ايمان أبي طالب وسيرته

ايمان أبي طالب وسيرته0%

ايمان أبي طالب وسيرته مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 145

ايمان أبي طالب وسيرته

مؤلف: العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي
تصنيف:

الصفحات: 145
المشاهدات: 32918
تحميل: 6886

توضيحات:

ايمان أبي طالب وسيرته
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 145 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32918 / تحميل: 6886
الحجم الحجم الحجم
ايمان أبي طالب وسيرته

ايمان أبي طالب وسيرته

مؤلف:
العربية

وقول الشريف العلامة السيد علي خان الشيرازي(١) في الدرجات الرفيعة(٢) :

أبــو طالب عــم النبي محمدٍ

به قام أزر الـدين واشتد كاهلــه

ويكفيــه فخراً في المفاخر أنه

مــوازره دون الأنـام وكافلــه

لئــن جهلت قوم عظيم مقامـه

فما ضر ضوء الصبح من هو جاهله

ولولاه مــا قامت لأحمد دعـوة

ولا انجاب ليل الغـي وانزاح باطله

أقـــر بديـن الله سـراً لحكمةٍ

فقال عدو الحق ما هــو قائلــه

وماذا عليه وهو فـي الدين هضبة

إذا عصفت مــن ذي العناد أباطله

وكيـف يحــل الذم ساحة ماجدٍ

أواخـره محمــودةٌ وأوائلـــه

عليـه سلام الله مــا ذر شارقٌ

ومــا تليت أحسابــه وفضائله(٣)

ومن قصيدة للشريف الأجل سيدنا آية الله السيد ميرزا عبد الهادي الشيرازي(٤) :

ولي ندحةٌ في مدحة الندب والد الـ

أئمة أعدال الكتاب أولـي الأمــر

هــو العلم الهادي أزين بمدحـه

شعوري ويزهو فـي مآثره شعري

أبـو طالب حامــي الحقيقة سيد

تزان به البطحاء فـي البـر والبحر

أبــو طالب والخيل والليل واللوا

له شهدت في ملتقى الحرب بالنصر

أبــو الأوصياء الغـر عم محمد

تضوع به الأحساب عن طيب النجر

لقد عرفت منـه الخطوب محنكاً

تدرع يوم الزحف بالباس و الحجـر

كما عرفت منه الجدوب أخا ندىً

دوين سداه الغمر ملتطم البحــر

____________

(١) أحد شعراء الغدير، تأتي ترجمته إن شاء الله تعالى. (المؤلف)

(٢) الدرجات الرفيعة: ص ٦٢.

(٣) في المصدر: وما تليت أخباره.

(٤) أحد شعراء الغدير، يأتي ذكره وترجمته في شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالى. (المؤلف)

١٠١

فــذا واحد الدنيا وثانٍ لــه الحيا

وقل فـي سناه الث الشمس و البـدر

وأنــى يحيط الوصف غر خصاله

وقد عجزت عن سردها صاغة الشعر

حمى المصطفى في باس ندب مدجج

تذل له الأبطال فـي موقف الكــر

فلولاه لــم تنجـح لطـه دعايـة

ولا كان للإسلام مستوسق الأمــر

وآمـن بالله المهيمن و الـــورى

لهم وثبات من يعوق إلى نســـر

وجابه أسراب الضلال مصدقـــاً

نبي الهدى إذ جاء يصدع بالأمــر

كفى مفخــراً شيخ الاباطح أنـه

أبو حيدر المندوب في شدة الضـر

وصلى عليه الله مــا هبت الصبا

بريا ثنا شيخ الأباطح فـي الدهــرِ

وقال العلامة الحجة شيخنا الأوردبادي(١) :

بشيــخ الأبطحين فشـا الصلاح

وفــي أنـــواره زهت البطـاح

براه اللــه للتوحيـد عضبــا

يلين بـــه مـن الشرك الجمـاح

وعم المصطفــى لولاه أضحى

حمــى الإسلام نهبــا يستبـاح

نضا للدين منــه صفيـح عـزم

عنت لمضائـه القضب الصفــاح

وأشرع للهدى بأسـا مـريعــا

تحطم دونـه السمـر الـرمـــاح

وأصحر بالحقيقة فـــي قريض

عليه الحق يطفـح و الــصـلاح

صريخة هاشم فــي الخطب لكن

تـــزم لنيله الإبـــل الطـلاح(٢)

أخو الشرف الصــراح أقام أمرا

حداه لمثلــه الشـرف الصــراح

فلا عاب(٣) يدنسه ولــكــن

غرائز ما برحـن بــه سجــاح

فعلم زانه خلــق كــريــم

ودين فيــه مشفــوع سمــاح

ومنــه الغيث إما عــم جدب

وفيه الغـوث إن عـــن الصياح

____________

(١) من شعراء الغدير، يأتي ذكره في شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالى. ( المؤلف )

(٢) الطلاح: جمع الطليحة وهي الناقة المتعبة.

