعمون أنّ الله والقرآن عدّلا الصحابة جميعاً ، وعليه إنّ أيّ قدح في أيّ واحد منهم هو خروج عن الإسلام وزندقة ، فها هو القرآن يكذّب آراءهم النابعة من الهوىٰويقول غير ما قالوا ، ولا كلام بعد كلام الله وإن كره الكارهون.

ثمّ دعنا من الصحابة ولنأت إلىٰ أشرف ولد آدم وأفضل رسل الله ورأس

__________________

١) سورة المائدة : ٤١.

٢) سورة الأنعام : ٩٣.

أُنظر تفسير الفخر الرازي في تفسيره للسورة ١٣ : ٩٣ ، تفسير الطبري ٧ : ١٨١ ، تفسير الدرّ المنثور ٣ : ٣١٧.

٣٤

أُولي العزمعليهم‌السلام حيث إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يكتسب تلك المنزلة العظيمة بالأماني بل بأعماله ، وها هو القرآن يشير إلىٰ هذه الحقيقة قائلاً :( وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) (١) .

وحاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يشرك ، لكن هذا هو مقياس الله ، لا مجاملة ولا محاباة مع أيّ أحد في أحكامه وشرائعه.

ثم انظر إلىٰ قوله تعالىٰ في سورة الحاقة :( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (٢) .

فليس معنىٰ كون الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نبيّاً يحجزه عن العقاب إذا خرج عن حدود الله ، فما بالك بعد هذا بالصحابة؟!

إنّ الصحابة هم أوّل المكلّفين في الإسلام وأوّل المسؤولين.

فهم إذن تحت الشرع وليسوا فوقه ، وليس عندهم جواز عبور إلىٰ الجنّة ، هيهات ليس الامر بالأماني.

إنّ الصحابة في موضع خطير حيث أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان بين أظهرهم ولا حجّة لمن تعدّىٰ حدود الله منهم غداً يوم القيامة ، فقد شاهدوا نور النبوّة وآيات الله نزلت بينهم وقد تمت عليهم الحجّة والويل لمن لم يُنجِه كلّ ذلك.

__________________

١) سورة الزمر : ٦٥.

٢) سورة الحاقة : ٤٤ ـ ٤٦.

٣٥

رأي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الصحابة :

بعد استعراضنا لكثير من الآيات الموضحة والمبيّنة لرأي القرآن في الصحابة ، نأتي الآن لنرىٰ رأي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أصحابه.

نفتح صحيح البخاري ونقرأ : عن عقبةرضي‌الله‌عنه أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج يوماً فصلّىٰ علىٰ أهل أُحد صلاته علىٰ الميّت ثم انصرف علىٰ المنبر فقال : « إنّي فرط لكم وأنا شهيد عليكم وإنّي والله لأنظر إلىٰ حوضي الآن ، وإنّي أُعطيتُ مفاتيح خزائن الأرض أو مفاتيح الأرض ، وإنّي والله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي ، ولكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها »(١) .

وجاء هذا الحديث بألفاظ أُخرىٰ منها هذا الحديث التالي : عن أبي هريرة عن النبيقال : « بينا أنا قائم إذا زمرة حتّىٰ إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال هلمّ ، فقلت : أين؟ قال : إلىٰ النار والله ، قلت وما شأنهم؟ قال : إنهم ارتدّوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرى ، ثم إذا زمرة حتّىٰ إذا عرفتهم خرج رجل من بيني وبينهم فقال : هلمّ ، قلت : أين؟ قال : إلىٰ النار والله ، قلت ما شأنهم؟ قال : إنّهم ارتدّوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرىٰ ، فلا أراه يخلص منهم إلاّ مثل هَمَلِ النَّعم »(٢) .

__________________

١)صحيح البخاري ٨ : ١٥١ ، صحيح مسلم باب الفضائل.

٢) صحيح البخاري ٨ : ١٥١.

٣٦

فإذا نظرت إلىٰ الحديث الاوّل ترىٰ أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « وأنا شهيد عليكم » أي علىٰ أفعال أصحابه ، وهذا يذكرنا بقول عيسىٰ بن مريمعليه‌السلام حيث قال :( وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ ) (١) .

فالرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس مسؤولاً عن أفعال أصحابه بعد حياته.

ثم انظر إلىٰ قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لكن أخاف عليكم أن تنافسوا فيها ».

نعم هكذا كان ، حيث صار الصحابة بعد فتح البلدان من أغنىٰ الناس كطلحة والزبير وغيرهما ، ولهذا حاربوا علىٰ بن أبي طالبعليه‌السلام لأنّه كان أشد الناس في الحق بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وتأمّل هذه المفردة في الحديث ( حتّىٰ إذا عرفتهم ) وهذا يعني أنهم عاشوا مع الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليسوا أفراداً من أُمّته متأخرين أو المنافقين كما يدّعىٰالبعض.

ثم تأمّل هذه المفردة ( إنهم ارتدوا بعدك علىٰ أدبارهم القهقرىٰ ).

نعم هكذا كان ، وانظروا كتب التواريخ وما فعله كثير من الصحابة من كنز الأموال وقتل النفوس وتعطيل حدود الله وتغيير سنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لترىٰعجباً!!

__________________

ويُراجع صحيح مسلم ٤ / ١٧٩٣ كتاب الفضائل باب إثبات حوض نبيّنا ، مسند أحمد ١ : ٤٠٦.

١)سورة المائدة : ١١٧.

