الطبّ محرابٌ للإيمان

الطبّ محرابٌ للإيمان0%

الطبّ محرابٌ للإيمان مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 274

الطبّ محرابٌ للإيمان

مؤلف: خالص جلبي كنجو
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف:

الصفحات: 274
المشاهدات: 103087
تحميل: 9458

توضيحات:

الطبّ محرابٌ للإيمان
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 103087 / تحميل: 9458
الحجم الحجم الحجم
الطبّ محرابٌ للإيمان

الطبّ محرابٌ للإيمان

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

أراد أن يستدير لما أمكنه إلا أن يلتفت جميعاً. ومن جملة الخلل انفتاق القرص الغضروفي الذي يسكن ما بين الفقرات فإنه يؤدي إلى آلام مبرحة ويعرف بفتق النواة اللبية أو ما يعرف ما بين العوام بـ ( الديسك ).

وأما من الداخل فالنخاع محاط بثلاثة أغشية كما هو الحال في الدماغ ويسبح في السائل الدماغي الشوكي بكثرة بحيث أنه يمكن سحب هذا السائل من الظهر من المنطقة التي ينتهي فيها سير النخاع وهي أسفل الظهر وله دلالة هامة في الأمراض ، وهنا نقف متأملين أيضاً هذا السر العظيم في هذا السائل الرائق الذي يشبه ماء البحر ، فلقد وجد فيه نسبة معينة من العناصر والخلايا بحيث أن أي زيادة أو نقص فيها تكشف عن الأمراض التي تنتاب الجملة العصبية المركزية ، فلقد وجد أن هذا السائل يحوي دائماً في الحالة الطبيعية ربع غرام من الآحين(1) ونصف غرام من السكر وسبعة غرامات ونصف من الكلور وهو معدن يشترك في تكوين ملح الطعام مع معدن الصوديوم ، هذه النسبة موجودة في ليتر واحد من السائل الدماغي الشوكي بحيث أن أي زيادة أو نقص تدل على مرض من الأمراض فزيادة الآحين ونقص السكر والكلور يدل على التهاب السحايا ، والسحايا هي الأغشية الثلاثة التي تحيط بالجملة العصبية ويحدث أن تصاب بالتهاب وهو مرض خطير وفي هذه الحالة يعتبر بزل السائل الدماغي الشوكي مهماً جداً في تشخيص هذا المرض وهذه الاسرار العجيبة التي استطاع الأطباء أن يتعرفوا

__________________

(1) تقسم المواد الغذائية في الطبيعة على وجه العموم الى ثلاثة أقسام سكريات ومنها مثلاً السكر العادي والرز والبطاطا والمعكرونة والآحينات ومنها اللحم والبيض ، والشحميات وهي الدسم ومنها السمن والشحم الأبيض في لحم الخاروف.

١٠١

عليها هي من الأمور البديهية الأولى التي يعتمدون عليها في كشف الأمراض ومعالجتها.

الاعصاب :

ثم لننظر في الأعصاب التي تسيطر على الجسم وتأمره بالحركة كما أنها تتلقى الأوامر منه ، أن اتصال الاعصاب بالجسم هو على مستويين الأول الاعصاب الارادية وهي تسيطر على طائفة معينة من العضلات في الجسم التي تسمى بالعضلات المخططة لأن العضلات قسمان قسم مخطط أي ذو شكر مخطط وهذا يختص البعضلات التي تتدخل فيها الإرادة لتعمل كما في عضلات اليد حين تكتب أو عضلات الساق والفخذ وهناك نوع ثاني من العضلات هو العضلات الملس والإرادة لا تتدخل فيها وإنما تسيطر عليها جملة عصبية خاصة ومنها أجهزة الهضم والتنفس والبلع وعمل القلب وبالطبع فإن هذا من مصلحة الإنسان لأن هذه الاجهزة لو كانت خاضعة لعمل الارادة فمعنى ذلك أن الانسان لن يكتب له النوم طول الحياة حتى ولا الغفلة لأن هذا معناه الموت المحتم له ، ولكن مع هذا نجد أن عملية التنفس وضربات القلب والهضم وبعض العمليات الاخرى تعمل حتى لو كان الإنسان نائماً.

إن الجهاز الذي يسيطر على هذه العضلات هو الجهاز الودي ونظير الودي وحقاً إنها ودي من الود والحب لأنه يحب الانسان ويوده ، وهنا يكمن سر آخر من أعاجيب اسرار التكوين وهو اتزان الاعصاب النباتية أي الاعصاب الودية ونظيرة الودية فالاول يشبه البنزين أو المسرع في الآلة والثاني يقوم بعمل مضاد ، فالاعصاب الودية تسرع القلب وتزيد من الحركات التنفسية وتبطىء الحركات المعوية وتوسع الحدقة وتقبض العروق الدموية فيرتفع ضغط الدم كما يحدث تشنج مصرة المثانة مع وهن العضلة المثانية ، وأما الجملة الغدية فيحدث تعرق مع زيادة الافراز الداخلي

١٠٢

والخارجي بالاضافة إلى زيادة سكر الدم.

