الصحابه في حجمهم الحقيقي

الصحابه في حجمهم الحقيقي0%

الصحابه في حجمهم الحقيقي مؤلف:
تصنيف: دراسات
ISBN: 964-319-193-1
الصفحات: 88

الصحابه في حجمهم الحقيقي

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: الهاشمي بن علي
تصنيف: ISBN: 964-319-193-1
الصفحات: 88
المشاهدات: 25242
تحميل: 5339

توضيحات:

بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 88 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25242 / تحميل: 5339
الحجم الحجم الحجم
الصحابه في حجمهم الحقيقي

الصحابه في حجمهم الحقيقي

مؤلف:
ISBN: 964-319-193-1
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وثانياً : أليس الله تعالىٰ يقول :( وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ ... ) (١) .

فالله ينهي عن طاعة الظالمين فكيف يأمر بها نبيّه؟!

نعم ، إن معاوية وملوك بني أُمية وبني العباس وضعوا هذه الأحاديثحتّىٰ لا يخرج عليهم أحد ولا ينهاهم مسلم ، وهل يريد الحكّام الظالمون أكثر من ذلك؟!

وتعالَ إلىٰ حديث آخر شبيه بالسابق :

قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « من رأىٰ من أميره شيئاً فكرهه فليصبر ، فإنّه ليس أحد يفارق الجماعة شبراً فيموت إلاّ مات ميتة جاهليّة »(٢) .

إنّ هذا الحديث كذب صريح ، وإلاّ لو كان صحيحاً فلماذا خالفه الصحابة أنفسهم ، أليس قد فارق علي بن أبي طالب جماعة المسلمين ولم يبايع أبا بكر إلاّ بعد ستة أشهر؟ أليس قد خالفت عائشة هذا الحديث وخرجت علىٰ عليّ في حرب الجمل مع طلحة والزبير؟! أليس قد فارق عبدالله بن عمر الجماعة ولم يبايع عليّاً طيلة خلافته ثم بايع بعد ذلك يزيد وعبد الملك بن مروان؟!

وهناك حديث آخر يعارض هذه الأحاديث ، يقول : عن عبدالله عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « السمع والطاعة علىٰ المرء المسلم فيما أحبّ أو كره مالم يُؤمَر

__________________

١)سورة هود : ١١٣.

٢)تجد الحديث قريب منه في لفظه في مسند أحمد ٤ : ٩٦.

٤١

بمعصية ، فإن أُمر بعصية فلا سمع ولا طاعة »(١) .

وإليك فعلة شنيعة أُخرىٰ اقترفها صحابي ابن صحابي :

عن أسامة بن زيد بن حارثة قال : « بعثنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ الحُرقة( قبيلة ) من جُهينة ، قال فصبّحنا القوم فهزمناهم ، قال ولحقتُ أنا ورجل من الأنصار رجلاً منهم ، قال : فلمّا غشيناه قال لا إله إلاّ الله ، قال : فكفّ عنه الأنصاري فطعنتُهُ برمحي حتّىٰ قتلتُه ، قال : فلمّا قدمنا بلغ ذلك النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، قال : فقال لي : يا أُسامة أقتلْتَهُ بعدما قال لا إلٰه إلا الله ، قال : قلتُ : يا رسول الله إنّما كان متعوّذاً ( أي قالها خوفاً من القتل لا إيماناً ) قال : أقتلته بعد أن قال لا إلٰه إلا الله؟ قال : فما زال يكرّرها عليّ حتّىٰ تمنّيتُ أني لم أكن أسلمتُ قبل ذلك اليوم »(٢) .

والواقع أنّ الإنسان لا يجد ما يعلق عليه في هذه الحادثة ، لذا نتركها للقارئ.

