الطبّ محرابٌ للإيمان

الطبّ محرابٌ للإيمان14%

الطبّ محرابٌ للإيمان مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 274

الطبّ محرابٌ للإيمان
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105471 / تحميل: 10298
الحجم الحجم الحجم
الطبّ محرابٌ للإيمان

الطبّ محرابٌ للإيمان

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

المادي فلو فرضنا ان عامل الخض الحروري هو الذي يعمل وبقدر يبلغ ٥٠٠ مليون تريليون هزة في الثانية الواحدة أي ٥ × ١٠١٤ / ثا ، والتي هي من رتبة ذبذبة الضوء ، فان الزمن الذي نحتاج اليه مع كل هذا هو ١٠٢٤٣ بليون سنة.

ولكن يجب أن لا ننسى مع ذلك ان الأرض على آراء الجيولوجيين لم توجد إلا منذ بليوني سنة كما أن الحياة لم توجد إلا منذ بليون سنة ( ١ × ١٠٩ ) وهكذا فاننا نجد انفسنا ان الامكانية الزمانية والحجم المادي لا يسعفنا في تحقيق تكوين ذرة واحدة ( مع وجود الذرات بالأصل أي ليس الخلق ) وهكذا نصل إلى أن نجعل فكرة المصادفة هي الاستحالة لذرة واحدة. ولكن الكون ليس ذرة واحدة فقط مصممة على نسق عجيب وتكوين غريب ، فتكوين الذرة مدهش محير وتركيب الفلك مدهش محير ، وتركيب الخلية مدهش محير ، وتركيب الانسجة مدهش محير ، وتركيب الاعضاء مدهش محير ، كما ان تركيب الكائن الحي مدهش محير ، وأما النفس فهي ذلك العالم الغامض المجهول الذي تستشف البشرية بعض مكنونانه الآن

وهكذا نرى ان هذه الفكرة مستحيلة وذلك في مستويات بسيطة وهي كما ذكرنا امثلة منها بناء الذرة الآحية البسيطة ، ولكن الكون للناظر فيه من الاعاجيب واشكال الحياة المعقدة. بل ان تركيب الخلية بالذات محير مدهش كما قلنا وسنبحث ذلك فيما سيأتي معنا وهكذا نصل الى تقرير قاعدة أساسية في مستهل ابحاثنا اردناها في هذا الكتاب وهي ان كل هذه الدقة والتعقيد والجمال والروعة في بناء الكائن الانساني

٢١

انما هي من ارادة الله عز وجل الذي خلق هذا الانسان لهدف مرسوم وغاية محدده( أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً وانكم الينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) المؤمنون( ايحسب الانسان أن يترك سدى؟ ألم يك نطفة من مني يمنى. ثم كان علقة فخلق فسوى. فجعل منه الزوجين الذكر والانثى. أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟ ) النازعات.

٢٢

بعض أسرار الذرة ..

و ...

الخليّة ...

مع فكرة عن ظاهرة : الموت والحياة ..

نظراً لأن البحث الذي نخوض فيه يجب أن يكون متكاملاً ولا يشعر القارىء ان فيه فجوات ولذا فلابد من عرض نقطة البحث الاساسية وهي تكوين الكون بالاصل الذي يقوم على قاعدة الذرة حيث ان بناء الذرة بالذات معجز ومحير ، استطاع العلماء أن يضعوا له شكلاً رسموه في اذهانهم وتحقق فعلياً عندما حدثت ظاهرة انشطار ( انفلاق ) الذرة ولكن نتائج ذلك مع الاسف كانت مع خط التخلف الفكري البشري الذي تمثل في ظاهرة التدمير والحرب التي لا تبقي ولا تذر فكان القاء القنابل الذرية وتطوير السلاح النووي

٢٣

٢٤

الـذرة

بناؤها ـ وزنها ـ أبعادها

مع فكرة عن الجدول الدّوري التضيف العناصر

لمندلييف

الذرة هي أصغر جزء في الكون وقد سميت باللغة الأجنبية Atom أي الجزء الذي لا يتجزأ ، وقد كان يظن في القديم أنها اصغر شيء وهي جزء واحد لكل العناصر ، ولكن العلم الحديث وجهود العلماء التي بذلت في القرن الحالي استطاعا أن يصلا إلى تحديد أساسي جوهري لبنية الذرة. فلقد وجدوا ان الذرة بتركيبها هي أقرب ما تكون للنظام الشمسي ، فهي تتكون من الناحية المبدئية من ثلاثة أجزاء : في المركز يتوضع البروتون وهو ذو شحنة ايجابية ومعه النترون وهو ذو شحنة حيادية وهناك في المدارات الخارجية تتوضع الالكترونات وهي ذات شحنة سلبية ، وعدد البروتونات الموجودة في النواة تساوي عدد الاكترونات المتوضعة في المدارات الخارجية ، وهكذا تتوازن الذرة من الناحية الكهربائية ، وأما وزن الذرة فهو يتوقف بشكل أساسي على البروتون والنترون ، حيث يوازي النترون من ناحية الوزن البروتون ويشكل معه الوزن الأساسي للذرة. ولقد وجد أن وزن البروتون هو

٢٥

١,٦×١٠ـ٢٤ غرام ، أي أن الغرام الواحد من الناحية الوزنية يساوي مليون مليار مليار مرة ، أو بكلمة أخرى أن وزن البروتون هو جزء من مليون مليار مليار من الغرام على وجه التقريب ، والنترون ذو الشحنة الحيادية يقترب بالوزن من وزن البروتون ، ولذا يشكل مع البروتون كما ذكرنا وزن الذرة. أما الاكترون فهو أخف من البروتون بكثير وان كان يعادله من ناحية الشحنة الكهربائية ، فوزن البروتون يساوي ١٨٣٧ مرة وزن الالكترون ؛ ولذا فان الأخير ذو وزن صغير جداً إذا قيس بالبروتون ، وأما الشحنة الكهربائية للالكترون أو البروتون المتعادلين فهي تساوي ١,٦ × ١٠ـ١٩ كولون ( وحدة من وحدات الشحنات الكهربية ) ، وأما من ناحية الأبعاد فالذرة تشبه شكلاً كروياً ، وقطرها ضئيل يعادل الانغستروم ( ١٠ـ٨ سم ) أي جزء من مائة مليون من السنتمتر ، ولكن العجيب يكمن في ان قطر النواة هو من رتبة ١٠ـ١٢ سم أي أصغر من قطر الذرة بـ ١٠ آلاف مرة ، بحيث لو اننا كبرنا على سبيل المثال ذرة الهيدرجين مليار مرة فان الذرة تصبح كرة يبلغ قطرها قدمين ، ولكن الكتلة الذرية أي النواة ستجتمع ( بروتونات ونترونات ) بشكل حبة الرمل في مركز الكرة والسبب في هذا يعود إلى الفراغ الهائل في تكوين الذرة ما بين البروتونات والالكترونات ، وهو كما ذكرنا ينوف على ١٠ آلاف مرة وهو في الحقيقة أمر يدعو إلى الدهشة والحيرة في أسرار الذرة وألغازها التي كشف القرن الحالي عنها.

ونضرب مثلاً على ذلك فنقول : لو أن عشرة ملايين ذرة اجتمع بعضها بجانب بعض ، فإنها تبلغ طولاً قدره مليمتر واحد فقط ، والغريب

٢٦

هو فيما يسمى بعدد افوغادرو أو الذرة الغرامية فما هي يا ترى أعداد الذرات في غرام واحد من الهيدروجين مثلاً؟. يقول العلماء انهم توصلوا إلى حساب عدد الذرات الموجودة في غرام واحد من الهيدرجين بطرق متعددة ومعقدة ، وكلهم اتفقوا على رقم واحد هو ٦,٢ × ١٠٢٣ أي إذا أردنا أن نسميه فنقول إن غراماً واحداً من الهيدرجين فيه ٦٠٠ ألف مليار مليار ذرة ، وهو عدد يجعل الرأس يدور ويعجز عن التخيل والتصديق وخاصة إذا ضربنا هذا المثل : وهو لو اننا وضعنا هذه الذرات جانب بعضها بعضاً في خط مستقيم فكم سيكون طول الخط الذي ستشكله هذه الذرات من غرام واحد فقط من الهيدرجين؟ إن هذا الخط سيكون بطول ٤٠٠ ضعف عن الطول الممتد ما بين الشمس والارض والذي هو ٩٣ مليون ميل لأن الخط هو ٦٠ مليار من الكيلومترات وهم رقم محير فعلاً

وأما الألكترونات ذات الشحنة السلبية والتي تتوزع في المدارات الخارجية فهي تدور حول النواة ولكن بأي شكل يا ترى ، لقد اختلف العلماء في هذا الصدد ابتداء من الذين اكتشفوا المعطيات الأولى للذرة ومن جملتهم رذرفورد وبور ، وأخيراً هايزنبرغ الالماني حيث استطاعوا أن يصلوا إلى تفسير يعتبر عجيباً في حد ذاته عن دوران الالكترون حول البروتون ، فقالوا إنه لا يمكننا بالضبط أن نعرف في لحظة معينة أين يوجد الالكترون في دورانه حول البروتون ، قد نقول إنه يحتمل في لحظة ما أن يكون احتمال وجوده أكثر في نقطة دون أخرى ، أما تعيين ذلك بالضبط فهو غير ممكن ، ولنسمع إلى طرف من أقوالهم في هذا الصدد وهو مبدأ عدم التأكد. يقول هايزنبرغ : إن معلوماتنا في

٢٧

لحظة معية عن مكان أي جسم مادي صغير وحركته ليست دقيقة تماماً ، أي أن هنالك شكاً في صحتها يزداد كلما كان الجسم أصغر ، وهذا الشك جزء من طبيعة الاشياء ، ولا علاقة له بتاتاً بخواص الجهاز المستعمل للفحص أو القياس ، وبالتالي فإنه لا يوجد أي واسطة للتخلص منه ، وهو موجود في جميع القياسات إنما يصبح واضحاً ويجب أخذه بعين الاعتبار فقط في حالة الاجسام الصغيرة جداً(١) )

وهكذا يمكن القول أن الإلكترون لا يتبع مساراً معيناً محدداً في حركته حول النواة ، بل هو حر في أن يتحرك في كل الفراغ المحيط بالنواة ، وكل ما نستطيع معرفته هو احتمال(٢) وجود الالكترون في مكان معين في لحظة معينة ، ولذلك فإن سلوك الالكترون يعين كتابع احتمال باللغة الرياضية.

