الطبّ محرابٌ للإيمان

الطبّ محرابٌ للإيمان14%

الطبّ محرابٌ للإيمان مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 274

الطبّ محرابٌ للإيمان
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105464 / تحميل: 10298
الحجم الحجم الحجم
الطبّ محرابٌ للإيمان

الطبّ محرابٌ للإيمان

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

وأنسجة الاتصال فيتفاهم معها على البذة الجثمانية التي سيكون عليها هذا الكائن ، وفيبدأ العظم في التفاهم مع الدم والكلس والمعادن والأخلاط والبروتينات والشحوم وبقية الغدد على انجاز الهيكل العظمي بشكل يتفق مع الخريطة الهندسية التي أطلعه عليها هورمون النمو ، وكأن هذا الهورمون هو المهندس الذي يصمم الخريطة وبقية الأعضاء هم العمال والمقاولون والبناؤون والعتالون والنقالون الذين يبنون هذه البناية الإنسانية الفريدة ، وهكذا يقوم الهيكل العظمي بشكل متزن من كل جهاته ويساهم معه غضروف الاتصال ، وأنسجه الاتصال في كل البدن.

وأما الحاث الذي ينبه الثدي على إفراز اللبن(١) فهو يطلع غدد الثدي وخلاياها على الطريقة السحرية الغامضة التي يمكن بواسطتها قلب محصول الدم في الخلايا إلى حليب يناسب الطفل من كل جانب ، كما أن نفس الحليب يزداد تركيز المواد فيه مع الزمن بحيث يناسب الولد مع تقدم نموه واشتداد عضلاته ، وقوة مفاصله ، وتدرج تكوينه.

وأما الحاث الثالث فهو الذي يتصل الدرقية(٢) وهو يعلم الدرق كيفية اصطياد اليود من الدم ، وتركيب هورمونات الدرق منه مثل التيرونين والتيروكسين ، والتيروكسين بدوره يفعل كما ذكرنا على مستويين : الأول هو تثبيط مفرز الغدة النخامية ، والثاني على مستوى

__________________

(١) يسمى اختصاراً L.T.H.

(٢) الغدد التي تترابط بشكل مباشر مع النخامة هي الدرق وتقع في أسفل ومتتصف العنق ولا تظهر إلا في الاحوال المرضية ، وغدة الكظر وهي مثل القبعة المثلثة فوق رأس الكلية ، وغدة المبيض وتقع في أسفل البطن والخصية والثدي ، واجهزة النمو بشكل عام ، والهورمونات الستة اختصاراً هي A.C.T.H لقشر الكظر أو مغذي الكظر و T.S.H مغذي الدرق ، و L.T.H مغذي الثدي ، و G.H النمو ، و F.S.H لجريب دو غراف ، و I.C.S.H لخلايا المبيض والخصية.

٢٤١

الجسم ، فهو يؤثر في كل الأجهزة على الإطلاق عدا الدماغ لأنه مركز القيادة ، والطحال لأنه المقبرة الموحشة المنعزلة ، والخصية والرحم لأنهما من اختصاص الغدة النخامية.

وهذا الهورمون أصح ما يقال عنه إنه هورمون الفعالية والنشاط فهو يدفع النشاط والحيوية في كل مسارب البدن ، فالقلب يضرب ، والتوتر يرتفع ، والفعالية تزداد ، والعرق يتصبب ، والصوت يعلو ، والحرارة تتدفق في أرجاء البدن ، والنمو يزداد ، ومنعكسات الجهاز العصبي تزداد ، والكلية تعمل ، ويزداد ادرار البول ، والعضلات تشتد ، والسكاكر تحرق ، والشحوم تذاب في البدن ، والفيتامينات تتكون مثل الفيتامين A من الكاروتين إنها الفعالية والنشاط في كل مستويات البدن. إنها حرارة العمل ، ونشاط الانتاج ، ووهج الحيوية ، ولكن إذا زاد الأمر أو نقص انقلب الأمر بشكل مريع ، وهو ما يعرف بقصور الغدة الدرقية ونشاط الغدة الدرقية ، ففي الأول يسيطر الكسل والخمول على كل فعاليات البدن ، فإذا تحرك نقل المريض نفسه ببطء ، وإذا تكلم كان صوته خشناً خافتاً وكأنه ينبعث من كهف ، وأما وجهه ففيه تعابير البلادة ، وأما قلبه ففيه بطء الحياة ، وهكذا يعم الكسل وينتشر الخمول!! وإذا اشتد نشاط هذه الغدة تدفق العرق من الجسم فلا تصافح المريض إلا ويده رطبة من التعرق ، وتفيض الحرارة على الجسم فيشعر المريض وكأنه في أتون ويتضايق من الحر. ويميل إلى حب البرد ، وإذا تكلم ارتفع صوته واشتد غضبه وحدثت لديه الانفعالات بسرعة وبشدة ، وإذا مد يديه أصابهما الرجفان ، وهكذا تنتشر السرعة ، ويعم الاضطراب العصبي وكأن الحالة الأولى هي القطار البطىء والثانية هي القطار الأهوج السريع!!!

وأما الحاث الرابع فهو الرسول الموقر إلى مملكة الكظر حيث يقابل

٢٤٢

عناصر الدولة في الحدود الأولى ، وهي القشر في الكظر ، وهناك تشرح الخطة التي يجب أن يقوم بها الكظر ، حيث يبدأ بإفراز الهورمونات من ثلاث مناطق ، وبعدد يبلغ الثلاثين هورموناً ، وهي تقوم بثلاث وظائف حيوية : الأولى على مستوى السكاكر ، والثانية على مستوى معادن البدن ، والثالثة في الوظائف الجنسية ، ولذا تسمى هذه الهورمونات : بالقشرية السكرية ، والمعدنية ، والجنسية. وهي تفرز من مناطق اختصاص من منطقة قشر الكظر.

وهذه الهورمونات الثلاثون تقوم بجملة عجيبة في البدن فتعدل الشوارد المعدنية فيه ، وتحسن وظائف أجهزته ، وتحافظ على اتزان أخلاطه ، وتسير أموره ، وتضبط موازينه فيما يزيد على سبعين وظيفة لسنا بصددها الآن ، هذا مع العلم بأن كل الكظر بما فيه القشر واللب لا يتجاوز وزنه سبعة غرامات فقط.

وأما الرسولان الأخيران فهما يرسلان إلى مراكز الجنس ومستودعات الذخيرة الإنسانية ، وهي الخصية والمبيض ، وهناك تشرح الخطة المفصلة لانضاج البيضة الإنسانية وإعدادها للالقاح ، كما يهىء الحيوان المنوي بما يلزمه في الرحلة التي يقطعها عبر الرحم والأخلاط والمفرزات والطرق المتعرجة ، والمسارب الملتوية ، والأحماض والسوائل ، فهو يزود بذنب طويل يساعده على الحركة اللولبية ، كما يفهم كيف يجب أن يمشي وأي الطرق يختار ، وما هي السرعة التي يجب أن يسير بها ، والطريقة التي يسرع بها ، وأنسب ما تكون الحركة اللولبية ، كما يغطى رأسه من الأمام بخوذة مصفحة حتى لا يتأثر بالصدمات والرضوض والضربات ، وهي القلنسوة الامامية ، وحتى يلج بها جدار البيضة التي تنتظره. ثم يزود بعد ذلك بالأدعية أن يحفظه الله في رحلته الميمونة الخطرة!! فكيف علمت وعلمت هذه الهورمونات ، أهو عامل الصدقة؟ أم هو

٢٤٣

قوة النطفة بذاتها ، أم هي القوة المدبرة اللطيفة الحكيمة والعقل المنظم الدافع الذي يبعث الحياة ، ويهب الحكمة ، ويمنح الرحمة ، ويعطي الهداية للكائنات( قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات ايتوني بكتاب من قبل هذا أن أثارة من علم إن كنتم صادقين ) سورة الأحقاف( أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون ) سورة الطور

هذا ما كان من أخبار الفص الأمامي للغدة النخامية ، وأما الفص المتوسط فيفرز حاثاً يتعلق بالجلد حيث يوفد هذا السفير إلى تلك الأصقاع النائية الشاسعة التي تغطي الوجود الانساني كله من مفرق رأسه إلى قدمه ، ولا تنفتح عنه إلا في الفوهات مثل الفم والانف والاحليل والمستقيم ، والجلد في هذه الفوهات يستدير ويفصل بطريقة ملائمة جداً ، ويأتي هذا السفير إلى تلك الاصقاع فيخبرهم بالخطر الذي يتعرض له الجلد من الضياء والحرارة والأعداء الخارجيين ، لذا فان أنسب تلوين يأخذه هو من طبيعة الأرض ولون الأرض التي يعيش عليها ، كما أن المناطق التي تتعرض بكثرة للنور يجب أن لا تبقى بيضاء والا احترقت خاصة في المناطق التي تزداد فيها أشعة الشمس مثل المناطق الاستوائية ولذا يتلون الجلد باللون الأسود ويحدث العكس في المناطق الباردة والمناطق القليلة الشمس.

