الطبّ محرابٌ للإيمان

الطبّ محرابٌ للإيمان14%

الطبّ محرابٌ للإيمان مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
تصنيف: كتب الأخلاق
الصفحات: 274

الطبّ محرابٌ للإيمان
  • البداية
  • السابق
  • 274 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 105410 / تحميل: 10291
الحجم الحجم الحجم
الطبّ محرابٌ للإيمان

الطبّ محرابٌ للإيمان

مؤلف:
الناشر: مركز الرسالة
العربية

١
٢

٣
٤

تقديم

تعاني البشرية اليوم أزمة وهذه الأزمة ليست اقتصادية فالأوضاع الاقتصادية تمشي على ما يرام ، والبشرية تتحسن من ناحية الدخول اليومي والفقر يكافح بشدة وهو يمشي باتجاه الزوال ، والترف المادي يظلل أمماً كثيرة على وجه الأرض(١) كما ان الأزمة ليست كامنة في الخوف من الحرب حيث ان توازن القوى العالمية وتطور السلاح النووي عند الأمم المتصارعة أوصل البشرية إلى حالة عجيبة حيث ان القوة أبطلت القوة ، ولم تعد القوة هي التي بواسطتها يمكن حل المشاكل ، فالسلاح النووي الموجود في متناول يد البشر بمقدوره أن يفني ٢٣ مثلاً من البشرية الحاضرة ، ولذا فان البشرية اضطرت مرغمة أن تبحث في موضوع نزع السلاح النووي الرهيب

كما أن الأزمة ليست في إدارة وتنظيم الحياة حيث أن تعقيد الحياة

__________________

(١) البلاد الاسكندنافية تعد أكثر أمم الأرض ترفاً حيث يوجد فيها أعلى متوسط دخل للفرد سنوياً ، كما فيها الضمانات الكثيرة للمعيشة والزواج والدراسة ، ومع ذلك فان أعلى نسبة انتحار في العلم توجد في بلاد السويد والنروج.

٥

وتسييرها الفني الآن لمما تفخر به البشرية لأن التنظيم والادارة واستعمال الادمغة الالكترونية شيء عجيب لمن يطلع عليه ويدرس كيف تسير الأمور فلقد أعلنت احدى الشركات الأمريكية انها ستزل الى السوق عقلاً الكترونياً يتسع الى ألف مليار من المعلومات وهي تساوي في عالم الإحصاء واحداً من ألف من جميع المعلومات المتاحة للجنس البشري والموجودة في مكتبات العالم كلها حيث تصل الى مليون مليار من المعلومات ، ويجري حديثاً الآن تصميم جهاز بامكانه ان يكلم مائتين وخمسين من السائلين في وقت واحد ، ويقال انه في أمريكا فقط سيكون لديها في عام ١٩٨٠ ثمانون ألف عقل الكتروني

ولكن مع هذا فهناك أزمة تأخذ بالخناق وتلح وتضغط على العقل البشري المتزن الهادئ وعلى كل من يدرس الأوضاع وينظر بعين المتأمل الى واقع الحياة البشرية هذه الأزمة هي أزمة الضمير والوجدان البشري الذي لم يذق طعم الراحة والسعادة رغم كل هذه التيسيرات المادية الهائلة. انه مريض يعاني من مرض عضال قد استعصى حله ، وكل ما نرى في واقع الحياة البشرية انما هو من نتائج هذه الأزمة وانك لتسمع صيحات الخطر والانذار من العقلاء في الأرض جميعاً من الشرق والغرب على حد سواء وأبرزها صيحة الدكتور ألكسيس كاريل الفرنسي الذي قضى عمره في دراسة الطب في كتابه ( الانسان ذلك المجهول ) ودعا فيها الى تغيير الحضارة التي نعيشها وإبراز فكرة أخرى للتقدم البشري

ان منشأ هذه الأزمة هو أن كل ما درس عن الانسان ناقص مشوّه ، كلّ الدراسات على الاطلاق ، وخاصة في علم النفس الذي اعتبر عاماً

٦

خاضعاً للدراسة فقد كان العلماء يتعثرون جداً فيه كما تضاربت نظرياتهم وآراؤهم. والسبب في ذلك هو ان عالم النفس ليس كعالم المادة ، فدراسة المادة بلغت حداً هائلاً من التقدم ولكن علم النفس يقف كالقزم المشوه الصغير أمام دراسات عالم المادة ، ولكن المهم هو ان علم النفس قرر وبدأت دراسته ومع الزمن شيئاً فشيئاً تصحو البشرية الى فهم الانسان أكثر فأكثر ولكن التقدم بطيء واعطاء القواعد الأساسية والمفاهيم الراسخة أصعب

هذه الأزمة هي أزمة الشرود عن الله ، هي المعرفة الناقصة المشوهة المبتورة التي ليس لها علاقة بالذي صمم هذا الوجود وفطره ، والذي أحسن كل شيء خلقه ، ان الانسان الذي يدرس في الوقت الحاضر الدراسات المختلفة ومنها الدراسة الطبية العجيبة الواسعة يجد ان هذه الدراسة مجزأة فهي مجموعة مفرقة من المعلومات ، واكداس من ملاحظات ضخمة لا يجمعها شيء ولا يلم شتاتها خيط؟! كما ان هذه الدراسة ـ يشعر الانسان بعد أن ينتهي منها ـ انها ما دلته بشكل مباشر على القصد والتصميم في خلق الانسان العجيب

وكان لهذا الضرب من التفكير والدراسة النتائج السيئة في العقل والقلب وقد أعطت نتائج معاكسة للشيء الذي يجب أن يصل اليه الدارس ، لذا كان هذا الكتاب الذي يقوم بهذه المحاولة المتواضعة لاعادة انشاء الصلة الطبيعية بين هذه الدراسة وبين ما تدل عليه وتقود اليه

أولاً : أهملت الدراسة النفسية في الطب ، فكل الأمراض سببها حمات راشحة وجرائيم وطفيليات ولكل مرض أعراضه ، وعندما وضعت

٧

الاسباب النفسية في الامراض ـ وقد حرث هذا مؤخراً حيث حشدت الاسباب النفسية من جملة الأمراض ـ وضعت بشكل مبهم غير محدد أو واضح ، بخلاف عرض المرض حينما يكون سببه جرثومياً أو فطرياً أو طفيلياً ، وهذا خلل بشع في الدراسة مع اعتراف المؤلفين في كتاباتهم ان الأسباب النفسية الروحية تلعب دوراً هاماً في كل حادث من أحداث البدن ، هذا الخلل البشع مضاعف الجانبين ، فهناك اهمال من جهة كما ان الدراسات غير متوفرة والمعالم مجهولة في مثل هذه الأبحاث من جهة أخرى ، ولكن الشيء الذي نقرره هنا في هذه البحث انما هو : ان الدراسة الطبية أهملت الدراسة النفسية الروحية ، فالدراسة المادية واسعة جداً وكل فرع له كتابه بل كتبه التي لا تنتهي ، أما الدراسة النفسية فكتاب واحد صغير أو ملخصات بسيطة يقدم فيها الطالب امتحانه

وهكذا يخرج الذي يدرس هذه المادة وهو متضخم في جانب وضامر بشدة في جانب آخر ، مع ان الدراسة النفسية الروحية يجب أن تعطى من الأهمية ما للجانب الآخر ، ولعل المستقبل يضطر الباحثين الى الدخول في هذا الباب ولو لم يريدوا ، ذلك لأن الكثير من أسباب الامراض ومعالجاتها مدخلها نفسي بحت

وثانياً : ان تركيب الانسان بجوانبه المتعددة التشريحية والفيزيولوجية(١) والنسيجية كلها تجعل المتأمل ـ حتى بشلك بسيط ـ يخشع ويأخذه

__________________

(١) الفيزيولوجيا هو علم الغريزة عند الانسان او علم دراسة وظائف الاعضاء.