والعجيب يكمن في سرعة دوران الالكترون حول النواة التي لا يعادلها شيء سوى سرعة الضوء وهي فعلاً محيرة ولا يمكن تصورها بل يمكن تعقلها فقط. حيث أن سرعته ان رتبة قطر الذرة كما قلنا هو ١٠ـ٨ سم أي جزء من مائة مليون من السنتمتر ، لقد وجد ان سرعة دورانه هي ١٠٠/١ من سرعة الضوء ، والمعلوم أن سرعة الضوء هي ٣٠٠ الف كم في الثانية الواحدة ، فتكون سرعة دوران الالكترون في الثانية الواحدة حول النواة هي ثلاثة آلاف كيلومتر ، وهو فعلاً رقم محير ومدهش لمن يقف

__________________

(١) عن كتاب الكيمياء العامة واللاعضوية للدكتور موفق شخاشيرو.

(٢) هذا يذكرنا بقول الله تعالى :( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) حيث عجز العلماء عن التحديد كما ترى فهو غيب مع ان الامر في قاعدة بناء الكون.

٢٨

ويتأمل أسرار الكون والحياة ، حيث يضج كله بالحياة والحركة في صورة دوران الالكترون حول النواة ، ولذا يمكن تصور الالكترون كغمامة مشحونة سلباً تختلف كثافتها من نقطة لأخرى ولكنهما تزداد في المناطق التي يكون وجود الالكترون فيها اكثر احتمالاً كما ذكرنا

ولقد وجد أن أبسط ذرة في الكون هي ذرة الهيدرجين ، لأن النواة تحمل بروتوناً واحداً ، والمدار الخارجي منه الكترون واحد ، وبتدرّج بناء الذرات بشكل عجيب محير ، حيث يزداد بناء الذرة بروتوناً بروتوناً ، والمثل على ذلك الهليوم حيث يوجد في النواة بروتونات ، ثم الليتيوم حيث يوجد ثلاثة ثم البريليوم حيث يوجد أربعة ثم البور خمسة ثم الفحم ستة ثم الآزوت سبعة ، اكسجين ثمانية ، فلور تسعة ، نيون عشرة ، صوديوم أحدى عشرة ، مغنزيوم اثنتا عشرة ، وهكذا يتدرج حتى يصل إلى معدن اللانتانيوم حيث له سلسلة خاصة تمتد من رقم ٥٧ ـ ٧١ أي ٥٧ بروتون ، وباضافة واحد ثم واحد تدريجياً حتى نصل إلى معدن له ٧١ بروتون. ( نحن نذكر البروتون فقط لأن الوزن لا يتعين فقط كما ذكرنا بالبروتون بل مجموع البروتونات والنترونات ذات الشحنة الحيادية ) ثم يتدرج أيضاً حتى الرقم ٨٩ في عنصرالاكتانيوم حيث له سلسلة خاصة تمتد من ٨٩ ـ ١٠٣ ، وهذا الترتيب العجيب جعل الكيماوي الروسي مندلييف يكتشف الجدول الدوري للعناصر الموجودة في الطبيعة ، وكانت نقطة تحول هامة في فهم العناصر وترتيبها فهي موجودة وفق قانون وليس خبط عشواء كما دحضنا سابقاً فكرة الصدفة ، فالذرات لمن يراها يتصور مهندساً يرتب الذرات فيضيف الى السابقة بروتوناً جديداً وعدداً معيناً من النترونات فإذا هو عنصر جديد له مواصفات جديدة وخواص

٢٩

جديدة ، فالهليوم كما ذكرنا فيها اثنان من البروتونات ويأتي بعده الليتيوم وهو عنصر معدني بينما الأول هو غاز من الغازات الخاملة ، بينما الليتيوم يعتبر من المعادن النشيطة فما الذي حدث؟ ان هذا لا يقول عنه العلم شيئاً

ثم نأتي لنرى كيف تلعب النترونات الدور المهم في اعطاء الوزن الذري لكل عنصر ، فنحن كما ذكرنا نجد ان وزن الهيدرجين يأتي من وزن النواة حيث يوجد فيه بروتون واحد فوزنه الذري واحد والهليوم وزنه الذري ٤ وليس ٢ لأن فيه بروتونات ٢ ونترونات ٢ ، واما الليتيوم فوزنه الذري ٦ وليس ٣ لأنه فيه ٣ بروتونات و ٣ نترونات ، وأما البريليوم فوزنه الذري ٩ لأن فيه بروتونات ٤ ونترونات ٥ ، وهاك أمثلة على ذلك : ( بور B الوزن ١٠ P= ٥ N= ٥ ، فحم = C ١٢ ( N ٦+ ٦ N ) ، آزوت N ١٤ ( N ٧ + ٧P ) وهكذا الخ ) والعجيب في هذا التصنيف الدوري الذي اكتشفه مندلييف انه استطاع أن يحدد عناصر لم تكن مكتشفة بعد ، لأن ترتيب الجدول الذري يجعل هناك نوعاً من القفزات أو الفجوة ما بين عنصر وآخر في الوزن الذري وعدد البروتونات ، مما حدا بمندلييف أنا يتنبأ بأن هذا القانون يحتم وجود عناصر جديدة لم تكتشف بعد ، وفعلاً اكتشف بعد ذلك وهي الكانديوم والجرمانيوم والفاليوم وتكنتيوم والاستاتين والفرانسيوم والبروميتوم وكان هذا دليلاً كبيراً على الدقة والروعة في بناء الكون وتدرجه واحكام عناصره.

بقي علينا بعد أن أخذنا هذه الفكرة المجملة عن تركيب الذرة وعناصرها الأساسية التي هي البروتون والنترون والالكترون وكيف

٣٠

تتوزع هذه العناصر كما تعرفنا على الأوزان والشحنة الكهربية وكيف يدور الالكترون وسرعته ، بقى علينا أن نعرف كيف تتوزع الالكترونات في المدار الخارجي الذي يحيط بالنواة

كما ذكرنا ان عدد الالكترونات يجب أن يساوي عدد البروتونات الموجودة في النواة حتى تتزن الذرة كهربياً وذلك لتعادل الشحنات الكهربية حيث لا تؤثر النترونات على التوازن الكهربي باعتبارها حيادية وان كانت توثر الأخيرة في الوزن الذري للجوهر ان الالكترونات لا تتوزع في مدار واحد بل في عدة مدارات رمز لها باحرف ك. ل. م. ن. K. L. M. N ولقد وجد ان هناك قانونين يحكمان توزع الالكترونات في المدارات الخارجية ، الأول : وهو النظام الثماني حيث أن الذرة يلزم لاستقرارها الخارجي أن يكون في المدار الأخير ثمانية الكترونات ، فإذا لم يوجد هذا العدد عمدت إما إلى طرح الألكترونات الخارجية أو أخذ الكترونات حتى يكتمل الاتزان الخارجي ؛ والمثال على ذلك الفلور وهو غاز ، فالنواة فيها ٩ بروتونات و ١٠ نترونات فيكون الوزن الذري ١٩ وفي المدار الخارجي في الطبقة الاولى كـ K يوجد الكترونات وفي الطبقة الثانية يوجد ٧ الكترونات فيكون مجموع الالكترونات تسعة وهي تعادل عدد البروتونات الموجودة في النواة ، وهكذا يحصل اتزان الذرة من الناحية الكهربية ، ولكن كما أسلفنا من ناحية نظام الثماني يوجد من الناحية الكهربية ، ولكن كما أسلفنا من ناحية نظام الثماني يوجد في المدار الأخير ٧ الكترونات ، ولذا فانها تحتاج إلى الكترون جديد حتى يتزن العنصر من ناحية التعامل الخارجي ، ولذا يأخذ الكترون وتصبح شحنة هذا الغاز سلبية وذلك لأن عدد الالكترونات أصبح ١٠ بينما البروتونات تسعة ولذا رجحت كفة الالكترونات بواحد

٣١

وهكذا أصبحت شحنة هذا الغاز سلبية وبقدر شحنة واحدة.

وهكذا تسير الأمور في كل الذرات وأما القانون الثاني فهو أن عدد الالكترونات في كل طبقه من المدارات تتوزع وفق القانون ٢ ن ٢ ٢ N ٢ حيث يرمز N إلى رقم الطبقة ، وهكذا نجد أن الطبقة الأولى فيها الكترونات ( ٢ × ١٢ = ٢ ) والطبقة الثانية فيها ثمانية الكترونات ( ٢ × ٢٢ = ٨ ) والطبقة الثالثة فيها ١٨ ( ٢ × ٣٢ = ١٨ ) والرابعة ٣٢ ( ٢ × ٤٢ = ٣٢ ) وهكذا يسير هذا القانون الذي يحكم نظام الذرة المدهشة

وهكذا نجد أن بناء الذرة بناء فذ مدهش يتدرج من الهيدروجين حتى اللورانسيوم ، فيكون المجموع العام للعناصر الموجودة في الكون هي ١٠٣ عنصر منها المعادن ومنها أشباه المعادن ومنها الغازات ومنها العناصر المشعة ومنها غير المشعة وهي تتدرج بشكل عجيب بإضافة بروتون الى الذي يسبقه وعدد من النترونات جديد فيتشكل عنصر جديد يختلف عن الذي يسبقه اختلافاً جوهرياً من ناحية التفاعلات والخواص مع أن الوحدة الأساسية للبناء هي البروتون والنترون والالكترون لكل العناصر الموجودة في الكون. وهنا نتساءل كما ذكرنا ، فمثلاً عنصر النيون فيه من البروتونات ١٠ والنترونات ١٠ فيكون الوزن الذري عشرين وبعده مباشر ، يأتي عنصر الصوديوم وعدد البروتونات فيه ١١ والنترونات ١٢ فيكون الوزن الذري ٢٣ فما الذي أدى ( مع هذا الفارق البسيط بين الاول والثاني ) إلى أن يكون الأول غازاً والثاني معدناً والأول غازاً خاملاً والثاني معدناً نشيطاً؟. من الذي منح الصفة

٣٢

وهذه الخاصة ليفرق الثاني عن الأول مع أن الثاني يأتي مباشرة بعد الأول ، ولا يفرق عنه إلا ببروتون واحد فقط وباثنين من النترونات؟؟ بالطبع لن يستطيع العلم أن يجيب على هذا السؤال!.

