الطبّ محرابٌ للإيمان

الطبّ محرابٌ للإيمان14%

الطبّ محرابٌ للإيمان مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 274

الطبّ محرابٌ للإيمان
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105476 / تحميل: 10300
الحجم الحجم الحجم
الطبّ محرابٌ للإيمان

الطبّ محرابٌ للإيمان

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

إن كيفية السمع حتى الآن غامضة لم تعرف منها إلا الأُمور السطحية البسيطة ولكنها على قلتها وبساطتها دليل إيماني مهم على أن القرآن هو كتاب الله المقروء ، كما أن الكون بكل قطاعاته الأحياء والموات والانسان كتاب الله المنظور ، وان كل صغيرة وكبيرة في بناء التركيب الانساني هو آية ودليل تقرب الانسان من الخالق العظيم.

لقد وجد الأطباء أن اهتزاز البلغم المحيطي الذي يسبح في الزاحف الدهليزي والزاحف الطبلي يؤثر على القناة الملعقية التي تحوي عضو كورتي وهي تحوي البلغم الداخلي ، وهذه القناة مغلقة من نهايتيها وتتصل بقناة بعضو التوازن أي القريبة والكييس ، واهتزاز البلغم الداخلي يؤثر على أهداب الخلايا والرمال السمعية التي ذكرناها وهذه بالتالي تنقل عبر ألياف العصب السمعي بشكل سيالة عصبية ونبضات كهربية إلى الفص الصدغي حث تفهم على أتم وجه ، ولقد وجد أن هذا العضو حساس تجاه كافة أنواع الأصوات ، وكل قسم منه خاص بنوع خاص من الأصوات ، فالأصوات الغليظة تتمركز مناطق استقبالها في قمة الحلزون ، والأصوات الحادة في القاعدة ، ونتساءل كيف يتم تمييز هذه الآلات المؤلفة من المزيج العجيب الغريب من الأصوات؟ وكيف تفهم في الفصوص الدماغية؟ وكيف تميز الأذن بين القول الهادىء والشديد؟ وبين النثر والشعر؟ وبين الكلام العادي والنغم الموسيقي؟ وحتى النغم الموسيقي له أنواعه المختلفة المتباينة والتي يتفنن أصحاب الموسيقي في إظهارها للبشر إلى درجة الإزعاج الشديد.

ـ ٥ ـ

التوازن : ذكرنا أن الأذن تختص بالسمع وتختص بالتوازن ، وجهاز التوازن في الأذن مكوّن من أقنية ثلاثة ، وزقين يشبهان في شكليهما

٢٠١

القربة والكيس ولذا سميا بالقريبه والكييس ، أما الأقنية الثلاثة فهي تمثل أبعاد الفراغ الثلاثة ، أي من الأمام إلى الخلف ، ومن اليمين إلى الشمال ، ومن الأعلى إلى الأسفل ، وبهذه الكيفية يتوازن الرأس والأعضاء في الفراغ ، ويبدو أن القريبة والكييس لهما اختصاص في توازن بقية الأعضاء ولقد وجد أن تخريب إحدى الأقنية يحدث رأرأة في العين على مستوى القناة المخربة ، فإذا خربت القناة الأفقية حدثت رأرأة افقية في العين ، وهكذا تتصل بهذه الأعضاء ألياف العصب الدهليزي الذي ينقل حس الأوضاع ووضعية الرأس إلى المخيخ حيث يتم التوازن بالاشتراك ما بين الدهليز والمخيخ والحبال الخلفية من النخاع الشوكي التي تنقل الحس العميق ، بالإضافة إلى البصر الذي يقدر الوضع والمسافات والعظام والمفاصل والعضلات التي تتلقى الأوامر اللازمة حتى تحدث الشد المناسب ، وهكذا يتوازن الانسان ، ولذلك لا عجب إذا قلنا أن أبسط العمليات الجسمية مثل الوقوف ، أو المشي ، أو الجلوس ، أو الركض ، أو التسلق ، أو الكتابة ، أو القيادة ، أو الاعمال المعقدة تعتبر حركات بهلوانية من أعلى المستويات.

ـ حاسة البصر ـ

يعتبر البصر مع السمع الجهاز المميز عند الإنسان ، والنوافذ التي يطل منها على العالم الخارجي ويتلقى منها المدركات ويكيف وجوده حسب الاخبار التي تصل إليه من العالم الخارجي ، ولذا ورد ذكر هاتين الحاستين في القرآن أكثر من غيرهما :( إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ) ، وفي الحقيقة : إن تعلم النطق يتم عن طريق السمع بالدرجة الاولى ، وإذا ولد الإنسان وهو أصم ، فإنه يصعب عليه الانسجام مع المحيط الخارجي أو التفاهم معه ويحدث لديه قصور عقلي شديد ،

٢٠٢

بمعنى أن هذا الجهاز هو الذي ينمي مدركات الإنسان وذهنه ووعيه ، وأما الكتابة فإنها تحصل عن طريق البصر بالدرجة الاولى ، ومن هاتين الحاستين يصعد الانسان في الوعي والإدراك( ن ، والقلم وما يسطرون ) ( الرحمن ، علم القرآن ، خلق الإنسان ، علمه البيان ) ، بل إن الآيات الأولى التي نزلت في القرآن الكريم :( اقرأ باسم ربك الذي خلق ، خلق الإنسان من علق ، اقرأ وربك الأكرم الذي علّم بالقلم. علّم الإنسان ما لم يعلم ) وصدق الله العظيم ، فقد تعلم الانسان بالقلم أشياء لا يمكن تصورها. ولكن نود أن نلفت نظرك أيها القارىء إلى أن السمع يأتي من ناحية الاهمية قبل البصر ، فالكثير من الذين حرموا نعمة البصر ـ حتى وهم صغار ـ يتعلمون ويبلغون درجة راقية من الفهم والإدراك والعلم ، وأبو العلاء المعري مثل واضح لهذه الفكرة ، فقد ولد سليم السمع والبصر ولكنه فقد بصره في سنوات عمره الأولى ولم يمنعه ذلك من تلقي العلوم والمعارف ووصوله إلى درجة عظيمة من النبوغ ، وكتابة الشعر ، وبقي علماً في الشهرة حتى يومنا هذا. ولكننا لم نسمع بأن الإنسان الذي يولد وهو أصم يمكن أن يرتقي في سلم المعرفة ويصبح عالماً مشهوراً ، لأن الفهم والنطق يتعلقان إلى درجة كبيرة على ما يبدو بالسمع وحتى ليقال ان الذي يفقد سمعه قبل النطق لا ينطق وهي حقيقة علمية ،ان هذه الفكرة تلقي ضوءاً خاشعاً على الآيات القرآنية التي تقدم السمع دوماً على البصر ( والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً وجعل لكم السمع والابصار والافئدة لعلكم تشكرون ) سورة النحل ،( ثم سواه ونفخ فيه من روحه وجعل لكم السمع والابصار والافئدة قليلاً ما تشكرون ) سورة السجدة ،( وهو الذي أنشأ لكم السمع والابصار والأفئدة قليلاً ما تشكرون ) .

حتى يمكن اعتبار هذا قاعدة مطردة في الآيات القرآنية ، وما أعجبها

٢٠٣

من قاعدة تجعل الذي يعثر على هذه الاسرار يزداد إيماناً :( ليستيقن الذين أوتوا الكتاب وليزداد الذين آمنوا إيماناً ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون ) يقين ، وزيادة ايمان ، وعدم ارتياب.

ـ ١ ـ

النور والتمييز :

كما أن السمع يتم بواسطة الصوت ، كذلك فإن الإبصار يتم بواسطة النور ، ولا رؤية بدون شعاع ضوئي ، ولقد احتار العلماء في معرفة ماهية النور لانه ينتقل ولو لم يكن هناك وسط مادي ، فإذا قمنا بتجربة الصوت وهي احضار حوجلة ثم محاولة تفريغها من الهواء ووضع جرس كهربائي رنان داخلها فان الصوت يضعف تدريجياً مع نقص الهواء ، أما النور فلا يتأثر البتة فما هي طبيعته يا ترى؟ درست طبيعة النور وخواصه فوجد أنه ينتشر بسرعة جبارة تبلغ (٣٠٠٠٠٠) ثلاثمائة ألف كيلومتر في الثانية الواحدة ، أي أنه يقطع المسافة ما بين الشمس والارض والتي تبلغ (٩٣) مليون ميل في حوالي ثمانية دقائق وسطياً ، كما أن من جملة خواصه أنه ينكسر في الاوساط الشفافة وله قانون خاص في موضوع الانكسار ، وأما طبيعته فقالوا فيها أقوال منها انه فوتونات طاقة!!

ينطلق الشعاع الضوئي من الجسم إلى العين ويخترق سلسلة أوساط سفافة كاسرة للنور حتى يقع على منطقة حساسة في العين هي منطقة الشبكية وفيها العناصر الحساسة للنور حيث تتأثر منها وينتقل هذا التأثير بشكل سيالة عصبية عبر ألياف العصب البصري إلى السرير البصري ومن السرير تصدر ألياف عصبية تشبه الاشعة إلى الفص القفوي حيث يعتبر مركز الرؤية العام في الدماغ وهو مضاعف في فصي الدماغ.

٢٠٤

ـ ٢ ـ

بواسطة العين وما تتلقى من نور يمكن للإنسان أن يتعرف على المحيط الخارجي تماماً ، ويشترط أن تكون الرؤيا بالعينين حتى تكون الرؤيا مجسمة كأوضح ما تكون ، وبواسطة العين يتعرف الإنسان على الاشياء من ناحية شكلها هل هي مدورة أو مربعة أو مستطيلة أو كروية أو مسطحة ، كما يعرف الالوان لأن اللون الأبيض العادي هو خليط من اللون الأخضر والأحم والبنفسجي ، وبقية الألوان تشتق من هذه الالوان الثلاثة(١) كما يتعرف على أبعاد الشكل الذي يراه وتناسب أبعاده مع بعضها البعض ، وعن طريق البصر تقدر المسافات بمنتهى الدقة ، فالسائق من خلال الرؤية يقدر تماماً المسافة التي تفصل ما بين سيارته والسيارة التي أمامه ، والذي يمشي يقدر المسافات التي تحيط به تماماً ويتجنب البشر الآخرين فلا يصطدم بهم ، كما لا يصطدم بالاشياء التي تكون في طريقه كما يقدر الإنسان بواسطه البصر البعد بين شيئين يقع نظره عليهما ، وهكذا يميز بين الاشياء ، كما يقدر الإنسان ببصره درجة الاضاءة للمرئيات عامة كما يعد البصر الجهاز الذي بواسطته يقرأ الانسان فيفهم ما يقرأ ، ويبصر المنظر فيفهم ما يبصر ، وهكذا فإن جهاز البصر مع السمع يعتبران جهاز التمييز عند الانسان.( قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم من إله غير الله يأتيكم به انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون ) سورة الانعام. وبواسطة البصر يتزن الأنسان في حركاته كما يتزن ببصيرته على المستوى الفكري النفسي.