وبالطبع إن هذا كله يمشي مع الدور الذي يلعبه العصب الودي والذي يعاكسه تماماً نظير الودي ، فالعصب الاول يظهر نشاطه في الغضب والانفعال والخوف والرياضة وأعمال العنف والهيجان وغيرها ، وبالطبع فإن الكيان الإنساني في هذه الحالة يثور كما في الرياضة مثلاً وتتوسع حدقة العين ليرى جيداً ويمارس النشاط وهو يرى كاحسن ما يكون ثم إن هذا النشاط يستدعي زيادة عمل القلب ولذا تزداد ضربات القلب ويرتفع ضغط الدم حتى تحسن التزوية ، ولكن انقباض العروق ليس عاماً في كل أجهزة الجسم إذ لو كان الامر كذلك فمعنى هذا أن عروق القلب الدموية سوف تنقبض ايضاً وبالتالي سوف تقل التروية الدموية عن القلب ويصاب الانسان بخناق الصدر وهو الم شديد يحصر الصدر ويجبر الانسان على الانقطاع عن الحركة وقد يؤدي إذا زادت الحالة إلى انقطاع التروية عن بعض مناطق القلب وبالتالي حدوث الكارثة المريعة وهي حدوث احتشاء القلب أو ما يعرف عند عامة الناس بالجلطة الدموية القلبية التي قد تكون السبب في موت الانسان احياناً ، ولنتصور الآن أن أي جهد يقوم به الانسان ويبدأ نشاط العصب الودي ليقوده إلى هذا الحالة الوخيمة ، ولكن العصب الودي يقوم بعمل عجيب هنا وهو انه يقبض جميع العروق إلا العروق التي تغذي العضلة القلبية وهي العروق الاكليلية بل على العكس يحدث توسع هذه العروق وزيادة تروية العضلة القلبية بالدم وبالتالي القيام بالدور خير قيام حينما ينشط هذا العصب في العمل كما في الغضب والهياح والركض والمباريات والعمل الجنسي وسواة

ثم لننظر في جملة هذه الاسرار أيضاً وهو تشنج مصرة المثانة ، إن

١٠٣

الانسان في هذه الحالات يشعر حتى ولو كان بحاجة إلى التبول كأن الدافع قد انقطع والسبب في هذه عمل هذا العصب الذي يرى أن هذا العمل لا يناسب هذه الحالة فيتصل بالمثانة فيأمر عضلات المثانة أو تسترخي ويأمر عضلات عنق المثانة أن تشتد حتى لا يخرج البول في هذه الحالة ، فمن علمه هذه العلوم ودربه على هذه الفنون يا ترى؟ انه يتصرف كالعاقل تماماً وأما إفراز الغدد فإنه مناسب لهذه الحالة ولذا يحدث التعرق كما يحدث زيادة إفراز هورمونات قشر الكظر حتى يتساند مع بقية الجسم في العمل ، وأما العصب المبهم أو نظير الودي فإنه يقوم بعمل معاكس تماماً ولذا فإنه ينشط أثناء النوم ولذا تبطؤ ضربات القلب ويزداد عمل الجهاز الهضمي لهضم الطعام كما تقل الافرازات والحركات التنفسية ويهبط ضغط الدم وتقبض حدقة العين وينخفض مقدار السكر في الدم لان النشاط الذي يحتاج إلى المزيد من السكر لا داعي له في هذه الحالة وهكذا نجد أن البدن في حالة اتزان وثبات عجيبة بفضل عمل هذين العصبين الذي يقومان بمثابة الجهاز المسرع والمبطأ في الكيان الانساني أو البنزين والفرامل كما في السيارة؟!!

واما الأعصاب التي تتداخل في عمل الإرادة والتي قلنا أنها تسيطر على العضلات المخططة فإن أمرها أعجب ، ويتساءل الإنسان هنا ما الذي جعل هذه الأعصاب تتداخل في الإرادة؟ وما هي الإرادة؟ وأين مكانها؟ وكيف ميزت العضلات التي تتعلق بالارادة بهذه الخطوط التي أعطتها المنظر المخطط المرقط وكأنها جلد النمر!! إن هذا يعود إلى أن الاعصاب الارادية تتصل بقشر المخ الذي يعتبر المركز الاساسي لارقى العمليات الذهنية وحيث ترقد بين ئنايا تلك الخلايا شخصية الانسان التي تأمر وتنهى وتسيطر على الجسم وتحركه ، إن خلايا القشر الاوامر بواسطة الالياف التي سميناها بالمحاور الاسطوانية وهذه المحاور تنزل بعد أن تعبر

١٠٤

ممرات عجيبة ودهاليز مخيفة ومنعطفات رهيبة وأماكن مدهشة واتصالات فذة عظيمة

النخاع الشوكي :

وتصل أخيراً إلى منطقة خاصة في النخاع الشوكي وهي القرون الأمامية لأن منظر النخاع الشوكي يبدو وكأنه قرص أبيض وفي داخله منطقة رمادية بشكل حرف H باللغه الأجنبية ، أو بشكل الهلالين الملتقيين في أوساطهما وتبرز امتدادات من الأمام والخلف ثنائية بحيث تشكل ما يشبه شكل القرون ولذا سميت بالقرون الأمامية والقرون الخلفية ، ولقد وجد أن النخاع الأبيض يتكون من مرور قرابة 40 الف ليف عصبي ، وأكثر من شتى الحزم ، وهي في المناطق الأمامية خاصة بالحركة ، وفي الخلف خاصة بالحس وعندما تأتي الألياف الصادرة من قشر الدماغ وهي تحمل أمر من الأوامر فانها تصل إلى خلايا القرن الأمامي في النخاع الشوكي حيث تفهم الخلية الأمر الذي يجب أن يكون ، ومن خلايا القرن الامامي تنطلق الالياف العصبية إلى العضلات المطلوبة حيث تأمرها بالانقباض أو الاسترخاء حسب الحالة التي يريدها الجسم ، وإذا تتبعنا مسير العصب لوجدناه أولاً يتغلف كما تتغلف اسلاك التلفونات ، لأن الاسلاك لا تترك عارية خوفاً من حصول تماس كهربي وانقطاع التيار بالتالي ، كما يحدث أحياناً في بيوتنا العادية ، ولذا فان العصب يتغمد عند مروره بالمادة البيضاء بالغمد النخاعي ، وعندما يخرج من الجملة العصبية فانه يتغلف بغلاف ثاني هو غمد شوان نسبة للعالم الذي اكتشفه ، ويقف المرة متعجباً من هذه الكيفية في الحفظ والتدبير؟!!