وختاماً لهذا البحث سوف نورد مثلاً ظريفاً لأخذ فكرة مبسطة عن الذرة أورده أحد العلماء هو ستورمر ، تخيل هذا العالم الكون الحالي ثم أراد أن يكبر الحجم للموجودات مع المحافظة على النسبة الكائنة بين الأبعاد وذلك لتصور القياس الذري وصعوبة إدراكنا لذلك فقال :

لنكبر الحاجيات ١٠٠ مرة في البدء يصبح الرجال مردة ، فتصل قامتهم إلى ما يعادل نصف برج إيفل ، ونصبح النحل حيوانات مخيفة لها أبعاد الثيران ، وإن الشعرة التي سمكها ١٠/١ ملم تصبح حبلاً سميكاً من رتبة ١ سم ، ثم لنتخيل أننا نستطيع تكبير هذا العالم الجديد ١٠٠ مرة أيضاً أي أن العالم الأولي يكون قد كبر ١٠,٠٠٠ مرة فيصبح بعد الرجال بعد الجبال الشاهقة التي يتراوح ارتفاعها ما بين ١٥ و ٢٠ كم متر ، كما وأن النحلة يصبح بعدها مئات الأمتار ، وتصل سماكة الشعرة إلى واحد متر كما وإن الجراثيم الصغيرة التي لم تكن أبعادها تذكر في العالم القديم نظراً لصغرها والتي هي من رتبة جزء من ألف من الميلمتر يصبح لها بعد مساو لسنتمتر واحد ، ثم لنمدد هذا العالم الحاصل ١٠٠ مرة أخرى أي يكون قد مدد العالم الأولي مليون مرة حيث يصبح قطر الشعرة مساوي إلى ١٠٠ متر وتصبح الجراثيم كائنات من رتبة متر واحد ، غير أن بعد الذرات لا يزال في هذا العالم الخيالي صغيراً جداً ولا يتجاوز عشر المليمتر ، ثم لنعمل تمديداً أخيراً بحيث أن العالم الأولي يمدد ١٠٠ مليون مرة ، عندئذ تصبح ذرة الهيدروجين واضحة وقطرها مساو لسنتمتر واحد تقريباً ، وفي ذات الوقت تصبح سماكة الشعرة مساوية

٣٣

الى ١٠ كم وتصبح الجراثيم وحوشاً هائلة من رتبة ١٠٠ متر ، وأما البشر(١) ؟!!

ونختم البحث برسم توضيحي مبسط للجدول الدوري للعناصر الذي تناولناه فيما سبق حتى يكتمل البحث :

الرقم العلوي للعنصر يرمز الى عدد البروتونات الموجودة في النواة ، والرقم السفلى يشير الى الوزن الذري على وجه التقريب بدون كسور

__________________

(١) عن كتاب الكيمياء العامة لادوار خوري بتصرف.

٣٤

بعض اسرار الخليّة

كما أن الذرة هي أصغر جزء في المادة سواء كانت من المادة أو من تشكيلات الحياة المعقدة ، كذلك تعتبر الخلية حجر الأساس في بناء الكائن الحي بمجموعه العام ، ومن الخلية يبدأ سر الحياة المحير ، حيث نرى ظاهرة تدب في مجموعة المادة الميتة فتنبثق الحياة وتسير وتتعقد حتى تصل إلى تكوين أكرم الكائنات وأشرفها ألا وهو الانسان ، والخلية بحد ذاتها وتركيبها الخاص تبدو فيها ظاهرة الإعجاز ، ومن أسرار الخلية المحيرة تنبثق بقية أنواع الحياة وأنماطها

في الإنسان من مجموعة الخلايا التي تقوم بعمل واحد يتشكل النسيج ، ومن مجموعة الأنسجة التي تتضافر لتؤدي مهمة واحدة يتشكل العضو ، ومن مجموعة الأعضاء يتشكل الجهاز ، ومن مجموعة الأجهزة يتشكل الكائن الحي بإعجاز وتفرده الفذ المدهش المحير

تتكون الخلية على وجه العموم من حجرة يغلفها غشاء مضاعف وتملأ هذه الحجرة مادة سائلة اختلفوا على حقيقتها ، هل هي شبه غروية أم لا؟ وتستقر في هذه المادة السائلة المسماة بالسيتوبلاسما النواة وفيها يكن سر الحياة للخلية ، لأن الخلية إذا جردت من النواة لم تستطع أن تتابع سيرها في الحياة ، والنواة بناؤها أيضاً دقيق فيحيط بها أيضاً غشاء

٣٥

نووي مضاعف ويستقر داخلها أهم شيء في الخلية وهو ما يسمى بالموروثات التي يتم بواسطتها نقل صفات النوع الى ذاريه كما يستقر داخل النواة نواة لها تسمى بالنّوية بالاضافة الى شبكة كروماتينية

يبلغ وزن الخلية ( ويمثلها خاصة نطفة الانسان ، التي يتم بواسطتها التلقيح مع بويصة المرأة لإنشاء خلية جديدة كاملة يتم خلق الانسان منها فيما يعد ) تبلغ من الوزن ١٠ـ٩ غرام أي جزء من مليار من الغرام وهي فيما إذا قورنت ببيضة النعامة التي تبلغ من الوزن ١٠٠ مائة غرام فان بيضة النعامة التي يتخلق منها ولد النعامة تكون أكبر من ناحية الوزن بـ ١٠٠ مليار مرة ، وإذا ما قورنت مع بيضة الضفدع فان بيضة الضفدع أكبر من ناحية الوزن من نطفة الانسان بـ ١٠٠ مليون مرة ، وهذه الأرقام توحي بمدى صغر النطفة الانسانية التي تكون الانسان ولكنها من ناحية الفعالية والنتيجة شيء مدهش للغاية ، لأن الخلية الانسانية الأولى لمجرد أن تتكون تبدأ من الانقسام بشكل سريع ودقيق وهادف حتى تنقسم ما يقرب من خمسين انقساماً ، ويكون عدد الخلايا الانسانية عند ذلك بالملايين وهي مستعدة للتخصص فيما بعد

يبلغ قياس أقطار الخلية بالميكرونات فالكرية الحمراء مثلاً والتي تشكل أهم خلايا الدم تبلغ وسطياً حوالي ٧ ميكرونات من ناحية قطرها ، والميكرون كما هو معروف يمثل جزء من ألف من الميلمتر أي أن قطر الكرية الحمراء يبلغ ٧ سبعة أجزاء من الألف من الميلمتر وهذا رقم صغير جداً أمام أضخم وأكبر خلية وأكبرها في الجسم والتي هي البيضة التي يقذفها المبيض عند المرأة حيث يصل قطرها الى حدود مائتي ٢٠٠ ميكرون ، ولقد استطاع المجهر العادي أن يرى الخلية بشكل حجرة ، وكان هذا حدثاً مهماً في تاريخ البشرية حيث كشف ان الكائنات الحية تتكون من مجموعة هائلة من الخلايا التي تجتمع فيما بينها لكي تؤسس

٣٦

جهازاً واحداً يقوم بوظيفة واحدة ، ومن مجموعة الأجهزة التي تتناسق أيضاً مع بعضها في العمل لكي يتكون الكائن الحي

وتعتبر الحمات الراشحة أيضاً من الخلايا الوحيدة وكذلك الجراثيم ، أما الجراثيم فلقد استطاعت المجاهر العادية أن تراها ، وأما الحمات الراشحة فلم تستطع المجاهر العادية رؤيتها ، وبفضل التقدم العلمي استطاع العلماء أن يصلوا إلى اختراع مجهر عظيم في تكبير الأشياء حتى يتسنى للعين البشرية رؤيتها ، فلقد أمكن بواسطة هذا المجهر الجبار تكبير الأشياء قرابة ثلاثين إلى مائة ألفمرة ويزيد ، وهكذا استطاع العلماء أن يروا ولأول مرة الحمة الراشحة التي كانت تسبب الكثير من الأمراض ووجدوا أن للحمات الراشحة أنواعاً وذراري وفصائل مختلفة منها ما يسبب مرض الجدري وشلل الاطفال والحصبة وسواه ، والمهم أنهم رأوا بأعينهم هذه الحمات التي كانوا يتهمونها بإحداث هذه الأمراض ، وحتى أن بعض النظريات التي تدرس موضوع السرطان اتهمت الفيروس أي الحمة الراشحة بإحداث مرض السرطان ولكن لم يحصل برهان قاطع يدعم آراءهم واستطاع المجهر الالكتروني فضلاً عن ذلك أن يرى الذرات البروتينية الكبيرة التي تبلغ في أبعادها حدود مائة ١٠٠ انغستروم وهو جزء مائة مليون من السنتمتر ، ويرمز له بالرمز٥ A وكذلك الحموض الامينية التي تبلغ حدود عشرات Ao أنغستروم ، ولكن قدرة المجهر الالكتروني تقف عند أبعاد الجوهر والتي هي في حدود ٢ ـ ٤ Ao وقد يتغلب على هذا العائق اختراع المجهر البروتوني الذي سيكبر أبعاد الاشياء في حدود ٨٠٠ ألف مرة أو حتى المليون والمستقبل هو الذي سيطلعنا على هذا الشيء

٣٧

تخصص الخلية :

عندما تتخصص الخلية يحدث أمر على درجة كبيرة من الأهمية ، فالخلية العادية نفسها تتحول لتؤدي دوراً معيناً يختلف باختلاف المكان الذي تقبع فيه كما تختلف باختلاف الزمن الذي تمر به ، فهي الخلية العادية في الجسم تصبح على سطح الجلد متقرنة متوسفة تتساقط من على الجلد بعد أن قامت بدور حمايته وهي في العضلات مجموعة ألياف متراصة تقوم بعمل التقلص العضلي ، وهي في البانكرياس تقوم بدور الأفراز الداخلي كالانسولين والغلوكاكون وهما هورمونان ينظمان السكر في الدم وبدور الافراز الخارجي حيث تصب عصاراته عن طريق قناة ويرسونك التي تلتقي مع القناة الكبدية الجامعة حيث يصب الجميع في العقج وهي تحوي الخمائر الهضمة لمواد الطعام الثلاثة أعنى السكريات والبروتينات والشحميات ، وهي في الدرق تقوم بفرز هورمون التيروكسين الذي يلعب دوراً هاماً في أشياء كثيرة منها الحرارة والاستقلاب(١) ، كما ان الخلية في الامعاء الدقيقة تقوم بدور الامتصاص من الزغابات المعوية حيث تنفذ المواد بسرعة مدهشة إلى داخل الزغابة بفضل الخلايا التي تمتص بسرعة حيث تمر المواد بدورها الى الاوعية الدموية واللنفاوية التي تنقل المواد بالتالي إلى مركز الجمارك العام وهو الكبد.