إن تتظيم الصباغ الذي بلون الجلد يعود إلى هذا الهورمون الحاث حيث يتفاهم مع خلايا قاعدة الجلد على افراز صباغ خاص يسمى بالميلانين ، وهذا الصباغ يلون الجلد باللون المناسب حسب الحرارة ووهج الضياء الخارجي ، ولنا أن نتساءل أمام هذه الحقيقة : ما ذنب الزنجي الاسود حتى تسقط حقوقه ، وتداس كرامته ، ويحرم من التعليم ، ويسام الخسف والهوان والضيم والذل ، ويسلط عليه الفقر والجهل

٢٤٤

والمرض ، ويطارد كالكلب ، بل يكتب على المطاعم ممنوع دخول الكلاب والسود!! ما ذنبه إذا كان كل صباغ الميلانين هذا الذي يتوزع في جلده يساوي غراماً واحداً فقط ، ولكن هل تساوي هذه الحضارة المزيفة غراماً واحداً من الخلق والإنسانية؟!!

وآخر الأقسام الثلاثة من النخامة هو الفص الخلفي ، ويسمى بالفص العصبي ، لأن له اتصالات عصبية مباشرة مع مراكز الدماغ العليا أكثر من الفص الأمامي والمتوسط ، وكما ذكرنا سابقاً فهناك مراكز تقع فوق النخامة وتحت السرير البصري ، وهذه المناطق هي مناطق التنظيم والقياده العليا التي تنصّب الملوك ، وتعين الأمراء ، وترسل الرسل ، وتهيمن على الجميع!! إن هذه المنطقة ترسل أليافاً عصبية تسيطر بها على فعالية الغدة النخامية حتى تتناسق في العمل مع بقية أعضاء الجسم عن طريق الدماغ ، وهذه الألياف تنحدر إلى الغدة وتتوزع في الفصوص الثلاثة ، وأكثرها في الفص الخلفي ، ويبلغ عدد الألياف وسطياً في كل فص (٥٠) ألف ليف عصبي ، فهي شبكة اتصالات هاتفية مكونة من أكثر من (١٠٠٠٠٠) مائة ألف خط للتفاهم وتنسيق الجهود.

هذا الفص يفرز ثلاثة هرمونات ، وهذه الهورمونات تقوم بثلاثة أدوار هي تقليص عضلة الرحم ، وتقبيض الأوعية الدموية ، والدور الثالث عبارة عن عملية مضادة للإدرار في الكلية. فأما الهورمون الأول فهو الذي ينظم تقلص الرحم في ساحة الخلاص وبشكل تدريجي ونتساءل لماذا يبدأ هذا الهورمون عمله وفي هذه اللحظة بالذات؟ لقد وجد من أسرار التنظيم العجيبة أن هناك تضاداً ما بين إفراز هذا الهورمون من غدة النخامة ، وما بين الهورمونات التي تفرزها المشيمة المتعلقة بأرجل هي أقوى من مائة (١٠٠) أخطبوط إلى جدار الرحم ، وهي هورمونات البروجسترون والأستروجين ، ولقد لوحظ ان هذه

٢٤٥

الهورمونات تنخفض كلياً وبسرعة في لحظة ما ، وكأن هذا اللجام للغدة النخامية قد أفلت وكأن تعلق المشيمة بجدار الرحم قد تزعزع من الأساس فيبدأ هذا الهورمون باقناع الرحم أن يتقلص لدفع الجنين إلى الخارج بشكل منظم تدريجي بعد أن حواه تسعة أشهر كاملة ( حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ) ونتساءل مرة أخرى ما الذي دعا الى هبوط مستوى هورمونات المشيمة من الدم كلياً دفعة واحدة وبسرعة؟ هل لأن المشيمة شاخت ، أو ماذا؟ لا أحد يدري وقيل في هذا تعليلات مختلفة ولكن أصدق ما يقال هو قدرة الله المنسقة للكون والحيان والانسان(١) .

وييدأ الرحم في التقلص ، ويبدأ صراخ الأم وتمر بمراحل مختلفة من الالم يشتد فيها تدريجياً حتى يصل الألم إلى درجة لا تستطيع الام أن تخرج معه صوتها ، نقف هنا لنلفت نظر القارئ إلى نقطة عجيبة وهي : إن تفلص الرحم المنظم المشتد تدريحياً هو الذي يخرج الجنين إلى الحياة لأن نقص التقلص يفضي إلى ما يعرف بعطالة الرحم حيث يمتنع الرحم عن التقلص ويبقى الجنين في الداخل ينتظر ساعة الخلاص ، وهنا يعمد الاطباء إلى ما يعرف بتحريض المخاض عن طريق حقن مواد ودوائية في الوريد ، وإذا اشتد تقلص الرحم حدث ما يعرف باشتداد تقلص الرحم ، وفرط مقوية الرحم التي قد تصل إلى درجة تكزز الرحم حيث تتوالى التقلصات بدون فواصل راحة وكأنها هستريا تشنجية في عضلة الرحم ، ويصل الامر في آخره إلى أن تنقبض الرحم مرة واحدة فلا ترتخي ، وهذا معناه الهلاك المبين للجنين ، لا تشنج الرحم

__________________

(١) لا يعني هذا ان بقية الآليات والتفاعلات في الجسم إذا جاء العلماء وفسروها فان معناها ان قدرة الله لا تتدخل فيها ، بل إن نفس الدماغ الذي يفسر بواسطته العالم مشاكل العلم هو من هبات الله التي لا تحصى.

٢٤٦

وانقباضه بهذا الشكل يعني انقطاع ورود الدم إلى الجنين عبر المشيمة ، ويبدأ الجنين في التالم ويرسل صيحات النجدة وإشارات الاستغاثة ، ولكن كيف سنعرف أنه في حالة محنة وكرب؟ إنه يرسل صرخات النجدة من خلال أثمن ما يملك وهو دقات القلب(١) ، وهكذا يعرف الطبيب وضع الجنين تماماً من خلال سماع دقات قلب الجنين ، وتكون إشارات الاستغاثة تماماً كالإشارات الخضراء والصفراء والحمراء. فالقلب أولاً يسرع ثم يبطؤ ، ثم تخف ضرباته ويضيع انتظامه ، وكأن الحالة الأولى الانفعال السريع ثم التراخي ثم الاقتراب من سكرة الموت وضياع الوعي ، فما أعقل قلب هذا الجنين الذي يرسل هذه الإشارات المعبرة!! ان سماع هذه الدقات يعني للطبيب أن يتدخل بسرعة لانقاذ حياة هذا الذي يغرق في الموت كل لحظة.

إن هذا الهورمون هو الذي ينظم تقلصات الرحم كحد السيف فلا تزيد ولا تنقص وكل شي بمقدار ، حتى يسهل خروج الجنين إلى الحياة ولكن إذا خرج سالماً هل انتهت القضية؟ إن المحنة تبقى للأم فجدار الرحم مثقوب بآلاف الثقوب من أوعية الدم التي كانت تغذي المشيمة وها هي قد انفتحت دفعة واحدة فيا للهول الهائل!! إن هذا يعني موت الأم في دقائق لأن النزيف سيقتلها ولن ينقذها شيء في هذه اللحظة إلا القدرة الحكيمة اللطيفة التي رتبت الأمور!!

يا أيها الهورمون الذكي لقد كنت تشبه الذي يلعب الأستغماية فأنت تبرز وجهك للرحم فيخاف وينكمش ثم تختفي فيرتخي الرحم ويبش ،

__________________

(١) دقات قلب الجنين ضعف دقات قلب الرجل الكهل أي ١٢٠ ـ ١٤٠ ضربة في الدقيقة الواحد وهي تشبه دقات الساعة ، وقد ترتفع في حالات تألم الجنين إلى ١٦٠ ـ ١٨٠ ـ ٢٠٠ واكثر في الدقيقة الواحدة.