وعندما يسير العصب في الجسم وهو مغلف بغلافين ومحصن أتم التحصين تنتقل عبره السيالة العصبية إلى المكان المطلوب وهو هنا العضلة

١٠٥

الارادية المخططة وعندما يصل العصب إلى الليف العضلي ينتهي فيه بعد أن يفقد الاغماد التي تغلفه حتى يتصل بشكل صميمي مع الليف العضلي ولقد وجد إن كل ليف عصبي يحكم ما يقرب من 100 ليف عضلي وكأنه آمر وحدة تتألف من مائة جندي!!

السيالة العصبية :

وهنا نقف لنسأل كيف يتم انتقال السيالة العصبية؟ وما هو تكوينها؟ وكيف تؤثر في الليف العضلي حتى تدعوه إلى التقلص؟ لقد وجد أن طبيعة السيالة العصبية عجيبة فهي فيزيائية كيميائية ، ولذا فان هرس العصب أو قطعة ثم توصيله بعد ذلك لا يجعله ناقلاً للسيالة العصبية بخلاف السلك المعدني ، كما وجد أن للسيالة العصبية قانون خاص في انتقال السرعة ، فهي سريعة كلما ازداد القطر في الليف العصبي وكأن السيالة سيارة تستطيع أن تسرع كلما ازداد عرض الشارع الذي تمر منه ، فهي قد تصل في بعض الامكنة إلى سرعة أكثر من مائتي ميل في الساعة ، أي اسرع من طائرة نقل الركاب.

وأما السيالة العصبية بالذات فهل هي سائل يسري في العصب بالطبع لا فهي تيارات ونبضات كهربية ، ولقد وجد أن عنصر البوتاسيوم والكالسيوم يتداخل أيضاً في حدوث ظاهرة السيالة العصبية ، وعندما ينتهى الليف العصبي في العضلات يشكل ما يعرف باللوحة الحركية حيث يتفرع إلى فروع صغيرة وفي التنبيه يطلق مادة خاصة هي الاستيل كولين أو الادرينالين ، وحتى يزول تأثير هذه المادة هناك خميرة تعرف بخميرة الكولنيستراز وهي تزيل وتخرب الاستيل كولين. ومن هذا الاتزال تتنبه الالياف العضلية بشكل متزن فزيادة الاستيل كولين

١٠٦

تحدث أعراضاً مخيفة كما إن زيادة خميرة الكولنستراز تحدث اعراضاً مخيفة ومن اتزان هذين العنصرين يتجلى ثبات التقلص العضلي واسترخائه ولقد وجد أن مرض الوهن العضلي الوخيم الذي يتجلى بضعف القدرة العضلية عند القيام بأبسط الجهود وكذا ضعف المضغ في الفك بمجرد القيام بمضغ خفيف بالاضافة إلى هبوط الجفن والوهن والضعف السريع كل هذا ينتج عن زيادة تكثف خميرة الكولينستراز التي تزيل تأثير الاستيل كولين سريعاص بحيث لا تترك مجالاً للتقلض العضلي كما أن التسمم بمادة الفوليدول ( سم الحشرات والفئران ) يحدث اعراضاً مضادة وهي أعراض زيادة تركز مادة الاستيل كولين من تقبض الحدقة ووذمة الرئة الحادة أحياناً وحالة التسمم العامة وكل هذا يعود السبب فيه إلى خلل التوازن في الجسم بين هذه المادة والخميرتها.

إن الالياف العصبية التي تتحكم في البدن تبلغ حداً من السعة والانتشار في الجسم البشري بحيث لا تكاد تصدق فلقد وجد أن طول العروق الدموية وتوزعها في الجسم تبلغ ما يقرب من(100) الف ميل ولكن ماذا نقول عن الاعصاب وهي تروي كل الجسم بل تقريباً كل خلية في الجسم من أبعد المناطق إلى أقربها ومن أدقها إلى أعظمها ، من رأس الأصبع القدمي الى جذر السن ، وهي بهذا الانتشار تقوم بتحريك مئات الازواج من العضلات وعشرات المفاصل كما تأخذ الحس عن جميع مناطق الجسم من حس اللمس والالم والحرارة والبرودة والضغط والحس العميق أو ما يعرف بحس الاوتار والمفاصل والعظام والعضلات ، بالاضافة إلى حس معرفة الاشياء ، وهو حس معقد نسبياً حيث تميز اليد البشرية ، ولو كان الانسان مغمض العينين بين الدبوس وقطعة الورق والقطعة المعدينة والجلد الرطب

١٠٧

وقطعة الخشب ، حقاً إنها اسرار عجيبة يقف الانسان متأملا ولا ينقطع تأمله ..

نقل الحس :

يهيمن الدماغ على الجسم بواسطة 86 عصب منها 24 فقط للرأس وهي مزدوجة في الجانبين بالإضافة إلى الاعصاب الودية ونظيرة الودية التي تكلمنا عنها والتي لها علاقة بالحياة النباتية في الجسم ، والاعصاب التي تخرج من جانبي النخاع هي 31 عصب في كل جانب ، وميزة هذه الاعصاب إنها مختلطة أي للحس والحركة ، وذكرنا أن الحركة تأتي من الارادة الكائنة في قشر الدماغ والذي سنفرد لها حديثاً خاصاً ، وأما الحس فلقد وجد أن له انماطاً متعددة فهناك حس الالم ، وحس الحرور وهو ما يتعلق بالحرارة والبرودة ، وهناك حس اللمس والحس المبهم العميق ، وأخيرا الحس المعقد في معرفة الاشياء فكيف تنتقل كل هذه الانماط من الحس وفي مكان واحد هو النخاع؟ إن هذا يحتاج لكتاب وحده ولكن حتى نأخذ فكرة مبسطة نقول إن الدماغ هو المركز النهائي الذي يتلقى الاخبار والنخاع هو المركز الاول فاذا قطعنا النخاع بشكل معترض ونظرنا فيه لوجدنا أنه يشبه الخارطة الجغرافية التي تتوزع فيها البلاد والانهار والجبال والوديان والعواضم وطرق المواصلات وكذلك النخاع فهو طريق مواصلات لاعقد شبكة مواصلات عرفت حتى الآن حيث أن الالياف الصغيره التي لا تتجاوز 20 ميكرون في أبعد الحدود تجتمع معاً لتؤلف حزماً تتخذ تسميات معينة مثل كول وبورداخ وديجرين وغورس وغيرها وكلها لها امكنتها الخاصة التي تعرفها في كل نخاعات البشر وهي تختص بحس معين فهي تقوم على مبدأ الاختصاص ، وهذا العدد الجبار من الالياف الذي يجتمع لينقل الاخبار القادمة من كل الجسم ، منها ما يصعد إلى أعلى بشكل مستقيم ومنها ما يتصالب ، إما فور وصوله إلى النخاع حيث يصل