والخلية في جهاز التنفس تلعب دوراً مهماً في جعل الجدار للسنخ الرئوي حساساً جداً لمرور الغازات وهما ائنان الأكسجين وغاز الفحم ، حتى يتصفى الدم بشكل رائع ويصبح حاملاً للأكسجين إلى الأنسجة العطشى له حتى يجري الاستقلاب والاحتراق ونشر القدرة وبث الحياة ، والخلية المتمثلة في الدم بالكرية الحمراء هي التي تحتوي المادة عظيمة

__________________

(١) هناك بعض المصطلحات الطبية العلمية سوف تشرح اثناء المرور بها بشكل مفصل.

٣٨

الفعالية وهي الهيموغلوبين الذي يقوم بجعل الاكسجين إلى الانسجة وفي طريق العودة حمل غاز الفحم ليطرح عن طريق الرثتين وبالتالي تخليص البدن من زيادة الفاسدة في الجسم ، أو أن الخلية المتمثلة في الكرية البيضاء التي تقوم بفعل المناعة في الجسم وبلع الجرائيم الداخلة إلى البدن وإحداث المعركة الضارية لصد الغزو الجراثيمي أياً كان مكانه في الدبن وذلك عن طريق إنسلال الكريات البيض من العروق الشعرية الى الخارج تحت الجلد حيث تسقط تلك الخلايا المسماة بالكريات البيض ميتة وهي تدافع ع الدبن ، وما القيح الذي نراه ـ في الحقيقة ـ إلا اشلاء تلك الكريات المدافعة عن العضوية في سبيل انقاذ الجسم ، وأما الخلية في العين فهي الحساسة بشكل رائع بالنور والمتمثلة بشكل محيط في العين بشكل المخاريط التي تتحسس للنور القوي والالوان والعصيات المتحسسة بالنور الضعيف الابيض فقد ، والخلية في الأذن هي التي تشترك في تلقي السمع ونقله بواسطة الاعصاب إلى مراكزه العليا حتى يفهم على أتم وجه ، والخلايا في العظام هي التي ترتشح بالكنسي لتجعل العظم قاسياً يتحمل الضغوط والهزات ، والخلايا في مراكز التناسل تتهيء بشكل خاص حيث سنتناولها في البحث ، وابرزها شكل النطفة حيث نري شكل النطفة مؤلفاً من رأس وعنق وذمب وحيث نرى البيضة الكبيرة التي سيلتقي بها الحيوان المنوي بشكل مدور كبير.

وأخيراً ، عندما نكلم عن الخلايا ، لننظر في الخلايا العصيبة التي تتوزع في قر الدماغ على ستة طبقات ومن هذه الطبقات تتوزع الخلايا أنواع العمل فشيء للحس وآخر لحركة وآخر للذوق وآخر للإشراف عل الأعمال البدنية ، وأما الإدراك والتفكير والتخيل ففي أي الخلايا يقع هذا العمل المدهش ، إن العلم لا يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة لأنها ليست من اختصاصه تماماً ...

٣٩

استهلاك الجسم للخلايا :

يستهلك الجسم من خلاياه حوالي ١٢٥ مليون خلية في الثانية الواحدة اي بمعدل ٧٥٠٠ مليون خلية في الدقيقة الواحدة وكمثال على ذلك فإن احد قطاعات الجسم وهو الوسط الداخلي الدموي يستهلك من الكريات الحمر في كل ثانية حوالي مليوني كرية حمراء ، أي يستهلك في الساعة الواحدة أكثر من عدد سكان العالم بحوالي خمس مرات ، وذلك لأن الدم الذي يصل حجمه الى خمس ليترات في جسم الإنسان يحتوي في الملم ٣ الواحد وسطياً خمسة ملائين كلية حمراء ، أي أن مجموع الكريات الحمر في دم الإنسان الواحد يبلغ ٢٥ مليون مليون كلية بحيث أننا لو أردنا أن نصفّ هذه الكريات جنب بعضها بعضاً على خط واحد ونحن نعرف أن متوسط قطر الكرية الواحدة يبلغ سبعة ميكرونات فإن الناتج معناً سيكون حوالي (١٧٥) كيلو متر أي أن بإمكان هذا الخط أن يطوق الكرة الارضية باكمالها ٤ ـ ٥ مرات ، وجرب أن تحسب ذلك إذا علمت أن قطر الكرة الارضية ١٢٧٥٦ كم و= ١٤ و ٣؟!

عمر الخلية :

يختلف عمر الكرية الحمراء التي تمثل نوعاً من أنواع الخلايا عن أعمار باقي الخلايا ، فهناك الخلايا التي لا تعيش إلا أياماً معدودة بسيطة ، وهناك الكرية الحمراء التي تعيش وسطياً حوالي شهرين ، وهناك الخلايا التي تعيش ما عاش الإنسان ، تولد بعدد محدود مقدر وتبقى كما هي لا تزيل إلا بحالة واحدة وهي النمو السرطاني الخبيث ، كما أنها لا تنقص إلا بالأفات التي تدمر الخلايا وتتلفها ، ولعلنا نريد أن نعرف ما هي هذه الخلايا؟ إنها أشرف خلايا الجسم وأندرها وأنبلها إنها خلايا الجملة العصبية المركزية التي يقدر عددها بحوالي ١٤ مليار خلية عصبية على ما

٤٠

عدها العالم فون إيكونومو ، وهي التي تسيطر على نشاط البدن وفعاليته جميعا وهي التي يكمن فيها النشاط الفكري ، والتخيل الذهني ، وشخصية الانسان إجمالاً ، أو كما وصف الدماغ أحدهم فقال : هذا هو عجيبة الدهر الذي في تلافيفه بنيت المختبرات واستنبطت الاختراعات ، وبين تعاريجه أسست معاهد العلم ، وعلى تحاديبه نصب ميادين الطيارات والسيارات ، وداخل تجاويفه سطعت الكهرباء ، كتلة صغيرة وسعت ما ضاق به الكون الفسيح ، هذا هو رافع الإنسان إلى أعلى الرتب وهذا هو أساس العلم والعمران(1) . أو كما أراد أن يصفه العالم الأمريكي جودسون هويك عندما ألقى محاضرة في معهد التاريخ بنيويورك ديسمبر 1957 فقال : لو جمعنا كل أجهزة العالم من الرادار والتلغراف والتلفزيون والتلفون ثم بدأنا بتصغير ما اجتمع لدينا حتى توصلنا بهذه الكومة الهائلة من الأشرطة والأجهزة المعقدة إلى حجم الدماغ فإنها لا تبلغ في تعقيدها مثل الدماغ؟! ..

الحمات الراشحة :

في الخلية يكمن سر الحياة وخاصته في النواة حيث ترقد الكروموسومات ( الصبغيات ) التي تحدد الجنس وصفات النوع إلى الأجيال القادمة ، ولقد وجد أن النقلة من عالم الجماد إلى عالم الأحياء الذي يمتاز بالتكاثر والتغذي والتنفس والحس إنما تتم عن طريق الخلية التي تظهر أوضح ما يكون في عالم الحمات الراشحة ، حيث وجد أن بعض الحمات الراشحة تأخذ طوراً صفات الجماد فيدرسها الكيمياوي على أساس أنها مادة ليست حية فهي تتبلور كما هي في صفات الجمادات وإن كانت ذرتها كبيرة ومعقدة ، وطوراً آخر يدرسها الجرائيمي على أنها حمات

__________________

(1) عن كتاب هذا الانسان للدكتور حبيب صادر بتصرف.

٤١

راشحة لأن فيها صفات الأحياء وهي التكاثر ، ولذا فإنها مخلوقات عجيبة ، والحمات لا تتطفل إلا على الأحياء ولذا فهي لا تعيش إلا داخل الخلية ولها أنواع متعددة مثل حمة الجدري وحمة شلل الأطفال وحمة النزلة الوافدة وحمة فسيفساء التبغ والعاثيات وهذه الأخيرة تسطو على الجراثيم خاصة ، ولذا فإن هذا الانتقال من طور إلى طور وبشكل يدعو للتأمل والعجب من الجماد إلى الحياة وبالعكس ، إن هذا قد يجعلنا نقول لعل سر الخليقة يكمن في هذا التحول عندما يقول الله كن فيكون؟!!

تكوين الاعضاء والاجهزة :

في جسم الانسان ألف مليون مليون خلية [ 1000,000,000,000,000 ] وهذه الخلايا تشكل مجموع الأجهزة في الانسان مثل جهاز التنفس ، وجهاز الهضم ، والجهاز البولي ، والجهاز التناسلي ، والجهاز اللنفاوي ، والجهاز الدموي ، والجهاز العضلي ، والجهاز الصقلي العظمي ، والجهاز العصبي ، والجهاز الجلدي ، والجهاز الضام ، بالاضافة إلى الحواس كالسمع والبصر والذوق والشم والإحساس عن طريق الجلد ، فمجموع هذه الأجهزة تتعاون معاً لتشكل كينونة واحدة هي الكائن الانساني ، كما أن الجهاز الواحد بالذات ينقسم إلى أعضاء مثل الجهاز الهضمي الذي ينقسم إلى الفم واللسان والحلق والبلعوم والمري والفؤاد والمعدة والبواب والاثني عشرية والأمعاء الدقيقة ثم الأمعاء الغليظة ثم السين الحرقفي ثم المستقيم ثم الشرج ، وهو كما نرى يؤلف حوالي 12 ـ 13 عضواً ، وهذه الأعضاء تتعاون تعاوناً وثيقاً فيما بينها لتؤدي دوداً بالغ الأهمية بالنسبة للكائن الإنساني وهو التغذية ، ومثل آخر على ذلك جهاز التنفس حيث يشترك الأنف أو الفم في أول مجرى التنفس وخاصة مجرى الانف ثم الحلق ثم الرغامي ثم القصبات ثم القصيبات ثم الأسناخ الرئوية التي يبلغ عددها 750 مليون سنخ رئوي وتفرش سطحاً مساحته سبعون متر مربع وكله