٢٤٧

وهكذا تتوالى التقلصات ، فالآن جاء دورك أيها الهورمون الذكي إجعل الرحم ينقبض دفعة واحدة ، ولفترة طويلة(١) ، لقد جاء دور الانقباض الآن!! ألا تعجب أيها القارىء ما بين خطورة الانقباض قبل قليل وفائدته الآن!! ان انقباض الرحم قبل قليل معناه موت الجنين ، وعدم انقباض الرحم الآن يعني موت الام ، نفس العمل يميت ويحيي ، فتباركت اللهم الذي جعلت من الموت حياة ومن الحياة موتاً( إن الله فالق الحب والنوى ، يخرج الحي من الميت ومخرج الميت من الحي ذلكم الله فأنّى تؤفكون ، فالق الاصباح وجعل الليل سكنا والشمس والقمر حسباناً ذلك تقدير العزيز العليم. وهو الذي جعل لكم النجوم لتهتدوا بها في ظلمات البر والبحر قد فصلنا الآيات لقوم يعلمون. وهو الذي انشأكم من نفس واحدة فمستقر ومستودع قد فصّلنا الآيات لقوم يفقهون ) سورة الانعام ، هذا هو عمل هذا الهورمون الذكي العاقل فهو هورمون ساعة الخلاص ، وهو هورمون النجدة ، وهو هورمون التخفيف والمواساة للأم.

وأما الهورمون الثاني من الفص الخلفي للنخامة فهو يتعلق بالعروق الدموية المرنة ، فهو يخنقها أو يرخيها. وأما كيف يتم هذا التقلص أو الارتخاء ، وبالتالي يرتفع ضغط الدم أو ينزل ، فان السبب فيه يرجع إلى أن هذا الهورمون له علاقة وصحبة قديمة مع عناصر مهمة في جدار العرق الدموي وخاصة الشرايين ، فالشريان يتكون جداره من ثلاث طبقات ، وتحوي الطبقة المتوسطة أليافاً عضلية مرنة ، فإذا تقلصت هذه الألياف العضلية أدى ذلك إلى صغر لمعة الوعاء الدموي وبالتالي اشتد

__________________

(١) يسمى هذا الفعل عند المولدين بالارقاء الحي ، وسماها بينار تشكل كرة الامان لأن الشعور بها يبعث الى الاطمئنان على حياة الأم ، وعدم تشكلها يعني النزف كافواه القرب

٢٤٨

ضغط الدم ، والعكس بالعكس ، إن هذا الهورمون الجوال لا يهمه من كل ما يحيط به إلا هذه المنطقة فقط فيأوي اليها ويفهمها أن ترتخي وتتقلص بما يناسب حالة البدن بشكل عام من الداخل أو الخارج. وأما كيف يتم التفاهم بين هذا الهورمون وبين الألياف العضلية اللاارادية أو ما تسمى بالألياف الملس فتقوم بما املاه عليها اقتناعها؟ فذلك سر من الاسرار!

وأما الهورمون العاشر والأخير من سلسلة هورمونات الغدة النخامية ، أو الهورمون الثالث من هورمونات الفص الخلفي من النخامة ، فيختص بالكلية فهو معجب بها ولا يحب غيرها ، ولذا فهو يأوي اليها ليقوم ببعض المهام التي تعتبر في منتهى الخطورة بالنسبة للجسم ، إن هذا الهورمون يقع تأثيره بعمل معين وفي منطقة معينة ، فأما العمل المعين فهو الامتصاص وكأنه ذلك الحيوان الاسطوري الذي لا يكف عن شرب السوائل ليل نهار ، وأما مكان عمله فهذا يحتاج لشرح بسيط.

لقد وجد أن الكلية تتكون من مليون كبة!! وما هي الكبة؟ أهي كبة شعر؟!؟ لا إنها كبة من شعريات دموية فالشريان الكلوي يتفرع حتى يصل إلى درجة عظيمة من الدقة والصغر وهنا يلتف على نفسه حتى يكون كبة ، ولكن من وعاء دموي صغير هو أرفع من الشعرة ، وهذه الكبة يحيط بها غشاء هو أشبه بالقربة التي تتلقى السوائل التي ترشح من هذه الكبة ، ومن هذه القربة يمتد أنبوب متعرج ثم يشكل عروة صغيرة(١) ، ثم يتعرج مرة أخرى حتى يلتقي بأمثاله ، مكوّناً أنبوباً كبيراً ، وهكذا تجتمع الأنابيب فتكوّن أنبوباً أكبر ، وهكذا حتى تصب فيما يسمى بالكؤوس الكلوية ، وهي تشبه الخلجان البحرية ، ثم

__________________

(١) تسمى هذه العروة بعروة هانلة.

٢٤٩

يلقى البول المتكون الراشح في الحويضة ثم يمر إلى الحالب فالمثانة فالاحليل ، ثم إلى الخارج نهائياً ، ان الأنبوب القريب من الكبة تمتص منه معظم السوائل المرتشحة وهي ما تقارب ٨٥% ، والمنطقة التي تقع بعد عروة هائلة تسمى بالأنبوب البعيد وهنا يمتص قرابة ١٤% من السائل الراشح ، والامتصاص هنا يخضع لهورمون الغدة النخامية ، ولذا سمي بالهورمون المضاد للأدرار ، ويتم الامتصاص هنا بشكل فاعل أي أن الامتصاص هنا يتعلق بكمية هذا الهورمون في الدم ، وبكمية الشوارد المعدنية والسوائل التي توجد في البدن ، ولكن الشيء المهم هو أن هذا الهورمون هو الذي يمسك هذه القناة فيصرف سوائلها ، بينما تعتبر المنطقة القريبة من الكبة منطقة منفعلة يتم الامتصاص فيها بشكل آلي وبدون تدخل أحد ، فهي قناة عامة لا يد لأحد فيها ، وحتى نتفهم خطورة هذا العمل الذي يقوم به الهورمون فيجب أن نعلم أن كمية الدم المارة في الدقيقة الواحدة هي (١٣٠٠) سم ٣ أي أن الكلية تقوم بتصفية (١٨٠٠) ليترة من الدم يومياً فأي مصفاة عجيبة هذه!! وهذه المصفاة تصفي من الدم عشرات العناصر من المعادن والسموم والنفايات ، والمخلفات والمواد التي تعتبر حصيلة استقلابات البدن ، ولذا يعتبر فحص البول مهماً جداً لكشف الكثير من الأمراض التي تختص بجهاز البول وببقية الأجهزة.

إن الدم الذي يمر يرشح منه في تلك القربة السحرية ـ وتسمى بمحفظة بومان ـ مقدار يبلغ (١٢٧) سم ٣ في الدقيقة أي ما يعادل (١٨٣) ليتر من البول يومياً فكيف يمتص ثانية؟ إن امتصاصه يتم عن طريق الأنابيب القريبة ، ثم الأنابيب البعيدة ، بواسطة هورمون النخامة المسمى بالهورمون المضاد للإدرار ، وهكذا يمتص ( ٥ و ١٨١ ) ليتراً ويطرح (٥ و ١) ليتراً يومياً وهو البول العادي الذي يطرحه كل واحد منا ، وهكذا يمتص (١١٠٠) غرام من ملح الطعام و (٤١٠) غرام من ثاني فحمات الصوديوم و (١٥٠) غرام

٢٥٠

من سكر العنب وهذا يعني أن سوائل البدن التي تتراكم ما بين الخلايا وتقدر بـ (١١) ليتر تترشح وتمتص (١٦) مرة في اليوم الواحد ، أي ان أخلاط البدن الداخلية تنقى وتصفى من الكدر والسموم والبقايا والنفايات والمواد الضارة ، والزائدة ، والتي لا لزوم لها ، ومحاصيل الاستقلاب ، كلها تنظفها الكلية من الجسد (١٦) مرة في اليوم ، فأي عناية وأي نظافة وأي تصفية عجيبة هذه!!

وإذا وقعت الواقعة وفقد هذا الهورمون من البدن فماذا يحدث؟ بول دائم ليلاً نهاراً! إن المريض يبول ويبول بدون توقف(١) ، وحتى يعوض عما يبول يشرب ويشرب ويشرب الماء ، وهكذا فان المريض لا يبقى له شغل إلا أن يكون بجانب حنفية الماء ودورة المياه ، وإذا لم يفعل هذا تجفف جسمه ومات في مدى أيام قليلة ، وكل هذا بسبب فقد هذا الهورمون الذي يسيطر على إدرار البول في الجسم وبتأثير يبلغ ملغرامات بسيطة قليلة

إنه الاتزان المحكم ، والدقة الرائعة ، والحكمة المهيمنة ، والإرادة المدبرة ، فلا شيء يقوم بالفوضى أو على الفوضى ، ولا شيء يوجد من تلقاء نفسه بل تقوم السنن والنواميس والقوانين المطردة الدقيقة الرائعة المتزنة( وخلق كل شيء فقدره تقديراً ) سورة الفرقان.