وإليك حادثة أُخرىٰ :

عن أبي هريرة قال : « شهدنا مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال لرجل ممّن يدّعيالإسلام : هذا من أهل النار ، فلمّا حضر القتال قاتل الرجل قتالاً شديداً فأصابته جراحة ، فقيل : يا رسول الله الذي قلت إنّه من أهل النار فإنّه قد قاتل اليوم قتالاً شديداً وقد مات ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إلىٰ النار ، قال : فكاد بعض الناس أن يرتاب ، فبينما هم علىٰ ذلك إذ قيل : إنّه لم يمت ولكن به جراحاً

 __________________

١)صحيح البخاري ٩ : ١١٣.

٢)صحيح البخاري ٩ : ٥ ، مسند أحمد ٥ : ٢٠٠.

٤٢

شديداً ، فلمّاكان من اللّيل لم يصبر علىٰ الجراح فقَتل نفسه ، فأخبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذلك فقال : الله أكبر إني عبد الله ورسوله ، ثم أمر بلالاً فنادىٰ بالناس »(١) .

هذا رجل مسلم ، صحب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وغزا معه ، والله أعلم كم غزوة شارك فيها ، ولم يكفر بالله ولم يرتدّ لكنّه من أهل النار لأنّه انتحر ولم يصبرعلىٰ الجراح ، فكيف يقال : إنّ جميع الصحابة عدول؟!

نكتفي بهذا القدر اليسير من مخالفات الصحابة لله ولرسوله وننتقل إلىٰ بحث آخر وهو : رأي الصحابة في بعضهم البعض.

__________________

١)صحيح البخاري ٤ : ٨٨.

٤٣

رأي الصحابة في بعضهم البعض :

إنّ الذي يمنعنا اليوم من مجرّد ذكر حقائق وأفعال بعض الصحابةـالتي أثبتها الله ورسوله ويدّعي أنّ ذلك طعن بالصحابة ويتهمنا بسب وشتم جميع الصحابةـلا يدري أنّ الصحابة أنفسهم شتم بعضهم بعضاً ولعن بعضهم بعضاً وقاتل بعضهم بعضاً ، فهل « حلال عليهم ، حرام علينا؟! »(١) .

وإليك بعض الأمثلة علىٰ ذلك :

عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال : « أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال : ما منعك أن تسب أبا التراب؟! فقال : أمّا ما ذكرتُ ثلاثاً قالهنّ له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه لان تكون لي واحدة منهنّ أَحبّ إليّمن حُمر النِّعم. سمعتُ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضىٰ أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسىٰ إلاّ أنه لا نبوّة بعدي ، وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية رجلاً يُحبّ اللهَ ورسولَه ويحبّه اللهُ ورسولُه ، قال فتطاولنا لها فقال : ادعوا لي عليّاً ، فأُتي به أرمد فبصق في عينه ودفع الراية إليه ففتح الله عليه ، ولمّا نزلت هذه الآية :( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ

__________________

١)مثل تونسي شائع.

٤٤

أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ ) (١) دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال : اللّهم هؤلاء أهلي »(٢) .

ونحن نستخلص من شهادة سعد بن أبي وقاص هذه أشياء :

أولاً : لو كان سبّ الصحابي كفراً فما بال معاوية بن هند يأمر الصحابة ومن ضمنهم سعداً بسبّ علي بن أبي طالب؟! وما بال بني أُميّة اتخذوا سبّ علي بن أبي طالب سنّة ، حتّىٰ كانوا يلعنونه علىٰ المنابر طيلة سبعين سنة.

ثانياً : ثبت عن الصحابة أنّ المقصود من أهل البيت النبويّ ليس زوجات الرسول بل هم : علي وفاطمة وحسن وحسين وفيهم نزلت آية التطهير حيث يقول تعالىٰ :( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) فالقرآن نزل بين الصحابة وما كانت لتخفىٰ عليهم مقاصد هذه الآية.