٤٢

للتبادل الغازي بنظام محكم بديع ، وهو كما ترى حولي 5 ـ 6 قطع أعضاء ، وهذه الاعضاء تتعاون معاً تعاوناً وثيقاً لتؤدي غرضاً بالغ الاهمية بالنسبة للكائن الانساني وهو عملية التنفس وتتلخص في نقل الأكسيجن إلى الكرية الحمراء حيث يرتبط بالهيموغلوبين الموجود في الكرية الحمراء وهذه تنقلها بدورها إلى الأنسجة العطشى حيث تقوم عمليات الأكسدة والاحتراق واستنفاذ الغذاء ونشر الطاقة والحرارة اللازمه الضرورية للانسان حتى يتابع مسيرة الحياة ، ثم نقل غاز الفحم الناتج من الاحتراق عبر الأوردة حتى يصب مجموعها العام في القلب الأيمن أي الأذينة اليمنى ثم البطين الأيمن ثم ينتقل عبر الشريان الرئوي إلى الرئتين حيث يجري طرح غاز الفحم إلى الخارج حيث ينقلب الدم الفاسد الاسود إلى دم أحمر قان يحمل الأكسجين بدلاً من غاز الفحم ثم ينتقل بدوره إلى القلب الأيسر أي الاذينة اليسرى بواسطة الاوردة الرئوية الاربعة حيث تصب في أعلى الاذينة اليسرى وبالتالي إلى البطين الايسر ثم عبر الشريان الأبهر أو ما يسمى بالوتين إلى جميع أجهزة الجسم حيث تتغذى بواسطة الاكسجين والاغذية المنقولة إليها.

الانسجة :

ذكرنا فيما مضى أن الخلايا الموجودة والتي تشكل الانسان تصل إلى حوالي الف مليون مليون خلية وهذه تتوزع إلى أجهزة متعاونة متفاهمة ، وهذه الاجهزة تنقسم إلى أعضاء متعاونة متفاهمة متناسقة يكمل بعضها عمل بعض وتتساند فيما بينها ، وكذلك فإن العضو نفسه ينقسم إلى أنسجة متعاونة متناسقة يكمل بعضها بعضاً ، ومثلاً على ذلك المعدة فهي تنقسم إلى أربع طبقات من الناحية النسيجية ، فلو تأملناها من الخارج لرأينا أنها تشبه القربة وهي مكونة من قطعة واحدة من اللحم ، ولكن لو أخذنا جدار المعدة وحاولنا أن نتبين محتوياته تحت المجهر المكبر

٤٣

لوجدنا أن هذا الجدار مكون من أربع طبقات فهو أشبه ما يكون بجدار يغلفه جدار ثان ، والجدار الثاني يغلفه جدار ثالث ثم جدار رابع ، وهذا ما يعلل لنا لماذا تستطيع المعدة أن تهضم اللحم وهي لحم ، ومع ذلك لا تنهضم مع الطعام ، فأما الجدار الداخلي الاول فنراه مكوناً من طبقة من الخلايا المخاطية التي تفرشه حيث تقوم بإفراز حمض كلور الماء بنسبة معينة هي أربعة بالالف ، ومن خلايا معينة وهي الخلايا المسماة بالخلايا الهامشية بالإضافة إلى الخمائر وإلى ما يسمى بالعامل الداخلي وهو الذي يقوم بالدور الاساسي في تكوين الفتامين ب 12 الذي يلعب دوراً هاماً وحيوياً في تكوين الكريات الحمر ووقاية الانسان من فقر الدم وتحت هذه الطبقة نجد طبقة أخرى وهي ما تعرف بالطبقة تحت المخاط ، وتحت هذا الجدار الثاني نرى جداراً ثالثاً يغلف الثاني وهذا الجدار الثالث عضلي وهو الذي يتمطط فيما إذا امتلأت المعدة كثيراً والتكوين العضلي ليس واحداً بل يترتب أيضاً على ثلاث طبقات هو الآخر ، حيث نرى أولاً طبقة عضلية ذات اتجاه منحرف ، ثم طبقة أخرى عضلية ذات اتجاه دائري يحيط بالجدار المعدي ، ثم طبقة عضلية ثالثة ذات اتجاه طولاني ، وهذا الترتيب البديع مهم للغاية حيث يسير التمطط المعدي في أي اتجاه كان ، فاذا امتلأت المعدة ولنفرض بسائل ثقيل يترسب في القاع فإن عمل العضلات الدائرية يلعب دوراً اساسياً هنا ، وإذا امتلأت بطعام يملأ الفضاء المعدي برمته فإن عمل العضلات الطولانية هو الذي يحل المشكلة هنا ، وإذا اجتمع العاملان معاً تضافرت العضلات الطولانية والدائرية معاً ، وإذا لم يكن هناك نظام معين في تمدد المعدة تضافرت العضلات بأشكالها الثلاثة معاً؟!! ثم يحيط بالجدار الثالث جدار رابع وهو ما يسمى بالطبقة المصلية وهذه الطبقة هي الدرع الذي يغلف الطبقات جميعها من جهة كما يكون صلة الوصل مع

٤٤

بقية الاجهزة داخل البطن بالإضافة إلى دخول التروية الدمويه من خلال هذه الطبقة حيث تغلف وتستر الاوعية الدموية والاعصاب ، وأما الاعصاب فهي تشكل ضفائر عصبية تسمى بضفائر مايسنر وأورباخ ، تتوضع الأولى تحت الطبقة المخاطية وتتوضع الضفيرة الثانية ما بين الطبقات العضلية ، أو باضبط ما بين الطبقة العضلية الطولانية والدائريه ، ثم لنلق نظرة أدق مما ذهبنا إليها خاصة ونحن الآن انتقلنا من المستوى الذي نرى فيه رأي العين المجردة إلى النظر عبر التكبير وهي الرؤية المجهرية حيث نصل إلى اسرار جديدة وألغاز حديثة كشف العلم الحديث عن بعض أسرارها ...

الغشاء العاقل :

نحن الآن مع النسيج حيث نرى الحجر الخلوية وهي تتراص جنباً إلى جنب وبين الحين والآخر نرى ما يشبه النهر الصغير وهو يمر ما بين الخلايا ويصغر تدريجياً حتى يصل إلى درجة من الصغر لا نستطيع أن نميزه ونحن نتابع مسيره ، وهكذا يكون قد ضاع ما بين الحشود الخلوية وهذه هي صورة التغذية الخلوية حيث تتم التغذية عن طريق التشرب ، وحيث يحيط بالخلايا السائل الخلالي وكأن مجموع الخلايا وهو هكذا بالفعل يغطس في سائل كالاسفنجة التي تغطس في السائل

وحتى يمكن لنا أن نفهم كيف تتغذى الخلايا فان هذه الصورة البسيطة غير مقنعة تماماً خاصة لمن يريد أن يصل إلى أعماق الحقيقة وهذا ما دفع بالاطباء والباحثين أن يتعرفوا إلى كنه الامور وحقيقتها قدر الإمكان لقد وجدوا أن للخلية غشاء يغلفها ويمتاز هذا الغشاء بخاصية عجيبة وهي أن يشبه المرشحة الانتخابية فهذا الغشاء ترشح منه المواد من داخل الخلية إلى خارجها والتي تمثل نتائج الاستقلاب وبقايا الفضلات الفاسدة وغاز الفحم كما أنها تدخل المواد التي تحتاجها الخلية

٤٥

من السكر والماء وسواهما ، ولكن العجيب يكمن في أنها تدخل ما تشاء وترفض ما تشاء عن طريق الغشاء الخلوي فمثلاً تسمح وبمنتهى السرعة بدخول مادة البوتاس حيث يشكل البوتاس الموجود ضمن الخلايا 98% من بوتاس البدن عامة و 2% يوجد في الدم بينما تمنع شاردة ( معدن ) الصوديوم والكلور لان المنطقة الانتحابية لمادة الصود هي خارج الخلايا وهذه وتلك معدن. فالصود والبوتاس معدنان متقاربان ولكن الغشاء يرفض الاول بينما يأخذ الثاني هذا مع العلم ان ذرة البوتاس وزنها 39 بينما وزن ذرة الصود 23 أي أن ذرة البوتاس أكبر وأثقل ، وبالإضافة إلى هذه نجد أن الغشاء لا يسمح بدخول المواد البروتينية بينما يسمح بدخول السكر والبولة وهذه الخاصية عجيبة في الواقع ، فما هو السر الذي يجعل هذا الغشاء يتصرف كالعاقل ، فهو يرفض إدخال عنصر كالصوديوم مثلاً بينما هو يسمح بإدخال عنصر آخر كالبوتاسيون حتى لتعتبر الخلية الملجأ الامين الوحيد لشاردة(1) البوتاسيوم في البدن.

وأما تكوين الغشاء الذي يحيط بالخلية وثخانته والعمل الذي يقوم به فهو فعلاً مدهش فلقد وجد أن ثخن الغشاء يتراوح وسطياً ما بين 120 ـ 140o A ( كنا قد ذكرنا أن الانغسترومo A يساوي جزء من (10) عشرة ملايين من السنتيمتر ) وهو يتركب من طبقتين من المواد الدسمة وتكون هتان الطبقتان الدسمتان ( يقصد بالدسم الشحوم ،

__________________

(1) نقصد بالشاردة أن العنصر نفسه مثل البوتاسيوم عندما ينحل في السوائل فإنه يتشرد بمعنى أن الكترون من مداره يفلت أو يصبح شريداً؟! ولذا فإن عنصر البوتاسيوم يصبح من ناحية الشحنة موجباً وذلك لان عدد البروتونات في النواة تصبح أكثر من الالكترونات في المدارات بواحد ولهذا يصبح البوتاسيوم عنصراً قلقاً حزيناً يبحث عن هذا الالكترون الهارب وبذا يحاول ان يتحد مع العناصر الاخرى ليستقر ويسحب الكترون إلى مداره حتى يعرض عن ذلك الالكترون الآبق!!