٨

العجب ـ كل العجب ـ لهذا التركيب الفذ الفريد. هذا في الجوانب المادية عند الإنسان فقط فما بالك في الجانب غير المنظور!. ولكن الدراسات والابحاث في هذا المجال كأنها تتعمد اغفال محصلة هذه الابحاث وتجعله يخرج بنتيجة سلبية عما رأى وعاين ، ومع هذا فان الفلتات تبدو هنا وهناك وهي تقر وتعترف ولو رغماً عنها بعظمة الإحكام والبناء وروعة التناسق والعمل فالذي يعلم أن هناك ثلاثة عشر ألف مليون خلية عصبية أي ١٣ مليار خلية عصبية ـ والخلية بحد ذاتها بناء محير مدهش كما سيأتي معنا بشيء من التفصيل ـ تعمل بشكل دقيق محكم متناسق متعاون لتأدية الأغراض الحيوية والفكرية. والإنسان يدهش للرقم أولاً ثم لكيفية عملها وترابطها وإبداعها!.

كلها أسرار محيرة وألغاز مدهشة يكشف الطب عن القليل منها والكثير يبقى طي الكتمان حتى يحين الوقت لكشف شيء منه؟ والذي بعلم ان هناك ٧٥٠ مليون سنخ رئوي يعمل لتصفية الدن وذلك بامرار غاز الاكسجين من الخارج الى الدم الاسود الوارد من البطين الايمن من القلب وطرح غاز الفحم منه يأخذه العجب كل مأخذ أولاً من عمل السنخ الواحد لان جداره رقيق ، فهو أرق من ورقة لفافة التبغ حيث يتألف الجدار من طبقتين من الخلايا لا تكاد ترى بالعين المجردة!. وهذه الملايين المجتمعة من الاسناخ تنقي الدم بشكل مستمر ، وتقوم بهذا الجهد حيث تنفخ الرئتان حوالي ٥٠٠ مليون مرة خلال الحياة وسطياً.

والكلية تقوم بتصفية الدن من جهة ثانية وفيها واحات صغيرة جداً لا ترى إلا بالمجهر حيث يتفرع الشريان الذي يغذي الكلية الى فروع دقيقة جداً حتى يصل الى تفريع شعري لا يرى إلى بالمجهر يلتف حول

٩

نفسه ليشكل ما يعرف بالكبة وفيها يمر الدم ببطء شديد ويتصفى بالرشح في الكبة قرابة ٢٠٠ ليتر من الدم يومياً ويعود ليمتص مرة أخرى بواسطة الانابيب الكلوية التي يمر منها قرابة ١٩٨ ليتر ويطرح ليتران فقط وهما اللذان يعرفان بالبول الطبيعي. وهذه الكبب يصل عددها الى المليون في الكلية الواحدة تقوم بتصفية مئات الالتار من الدن يومياً وان الروعة لتكمن في العدد وفي بناء الكبة وفي كيفية العمل وفي الروعة الهائلة لتخليص البدن من السموم التي تدخل جسمه والكثير الكثير من أمور الجسم العجيبة التي سنتناولها بالتفصيل اثناء البحث كل هذه الروعة والدقة والحكمة والعظمة والسرعة والاتقان والمهارة ، كل هذا يقوم على أساس القصد والتدبير والإحكام التي يغفل عنها المؤلفون أو يتجاهلونها.

إن هذا الكتاب سيقوم بتناول الوجهة الطبية التي تبحث تركيب الانسان أولاً من الوجهة المادية البحتة وهي تركيب الأجهزة والاخلاط والأعضاء وكيف تقوم بوظائفها ، وعن دقة تركيبها وبنائها النسيجي الى غير ذلك من الأبحاث ، ثم يتناول بعد ذلك البناء النفسي عند الانسان ـ على ضعف الامكانيات وغموض البحث وعسر الخوض فيه ـ ثم بعد ذلك عن رحمة الله للبشر حينما دلهم على ما يوافق تركيبهم المادي والروحي وجزاء الشرود عن هذا الطريق في صوره المتعددة التي منها الزنى والخمر وغير ذلك مع أبحاث متفرقة تكمل هذا البحث الذي تعجز المجلدات ومهرة الأدمغة عن الاحاطة به

ولا ننسب لأنفسنا القوة أو الامكانية في خوض هذا البحث العظيم الدقيق ، ولكن على الأقل بعد اطلاع دام سبع سنوات ، علينا أن

١٠

نحرر ما وقع نظرنا عليه ، حتى يعلم الذي لا تسنح له الفرصة بالاطلاع على ما اطلعنا عليه مقدار عظمة الله في نفسه ، وسيكون هذا البحث قدر الامكان مزوداً بالرسوم التوضيحية ، وبعد كل هذا نعوذ بالله من علم لا ينفع وقلب لا يخشع وعين لا تدمع ونفس لا تشبع ، كما نعوذ به من فتنة القول وفتنة العمل

ونأمل في هذا البحث أن لا نقع في الزلل والمعذرة للقارئ إذا وجد ذلك فهذا تركيب الانسان «وخلق الإنسان ضعيفاً »

خالص جلبي كنجو

* * *

١١
١٢

مدخل البحث

المصادفة والقصد أو التصميم

كل ما في الكون ابتداء من بناء الذرة حتى أعقد أشكال الحياة يشير الى التصميم والقصد في بناء الكون الحياة ، ولكن مع هذا فهناك شبهة تدور في ذهن البعض وهي رد كل شيء الى « الصدفة » والحق يقال ان الصدفة بذاتها أو فكرة المصادفة أو الاحتمالات لها قانون قائم بذاته يدرسه طلاب الجامعات في كلية العلوم وله بحث قائم بذاته فليس هناك مجال لخبط عشواء

والآن ما هي فكرة المصادفة؟

هناك فرق بين شيئين الأول هو خلق الشيء ، والثاني ترتيب الشيء أو تركيبه حيث ان فكرة المصادفة لا يمكننا ان ندخلها البحث الأول لأن الموجود لا تحكمه قانون المصادفة بحال من الأحوال ، وأما تركيب الأشياء فقد يبقى موضع بحث ، كما أن حركة الشيء لا يمكن أن يرد الى المصادفة ، وهكذا تجد ان قانون المصادفة يبقى مشوهاً مبتوراً منذ الأساس ، فإلقاء حجر النرد ذي الوجوه السداسية قد تلعب الصدفة دورها

١٣

فيتكرر رقم واحد خمس مرات أو ست مرات أو أكثر ، ولكن احتمال هذا نادر جداً كما أن احتمال سحب أوراق مرقمة من ١ ـ ١٠ وموضوعة في كيس واحد بصورة مرتبة متدرجة ( بحيث ان الرقم ١ يأتي في الأول ثم تتبعه الأرقام التالية بالترتيب ) احتمال ضعيف ونادر ولكن أين لقانون المصادفة أن يلعب دوره في الوجود أصلاً أو في حركة المادة من الأساس؟!

وهناك فكرة الحياة أو ظاهرة الحياة حيث يبقى قانون المصادفة عاجزاً عند هذه العتبة. فترتيب المواد بكيفية ما قد يوضع في مدار البحث ولكن انبثاق الحياة من الموات يبقي كل من يريد أن يبحث عاجزاً عن التفسير كليلاً في البحث وهذه نقطة أخرى جديرة بالنظر.

أولاً : أما قانون المصادفة فصيغته الحرفية :ان حظ المصادفة من الاعتبار يزداد وينقص بنسبة معكوسة مع عدد الامكانيات المتكافئة المتزاحمة . وإليك مثلاً يوضح هذه الصيغة ، وقد مر معنا وهو : وضع عشرة أرقام مرقمة من واحد الى عشرة في كيس واحد. فان احتمال ان يكون الرقم واحد هو الأول احتمال واحد من عشرة لأن كل رقم من الأرقام العشرة قد يكون هو المسحوب ، فالمصادفة ليس لها وجدان ولا ذاكرة كما يقول الرياضي الكبير جوزيف برترند.

وثانياً : ان تطبيق هذا القانون انما يتم على المادة غير الحية ، فدراسة الاحتمال على ضغط غاز في وعاء أو خليط من غازات قد يصح ولكن على الخلية وباقي الحياة فانه يقف ، لان الترابط في الخلية مع ظاهرة الحياة معجزة ومحيرة الى حد يجعل هنا القانون غير ساري المفعول في هذا المجال

وثالثاً : حتى يمكن فهم هذه المسألة المعقدة فسوف نضطر الى ذكر

١٤

بعض أمثلة تحدد هذا القانون ونبدأ بالبسيط حتى نصل الى الصعب المعقد.