وثالثاً : يتبيّن كذب أحاديث قيلت علىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومنها هذا الحديث التالي :

عن محمد بن إسحاق عن يونس بن محمد عن إبراهيم بن سعد عن عبيدة بن أبي رائطة عن عبد الرحمان عن عبد الله بن مغفّل قال : « قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الله الله في أصحابي لا تتخذوهم غرضاً بعدي ، فمن أحبّهم فبحبّي أحبّهم ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم ، ومنآذاهم فقد آذاني ومن

__________________

١)سورة آل عمران : ٦١.

٢)صحيح مسلم ٤ : ١٨٧١ ، كتاب فضائل الصحابة.

٣)سورة الأحزاب : ٣٣.

٤٥

آذاني فقد آذىٰ الله ومن آذىٰ الله فيوشك أن يأخذه »(١) .

فإذا صحّ الحديث فمعاويةـوهو صحابي درجة مائةـكان يسبّ عليّاً وما أدراك ما علي ويأمر بسبّه ; وعليّعليه‌السلام قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « لا يحبّك إلاّ مؤمن ولا يبغضك إلاّ منافق »(٢) .

وإليك مثال آخر علىٰ رأي الصحابة في بعضهم البعض :

عن جابر قال : « صلّىٰ معاذ بن جبل الأنصاري بأصحابه صلاة العشاء فطوّل عليهم ، فانصرف رجل منّا ، فصلّىٰ ، فأُخبر معاذ عنه فقال : إنّه منافق ، فلمّا بلغ ذلك الرجل دخل علىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره ما قال معاذ ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أتريد أن تكون فتّاناً يا معاذ؟ إذا صلّيت بالناس فاقرأ بالشمس وضحاها وسبّح اسم ربّك الأعلىٰ واللّيل إذا يغشىٰ واقرأ باسم ربّك »(٣) وتعليقاً علىٰ الحديث نقول : انظر إلىٰ معاذ وهو يرمي أحد المسلمين بالنفاق لانه لم يُطق تطويله وتأمّل لوم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمعاذ.

كذلك أمر عمر بن الخطاب رجال السقيفة بأن يقتلوا سعد بن عبادة لأنّه خالف ما اتفقوا عليه ، وهكذا الأمثال عديدة ، فمن شاء فليحقّق في الصحاح وكتب السيرة.

__________________

١)مسند أحمد بن حنبل ٩ : ٨٢ ، وقريب من هذا الحديث حديث « أحسنوا إلى أصحابي » مسند أحمد بن حنبل : ٤٥ حديث رقم ١٧٨.

فهل أحسن عثمان إلى أبي ذر وهل أحسن معاوية لعليّ وهل أحسن يزيد( التابعي ) إلى الحسين الصحابي وو ...؟!

٢)أنظر سنن ابن ماجة ١ : ٤٢ ، فضائل عليّ.

٣) سنن ابن ماجه ١ : ٣١٥ ، باب من أمّ قوماً فليُخفّف.

٤٦

ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : « من قال لأخيه : يا كافر ، فقد باء بها أحدهما »(١) .

وإليك مثالاً آخر :

« عن جابررضي‌الله‌عنه قال : غزونا مع النبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد ثاب معه ناس من المهاجرين حتّىٰ كثروا ، وكان من المهاجرين رجل لعّاب فكسع أنصاريّاً فغضب الأنصاري غضباً شديداً حتّىٰ تداعوا ، وقال الأنصاري : ياللأنصار ، وقال المهاجرىّ : يا للمهاجرين ، فخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : ما بال دعوىٰ أهل الجاهليّة ، ثم قال : ماشأنهم؟ فأُخبر بكسعة المهاجريّ الأنصاري ، قال فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : دعوها فإنّها خبيثة.

وقال عبد الله بن أُبي بن سلول : قد تداعوا علينا لئن رجعنا إلىٰ المدينة ليخرجنّ الأعزّ منها الأذلّ ، فقال عمر : ألا نقتل يا رسول الله هذا الخبيث لعبدالله ، فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يتحدّث الناس أنّه كان يقتل أصحابه »(٢) .