__________________

(١) عن كتاب الغريزة الجزء الثاني شفيق البابا. حاسة البصر.

٢٠٥

ـ ٣ ـ

كرة العين :

تعتبر كرة العين التي تزن ثمانية غرامات من أروع غرف التصوير الفنية ، فهي غرفة مظلمة مغلفة بثلاثة جدران هي من الظاهر إلى الباطن : الصلبة وهي التي تعطي اللون الأبيض للعين ، والمشيمية وهي التي تروي بعروقها العين ، والشبكية في الداخل وهي التي تحمل العناصر الحسّاسة والمستقبلة للضوء وهي المخاريط والعصيات. وفي المقدمة توجد بللورة رقيقة هي القرنية تدخل النور القادم إلى العين ، ثم يجتاز النور بعد القرنية سائلاً كاسراً للنور هو الخلط المائي الذي يقع ما بين القرنية والقزحية ، والقزحية هذه هي التي تعطي العينين لونهما المعهود وتفتح في مركزها بثقبة واحدة خاصة لاستقبال النور كعدسة المصور وهي الحدقة ، وإذا دخل النور الحدقة واجه بللورة من نوع جديد هي الجسم البللوري ، وهي أعجب بللورة موجودة في الوجود لأنها تتمدد وتتقلص بحيث تختلف وجوه تحدبها إلى درجة كبيرة ، وبالتالي تتطابق العين مع المناظر التي تقع امامها ، فإذا كانت المسافة المرئية قريبة تمددت وتقلصت بما يناسب الحالة والعكس بالعكس فهي البللورة الحركية العاقلة ، وبعد الجسم البللوري يدخل النور خلطاً جديداً سفافاً كاسراً للنور هو الخلط الزجاجي فإذا انتهى النور من عبوره وصل إلى الشبكية حيث تستقبله العصيات والمخاريط وتنقله بشكل سيالة عصبية إلى الفص القفوي.

ـ ٤ ـ

جهاز الوقاية :

يعتبر جهاز الوقاية في العين من الأجهزة الجميلة الرائعة ، فالعين أولاً

٢٠٦

موجودة في منطقة من الوجه منخفضة ، يحيط بها ثلاث تلال مرتفعة ، فمن الأعلى الحاجب والبروز العظمي الجبهي وكأنه السقف المظلل ، وبهذه الطريقة تحمى العين من الضربات ، والأشعة ، والعرق. ومن الاسفل ارتفاع الوجنة ، ومن الجانب الثالث الهرم الأنفي. وبالاضافة إلى هذا فإن كرة العين موجودة في تجويف محتفر في عظم الجمجمة وهو ما يسمى بالوقب ، ولا توضع العين مباشرة بين جدران هذا التجويف بل يهيأ المكان بالوسائد والطنافس ، وهكذا يجب أن يعامل الضيف العزيز ، وتأتي كرة العين لتستقر بين هذه الوسائد الشحمية!! وإذا ما اختلت سماكة هذه الوسائد بالزيادة كما يحدث في بعض الأمراض جحظت العين إلى الخارج ، وهو ما يحدث عندما يزداد نشاط الغدة الدرقية في مرض بازدو.

وهذه الحماية من الخارج فإذا وصلنا إلى العين بالذات وجدنا وسائل الحماية الذاتية ، فالعين مغطاة بجفنين يفتحان ويغلقان بمنتهى السرعة حتى ليضرب فيهما المثل فيقال ( طرفة عين ) ، فإذا اتصل الجفنان من الأمام تداخلت الأهداب ، وهكذا تستر العين كأحسن ما يكون ، ثم تغلف العين من الأمام والأجفان من الداخل بغشاء رقيق شفاف ساتر هو ما يعرف بملتحمة العين ، فإذا استطاعت ذرات الغبار ، أو نسمات الريح الخفيف ، أو بعض الجراثيم المتسللة أن تصل إلى العين كانت غدة الدمع لها بالمرصاد حيث تفرز مادة مطهرة تسمى بخميرة الليزوزيم وفي داخل الأجفان تكمن الغدد وكأنها مراصد المراقبة ترطب العين ، وتطهرها ، وتحافظ على رونق العين وبريقها. هذه الغدد المعروفة بغدد ميبوميوس وزايس ومول حيث تنفتح الغدد الأولى بـ ٢٠ ـ ٣٠ فوهة من الطبقة الأولى من طبقات الجفن السبعة وهي ترقد قريباً من أماكن نبت الأهداب ، وبهذا الجهاز الفني تحفظ العين من الصدمات واللكمات ،

٢٠٧

وضوء الشمس والعرق النازل من الجبهة ، والرياح ، والغبار والجراثيم ، والأجسام الغريبة.

أما العنصر الجمالي في العين فهذا بحث مستقل بذاته لأن العين من العناصر الجمالية في وجه الانسان من حيث الكبر ، والاستدارة ، وفتحة الجفن ، وشدة البياض ، ولون القزحية ، وطول الأهداب ، واستدارة الحاجب ، ووضع الجبهة ، وتقطيعة الأنف ، ووضعية الوجنة ، واسوداد لون أشعار الحاجب والأهداب ، مع تناسب غلظ الأشعار للرجل أو المرأة ، وعدم وجود العيوب الخ ..

ـ ٥ ـ

الدمع :

إن غدة الدمع تفرز باستمرار فتطهر العين ، وترطبها ، وتعطيها بريقها الخاص ، ولكن أينالمصرف ، إن هناك طريقاً خاصاً يصرف مفرز الدمع إلى الأنف ، فإذا زادت الكمية طفحت إلى الخارج كما يحدث في البكاء( ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق ) سورة المائدة ونتساءل هنا ما علاقة التأثر والحشوع بالبكاء وإفراز هذه الغدة الدمعية؟ إن النفس تحتاج إلى غسل وتطهير كأي عضو وما هذه الحالة إلا تطهيراً من الذنوب كما يطهر الدمع كرة العين ، إن حالة الخشوع والتأثر هي حالة وجدانية النفعالية نتيجة معرفة روعة التصميم ، ودقة البناء ، وعظمة القدرة ، حيث تخطط يد الاراده الحكيمة ، وتحور ، وتنسق على كيفية مذهلة وينتقل هذا التأثير عبر أعصاب

__________________

(١) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولجوفه أزيز كأزيز الرجل من البكاء.

٢٠٨

معينة فتدعو هذه الغدة إلى الفراز فتفرز الدمع الهتون ، حيث تصل النفس إلى مرحلة تعجز عن التعبير فيعبر البكاء ، وهذه الحالة النفسية الوجدانية هي حال العارفين الصالحين العلماء العاملين( ويخرون للاذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً ) سورة الاسراء. إن المنظر الجميل يهيج الرؤية والصوت الجميل يهيج السمع ، والرائحة تهيج الشم ، والطعم اللذيذ يهيج غدد اللعاب ، وكذلك المعنى الجميل فإنه يثير الخواطر ويفرز الجمع(١) ...

ـ ٦ ـ

الاوساط الشفافة :

تمتاز العين باحتوائها على أوساط شفافة كاسرة للنور ، مهمتها أن تجمع الحزم الضوئية حتى تلتقي في الشبكية تماماً وبذلك تحصل الرؤية الواضحة ، واذا اختل هذا الشيء فوقع خيال الشيء المرئي أمام الشبكية أو خلفها حدثت عيوب الرؤيا مثل الطمس والحسر وسواه ، ولنتأمل هذه الأوساط الشفافة قليلاً ، ففي الأمام توجد القرينة وهي تشبه بللورة الساعة ، ومكونة من خمس طبقات ، وفي الطبقة المتوسطة تجتمع صفيحات رقيقة تشبه البللور يصل عددها إلى خمسين صفيحة منضدة فوق بعضها البعض ، وخلف القرينة يوجد سائل يفرز من منطقة تسمى البيت الخلفي حيث يصل إلى البيت الأمامي المحدود من الأمام بالقرينة ومن الخلف بالقزحية التي تعطي لون العين.

وإذا دخلنا إلى داخل العين من خلال ثقبة القزحية وهي الحدقة ، فإننا سوف نصطدم بالجسم البللوري الذي يقف خلف الحدقة تماماً ،

__________________

(١) كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي ولجوفه أزيز كأزيز المرجل من البكاء.

٢٠٩

ومن خلف القزحية تمتد منطقة ما بين نهاية البللورة إلى زاوية القزحية الخلفية ، إن هذه المنطقة هي منطقة البيت الخلفي التي تفرز سائلاً يشبه في تركيبه المصورة الدموية(١) ، ويبلغ حجمه ( ١,٢٥ سم ٣ ) وهذا الخلط يؤمن توازن العين فلا تنكمش كرة العين ، كما لا تنتفخ أكثر من اللازم فهو كالسائل الذي يملأ البالونة ، ويمر هذا السائل من خلال حدقة العين إلى البيت الأمامي حيث يفرغ بأقنية وأوردة صغيرة جداً يبلغ مقدارها (٣٠) قنية و (١٢) اثنا عشر وريد مائي ، وزيادة هذا السائل أو نقصه يؤثر بشكل واضح على كرة العين ، ومرض الزرق أو ما يسميه عامة الناس ( الماء الاسود ) سببه هو ازدياد توتر هذا السائل في العين ، وإذا لم يعالج قد يؤدي إلى العمى وفقد الرؤية. وهكذا يستتب التوازن في العين بافراز هذا السائل وافراغه تماماً كما مر معنا في بحث افراز السائل الامينوسي عند الجنين وامتصاصه ، أو السائل الدماغي الشوكي في الجملة العصبية ، وأما المنطقة ما بين الجسم البللوري والشبكية فهي مملوءة بسائل ثابت هو الخلط الزجاجي.

التطابق في الرؤية :

ولنقف الآن أمام ظاهرة من ظواهر العين المتقنة بشكل عظيم ، وهي التطابق مع المسافات والتطابق مع النور ، وتشكيل الأخيلة بشكل واضح على الشبكية ، إن الجسم البللوري مرن بشكل كبير فهو يزيد من تحدب وجهه المشرف على الحدقة ، أو يمدده وينقص من تحدبه ، وكل هذا يتناسب مع النظر للاشياء القريبة أو البعيدة ، فعندما تنظر ـ أيها القارىء ـ إلى بعد ٥ ـ ٦ أمتار فان العين ترى الأشياء بدون جهد

__________________

(١) يتكون الدم من اجتماع عنصرين اساسيين هما الكريات والمصورة ، والكريات هي الحمر والبيض والصفيحات ، والمصورة تحتوي على عناصر تعد بالعشرات.