المثل الأول : هو دور المصادفة في المثل الأول الذي مر معنا وسوف آخذه بالتفصيل الآن ، لو كان معنا كيس فيه عشرة أرقام من ١ ـ ١٠ وأردنا أن نسحب ورقة واحدة فان احتمال أن يكون الرقم واحد هو الأول هو احتمال واحد من عشرة لانه كما ذكرنا كل رقم قد يكون له الحظ في أن يكون هو المسحوب ولكن المثل يعتقد بشدة أكثر عندما نريد أن نسحب رقمين متتابعين فان احتمال أن يكون الرقم واحد ثم يتبعه الرقم اثنان هو احتمال واحد ضد مائة لاننا لو فكرنا كيف سيتم الأمر فان احتمال رقم واحد ثم تنبعه الارقام الباقية بشكل غير محدد مثل واحد يتلوه سبعة أو واحد يتلوه ثلاثة حتى يكتمل نصاب عشرة مرات ثم بقية الأرقام بالطريقة نفسها فيكون المجموع مائة مرة وهي احتمال أن نسحب رقمين متتاليين ويكون الرقم الأول واحداً والثاني اثنين ثم يتعقد المثل أكثر عندما نريد أن نسحب ثلاثة أرقام متتالية بحيث تخرج الارقام واحد ، اثنان ، ثلاثة متتابعة فيكون احتمال ذلك هو واحداً صد ألف ، وهكذا نتدرج في التعقيد والصعوبة حتى نصل الى حد عجيب وهو اذا أردنا أن نسحب الارقام العشرة مرتبة بعضها تلو بعض بحيث تخرج الارقام من واحد الى عشرة متتابعة فان احتمال هذا هو واحد ضد عشرة مليارات ، أي اننا إذا أردنا أن نسحب الاوراق عشرة مليارات مرة فان احتمال أن تخرج الارقام مرتبة بعضها تلو بعض بشكل متدرج من ( ١ ـ ١٠ ) هو مرة واحدة ، قد تكون المرة الاولى هي التي ستكون المطلوبة ولكننا لا ننتظر معجزة لان الطبيعة شريفة غير مخادعة ولان احتمال عشرة مليارات هو الذي يرد الى الذهن قبل

١٥

المرة الواحدة؟! وهذا مثل بسيط جداً وهو سحب أرقام وسننتقل الى ضرب أمثلة معقدة أخرى بحيث اننا سنصل الى أن نعطي للمصادفة الصفر وهي الاستحالة وستأتي معنا!!

والآن إلى مثل آخر وهو من عالم الادوية والصيدلة ، لنفرض ان لدينا صيدلية مليئة بأنواع مختلفة من المعاجين والأحماض والاسس والمراهم المنوعة والادوية العديدة ، ثم فجأة حدث اهتزاز أرضي بحيث ان هذه الرفوف التي تحمل هذا الادوية والمعاجين طرحت كل ما عليها وسالت الأدوية على الارض واختلطت ببعضها وامتزجت المراهم والمعاجين والمساحيق والسوائل ، ولما مضت الهزة الارضية رجعنا الى هذه الصيدلية فاذا بنا أمام خليط غير متجانس من الأدوية ، ان هذا الفرض هو الاقرب للمعقول ، ولكن كيف الحال لو وجدنا ان هذا الخليط قد حقق جواء جديداً ليس في البال؟ بالطبع ان هذا مستغرب جداً لان تركيب الدواء يحتاج إلى نسب معينة محددة والى تفاعلات معينة محددة ، ولكن مع ذلك قد يصدق ، ولكن كيف الحال لو ان اختلاط هذا الادوية والمساحيق والسوائل والمراهم قد اوجدت دواء جديدا فذا يعالج مرضا مستعصياً على الاطباء حتى الآن كما في الصدف أو الصلح وهما مرضان جلديان غير مميتين أو معديين ( من العدوى ). او يشفي أمراضاً مخيفة كالسل والسرطان(١) ان هذا في عالم المستحيل ، لأن تكون الدواء

__________________

(١) يحرب سنوياً في امريكا ما يقرب من ٤٠ الف دواء كل واحد مركب بنسب دقيقة وموجه من ادمغة علمية ومع ذلك تخيب جميع المعالجات إلا واحداً يفيد بشكل بسيط وعلى نطق محدود جداً لا يحل المشكلة التي تعاني منها البشرية حتى الآن.

١٦

بنسبة معينة وبكيفية معينة ليشفي مرضاً مخيفاً له حساب احتمالات فوق التصور.

بل كيف لو أن هذا المزيج ركب خلية أو كائنا حياً سواء أكان نباتاً أم حيواناً بالطبع إن هذا لا يدخل ولا يندرج في البحث أصلاً لأن امكانيات المصادفة تقف عند هذه العتبة وهي انبثاق الحياة. ومثل آخر يلقي نوراً في هذا البحث وهو مثل المطبعة لو فرضنا انه لدينا مطبعة وفيها نصف مليون حرف ثم حدثت هزة أرضية القت الحروف بعضها فوق بعض حتى اختلطت إلى حد كبير وتراكمت فوق الارض ثم عدنا بعد ذلك إلى المطبعة بعد أن انتهت الهزة الأرضة لنرى خليطاً غير متجانس من الحروف والكلمات ان هذا هو الأقرب للمعقول ولكن كيف الحال إذا رأينا جملة أو جملتين مفيدتين فيهما معنى جميل أو مثل عميق أو بيت من الشعر بالطبع ان هذا بعيد جداً ، وحتى لو حدث سيثير دهشة واستغراباً عميقين عند من يرى هذا الشيء ، وبالطبع ان هذا يعود إلى قانون الاحتمالات وهو هنا تزاحم الحروف حتى تشكل الكلمات ولقد مر معنا ان سحب عشرة أرقام متتالية واحتمال خروجها مرتبة بعضها خلف بعض بالترتيب هو احتمال واحد ضد عشرة مليارات ولكن هنا المثل معقد جداً فهو ليس تزاحم عشرة أرقام بل خمسمائة الف حرف؟! فالمثل يبلغ حداً من التعقيد بحيث ان قانون الاحتمالات يصل إلى درجة المستحيل فيما إذا رجعنا إلى المطبعة لنجد قصيدة مؤلفة من ألف بيت من الشعر الموزون الجميل ذي المعنى العميق والوزن المتناسق ولا يوجد فيها أي خلل لغوي بالطبع ان هذا في عالم المستحيل لأنه في عالم الرياضيات ـ وهو عالم دقيق ـ توجد حسابات دقيقة محددة

١٧

ومعلوم فيها ان أي عدد أو زاوية أو رقم تناهى في الصغر فانه يصل إلى الصفر وهو يعتمدالقانون المعروف=( أي لا نهاية ) وهنا أمامنا في قانون الاحتمالات امكانية واحتمال حدوث هذا الشيء يبلغ رقماً لا يمكن تصوره بحيث انه يملأ من الأصفار صفحات وبحيث انه لا يقرأ بشكل عملي أي يصل إلى اللانهاية وبالتالي فهو في عالم المستحيل أي يستحيل حدوثه ، وهكذا يمكن نسف فكرة المصادفة بشكل جذري ونهائي حتى في عالم المادة قبل عالم الاحياء الذي وقفت عنده فكرة المصادفة.