فهاهم المهاجرون والأنصار يختلفون ويكادون يتقاتلون ، حتّىٰ وصل الأمر أن يستغلّ هذه الفرصة رأس المنافقين فيقول ما قال.

ولنتصور مدىٰ تألّم قلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو يرىٰ أصحابه يرفعون شعارات قبليّة ، أليست هذه إذاية للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟!

ثم تأمّل قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حيث قال : « لا يتحدث الناس أنه كان يقتل أصحابه » ، فنفهم منه أنّ المنافقين بعكس ما يقول علماء أهل السنّة كانوا

__________________

١)موطّأ الإمام مالك : ٦٥٢ ، حديث رقم ١٨٤٤.

٢) صحيح البخاري ٤ : ٢٢٣ ، وكذلك في مسند أحمد ٣ : ٣٣٨.

٤٧

داخلين في دائرة الصحابة وما كان أكثرهم حتّىٰ أن الله تعالىٰ أنزل سورة كامة باسمهم(١) وقال تعالىٰ فيهم في سورة التوبة :( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ... ) (٢) فمن هم يا ترىٰ أولئك المنافقون الذين لا يعلمهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟! سنعرفهم يوم القيامة إن شاء الله تعالىٰ.

كذلك تسابّ خالد بن الوليد وعبدالرحمن بن عوف أمام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأفحش خالد بن الوليد لعمّار بن ياسر(٣) وما أدراك ما عمّار الطيب بن الطيب(٤) كما وصفه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

__________________

١) هي سورة المنافقون.

٢) سورة التوبة : ١٠١.

٣) مسند أحمد ٤ : ٨٩.

٤) سنن ابن ماجه ١ : ٥٢ ، فضائل عمّار.

٤٨
٤٩

ما لاقاه الصحابة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

● عمّار بن ياسر :

عمّار بن ياسر أبو اليقظان وهو صحابي جليل وقد استشهد أبواه ياسر وسميّةـأوّل شهيدة في الإسلامـبعد أن عُذِّبا وعمّار عذاباً شديداً من مشركي قريش.

وعمّار هو الذي نزل فيه قوله تعالىٰ :( إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ) (١) بعدما نال من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر آلهة المشركين علىٰ رواية لشدة ما ناله من العذاب ، وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « عمّار تقتله الفئة الباغية »(٢) وفعلاً استشهد عمّار يوم حرب صفّين بين علي بن أبي طالبعليه‌السلام ورئيس الفرقة الباغية معاوية بن هند.

وقبل أن يقتل « الصحابي » معاوية عمّاراً كما قتل غيره ، تعرّض عمّار للضرب والشتم من عثمان ووزيره مروان بن الحكم ، وإليك القصة كما أوردها ابن قتيبة في كتابه ( الإمامة والسياسة ) :

« ثم تعاهد القوم ليدفعن الكتاب في يد عثمان ، وكان ممّن حضر

__________________

١)سورة النحل : ١٠٦.

٢)صحيح البخاري ٤ : ٢٥.

هذا مع أنّ رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « من أبغض عمّارا أبغضه الله ». أنظر مسند أحمد ٤ : ٨٩ ، فما بالك إذن بمن قتله واجترأ عليه؟