(٣) العاب: الوصمة والعيب.

١٠٢

مناقب أعيت البلغـاء مدحــا

وتنفذ دونها الكلـــم الفصـاح

وصفــو القول أن أبا عــلي

له الدين الأصيل ولا بـــراح

ولكــن لابنه نصبوا عــداء

وما عن حيدر فضل يـــزاح

فنالوا مـن أبيه وما المعــالي

لكل محـاول قصدا تبـــاح

وضوء البدر أبلج لا يــوارى

وإن يك حوله كثـــر النبـاح

وهبنـي قلت إن الصبح ليـل

فهل يخفى لذي العين الصبــاح

فدع بمتاهة التضليل قـومــا

بمرتبك الهوى لهـم النبـــاح

فذا شيخ الأباطــح فـي هداه

تصافقـه الإمامــة والنجـاح

أبو الصيد الأكارم من لــؤي

مقاديـم جحاجحــة وضـاح

لهـم كأبيهـم إن جال سهــم

لأهل الفضل فـائـزة قــداح

وقال العلامة الأوحد الشيخ محمد تقي صادق العاملي من قصيدة يمدح بها أله البيت عليهم السلام:

بسيف علي قـد أشيدت صروحه

كما بأبيـه قــام قدمـــا بناؤه

أبـو طالب أصل المعالي ورمزها

ومبدأ عنـوان الهــدى وانتهاؤه

توحـد في جمع الفضائل والنهى

وضــم جميع المكرمـات رداؤه

وتنحط عنه رفعة هامة السها(١)

ويأرج فـي عرف الخزامى ثناؤه

حمى الخائف اللاجي ومربع أمنه

وكعبة قصد المــرتجى وغنـاؤه

تحلــق في جمع المكارم نفسه

ويسمو بــه للنيريــن إبــاؤه

أصاخ إلــى الدين الحنيف ملبيا

لدعـوتـه لـما أتــــاه نداؤه

وباع بإعــزاز الشـريعة نفسه

فبــورك قـــدرا بيعه وشراؤه

____________

(١) السها: كويكب صغير خفي الضوء.

١٠٣

وقال العلامة الشريف المبجل السيد علي النقي اللكهنوي(١) :

زهت أم القـرى بأبـي الوصي

غداة غدا يذود عـــن النبـي

وقام بنصــرة الإسلام فـردا

يراغم كــل مختال غـــوي

يذب عن الهدى كيدا الأعـادي

بأمضى من ذباب المشرقـــي(٢)

وأبصـر رشده من ديـن طه

فجاهر فيه بالسـر الخفـــي

وآمــن بالإلـه الحق صدقا

بقلب موحــد بــر تقــي

بنـى للسؤدد العربـي صرحا

محاطا بالفخــار الهــاشمي

تلقـى الرشد عن آبـا صدق

توارثـه صفيا عـن صفــي

كــأن الأمهات لهـم أبت أن

تلدن سوى نبي أو وصـــي

فكان على الهـدى كأبيه قدما

ولم يبرح على النهج الســوي

وكان به رواء الشــرع بدءا

وتم بنجله الزاكــي علـــي

وقال العلامة الفاضل الشيخ محمد السماوي(٣) من قصيدة نشرت في آخر كتاب الحجة ( ص ١٣٥ ) مطلعها:

فــــؤادي بالغادة الكاعب

غدا كرة فـي يـــدي لاعب

كأنــي بدائــرة من هوى

فمن طالع لــي ومـن غارب

بليت بمـــن ضربت خدره

بمنقطع النظــر الصــائب

بحيث الصفـاح وحيث الرما

ح فمن مشرفي إلــى راغبي

لها منعة فــي ذرى قومها

كــأن أباها أبــــو طالب

فخار الأبـــي وعم النبي

وشيخ الأباطـــح من غالب

____________

(١) أحد شعراء الغدير، يأتي في شعراء القرن الرابع عشر إن شاء الله تعالى. ( المؤلف ).

(٢) ذباب المشرفي: حد السيف.