١٠٨

إلى الطرف المقابل أو يتصالب بعد وصوله إلى بعض النقاط المعينة وكلها لها حكمة في هذا التصالب وفي مكانه وكلما ارتقينا صعوداً في النخاع تزداد الالياف القادمة من الجسم والتي تخبرنا عن أوضاع الجسم كله. وتصعد انماط الحسن اخيراً بعد أن تجتمع في شريط غليظ ينقل الاحساسات ويسمى بشريط رايل الحسي ، ومن الاحساسات التي تنتقل ذكرنا الحس المبهم العميق ، وهو حس الاوتار والعضلات والمفاصل حيث تنقل الاخبار عن أوضاعها فهذا النوع من الحس يمشي ضمن حزمتين من الالياف وينتهي في المخيخ ، لان عمل المخيخ الاساسي هو التوازن ولذا فان هذه الحزم بمجرد وصولها إلى المخيخ تنعكس من المناطق التي وصلتها الياف وحزم عصبية تنزل إلى النخاع لكي تنسق عمل العضلات ووضعها حتى يبقى وضع الانسان بشكل متزن متناسق ، وأما انماط الحس العام ، وهي اللمس والالم والحرارة فانها تصل إلى مكان أمين ترتاح فيه بل تنام فيه قليلاً من طول وعناء هذا السفر الطويل والعمل المتواصل الدؤوب ، إن هذا المكان الذي تجتمع فيه اسمه السرير البصرى ، ومن هذا السرير العجيب يصدر ما يشبه الا كليل المشع الذي ينقل الاخبار العامة إلى مركز محدد في الدماغ هو المركز العام للحس وهو الفص الجداري في المخ.

قوس الانعكاس :

ان النهايات الحسية في الجسم ليست نهايات الاعصاب وانما تشكلات وأجسام خاصة معدة لتلقي نوع واحد من الحس كما في جسميات باشيني ومايسنر وكراوس وهوفيني وهذه الأجسام معقدة من جهة وعديدة فهي تمثل أجهزة استقبال انماط الحس وتقدر في الجسم بحوالي 3 ـ 4 ملايين جهاز للألم و 500,000 جهاز حساس للمس أو الضغط وأكثر من 200,000 جهاز حساس للحرارة وهكذا تجتمع أخبار الاحساسات بشكل هائل

١٠٩

وتصعد عبر النخاع وهنا تحدث مشكلة طريفة وهي ، في حال تعرض الجسم لخطر ما كما في تعرض اليد للنار فان اليد تسحب فوراً والسبب في هذا يعود إلى آلية خاصة في النخاع هي ما تعرف بقوس الانعكاس فعندما تصل الأخبار الحسية عبر الألياف إلى الجذور الخلفية في النخاع وهي مراكز الحس فان هذا الخطر لا ينقل إلى المخ حتى تأتي الأوامر منه ، بل ان النخاع يتصرف تلقائيا وفق المصلحة العامة حيث تصل الأخبار عبر خلايا الوصل في النخاع من خلايا الحس في الخلف إلى خلايا الحركة في الأمام وهذه ترسل بدورها أخبارا إلى عضلات المنطقة كي تتقلص بكيفية معينة تقي البدن من الخطر الذي تعرض له ، وهكذا يتكون قوس الانعكاس العظيم ، ثم تصعد الأخبار إلى الدماغ كي يقرها أو يعدلها ، ولقد قدر أن عدد الإشارات التي تصب في الجهاز العصبي في كل ثانية تبلغ مائة مليون إشارة قادمة من الأعضاء الحسية ، ولكن ما يصدر إلى قشر الدماغ هو 100 إشارة فقط أي إشارة واحدة من مليون إشارة حتى لا يشتغل المخ بكل هذه التوافه بل بخلاصة الأمور وأخطرها وحتى يتفرغ للعمليات الاشد رقياً ، والحق يقال ان الدماغ عالم محير يجعل الإنسان وهو يبحث فيه وكأنه يدور في متاهة ...

نظرة عن قشر الدماغ :

لو ألقينا نظرة على المخ لوجدنا انه يتكوّن من فصين بشكل بيضي ومن لونين ، اللون السطحي رمادي رقيق ، وفي الداخل تجتمع الألياف العصبية الصادرة من هذه الخلايا وهي بلون أبيض لأنها مغلفة بمادة دهنية تشبه تغليف الأسلاك الكهربية ، ولقد وجد ان هذه الخلايا العصبية التي تجتمع في القشر هي المراكز الأساسية لقيادة البدن وهي مركز الإرادة والشخصية والتفكير والنشاطات الذهنية الراقية ، كما نلاحظ ان هذا السطح يتكون من تلافيف ومنعطفات فليس القشر سطحاً أملساً ولا

١١٠

علاقة لهذا الأمر بالذكاء كما تبين مؤخراً لأنه كان يعتقد في السابق ان كثرة التلافيف تحدد الذكاء ، ويبلغ وزن الدماغ حوالي 1200 غرام تقريباً وهو يجثم مثل الزهرة فوق ساق نحيفة التي هي النخاع الشوكي ، والخلايا العصبية التي تشكل القشر تتراكم فوق بعضها بحيث أنها تشكل ستة طبقات ، ويبدو ان كل منطقة من مناطق الدماغ تتراكم فيها أنواع خاصة من الخلايا أكثر من غيرها.