وهكذا رأينا في الغدة النخامية التي تزن نصف غرام ويبلغ طولها ١ سم وعرضها ( ١ ـ ٥ و ١ ) سم وارتفاعها نصف سنتمتر ، أي أن حجمها يبلغ (١) سم ٣ ، وجدنا فيها ثلاثة فصوص ، يوجد في الفص الأمامي

__________________

(١) يسمى هذا المرض بالبيلة التفهة أي التي لا طعم لها لكثرة احتوائها على الماء ، ولا تتصور أيها القارىء كم يشرب ويبول هذا المريض يومياً فلقد ذكر أن أحد المصابين بال في يوم واحد (٤٣) ليتراً من البول أي قرابة ثلثي وزنه!!

٢٥١

وحده خمسة أنواع من الخلايا ، وتفرز هذه الغدة (١٠) عشرة هورمونات ، وتتصل بالدماغ بأكثر من (١٠٠) ألف خط هاتفي ( ليف عصبي!! ) وتسيطر على الدرق وقشر الكظر والخصية والمبيض والثدي وأجهزة النمو ، أي العظام والمفاصل والعضلات والغضاريف ، وعلى العروق الدموية والكلية وعضلة الرحم. وهي بهذه السيطرة والهيمنة تعدل أخلاط البدن ، وتصحح مزاجه ، وتضبط سوائله ، وتصرف فائضه ، وتقوّم ميزانيته ، وتعدل أحماضه وقلوياته ، وتوازن شوارده ، وتحكم تفاعلاته ، فكيف تم هذا المزيان الرائع؟ وكيف ركبت هذه الآليات المعقدة؟ وكيف وزنت الأمور وأقيمت بالقسطاس المستقيم؟( وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزّله إلا بقدر معلوم ) سورة الحجر.

والان الى بحث شيق آخر من أبحاث الروعة والعظمة في هندسة وبناء الانسان.

وزارات الجسم

مكن أن يشبه الجسم إلى حد بعيد بالأمة والدولة ، فالخلايا هي أفراد الشعب العامل ، وتجمع الخلايا في عمل واحد يشبه المديريات والمؤسسات ، والاختصاصات في الجسم تشبه الوزارات إلى حد ما ، فالجهاز العصبي المركزي هو بمثابة السلطة الحاكمة المهيمنة ، المخلصة ، العاقلة ، العالمة ، والجسم كله يمثل الشعب المتفاني في الطاعة وتقديم الولاء.

وأما جهاز الدوران فهو يجمع بين خاصية نقل الغذاء والاكسجين إلى الأنسجة العطشى الجائعة وإرجاع بقايا الاحتراق ونفايات الغذاء ، فهذا الجهاز يعبّد الطرق ، ويشق الممرات ويحس الوصل ، ولذا فهو أشبه بوزارة المواصلات.

٢٥٢

وأما الجهاز الهضمي فهو ينقل إلى الأمعاء النشويات والبروتينات والدسم والماء والأملاح المعدنية والفيتامينات ويلقي الفضلات والقمامة التي لا يحتاجها البدن ، ولذا فإن هذا الجهاز أشبه بوزارة التموين في الجسم.

وأما الغدد العرقية فهي أشبه بوزارة السياحة والاصطياف لأنها تبرد الجسم وتخفف من حرارته.

وأما الجلد واللحف(١) والأظافر والاشعار فهي تمثل الانسان من الخارج ، فهي أشبه بوزارة الخارجية!!

وأما جهاز التنفس فهو يأتي بالغازات الضرورية للبدن مثل الاكسجين ويطرح غاز الفحم وهكذا يتصفى الدم من الكدر ، ولذا فهو اشبه بوزارة الاقتصاد لأنه يستورد ويصدر.

أما العضلات والمفاصل والعظام فهي أشبه بوزارة الدفاع أو الحربية والجيش لأنها تدافع عن الانسان كما تقوم بالهجوم إذا لزم الأمر.

وأما الكبد فهو مركز الجمارك العام لأن كل ما يرد إلى البدن من الطريق الهضمي يمر فيه حيث يبعد المشتبه به ، ويدخل المرغوب فيه ، كما يعدل الشيء المشكوك به ويرسل معه مراقباً حتى يلقيه خارج الحدود عن طريق الكلية ، وهو ما يعرف بالازدواج الكبريتي أو الغلو كوروني ، لأن هاتين المادتين تترافقان مع المادة التي ستطرح إلى الكلية.

وأما الطحال فهو المقبرة الموحشة للكريات الحمر لأن الكرية لا تعيش أكثر من شهرين وسطياً حيث تنقل إلى الطحال وتواري مثواها الأخير وطريقة الدفن في الطحال عجيبة فهي اشبه ما تكون بطريقة الدفن

__________________

(١) يقصد باللحف الأغشية الخارجية التي تغطي الفوهات الخارجية مثل العين حيث تغطيها الملتحمة ، والفم من الداخل الغشاء المخاطي وهكذا.

٢٥٣

عند المسلمين حيث يدفن الجثمان ويرجع بالتابون خلافاً لطريقة الآخرين الذين يدفنون الجثمان والتابوت جميعاً ، ومظهره هنا العودة بذرة الحديد مرة أخرى حتى يتستفيد منها الجسم في بناء كريات حمر جديدة!!

وأما النخاع الموجود في باطن العظام وأماكن أخرى متنائرة في الجسم فهي أشبه ما تكون بوزارة الصناعة لأنها تصنع الكريات الحمر والبيض والصفيحات ، وعناصر أخرى كثيرة.

وأما الجهاز البولي فهو أشبه بوزارة الداخلية لأنها تطرح العناصر المشتبة خارج الحدود ، وتحافظ على نظام البدن الداخلي حتى يتزن ولا يتقلب ، كما تنظم السوائل الداخلة والخارجة حتى لا يحصل العبث بالنظام الداخلي ولذا فهي مصفاة البدن الكبيرة والمحافظة على الاتزان الداخلي.

وأما الحواس فهي امتدادات وزارة الخارجية ، أي الجلد.

وأما اللسان وأعضاء التصويت فهي وزارة الإعلام التي تذيع الاخبار وتبث الأحاديث ، وتنقل الأفكار والمفاهيم ، والإذاعة هي مراكز التصويت المتجمعة في الحبال الصوتية والحنجرة وغضاريفها ، واللسان وعضلاته ، والجمجمة وحفرها ، والشفة ومقدم الفم.

وبقي أن نتساءل : أين تقع وزارة الأوقاف بين هذه الوزارات؟ والجواب أنه لا حاجة لمكان تحدد فيه لأن الجسم وغدده وأخلاطه ودمه ولمفه وعروقه وأعصابه وشعره وجلده كله يمشي وفق الناموس الذي رسمه له الخالق العظيم ، فكل خلاياه وأنسجته وأعضاءه وأجهزته انما هي في حالة عبادة واستسلام وإسلام لله رب العالمين ، فليس هناك من مكان يخصص لعبادة الله والتفرغ له وأماكن أخرى تخصص لعبادات أخرى( أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار ) الكل يعبد ويسبح الله والكل يصلي لله وفق اختصاصه ، فالدم يصلي في جريانه ، والرئة تصلي

٢٥٤

في تنفسها ، والقلب يصلي في نبضاته ووالعصب يصلي في سريانه( كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ) سورة النور.