(٣) أحد شعراء الغدير، يأتي ذكره إن شاء الله، توفي في يوم الأحد ٢ محرم سنة ١٣٧٩. ( المؤلف )

١٠٤

أمنع لا يرتقـــى أجـدل

إلى ذروة منـــه أو غارب

إذا الرافع الطرف يرنـو له

يعود بتنحيـــة الناصــب

تهلل طلعتـــه للعيـــو

ن كما جـرد الغمد عن قاضب

أقام عماد العلـــى سامكا

بأربعـــة كالسنــا الثاقب

بمثل علـــي إلـى جعفر

ومثـل عقيل إلـــى طالب

أولئك لا زمعـــات الرجا

ل مـن قالص الذيل أو ساحب

ومــن ذا كعبد مناف يطو

ل علــى راجل ثم أو راكب

حمى الدين في سفينة فانبرى

بمكــة ممتنــع الجـانب

وآمن باللـــه فـي سره

لامـر جليل علــى الطالب

وصدق أحمد فــي وحيـه

وقام بمـا كان مــن واجب

فكم بين مخف لتصديقــه

وآخـر مبد لــه كــاذب

لنعم ملاذ الهــوى والتقى

ومنتجع الوافــد الــراغب

ومعتصم الدين فــي مكة

إذ الدين منفـرد الصــاحب

ومناح حوزة أهـل الهدى

مد العمر من وثبــة الواثب

فلولاه مـا طفق المصطفى

ينادي علـى المنهج اللاحب

ولم يعب الشرك مستظهرا

بيوم يضيق علــى العائب

وللبحاثة الفاضل صاحب التأليف القيم الشيخ جعفر بن حاج محمد النقيدي من قصيدة ذكرها في كتابه مواهب الواهب في فضائل أبي طالب(٢) . المطبوع في النجف الأشرف في ( ١٥٤ ) صفحة مطلعها:

____________

(١) من شعراء الغدير، يأتي تفصيل ترجمته في شعراء القرن الرابع عشر إنشاء الله. ارتحل الى رحمة ربه يوم السبت ٨ محرم ١٣٦٩ في الكاظمية، ونقل جثمانه الى النجف الأشرف. ( المؤلف ).

(٢) مواهب الواهب في فضائل أبي طالب: ص ٢٩٣.

١٠٥

برق ابتسامك قــد اضاء الوادي

وحيا خدودك فيــه ري الصادث

قوله:

مهما تراكمت الخطـــوب فإنها

تجلى متى بأبــي الوصي انادي

عبد المناف الطهر عـــم محمد

الطاهــر الأبـاء والأجـــداد

غيث المكـــارم ليث كـل ملمة

غـوث المنــادي بدر افق الناد

شيخ الأباطح مـن بصارم عزمه

بلـغ الأنام لحظــة الأرشــاد

دانت لديه المكرمات رقابهـــا

وإليـه القى الدهر فصل قيـــاد

جــد الأئمة شيخ أمــة أحمد

ربـع الأماني مربع الــوفــاد

سيف لـــه المجد الأثير حمائل

ولـه الفخار غدا حلــي نجـاد

دعاني الورى للرفد في عصر به

لا يعـرفونه الناس نهج رشــاد

وله قـريش كـم رأت من معجز

عرفـوه فيه واحـد الاحـــاد

كرضاعه خيـر البرية أحمد(١)

وقبولـه دعوته لسقي الــوادي(٢)

وبشــارة الاسد الهصور بنجله

وشفائـه بدعاء النبي الهـــادي(٣)

وكلامــه بالوحي قبل صدوره

وله الفجـار الأرض اذ هو صادي

وبيــــوم مولد أحمد أخباره

عـن حيدر الكـرار بالميــلاد(٤)

وله على الاسلام من سنن غدت

للمسلميــن قلائـــد الأجيـاد

كفل النبي المصطفى خير الورى

ورعـى الحقـوق له بصدق وداد

ربـــاه طفلا واقتفاه يافعــا

وحماه كهلا مــن أذى الأضداد

____________

(١) أخرج حديث هذه المكرمة شيخنا ثقة الاسلام الكليني في اصول الكافي: ص ٣٤٤ ( ٤٤٨ / ١ ). ( المؤلف ).

(٢) راجع ما أسلفناه ص: ٣٤٥. ( المؤلف ).

(٣) يوجد حديثه في غير واحد من كتب الفريقين. ( المؤلف ).

(٤) راجع ما مر في ص: ٣٤٧، ٣٩٨، ( المؤلف ).