٢١٠

كبير ، ولكن إذا اقترب المنظر فكيف يمكن للعين أن تتابع الرؤية بشكل واضح؟ يقوم الجسم البللوري ، بشكل آلي ، بزيادة تحدب وجهه على القدر المناسب مع المسافة المناسبة وهكذا يزداد جمع الاشعة وبالتالي توضعها على الشبكية تماماً ، ورؤية الخيال بشكل واضح ، وحتى لا تتأذى العين تشترك الحدقة في هذا الفعل أيضاً بشكل جميل فالقزحية تحتوي في الأمام على خلايا تحتوي على الصباع بكمية كبيرة مما يعطي العين اللون المناسب وهو متعلق بالوراثة ، ويحوي بعد ذلك طبقتين من الألياف العضلية. النوع الأول : عضلات دائرية ، أي تحيط بالحدقة على شكل دوائر. والنوع الثاني : يصعد من الحدقة كالأشعة ، ولذا سميت بالعضلات الشعاعية ، والآن فما هو دور هذه العضلات الموزعة بهذا الشكل الجميل وكأنه تخطيط جميل لزهرة في الربيع!!

إن العضلات الدائرية يسيطر عليها العصب نظير الودي ، والعضلات الشعاعية يؤثر عليها العصب الودي ، وهذان العصبان متنافسان دوماً في السابق على الجسم ، وكل منهما يعاكس عمل الآخر دوماً ، وكأنهما الشريكان المتشاكسان المتفاهمان!! لأن التوازن ينشأ من شد وجذب كلا العصبين ، كما أن الجسم البللوري يتمدد ويتحدب بشكل آلي حسب قربي الشيء المنظر وبعده ، فإن الحدقة تنقبض وتتوسع حسب القرب والبعد وحسب درجة الإضاءة أيضاً لأن دخول كمية زائدة من النور إلى العين معناه فساد جهاز التصوير في غرفة التصوير هذه ، وكل منا يعرف لماذا يحرص المصور على بقاء الغرفة معتمة عند تحميض الصور لأن العين تلتقط الصورة وتحمضها بنفس الوقت. فاذا كان الجسم قريباً فهو يرى ولو كانت فتحه الرؤيا صغيرة ولذا تضيق الحدقة ، وإذا كان الجسم بعيداً احتاج الى رؤية واسعة ماسحة ولذا توسعت الحدقة ، وأما كيف يتم ضيق الحدقة وتوسعها بواسطة العضلات فهذا يتم بواسطة العصب الودي

٢١١

ونظير الودي اللذين يسيطران على الألياف العضلية الشعاعية والدائرية ، فالودي يسيطر على العضلات الشعاعية ، ولذا فان تقلص هذه العضلات يعني شد أطراف الدائرة الحدقية وبالتالي تتوسع الحدقة ، وهذا يناسب فعل الودي لأن هذا العصب ينشط في الانفعال والهياج فزيادة قطر الحدقة يعين على رؤية الأشياء أكثر وعلى خدمة الانسان وقدرته على التصرف أكثر في هذه المواقف والازمات الحرجة ، ونظير الودي يفعل عكس ذلك لان اختصاصه بالراحة والنوم والهدوء فهو يسيطر على العضلات الدائرية التي تقبض الحدقة وتنقص من قطرها ، وفي الحالة الطبيعية تبقى فتحة الحدقة وسطاً بين توازن العصبين وخلف القزحية حيث يكمن الجسم الهدبي تنطلق ألياف عضلية ثخانة الواحد منها (٢٢) ميكرون وعددها ما يقرب من (١٤٠) ليف عضلي في كل جانب حيث تنتشر على الوجه الخلفي لمحفظة البللورة أو الجسم البللوري ، وماذا تعمل هذه الالياف العضلية؟

إن تقلص هذه الالياف يعني شد البللورة من الجانبين وبالتالي تمدد البللورة وقلة تحدب الوجه الامامي لها وهذا يعني نقص قدرة التقريب(١) ، وإذا ارتخت هذه الالياف رجعت البللورة فتحدب وجهها الامامي وبالتالي زادت قدرة التقريب ، إن ما يحدث اثناء النظر للقريب يحدث على مستويين : الاول في الحدقة ، والثاني في البللورة ، فأما الحدقة فتتقبض الالياف الدائرية وتصغر الحدقة بالتالي ، وأما الالياف المعلقة للبللورة فانها ترتخي ويزداد تحدب وجه البللورة ، ويزداد التقريب تبعاً لذلك ، وهكذا

__________________

(١) ان العدسات عند الفيزيائيين نوعان مقربة ومبعدة ، والمقرةب هي التي يزداد قطرها من الطرف الى الوسط تدريجياً ومنها : محدبة الوجهين ، مستوية محدبة ، هلال مقرب. والمبعدة بعكس ذلك اي التي يزداد قطرها تدريجياً من الوسطى إلى الطرف ، وبللورة العين من النوع الاول المقرب.

٢١٢

تتوافق كل من الحدقة والبللورة مع الوضع ، كما تتوافق كل منهما مع الاخرى في الوضعية ، وأما في النور الذي يعد منبهاً آلياً لعضلات الحدقة فتتقبض وتصغر حتى لا تدخل كمية كبيرة من النور الى داخل العين وتؤذيها ، كما أنه لا حاجة لهذه الكمية الكبيرة حتى تتبين العين مصدر النور ، وهذا المنعكس مهم في كشف أمراض العين ، مثل إصابات الدماغ ، والنزوف الدماغية ، كما أن هناك علامة جميلة لكشف مرض افرنجي العصب الثالث وهي بقاء حدقة العين بشكل نقطة صغيرة وعدم التفاعل مع النور أو القرب والبعد ، وهذه العلامة هي علامة ( ارجايل روبرتسون ) وهي تشخص مرض الافرنجي الذي يصب العصب المحرك المشترك ، أي أن هذا المرض أيضاً من بركات الزنى والحوادث الجنسية المشبوهة التي تنقل هذا المرض!! وكأن تضييق الحدقة هذا بصمة الانحراف على عينيه ، أو هي ضيق الرؤية أمام ناظرية علامة لضعف البصيرة!!. كما أن الموت يبطل فعاليات التوازن جميعها فتتسع الحدقة ولا تستجيب للنور( انما يستجيب الذين يسمعون والموتى يبعثهم الله ثم اليه يحشرون ) سورة الانعام. وهناك بعض الادوية التي تفعل مثل العصب الودي ( الادرنالين ، نور ادرينالين ) فتوسع الحدقة وكذلك الاتروبين ، وهناك مواد تفعل بالعكس أي تقلد العصب نظير الودي فتضيق مثل الاسيتل كولين ، والازرين ، والبيلوكاربين ، أي ان سمة التوازن موجودة في الكون حتى على مستوى المواد البسيطة.

ـ ٧ ـ

دور المخ في الرؤية :

ان تفاعل الحدقة السريع من النور ، وانقباضها على قدر درجة الاضاءة ، يتعلق بمراكز انعكاسية موجودة في المناطق السفلى من الدماغ ،

٢١٣

ولكن تقدير المسافات والابعاد وفهم المرئيات ، يتعلق بقشر الدماغ حيث ترقد مراكز الوعي والادراك والفهم والتحليل والذاكرة والابداع ، واصابة هذه المناطق تؤدي إلى العمي الروحي ، أي إن الإنسان المصاب يرى الاشياء ولكن لا يفقهها( وتراهم ينظرون اليك وهم لا يبصرون ) . وهكذا نرى ان المخ يتدخل بشكل كبير في موضوع الرؤية ، وحتى فهم الالوان يبدو ان الدماغ هو الذي يتدخل أيضاً في فهمها ، ولقد وجد ان تخريب بعض المناطق(١) في الفصّ القفوي يعطى نتائج متباينة فهناك مناطق للرؤية العادية ، وأخرى للفهم والإدراك ، وثالثة للألوان ، وهكذا ...

ـ ٨ ـ

كيف نرى الالوان :

والآن هناك قضية مازالت في قيد النظريات والبحوث ، وليس هناك من حقيقة علمية ثابتة في هذا الموضوع ، وهي رؤية الألوان ، حيث بحث فيه الكثير من العلماء وأعطوا آرائهم. ( يونغ ، هرنغ ، هيلموتز ) فكيف تبصر العين الالوان؟

إن العين فيها إحساسان للرؤية : الاول ، الإحساس عديم اللون ، والثاني : الاحساس اللوني ، وتمتاز العصيات بميزتين الاحساس للرؤية الضعيفة

__________________

(١) ان معرفه خارطة الدماغ وتوزع الاختصاصات في كل منطقة كانت بعدة طرق منها تخريب المناطق عند الحيوانات ثم ملاحظة ماذا يحدث بعد تخريب هذه المنطقة ، أو اصابة هذه المناطق عند الإنسان اثناء زحمة الحياة ، أو تنبيه هذه المناطق بالمنبهات الكهربية فتنبيه المنطقة القفوية مثلاً تحدث حالة من الرؤى والمناطر مع أنه لا يرى شيئاً وهكذا.

٢١٤

وللنور العادي ، وتمتاز المخاريط بميزتين الرؤيا المركزة شديدة الإنارة وتمييز الالوان.