٥٠

الكتاب عمّار بن ياسر والمقداد بن الأسود ، وكانوا عشرة ، فلمّا خرجوا بالكتاب ليدفعوه إلىٰ عثمان والكتاب في يد عمار جعلوا يتسللون عن عمّارحتّىٰ بقي وحده ، فمضىٰ حتّىٰ جاء دار عثمان ، فاستأذن عليه ، فأذن له في يوم شاتٍ فدخل عليه وعنده مروان بن الحكم وأهله من بني أُميّة ، فدفع إليه الكتاب فقرأه فقال له : أنت كتبت هذا الكتاب؟ قال نعم ، قال : ومن كان معك؟ قال كان معي نفر تفرّقوا فَرقاً منك ، قال : من هم؟ قال : لا أُخبرك بهم ، قال : فلم اجترأت عليّمن بينهم؟ فقال مروان : يا أمير المؤمنين إنّ هذا العبد الأسود ( يعني عمار ) قد جَرّأ عليك الناس ، وإنّك إن قتلته نكّلت به من وراءه ، قال عثمان : اضربوه ، فضربوه وضربه عثمان معهم حتّىٰ فتقوا بطنه ، فغشي عليه ، فجرّوه حتّىٰ طرحوه علىٰ باب الدار ، فأمرت به أُم سلمة زوج النبي عليه الصلاة والسلام فأدخل منزلها »(١) .

●أبو ذرّ الغفاري :

هو جندب بن جنادة من قبيلة غفار ، وكان رابع من أسلم أو خامسهم بعد خديجة وعلىٰ وزيد بن حارثة ، وقد قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء علىٰ ذي لهجة أصدق من أبي ذر »(٢) .

وأبو ذرّ هذا نفاه عثمان بن عفّان إلىٰ الشام ، لكن معاوية خاف منه ومن صرامته في الحق فأرسل لعثمان كتاباً قال له فيه : انقذني من أبي ذرّ ، فأرجعه

__________________

١)الإمامة والساسية١ : ٥٠ ـ ٥١.

٢) طبقات ابن سعد ج٤ ، ترجمة أبي ذر الغفاري.

٥١

عثمان وشتمه ونفاه إلىٰ صحراء الربذة حتّىٰ مات هناك ، فصدق فيه قول الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « تمشي وحدك وتموت وحدك وتُبعث وحدك »(١) .

بل إنّ هذا الصحابي الجليل القدر لم يجد حين حضرته الوفاة كفناً يُكفّنُ فيه ، في حين كان مروان بن الحكم وغيره من بني أُميّة المجرمين يتنعّمون ويبذّرون مال الله علىٰ شهواتهم ، فإنا لله وإنا إليه راجعون.

●سهل بن سعد الساعدي :

صحابي من الصحابة ، وقد قال ابن الأثير في ترجمته « وعاش وطال عمره ، حتّىٰ أدرك الحجّاج بن يوسف وامتُحن معه ، أرسل الحجّاج سنة أربع وسبعين إلىٰ سهل بن سعدرضي‌الله‌عنه وقال له : ما منعك من نصر أمير المؤمنين عثمان؟! قال : قد فعلته. قال : كذبت ، ثم أمر به فَخُتم في عُنُقه ، وخَتم أيضاً في عنق أنس بن مالكرضي‌الله‌عنه ، حتّىٰ ورد عليه كتاب عبد الملك بن مروان فيه ، وختم في يد جابر بن عبدالله ، يريد ( أي الحجّاج ) إذلالهم بذلك ، وأن يجتنبهم الناس ولا يسمعوا منهم »(٢) .

وكما ترىٰ فإنّ الحجّاج ومن قبله معاوية ويزيد لم يدعوا حرمة للصحابة بل ختموا علىٰ رقابهم وأيديهم كالأغنام ، وقد ختم يزيد علىٰ رقاب أهل المدينة بعد أن غزاها وكان فيها من الصحابة والتابعين الكثير وشرط عليهم

__________________

١)الحديث عن عبدالله بن مسعود وقد قاله رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبي ذرّ في غزوة تبوك ، الطبقات الكبرى لأبن سعد ٤ : ١٧٣.

٢) أُسد الغابة ٢ : ٤٧٢ ، ترجمة سهل بن سعد الساعدي.

٥٢

أن يختم عليهم وأن يشهدوا علىٰ أنهم عبيد ليزيد.