ونقف هنا لنلفت نظرالقارىء ولنحرك وجدان الطبيب والعالم ، إن الانسان سخر له الكون وهو يتصرف فيه كما يشاء ، وتتخصص طوائف البشر في الصناعات والحرف تعالج عللها وتكتشف أسرارها ، وتسخر سننها ، ولكن أخطر الاختصاصات هو الذي ينصب على نفس الانسان ، فالانسان يختص بدراسة كل الكون ، والطبيب يختص بمفتاح هذا كله وهو الانسان ، فماذا أثمرت هذه الدراسة؟

إن كاتب هذه السطور درس الطب سبع سنوات طويلة مليئة من عمره فلم يسمع كلمة الله من أحد من الذين يختصون بالدراسات الطبية العميقة سواء على مستوى الطب الطبيعي أو على مستوى الطب المرضي(١) ، إلا ان تذكر الكلمة عرضاً وبسرعة ، أو أن يفتتح الكتاب بجملة( بسم الله الرحمن الرحيم ) ، ثم تقرأ ، وتقرأ مئات الصفحات حتى تفرغ من الكتاب فلا تشعر بلمسة إيمان ، أو نبضة روح من المؤلف أو المترجم أو الناقل ، آيات تمر ، ومعجزات تسطر ومع هذا لا يتحرك وجدان ، ولا تستيقظ( وكأين من آية في السموات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون ) وحقاً إن الآية بالذات لا فائدة منها إلا للمتفكر والمتأمل والمتدبر( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) ، وتقرأ كتاباً لمؤلف آخر فتراه يعرض الآية القرآنية مبتورة وبمنتهى السرعة ، ثم اننا لفظنا الآية القرآنية والاصح أن يقال آية قرآنية لأن كتابين كبيرين من كتب الطب ليس فيهما الا نصف آية من القرآن وبشكل مبتور ، فيا أيها

__________________

(١) نستثني من هذا الكلام بعض الاساتذة ولكن كما هو معروف في اطلاق القواعد ان الحكم للاغلبية وليس للاقلية فضلاً عن أفراد معدودين على رؤوس الأصابع.

٢٥٥

القارىء بالله عليك ما فائدة الآيات إذا لم توصل إلى الإيمان ، وهل يكفي أن نقول ان الماء فيه سر الحياة وفيه خواص عجيبة ومدهشة ثم نأتي لنستشهد بالقرآن فنقول :( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) وباقي الآية؟! فلتبلغ!! ان تتمة الآية هو المقصود من سوق الآية فالماء وغيره آية تشده البصيرة وتقود إلى الايمان ، ولذلك كانت الآية القرآنية كما يلي :( وجعلنا من الماء كل شيء حي افلا يؤمنون ) سورة الأنبياء.

وطالما سار الأمر في هذا البحث ، فلنسمع شهادة التاريخ وشهادة العلماء لا لندعم به إيماننا ، ولكن لنحاكم أولئك الذين لا يصدقون إلا بما يقوله أصحاب الاسماء الرنانة ، والشهادات العريضة ، ونسوا ان الانسان مهما بلغ علمه ، وارتفعت خبرته فانه لا يحيط بالوجود ، ولا ينفذ إلى خزائن الأسرار ، لأنه مركب من نقص ، وضعف وقصور ، وهوى ،( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسان ضعيفا ) سورة النساء.

لنذكر أولاً احصائية قام بها العالم دينرت(١) عن كبار العلماء والفالسفة في القرون الاربعة الاخيرة ، وكان عددهم (٢٩٠) عالماً ، فوجد ما يلي : (٢٨) منهم لم يصلوا إلى عقيدة ما ، (٢٤٢) أعلنوا إيمانهم على رؤوس الاشهاد و (٢٠) لم يكونوا يبالون بالوجهة الدينية ، وهذا يعني أن ٩٢% أظهروا إيمانهم أمام الناس ، وهذا ما يثبت الفكرة التي طرحناها لامتنا وهي ان العلم والطب هما من جملة محاريب الإيمان ، ولنسمع إلى اقوال بعض العلماء في هذا الصدد :

١ ـ الطبيب المشهور باستور : ( الإيمان لا يمنع أي ارتقاء كان ،

__________________

(١) نقلاً عن كتاب روح الدين الإسلامي ، عفيف عبد الفتاح طبارة ص ٨٢ [ معظم الفقرات ].

٢٥٦

لأن كل ترق ، يبين ويسجل الاتساق البادي في مخلوقات الله ، ولو كنت علمت أكثر مما أعلم اليوم ، لكان ايماني بالله أشد وأعمق مما هو عليه الآن ).

٢ ـ الدكتور ( وتز ) عميد كلية الطب في باريس ، وعضو اكاديمية العلوم ، وكيميائي : ( اذا أحسست في حين من الأحيان أن عقيدتي بالله قد تزعزعت وجهت وجهي الى أكاديمية العلوم لتثبيتها )

٣ ـ باسكال : ( صنفان فقط من الناس يجوز أن نسميهم عقلاء : الذين يعرفون الله ، والذين يجدّون في البحث عنه لأنهم لا يعرفونه ).

٤ ـ اينشتاين : ( إن الإيمان هو أقوى وأنبل نتائج البحوث العلمية ) ، ( ان الايمان بلا علم ليمشي مشية الأعرج ، وان العلم بلا إيمان ليتلمس تلمس الأعمى )

٥ ـ ادمون هربرت ، جيولوجي ذائع الصيت ، ومدرس بجامعة السوربون : ( العلم لا يمكن أن يؤدي الى الكفر ، ولا الى المادية ، ولا يفضي إلى التشكيك ).

٦ ـ فابر : العلامة المؤرخ الطبيعي : ( كل عهد له أهواء جنونية ، واني اعتبر الكفر بالله من الأهواء الجنونية وهو مرض العهد الحالي وأيسر عندي أن ينزعوا جلدي من أن ينزعوا مني العقيدة بالله ).

٧ ـ ألبرت ماكوب ونشستر : أستاذ الاحياء بجامعة بايلور وعميد أكاديمية العلوم بفلوريدا سابقاً : ( ان اشتغالي بالعلوم قد دعم إيماني بالله حتى صار أشد قوة وأمتن أساساً مما كان عليه من قبل ، ليس من

٢٥٧

شك ان العلوم تزيد الانسان تبصراً بقدرة الله وجلاله ، وكلما اكتشف الانسان جديداً في دائرة بحثه ودراسته ازداد إيماناً بالله )

٨ ـ اسحق نيوتن : ( ان هذا التفرع في الكائنات وما فيها من ترتيب أجزائها ومقوماتها وتناسبها مع غيرها ومع الزمان والمكان لا يمكن أن تصدر إلا من حكيم عليم ).

ـ * ـ

٢٥٨

الطعام والتغذية

يقول الخالق الرازق :( فلينظر الانسان إلى طعامه أنا صببنا الماء صباً ، ثم شققنا الأرض شقاً ، فأنبتنا فيها حباً ، وعنباً وقضباً ، وزيتوناً ونخلاً ، وحدائق غلبا ، وفاكهة وأبا ، متاعاً لكم ولأنعامكم ) سورة عبس

ـ ١ ـ

كيف يستطيع الإنسان أن يتغذى بكل هذه الأنواع ، من الأطعمة ، من الماء الى الخبز الى اللحم إلى الفاكهة الى الخضراوات ، كيف تهضم امعاؤه كل هذه الأصناف المتباينة من الأغذية؟ كيف تهضم المشوي والمقلي والمسلوق؟ كيف تهضم المطبوخ والنيء؟ كيف تتقبل وبنفس الوقت المالح والحامض والحلو والمر؟ ثم كيف تتحول هذه الأغذية الى طاقة تحرك البدن ، ومواد ترميم ، وخامات تصنيع جديدة؟

ـ ٢ ـ

ثم لننظر في الأسنان والشفاه والفم وكيف ركب بشكل مدهش لتقبل الطعام ، فالأسنان منها القواطع والثنايا الأمامية لتقطيع الطعام ، ومنها الأنياب لتمزيق اللحم والأشياء القاسية ، والأضراس في كل جانب

٢٥٩

لطحن وجرش المأكولات ، بحيث ان اللقمة تنقلب إلىعجينة عندما تصل إلى المري والمعدة.