وخذ مثلاً آخر وهو مثل الانبوب الزجاجي فلو فرضنا ان لدينا انبوباً زجاجياً وفيه ألف كرة بيضاء وألف كرة سوداء والكرات البيضاء تعلو الكرات السوداء ، وهذا الانبوب يتصل من إحدى نهايته بكرة زجاجية مجوفة تتسع إلى أكثر من ألفي كرة من حجم الكرات الموجودة في الأنبوب الزجاجي ، فلو القينا نظرة على الانبوب الزجاجي لوجدنا اللون الأبيض واضحاً كما ان اللون الأسود واضح ، ولكن لو فرضنا اننا املنا الانبوب الزجاجي ( وهو لا يتسع في قطرة إلا لكرة واحدة فقط بحيث تصبح الكرات بعضها فوق بعض ) بحيث أن الكرات اختلطت في النهاية المجوفة التي تتسع للجميع فان اللون يصبح رمادياً ، وإذا أردنا ارجاع الكرات الى الانبوب الزجاجي فان اللون لا يعود كما كان أي الأبيض متميز عن الأسود بل يصبح اللون رمادياً وذلك لامتزاج الكرات السوداء مع البيضاء امتزاجاً تاماً والآن فان امكانية أن تعود الكرات إلى ما كانت عليه أي الألف كرة البيضاء

١٨

منفصلة عن الكرات السوداء تحتاج إلى احتمال لا يمكن تصوره وهو احتمال ٤٨٩ × ١٠٦٠٠ أي رقم ٤٨٩ مسبوق بـ ٦٠٠ صفر إلى اليمين وهذا يحتاج الى ملء اسطر عديدة من الاصفار وهو رقم لا يمكن قراءته بحال. وهذا المثل هو فقط في ناحية اللون مع تماثل باقي الشروط فكيف الحال لو حدث تغير في شروط اُخرى وأين سيكون قانون المصادفة عند ذلك وهذا كما ذكرنا في عالم المادة فقط وفي ترتيب الاشياء

وهناك امثلة أخرى متعددة في هذا الباب ولكنا سنختم الامثلة بمثل أخير قام به عالم رياضي سويسري هو تشارلز يوجين جاي على ذرة واحدة من العضويات والتي يمكن أن تشترك في تركيب خلية واحدة من خلايا الكائنات التي تعمر هذا الوجود ومع أن الوزن الذري لابسط الأحيات هو ٣٤,٥٠٠ وهو آح البيض ومع ذلك قام بتبسيط أول فاعتبر الذرات ٢٠٠٠ ( الفي ذرة ). وقام بتبسيط آخر فاعتبر ان الذرات هي نوعان فقط بينما هي في الحالة العادية أربع جواهر على الاقل وهي الفحم والهيدرجين والاكسجين والآزوت بالاضافة إلى الكبريت والنحاس والفوسفور وغيرها من العناصر. وقام بتبسيط ثالث وهو اعتبار الوزن الذري عشرة وسطياً مع ان الفحم ١٢ والاكسجين ١٦ فكانت نتيجة الحسابات التي وصل اليها هي أقرب للخيال منها إلى الحقيقة حيث أن احتمال حدوث هذه الذرة تحتاج لثلاثة أشياء. أولاً : الاحتمال النظري لحدوث هذه الذرة وثانياً : المادة وحجمها التي بامكانها أن تعين رقم الاحتمال وثالثاً : الزمن الذي تحتاج اليه نظرية الاحتمالات حتى يمكن تشكيل هذه الذرة الواحدة فقط؟!! ...

١٩

فكان احتمال المصادفة تقريباً ٢ × ١٠٣٢١٠ أي مسبوق بـ ٣٢١ صفر إلى يمين الرقم!!!

وأما الحجم من المادة الذي نحتاج اليه حتى تتحقق مثل هذه المصادفة فهو بحجم كرة ضخمة يحتاج الضوء لكي يقطع قطرها الى ١٠ ١٦٤ سنة أي رقم واحد أمامه ١٦٤ صفراً ، ونتيجة قراءة هذا الرقم يكون بالسنين الضوئية وهو ما يعادل المسافة التي لو سار الضوء سنة زمنية كاملة يستطع أن يقطعها وهي ما تصل إلى رقم ستة ملايين مليون ميل أي ٦ × ١٠١٢ ميل حيث أن الضوء يقطع في الثانية الواحدة ٣٠٠ الف كيلو متر أو ١٨٦ الف ميل أو كما ذكرنا في السنة الواحدة ١١ مليون ميل و ١٦٠ الف ميل أو كما ذكرنا في السنة الواحدة ٦ مليون مليون ميل على وجه التقريب حيث وصلنا الى هذا الرقم بضربه عدة مرات حتى نصل إلى رقم السنه ، فهذه الكرة المادية التي نحتاج اليها لحدوث احتمال تكون ذرة بسيطة مكونة من الفين من الذرات وذات نوعين فقط من الجواهر وذات زون ذري وسطياً يبلغ العشرة ( كما ذكرنا ثلاث تبسيطات لهذه الذرة الوحيدة ) هي ذات قطر يبلغ بالسنين الضوئية ١٠ ١٦٤ سنة؟!! وهذا الرقم يبلغ في علم الفلك أكبر من الكون الذي تخيله انشتاين بـ سكستيليون سكستيليون سكستيلون مرة ( تشارلز يوجين جاي )(١) .

وبقي علينا الشيء الثالث وهو الزمن بالاضافة الى الاحتمال والكون

__________________

(١) بعض الامثلة نقلت بتصرف عن كتاب مصير البشرية لكاتبه ليكونت دي نوي.

٢٠

المادي فلو فرضنا ان عامل الخض الحروري هو الذي يعمل وبقدر يبلغ 500 مليون تريليون هزة في الثانية الواحدة أي 5 × 1014 / ثا ، والتي هي من رتبة ذبذبة الضوء ، فان الزمن الذي نحتاج اليه مع كل هذا هو 10243 بليون سنة.

ولكن يجب أن لا ننسى مع ذلك ان الأرض على آراء الجيولوجيين لم توجد إلا منذ بليوني سنة كما أن الحياة لم توجد إلا منذ بليون سنة ( 1 × 109 ) وهكذا فاننا نجد انفسنا ان الامكانية الزمانية والحجم المادي لا يسعفنا في تحقيق تكوين ذرة واحدة ( مع وجود الذرات بالأصل أي ليس الخلق ) وهكذا نصل إلى أن نجعل فكرة المصادفة هي الاستحالة لذرة واحدة. ولكن الكون ليس ذرة واحدة فقط مصممة على نسق عجيب وتكوين غريب ، فتكوين الذرة مدهش محير وتركيب الفلك مدهش محير ، وتركيب الخلية مدهش محير ، وتركيب الانسجة مدهش محير ، وتركيب الاعضاء مدهش محير ، كما ان تركيب الكائن الحي مدهش محير ، وأما النفس فهي ذلك العالم الغامض المجهول الذي تستشف البشرية بعض مكنونانه الآن

وهكذا نرى ان هذه الفكرة مستحيلة وذلك في مستويات بسيطة وهي كما ذكرنا امثلة منها بناء الذرة الآحية البسيطة ، ولكن الكون للناظر فيه من الاعاجيب واشكال الحياة المعقدة. بل ان تركيب الخلية بالذات محير مدهش كما قلنا وسنبحث ذلك فيما سيأتي معنا وهكذا نصل الى تقرير قاعدة أساسية في مستهل ابحاثنا اردناها في هذا الكتاب وهي ان كل هذه الدقة والتعقيد والجمال والروعة في بناء الكائن الانساني

٢١

انما هي من ارادة الله عز وجل الذي خلق هذا الانسان لهدف مرسوم وغاية محدده( أفحسبتم انما خلقناكم عبثاً وانكم الينا لا ترجعون فتعالى الله الملك الحق لا إله إلا هو رب العرش الكريم ) المؤمنون( ايحسب الانسان أن يترك سدى؟ ألم يك نطفة من مني يمنى. ثم كان علقة فخلق فسوى. فجعل منه الزوجين الذكر والانثى. أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟ ) النازعات.

٢٢

بعض أسرار الذرة ..

و ...

الخليّة ...

مع فكرة عن ظاهرة : الموت والحياة ..