لا شك أنك لاحظت ـ أيها القارىء ـ أنك إذا دخلت إلى الظلام فجأت بعد أن كنت في الضياء أنك لا ترى شيئاً البتة ، ثم تتوضح لك الاشياء شيئاً فشيئاً ، إن هذا يعود إلى مطابقة العين من النور والظلام بواسطة المخاريط والعصبات ، فعندما تدخل الظلام تبدأ المخاريط عملها حق تصل قوة العين إلى خمسين ضعفاً فتشعر انك بدأت ترى الاشياء أكثر وضوحاً ، ولكن اختصاص الرؤية الضعيفة أو الرؤيا الليلية يعود إلى العصيات فتبدأ عملها ، وما أن تنقضي فترة (٤٥) دقيقة حتى تصبح قوة العين في التمييز (٥٠٠) ضعف ، وقد وجد أن السر يعود في هذا إلى مادة خاصة في العصيات هي مادة الرودوبسين ، وهي مادة بروتينية ذات وزن ذري يبلغ (٢٧٠) الف ، وذات لون أحمر وهي تنقلب في النور إلى مادة صفراء مبيضة ، وتتحلل إلى مادة الرتينين ومادة بروتينية أخرى فيها فيتامين A وهذا الفيتامين ( آ ، A ) يتحول إلى شكل غير فعال ، فبعد أن يطرد من مكانه الاصلي يترك العين إلى الدوران الدموي وهو حزين كاسف البال ( ما يسمى بالفيتامين A المفروق ) وسرعان ما يرسل الكبد الاخبار اليه ليحضر ، وعندما يصل إلى الكبد يقنعه بأن هذا العمل انما هو من أجل مصلحة البدن ، وأن هذا الامر لا يحتاج إلى مفارقة أبدية ، بل هو فراق ولقاء وكل أمور الحياة هكذا ، وينقلب الفيتامين آ إلى شكل جديد فعال هو الشكل المقرون لأنه سيقترن من جديد بالمادة الاصلية ، ويتم هذا الامر بليل ، وهكذا يتفكك الرودوبسين في النور ويتركب من جديد في الظلام ويشترك الفيتامين آ بشكل كبير في هذا العمل ، وإذا نقصت كمية الفيتامين أدى هذا الامر إلى خلل المطابقة للرؤية في الظلام وحدوث العشاوة أو ما يسمى بالعمى الليلي وتتميز

٢١٥

بضعف القدرة على التمييز في الليل والظلام ، ونتساءل ما هو السر في ان هذه المادة إذا تركبت أثرت على الرؤية الليلية ونقلت سيالة عصبية معينة إلى قشر الدماغ؟

إن هذا السؤال بالاضافة إلى أسئلة أخرى لا يستطيع العلم أن يجيب عنها الآن ، ان العين تضاعف من قدرتها على التمييز بشكل هائل لا يكاد يصدق فأنت أيها القارىء ترى في وضح النهار حيث تكون الانارة متوسطة وتبلغ هذه واحد لامبير ( وحدة ضوئية للرؤية ) ولكن هذه القدرة يمكن أن ترتفع إلى ١٦ ضعف كما يمكن أن تنخفض إلى ٢٠ مليون ضعف وهكذا يبلغ احساس العين ما بين الحدود الدنيا والحدود القصوى ما ينوف على ٢٠ مليون ضعف!! فبامكان العين أن ترى حتى إذا بلغت الرؤية مقدار ( ٠.٠٠٠٠٠٠٧ ) لامبير ، وإذا زادت عن الحدود القصوى أحست العين بشعور مؤلم ، كما ان المقدار الضوئي إذا نزل إلى ما دون الحدود الدنيا لم تعد تشعر العين بشيء.

ويجب أن نعلم ونحن على مدخل بحث الألوان أن العين لكي ترى الشيء يجب أن تتوافر فيه أربعة شروط : الضوء الكافي + الطوال الكافي للرؤية + المدة الكافية حتى يرتسم الخيال على الشبكية + طول الموجة الكافية حتى يمكن للعين أن ترى ، لأن العين لا ترى كل الموجودات فإذا زادت طول موجة(١) الضوء أو نقصت عن حد معين لم تعد ترى العين شيئاً ( حدود العين في أطوال الموجات ما بين ٠.٤ ـ

__________________

(١) مرت كلمة الموجة في أكثر من مكان فلقد وجد ان الصوت والضوء يمشي بشكل أمواج كأمواج البحر الدفاقة ولكن بشكل منتظم بحيث ان كل الموجات متشابهات وطول الموجة هو البعد ما بين مرتفعين لقمتي الموجتين التتاليتين ، أو المسافة بين منخفضين متتاليين لموجتين المتتاليتين وهكذا.

٢١٦

٨ و ٠ ميكرون ، والميكرون كما مر هو جزء من ألف من الميلمتر ) وهذا الشيء مهم لتبيين فكرة أساسية وهي : أن العين ليس بمقدورها رؤية كل شيء في الكون ، فإذا زادت حدة ضيائه عن القدر المحدد أو نقصت عن القدر المحدد لم تعد العين ترى شيئاً ، كما أن الشيء إذا تناهى في الصغر عجزت العين عن الرؤيا.

ولقد ذكرنا فيما مر معنا أن الإنسان ركّب المجهر الاليكتروني الذي يكبر الأشياء ( ٠٠٠ ,٣٠٠ ) ثلاثمائة ألف مرة ومع ذلك لم يستطع رؤية الذرة فيما إذا توصلوا إلى اختراع المجهر البروتوني الذي يكبر ( ٠٠٠ ,٨٠٠ ) ثمانمائة ألف مرة وحتى المليون مرة ، ولكن ماذا سيفعلون برؤية القوة الكهربية والمغناطيسية والجاذبية!! كما أن العين تكل عن الرؤية فيما إذا كان وقت انطباع الخيال غير كافٍ ، ومبدأ السينما انما يقوم على أساس تتابع الأخيلة بحيث يشعر المشاهد وكأنها أحداث متلاحقة مع أن المناظر مقطعة ولكن التحكم في سرعة عرض المناظر متتالية بما يكفي لرسم منظر على الشبكيه تفهمه وبعده بزمن لا يزيد ولا ينقص يلحقه منظر آخل ( هي التي تجعل المنظر السينمائي متتالياً ) وهكذا فإذا بالمشاهد تتلاحق والصور كأنها الحياة العادية بين يديك ، وكل الأمر بني على القاعدة الثالثة التي ذكرناها ( علم الإنسان ما لم يعلم ).

وأما المبدأ الرابع وهو المبدأ الموجي فعلى أساسه أيضاً يمكن فهم كيفية الرؤية الملونة فإذا عكس الجسم كل النور المسلط عليه ظهر بلون أبيض وهي جميع الأشعة التي بعثها!! وإذا امتص الجسم الذي يسلط عليه النور كل الاشعة ، لم تعد ترى العين شيئاً وكان اللون الأسود ، وأما إذا امتص الجسم جميع الأشعة إلا اللون الاحمر ظهر منظر الجسم أحمراً ، وهكذا إذا امتص الجسم جميع الأشعة إلا اللون الاحمر ظهر منظر الجسم أحمراً ، وهكذا إذا امتص كل الألوان إلا الاخضر ظهر اللون أخضراً ،

٢١٧

وهكذا بقية الألوان ، وأما اللون الرمادي فهو الوسط ما بين الأبيض والأسود. ورؤية الالوان بشكل كامل يمتاز بها الانسان فهو يرى من الالوان ويميز ما بينها ما لا يقع تحت العد والحصر

تجربة نيوتن : لو سلطنا نوراً أبيضاً من مصباح على موشور زجاجي

بعد أن يعبر عدسة مقربة ، وكان الموشور مائلاً فإننا سوف نرى ان الضوء الابيض يتحلل إلى سبعة ألوان هي من الأعلى الى الاسفل اللون الاحمر والبرتقالي والأصفر والاخضر ، والازرق والنيلي والبنفسجي ، ان هذه الالوان السبعة هي التي تتشكل في قوس قزح وهي التي تتشكل بالتحليل الطيفي الذي ذكرناه ، ولقد تبين ان هذه الالوان السبعة من مزيجها يتشكل اللون الابيض فيما إذا قمنا بتجربة أخرى معاكسة لها وهي جمع الالوان المتشكلة بعدسة مقربة فنرى تشكل بقعة لونية بيضاء مرة أخرى ، ولقد وجد أن لهذه الالوان أطوال موجات معينة ، تبدأ من الاحمر حيث تكون طول الموجة ( ٦٢٠ ـ ٧٦٠ ) ميلي مكرون ، وتنتهي بالبنفسجي وطول الموجة ( ٣٩٠ ـ ٣٤٠ ) ميلي ميكورن. والعين تميز ما بين هذه الحدود حوالي (١٢٨) لون

٢١٨

أساسي أو ما يسمى بالنغم اللوني ، ولقد وجد أن لكل لون تواتر معين ، أي عدد اهتزازات الموجات في الثانية(١) ، واصغر التواترات هي اللون الأحمر حيث تبلغ ٤ × ١٠ ١٤ هزة ثانية أي ٤٠٠ مليون هزة في الثانية الواحدة ، وأما اللون البنفسجي فيبلغ تواتره ٧٨٠ مليون مليون هزة في الثانية الواحدة ، وكل تواتر يصيب العين يولد فيها احساساً معيناً للون ، وبهذا نعرف ان الالوان في تواتراتها التي لا حد لها بين اللون الأحمر والبنفسجي تؤلف عدد لا نهائي من طيوف الألوان المرئية

وفي العين البشرية تتمركز منطقة تمييز الألوان في بقعة تسمى اللطخة الصفراء حيث تزدحم المخاريط بشكل كبير جداً ، وتحتوي المخاريط مادة تساعدها في تمييز الألوان هي اليودوبسين ، والعجيب في المخاريط عدة أمور : منها أولاً اختصاصها بالألوان ، ومنها انها تشتد حساسيتها للالوان حسب درجة الاضاءة ففي النهار تزداد حساسيتها للون الأحمر والأصفر بينما تنقص حساسيتها في الظلام ، وفي الضوء الضعيف للأخضر

__________________

(١) اختلف العلماء في تحديد طبيعة الضوء فمنهم من قال ان الضوء جسيمات مادية سريعة تقذفها الاجسام المضيئة وتتلقاها العين. وقد قال به نيوتن ، وفسر بذلك ظاهرة انعكاس الضوء وافكاره ، وتبدده ، ودراسة المرايا والعدسات والمواشير ، وقال فرينل بفرضية التموج حيث اعتبر أن الضوء ينتشر كما تنتشر موجات الصوت ولكن في وسط غير مادي هو الأثير ، وأعطاه صفات متناقضة ، مثل الطافة والخفة والمتانة والصلابة ، وقال مكسويل. إن الضوء أمواج كهربائية مغناطيسية ، وهي لا تحتاج لوسط حامل تنتشر فيه كأمواج الاذاعة والتلفزيون ، ولكن الكشوف الحديثة قادت إلى الجمع بين فرضيتي الاصدار لنيوتن والتموج لفرينل بشكل معقد ، خاصة وهناك بعض الظواهر المعقدة التي تحتاج لتفسير كما في التداخل ، حيث يؤدي اجتماع ضوئين إلى ظلام!! وحيث تنطفيء بعض ألوان اللو الأبيض وهي ظاهرة الانعراج وظاهرة الانعراج يحدث فيها انطفاء بعض الألوان من الضوء الابيض عندما تمر حول حواجز رفيعة ضيقة مثل قطرات الماء المكونة للرذاذ والتي تظهر في الوان قوس قزح. ١ هـ ،

٢١٩

والازرق ، وكأنها الانشودة السحرية على شاطىء البحر حيث تنطلق النظرات الحالمة مع أمواج البحر المتكسرة الخضراء الزرقاء!!