٤٦

والشحوم عادة يدخل في تركيبها الفحم والهيدرجين والأكسيجن بخلاف البروتين الذي يدخل في تركيبه بالإضافة الى ما مر الآزوت ) مغلفتين بطبقتين أخريين من الموارد البروتينية والآن أين الثقوب التي تمر منها المواد والذرات من داخل الخلية إلى خارجها؟ إن الجواب على هذا هو أن أحدث ما توصل اليه العلم عن طريق المجهر الالكتروني الذي يكبر حوالي 100 ـ 600 ألف مرة أن الثقوب هي بحالة ديناميكية غير ثابتة ، أي أنها تتشكل من وقت لآخر حيث تتعرى مناطق ثم تنستر لتحدث في مناطق أخرى ثقوباً جديدة وهكذا ، وهذا يجلعنا نقف متأملين عن قدرة الخلية العيبة التي يستهلك منها جسم الانسان كما مر معنا 125 مليون خلية في الثانية الواحدة!!!

إلى داخل الخلية :

والآن لنحاول أن ندخل عبر ثقوب الغشاء الخلوي إلى داخل الخلية لنرى العالم الذي يقع خلف هذا الستار المجهول.

ليست الخلية حجرة صغيرة محاطة بغلاف وفيها سائل متجانس بل إنها كالبحر الذي يعج بأنواع مختلفة من الحيتان والاسماك والحيوانات المختلفة ، فلننظر إلى هذه العناصر الموجودة داخل الخلية وهذا قبل الوصول إلى النواة ، لان النواة كما ذكرنا فيها سر حياة الخلية وسنفرد لها بحثا خاصاً. أولاً وجد أن تركيب الانسان من العناصر هو بالنسب المئوية التالية : من عنصر الاكسيجن 81 و 62 ومن الفحم 37 و 19 ومن الهيدرجين 14 و 0 ، ومن الآزوت 38 و 1 ومن الكلس 63 و 0 ومن الفوسفر 64 و 0 ومن الكبريت 26 و 0 ومن الصود 18 و 0 ومن الكلور 22 و 0 ومن الماينزا أقل من 04 و 0 والعجيب في هذه النسبة انها تشبه النسبة الموجودة في النباتات في زمن الربيع عندما تزهر فهل هذا لان الانسان يمثل ربيع الوجود؟!!

٤٧

الماء والحياة :

وأما الماء فهذا يحتاج لحديث كامل لوحده ذلك لانه يمثل أساس الحياة فهو يدخل في تركيب جميع الكائنات الحية وطالما وجدت الحياة فحتماً سيوجد الماء معها ، وهو يدخل في تركيب الخلية بشكل حيوي أساسي ، ولنسمع الى أستاذ علم النسج في كلية الطب وهو يقول لنا بالحرف الواحد : يتخلل الماء جميع الانسجة ولا حياة للخلايا بدون الماء وصدق الله العظيم إذ قال :( وجعلنا من الماء كل شيء حي ) ـ واضيف له تتمة الآية لأن سياق الآية ليس له معنى(1) إذا كان لا يدل على الشيء الذي أراده من معجزة الماء ـ وهو يوجد في الخلية بثلاثة أشكال وليس بشكل واحد عادي كما نعرفه نحن في الحياة الطبيعية فهو يوجد بشكل متحد اتحاداً كيمياوياً في هيولى الخلية أو متشرب بجزئياتها أو كما يوجد الماء في عيون الإسفنح ، والماء يتمتع بنسبة ثابتة في الخلية حسب ما تحتويه من الشحوم. ثم لنلق نظرة على محتويات الخلية غير المصورة ، أي الاجزاء التي لا تتجمع بشكل كتل وتأخذ أحجاماً وصوراً معينة ثابتة وتقوم بدور معين كما ذكرنا عن المصورات الحيوية أو ما تسمى بالميتوكوندريا إننا نجد أولاً الماء كما ذكرنا ثم الاملاح المعدنية حيث تحتوي خلايا جميع الاحياء ما يلي من العناصر المعدنية بالدرجة الاولى P,O,N,H(2) ثم عناصر ثانوية وهي Na ( صوديوم ) Mg مغنزيوم ، S كبريت ، CL كلور ، K بوتاس ، Ca كلس ، Fc حديد ، ثم عناصر بكمية قليلة جداً وهي B بور ، F فلور ، Si سيليس ، Mn منغنيز ، Cu نحاس ، I يود وهكذا نرى وسطياً في كل خلية حية من العناصر المعدنية حوالي 18 عنصراً وهي العناصر الموجودة في

__________________

(1) وتتمة الآية أفلا يؤمنون؟!

(2) هذه الرموز هي كالتالي H هيدرجين C فحم N آزوت O اكسجين P فوسفور.

٤٨

التراب الذي نعيش عليه مصداقاً لقول الله تعالى :( ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين ) .

رحلة مع ذرة السكر :

والآن الى سر جديد من اسرار الخلية :

بعد أن عبرنا ثقوب الغشاء الخلوي عبر تلك البوابات السرية المتحركة فإننا نواجه جدار الخلية من الخارج وإذا بالجدار ينفتح منه باب للدخول وهذا الباب ليس للعموم فمن شاء دخل بل ان على الثقب بواباً عاقلاً حكيماً فهو يسمح لبعض الذرات بالدخول كما في ذرة البوتاس ويمنع ذرة الصود مع أن ذرة البوتاس أكبر من ناحية الوزن الذري من الصود ولكن انها ارادة البواب العاقل الذي يقف على البوابة السرية المتحركة التي تكمن في أي نقطة من جدار الخلية ، من هذه الذرات الهامة التي معها اجازة دخول ذرة السكر ، ولكن هل الخلية هي المركز الأول للتفتيش والدخول لنر؟ إذن فلنحاول الآن أن نتتبع مسير ذرة السكر من نقطة الدخول الأولى حتى تستحيل الى غازات تنطلق في الهواء وهي غاز الفحم ونجار الماء

إذا رافقنا ذرة السكر نجد انها إذا كانت من نوع النشويات بدأت بالتغير من لحظة مرورها الاولى بالفم وذلك بسبب وجود خميرة النشا في الغدد اللعابية الموجودة في الفم وهي غدة تحت الفك وغدة تحت اللسان والغدة النكفية ، وأما إذا كانت من أنواع السكاكر الأخرى ـ وللسكاكر أنواع وليست نوعاً واحداً كما يتوهم حيث تنقسم إلى سكاكر خماسية وسكاكر سداسية والأخيرة لها أنواع عديدة منها سكر العنب وسكر اللبن وسكر الثمار وغيرها ـ فانها تصل إلى الامعاء وهناك يحصل لها التغير الاساسي حيث لا يمكن لها أن تدخل جدار المعي بدون جواز مرور وهذا الجواز هو عملية الفسفرة في مصطلح الكيمياويين ومن هناك تصل الى الكبد عبر الدوران حيث يعتبر مركز الجمارك العام

٤٩

وهنا يحصل أعجب وأغرب الأشياء في البدن وهو تحول السكر الى ما يسمى بالغليكوجين أو مولد السكر لأن هذا يعتبر المركز التمويني العام للسكر في الدم وحتى نعرف تنائج هذا الأمر فاننا يجب أن نعرف ان كمية السكر في الدم في حدود 5 ـ 6 غرامات وهذه لا تكفي أكثر من ربع ساعة لحاجة البدن فمن أين سيأتي امداد الدم بالسكر وبشكل منتظم ، خاصة وإذا علمنا ان غذاء الخلايا العصبية الأول والمفضل هو السكر بالدرجة الأولى فاذا حصل نقص عن 50 ملغ في 100 سم3 من الدم فان المرء يشعر باضطراب ذهني وانزعاج ، وإذا هبط أكثر من ذلك عن 40 ملغ اصيب المرء بارتعاشات عضلية واغفاء متزايد واختلاجات ، وإذا حصل أكثر من هذا حدث ما يسمى بالسبات السكري وهي حالة الغيبوبة الكاملة بسبب نقص السكر الشديد!! إن الذي يؤمن كل هذا هو الكبد مركز التموين الأول لأن السكر حينما يمر الى الكبد ينظر الكبد نظرة البصير في وضعه فاذا كان يحتاج اليه قلبه من سكر عادي الى مولد سكر ( غليكوجين ) وإذا زاد عن حده الذي يريده حوله الى مراكز التموين الأخرى وهي العضلات حيث يختزن هناك أيضاً بشكل مولد سكر يكون تحت الطلب ، وبعد هذا يكون هناك انتظام ما بين مقدار السكر في الدم ووضعه في الكبد فاذا استنفد البدن السكر قام الكبد بشكل آلي تلقائي بحل السكر المتكاثف عنده إلى سكر بسيط مستساغ الى الدم ومن الدم ينتقل الى كل خلايا الجسم التي تحتاجه ، وهنا نتساءل : يا ترى ما الذي يحدث للسكر عندما يعبر الدم الى الكبد هل يتحول كله الى مولد سكر أم ماذا وذلك قبل أن نصل الى خاتمة المطاف في الخلية؟ ان الطب يجيبنا فيقول ان أمام السكر ثلاثة طرق وهذه الطرق تنظم أيضاً بحسب حاجة الجسم فهو أما أن يجتاز الطريق السريع فوراً فلا يتحول

٥٠

الى شيء خلال الكبد بل فوراً الى الانسجة حيث يحترق ويتحول الى غاز فحم وماء وهذه الطاقة كما ذكرنا تصرف تدريجياً حسب حاجة الخلية وإما أن يتحول إلى دسم وشحم حسب حاجة البدن لذلك وحسب الفائض ولذا نرى أن الاكثار من النشويات تؤدي الى سمنة واما أن يدخل العضلات ليتحول الى مولد سكر كما ذكرنا أو في الكبد ولكن وضعه في العضلات يختلف عن وضعه في الكبد لأن الكبد يقلب الغلوكوز الى غليكوجين عند زيادة الوارد من الغلوكوز ( سكر العنب ) ويحصل العكس أي حل الغليكوجين إلى غلوكوز عند حاجة البدن وهذا طبعاً يمشي باستمرار ودون توقف لحظة واحدة من ليل أو نهار وذلك لأن استهلاك الجسم للسكاكر دائم من أجل تموين الجسم بالطاقة والحرارة اللازمة للحياة