نظراً لأن البحث الذي نخوض فيه يجب أن يكون متكاملاً ولا يشعر القارىء ان فيه فجوات ولذا فلابد من عرض نقطة البحث الاساسية وهي تكوين الكون بالاصل الذي يقوم على قاعدة الذرة حيث ان بناء الذرة بالذات معجز ومحير ، استطاع العلماء أن يضعوا له شكلاً رسموه في اذهانهم وتحقق فعلياً عندما حدثت ظاهرة انشطار ( انفلاق ) الذرة ولكن نتائج ذلك مع الاسف كانت مع خط التخلف الفكري البشري الذي تمثل في ظاهرة التدمير والحرب التي لا تبقي ولا تذر فكان القاء القنابل الذرية وتطوير السلاح النووي

٢٣

٢٤

الـذرة

بناؤها ـ وزنها ـ أبعادها

مع فكرة عن الجدول الدّوري التضيف العناصر

لمندلييف

الذرة هي أصغر جزء في الكون وقد سميت باللغة الأجنبية Atom أي الجزء الذي لا يتجزأ ، وقد كان يظن في القديم أنها اصغر شيء وهي جزء واحد لكل العناصر ، ولكن العلم الحديث وجهود العلماء التي بذلت في القرن الحالي استطاعا أن يصلا إلى تحديد أساسي جوهري لبنية الذرة. فلقد وجدوا ان الذرة بتركيبها هي أقرب ما تكون للنظام الشمسي ، فهي تتكون من الناحية المبدئية من ثلاثة أجزاء : في المركز يتوضع البروتون وهو ذو شحنة ايجابية ومعه النترون وهو ذو شحنة حيادية وهناك في المدارات الخارجية تتوضع الالكترونات وهي ذات شحنة سلبية ، وعدد البروتونات الموجودة في النواة تساوي عدد الاكترونات المتوضعة في المدارات الخارجية ، وهكذا تتوازن الذرة من الناحية الكهربائية ، وأما وزن الذرة فهو يتوقف بشكل أساسي على البروتون والنترون ، حيث يوازي النترون من ناحية الوزن البروتون ويشكل معه الوزن الأساسي للذرة. ولقد وجد أن وزن البروتون هو

٢٥

1,6×10ـ24 غرام ، أي أن الغرام الواحد من الناحية الوزنية يساوي مليون مليار مليار مرة ، أو بكلمة أخرى أن وزن البروتون هو جزء من مليون مليار مليار من الغرام على وجه التقريب ، والنترون ذو الشحنة الحيادية يقترب بالوزن من وزن البروتون ، ولذا يشكل مع البروتون كما ذكرنا وزن الذرة. أما الاكترون فهو أخف من البروتون بكثير وان كان يعادله من ناحية الشحنة الكهربائية ، فوزن البروتون يساوي 1837 مرة وزن الالكترون ؛ ولذا فان الأخير ذو وزن صغير جداً إذا قيس بالبروتون ، وأما الشحنة الكهربائية للالكترون أو البروتون المتعادلين فهي تساوي 1,6 × 10ـ19 كولون ( وحدة من وحدات الشحنات الكهربية ) ، وأما من ناحية الأبعاد فالذرة تشبه شكلاً كروياً ، وقطرها ضئيل يعادل الانغستروم ( 10ـ8 سم ) أي جزء من مائة مليون من السنتمتر ، ولكن العجيب يكمن في ان قطر النواة هو من رتبة 10ـ12 سم أي أصغر من قطر الذرة بـ 10 آلاف مرة ، بحيث لو اننا كبرنا على سبيل المثال ذرة الهيدرجين مليار مرة فان الذرة تصبح كرة يبلغ قطرها قدمين ، ولكن الكتلة الذرية أي النواة ستجتمع ( بروتونات ونترونات ) بشكل حبة الرمل في مركز الكرة والسبب في هذا يعود إلى الفراغ الهائل في تكوين الذرة ما بين البروتونات والالكترونات ، وهو كما ذكرنا ينوف على 10 آلاف مرة وهو في الحقيقة أمر يدعو إلى الدهشة والحيرة في أسرار الذرة وألغازها التي كشف القرن الحالي عنها.

ونضرب مثلاً على ذلك فنقول : لو أن عشرة ملايين ذرة اجتمع بعضها بجانب بعض ، فإنها تبلغ طولاً قدره مليمتر واحد فقط ، والغريب

٢٦

هو فيما يسمى بعدد افوغادرو أو الذرة الغرامية فما هي يا ترى أعداد الذرات في غرام واحد من الهيدروجين مثلاً؟. يقول العلماء انهم توصلوا إلى حساب عدد الذرات الموجودة في غرام واحد من الهيدرجين بطرق متعددة ومعقدة ، وكلهم اتفقوا على رقم واحد هو 6,2 × 1023 أي إذا أردنا أن نسميه فنقول إن غراماً واحداً من الهيدرجين فيه 600 ألف مليار مليار ذرة ، وهو عدد يجعل الرأس يدور ويعجز عن التخيل والتصديق وخاصة إذا ضربنا هذا المثل : وهو لو اننا وضعنا هذه الذرات جانب بعضها بعضاً في خط مستقيم فكم سيكون طول الخط الذي ستشكله هذه الذرات من غرام واحد فقط من الهيدرجين؟ إن هذا الخط سيكون بطول 400 ضعف عن الطول الممتد ما بين الشمس والارض والذي هو 93 مليون ميل لأن الخط هو 60 مليار من الكيلومترات وهم رقم محير فعلاً

وأما الألكترونات ذات الشحنة السلبية والتي تتوزع في المدارات الخارجية فهي تدور حول النواة ولكن بأي شكل يا ترى ، لقد اختلف العلماء في هذا الصدد ابتداء من الذين اكتشفوا المعطيات الأولى للذرة ومن جملتهم رذرفورد وبور ، وأخيراً هايزنبرغ الالماني حيث استطاعوا أن يصلوا إلى تفسير يعتبر عجيباً في حد ذاته عن دوران الالكترون حول البروتون ، فقالوا إنه لا يمكننا بالضبط أن نعرف في لحظة معينة أين يوجد الالكترون في دورانه حول البروتون ، قد نقول إنه يحتمل في لحظة ما أن يكون احتمال وجوده أكثر في نقطة دون أخرى ، أما تعيين ذلك بالضبط فهو غير ممكن ، ولنسمع إلى طرف من أقوالهم في هذا الصدد وهو مبدأ عدم التأكد. يقول هايزنبرغ : إن معلوماتنا في

٢٧

لحظة معية عن مكان أي جسم مادي صغير وحركته ليست دقيقة تماماً ، أي أن هنالك شكاً في صحتها يزداد كلما كان الجسم أصغر ، وهذا الشك جزء من طبيعة الاشياء ، ولا علاقة له بتاتاً بخواص الجهاز المستعمل للفحص أو القياس ، وبالتالي فإنه لا يوجد أي واسطة للتخلص منه ، وهو موجود في جميع القياسات إنما يصبح واضحاً ويجب أخذه بعين الاعتبار فقط في حالة الاجسام الصغيرة جداً(1) )

وهكذا يمكن القول أن الإلكترون لا يتبع مساراً معيناً محدداً في حركته حول النواة ، بل هو حر في أن يتحرك في كل الفراغ المحيط بالنواة ، وكل ما نستطيع معرفته هو احتمال(2) وجود الالكترون في مكان معين في لحظة معينة ، ولذلك فإن سلوك الالكترون يعين كتابع احتمال باللغة الرياضية.

والعجيب يكمن في سرعة دوران الالكترون حول النواة التي لا يعادلها شيء سوى سرعة الضوء وهي فعلاً محيرة ولا يمكن تصورها بل يمكن تعقلها فقط. حيث أن سرعته ان رتبة قطر الذرة كما قلنا هو 10ـ8 سم أي جزء من مائة مليون من السنتمتر ، لقد وجد ان سرعة دورانه هي 100/1 من سرعة الضوء ، والمعلوم أن سرعة الضوء هي 300 الف كم في الثانية الواحدة ، فتكون سرعة دوران الالكترون في الثانية الواحدة حول النواة هي ثلاثة آلاف كيلومتر ، وهو فعلاً رقم محير ومدهش لمن يقف

__________________

(1) عن كتاب الكيمياء العامة واللاعضوية للدكتور موفق شخاشيرو.

(2) هذا يذكرنا بقول الله تعالى :( وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ) حيث عجز العلماء عن التحديد كما ترى فهو غيب مع ان الامر في قاعدة بناء الكون.