ولاحظ حقد الحجّاج علىٰ من لم ينصر عثمان ، فما بالك بمن حارب عثمان ودعىٰ لقتله ، وقد فعل هذا كثير من الصحابة كعائشة وطلحة والزبير وعمرو بن العاص وغيرهم كثير ، وبهذا تعرف لماذا صارت لعثمان فضائل كثيرة مزعومة ومثالب وشتائم لمن عارضه أو قتله أو رضي بذلك ، فافهم!!

نكتفي بهذا القدر ، ولو أردنا التوسع فيما لقيه الصحابة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من التنكيل والتبعيد والقتل والسب والشتم لاحتاج كلّ ذلك إلىٰ كتاب علىٰ أقل تقدير ، ثم يقال بعد هذا إنّ سبّ الصحابي كفر وزندقة؟!

٥٣

رأي التابعين في الصحابة :

في الواقع إنّ الباحث الفطن يكتشف أن مسألة عدالة الصحابة أجمعين أو فقل : إنّ لُغز عدالة الصحابة جميعاً هي مسألة محبوكة وموضوعة لكي تقف حجر عثرة أمام الوصول إلىٰ الحقيقة ، ولا يوجد أدنىٰ شكّ في أنّها خطة أُمويّة أسّسها معاوية بن أبي سفيان حتّىٰ لا يفتضح هو وأمثاله من أرثّاء وأخسّاء الصحابة وحتّىٰ لا تصل الأُمة بعد ذلك إلىٰ فهم القرآن الكريم وآياتهـوالتي تتضمّن طعناً بكثير من الصحابة كما أشرناـوبالتالي عدم فهم السنّة الشريفة ، وبعبارة أُخرىٰ فقل : أراد معاوية الذي أسلم يوم فتح مكة ثم صار فيما بعد أميراً للمؤمنين ، أراد أن لا يستغرب أحد من الأُمة هذه القفزة النوعيّة ولا تُثار الشكوك حولها ، وبعبارة أدقّ قام معاوية بعمليّة خلط الأوراق حتّىٰ لا يميّز المسلم يمينه من يساره ولا ناقته من جمله.

وبعد هذا الاستعراض القصير جدّاً لما شجر بين الصحابة من السب والتنابز ، نأتي إلىٰ طبقة التابعين لنرىٰ رأي بعضهم في الصحابة.

لو كان كلّ الصحابة عدولاً كما يقال ، فما كان هذا الأمر ليخفىٰ علىٰ أحد مشاهير وأعلام التابعين ، وهو الحسن البصري الفقيه البصري المعروف والذي أبدىٰ رأيه في معاويةـالصحابيـصراحة حيث يقول :

« أربع خصال كُنّ في معاوية ولو لم يكن فيه منهنّ إلاّ واحدة لكانت موبقة :

٥٤

●انتزاؤه علىٰ هذه الاُمة بالسفهاء حتّىٰ أبتزّوها أمرها بغير مشورة منهم وفيهم بقايا الصحابة وذوو الفضيلة.

●استخلافه ابنهـيقصد يزيد الشرـبعده سكّيراً خميراً يلبس الحرير ويضرب الطنابير.

●ادعاؤه زيادًا وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الولد للفراش وللعاهر الحجر.

قتله حجر وأصحابهـيقصد حجر بن عدي الصحابي الجليلـويل له من حجر وأصحابه ويل له من حجر وأصحابه »(١) .

فهذا التابعي يشنّع علىٰ معاويةـالصحابيـأمورا منها أنه انتزىٰ علىٰ حكم المسلمين بالقوّة والباطل رغم وجود بقية باقية من خيار الصحابة ، ولم يكتف معاوية بهذا بل جعل أناساً مجرمين ولاة علىٰ الإمارات الإسلامية كتوليته زياد بن أبيه ( الذي جعله أخاً له ) وتولية بسر بن أرطأة السفاح وكتولية المغيرة بن شعبة والضحاك بن قيس الفهري علىٰ الكوفة وغيرهم.