١٠٦

ولأجله عاد قــريش بعدمـــا

سلكوا سبيل الغـــي والافسـاد

ورآهـــم متعاضدين ليقتلــوا

خير البريـــة سيد الأمجــاد

فسطا بعزم ناله مــــن معشر

شم الأنـــوف مصالت أنجاد

وانصاع يفدي أحمـــد في نفسه

والجـاه والأمـــوال والأولاد

وأقام ينصره إلــى أن أصبحت

تزهــو شريعتــه بكل بلاد

أفديه مــن صاد لــواء للهدى

يحمي لأفصح ناطق بالضــاد

قد كان يعلــم أنـه المختار من

رب السماء عميـد كــل عماد

ولقد روى عـــن أنبياء جدوده

فيـه حديثا واضـــح الاسناد

وعلا به عينا علــى كل الورى

إذ قال فيـــه بمطرب الإنشاد

إن أبـــن آمنـة النبي محمدا

عندي يفـوق منــازل الأولاد(١)

راعيت فيــه قـرابة موصولة

وحفظت فيـه وصيــة الأجداد

يا والــد الكرار والطبار والـ

طهـار أبناء النبــي الهـادي

كــم معجز أبصرته من أحمد

باهلت فيـــه معاشـر الحساد

من لصق أحجار ومزق صحيفة

ونزول أمطار ونطـق جمــاد

لا فخـر إلا فخرك السامي الذي

فقئت بـه أبصـار أهــل عناد

إن المكارم لــو رأت أجسادها

عيـن رأتك الـــروح للأجساد

شكر الآلـــه فعالك العز التي

فرحت بهـا أملاك سبــع شداد

لله همتك التـــي خضعت لها

مـن خـوف بأسك شامخ الأطواد

لله هيبتك التــي رجفت بهــا

أعـداء مجدك عصبــة الإلحاد

لله كفك كـــم بهـا  من معدم

أحييت فــي الأصـدار والإيراد

إلى آخر.

____________

(١) راجع ما أسلفناه في ص ٣٤٣. ( المؤلف ).

(٢) أشار شاعرنا النقيدي إلى أربعة مكرمات للرسول صلى الله عليه وآله شاهدها الشيخ الأبطح أبو طالب، مر حديثها ص ٣٣٦، ٣٦٢، ٣٧٥، ٣٩٦. ( المؤلف ).

١٠٧

وله قصيدة ( ٤٣ ) بيتا يمدح بها شيخ الأباطح أبو طالب سلام الله عليه توجد في الواهب(١) ( ص ١٥١ ) مستهلها:

بالله يا قاصد الاطلال في العلم

سلمت سلم على سلمى بذي سلم

ها هنا نجعجع بالقلم عن الافاضة في القول لأن نطاق الجزء ضاق عن التبسط فنرجى تكلمة البحث إلى أوليات الجزء الثامن إن شاء الله تعالى وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

____________

(١) مواهب الواهب: ص ٢٩٦.

١٠٨

أبو طالب في الذكر الحكيم

لقد أغرق القوم نزعا في الوقيعة والتحامل علي بطل الاسلام والمسلم الاول بعد ولده البار، وناصر دين الله الوحيد، فلم يقنعهم ما اختلقوه من الاقاصيص حتى عمدوا الى كتاب الله فحرفوا الكلم عن مواضعه، فافتعلوا في آيات ثلاث أقاويل نأت عن الصدق، وبعدت عن الحقيقة بعد المشرقين، وهي عمدة ما استند اليه القوم في عدم تسليم ايمان أبي طالب، فاليك البيان:الاية الاولي

قوله تعالى:( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) (١) .

أخرج الطبري وغيره من طريق سفيان الثوري عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس أنه قال: انها نزلت في أبي طالب، ينهى عن أذى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يؤذي، وينأى أن يدخل في الاسلام(٢) .

وقال القرطبي: هو عام في جميع الكفار، أي ينهون عن اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وينأون عنه، عن ابن عباس والحسن. وقيل: هو خاص بأبي طالب ينهى الكفار عن أذاية محمد صلى الله عليه وآله وسلم ويتباعد عن الايمان به، عن ابن عباس أيضا. روى أهل السير قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج الى الكعبة يوما وأراد أن يصلي، فلما دخل في الصلاة

____________

(١) الأنعام: ٢٦.