فمثلاً ، وجد ان مناطق الحركة التي نحن بصدد البحث فيها تكثر فيها الخلايا التي تشبه بشكلها شكل الهرم ولذا سميت بالخلايا الهرمية وهي تختص على ما يبدو في الحركة ، كما وجد ان قشر الدماغ تتوزع فيه مناطق وكل منطقة تختص بعمل معين ، فهناك منطقة للرؤية وهي تتركز أكثر ما يكون في مؤخرة الدماغ وهو ما يعرف بالفص الدماغي القفوي ، كما وجد ان المنطقة الصدغية تختص بالسمع ، والمنطقة الأمامية وهو ما يسمى بالتلفيف الجبهي يختص بالحركة ، وتتجمع مراكز الحركة حول شق في التلافيف الأمامية يعرف هذا الشق بشق رولاندو ، وأما منطقة الحس فتقع خلفه مباشرة وهي مسؤولة عن الحس العام في الجسم والذي قلنا انه يتجمع في السرير البصري ليصعد بأشعة تشبه التاج أو الإكليل إلى الفص الجداري في الدماغ ، ويبدو ان مراكز الذوق تكمن في أسفل التلفيف الصدغي الأول لأن نفس المنطقة تمر فيها بعض الأثلام بحيث تقسمها إلى تلافيف ولذا يوجد في كل فص من فصوص الدماغ عدة تلافيف وكل تلفيف بل كل جزء مهما دق من التلفيف يهيمن على بعض المناطق في الجسم ، واما الشم فيمر إلى منطقة بين نصفي الكرة المخية بعد أن تجتاز الألياف الشمية الصفيحة الغربالية والتي تمثل سقف الأنف حيث تذهب إلى البصلة الملقاة في قاع الصندوق العظمي القحفي وبعدها إلى المركز الذي يشبه في شكله حصان البحر ولذا سمي بتلفيف حصان

١١١

البحر وكلها تشبيهات واشعارات وأمثلة حتى يمكن إدخال هذه المعلومات المعقدة عن الدماغ إلى الدماغ.

اصابات جهاز الدماغ :

ويبدو ان هناك مراكز للكلام والكتابة بحيث أنها إذا أصيبت فانها تعطي أعراضاً في غاية الغرابة فمنها ما يصبح المصاب يسمع فيفهم ما يقال له ويرى فيفهم ما يرى ويميز الشيء الذي يراه ولكنه لا يستطيع أن يلفظ الكلمة التي سمعها أو المعنى الذي فهمه كما انه لا يستطيع كتابة الشيء الذي رآه أو فهمه عندما نطق به أمامه وهي ما تعرف بالحبسة أي كان لسانه انعقد وانحبس فلا يستطيع أن يتلفظ ولا أن يكتب وتعرف بالحبسة الحركية لأن مكانها قريب من المناطق الخاصة بالحركة والتي نوهنا عنها قبل قليل.

وهناك نوع من الحبسة أعجب فهو يسمع ولا يفهم ما يقال كما قال القرآن :( ومثل الذين كفروا كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء صم بكم عمي فهم لا يعقلون ) وهذا المثل في تشبيه الكافرين هو مثل الدابة التي تسمع صوت الراعي ولكن لا تفقه منه شيء ، ولكنه مع هذا يتكلم بشكل جيد ولكن لا فائدة ولا معنى لكلامه وهي حالة عجيبة فعلاً أو هناك نوع يتعلق بالرؤية فهو يرى الكتابة ولكن لا يعرف ما معنى الكتابة مع انه يكتب ويقرأ ولكنه لا يفقه ما يكتب وماذا يقرأ وهذه الأمور تتعلق بالمراكز الروحية النفسية والتي تتعلق بالفعاليات الذهنية العالية ، وهناك نوع من الحبسة أعجب بها أيضاً وتتعلق ببعض المراكز الموجودة في قشر الدماغ بحيث ان المريض يمتلك أذنان وعينان سليمتان من الخارج ، ولساناً وأجهزة للتصويت والنطق سليمة من الخارج ولكنه إذا رأى لا يفقه ما يرى وإذا سمع لا يفقه ما سمع ،

١١٢

وإذا أراد النطق عجز عن ذلك ، وإذا أراد الكتابة خانته يده وهي أشبه شيء بما قاله القرآن عن المنافقين :( صم بكم عمي لا يرجعون ) أي لا ينطق ولا يسمع ولا يرى ، والمركز المتعلق بهذا النوع من الاصابة المخيفة التي تغلق منافذ العالم أمام المريض وجد لها مركز يسمى بمركز بروكاً وهو في المنطقة الخلفية السفلية من التلفيق الجبهي الايسر عند اليمن ( أي الذين يستعملون يمناهم دوماً ) بالاضافة إلى التلفيف الصدغي والقفوي الأوليين ، وهناك الحبسة المعروفة بحبسة النسيان فلا يعود يتذكر الأسماء والاشخاص والأرقام وغير ذلك ولكن لم يعرف منطقة خاصة بهذه الحبسة لأن خلايا الذاكرة أثمن من أن تملك لمنطقة معينة من قشر الدماغ ، ولقد وجد ان استئصال نصف كرة دماغية بأكملها لا يجعل الانسان يفقد ذاكرته ، وهناك أنواع مخيفة من الحبسات لها مناطق معينة ايضاً في قشر الدماغ مثل فقد معرفة الأشياء عن طريق اللمس فإذا لمس الشيء لا يستطيع أن يميزه هل هو ناعم أو خشن ، وهناك من المناطق فيما إذا تخربت جعلت الانسان غير قادر على تقدير الابعاد فيضل طريقه إلى بيته ويشعر ان البيت الذي يسكنه كأنه بيت الجن ففيه الدهاليز المروعة والسراديب المخيفة ، وإذا أراد أن يخرج من الغرفة التي هو فيها صعب عليه الأمر كما انه يدخل غرفاً لا يقصدها ، ويتعثر بالأثاث الذي يصادفه وقد يصل الأمر إلى الحيرة في الاتجاه الى اليمين أو اليسار!!!