٢٨

ويتأمل أسرار الكون والحياة ، حيث يضج كله بالحياة والحركة في صورة دوران الالكترون حول النواة ، ولذا يمكن تصور الالكترون كغمامة مشحونة سلباً تختلف كثافتها من نقطة لأخرى ولكنهما تزداد في المناطق التي يكون وجود الالكترون فيها اكثر احتمالاً كما ذكرنا

ولقد وجد أن أبسط ذرة في الكون هي ذرة الهيدرجين ، لأن النواة تحمل بروتوناً واحداً ، والمدار الخارجي منه الكترون واحد ، وبتدرّج بناء الذرات بشكل عجيب محير ، حيث يزداد بناء الذرة بروتوناً بروتوناً ، والمثل على ذلك الهليوم حيث يوجد في النواة بروتونات ، ثم الليتيوم حيث يوجد ثلاثة ثم البريليوم حيث يوجد أربعة ثم البور خمسة ثم الفحم ستة ثم الآزوت سبعة ، اكسجين ثمانية ، فلور تسعة ، نيون عشرة ، صوديوم أحدى عشرة ، مغنزيوم اثنتا عشرة ، وهكذا يتدرج حتى يصل إلى معدن اللانتانيوم حيث له سلسلة خاصة تمتد من رقم 57 ـ 71 أي 57 بروتون ، وباضافة واحد ثم واحد تدريجياً حتى نصل إلى معدن له 71 بروتون. ( نحن نذكر البروتون فقط لأن الوزن لا يتعين فقط كما ذكرنا بالبروتون بل مجموع البروتونات والنترونات ذات الشحنة الحيادية ) ثم يتدرج أيضاً حتى الرقم 89 في عنصرالاكتانيوم حيث له سلسلة خاصة تمتد من 89 ـ 103 ، وهذا الترتيب العجيب جعل الكيماوي الروسي مندلييف يكتشف الجدول الدوري للعناصر الموجودة في الطبيعة ، وكانت نقطة تحول هامة في فهم العناصر وترتيبها فهي موجودة وفق قانون وليس خبط عشواء كما دحضنا سابقاً فكرة الصدفة ، فالذرات لمن يراها يتصور مهندساً يرتب الذرات فيضيف الى السابقة بروتوناً جديداً وعدداً معيناً من النترونات فإذا هو عنصر جديد له مواصفات جديدة وخواص

٢٩

جديدة ، فالهليوم كما ذكرنا فيها اثنان من البروتونات ويأتي بعده الليتيوم وهو عنصر معدني بينما الأول هو غاز من الغازات الخاملة ، بينما الليتيوم يعتبر من المعادن النشيطة فما الذي حدث؟ ان هذا لا يقول عنه العلم شيئاً

ثم نأتي لنرى كيف تلعب النترونات الدور المهم في اعطاء الوزن الذري لكل عنصر ، فنحن كما ذكرنا نجد ان وزن الهيدرجين يأتي من وزن النواة حيث يوجد فيه بروتون واحد فوزنه الذري واحد والهليوم وزنه الذري 4 وليس 2 لأن فيه بروتونات 2 ونترونات 2 ، واما الليتيوم فوزنه الذري 6 وليس 3 لأنه فيه 3 بروتونات و 3 نترونات ، وأما البريليوم فوزنه الذري 9 لأن فيه بروتونات 4 ونترونات 5 ، وهاك أمثلة على ذلك : ( بور B الوزن 10 P= 5 N= 5 ، فحم = C 12 ( N 6+ 6 N ) ، آزوت N 14 ( N 7 + 7P ) وهكذا الخ ) والعجيب في هذا التصنيف الدوري الذي اكتشفه مندلييف انه استطاع أن يحدد عناصر لم تكن مكتشفة بعد ، لأن ترتيب الجدول الذري يجعل هناك نوعاً من القفزات أو الفجوة ما بين عنصر وآخر في الوزن الذري وعدد البروتونات ، مما حدا بمندلييف أنا يتنبأ بأن هذا القانون يحتم وجود عناصر جديدة لم تكتشف بعد ، وفعلاً اكتشف بعد ذلك وهي الكانديوم والجرمانيوم والفاليوم وتكنتيوم والاستاتين والفرانسيوم والبروميتوم وكان هذا دليلاً كبيراً على الدقة والروعة في بناء الكون وتدرجه واحكام عناصره.

بقي علينا بعد أن أخذنا هذه الفكرة المجملة عن تركيب الذرة وعناصرها الأساسية التي هي البروتون والنترون والالكترون وكيف

٣٠

تتوزع هذه العناصر كما تعرفنا على الأوزان والشحنة الكهربية وكيف يدور الالكترون وسرعته ، بقى علينا أن نعرف كيف تتوزع الالكترونات في المدار الخارجي الذي يحيط بالنواة

كما ذكرنا ان عدد الالكترونات يجب أن يساوي عدد البروتونات الموجودة في النواة حتى تتزن الذرة كهربياً وذلك لتعادل الشحنات الكهربية حيث لا تؤثر النترونات على التوازن الكهربي باعتبارها حيادية وان كانت توثر الأخيرة في الوزن الذري للجوهر ان الالكترونات لا تتوزع في مدار واحد بل في عدة مدارات رمز لها باحرف ك. ل. م. ن. K. L. M. N ولقد وجد ان هناك قانونين يحكمان توزع الالكترونات في المدارات الخارجية ، الأول : وهو النظام الثماني حيث أن الذرة يلزم لاستقرارها الخارجي أن يكون في المدار الأخير ثمانية الكترونات ، فإذا لم يوجد هذا العدد عمدت إما إلى طرح الألكترونات الخارجية أو أخذ الكترونات حتى يكتمل الاتزان الخارجي ؛ والمثال على ذلك الفلور وهو غاز ، فالنواة فيها 9 بروتونات و 10 نترونات فيكون الوزن الذري 19 وفي المدار الخارجي في الطبقة الاولى كـ K يوجد الكترونات وفي الطبقة الثانية يوجد 7 الكترونات فيكون مجموع الالكترونات تسعة وهي تعادل عدد البروتونات الموجودة في النواة ، وهكذا يحصل اتزان الذرة من الناحية الكهربية ، ولكن كما أسلفنا من ناحية نظام الثماني يوجد من الناحية الكهربية ، ولكن كما أسلفنا من ناحية نظام الثماني يوجد في المدار الأخير 7 الكترونات ، ولذا فانها تحتاج إلى الكترون جديد حتى يتزن العنصر من ناحية التعامل الخارجي ، ولذا يأخذ الكترون وتصبح شحنة هذا الغاز سلبية وذلك لأن عدد الالكترونات أصبح 10 بينما البروتونات تسعة ولذا رجحت كفة الالكترونات بواحد

٣١

وهكذا أصبحت شحنة هذا الغاز سلبية وبقدر شحنة واحدة.

وهكذا تسير الأمور في كل الذرات وأما القانون الثاني فهو أن عدد الالكترونات في كل طبقه من المدارات تتوزع وفق القانون 2 ن 2 2 N 2 حيث يرمز N إلى رقم الطبقة ، وهكذا نجد أن الطبقة الأولى فيها الكترونات ( 2 × 12 = 2 ) والطبقة الثانية فيها ثمانية الكترونات ( 2 × 22 = 8 ) والطبقة الثالثة فيها 18 ( 2 × 32 = 18 ) والرابعة 32 ( 2 × 42 = 32 ) وهكذا يسير هذا القانون الذي يحكم نظام الذرة المدهشة

وهكذا نجد أن بناء الذرة بناء فذ مدهش يتدرج من الهيدروجين حتى اللورانسيوم ، فيكون المجموع العام للعناصر الموجودة في الكون هي 103 عنصر منها المعادن ومنها أشباه المعادن ومنها الغازات ومنها العناصر المشعة ومنها غير المشعة وهي تتدرج بشكل عجيب بإضافة بروتون الى الذي يسبقه وعدد من النترونات جديد فيتشكل عنصر جديد يختلف عن الذي يسبقه اختلافاً جوهرياً من ناحية التفاعلات والخواص مع أن الوحدة الأساسية للبناء هي البروتون والنترون والالكترون لكل العناصر الموجودة في الكون. وهنا نتساءل كما ذكرنا ، فمثلاً عنصر النيون فيه من البروتونات 10 والنترونات 10 فيكون الوزن الذري عشرين وبعده مباشر ، يأتي عنصر الصوديوم وعدد البروتونات فيه 11 والنترونات 12 فيكون الوزن الذري 23 فما الذي أدى ( مع هذا الفارق البسيط بين الاول والثاني ) إلى أن يكون الأول غازاً والثاني معدناً والأول غازاً خاملاً والثاني معدناً نشيطاً؟. من الذي منح الصفة

٣٢

وهذه الخاصة ليفرق الثاني عن الأول مع أن الثاني يأتي مباشرة بعد الأول ، ولا يفرق عنه إلا ببروتون واحد فقط وباثنين من النترونات؟؟ بالطبع لن يستطيع العلم أن يجيب على هذا السؤال!.