(٢) طبقات ابن مسعود ١ / ١٠٥ ( ١ / ١٢٣ )، تفسير الطبري: ٧ / ١١٠ ( مج ٥ / ج ٧ / ١٧٣ )، تفسير ابن كثير: ٢ / ١٢٧، الكشاف: ١ / ٤٤٨ ( ٢ / ١٤ )، تفسير ابن جزي: ٢ / ٦، تفسير الخازن: ٢ / ١٠. ( المؤلف ).

١٠٩

قال أبو جهل - لعنه الله: من يقوم الى هذا الرجل فيفسد عليه صلاته؟ فقام ابن الزبعري فأخذ فرثا ودما فلطخ به وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانفتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته، ثم أتى أبا طالب عمه فقال: يا عم ألا ترى الى ما فعل بي؟» فقال أبو طالب: من فعل هذا بك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: « عبد الله بن الزبعري »، فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقه ومشى معه حتى أتى القوم، فلما رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون، فقال أبو طالب: والله لئن قام رجل لجللته بسيفي. فقعدوا حتى دنا اليهم، فقال: يا بني من الفاعل بك هذا ؟ فقال: عبد الله بن الزبعري». فأخذ أبو طالب فرثا ودما فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم وأساء لهم القول، فنزلت هذه الاية:( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: يا عم نزلت فيك آية. قال: وما هي؟ قال تمنع قريشا أن تؤذيني، وتأبي أن تؤمن بي. فقال أبو طالب:

والله لن يصلوا اليك بجمعهم

حتى أوسد في التراب دفينــا

الي آخر الابيات التي أسلفناها ( ٧ / ٣٣٤، ٣٥٢ ) فقالوا: يا رسول الله هل تنفع نصرة أبي طالب(١) ؟ قال: نعم دفع عنه بذاك الغل، ولم يقرن مع الشياطين، ولم يدخل في جب الحيات والعقارب، انما عذابه في نعلين من نار [في رجليه](٢) يغلي منهما دماغه في رأسه، وذلك أهون أهل النار عذابا(٣) .

قال الاميني: نزول هذه الاية في أبي طالب باطل لا يصح من شتى النواحي:

١ - ارسال حديثه بمن بين حبيب بن أبي ثابت وابن عباس، وكم وكم غير ثقة في أناس رووا عن ابن عباس، ولعل هذا المجهول أحدهم.

٢ - ان حبيب بن أبي ثابت انفرد به ولم يروه أحد غيره ولا يمكن المتابعة

____________

(١) في المصدر: هل تنفع أبا طالب نصرته ؟

(٢) الزيادة من الصدر.

(٣) تفسير القرطبي: ٦ / ٤٠٦ ( ٦ / ٢٦١ ). ( المؤلف ).

١١٠

على ما يرويه، ولو فرضناه ثقة في نفسه بعد قول ابن حبان(١) انه كان مدلسا. وقول العقيلي(٢) غمزه ابن عون وله عن عطاء أحاديث لا يتابع عليها. وقول القطان: له غير حديث عن عطاء لا يتابع عليه وليست بمحفوظة. وقول الاجري عن أبي داود: ليس لحبيب عن عاصم بن ضمرة شيء يصح، وقول ابن خزيمة: كان مدلسا(٣) .

ونحن لا نناقش في السند بمكان سفيان الثوري، ولا نؤاخذه بقول من قال: انه يدلس ويكتب عن الكذابين(٤) .

٣ - ان الثابت عن ابن عباس بعدة طرق مسندة يضاد هذه المزعمة، ففيما رواه الطبري وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه من طريق علي بن أبي طلحة وطريق العوفي عنه أنها في المشركين الذين كانوا ينهون الناس عن محمد أن يؤمنوا به، وينأون عنه يتباعدون عنه(٥) .

وقد تأكد ذلك ما أخرجه الطبري وابن أبي شيبة وابن المنذر وابن أبي حاتم وعبد بن حميد من طريق وكيع عن سالم عن ابن الحنفية، ومن طريق الحسين بن الفرج عن أبي معاذ، ومن طريق بشر عن قتادة.

وأخرج عبد الرزاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة والسدي والضحاك، ومن طريق أبي نجيح عن مجاهد، ومن طريق يونس عن ابن زيد قالوا: ينهون عن القرآن وعن النبي، وينأون عنه يتباعدون عنه(٦) .

____________

(١) الثقاة: ٤ / ١٣٧.

(٢) الضعفاء الكبير: ١ / ٢٦٣ رقم ٢٢٢.

(٣) تهذيب التهذيب: ٢ / ١٧٩ ( ٢ / ١٥٦ ). ( المؤلف ).