ان مولد السكر في العضلات إما ان يتحول الى حمض لبن اثناء استهلاكه وهذا بدوره يتحول في الكبد من جديد الى مولد سكر أي ان الحلقة تكون مغلقة ولا يضيع شيء سوى هذه التحولات ، واما ان يحرق ويستفاد من القدرة المتشكلة. ثم لنتابع رحلة هذه الذرة التي مرت في هذا الطريق الوعر المنظم الشائك المتناسق!! حيث تصل الى البوابة السرية المتحركة في جدار الخلية حيث يلقى القبض على ذرة السكر بواسطة خميرة ويقوم هورمون الانسولين بدور السائق الذي يوصل الذرة الى الخلية وبدور المسهل لدخول الذرة السكرية الى الخلية حيث تصل الى مثواها الاخير ( فمستقر فمستودع قد فصلنا الآيات لقوم يفقهون ) سورة الانعام. وهنا لنتساءل مرتين أولاً من الذي يسيطر على كل هذه التفاعلات المعقدة والمنظمة ، ثم كيف يستقر السكر في الدم بنسبة معينة ثابتة لا تزيد أو تنقص وهي غرام واحد فقط في كل ليتر من الدم بحيث ان النقص أو الزيادة يؤدي إلى اضطرابات

٥١

مخيفة أهمها السبات والداء السكري المشهور في الزيادة وهنا يقف المتأمل خاشعاً وهو يرى هذه الاسرار العجيبة وهي تخبره عن بعض التفاصيل الرائعة التي تحدث أولاً هناك من المنظمات الهورمونية ما يحير ، فهناك المنظمات الهورمونية التي تقوم بفعل لجم لزيادة السكر وهناك هورمونات مضادة تفعل بالعكس وهي تعمل بانتظام فالانسولين(1) هو الذي يقوم بانقاص السكر في البدن وذلك بزيادة ادخاله الى الخلايا لزيادة استخدامه او لحجم انحلاله من الكبد وزيادة قابليته للتحول الى الدسم وانقاص التحولات الأخرى التي تصل الى سكر كما في تحولات الدسم والحموض الامينية ، وأما الهورمونات المضادة وهي تشترك جميعها بحل السكر فهي هورمون الفلوكاكون الذي يفرز من المعثكلة وهورمون النمو من الفص الامامي للغدة النخامية وبعض هورمونات قشر الكظر والإدرينالين من لب الكظر(2) وكذلك البتروكسين وهو هورمون الغدة الدرقية الذي يتعاون أيضاً في الاستقلاب وحل السكر أيضاً ، وأما الثبات والتوازن ما بين هذه الهرمونات وتنظيم افرازها بالتعاون مع الكبد وجعل السكر في ثبات واستقرار في الدم ، ان الأمر فعلاً يدعو الى الدهشة والعجب ولكن لا عجب في ابداع خلق الله( صنع الله الذي اتقن كل شيء ) النمل.

تكوين البروتين الخلوي :

وبعد بحث موضوع السكر في الخلية هناك سر مهم أيضاً استطاع العلم الحديث أن يكشف عنه وخاصة بعد اختراع المجهر الالكتروني

__________________

(1) الانسولين هورمون يفرز من المعثكلة من جزيرات خلوية تسمى جزيرات لانفرهانس وسنشرحها بالتفصيل عندما تمر معنا.

(2) الكظر غدة تزن عدة غرامات فوق الكلية وهي قسمان قشر ولب وكل منهما له هورموناته الخاصة.

٥٢

وهذا السر هو في تكوين البروتين الخلوي لأننا كنا قد ذكرنا ان الغشاء الخلوي لا يسمح بدخول البروتينات الى داخل الخلية فكيف إذن يتكون البروتين الخلوي اعتمادا على امكانيات الخلية وحدها خاصة وان بعض الخلايا في الجسم تقوم بتركيب هورمانات هي في غاية التعقيد كما في هورمون الانسولين من خلايا بيتا في جزر لانغرهانس من المعثكلة أو البتروكسين من خلايا الغدة الدرقية أو هورمون النمو من العنصر الأمامي من الغدة النخامية أو التستومكرون وهو هورمون جنسي عند الذكور من خلايا لبديغ في الخصية ، حقاً ان الأمر يدعو الى الدهشة خاصة وان الغشاء الخلوي لا يسمح بدخول الذرات البروتينية المعقدة فكيف يحدث الأمر اذن هنا؟؟ حتى يمكن أن نفهم الاجابة بشكل دقيق وصحيح لابد من فهم شيئين ، أولاً ما هو البروتين وكيف يتكون أصلاً؟ وثانياً من الذي يكونه داخل الخلية التي ما زلنا حتى الآن نبحث بعض اسرارها الغامضة المحيرة

ان المواد البروتينية ومنها اللحم هي عبارة عن اجتماع مجموعة ضخمة من الاحماض الامينية والحمض الاميني هوعبارة عن ذرة من اجتماع حمض وأمين كما هو اسمه والحمض معروف والامين هو الذي يوجد في تركيبه ذرة آزوت مع ذرتين من الهيدرجين وتكون صفاته معاكسة للحمض أي تميل للقلوية ، وهكذا فان الحمض الأميني يحمل خاصيتين خاصية الحموضية والقلوية وهي ميزة هامة له وهذا شيء بسيط في أول البحث ولكن كيف تتكون البروتينات المعقدة خاصة وان عدد الاحماض الامينية كثير والاعقد هو اجتماع الاحماض الامينية بشكل اذا اختلف قليلاً عن الآخر فان هذا يعطي مركباً يختلف كل الاختلاف عن المركب الاول حتى ان تبديل بعض الذرات في المركب نفسه يقلب المركب رأساً على عقب. ان السر في هذا يعود الى حد الحياة في الخلية الذي

٥٣

هو النواة حيث يستقر مركز الرئاسة والادارة وتنظيم الأمور هناك وهذا ما كشف العلم الحديث عنه فلنسمع طرفاً من هذا النبأ العظيم بعد الجهود المضنية الشاقة التي رافقت اختراع المجهر الالكتروني والبحث عن أسرار الخلية وجدوا ان الخلية لا يمكن أن تعيش بدون نواة فقالوا ان سر الحياة هو في النواة ، فبدأوا يدرسون النواة وهناك في النواة تبينوا وجود اجسام غريبة

لم يعيروها في اول الأمر انتباهاً كبيراً ولكن مع متابعة البحث والدرس وجدوا ان هذه الاشكال ثابتة كما انها في كل انقسام خلوي عندما تنشطر الخلية الى نصفين يتولد منه خليتين جديدتين بحيث ان الخلية البنت تشبه الام الأصلية تماماً وجدوا ان لهذا الانقسام علاقة بهذه الموجودات داخل النواة حيث انها تنقسم الى نصفين مع كل انشطار خلوي ووجدوا انها تتلون بالاصباغ بشدة فسموها الصبغيات ، ولكن مع متابعة البحث والجهد تبين للعلماء ان هذه الصبغيات لها دور كبير في الوراثة حيث ان الصفات الوراثية تكمن في هذه الصبغيات وحيث تنتقل من الآباء إلى الابناء والاحفاد من خلالها وتبين للعلماء ان هذا الأمر ثابت في كل الانواع الموجودة من الاحياء النباتية أو الحيوانية أو حتى الانسان بالذات.

وهنا يتساءل المرء : ولكن أين تقبع هذه الصفات الوراثية في خلية لا ترى إلا بالمجهر؟ اللون للشعر والعينين ، طول القامة ، لحن الصوت ، قسمات الوجه ، شكل المشية ، المزاج ، تشكيل العظام والعضلات ، شكل الاصابع والأظافر ، استطاعة الأنف ، فتحة العينين ، اهداب الاجفان ، استدارة الصدر ، المفاصل ، الهورمونات ، الاخلاط ، العدد ، الزمر الدموية ، الأمراض الوراثية ، شكل الجمجمة الخ ) كلها أسرار من الاسرار التي لا يعرف العلم عنها حتى الآن إلا القليل

٥٤

وما لنا نستعجل فلنسمع الحديث إلى الآخر!!

يقول العلماء ان هذه الصبغيات هي الاساس في الوراثة ولكن ما هو تركيبها يا ترى؟ وبدأ البحث المضني حتى استطاعوا أن يتعرفوا ـ ليس فقط على تركيب هذه الصبغيات ـ بل توصلوا إلى اثبات ان هذه الصبغيات لها ما يشابهها في التركيب ايضاً في داخل الخلية وجدوا ان الصبغي مكون من اجتماع حمض فوسفور وسكر خماسي ( أي فيه خمس ذرات فحم وهو سكر الريبوز ولذا سمي المركب بالحمض الديبي ) بالاضافة الى مركب عضوي آزوتي فاطلق على هذا المركب الثلاثي الحمض الديبي النووي واختصاراً سمي بـ د. ن. آ D.N.A ووجد ان هذا الحمض يشبه السلم فيه عمودان يربط بينهما درج ولكن هذا السلم ليس مستقيماً بل ملفوف على نفسه بحيث اننا لو جعلناه على استقامة واحدة وربطنا العمودين ببعضهما لامتد هذا الحمض خارج النواة مسافة متر ونصف؟!! كما وجد ان هناك احماضاَ تشابههن؟ في الخلية ولكن لها ميزة تختلف عن ميزة الاول من ناحية تركيب ذرة الاكسجين فقط فيه فمسي R.N.A ر. ن. آ ، ووجد من هذا الاخير ثلاثة أنواع في الخلية الواحدة

والآن بعد هذه المقدمة لنعرف كيف يتم تركيب البروتين في هيولي الخلية ( المادة التي تحيط بالنواة وتقع ما بين النواة والغشاء الخلوي تسمى بالهيولي الخلوية ) لقد وجد ان في هيولي الخلية الواحدة ما يقرب من 500 الف جسيم ريبي أي من النوع الأخير الذي شرحناه بالاضافة الى 500 مصورة حيوية ( مرت سابقاً وستشرح لاحقاً ) بالاضافة إلى 500 مليون ذرة انزيمية!! والأهم لقد استطاع العلماء أن يتعرفوا وبالجهود المضنية طبعاً ان الحمض د. ن. آ D.N.A يشبه الاستاذ الذي يعطي المعلومات لتلاميذه لكي يقوموا بأمر ما وإذا بالحمض الثاني ر. ن. آ

٥٥

R.N.A ينطلق من النواة كالرسول الذي يحمل رسالة هامة وهناك يقترب من الجسميات الريبية في الهيولي (نوع من انواع ر. ن. آ الثلاثة ويهمس لها سراً في أن تقوم بعمل ما وهنا يتحرك طرق ثالث في القضية وهو النوع الثالث من الحمض ر. ن. آ R.N.A ويسمى بالناقل أو المنحل فينادي الأحماض الامينية أن هلمي إلي فتجتمع إليه لتسمع ماذا سيقول لها وهنا يضعها تحت تصرفه ثم يبدأ ليصفها بشكل فني دقيق ماهر وكأنه أعقل العقلاء حتى يبني منها البروتين الذي يناصبه أو الهورمون الذي يريد إطلاقه فمن علسّمه يا ترى كل هذا؟!!