وقد يصاب التلفيف الهامشي العلوي فلا يعرف المريض يمينه من يساره ويفقد التعرف على أعضائه ، وإذا اراد أن يعد أصابع يده ضيع في العد ولم يدر ترتيبها!!!

وأخيراً ، في هذه الإصابات المخيفة المرعبة ( لمن تكون من نصيبه وهي شيّقة لمن يقرأها أو يطلع عليها ، ولذا ترى الاطباء وهم يصفون

١١٣

هذه الحالات عندما يرونها بأنها حالات جميلة لتذكر المعلومات الطبية أو للعرض أمام التلاميذ!!! ) الاصابة في منطقه قريبة من المنطقة الحركية حيث يكون المريض غير مصاب بالشلل ولكنه لا يتمكن من القيام بالحركات اللازمة لتنفيذ عمل ما ، فاذا أراد أن يربط ربطة العنق عجز عن ذلك ، وإذا أراد أن يشعل سيجارة لم يستطع إلى ذلك سبيلاً ، وإذا أراد أن يربط حذائه خانته أعضاؤه ، وإذا اراد أن يكتب جملة وهو يعرفها تماماً لم تسعفه إمكانياته ، وإذا قدمت له علبة صغيرة ليفتحها انقلب طفلاً صغيراً يحاول أن يتعرف إلى أسرار فتحها بل ان الطفل الصغير بفتحها في النهاية ويعجز الأخير عن فتحها وهي الحالة التي تعرف يفقد معرفة استعمال الأشياء ، وهنا يشعر الانسان بعد قراءة هذا الفصل ان عليه أن يأخذ نفساً طويلاً ويحمد الله على نعمه طويلاً أيضاً.

بعد أن ألقينا نظرة سريعة على توزيع المناطق لنأخذ المنطقة التي بدأنا في الحديث عنها وهي المنطقة الحركية ، ذكرنا ان القشر يتكوّن من ستة طبقات من الخلايا مثل الخلايا الذرية والهرمية التي تختص بالحركة وخلايا بتز وكثيرة الاشكال وغيرها وهناك خلايا بور كنج وهي اختصاصية في المخيخ وسنفرد لها بحثاً خاصاً ، لقد وجد ان المنطقة الحركية التي تجتمع حول شق رولاند في المخ تشرف على الجسم وهي بشكل معكوس أي ان مركز ابهام القدم هو في الاعلى ويقع أسفل منه مركز الساق ثم الركبة ثم الفخذ وهكذا ، كما وجد أن توزيع المناطق يرجع من ناحية المساحة إلى شدة فعاليته وهكذا فان مركز الشفتين واللسان والفم هو أوسع وأكبر من منطقة الظهر ، كما وجد ان نفس المنطقة فيما إذ دققنا البحث فيها لوجدنا ان كل عضلة من عضلات الجسم قد يكون لها مركز خاص والحق ان قشر الدماغ معقد محير في تركيبه وعمله مع ان مساحته

١١٤

فيما لو فرشت فانها لا تتجاوز قدمين مربعين وهذه الخارطة الإنسانية فيها مراكز ومراكز كما لو نظرت إلى خارطة جغرافية تماماً فهنا الجبال وهناك الوديان ، وهناك الأنهار ولكن خارطة العالم. معلومة معروفة الآن بينما خارطة الدماغ الانساني فيها قارات وقارات مجهولة غير معروفة وان كشف منطقة بمساحة طابع بريد يحتاج إلى جهود مجموعة كاملة من العلماء الأفذاذ المتفرغين وإلى مدى سنوات طويلة ويذكر صاحب كتاب العقل البشري جون فايفر ان عالمة من جامعة متشيجان في أميركا هي السيدة اليزابيت كورسي أصبح لها ثلاثون عاماً وهي تشتغل لكشف بعض الممرات العصبية في دماغ القردة.

وهذه المراكز الحركية فيها اختصاصات فمنها ما يسمى بالمناطق المحركة المادية وحولها المناطق المحركة الروحية النفسية ، ولعلنا نتساءل ما الفرق بين المنطقتين وهل كل المراكز في الدماغ هي بهذا الشكل؟ ان الاجابة السريعة على السؤال الثاني موجودة وهي ان كل المراكز لها اختصاص روحي نفسي كما في السمع والبصر وغيرها ولكن ماذا يعنى بها؟ ان هذا يحتاج لتوضيح يمكن ان نفهم المركز الروحي باختصار على انه المركز الذي ينظم وينسق ويرتب الحركات كما انه يفهم ماذا يرسل اليه وكيف يرتب الحركة المطلوبة وأوضاعها بحيث يتحقق الانسجام الكلي في الحركات ، وأما المناطق المحركة المادية ففيها طريقان الطريق الأول ويعرف بالطريق الهرمي وهو الذي يأتي من التلفيف الجبهي وينزل إلى البصلة حيث يتصالب مع الألياف القادمة من نصف الكرة المخية الآخر.