ثم لننظر في الغدد اللعابية وهي ثلاثة أزواج : تحت الفك ، وتحت اللسان ، والغدة النكفية في كل جانب ، وهذه الغدد تفرز المصل والمخاط والخمائر الخاصة بهضم النشويات وتبلل الطعام وتبلل الحلق ويصل إفرازها اليومي إلى قرابة اللتر ، والخميرة التي تهضم النشا يبقى تأثيرها حتى الساعة والنصف ولولاها لتأخر امتصاص النشويات وكلنا يعرف عسر الهضم عند المسنين وذلك لنقص إفراز هذه الخميرة من غدد اللعاب ، كما تذيب مفرزات الغدد المواد فنشعر بطعمها وهكذا نشعر بطعم المواد ومذاقها ، كما تشترك في تزليق المواد الصلبة فيسهل بلعها ، وفي تليين الغذاء فيسهل مضغه ، كما تقوم هذه المفرزات بتعديل المواد الداخلة الى الفم فيما إذا كانت ضارة أو حارة أو باردة وهكذا نشرب الشاي الساخن الذي لا يتحمله إلا الفم بهذه الدرجة وبفضل الغدد اللعابية ، كما تقوم الغدد اللعابية بجرف الخلايا المتوسفة وبقايا الأغذية والجراثيم ، وهكذا تفعل هذه الغدد كما تفعل أمانة العاصمة في تنظيف هذه الأماكن وتطهيرها ، كما تعتبر مشعراً في العطش فعندما تنقص السوائل في البدن يشعر الإنسان بجفاف حلقه فيشرب الماء ، ونرى الخطباء الذي يتكلمون الساعات الطويلة ، والمتحدث والمتكلم العادي فكيف يمكن لكل واحد فيهم من متابعة حديثه وتزييت لسانه؟!! إنه اللعاب الذي يرطب جوف الفم ولولاه لما استطعنا متابعة الحديث ، وكلنا يشعر بذلك عندما يجف حلقه كيف يصعب عليه الكلام.

فكيف اجتمعت كل هذه الوظائف في هذا اللعاب العجيب فهو المنظف والمطهر والمعدل والمرطب والمزلق والملين والحامي ، والمبلل ، والمذوق ، والمحلل ، والمشعر ، وجرس الانذار في الفم ، عشرات الوظائف في سائل

٢٦٠

واحد في الفم ناهيك عن المواد المتعددة الداخلة في تركيبه من الماء والمعادن والأملاح والقلويات والخمائر ...

ـ 3 ـ

من الطارق؟ تتساءل المعدة ، ويكون الجواب الطعام الشهي!! وينفتح الفؤاد على مصراعيه لدخول اللقمة الطعامية ، وتتسارع غدد المعدة لفرش المكان لاستقبال الضيف ، وينهمر المخاط المزلق ، والحمض والخمائر ، ومواد أخرى ليبدأ التفاعل التاريخي لهضم الطعام ، إن جدار المعدة مفروش بخمسة وثلاثين مليون غدة ، فيها أربعة أنواع من الخلايا ، وتفرز هذه الخلايا مواد متباينة منها خميرة المعدة المسماة بالببسين ، وحمض كلور الماء(1) ، والمخاط ، وهكذا يتهيء ربط المعدة بالحمض وله قيمة مقدرة محددة هي أربعة بالألف ، كما يتسرع تفاعل هضم الطعام ، ويزداد تحلله ، وهكذا ينقلب إلى ما يسمى بالكيلوس بعد أن تعمل به خمائر الهضم الموجودة في المعدة ويتهيأ الطعام لدخول الأمعاء الدقيقة حتى يمتص ويرسل إلى مركز الجمارك العام وهو الكبد.

ونتساءل هنا كما ذكرنا في السابق : إن المعدة تهضم اللحم وهي لحم ، فلماذا لا تهضم نفسها؟

إن السر في هذا يعود إلى المخاط الذي تفرزه ملايين الغدد المستقرة في جدار المعدة ، وقيل إن هذا المخاط إما أن يحوي مادة معدلة تحمي المعدة أو تحدث فراشاً داخلياً يغطي جدار المعدة كله من الداخل ، وعلى أية حال فهو أمر فذ.

__________________

(1) يفرز حمض كلور الماء من المعدة الخلايا الهامشية وهي تستطيع تكثيف هذا الحمض مليون مرة.

٢٦١

وهناك عامل فذ آخر من آليات الجسم الرائعة ، وهي عملية تكوين الخميرة الهاضمة ، فهي ترسل من الغدد ، وكأنها المسدس الذي ضغط فيه زر الأمان ، ولذا فإنها تكون بحالة عطالة وهي ما تعرف بطليعة الخميرة فاذا وصلت إلى وسط المعدة الحامضي انقلبت إلى شكل فعال يفتك باللحم والشحم ويغير ويحول وكأنها المارد الذي انطلق من القمقم ، إن الحمض يلمس هذه الخميرة لمسة صغيرة فتقلب إلى خميرة فعالة مؤثرة ..

ـ 4 ـ

استطاع العلماء في عام (1930) أن يكتشفوا عاملاً مهماً يتكون في جدار المعدة الداخلي وسمي بالعامل الداخلي لكاسل ، فقد لوحظ أن المصابين بقرحة المعدة إذا استؤصل قسم كبير منها وخاصة القاع ارتاحوا من الأعراض الهضمية المزعجة السابقة ، ولكن لونهم يبدأ بالاصفرار ، وأجسامهم تصاب بالوهن ، ويعتريهم الكلال بشكل عام. فما هو السبب يا ترى؟

لقد وجد أن مصنع الدم هو نخاع العظام حيث يكون الكريات الحمر وغيرها ، وهو يستورد المواد الخام من الجسم ، ومن جملة المواد الخام الحديد والفيتامين B12 ب12 فاذا اختل وصول المادة الخام بعارض ما وقف المصنع عن الإنتاج بقدر ما يلزمه ، وحدث ما يعرف بفقر أو فاقة الدم ، وهذه المادة الخام التي نحن بصددها الآن هي الفيتامين ( ب12 ) ( B12 ) ، فهذه المادة إذا جاءت إلى وزارة التموين قامت بإنضاجها وتهيئتها على الوجه الأكمل لكي ترسل إلى مصنع الكريات الحمر ، وعملية الإنضاج تتم بواسطة عامل كاسل الداخلي الذي تكلمنا عنه ، فإذا فقد هذا العنصر كما في قطع المعدة ، أو ضمورها وعدم قدرتها على الإفراز بسب ما ، اختل نضج الفيتامين ب12 ولم يتكون على الوجه السوي ،

٢٦٢

وبالتالي فان مصنع الكريات الحمر(1) لا يصنعها بشكل سوي لائق ويصبح وضعه كوضع الفرّان الذي يشتد الطلب عليه ولا يستطيع تلبية ذكل فيخرج الخبز بسرعة بشكل غير ناضج ، وهكذا تخرج الكريات الحمر غير ناضجة وهو ما يعرف بفقر الدم كبير الكريات تماماً كالرغيف الكبير المعجّن الذي لا يستساغ!!

رحلة سياحية إلى مركز الجمارك العام ( الكبد )!!

ـ 1 ـ

بعد أن يصل الطعام إلى المعي الدقيق تتدفق عليه عصارات قادمة من الكبد والمعثكلة لهضم الطعام وتحليله الى عناصره الأولية ، وهكذا يتحلل السكر والبروتين والدسم وغيره ، ثم تنشأ عمليات معقدة تشترك فيها عشرات الخمائر من أجل ايجاد الصيغة المناسبة لوضع المواد حتى يمكن ادخالها من زغابات الامعاء ، وننظر فنرى بستاناً عجيباص من الزغابات وهي تتراقص على طول نفق الامعاء ، وكأنها السنبل الأخضر تداعبه النسمات الرخية ، ويبلغ هذا الحقل السحري من الزغابات رقماً عجيباً حيث يوجد في السنتمتر المربع الواحد ثلاثة آلاف زغابة فكم سيبلغ العدد يا ترى في كافة الأمعاء ، خاصة وان طول هذا النفق يبلغ ثمانية أمتار ، ويفرش سطحاً يبلغ (48) ثمانية وأربعين متراً مربعاً ، أي إن عدد الزغابات يصل في المعي الرقيق (1440) مليون زغابة معوية ، ويقع خلفها سطح دموي يبلغ (11) متراً مربعاً ومعه (5)

__________________

(1) هذا مع العلم ان تسعة مليارات كرية حمراء تموت في الجسم كل ساعة ويتجدد مكانها ما يماثلها وزيادة.

٢٦٣

أمتار مربعة من اللنف ، لأن العرق اللنفاوي هو الذي ينقل الدسم بشكل رئيسي ، وكل زغابة معوية عالم بذاته فهي مؤلفة من شريان ووريد دموي وعرق لنفاوي ، كما يوجد على سطحها الخارجي المطل على لمعة المعي طبق من العصيات الصغيرة المترابطة التي تقدر بـ (3000) في كل خلية أي يبلغ عددها في ( الملم 2 الواحد ) الملمتر المربع الواحد (200) مليون فكم ستبلغ في سطح الامعاء كلها؟!