ولعنا نتساءل : هل كل الكائنات ترى مثل ما ترى؟ لقد وجد ان الشبكية في عيون الحيوانات النهارية مثل الحمام والدجاج تحوي فقط المخاريط ، ولذا فهي ترى اللون الابيض الشديد وبقية الألوان ، وأما الحيوانات الليلية مثل البوم والخفاش فلا يوجد في شبكية العين عندها الا العصي فلا ترى إلا النور الضعيف الابيض فقط وهي ما تناسب الرؤية الليلية ، ولقد وجد ان بعض الحيوانات مثل الكلاب والقطط والماشية لا ترى الالوان مطلقاً ، بل ترى الأبيض والاسود والظلال الرمادية أي أن رؤيتها هي أشبه ما تكون بمناظر الافلام غير الملونة!! وليتصور الانسان نفسه وقد انقلب هذا الوجود إلى اللون الرمادي والاسود والابيض فقط مثل الصور الفوتوغرافية ومحيت الالوان من صفحة الوجود فلم يعد يرى شمس الاصيل ، وغروب الشمس ، وبروغ القمر والغابات ذات الالوان الساحرة ، والطيور بألوانها الرائعة ، والكون بألوانه الفذة ، والزهرة في الربيع ، والنبتة في الحقل ، والثمرة في البستان ، كلها ألوان مع ألوان وجمال مع جمال ، انها ظاهرة الجمال في هذا الوجود( ولقد جعلنا في السماء بروجاً وزيناها للناظرين ) ( وأنبتت من كل زوج بهيج ) ( أمن خلق السموات والارض وأنزل لكم من السماء ماء فانبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها أإله مع الله بل هم قوم يعدلون ) سورة النمل.

وبين الحين والآخر يطلعنا الله تعالى على نعمه العظيمة فهناك الأمراض التي تصيب العين بعمى الألوان مثل مرض دالتون حيث لا يميز المصاب اللون الاحمر ، واللون الأخضر بشكل أضعف ، والمرض المسمى ( دي تانوبيا ) حيث يحدث عكس مرض دالتون أي عدم تمييز اللون

٢٢٠

الاخضر ، واللون الأحمر بشكل أخف ، وهناك المرض المسمى ( تري تانوبيا ) حيث لا يميز المصاب ولا يتعرف على اللونين الأزرق والبنفسجي وهناك العمى اللوني الكامل حيث يفقد تمييز الألوان كلها فيرى مثل رؤية الماشية والقطط!!( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ، ورزقناهم من الطيبات ، وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) .

والجدير بالذكر ان من جملة أسباب عمى الألوان : التسمم الزمن بالتبغ والخمر!! لقد وجد ان الالوان الاساسية هي ثلاثة الاحمر والاخضر والازرق أو البنفسجي ، كما وجد ان الالوان الضوئية إذا مزجت مع بعضها بنسب معينة أعطت النور الابيض مثل مزج الاحمر مع الاخضر المائل للزرقة وكذلك مزج الاصفر البرتقالي والازرق الخفيف ، ويجب أن نفرق هذه الظاهرة والتي تسمى بظاهرة انصهار الألوان عن ظاهرة مزج المواد الصباغية حيث يؤدي مزج اللون الاصفر والازرق إلى اخض ، بينما يؤدي على مستوى الضوء إلى اللون الابيض ، إن هذه الظاهرة اعتمد عليها في كيفية رؤية الألوان في العين ، فالمخاريط على ما يبدو حساسة للألوان الثلاثة الاحمر ، والاخضر ، والأزرق ، وتأثر أحد هذه الالوان يتبعه تأثر بشكل أخف للونين الباقيين أي أن موجات لون معين يؤثر على بعض المخاريط بشكل مكثف وعلى المخاريط التي تتلقى بقية الالوان بشكل أخف ، وإذا نبهت المجموعات الثلاثة سوياً وبالتساوي حصل الإحساس باللون الأبيض ؛ ولكن إذا فسرت هذه النظرية عمى الألوان وبعض المشاكل الأخرى فهل انتهى الموضوع؟ إن قشر المخ يشترك أيضاً في تحليل الالوان حسب ما تنقل الالياف العصبية من تأثرات بالألوان المحيطية ، وقشر المخ يحللها ويركبها ويفهمها على النحو المناسب ، وكأن قشر المخ لوحة فنان للالوان ، ومختبر تحليل

٢٢١

للالوان ، ونفسية شاعر متأثرة بالالوان ، ومعمل فذ لانتاج كافة الالوان بمزج الالوان المختلفة لتحصيل لون جديد.

هذه إشارات عابرة حول فكرة الالوان ومحاولة فهمها.

ـ 9 ـ

حدود الحواس :

وختاماً لبحث هذه الحاسة العظيمة نقف عند عتبة خطيرة وهي محدودية الحواس ، إن البصر له حدود لا يتجاوزها كما ذكرنا في الشروط الاربعة لرؤية شيء مهم ، كما أن نفس الشيء المرئي إذا ابتعد أكثر من اللازم لم يعد يرى وإذا اقترب أكثر من اللازم تشوشت رؤيته ، وهي ما تعرف بنقطة المدى ، ونقطى الكتب ، والالوان المرئية لها طيوف يمكن للعين أن تبصرها ولكن هناك إشعاعات عديدة ، لا تراها العين ، ولا يدركها البصر ، إن هذا يجعلنا نقول ان هناك أشياء غير منظورة في هذا الكون ، فهناك إشعاعات مجهولة ، وطاقات خبيئة وقوى خفية ، ولكن الانسان كما يستوعب المرئيات ببصره ، والمسموعات باذنه والمحسوسات عامة بحواسه ، كذلك فإنه يستوعب اللا محسوسات بذهنه والمحسوسات عامة بحواسه ، كذلك فإنه يستوعب اللا محسوسات بذهنه المتقد الجبار ، ان النفس الانسانية عالم فسيح ، ففيها ما تدركه الحواس وما لا تدركه الحواس ، فيها الواقعية والخيال ، فيها الماديه والروح ، إن هذه المعاني والحقائق الجميلة تلقي ظلا هادئاً خاشعاً على الآيات القرآنية( فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون. انه لقول رسول كريم ) سورة الحاقة( لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخبير. قد جاءكم بصائر من ربكم ) سورة الانعام( وقال الذين لا يرجعون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربنا لقد استكبروا

٢٢٢

في أنفسهم وعتوا عتواً كبيراً ) سورة الفرقان( وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله ) سورة البقرة.

إن هناك عوالم غير مرئية كالجن والملائكة ، وعندما يأتي المنكرون ليبحثوا هذه القضية يخونهم ذهنهم العلمي كالعادة!! فإذا كانت هناك الطيوف المرئية والطيوف غير المرئية وهناك الإشعاعات اللونية المبصرة ، والإشعاعات غير المبصرة ( مثل الأشعة تحت الحمراء وفوق البنفسجية ، واشعة غاماً وألفا ، والأشعة السينية وسواها ) ، وإذا كانت هناك قوى نشعر بآثارها دون أن نراها كقوى الجاذبية ، والمغناطيسية ، والكهربية ، والاشعاعات الكونية ، أفلا يحق لأولئك أن يشغلوا ذهنهم العلمي أمام هذه النقطة حتى يؤمنوا ولكن( ولو أننا نزلنا اليهم الملائكة ، وكلمهم الموتى ، وحشرنا عليهم كل شيء قبلاً ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله ، ولكن أكثرهم يجهلون ) سورة الانعام

القصة الرائعة الجميلة عندما طلب موسى من ربه الرؤية تعلمنا بعض الاسرار التي كنا نبحثها( ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال رب أرني أنظر اليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فان استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً ، فلما أفاق قال سبحانك تبت اليك وأنا أول المؤمنين ) سورة الأعراف

فيا أيها القارىء الكريم انظر معي إلى العين هذه الحاسة التي نبصر بها ، إن فيها ثلاث جدران ، منطقة للأبصار ، وجدران للتغذية والحماية والجمال ، وفيها سائلان احدهما ثابت والآخر مثل الدوامة يفرغ ويفرز ليل نهار ، وفيها بللورتان واحدة أمامية ثابتة والثانية خليفة متبدلة ، وفيها واجهة للجمال وحماية للعين من النور الساطع وهي القزحية ، وفيها غدد من شتى الأنواع للدهن والمفرزات والترطيب والتطهير والحماية ،

٢٢٣

والدمع ، وفيها أقنية وممرات شتى لتصرف السوائل والدمع ، وفيها سبع عضلات للتحريك المتزن واسدال الستار ورفعه امام الرؤية وهو الجفن العلوي ، والجفن العلوي فيه سبع طبقات احداها تشكل قالب الجفن وهو الظفر الجفني ، وفي العين (30) ثلاثون شرياناً مغذياً ، وثلاثة أعصاب محركة ، وعصب ينقل الحس ، وعصب ينقل المبصرات عبر شريط يضم نصف مليون ليف ، وهذه الالياف تنقل المبصرات من (140) مليون عصاة و ( 7 ملايين مخروط ) ، وبعد ذلك الوسادة الشحمية التي ترقد عليها العين والجدار العظمي الذي يغلفها من كل جانب ، والمرتفعات العظمية الثلاث التي تقف كأبراج المراقبة والرصد ، أو كأن العين هي الجندي في الخندق العميق ، أفكل هذا : من حماية العظام ، وضيافة الشحوم ، وعدد العضلات ، وروعة المبصرات ، ودقة التجهيزات وتصريف القنوات ، وجريان الينابيع والشلالات وتغذية الشريينات ، وتصريف الاورده والبلغم لم يدل على الخالق العظيم!!! ..

حاسّة الشم

ما زال موضوع الشم حتى الآن محيراً للعلماء فما هي طبيعة الروائح التي نشمها؟ وما علاقة الرائحة بالتركيب الكيماوي للمادة؟ وهل هناك روائح أساسية وتشتق منها بقية الروائح عن طريق المزج بين اثنين أو أكثر من هذه الروائح الاصلية بنسب متفاوتة؟ وما علاقة الرائحة بالروح؟ وكيف تفهم الخلايا العصبية الروائح وتميز ما بينها؟

درس العلماء حاسة الشم واعطوا بعض المعلومات الاولية البسيطة في هذا البحث ، فلقد وجد أن حاسة الشم تتركز في الانف وخاصة في القسم العلوي من الانف ، فلو نظرنا إلى جدار الانف الداخلي لوجدنا

٢٢٤

فيه ثلاث قطع عظمية مغلفة بغشاء مخاطي يعلو بعضها البعض وتسمى القرينات ، وكأنها القرون الصغيرة في هذا المكان ، وهو تشترك في عملية تسخين الهواء أثناء مروره بالأنف ، فإذا نظرنا إلى ما فوق القرين العلوي رأينا المنطقة الشمية بمساحة تبلغ ( 250 ملم 2 ) ، في هذه المنطقة تتوزع ألياف العصب الشمي بعد أن تجتاز سقف الأنف من خلال صفيحة مثقبة كالغربال هي الصفيحة الغربالية ، وتتوزع هذه الألياف العصبية بحيث يكون لكل خلية شمية ( 6 ـ 8 ) أهداب تغطس في سائل مخاطي يعلوها ، فإذا وصلت الروائح الشمية إلى تلك المنطقة انحلت في السائل المخاطي أولاً ثم في المواد التي تحويها تلك الاهداب وهي من طبيعة دسمة تساعد على حل المواد الكيمياوية.