وختاماً لهذا البحث سوف نورد مثلاً ظريفاً لأخذ فكرة مبسطة عن الذرة أورده أحد العلماء هو ستورمر ، تخيل هذا العالم الكون الحالي ثم أراد أن يكبر الحجم للموجودات مع المحافظة على النسبة الكائنة بين الأبعاد وذلك لتصور القياس الذري وصعوبة إدراكنا لذلك فقال :

لنكبر الحاجيات 100 مرة في البدء يصبح الرجال مردة ، فتصل قامتهم إلى ما يعادل نصف برج إيفل ، ونصبح النحل حيوانات مخيفة لها أبعاد الثيران ، وإن الشعرة التي سمكها 10/1 ملم تصبح حبلاً سميكاً من رتبة 1 سم ، ثم لنتخيل أننا نستطيع تكبير هذا العالم الجديد 100 مرة أيضاً أي أن العالم الأولي يكون قد كبر 10,000 مرة فيصبح بعد الرجال بعد الجبال الشاهقة التي يتراوح ارتفاعها ما بين 15 و 20 كم متر ، كما وأن النحلة يصبح بعدها مئات الأمتار ، وتصل سماكة الشعرة إلى واحد متر كما وإن الجراثيم الصغيرة التي لم تكن أبعادها تذكر في العالم القديم نظراً لصغرها والتي هي من رتبة جزء من ألف من الميلمتر يصبح لها بعد مساو لسنتمتر واحد ، ثم لنمدد هذا العالم الحاصل 100 مرة أخرى أي يكون قد مدد العالم الأولي مليون مرة حيث يصبح قطر الشعرة مساوي إلى 100 متر وتصبح الجراثيم كائنات من رتبة متر واحد ، غير أن بعد الذرات لا يزال في هذا العالم الخيالي صغيراً جداً ولا يتجاوز عشر المليمتر ، ثم لنعمل تمديداً أخيراً بحيث أن العالم الأولي يمدد 100 مليون مرة ، عندئذ تصبح ذرة الهيدروجين واضحة وقطرها مساو لسنتمتر واحد تقريباً ، وفي ذات الوقت تصبح سماكة الشعرة مساوية

٣٣

الى 10 كم وتصبح الجراثيم وحوشاً هائلة من رتبة 100 متر ، وأما البشر(1) ؟!!

ونختم البحث برسم توضيحي مبسط للجدول الدوري للعناصر الذي تناولناه فيما سبق حتى يكتمل البحث :

الرقم العلوي للعنصر يرمز الى عدد البروتونات الموجودة في النواة ، والرقم السفلى يشير الى الوزن الذري على وجه التقريب بدون كسور

__________________

(1) عن كتاب الكيمياء العامة لادوار خوري بتصرف.

٣٤

بعض اسرار الخليّة

كما أن الذرة هي أصغر جزء في المادة سواء كانت من المادة أو من تشكيلات الحياة المعقدة ، كذلك تعتبر الخلية حجر الأساس في بناء الكائن الحي بمجموعه العام ، ومن الخلية يبدأ سر الحياة المحير ، حيث نرى ظاهرة تدب في مجموعة المادة الميتة فتنبثق الحياة وتسير وتتعقد حتى تصل إلى تكوين أكرم الكائنات وأشرفها ألا وهو الانسان ، والخلية بحد ذاتها وتركيبها الخاص تبدو فيها ظاهرة الإعجاز ، ومن أسرار الخلية المحيرة تنبثق بقية أنواع الحياة وأنماطها

في الإنسان من مجموعة الخلايا التي تقوم بعمل واحد يتشكل النسيج ، ومن مجموعة الأنسجة التي تتضافر لتؤدي مهمة واحدة يتشكل العضو ، ومن مجموعة الأعضاء يتشكل الجهاز ، ومن مجموعة الأجهزة يتشكل الكائن الحي بإعجاز وتفرده الفذ المدهش المحير

تتكون الخلية على وجه العموم من حجرة يغلفها غشاء مضاعف وتملأ هذه الحجرة مادة سائلة اختلفوا على حقيقتها ، هل هي شبه غروية أم لا؟ وتستقر في هذه المادة السائلة المسماة بالسيتوبلاسما النواة وفيها يكن سر الحياة للخلية ، لأن الخلية إذا جردت من النواة لم تستطع أن تتابع سيرها في الحياة ، والنواة بناؤها أيضاً دقيق فيحيط بها أيضاً غشاء

٣٥

نووي مضاعف ويستقر داخلها أهم شيء في الخلية وهو ما يسمى بالموروثات التي يتم بواسطتها نقل صفات النوع الى ذاريه كما يستقر داخل النواة نواة لها تسمى بالنّوية بالاضافة الى شبكة كروماتينية

يبلغ وزن الخلية ( ويمثلها خاصة نطفة الانسان ، التي يتم بواسطتها التلقيح مع بويصة المرأة لإنشاء خلية جديدة كاملة يتم خلق الانسان منها فيما يعد ) تبلغ من الوزن 10ـ9 غرام أي جزء من مليار من الغرام وهي فيما إذا قورنت ببيضة النعامة التي تبلغ من الوزن 100 مائة غرام فان بيضة النعامة التي يتخلق منها ولد النعامة تكون أكبر من ناحية الوزن بـ 100 مليار مرة ، وإذا ما قورنت مع بيضة الضفدع فان بيضة الضفدع أكبر من ناحية الوزن من نطفة الانسان بـ 100 مليون مرة ، وهذه الأرقام توحي بمدى صغر النطفة الانسانية التي تكون الانسان ولكنها من ناحية الفعالية والنتيجة شيء مدهش للغاية ، لأن الخلية الانسانية الأولى لمجرد أن تتكون تبدأ من الانقسام بشكل سريع ودقيق وهادف حتى تنقسم ما يقرب من خمسين انقساماً ، ويكون عدد الخلايا الانسانية عند ذلك بالملايين وهي مستعدة للتخصص فيما بعد

يبلغ قياس أقطار الخلية بالميكرونات فالكرية الحمراء مثلاً والتي تشكل أهم خلايا الدم تبلغ وسطياً حوالي 7 ميكرونات من ناحية قطرها ، والميكرون كما هو معروف يمثل جزء من ألف من الميلمتر أي أن قطر الكرية الحمراء يبلغ 7 سبعة أجزاء من الألف من الميلمتر وهذا رقم صغير جداً أمام أضخم وأكبر خلية وأكبرها في الجسم والتي هي البيضة التي يقذفها المبيض عند المرأة حيث يصل قطرها الى حدود مائتي 200 ميكرون ، ولقد استطاع المجهر العادي أن يرى الخلية بشكل حجرة ، وكان هذا حدثاً مهماً في تاريخ البشرية حيث كشف ان الكائنات الحية تتكون من مجموعة هائلة من الخلايا التي تجتمع فيما بينها لكي تؤسس

٣٦

جهازاً واحداً يقوم بوظيفة واحدة ، ومن مجموعة الأجهزة التي تتناسق أيضاً مع بعضها في العمل لكي يتكون الكائن الحي