هنا من هذا المكان يتحول الطعام إلى سائل من نوع خاص حتى يمتص ، وهنا ترتب جوازات السفر حتى يمكن عبور الغشاء المخاطي ، والدخول إلى الزغابة المعوية وبالتالي إلى الدم الداخلي حتى يمكن الوصول إلى الكبد ، لأن الأوردة التي تنقل محتوى الأغذية المختصة من الأمعاء تنقل بواسطة الوريد الباب ، وهذا يصل أولاً إلى الكبد مركز الجمارك العام. ولنحاول تدبير جواز سفر وهو الاتفاق مع إحدى الخمائر التي تنقلنا إلى الداخل لنرى نهاية هذه الرحلة الاسطورية!! ثم لنمشي مع تيار الدم وبعد فترة قصيرة تلقي بنا عصى الترحال إلى الجزيرة السحرية وهي عالم الكبد حيث نرى غدة محمرة تزن كيلوغرام ونصف وتعمل خلاياها بنفس العمل ، إن هذه الغدة تقوم بما يصل إلى السبعين وظيفة من وظائف الجسم الهامة والتي بدونها لا يعيش الجسم أكثر من ساعات محدودة معدودة ، فما هي هذه الوظائف على وجه الإجمال؟ ندخل إلى الكبد مع الوريد الباب ، فيتفرغ بنا إلى فروع أدق ، وهكذا نمشي في هذه المتاهة حتى نصل إلى التفرعات الأخيرة حيث تصل المواد إلى مراكز العمل الداخلية ، فما هو عملها؟

ـ 2 ـ

في هذا المركز مستودعات التخزين العظيمة للسكر والبروتين والدسم والماء والدم والفيتامينات حيث يختزن الفيتامين ب 12 وفيتامين C ( ث )

٢٦٤

وفيتامين ( آ ) وغيره وهذا التخزين متحرك وليس بثابت فهو كالمحطة ركاب نازلون وركاب صاعدون والمواد في حركة دائمة وتبدل دائم ، وقصة تنظيم السكر التي تحدثنا عنها فيما سبق قصة عجيبة نضيف اليها أن الأنسولين هو الهورمون الأساسي الذي ينظم عمل السكر ، وقد استطاع العالم سانجر أن يكتشف تركيبه بعد جهود دامت عشر سنوات ، وعرف انه مركب من سلسلتين من الاحماض الأمينية في السلسلة الاولى ثلاثون حمضاً أمينياً ، وفي السلسلة المناظرة واحد وعشرون حمضاً أمينياً ، وبينهما جسور كبريتية مضاعفة وفيه (777) جوهراً.

وهكذا يعد الكبد من أعظم مستودعات التخزين في الجسم ، ولكن هذا المخزن لا تنقطع فيه الحركة ، كما أن فيه تحولات مدهشة ، فالسكر عندما يخزن يكثف إلى الغليكوجين ، كما ينحل إلى غلوكوز عندما يراد إطلاقه إلى الدوران ، وهذا الاختزان عجيب في تنوعه ، فالمستودعات العادية لا يمكنها أن تخزن الجوامد والسوائل وبقرب بعضها البعض ، بينما يقوم الكبد بتخزين السكر والبروتين والدسم والماء والدم والأملاح والفيتامينات وبشكل محوّر ، وقدرة الكبد في اختزان الدم تجعله احتياطياً محترماً في حالات احتياج البدن للدم ، كما تجعله يتدخل في تنظيم كتلة الدم الجوّالة في الدوران ، وبالتالي في ضغط الدم.

وأما عمليات التكوين فهي أغرب ، فمن الكبد يتم تصنيع بروتينات الدم ، وهي الألبومين والغلوبولين والفلوبولين والفيبرنوجين ، والبروترومبين ، والهيبارين ، والأجسام الضديه والعوامل المتدخلة في تخثر الدم كالعامل الخامس والسابع ، وهذه الاسماء التي أوردناها تحتاج كل كلمة إلى العديد من الصفحات لكي تشرح على الوجه الأكمل ، فمثلاً موضوع تخثر الدم ـ حيث تشترك العديد من العناصر في إيجاده ـ المهم فيه هنا هو الاتزان العجيب في ميوعة الدم وتخثره ، فتخثر الدم يحدثه البورترومبين بينما

٢٦٥

يحدث ميوعته الهيبارين ، ومن اتزان هذين العنصرين ينساب الدم في العروق كأفضل ما يكون ، ينقل الغذاء والاكسجين ويعود حاملاً غاز الفحم وفضلات الاحتراق ، ولو زادت نسبة أحد هذين العنصرين بمقدار طفيف جداً لكان هذا معناه تخثر الدم أي تجلطه وانقلابه إلى أشبه ما يكون بالوحل ، كما أن العكس يجعل الدم في ميوعته كالماء(1) ، وبهذا الاتزان البديع ينساب الدم في مجاريه محتقظاً بلزوجته ، قائماً بوظائفه

ويعلم الكبد أن الحديد والنحاس والفيتامين ب12 تتدخل كلها في صناعة الدم ، لذلك فهو يحتفظ بها في مستودعات التخزين لكي ترسل حسب الحاجة ، فكيف تقوم بهذه الخلايا هذه الوظائف كلها؟ ومن هذه التفاعلات المعقدة المضطرمة تنتشر الحرارة وبعم الدفء في الأحشاء فتطمئن إلى سير العمل وروعة البناء وإحكام التكوين ..

ـ 3 ـ

ونقف أخيراً أمام اصطياد الجراثيم والصباغات والمواد السامة ، وهي التي جعلتنا نسمي الكبد مركز الجمارك العالم لأنه يفتش الدم القادم فيبعد المشبوه ويمرر الطبيعي فإذا ما لوحظ أن هناك من يبعث بالنظام تصدى له بطرق يعجز عنها أعقل العقلاء!!!

هذه العملية هي ما تسمى بتعديل السموم ، فالسموم الداخلة إلى البدن يقوم الكبد بإيقاف أذاها بعدة طرق ، أولها : الاعتقال والقاء القبض على المجرم الضار حيث توضع في يديه الأقفال ويرسل مخفوراً إلى المراكز التي تتولى طرحه خارج البدن ، وهي ما تعرف بالازدواج

__________________

(1) تفوق لزوجة الدم الزوجة الماء بخمس مرات.

٢٦٦

الكبريتي أو الغلوكوروني ، أو الازدواج مع الحمض الأميني. وهي طريقة كيميائية ـ حيث يرسل معه شرطي للرقابة يقوم بإيصاله إلى المركز الذي يتولى طرحه خارج البدن والشرطي هنا كما ترى هو الكبريتات أو الحمض الاميني أو الحمض الغلوكوروني. أو أن هناك طريقة آلية فيزيائية تستعمل مع الزئبق حيث يدفع إلى المنحدرات التي تتلقفه وترسله إلى المناطق التي تتولى طرحه خارج البدن وهي هنا الطرح عن طريق الاقنية الصفراوية إلى الامعاء الدقيقة فالامعاء الغليظة حيث ينطرح مع الغائط!!

ولكن يحدث أن يوجد بعض المجرمين شديدي الخطر الذي يخشى من أن يتملصوا من يد الشرطي أو يفتكوا به ، أو الذي لا يجدي معهم الدفع والطرح ، فالطريقة المناسبة إذن هي السجن والاعتقال المديد!! وهكذا يحتجز المورفين والستركنين ، ومن المعلوم أن السجون الاصلاحية تقوم بارشاد المجرمين وتثقيفهم حتى إذا اطمأنت إلى عدم ضررهم في المجتمع أخرجتهم من السجون مرة أخرى ، وهكذا يفعل الكبد مع هذه المواد حيث يطرحها بشكل بطىء بحيث إنها لم تعد تحدث الضرر في البدن.

وبالإضافة الى هذا توجد الشبكات المنتشرة في الكبد التي تصطاد الجراثيم والاصبغة ، وهي أشبه بدوريات الشرطة اليت تقف عند المقارق ، والمراكز الحساسة ، وهي ما تعرف بالشبكة الغندوتليالية ، وهكذا يتخلص البدن من أذى السموم والجراثيم والأصبغة ولكن ما هي الحالة عندما يزداد ورود المواد السامة إلى الكبد فلا تستطيع التعديل ولا تكفيها المنفردات والزنزانات والسجون الجماعية!! هنا تحدث ثورة المساجين وهكذا يتدمر الكبد ويضطرب حبل النظام وتعم الفوضى ويتخرب الجسم ، هذا ما يحدث تماماً في الحالة المعروفة بتشحم الكبد

٢٦٧

أو تشمع الكبد حيث يؤدي تناول الخمر المستمر إلى تشمع الكبد(1) ومعنى تشمع الكبد الحكم بالاعدام البطيء على المصاب ومن هنا ندرك معنى تحريم الخمر في الإسلام ، ولماذا حرمت امريكا الخمر على شعبها.