وهكذا نرى أن عملية الشم هي اشبه ما تكون بعملية كيمياوية بينما طبيعة الصوت تقوم على قواعد فيزيائية ، وأما الضوء فهو أعقد بكثير.

والآن كيف نفسر الشم وعلاقته بالمواد الكيمياوية؟ لقد وجد أن هناك بعض المواد الكيمياوية التي تختلف من ناحية التكوين اختلافاً جذرياً جوهرياً ومع ذلك فإنها تعطي نفس الرائحة مثل ( رائحة الكافور وكحول السيليكونونيل ، والديورين ) فكيف سنفسر الشم إذن؟ ان آخر نظرية طرحت هي التي قدمها آمور على (1964) وتسمى بالنظرية الفراغية الكيمياوية فالمواد كما يبدو تنحل في الأهداب الشمية بحيث تنحل كل مادة في شكل هندسي يناسبها ، وكأن الروائح هي الضيف العريز ، فالمقعد للشخص ، وعلاّقة الثياب من أجل معطفه ، وعند العتبة المكان الملائم لحذائه ، وعلى الأرض الفرش اللازم لتمديد رجليه المتعبتين ، والحمام بشكله المناسب لكي يغتسل!!! فالروائح سبعة أساسية وبقية الروائح هي مزيج من هذه الروائح بنسب متفاوتة ، وهكذا فمكان استقبال الروائح الاتيرية متطاول بشكل حوض السباحة في

٢٢٥

الحمام ، والروائح المسكية لها مكان استقبال يشبه البركة المستديرة ، والروائح الزهرية لها مكان استقبال يشبه المفتاح ، والروائح الكافورية كأن مكان استقبالها طاسة الحمام!!! وهناك الروائح النعناعية والروائح الكريهة. وهكذا فاننا نشم رائحة الثمار ، والعسل ، والكافور ، والازهار ، والعطور ، والثوم ، والبصل والتبغ ، والمسك ، والجبن ، والطعام الشهي ، ورائحة اللحم الفاسد والنباتات المتفسخة!! وإذا كان الجو عابقاً برائحة طيبة فإن الانسان يشعر بالرائحة في الدقائق الثلاث الأولى ثم تبطل حاسة الشم ، ولعل الكثيرين منا شعروا بهذا الشيء عندما دخلوا وسطاً فيه رائحة طيبة أو كريهة.

إن الالياف تصعد إلى المخ حيث تستقر في منطقة أولى هي البصلة الشمية ثم تنتقل إلى مناطق أخرى مثل تلفيف حصان البحر ، وقرن آمون والجسم المشرشر إلخ ) وتمتاز بارتباط خاص مع مناطق كثيرة في المخ ، ولذا تشترك الرائحة مع إثارة شهية الطعام ، وتحريك الدوافع الجنسية ، كما تقوم بتأثيرات روحية مهمة ( يسن استخدام الطيب يوم الجمعة ) كما تشترك بأفعال الذاكرة ، وقوة الشم تزداد عند بعض الحيوانات مثل الكلاب مما يجعلها تتبع الاثار واكتشاف آثار الجريمة احياناً ، وتؤثر الرائحة ولو كانت بكمية زهيدة جداً فلقد وجد ان تأثير رائحة عطرية مثلاً تؤثر بتركيز يبلغ 34 و 4 × 10 ـ11 ملغ في كل سم 3 من الهواء أي ان الرائحة تؤثر فيما إذا بلغت حوالي خمسة اجزاء من (100) مليون

تمثيل لاشكال الجزئيات التي يقاله انها تسبب الاحساسات الشمية الخمسة الاول حسب النظرية الفراغية الكيميائية عام 1964 نظرية آمور

٢٢٦

مليون من الغرام في السم 3 ، وهكذا فان هذه الحواس عند الانسان هي نوافذ مدهشة حساسة بديعة رائعة دقيقة محكمة تصل الإنسان بالعالم الخارجي ...

حاسة الذوق

يعتبر الذوق من الحواس التي تستقر في اللسان وباطن الفم ، ويتحسس اللسان بأنواع مختلفة من الطعوم تبلغ ستة أنواع : الحلو والمر ، والمالح ، والحامض ، والطعم المعدني ، والقلوي وهذه المذاقات وبنسب مختلفة ، وهناك التقاء ما بين الطعم والرائحة حيث تؤثر بعض المواد برائحتها وطعمها فتسبب ما يسمى بالنكهة ، كما أن نفس هذه الطعوم والمذاقات تتوضع على اللسان في أمكنة محددة ، فالطعم الحلو تتوضع نتوآته الذوقية في مقدمة اللسان ، والطعم المر في مؤخرة اللسان ، وأما المالح فيتوضع على جوانب اللسان وذروته ، كما تحس به معظم أعضاء الفم ، مثل الشفتين والحنك وباطن الخدين ، وقع الفم ، وأما الطعم الحامض فيتوضع على جوانب اللسان.

وهذه النتوآت الذوقية عجيبة ومدهشة في تركيبها ، فهي تكون في اللسان ما يشبه الكهوف الصغيرة العديدة حيث تكون فتحة البرعم الذوقي صغيرة وتتمادى مع سطح اللسان وفي داخل البرعم ترقد الخلايا الذوقية وهي ترسل أهدابها التي تتحسس الذوق ويدخل العصب الذي ينتشر بأليافه من قاعدة هذه الكهف الذوقي وفي داخل هذا الكهف نرى الخلايا الحسية والخلايا التي تسندها ، والخلايا التي تحيط بالبرعم الذوقي ، وتتوزع البراعم الذوقية في الحليمات اللسانية ، والحليمات اللسانية

٢٢٧

ثلاثة أنواع ، الحليمات الخيطية ، والكمئية ، والحليمات الكأسية ، ولقد

 

وجد أن البراعم الذوقية تصل أحياناً في الحليمة الواحدة إلى (250) برعم ذوقي ، ولقد قدر البعض أن عدد النتوآت ( البراعم ) الذوقية في اللسان تصل إلى حوالي(9000) برعم ذوقي تنقل طعم الأكل ، بأنواعه الأساسية وهي الحلو والحامض والمر والمالح ، كما تنقل أنواعاً متباينة من المذاقات ، فأنت تشعر بطعم الفاكهة من البرتقال ، والتفاح ، والموز والكرز ، والمشمش ، والأجاص ، والخوخ ، وطعم الخضروات من البندورة ، والخس ، والخيار ، والجزر والكوسا ، والباذنجان ، وبطعم الخبز ، والثريد ، والأكل اللذيذ ، من اللحم والدمس والمرق ، إلى أنواع لا يحصيها العد ، ولا نريد أن نسترسل فيها حتى لا يسيل لعاب القارىء!!.

ولننظر الآن إلى هذا اللسان العجيب الذي يحتوي على (17) عضلة للحركة ، وعلى غشاء مخاطي يغلفه ، وعصب خاص لتحريكه في كل نصف ، أي عصبان رأسيان هما العصب تحت اللسان الكبير في كل

٢٢٨

جانب ، و (6) ستة أعصاب لنقل الحس ، ثلاثة في كل جانب هي : ( العصب اللساني لنقل الحس من مقدمة اللسان ) و ( العصب البلعومي اللساني من مؤخرة اللسان ) و ( العصب المبهم من البلعوم والمزمار ) ، وهذا اللسان ترقد فيه من النتوءات والبراعم الذوقية الآلاف ، ويحس بالاطعمة من شتى المأكولات ، وهو بعد كل هذا يستخدم في المضغ ، والبلع ، والذوق ، والتصويت فأي ممثل عجيب الذي يقوم بكل بهذه الأدوار. ولقد بلغت دقة التأثر في الذوق أن اللسان يحس بالطعم المر ولو بلغ تركيزه على اللسان أربعة أجزاء من مائة ألف ، وهو مع ذلك المكان الذي تخرج منه حروف كثيرة للنطق( لقد خلقنا الانسان في كبد. أيحسب الن يقدر عليه أحد ، يقول أهلكت مالا لبداً. أيحسب ان لم يره أحد ، ألم نجعل له عينين ولساناً وشفتين ، وهديناه النجدين ) سورة البلد( يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون ) .

فيا أيها القارىء العاقل انظر وتأمل ، ان القلب ليخشع ، وان العين لتدمع ، وان العقل ليركع ، أمام هذه الآلاء العظيمة( فبأي آلاء ربكما تكذبان ) سورة الرحمن.

٢٢٩

اُجراس الإنذار في الجسم البشري

ما هو السير في الألم؟ كيف نحس بالحر والبرد؟ كيف نشعر بالآلام البطنية؟ كيف نعين الشيء الذي نلمسه بأصابعنا ، وما هي حاسة اللمس؟ كيف ينتقل الحس العضلي؟ إن هناك شبكة مخابرات هائلة منتشرة على مستوى سطح الجلد والطبقة التي تحته مباشرة!! وهي تنقل الإحساسات من العالم الخارجي ، وهكذا تتعاون الحواس جميعاً في تفهم المحيط الخارجي. إن انتشار الأعصاب تحت الجلد شيء لا يكاد يصدق ، وتنتهي الألياف العصبية بجسيمات خاصة يختص كل نوع منها بنقل حس معين ، فهناك جسميات تنقل الحر ، وأخرى تنقل البرد ، وثالثة للمس والضغط ، ورابعة الحس الآلم ، وخامسة تختص بنقل الحس العضلي أو ما يسمى بالحس العميق(1) ، وهكذا تتنوع الإحساسات وتتباين ، وهذه الجسيمات تتباين في أشكالها فهي أما بشكل سلال ، أو دوائر متحدة المركز فيها خط ، أو متطاولة مع ألياف عصبية متفرعة فيها وتبلغ في تعدادها أرقاماً هائلة فهناك ( 3 ـ 5 ) ملايين جهاز حسّاس للألم و ( 000 ,200 ) جهاز حساس للحر

__________________

(1) وجدت جسيمات مختصة بانماط الحس المختلفة مثل جسيمات دو جيل ومايستر للمس وشبكة لانفرهانس الألم ، وجسيمات روفيني للحر ، وجسيمات تومساً للبرد ، وجسيمات بانيني وواغنر للمس السطحي والعميق ، وجسيمات غولجي مازوني للمفاصل والاوتار.