(٤) ميزان الاعتدال: ١ / ٣٩٦ ( ٢ / ١٦٩ ) رقم ٣٣٢٢. ( المؤلف ).

(٥) تفسير الطبري: ٧ / ١٠٩ ( مج ٥ / ج ٧ / ١٧٢ )، الدر المنثور: ٣ / ٨ ( ٣ / ٢٦٠ - ٢٦١ ). ( المؤلف ).

(٦) الطبري: ٧ / ١٠٩ ( مج ٥ / ج ٧ / ١٧٢ )، الدر المنثور: ٣ / ٨، ٩ ( ٣ / ٢٦٠، ٢٦١ )، تفسير الآلوسي: ج ٧ / ص ١٢٦. ( المؤلف ).

١١١

وليس في هذه الروايات أي ذكر لابي طالب، وانما المراد فيها الكفار الذين كانوا ينهون عن اتباع رسول الله أو القرآن، وينأون عنه بالتباعد والمناكرة، وأنت جد عليم بأن ذلك كله خلاف ما ثبت من سيرة شيخ الابطح الذي آواه ونصره وذب عنه ودعا اليه الى آخر نفس لفظه.

٤- ان المستفاد من سياق الاية الكريمة أنه تعالى يريد ذم أناس أحياء ينهون عن اتباع نبيه ويتباعدون عنه، وان ذلك سيرتهم السيئة التي كاشفوا بها رسول الله صلى الله عيه وآله وسلم وهم متلبسون بها عند نزول الاية، كما هو صريح ما أسلفناه من رواية القرطبي وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أخبر أبا طالب بنزول الاية.

لكن نظرا الى ما يأتي عن الصحيحين فيما زعموه من أن قوله تعالى في سورة القصص:( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) نزلت في أبي طالب بعد وفاته. لا يتم نزول آية ينهون عنه وينأون النازلة في أناس أحياء في أبي طالب، فان سورة الانعام التي فيها الاية المبحوث عنها نزلت جملة واحدة(١) بعد سورة القصص بخمس سور كما في الاتقان(٢) ( ١، ١٧ ) فكيف يمكن تطبيقها على أبي طالب وهو رهن أطباق الثرى، وقد توفي قبل نزول الاية ببرهة طويلة؟

٥ - ان سياق الايات الكريمة هكذا:( وَمِنْهُم مَّن يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَجَعَلْنَا عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْرًا وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا حَتَّىٰ إِذَا جَاءُوكَ يُجَادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَـٰذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ

____________

(١) أخرجه أبو عبيده وابن المنذور والطبراني ( في المعجم الكبير: ١٢ / ١٦٦ ح ١٢٩٣٠ ) وابن مردويه والنحاس من طريق ابن عباس والطبراني وابن مردويه من طريق عبد الله بن عمر، راجع تفسير القرطبي: ٦ / ٣٨٢، ٣٨٣ ( ٦ / ٢٤٦ )، تفسير ابن كثير: ٢ / ١٢٢، الدر المنثور: ٣ / ٢ ( ٣ / ٢٤٥ )، تفسير الشوكاني: ٣ / ٩١، ٩٢ ( ٢ / ٩٦، ٩٧ ). ( المؤلف ).

(٢) الاتقان في علوم القرآن: ١ / ٢٤، ٢٧.

١١٢

وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ) (١) .

وهو كما ترى صريح بأن المراد بالايات كفار جاؤوا النبي فجادلوه وقذفوا كتابه المبين بأنه من أساطير الاولين، وهؤلاء الذين نهوا عنه صلى الله عليه وآله وسلم وعن كتابه الكريم، ونأوا وباعدوا عنه، فأين هذه كلها عن أبي طالب، الذي لم يفعل كل ذلك طيلة حياته، وكان اذا جاءه فلكلاءته والذب عنه بمثل قوله:

والله لــن يصلوا اليك بجمعهم

حتي أوسد فــــي التراب دفينا

وان لهج بذكره نوه برسالته عنه بمثل قوله:

ألـم تعلمـوا أنا وجدنا محمدا

رسولا كموسى خط في أول الكتب

وان قال عن كتابه هتف بقوله:

أو يؤمنوا بكتاب منـزل عجب

على نبي كموسى أو كذي النـون

وقد عرف ذلك المفسرون فلم يقيموا للقول بنزولها في أبي طالب وزنا، فمنهم من عزاه الى القيل، وجعل آخرون خلافه أظهر، ورأى غير واحد خلافه أشبه، واليك جملة من نصوصهم:

قال الطبري في تفسيره(٢) ( ٧ / ١٠٩ ) المراد المشركون المكذبون بآيات الله ينهون الناس عن اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم والقبول منه وينأون عنه ويتباعدون عنه. ثم رواه من الطرق التي أسلفناها عن ابن الحنفية وابن عباس والسدي وقتادة وأبي معاذ، ثم ذكر قولا آخر بأن المراد ينهون عن القرآن أن يسمع له ويعمل بما فيه، وعد ممن قال به قتادة ومجاهد وابن زيد، ومرجع هذا الى القول الاول، ثم ذكر القول بنزولها في

____________

(١) الانعام: آية ٢٥، آية ٢٦.

(٢) جامع البيان: مج ٥ / ج ٧ / ١٧١ - ١٧٤.

١١٣

أبي طالب وروى حديث حبيب ابن أبي ثابت عمن سمع ابن عباس وأردفه بقوله في (ص ١١٠):

وأولى هذه الاقوال بتأويل الاية قول من قال: تأويل وهم ينهون عنه عن اتباع محمد صلى الله عليه وآله وسلم من سواهم من الناس وينأون عن اتباعه، وذلك أن الايات قبلها جرت بذكر جماعة المشركين العادين به والخبر عن تكذيبهم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والاعراض عما جاءهم به من تنزيل الله ووحيه، فالواجب أن يكون قوله:

( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ) خبرا عنهم، اذ لم يأتنا ما يدل على انصراف الخبر عنهم الى غيرهم، بل ما قبل هذه الاية وما بعدها يدل على صحة ما قلنا من أن ذلك خبر عن جماعة مشركي قوم رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دون أن يكون خبرا عن خاص منهم، واذ كان ذلك كذلك فتأويل الاية: وان ير هؤلاء المشركون يا محمد كل آية لا يؤمنوا [بها](١) حتى اذا جاؤوك يجادلونك يقولون ان هذا الذي جئتنا به الا أحاديث الاولين وأخبارهم، وهم ينهون عن استماع التنزيل وينأون عنك، فيبعدون منك ومن اتباعك، وان يهلكون الا أنفسهم. انتهى.

وذكر الرازي في تفسيره(٢) (٤ / ٢٨ ) قولين: نزولها في المشركين الذين كانوا ينهون الناس عن اتباع النبي والاقرار برسالته. ونزولها في أبي طالب خاصة، فقال: والقول الاول أشبه لوجهين:

الاول: أن جميع الايات المتقدمة على هذه الاية تقتضي ذم طريقتهم فكذلك قوله:( وَهُمْ يَنْهَوْنَ عَنْهُ ) ينبغي أن يكون محمولا على أمر مذموم، فلو حملناه على ان أبا طالب كان ينهى عن ايذائه لما حصل هذا النظم.

والثاني: إنه تعالى بعد ذلك:( وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ) يعني به ما تقدم

____________

(١) من المصدر.

(٢) التفسير الكبير: ١٢ / ١٨٩.

١١٤

ذكره، ولا يليق ذلك بأن يكون المراد من قوله وهم ينهون عنه النبي عن أذيته، لان ذلك حسن لا يوجب الهلاك.

فإن قيل: إن قوله:( وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ) يرجع الى قوله:( وَيَنْأَوْنَ عَنْهُ ) لا إلى قوله: ( وينهون عنه ). لأن المراد بذلك أنهم يبعدون عنه بمفارقة دينه وترك الموافقة له ذلك ذم فلا يصح ما رجحتم به هذا القول قلنا: إن ظاهر قوله:( وَإِن يُهْلِكُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ ) يرجع الي كل ما تقدم ذكره لانه بمنزلة أن يقال: ان فلانا يبعد عن الشيء الفلاني وينفر عنه ولا يضر بذلك الا نفسه، فلا يكون هذا الضرر متعلقا بأحد الامرين دون الاخر. انتهى.

وذكر ابن كثير في تفسيره (٢/١٢٧ » القول الاول نقلا عن ابن الحنفية وقتادة ومجاهد والضحاك وغير واحد، فقال: وهذا القول أظهر والله أعلم، وهو اختيار ابن جرير.

وذكر النسفي في تفسيره(١) بهامش تفسير الخازن ( ٢ / ١٠ ) القول الاول ثم قال: وقيل: عني به أبو طالب: والاول أشبه.