كذلك يشنّع الحسن البصري علىٰ معاوية توليتهُ يزيداً ابنه خليفةـملكاًعلىٰ الأصحـعلىٰ المسلمين مع ما اشتهر عنه من فسق وفجُور ، حتّىٰ قال فيه الحسين بن عليعليه‌السلام قولته الشهيرة عندما رفض مبايعة يزيد : « وعلىٰالإسلام السلام إذ بُليت الاُمة براعٍ مثل يزيد ».

ولا ينسىٰ الحسن البصري حادثة قتل معاوية لحجر بن عدي الصحابي الجليل الذي دفنه حيّاً في مرج عذراء قرب دمشق مع ثلّة من أصحابه. وَسجِلّ معاوية مليء بالاغتيالات والتصفيات التي طالت حتّىٰ كبار

__________________

١) تاريخ الطبري ٥ : ٢٧٩.

٥٥

الصحابة فضلاً عن غيرهم. فقد سمّ الإمام الحسن بن عليعليه‌السلام ريحانة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وسيّد شباب أهل الجنة ، وقتل محمد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر الذي قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : « ويح عمّار تقتله الفئة الباغية » ، وعلىٰ هذا يكون معاوية رئيس الفرقة الباغية ، ثمّ يأتي من يقول بعد ذلك إنّ جميع الصحابةـبمن فيهم معاويةـعدول ، ثقات ، مغفور لهم ، مشهود لهم بالجنة وأنّ منهم من اجتهد فأصاب ومنهم من اجتهد فأخطأ كمعاوية ولهذا فله أجر واحد فقط؟!

اللّهم احفظ لنا عقولنا فإنّك ما كرّمت بني آدم علىٰ الدواب إلاّ بها.

٥٦
٥٧

صحابة تحت المجهر :

ولكي يتبيّن الصّبح لذي عينين ، لنضع بعض الصحابة الذين كان لهم أعمق الأثر في أن يوجد لدينا اليوم إسلام ذو شكل عجيب وغريب لا يمتّإلىٰ إسلام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأيّ صلة اللّهم إلاّ الاشتراك اللّفظي ، تحت المجهر.

١ ـ أبو هريرة الدوسي :

أبو هريرة ، وما أدراك ما أبو هريرة ، راوية الإسلام الأعظم.

واختُلف في اسم أبي هريرة اختلافاً شديداً ، لكن طغىٰ عليه هذا الاسم.

وقد أسلم هذا الرجل في السنة السابعة للهجرة بعد غزوة خيبر ، يعني أنه لم يصاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلاّ مقدار ثلاث سنوات أو أقلّ ، لكن العجيب أنه أكثر الصحابة رواية ، حيث بلغ مجموع أحاديثه (٥٣٧٤) حديثاً ، علماً أنّ مجموع ما رواه الخلفاء الأربعة : أبو بكر وعمر وعثمان وعليعليه‌السلام هو (١٤٢١) حديثاً ، وكما يقول السيد عبد الحسين شرف الدين العاملي فإنّ نسبة حديث هؤلاء الذين طالت صحبتهم للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلىٰ حديث أبي هريرة هو أقل من ٢٧ في المائة(١) .

__________________

١) كتاب أبو هريرة للعلاّمة شرف الدين الموسوي العاملي : ٤٥.

هذا وقد أعتبر ابن حزم أن مجموع ما رواه الخلفاء الأربعة هو (١٣٦١) حديثاً في كتابه « أسماء الصحابة الرواة ، وعلىٰ كلٍّ الفارق شاسع بين ما روَوْه جميعاً وبين ما رواه أبو هريرة.

٥٨

وليت الأمر وقف عند هذا الحدّ ، بل إنّ أبا هريرة يقول : « حفظت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعاءين فأمّا أحدهما فبثثته ، وأمّا الاخر فلو بثثته قُطع هذا البلعوم »(١) .