٢٣٠

و (000 ,500) جهاز حساس للمس والضغط ، حتى يمكن أن يقال أن الجلد البشري ما هو إلا سطح يغطي شبكة هائلة من الألياف العصبية ، وهذا الجد عبارة عن خارطة مدهشة لتقاسم الأعصاب السيطرة عليها ، بحيث إن هناك (62) عصباً يسيطر على الجسم ـ عدا الرأس ـ وتنقل الحس منه ، وفي الرأس (14) عصباً ، أي أن هناك (76) عصباً تسيطر على مساحات الإحساس في الجسد البشري.

ولنحاول الآن أن نفهم شيئاً عن عمل هذه الأجهزة المعقد ، وأبسطها ما يسمى بقوس الانعكاس ، فأنت أيها القارىء إذا لامست شيئاً ساخنا فإنك تبعد يدك لا شعورياً وبدن إرادة منك وبسرعة تبلغ جزء من مائة من الثانية ، إن هذا يتم بواسطة نقل التنبهات عن طريق الأعصاب الحسية التي تصل إلى المنطقة الخلفية من النخاع الشوكي حيث تبلّغ الأخبار إلى الخلايا ، وقتوم الخلايا بالاتصال بالمنطقة الأمامية من النخاع حيث ترقد مفاتيح السيطرة على العضلات في خلايا القرون الأمامية ، ومن هناك تنطلق الأوامر إلى الأعصاب المحركة للعضلات المناسبة فتنسحب اليد بسرعة مدهشة وبشكل انعكاسي ، ولذا يسمى هذا الفعل بالقوس الانعكاسي

وبواسطة الجسيمات الحسية التي تنقل حس البرد والحر يحدث التوازن الحروري في الإنسان والذي يبقى عند درجة معينة لا يتعداها وهي (37) درجة مئوية ، وإذا هبطت الحرارة إلى ما دون الـ (25) درجة مئوية دخل الجسم في حالة تخدير وفقد الحس ، وهكذا فإننا نرى أن الحس له قواعد تنظمه ونواميس تسير أمره ، فمثلا إذا ارتفعت حرارة الجسم بدأ يتضايق منها ثم يدخل في مرحلة الألم من الحرارة ، ثم يصل الألم إلى ذروته ، ثم لا يتعدى هذا الحد فمهما زاد الحر حتى لو احترق الجلد فإنه لا يتعدى تلك الحدود القصوى التي وصلها ، وكذلك فان

٢٣١

الجسميات التي تنقل حس البرودة وهي جسيمات تومسا ، ترسل صيحات الخطر ، وإشارات الإنذا وتدق أدراسه ويزداد الأمر حتى يصل إلى

درجة يقف عندها ويتخدر الجسم ، ولذا فإنه من جملة طرق التداخل في العمليات الجراحية هي التبريد(1) ، حيث يعمل الجراح على قاب

__________________

(1) ان الخلية العصبية تعيش خمس دقائق بدون اكسجين ولكن التبريد إلى الدرجة 28 مئوية يزيد من عمرها إلى ثلث ساعة ، وتبريدها الى (10) مئوية يطيل في حياتها نصف ساعة ، ولكن الهبوط من الدرجة 28 الى ما دونها يعرض القلب للرجفان والموت ولكن النزول السريع في درجة الحرارة يقي من الرجفان.

٢٣٢

ناشف غير مدمى كما في عمليات الجراحة القلبية ولقد وجد أن أشد الألم كما في الحرق مثلاً يتوضع في الجلد السطحي بحيث أن الحرق إذا أصاب المناطق العميقة فإنه لا يؤلم بنفس الشدة ، وهذا يذكرنا بالآية القرآنية( كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب إن الله كان عزيزاً حكيماً ) سورة النساء.

إن شدة الاحساس وضعفه تتوزع في الجسم حسب الوظيفة التي يقوم بها العضو فهي في الشفتين والاعضاء التناسلية أشد ، وفي القرنية وهي بللورة العين الأمامية شديدة الحساسية وللألم بوجه خاص ، ولذا يستخدم المنعكس القرني لفحص سلامة الأعصاب حيث تمرر شعرة أمام القرنية فيلاحظ إطباق الأجفان السريع لحمايتها ، أما أخمص القدم فهو ضعيف الإحساس ، بينما أنامل اليدين تمتاز بمنتهى الحساسية لأنها مراكز تحسس الموجودات ، وهكذا يشعر الإنسان بالبرد والحر حيث تمثل فيه أجراس الإنذار فيقي نفسه من البرد والحر ، ولولا هذه الخاصية لهلك الإنسان من البرد والحر ، ولكنه مع هذا متزن في حرارته مهما تقلبت الظروف الجوية التي تحيط به.

إن الجسيمات الحسية هي أشبه بميزان الحرارة الخارجي الذي يقيس درجة حرارة الجو أو برودته ، ثم يرسل هذه الأخبار عبر نبضات عصبية كالتلغراف وفي ألياف لا يتجاوز قطرها 1/4000 من البوصة وبسرعة تبلغ (200) ميل في الساعة أو أكثر ، وعندما تصل الانباء إلى مراكز القيادة في مناطق ما تحت السرير التي تكلمنا عنها فيما مضى ، يدرس الأمر ويفهم ثم ترسل الأخبار والاوامر بمنتهى السرعة إلى العروق الدموية السطحية وإلى الغدد العرقية ، حيث يكثر ورود الدم وإفراز العرق وبالتالي زيادة الاشعاع الحراري ، والتبخر المائي ، مما يوازن الحرارة

٢٣٣

من جهة كما يبرد الجسم من جهة أخرى ، وكل هذا بفضل الماء الذي يتمتع بهذه الخواص وهكذا تتزن حرارة الجسم ، ويستقيم أمره ، وتصلح أحواله على كل نحو.

وأما جسيمات اللمس فهي أدق ، فعن طريق تلمس الموجودات تشعر بسطحها الخارجي ، وهكذا يميز الإنسان ما بين الناعم والخشن ، والاملس والجعد ، وباللمس يعرف الشيء الذي تقع يداه عليه ولو كان مغمض العينين ، وهكذا يميز الانسان ما بين الورقة ، والقلم ، وقطعة النقود ، والكتاب والطاولة والجدار ، وسائر الاشياء والموجودات!! والمستقبلات العصبية هنا تتأثر بشكل آلي على ما يبدو ، وهكذا تتناسق الحواس مع المحيط الخارجي بشكل بديع ، فالعين مع الضوء ، والأذن مع الصوت ـ وتقوم على القواعد الفيزيائية ـ والشم والذوق على المستقبلات الكيماوية ، وهذه المستقبلات آية فكيف تنوعت استجابات هذا الكائن البشري الذي الذي حوى من الالغاز والاسرار ما يدهش الالباب( لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) سورة التين.

وأما الجسيمات التي تنقل حس الالم فهي أعجب وأعقد ، فكيف تنقل الالياف العصبية كل هذه الاخبار المختلفة وكأنها الألوان المتباينة ، أو الطعوم المختلفة ، وكيف يدرك الدماغ معنى الالم؟ إن الطب يخبر ولكنه يقف عند عتبة الشرح والتفسير وكأنه سيدخل دغلاً سحرياً لا تكف أشجاره ، وموجوداته عن التغير في كل لحظة

وأما الجسيمات التي تنقل الحس العميق فهي تنقل أخبار العضلات والمفاصل والعظام والاوتار بحيث أن أي خلل بخبر عنه في منتهى السرعة ويعدل على الكيفية المناسبة ، فأنت الآن أيها القارىء لعلك جالس على مقعد مريح ولكن هل تعرف كيف تتناسق عضلات وجهك وجذعك في هذه اللحظة ، إن أكثر من خمسين مفصل ومائتي عظم ، وما يزيد

٢٣٤

على مائتي عضلة تتحكم في اتزان وضعك هذا ، ولولا هذا الاتزان لسقطت منبطحاً على الأرض ، فمن يوازن كل هذه الاشياء؟ إن الحس العميق هو الذي ينقل الاخبار إلى المراكز العليا ثم يشتسرك المخيخ مع الحس العميق مع دهليز الاذن في تحقيق التوازن والقضاء على الفوضى وعدم الاتزان.

ومن خلال دراسة هذه الحواس العظيمة في الإنسان وفي الكائنات الأخرى استطاع العلماء ابتكار أشياء جديدة ، مقلدين بذلك هذا الوجود وكيف تسير نواميسه ، ومن هذه الأشياء نذكر شيئين : الأول ما يتطق بالمستقبلات الحرارية ، والثاني بما فوق الأصوات ، فلقد مر معنا أن الانسان يسمع الأصوات التي تتراوح ذبذباتها ما بين (16) هزة إلى (20) ألف هزة في الثانية الواحدة ، وإذا تجاوز الرقم الأخير عجز الإنسان عن السماع ، وتسمى بما فوق الأصوات وهي تتعلق بحدة الصوت ، فلقد وجد أن هناك حيوانات لها من قوة إرهاف السمع ما يفوق الإنسان مثل القطة التي تسمع الأصوات التي يبلغ تواترها (50) ألف هزة في الثانية ، والفار يسمع الأصوات التي يبلغ تواترها (40) ألف ، والشمبانزي (33) ألف ، وأما الخفاش فهو أعجب الحيوانات في هذا المجال حيث يسمع (120) ألف هزة في الثانية الواحدة ، ومن جملة أسرار الوجود العجيبة ، هذا الكائن الذي قلده العلماء في اكتشاف جهاز الرادار ، فهو حيوان ليلي يعيش في الكهوف وينشط في عمله اثناء الظلام فلا قيمة للرؤية في هذا الوسط ، ولذا فهو يبعث صرخات ما فوق الصوت ثم تنعكس إليه ثانية فيسمعها بأذنيه الكبيرتين ، وهكذا يقدر بدقة بعد الأشياء والفرائس عنه مع تحديد اتجاهها بشكل رائع ، وكل هذا بفضل قدرته على سماع التواترات العالية ، ومبدأ الرادار في اكتشاف الطائرات من الناحية المبدئية يعتمد على نفس الفكرة.