مريكز الخلية :

ومن جملة هذا العنصر لنسجه في السائل الخلوي المركز وسمي بذلك لأنه يحاول أن يكون في مركز الخلية واضعاً النواة إلى أحد أقطاب الخلية والعجيب في هذا العنصر انه يتكون من اسطوانة فيها تسعة أنابيب أو الياف أخرى فما هو السر في الرقم يا ترى ولماذا ترتبت بهذا الشكل ايضاً؟ هذا الأمر سر من الاسرار ، ولقد وجد أن هذا المريكز يظهر وكأنه المخطط والمهندس لمرحلة النشطار الخلوي حيث أنه يقوم أثاء انقسام الصبغيات فيرسم خطوطاً وطرقاً دقيقة أمام الصبغيات المنشطرة وهذه الخطوط تشبه بشكلها المغزل ثم لا يلبث أن يتكون في الخلية من كل طرف ما يشبه الكوكب المشع ، وكأنه القمر المنير في الظلمات ولذا سميت هذه الاشعة بالأشعة الكوكبية وتصدر الأوامر للصبغيات أولاً أن تقف بحالة استعداد في منتصف الخلية ثم يؤمر كل شطر من شطري الصبغي المنقسم أن يتجه إلى أحد طرفي الخلية ولكن كيف سيمشي في هذا الظلام؟ لا حرج عليه ان هذا النور الهادي وهذه الاشعة العجيبة التي تخطط له السير وتوضح له الطريق تجعله يمشي على هدى هذا الشعاع وهو يتهادى ويمشي في هدوء حتى

٥٦

يصل الى طرف الخلية الاول حيث يكون قد وصل في الوقت نفسه توأمه لى الطرف الآخر وهكذا تنقسم الخلية إلى قسمين بعد أن تنشطر الصبغيات بهذه الكيفية.

فمن الذي علم هذا الجماد أن يقوم بكل هذا التناسق والإبداع ومن أعطاه هذه الحكمة ودرسه فنون الحركة الرائعة المتناسقة الحكيمة؟!! ..

تفسير نشأة الحياة :

والآن بعد هذا البحث الذي يعد موجزاً بسيطاً جداً عن بعض اسرار الخلية يحق لنا أن نتساءل كيف نفسر نشأة الحياة وظهور الخلية الأولى في الحياة؟ ومع كل الوضوح الذي يشير إلى الجواب بدون تكلف نجد بعض المؤلفين والكاتبين السين يقفون ليتكلموا بطريقة علمية نرى ان ذهنهم العلمي يخونهم في أدق المواقف وأحرج التفسيرات وأهمها ، ومن هؤلاء استاذ يدرّس في كلية الطب في قسم النسج يقول ما يلي بالحرف الواحد :

« إن علم الحياة وما تفرع عنه من علوم أخرى على النحو المار ذكره ما تزال جميعها عاجزة عن تفسير كيفية نشوء الحياة الاولى وتكون أول مادة حية على سطح الأرض ، ولعل نظرية النشوء الذاتي الأولى في ظروف خاصة وعهود متناهية في القدم هي النظرية الاكثر قبولاً في القوت الحاضر ».

ونقف قليلاً لنناقش الكاتب في هذه العبارة. أولاً : نظرية النشوء والتولد الذاتي من الناحية التجريبية نقضها العالم باستور من الأساس في تجربته المعروفة المشهورة.

ثانياً : ماذا تعني كلمة النشوء الذاتي ، هل تغني أن الخلية خلقت نفسها بنفسها أو أنها تكونت صدفة من اجتماع العناصر ، أو الاحتمال الثالث وهو لا أدري؟!! فاما انها أوجدت نفسها بنفسها فهو كلام متهافت لأن معنى الخلق هو الايجاد فكيف توجد نفسها بعد أن لم تكن موجودة

٥٧

وأما الصدفة فليرجع الى بحث المصادفة في أول الكتاب ، وأما لا أدري فلا ندري بماذا نجيب عليه!!!

من هنا نفهم ماذا يعني ان الانسان عندما بخوض بحثاً ما ثم يخونه ذهنه العلمي أو أنه لا يستعمل ذهنه العلمي في هذا المجال الخطير الذي يجب على العالم أن يقرر قبل كل الناس حقائق الامور وبديهياته وهو ما قاله رب العزة( إنما يخشى الله من عباده العلماء ) إنه ليس هناك من مكان للصدفة خاصة وقد بحثنا هذا الموضوع في أول مدخل الكتاب حتى ننفي الحظ والفوضى في بناء الكون ونشأة الحياة ، وهكذا تسد جميع الأبواب أمام من يتأمل في هذه الظاهرة العجيبة ولا يجد إلا الحق الابلج الواضح المبين وهو يقلو له( الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل ) ثم لنسمع مع ذلك كلاماً في هذا المجال لأحد العلماء لا لنسند فكرتنا منه لأن ظهور هذه الفكرة وبديهيتها تضغط على العقل البشري ولا تجعل له مهرباً من الاعتراف بها طائعاص أم مكرهاً يقول بوخز وهو من أكثر الماديين غلواً ومن الذين اتهموا داروين بأنه يصانع رجال الكنيسة وقف أمام ظاهرة خلق الحياة من جماد ليقول بالحرف الواحد : ( إن البتّ في أمر التولد الذاتي للكرية الأولى التي نشأ عنها الأصل الأول أمر غير متيسر ، لأن الأحوال المناسبة لتولد الكرية الأولى تولداً ذاتياً غير معروفة ، والكرية ذاتها على بساطتها ذات بناء وتركيب يمتنع معه صدورها من الجماد مباشرة ، بل إن ظهورها من الجماد ليعد في نظر العلم معجزة ليست أقل بعداً عن العقل منظهور الاحياة العليا من الجماد مباشرة ) وصدق الله الخالق حينما يقول :( ذلك الله ربكم لا إله إلا هو خالق كل شيء فاعبدوه وهو على كل شيء وكيل. لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار وهو اللطيف الخير. ) سورة الانعام. وهكذا نكون قد انتهينا من البحث الأول وهو مبحث الخلية حتى ندخل الآن التركيب المادي لأجهزة الإنسان المعقدة وعالمه النفسي الغريب المجهول.

٥٨

تخلق الإنسان

يقول الخالق العليم :( ولقد خلقنا الانسان من سلالة من طين ثم جعلناه نطفة في قرار مكين ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين. ثم إنكم بعد ذلك لميتون. ثم إنكم يوم القيامة تبعثون ) سورة المؤمنون

لنحاول على ضوء هذه الآية أن نتبين بعض الاسرار المادية في تكوين الإنسان وتخلقه حيث استطاع الطب الحديث أن يكشف بعض أسرار التكوين ، وذلك بعد أن مررنا في الأبحاث الأولى على مكوّنات الخلية المعقدة وبعض اسرارها المحيرة

إن تكوين الانسان من ناحية العناصر التي تتعاون في تركيبه هي بالدرجة الأولى من الماء حتى ليقال ليس الإنسان سوى برميل صغير من الماء مع عناصر معدنية أخرى نستطيع أن نكوّن منها مسماراً صغيراً من الحديد وراس عود ثقاب من الكبريت وكمية من الكلس تعين في دهن جدار من مادة الكلس التي تستعمل لتبيض الجدران وعناصر أخرى بحيث أنها لا تبلغ في القيمة سوى ما يعادل 40 قرشاً سورياً ، ولكن السر لا يكمن في نوعية المواد وإنما يكمن في كيفية تركيب هذه المواد بعضها إلى بعض ، وهذا المثل ينطبق على أبسط ذرات الخلية كما ينطبق على أعقد التركيبات الحيوية التي تتولد من الجسم

إن العنصر الذي يتكون من الجسم مهما بلغ من البساطة كما في الهورمونات والمنتجات الحيوية يتكون من اجتماع ذرات معينة من عناصر التربة نفسها وأهمها المكونات العضوية التي يتداخل في تركيبها الفحم

٥٩

والهيدرجين والأكسجين بالدرجة الأولى ، وهذه العناصر البسيطة تكوّن آلاف الآلاف من المركبات العضوية المعقدة حتى ان علماً كاملاً من العلوم التي تدرس تسمى بالكيمياء العضوية حيث تشترك عناصر معينة محددة في تكوين مئات وآلاف من المواد في الطبيعة ، والغريب في هذه التكوينات ان الذرات الداخلة في تركيبه إذا اختلفت اختلافاً بسيطاً أو تبدلت في موضعها من مكان لآخر حصل مركب آخر مغاير للأول في خواصه وصفاته مغايرة تامة.

العفريت ذو الاقنعة المتعددة :

ومن الأمثلة على ذلك مادة الكولسترول التي يصطنعها الجسم البشري فهي بالأصل مادة شحمية دسمة تعتبر من دسم البدن ولكن هذا المركب يعد من مركبات البدن السحرية ، ولنسمع إلى الطب لكي يقص علينا قصة هذا العفريت الذين يتلون في كل لحظة إلى مركب جديد وشخصية جديدة فهو ذو الأقنعة المتعددة. فهو تارة كولسترول في الدم بشكل دسم ( الكولسترول مادة شحمية اذا ترسبت على جدران الاوعية الدموية سببت ارتفاع الضغط ) وهو تارة أخري بشكل ينافي الكولسترول تماماً مع أن البناء الكيمياوي هو واحد ولكن تغيرت بعض ذرات البناء فقط فإذا بهذا المركب يصبح هورموناً يعطي صفات الذكورة كلها من توزع الشعر في البدن وخاصة الوجه وغلظ الصوت وشدة العضلات وضيق الحوض واتساع الصدر والمزاج الشديد نسبة للانثى ونموا الأعضاء التناسلية الخاصة ، وبينما هذا المركب يمشي في هذا الاتجاه إذا بتحولات طفيفة تطرأ على بعض ذراته فاذا به ينقلب بشكل عجيب ويصبح هورموناً أنثوياً يعطى للأنثى كل صفات الانوثة من توزع الشعر ، ورقة الجلد ، ونعومة الصوت ، وكثرة الشحم في البدن ، وضعف العضلات وكبر الحوض العظمي حتى يتسع للحمل والولادة وضيق الزنار الكتفي

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274