وقد استنكر كثير من الصحابة علىٰ هذا الرجل كثرة حديثه ، ومنهم عمر بن الخطاب ، وحتّىٰ قال فيه علي بن أبي طالبعليه‌السلام : « إنّ أكذب الأحياء علىٰ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لأبو هريرة الدوسي »(٢) .

وحتّىٰ تتيقّن بنفسك أيها القارئ الكريم أنّ أبا هريرة كان مخرّفا ولم يكن محدّثاً فتعال معي لنضع جزءاً يسيراً جدّاً جدّاً من أحاديثه وانظر مخالفتها للعقل أولاً وللقرآن والسنّة ثانيًا حتّىٰ تعلم أنّ حديث أبي هريرة ليس إلاّ زخرف من الكلام ولا يمكن أن يكون كلام شخص عاقل فضلاً عن نبيّ ، وإليك هذا البعض اليسير :

عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « اختتن إبراهيمعليه‌السلام وهو ابن ثمانين سنة بالقدوم »(٣) .

ربمّا لا يدري أبو هريرة أنّ الأنبياء هم أكمل خلق الله تعالىٰ ، فلا حاجة أن يختتنوا بل يولدون مختونين مقطوعي السرّة ، كما كان شأن نبيّناصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ لماذا يبقىٰ إبراهيم غير مختون إلىٰ هذا العمر المتأخّر؟!

عن أبي هريرة عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : « بينما أيوب يغتسل عُرياناً خرَّ

__________________

١)صحيح البخاري باب حفظ العلم ١ : ٢٤.

٢)كتاب أبوهريرة للعلاّمة شرف الدين الموسوي العاملي : ١٨٦ ، وأيضاً كتاب أبو هريرة شيخ المضيرة لمحمود أبو رية المصري : ١١٩.

٣) صحيح البخاري ٤ : ١٧٠ ، ومسند أحمد ٢ : ٣٢٢.

٥٩

عليه رجل جراد من ذهب ، فجعل يحثي في ثوبه ، فنادىٰ رَبُّهُ : يا أيوّب ألم أكن أغنيتك عمّا ترىٰ ؟ قال : بلىٰ يا ربّ ولكن لا غنىٰ لي عن بركتك »(١) .

تعليق : إنّ هذا الحديث متهاوٍ من عدة وجوه :

أوّلاً : إذا كان أيوبعليه‌السلام يغتسل عرياناً فكيف كان يضع الجراد الذهبي في ثوبه؟!

ثانياً : لماذا يعاتب الله أيوّب علىٰ أخذ هذا الجراد ، أليس هو الذي أنزله عليه؟! أم كان الأمر اختباراً لأيوّب؟! وإذا كان اختباراً فكيف يكون أيّوب حريصاً لهذه الدرجة علىٰ جمع الذهب؟!

إنّ أيوّب مدحه الله تعالىٰ وجعله أُسوة في الصبر ، وكذلك باقي الأنبياء ليس همّهم جمع الذهب والفضّة ، وماذا يعني لهم الذهب والفضّة وكل كنوز الدنيا أمام طاعة الله ورضاه؟! نعم إذا كان أبو هريرة يقيس نبي الله أيّوب بنفسه فحينئذٍ لا نستغرب منه هذا التصرف.

●ويمضي أبو هريرة في تطاوله علىٰ رُسل الله وأنبياءه فيقول : « قيل يا رسول الله من أكرم الناس؟! قال : أتقاهم ، فقالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فيوسف نبيّ الله ابن نبيّ الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا : ليس عن هذا نسألك قال : فعن معادن العرب تسألون خيارهم في الجاهلية خيارهم فيالإسلام إذا فقهوا »(٢) .

تعليق : ما بال القوم لا يكتفون ، بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم « أتقاهم؟! » أليس الله تعالىٰ __________________

١) صحيح البخاري ٤ : ١٨٤ ، وكذلك في المستدرك للحاكم المجلّد ٢ : ٥٨٢.

٢) صحيح البخاري ٤ : ١٧٠.

٦٠