وتعتبر الحمات الراشحة أيضاً من الخلايا الوحيدة وكذلك الجراثيم ، أما الجراثيم فلقد استطاعت المجاهر العادية أن تراها ، وأما الحمات الراشحة فلم تستطع المجاهر العادية رؤيتها ، وبفضل التقدم العلمي استطاع العلماء أن يصلوا إلى اختراع مجهر عظيم في تكبير الأشياء حتى يتسنى للعين البشرية رؤيتها ، فلقد أمكن بواسطة هذا المجهر الجبار تكبير الأشياء قرابة ثلاثين إلى مائة ألفمرة ويزيد ، وهكذا استطاع العلماء أن يروا ولأول مرة الحمة الراشحة التي كانت تسبب الكثير من الأمراض ووجدوا أن للحمات الراشحة أنواعاً وذراري وفصائل مختلفة منها ما يسبب مرض الجدري وشلل الاطفال والحصبة وسواه ، والمهم أنهم رأوا بأعينهم هذه الحمات التي كانوا يتهمونها بإحداث هذه الأمراض ، وحتى أن بعض النظريات التي تدرس موضوع السرطان اتهمت الفيروس أي الحمة الراشحة بإحداث مرض السرطان ولكن لم يحصل برهان قاطع يدعم آراءهم واستطاع المجهر الالكتروني فضلاً عن ذلك أن يرى الذرات البروتينية الكبيرة التي تبلغ في أبعادها حدود مائة 100 انغستروم وهو جزء مائة مليون من السنتمتر ، ويرمز له بالرمز5 A وكذلك الحموض الامينية التي تبلغ حدود عشرات Ao أنغستروم ، ولكن قدرة المجهر الالكتروني تقف عند أبعاد الجوهر والتي هي في حدود 2 ـ 4 Ao وقد يتغلب على هذا العائق اختراع المجهر البروتوني الذي سيكبر أبعاد الاشياء في حدود 800 ألف مرة أو حتى المليون والمستقبل هو الذي سيطلعنا على هذا الشيء

٣٧

تخصص الخلية :

عندما تتخصص الخلية يحدث أمر على درجة كبيرة من الأهمية ، فالخلية العادية نفسها تتحول لتؤدي دوراً معيناً يختلف باختلاف المكان الذي تقبع فيه كما تختلف باختلاف الزمن الذي تمر به ، فهي الخلية العادية في الجسم تصبح على سطح الجلد متقرنة متوسفة تتساقط من على الجلد بعد أن قامت بدور حمايته وهي في العضلات مجموعة ألياف متراصة تقوم بعمل التقلص العضلي ، وهي في البانكرياس تقوم بدور الأفراز الداخلي كالانسولين والغلوكاكون وهما هورمونان ينظمان السكر في الدم وبدور الافراز الخارجي حيث تصب عصاراته عن طريق قناة ويرسونك التي تلتقي مع القناة الكبدية الجامعة حيث يصب الجميع في العقج وهي تحوي الخمائر الهضمة لمواد الطعام الثلاثة أعنى السكريات والبروتينات والشحميات ، وهي في الدرق تقوم بفرز هورمون التيروكسين الذي يلعب دوراً هاماً في أشياء كثيرة منها الحرارة والاستقلاب(1) ، كما ان الخلية في الامعاء الدقيقة تقوم بدور الامتصاص من الزغابات المعوية حيث تنفذ المواد بسرعة مدهشة إلى داخل الزغابة بفضل الخلايا التي تمتص بسرعة حيث تمر المواد بدورها الى الاوعية الدموية واللنفاوية التي تنقل المواد بالتالي إلى مركز الجمارك العام وهو الكبد.

والخلية في جهاز التنفس تلعب دوراً مهماً في جعل الجدار للسنخ الرئوي حساساً جداً لمرور الغازات وهما ائنان الأكسجين وغاز الفحم ، حتى يتصفى الدم بشكل رائع ويصبح حاملاً للأكسجين إلى الأنسجة العطشى له حتى يجري الاستقلاب والاحتراق ونشر القدرة وبث الحياة ، والخلية المتمثلة في الدم بالكرية الحمراء هي التي تحتوي المادة عظيمة

__________________

(1) هناك بعض المصطلحات الطبية العلمية سوف تشرح اثناء المرور بها بشكل مفصل.

٣٨

الفعالية وهي الهيموغلوبين الذي يقوم بجعل الاكسجين إلى الانسجة وفي طريق العودة حمل غاز الفحم ليطرح عن طريق الرثتين وبالتالي تخليص البدن من زيادة الفاسدة في الجسم ، أو أن الخلية المتمثلة في الكرية البيضاء التي تقوم بفعل المناعة في الجسم وبلع الجرائيم الداخلة إلى البدن وإحداث المعركة الضارية لصد الغزو الجراثيمي أياً كان مكانه في الدبن وذلك عن طريق إنسلال الكريات البيض من العروق الشعرية الى الخارج تحت الجلد حيث تسقط تلك الخلايا المسماة بالكريات البيض ميتة وهي تدافع ع الدبن ، وما القيح الذي نراه ـ في الحقيقة ـ إلا اشلاء تلك الكريات المدافعة عن العضوية في سبيل انقاذ الجسم ، وأما الخلية في العين فهي الحساسة بشكل رائع بالنور والمتمثلة بشكل محيط في العين بشكل المخاريط التي تتحسس للنور القوي والالوان والعصيات المتحسسة بالنور الضعيف الابيض فقد ، والخلية في الأذن هي التي تشترك في تلقي السمع ونقله بواسطة الاعصاب إلى مراكزه العليا حتى يفهم على أتم وجه ، والخلايا في العظام هي التي ترتشح بالكنسي لتجعل العظم قاسياً يتحمل الضغوط والهزات ، والخلايا في مراكز التناسل تتهيء بشكل خاص حيث سنتناولها في البحث ، وابرزها شكل النطفة حيث نري شكل النطفة مؤلفاً من رأس وعنق وذمب وحيث نرى البيضة الكبيرة التي سيلتقي بها الحيوان المنوي بشكل مدور كبير.

وأخيراً ، عندما نكلم عن الخلايا ، لننظر في الخلايا العصيبة التي تتوزع في قر الدماغ على ستة طبقات ومن هذه الطبقات تتوزع الخلايا أنواع العمل فشيء للحس وآخر لحركة وآخر للذوق وآخر للإشراف عل الأعمال البدنية ، وأما الإدراك والتفكير والتخيل ففي أي الخلايا يقع هذا العمل المدهش ، إن العلم لا يستطيع أن يجيب على هذه الأسئلة لأنها ليست من اختصاصه تماماً ...

٣٩

استهلاك الجسم للخلايا :

يستهلك الجسم من خلاياه حوالي 125 مليون خلية في الثانية الواحدة اي بمعدل 7500 مليون خلية في الدقيقة الواحدة وكمثال على ذلك فإن احد قطاعات الجسم وهو الوسط الداخلي الدموي يستهلك من الكريات الحمر في كل ثانية حوالي مليوني كرية حمراء ، أي يستهلك في الساعة الواحدة أكثر من عدد سكان العالم بحوالي خمس مرات ، وذلك لأن الدم الذي يصل حجمه الى خمس ليترات في جسم الإنسان يحتوي في الملم 3 الواحد وسطياً خمسة ملائين كلية حمراء ، أي أن مجموع الكريات الحمر في دم الإنسان الواحد يبلغ 25 مليون مليون كلية بحيث أننا لو أردنا أن نصفّ هذه الكريات جنب بعضها بعضاً على خط واحد ونحن نعرف أن متوسط قطر الكرية الواحدة يبلغ سبعة ميكرونات فإن الناتج معناً سيكون حوالي (175) كيلو متر أي أن بإمكان هذا الخط أن يطوق الكرة الارضية باكمالها 4 ـ 5 مرات ، وجرب أن تحسب ذلك إذا علمت أن قطر الكرة الارضية 12756 كم و= 14 و 3؟!

عمر الخلية :

يختلف عمر الكرية الحمراء التي تمثل نوعاً من أنواع الخلايا عن أعمار باقي الخلايا ، فهناك الخلايا التي لا تعيش إلا أياماً معدودة بسيطة ، وهناك الكرية الحمراء التي تعيش وسطياً حوالي شهرين ، وهناك الخلايا التي تعيش ما عاش الإنسان ، تولد بعدد محدود مقدر وتبقى كما هي لا تزيل إلا بحالة واحدة وهي النمو السرطاني الخبيث ، كما أنها لا تنقص إلا بالأفات التي تدمر الخلايا وتتلفها ، ولعلنا نريد أن نعرف ما هي هذه الخلايا؟ إنها أشرف خلايا الجسم وأندرها وأنبلها إنها خلايا الجملة العصبية المركزية التي يقدر عددها بحوالي 14 مليار خلية عصبية على ما

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274