وهكذا فان كان نصف كرة مخية يحكم ويسيطر على النصف المقابل للجسم ، وهكذا فان اصابة المنطقة الحركية في نصف الكرة المخية الايمن يحدث فالج في القسم الأيسر من الجسم كله وكلها

١١٥

تدرجت الاصابة إلى أسفل أصابت المناطق التي تحكمها مباشرة والتي تقع تحتها مباشرة ، وأما الطريق الثاني للألياف التي تسيطر على حركة البدن فتنبثق من مناطق أخرى من الدماغ مثل الفص الجداري والفص الصدغي بالاضافة إلى الفص الجبهي في الكرة المخية وعمل الجملة خارج الهرمية يشترك مع بعض الجزر الرمادية ( وهي الخلايا العصبية التي تشكل مراكز باجتماعها ) المدفونة في أعماق الكرة المخية وهي ما تعرف بالدماغ المتوسط وهي نامية جداً في الحيوانات الدنيا ، وعمل الطرق خارج الهرمية ينصب على تكميل العمل الارادي الواعي كما في السير حيث تبدأ الحزم الإرادية السير وتنهيه فقط بينما تقوم المناطق خارج الهرمية ببقية تحريك الأعضاء اثناء السير وكأن هذه الأماكن تسيطر وتعمل بشكل نصف ارادي وكذا الحال في الأمور العادية من الحياة والتي تشبه السير حيث لا يسيطر الوعي كلياً وإنما في بعض جوانبه حيث ان المشي لا يتدخل فيه الوعي كلياً بل في بعض أجزائه وكذلك الحال في أمور كثيرة مثل قيادة السيارة وربط الحذاء وربطة العنق واشعال السيجارة والقيام بالأعمال المنزلية الكثيرة.

ترابط الجهاز العصبي :

ان المناطق التي تتوزع في خارطة الدماغ الانساني ليست مستقلة عن بعضها البعض وانما مترابطة مع بضها بشكل وثيق ويتم هذا بأشكال مختلفة فهناك مثلا الألياف التي تصل الفصوص مع بعضها البعض بحيث انها تعبر منطقة لأخرى وتخبر كل منطقة عما يحدث عند جارتها فهذه ألياف تصل ما بين الفص الجبهي والجداري أو الجبهي والصدغي وهكذا ، يطلق على هذه الألياف التي تصل ما بين المناطق بهذا الشكل الألياف الارتسامية ، وهناك شكل آخر للاتصال وهو عن طريق معبر مهم يقع ما بين نصفي الكرة المخية في الأسفل ويسمى بالجسم الثفني حيث تعبر

١١٦

الألياف الواردة من نصف كرة مخية هذا الجسم إلى نصف الكرة المخية الآخر وهكذا فان الدماغ يتصرف ككل وليس كأجزاء متفرقة فمثلاً عندما تركب سيارة وترى النور الأحمر فان هذا يصل إلى شبكية العين التي تتوزع فيها خلايا عصبية من نوع معين هي المخاريط والعصيات والنوع الأول مختص بالنور المركز القوي وبالألوان ، والنوع الثاني مختص بالنور الضعيف الأبيض وهكذا ينتقل النور الأحمر عبر ألياف العصب البصري التي يبلغ عددها حوالي 500,000 ليف ( نصف مليون ) بحيث ان كل ليف يمثل عملاً تلفزيونياً مستقلاً ويصل هذا الاحساس اللوني الضوئي إلى السرير البصري ويتشعع من هناك إلى الفص القفوي حيث يصل إلى هناك ويفسر وتقوم الخلايا العصبية بفهمه ومحاكمته وماذا يعني ثم ترسل أوامراً من عندها من خلال اتصالها بالتلفيف الجبهي ان هذا الأمر خطر ويعني أن تقف وتستجيب خلايا الفص الجبهي وتقول لها جزاك الله خيراً عن هذا الفهم والعمل وتبدأ عملية معقدة وهي الانتقال من مجال الاحساس إلى مجال الحركة حيث تؤمر خلايا معينة باطلاق الاشارات العصبية إلى العضلات المخصصة بالضغط على الفرامل وهي عضلات الأطراف السفلية حيث تنقبض بعضها وينبسط بعضها الآخر كما ان أوامر أخرى ترسل إلى الأطراف العلوية حيث تنبسط بعض العضلات وينقبض بعضها الآخر وهكذا وتقوم اليد بنقل الجهاز الذي يفصل لامحرك عن المسننات في السيارة ان هذا الأمر البسيط العقد يتم في ثوان بسيطة فكيف صمم هذا الجهاز وكيف ركب! ولا يسعنا إلا أن نقول :( يا أيها الانسان ما غرّك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك ) .

انك الآن تقرأ هذا الكتاب وأنت ثابت في مقعدك ولكن ما هو وضع الدماغ تماماً الآن؟ لقد استطاعت الدراسات الطبية أن تتبين كما

١١٧

يذكر صاحب كتاب العقل البشري ان الالياف العصبية تتماوج كأعشاب البحر التي تتقاذفها التيارات كما ان أعضاء الحس في البروتوبلاسما تتحرك ببطء إلى الامام وإلى الخلف وتنتفخ وتتقلص وتتماوج من جانب الآخر ، وهذه الحركة في الالياف تحصل اثناء الوعي والنظر والنشاط الذهني ، أما في حالة النوم فهي ثابتة راكدة نائمه ، وهذه من خصائص الخلايا العصبية ، ومن خصائصها أيضاً وجود مادة داخل الخلية عرفت باسم جسيمات نيسل ولم يعرف دورها تماماً ولكن وجد ان هذه الجسيمات هي من اختصاص الخلية العصبية حيث انها لا توجد في باقي خلايا الجسم فهل أسرار الخلية العصبية تكمن في هذه الجزئيات يا ترى؟ لم يجب الطب عن هذا السؤال سوى انه لاحظ ان هذه الجسيمات تقل اثناء العمل وتكثر اثناء الراحة ، وفي احدى النظريات ان مستودعات ومخازن الذاكرة تجتمع في هذه الجزئيات البروتينية وهي أكبر وأعقد تجمعات ذرية حتى الآن وتوجد بكميات وافرة جداً قدرت بألف بليون بليون من هذه الجزئيات ، وأما بحث الذاكرة فسنتكلم عنه لوحده لانه بحث معقد.