ـ 4 ـ

ان امريكا أصرت على تحريم الخمر عام (1919) ميلادي وأصرت على التحريم أربعة عشر عاماً كاملة ، وحدث خلالها الشيء العجيب ، بليون نشرة تشرح أضرار الخمر ، (404) مليون دولار مصادرات ، (16) مليون دولار غرامات ، سجون (532335) شخص. إعدامات رمي بالرصاص (300) شخص. ومع كل هذا زاد عدد مصانع الخمر المحظورة تجارة مربحة ، سخرت الاساطيل والامكانيات والقوى لصد الشعب عن هذه العين الآسنة ولكنه لم يرتدع لأن التكاليف لا تبنى الا على اساس الايمان ، وهكذا فعل الاسلام بنى العقيدة ورسخها ثم جاء بالتكاليف فحرمت الخمرة ونجحت التجربة بآيات قليلة ، وبركة تحريم الخمر سارية في بلاد الشرق حتى اليوم من أثر تلك التربية حيث لا يشكل عدد مدمني الخمر بالنسبة الى العالم الغربي شيئاً يذكر

ـ 5 ـ

ومن رحلة التخزين والتحويل والقلب والتكثيف والحل وتعديل السموم ، وادخار المواد ، وإفراز المصنوعات ، وتكوين البروتينات ،

__________________

(1) يعد الادمان على الخمر من أهم أسباب تشمع الكبد حتى ان الاشتباه بهذا المرض يجعل الطبيب يسأل مريضه بشكل روتيني هل تشرب حليب السباع!! ( سخرية منه أي الخمر ).

٢٦٨

وبعد كل هذا نقف قليلاً لنوجه سؤالاً إلى الاطباء والعلماء العقلاء الذين يمرون على هذه الآيات وهم عنها معرضون!! إجيبونا على هذه الدقة العظيمة من صممها؟ وعلى هذه الروعة الكامنة من هندسها؟ وهل تقود هذه إلى الخشوع والتبتل أم الى الشرود والجفاف؟ وهل تعمق الايمان أم تزعزع اليقين؟ وهل تفتح ينابيع الرحمة أم توصدها وتجعل القلب كقساوة الحجر؟ أم تقود إلى الانكباب على المتاع الرخيص والانقياد الى الملذات والشهوات وحب الجاه؟ أم أن هذه المعلومات تعمق الهوة ما بين العلم والدين والاطباء والخالق الذي فطرهم؟ أم أن الطب صومععة كفر وزاوية إلحاد؟ أم أن الطب يقود إلى الانفلات وجمع الفتات وتقليب الصفحات؟؟. وتكديس أوراق البنكنوت!! اللهم لا

( أيحسب الانسان ان يترك سدى. ألم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى. فجعل منه الزوجين الذكر والانثى. أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى ) سورة القيامة.

سبحانك فبلى.

والحمد لله رب العالمين.

٢٦٩

مراجع الكتاب باللغة العربية

القرآن الكريم

1 ـ كتاب علم الغريزة جزء أول وثاني للدكتور محمد شفيق البابا.

2 ـ كتاب مصير البشرية للكاتب الفرنسي ليكونت دي نوي ترجمة أحمد عزت طه وعصام أحمد طه.

3 ـ كتاب هذا الانسان للدكتور حبيب صادر.

4 ـ كتاب الكيمياء العامة للاستاذ أدوار خوري.

5 ـ كتاب الكيمياء العامة واللاعضوية للدكتور موفق سخاشيرو.

6 ـ كتاب الخلية وعلم الجنين للاستاذ الدكتور هاني خليل بطيخ.

7 ـ كتاب النسيج العام جزء أول وثاني لمؤلفه الدكتور كنعان الجابي.

8 ـ كتاب الكيمياء الحيوية للمؤلفين الدكتورين هيثم خياط واسماعيل عزت.

9 ـ كتاب قصة الايمان نديم الجسر.

10 ـ كتبا التشريح الطبيعي جزء 1 ـ 4 دكتور فايز المط.

11 ـ كتاب جراحة الصدر والقلب للدكتور محسن أسود.

12 ـ كتاب الأمراض العصبية للدكتور فيصل الصباغ بالاضافة الى كتاب أمراض الجهاز الحركي.

13 ـ كتاب طب الاطفال للدكتور سهيل بدورة.

14 ـ كتاب التوليد الطبيعي والمرضي للدكتور برمدا والدكتور قنواتي.

15 ـ كتاب أمراض الغدد الصم والاستقلاب دكتور جوزيف صايغ.

16 ـ التخدير والانعاش للدكتور برهان العابد.

17 ـ كتاب الفيزياء ، الدكتور محمد الخطيب.

18 ـ كتاب الوجيز في أمراض العين جزء 1 ـ 2 تأليف الدكتور ممدوح الصباغ.

19 ـ كتاب الفيزيولوجيا الحيوانية ، وظائف الاتصال الدكتور زياد قطب.

20 ـ كتاب روح الدين الاسلامي عفيف عبد الفتاح طبارة.

٢٧٠

فهرست

صفحة

صفحة

تقديم

5

الاعصاب

102

المصادفة أو القصد والتصميم

13

نظرة عن قشر المخ

110

أبحاث الذرة

23

ثبات الخلايا العصبية

118

بعض أسرار الخلية

35

فكرة عن مخطط الدماغ الكهربي

129

تخصص الخلية

38

ما هو عمل المخيخ

132

عمر الخلية

40

تتمة القلب وتسبيحه

141

الأنسجة

43

شرطي المرور المتواضع

144

الغشاء العاقل

45

تنظيم النوم

145

رحلة مع ذرة السكر

49

بعض الافكار عن الذاكرة

176

تكوين البروتين الحلوي

52

حاسة السمع

191

تفسير نشأة الحياة

57

حاسة البصر

202

٢٧١

تخلق الانسان

59

دور المخ في الرؤية

213

العفريت ذو الاقنعة المتعددة

60

كيف نرى الالوان

214

عمل ملكة الغدد

64

حاسة الشم

224

مصنع البيوض عند المرأة

68

حاسة الذوق

227

لقاء الحيوان المنوي والبويضة

71

أجراس الانذار في الجسم البشري

230

تكوين الذكر والانثى

76

الغدد الصم الداخلية

236

الولادة

82

وزارات الجسم

252

تشخيص الحمل

89

الطعام والتغذية

259

الجملة العصبية المركزية

94

رحلة سياحية الى مركز الجمارك العام

263

٢٧٢

الفهرس

تقديم. 5

المصادفة والقصد أو التصميم. 13

بعض أسرار الذرة 23

مع فكرة عن ظاهرة : الموت والحياة 23

بعض اسرار الخليّة 35

تخصص الخلية : 38

عمر الخلية : 40

الانسجة : 43

الغشاء العاقل : 45

رحلة مع ذرة السكر : 49

تكوين البروتين الخلوي : 52

تفسير نشأة الحياة : 57

تخلق الإنسان. 59

العفريت ذو الاقنعة المتعددة : 60

عمل ملكة الغدد : 64

مصنع البيوض عند المرأة : 68

لقاء الحيوان المنوي والبويضة : 71

تكوّن الذكر والانثى. 76

الولادة : 82

٢٧٣

تشخيص الحمل : 89

الجملة العصبيّة المركزية 94

الاعصاب.. 102

نظرة عن قشر الدماغ : 110

ثبات الخلايا العصبية : 118

فكرة عن مخطط الدماغ الكهربي : 129

ما هو عمل المخيخ؟ 132

تمتمة القلب وتسبيحه وعلاقته بالتنظيم الحروري : 141

شرطي المرور المتواضع : 144

تنظيم النوم : 145

بعض الأفكار عن الذاكرة 176

ـ حاسة السمع ـ 191

ـ حاسة البصر ـ 202

دور المخ في الرؤية : 213

كيف نرى الالوان : 214

حاسّة الشم. 224

حاسة الذوق. 227

اُجراس الإنذار في الجسم البشري. 230

الغدد الصّمّ الداخليّة 236

وزارات الجسم. 252

الطعام والتغذية 259

رحلة سياحية إلى مركز الجمارك العام ( الكبد )!! 263

الفهرس.. 273

٢٧٤