٣٧

مخالفات الصحابة للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

إنّ الباحث المتجرّد سيكتشف أنّ الصحابة هم أوّل من خالف الله ورسوله ولم يكونوا جميعاً مطيعين متهالكين في طاعتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما يدّعي البعض ، وإليك غيض من فيض من هذه المخالفات :

عن البراء بن عازبرضي‌الله‌عنه قال : « جعل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علىٰ الرجّالة يوم أُحد ـوكانوا خمسين رجلاًـعبدالله بن جبير فقال : إن رأيتمونا تخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم هذا حتّىٰ أرسل إليكم ، وإن رأيتمونا هَزمنا القوم وأوطأناهم فلا تبرحوا حتّىٰ أرسل إليكم ، فهزموهم ( هزيمة المشركين ) ، قال فأنا والله رأيت النساء يشتددن قد بدت خلاخلهنّ وأسوُقُهنّ رافعات ثيابهنّ ، فقال أصحاب عبدالله بن جبير : الغنيمة أيْ قوم الغنيمة ، ظَهرَ أصحابكم فماتنتظرون ، فقال عبدالله بن جبير : أنسيتم ماقال لكم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ قالوا : والله لنأتينّ الناس فلنصيبنّ من الغنيمة ، فلمّا أتوهم صرفت وجوههم فأقبلوا منهزمين ، فذاك إذ يدعوهم الرسول في أُخراهم ، فلم يبق مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غير اثني عشر رجلاً فأصابوا منّا سبعين »(١) .

أُنظر إلىٰ هؤلاء الصحابة يخالفون أوامر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم علانية حتّىٰ تسببوا في هزيمة المسلمين وشهادة خيار الصحابة كمصعب بن عمير وحمزة

__________________

١)صحيح البخاري ٤ : ٧٩.

٣٨

وغيرهما ، ولو لم ينزلوا من الجبل لكانت معركة أُحد الضربة القاضية للمشركين ، ولما تجّرأوا بعدها علىٰ خوض حروب أُخرىٰ ضد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كغزوة الخندق وغيرها.

ويا ليته كان فرارهم الاوّل بعد هزيمتهم ، لكن أعادوا نفس الفعلة في غزوة حنين.

وإليك حادثة أُخرىٰ وقعت قبل أربعة أيام من وفاة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهي المعروفة برزيّة يوم الخميس :

عن ابن عباس قال : « يومُ الخميس وما يوم الخميس ، ثم بكىٰ حتّىٰ خضب دمعه الحَصْبَاء ، فقال : اشتدّ برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعه يوم الخميس فقال : ائتوني بكتاب أكتب لكم كتاباً لن تضلّوا بعده أبدا ، فتنازعواـولا ينبغي عند نبيّ تنازعـفقالوا : هَجَر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : دعوني فالذي أنا فيه خير ممّا تدعوني إليه ، وأوصىٰ عند موته بثلاث : أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم ونسيت الثالثة »(١) .

مرحىٰ لهؤلاء الصحابة يأمرهم الرسول فيقولون إنّ النبيّ يهجر( يخرّف )!! ولا يطيعونه حتّىٰ يُعرض عنهم.

ويا حسرة علىٰ ذلك الكتاب الذي لم يُكتَب والذي قال عنه الرسول ( لَنْ تضلّوا بعده ) ولو فعل الصحابه ما أُمروا به لما اختلف مسلمان إلىٰ يوم القيامة ، فانظر إلىٰ ما جناه علينا الصحابة من الضلال وما حرمونا منه.

__________________

١)صحيح البخاري ٤ : ٨٥ ، وصحيح مسلم ٣ : ١٢٥٧ كتاب الوصية ، ومسند أحمد ١ : ٢٢٢.

٣٩

حديث آخر فخذه :

« عن علىٰرضي‌الله‌عنه قال : بعث النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سريّة وأمّر عليهم رجلاً من الأنصار وأمرهم أن يُطيعوه ، فغضب عليهم وقال : أليس قد أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن تطيعوني؟ قالوا : بلىٰ ، قال : عزمتُ عليكم لما جمعتم حطباً وأوقدتم ناراً ثم دخلتم فيها ، فجمعوا حطباً فأوقدوا ، فلمّا همّوا بالدخول نظر بعضهم إلىٰ بعض قال بعضهم : إنمّا تبعنا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فراراً من النار أفندخلها؟ فبينما هم كذلك إذ خمدت النار وسكن غضبه ، فذكر للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : لو دخلوها ما خرجوا منها أبداً إنّما الطاعة في المعروف »(١) .

انظر إلىٰ هذا الأمير المتلاعب كيف يأمر الصحابة بالهلاك وسوء العاقبة في الدنيا والآخرة ، وانظر استنكار الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لذلك الفعل وما قاله.

والأعجب من هذا كلّه أنك تجد في كتب وصحاح أهل السنّة أحاديث في الطاعة ما أنزل الله بها من سلطان ، بل مخالفة لصريح القرآن والفطرة الانسانيّة مثل هذا الحديث الآتي :

عن أنس بن مالكرضي‌الله‌عنه قال : « قال رسول الله : اسمعوا وأطيعوا وإن أستُعمِل عليكم عبد حبشي كأنّ رأسه زبيبة »(٢) .

نقول : أوّلاً : حاشىٰ لرسول الله أن تصدر منه هكذا أوصاف في حقّ عباد الله ، وهو الذي وصفه الله تعالىٰ بالخُلق العظيم ولا يعيّر الرسول أحداً من الخلق ولا يقول رأس فلان ككذا ولا غيرها.

__________________

١)صحيح البخاري ٩ : ١١٣ ، ما جاء في السمع والطاعة.

٢) صحيح البخاري ٩ : ١١٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88