ثبات الخلايا العصبية :

ومن جملة خصائص الخلية العصبية انها تولد بعدد ثابت مع ولادة الانسان حيث يكون عددها قد اكتمل في الحياة الرحمية وقبل الولادة بأشهر وهذا العدد يبلغ حوالي 14 مليار ، منها 9 مليارات في المخ لوحده حيث تتوزع في 64 منطقة من مناطق الدماغ فقط تلك التي تشترك في بناء واحد مشترك ، وهذا الثبات في العدد مهم لان الخلايا لو تغيرت وتكاثرت كما تتغير وتتكاثر حلايا البدن فان معنى هذا ان على الانسان أن يتعلم اللغة كل ستة أشهر مرة أخرى ويكون معنى هذا أيضاً فقدان الذاكرة وتعلم ممارسة الحياة وبالاختصار

١١٨

لا حضارة انسانية ، فثبات الخلايا العصبية هو الذي جعلها تجمع الخبرات والمعلومات وتنمي الثقافة والأفكار والمفاهيم ، هذا ويحدث النقص والزيادة في حالتين تعد كل حالة أبشع من الأخرى ، فأما النقص فيحدث في الأمراض الاستحالية حيث تستحيل الخلية العصبية وتوذي بفعل عوامل مختلفة منها الالتهابي المرضي واذا حدث هذا فإن نتيجة هذا الأمر ان المناطق التي تسيطر عليها هذه الخلايا تفقد عملها ، فاذا كانت الخلايا تسيطر على الحركة ، عجزت العضلات عن الحركة وأصيبت بالضمور والارتخاء وهو ما يشاهد في المرض الشائع المعروف باسم ( شلل الأطفال ) حيث تصاب الخلايا التي تسيطر على الحركة في الجذور الأمامية من النخاع الشوكي. والعجيب في هذا المرض إن هذه الفيروسات تصيب الامعاء اولاً ثم تصعد وليس لها ولع أو حب إلا لهذه المنطقة من الجسم وهي القرون أو الجذور الأمامية من النخاع الشوكي وما أعجبها من محبة ومودة!!

وهكذا تستحيل هذه الخلايا في هذه المنطقة الخطرة واذا بالطفل بين عشية وضحاها يفقد السيطرة على أطرافه بل قد يصل الأمر إلى اصابة مركز التنفس في البصلة السيسائية وهكذا قد يؤدي لامرض إلى الموت اختناقاً ما لم يسعف؟!

وإذا أصيبت المناطق الحسية فقد الحس وهكذا كما مر معنا ايضاً في بحث الحبسات ، وإذا اُصيبت خلايا القشر العلوية أصيب المرء بفالج يشمل نصف الجسم وبشكل واسع ومخيف كما في النزوف الدماغية أو الخثرات ( أي انسداد الشريان بخثرة ) حيث تنقطع التروية عن بعض المراكز التي تسيطر على هذه الأماكن الحركية.

وأما الزيادة فتحدث في حالة أبشع وهي نمو الأورام الخبيثة أي السرطان حيث تنمو الخلايا نمواً فوضوياً شاذاً ، والتكاثر هنا كما نرى

١١٩

ليس من مصلحة الإنسان بالتأكيد ، لأن معنى وجود السرطان في أي منطقة من الجسم الحكم بالإعدام على ذلك الإنسان فما بالك بالدماغ!!

ومن جملة خصائص الخلية العصبية تأثرها الشديد بالاكسجين ، فوزن الدماغ كما ذكرنا يبلغ 1200 غرام ، أي يزن جزء من خمسين جزء من وزن الجسم ، ولا تفوق الكائنات بدماغها دماغ الإنسان فالنملة يحوي دماغها 250 خلية عصبية ، بينما يحتوي دماغ النحلة على 900 خلية عصبية ، في حين يصل دماغ الشمبانزي الكبير إلى حوالي وزن دماغ الطفل الذي يزن 350 غرام ، وهناك الفيل الذي يزن دماغه ثلاثة أضعاف وزن دماغ الانسان ، والحوت الكبير الذي يزن دماغه خمسة أضعاف وزن دماغ الإنسان ، ولكن النسبة ما بين وزن الكائن ووزن دماغه هي أرقى وأكبر شيء عند الإنسان فقط حيث تعادل النسبة تقريباً 73 و 2% ، بينما هي عند الحيوانات القاضمة 2 و 0% ، ومع كل هذا فإن وزن الخلايا العصبية في قشر المخ يبلغ 116 غرام ، وثخن القشر بضعة ملمترات أكثرها في المنطقة الجبهية حيث تصل إلى 5 و 4 ملمتر.

ولنتصور الآن أن رقي الإنسان وعظمته والملكات الفكريه السامية والعمليات الذهنية الراقية والتوقد الروحي والخيال والابتكار والفن والابداع والكشف والإدراك والتخيل والتحليل والتركيب والشخصية والإرادة كلها في 116 غرام فقط. إن هذه الخلايا مع كل عظمتها هي ضعيفة جداً( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الإنسان ضعيفاً ) لأن أي نقص في الأكسجين القادم إلى الدماغ يعرضه لاخطار مخيفة ، فمع كل ما شرحنا من نسبة الدماغ الى وزن الجسم الكامل ، مع هذا فإن الدماغ يحتاج إلى ربع كمية الاكسجين التي يستهلكها الجسم بما فيه الدماغ ، أي ان 25% من الاكسجين القادم من طريق الرئتين يصرف إلى الدماغ ، وليس هذا فقط بل أيضاً السكر

١٢٠