٢٣٥

وأما المستقبلات الأخرى فهي المستقبلات الحرارية عند نوع من الثعابين هي ( الأفعى المصوتة ) أو ( الثعبان المصوت ) فهو يملك في الحفر الوجهية التي عنده نوعاً من المستقبلات الحرارية هي انتفاخات تحيط بنهايات الأعصاب ويبلغ عددها ( 500 ـ 1500 ) واحدة في الملم 2 من الحفر الوجهية ، وبهذه الطريقة يمكنه أن يكتشف خلال ( 5/0 ) نصف ثانية جسم فأر تزيد درجة حرارته ( 10 5 ) عشر درجات مئوية عن المحيط ، ويبعد (40) سم عن الثعبان ، إن هذه الطريقة العجيبة في تحديد الكائنات الحية التي تبعث بالحرارة الغريبة ، وقد استخدم نفس المبدأ في صواريخ الهوك التي ، تلحق الطائرات التي تولد الحرارة بشكل طبيعي أثناء تحليقها أو هجومها ، باعتبارها تحرق وقوداً ولا تطري بدونه

والآن إلى بحث شيق من أبحاث الترابط في الجسم وهو بحث الغدد الصم

الغدد الصّمّ الداخليّة

سميت هذه الغدد بالغدد الصم لأنها تلقي بمفرزاتها إلى الوسط الداخلي ، أعني الدم ، ولذا فهي صم مغلقة ، وهذه الغدد صغيرة في حجمها ووزنها ، ولكنها كبيرة في فعاليتها وتأثيرها ، وهي تكوّن ما يشبه الملك الذي يتربع على العشر ممثلاً في الغدة النخامية ، وبقية الوزراء الذين يسيطرون على فعاليات الجسم ويصرفون أمورها ، فالغدة النخامية هي التي تسيطر على فعالية بقية الغدد في الجسم ، وهي تترابط مع الإدارة العامة ، أي الدماغ

إن إدارة أمور البدن تتم بكيفيتين : الأولى سريعة عن طريق

٢٣٦

الأعصاب ، والثانية بطيئة عن طريق الأخلاط الداخلية التي تنقل الهورمونات المؤثرة ، وبهذه الكيفية يتزن البدن أمام الأمور مفاجئة السريعة ، ومع ظروف المحيط المتقلبة ، وهذه الهورمونات أو الحاثات لها مراكز خاصة للإفراز تسمى الغدد الداخلية وتبلغ في الوزن مائة غرام لكل الغدد وتعتبر الغدة النخامية ملكة الغدد الأخرى ، أو دماغ الغدد الأخرى ، أو هي مفتاح للأخلاط البدنية ، وهذه الغدة ترقد في تجويف عظمي في أسفل عظم القحف ، ويسمى بالسرج التركي ، وتبلغ في الوزن حوالي نصف غرام ، وفيها ثلاث فصوص ، أمامي وخلفي ومتوسط ، ومن هذه الفصوص الثلاثة تفرز (10) عشرة هورمونات حسب آخر التقارير العلمية ، وهذه الغدة تقع من ناحية التشريح العصبي أسفل السرير البصري ، ولذا فهي تتصل بمناطق ما تحت السرير ، وهكذا فإن مركز القيادة العامة يستقر في الدماغ ، ومن هذا المركز يحدث الاتصال مع ملكة الغدد ، وهذه بدورها تفرز الهورمونات التي تحث البدن على القيام بوظائفه. وهنا نتساءل : كيف تؤثر هذه الهورمونات أو الحاثات او الرسل النخامية فتقنع الغدة الدرقية والمبيض والخصية وقشر الكظر والعظام والمفاصل والعضلات والثدي والجلد والعروق الدموية وعضلة الرحم والكلية ، أقول : كيف تقنع كل هذه الأعضاء ، وبكم من اللهجات واللغات ، حتى تنشط وتشتغل؟ فإذا بالدرق يفرز التيروكسين ، وإذا بالمبيض يهيء البيضة الانسانية التي تعتبر نقطة إنطلاق تخلّق الانسان ، وإذا بالخصية تهيء الحيوانات المنوية ، وإذا بقشر الكظر يفرز قرابة ثلاثين هورموناً لينظم الشوارد المعدنية والماء والسكر في الدم كما ينظم ضغط الدم ، وإذا بالعظام والمفاصل والعضلات تنمو بشكل متناسق متكامل حتى توصل الطفل الصغير إلى مرحلة الشباب والنضارة والقوة ، وإذا بالثدي يفرز الحليب شراباً سائغاً للطفل يبني جسمه وعظامه ودماغه ودمه وأخلاطه وغدده ومفرزاته ، وإذا بالجلد يفرز صباغاً خاصاً

٢٣٧

يلون الجلد بما يناسب حرارة المحيط ، ومقدار نوره ، وهكذا نرى الجلد الأبيض والأسمر والحنطي والأسود ، وإذا بالعروق الدموية تتوسع وتتقبض بما يناسب حاجة البدن ، وإذا بعضلة الرحم تتقلص وبشكل منتظم وفي وقت معين حتى تخرج الجنين إلى درب الحياة ، وإذا بالكلية تمتص المفرزات وتنظم السوائل وتعدل المعادن وتفرز النشادر ، وتطلق الهيدرجين ، فكيف تمكنت هذه الملكة العظيمة أن تتحدث بكل لهجات ولغات شعبها المطيع!! لا حرج في ذلك فهذا دأب الحكام المخلصين الذين يريدون أن يتفهموا مشاكل شعوبهم حتى يحلوها فالأمير خادم لقومه( إنّا كل شيء خلقناه بقدر ) .

إن أول الغدد التي نبحثها في الجسم هي الغدة النخامية ، وهي تفرز عشرة هورمونات كما ذكرنا ، فما هي هذه الهورمونات وأين تؤثر؟

إن ستة من هذه الهورمونات تفرز من الفص الامامي للغدة النخامية ، وهي كما نرى تؤثر على أعضاء أخرى ، فمثلاً هورمون أو حاثّ الغدة الدرقية يؤثر على غدة الدرق ، بينما غدة الدرق هذه تؤثر على الدم والجسم بمجموعه العام ، وهذا واحد ، والشيء المهم هو الاتزان البديع الرائع في إفراز الهورمونات ، فالشيء الاول أن الإفراز متقطع غير مستمر ، بمعنى أن إفراز هذه الهورمونات يمشي بشكل موجات كأمواج البحر في أخلاط الجسم الزاخرة ، وكأن جسم الإنسان هو خلاصة مكثفة لهذا الموجود ففيه أمواد البحر ويابسة البر وقمم الجبال!!!

والشيء الثاني هو التضاد ما بين الغدة النخامية وبقية الغدد التي تؤثر عليها ، وكأنه هذه الهورمونات أثقال متوازنة في كفتي ميزان يزن أدق العيارات؟ كيف لا والهورمونات تؤثر بمقادير زهيدة جداً تبلغ واحداً من مليون!! وكيف يقع هذا التثبيط والاتزان الرائع؟

٢٣٨

لقد وجد أن مفرزات الغدة النخامية تحرض الدرق ( مثلاً ) على إفراز مادة التيروكسين ، والتيروكسين هو هورمون الغدة الدرقية الذي يقوم بنشاط متعدد الوجوه على مستويات متعددة في البدن سنذكرها بعد حين ، والتيروكسين يقوم بفعل معاكس لهورمون الغدة النخامية ، فكلما زاد إفراز الغدة النخامية زاد نشاط الغدة الدرقية وزاد التيروكسين ، وزيادة إفراز التيروكسين يلجم ويثبط النخامة فكلما زاد التيروكسين في الدم كلما ثبط الغدة النخامية أكثر ، وإذا قل مفرز الغدة النخامية قلّ إفراز التيروكسين وبالتالي تحررت النخامة وزاد افرازها ، وهكذا تمشي هذه العجلة البديعة والحلقة الرائعة من التوازن بين هورمونات الغدة النخامية ، والهورمونات التي تفرز من الغدد التي تحرضها النخامة على الإفراز

إن الفص الامامي من النخامة فيه أنواع متباينة من الخلايا ، وكل نوع من هذه الخلايا يمثل المصنع الذي ال يقف عن الصنع والتحضير وإعداد الهورمونات لإرسالها الى الدوران العام خاصة ، وهناك جملة أوردة كبيرة تحيط بالنخامة أهمها الجيب الاكليلي لانه يشبه الإكليل الذي يلبسه الملك ، ولا عجب في هذا فالنخامة ملكة الغدد كما ذكرنا ، وهذه الهورمونات التي تفرز من الغدة النخامية إلى الدوران معقدة جداً في تركيبها ، فهي تتجمع من عشرات الاحماض الامينية وليست ذرات بسيطة كما يتصور ، كالحاثة المنشطة القشر الكظر وتسمى اختصاراً بـ ( C. A. H. T ) تتكون من اجتماع (39) تسعة وثلاثين حمضاً أمينياً ويبلغ وزنها الذرى (4500)(1) ، ولقد استطاع العلماء تركيبه من الناحية

__________________

(1) تحدثنا فيما مر معنا عن معنى كلمتي ( حمض أميني ) وكلمتي ( وزن ذري ) يرجع اليهما.

٢٣٩

الصنعية ، ولكن ما القول في هورمون(1) النمو الذي يجمع (188) حمضاً أمينياً ووزنه الذري (21500) وحاثة افراز اللبن التي تتكون من اجتماع (206) حمض أميني ، وهورمون الغدة الدرقية الذي يبلغ وزنه الذري (30000) ثلاثين ألفاً ، والحاثات التناسلية التي بلغ وزنها الذري (29) ألف ، كما أن عمر هذه الحاثات التي تفرز من الغدة النخامية قصير ، فهورمون أو حاث قشر الكظر يعيش حوالي (5 ـ 20) دقيقة من نصف عمره الحيوي(2) ، وهورمون النمر يبلغ نصف عمره الحيوي (35) دقيقة ، ومغذي الدرق أقل من ساعة.

وقارن أيها القارىء بين قدرة الخلايا في إنتاج هذه الحاثات بهذه السرعة ، وبين اجتماع العلماء والجهود والاموال والخبرات والمصانع والانكانيات والادمغة من أجل تقليد هذه الخلايا المتواضعة لتركيب حاث صغير عدد أحماضه الامينية (39) وليس (206) أو ثلاثمائة ، لان إنكانيات العلماء والمخابر لم تصل بعد إلى هذا المستوى ، فكيف بتركيب الحلية بالذات فضلاً عن إيجاد ذبابة( يا أيها الناس ضرب مثل فاستمعوا له إن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئاً لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب ) سورة الحج

إن الهورمونات الستة التي تفرز من الفص الامامي للغدة النخامية هي هورمون النمو ويرمز له بالرمر GH ، ويقوم هذا الهورمون بالاتصال بمحطات توليد النمو في الجسم ، وهي العظام والغضاريف

__________________

(1) كلمة هورمون وحاث لهما نفس المدلول ولكن كلمة هورمون هي مستعملة في اللغة الأجنبية ودرج استعمالها في اللغة العربية.

(2) يقصد بنصف العمر الحيوي هي غياب نصف المادة من الدم في هذه المدة من الزمن.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274