وذكر الزمخشري في الكشاف(٢) (١/٤٤٨ ) والشوكاني في تفسيره(٣) (٢/١٠٣) وغيرهما القول الاول وعزوا القول الثاني الى القيل، وجاء الالوسي(٤) وفصل في القول الاول ثم ذكر الثاني وأردفه بقوله: ورده الامام. ثم ذكر محصل قول الرازي.

وليت القرطبي لما جاءنا يخبط في عشواء وبين شفتيه رواية التقطها كحاطب ليل دلنا على مصدر هذا الذي نسجه، ممن أخذه؟ والى من ينتهي اسناده؟ ومن ذا

____________

(١) تفسير النسفي: ٢ / ٨.

(٢) الكشاف: ٢ / ١٤.

(٣) سطح القدير: ٢ / ١٠٨.

(٤) رواح المعاني: ٧ / ١٢٦ - ١٢٧.

١١٥

الذي صافقه على روايتها من الحفاظ؟ وأي مؤلف دونه قبله، ومن الذي يقول: ان ما ذكره من الشعر قاله أبو طالب يوم ابن الزبعري؟ ومن الذي يروي نزول الاية يوم ذلك؟ وأي ربط وتناسب بين الاية واخطارها النبي صلى الله عليه وآله وسلم على أبي طالب وبين شعره ذاك؟ وهل روي قوله في هذا النسيج: يا عم نزلت فيك آية. غيره من أئمة الحديث ممن هو قبله أو بعده؟ وهل وجد القرطبي للجزء الاخير من روايته مصدرا غير تفسيره؟ وهل أطل علي جب الحيات والعقارب فوجده خاليا من أبي طالب؟ وهل شد الاغلال وفكها هو ليعرف أن شيخ الابطح لا يغل بها؟ أم أن مدركه في ذلك الحديث النبوي؟ حبذا لو صدقت الاحلام، وعلى كل فهو محجوج بكل ما ذكرناه من الوجوه.

الاية الثانية والثالثة

١ - قوله تعالي:( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَىٰ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) (١) .

٢ - قوله تعالي:( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) (٢) .

أخرج البخاري في الصحيح في كتاب التفسير في القصص(٣) (٧/ ١٨٤ ) قال: حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب عن الزهري قال: أخبرني سعيد بن المسيب عن أبيه قال: لما حضرت أبا طالب الوفاة جاءه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فوجد عنده أبا جهل وعبدالله بن أبي أمية بن المغيرة فقال: أي عم قل: لا اله الا الله، كلمة أحاج لك بها عند الله. فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: أترغب عن ملة عبد المطلب ؟ فلم يزل

____________

(١) البراءة: ١١٣.

(٢) القصص: ٥٦.

(٣) صحيح البخاري: ٤ / ١٧٨٨ ح ٤٤٩٤.

١١٦

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يعرضها عليه ويعيدانه بتلك المقالة، حتى قال أبو طالب آخر ما تكلم(١) على ملة عبد المطلب وأبى أن يقول: لا اله الا الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم والله لاستغفرن لـك ما لم أنه عنك. فأنزل الل ه:( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَن يَسْتَغْفِرُوا لِلْـمُشْرِكِينَ ) . وأنزل الله في أبي طالب فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـٰكِنَّ اللَّـهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) .

وفي مرسلة الطبري(٢) : فنزلت:( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ ) الاية. ونزلت:( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ ) .

وأخرجه مسلم في صحيحه(٣) من طريق سعيد بن المسيب، وتبع الشيخين جل المفسرين لحسن ننهم بهما وبالصحيحين.

مواقع النظر في هذه الرواية:

١ - ان سعيدا الذي انفرد بنقل هذه الرواية كان ممن ينصب العداء لامير المؤمنين علي عليه السلام فلا يحتج بما يقوله أو يتقوله فيه وفي أبيه وفي آله وذويه، فان الوقيعة فيهم أشهى مأكلة له، قال ابن أبي الحديد في الشرح(٤) ( ١ / ٣٧٠ ): وكان سعيد بن المسيب منحرفا عنه عليه السلام، وجبهه عمر بن علي عليه السلام في وجهه بكلام شديد، روى عبد الرحمن بن الاسود عن أبي داود الهمداني قال: شهدت سعيد بن المسيب وأقبل عمر بن علي بن أبي طالب عليه السلام فقال له سعيد: يابن أخي ما أراك تكثر غشيان مسجد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، كما يفعل أخوتك وبنو أعمامك؟ فقال عمر: يابن المسيب أكلما دخلت المسجد أجيء، فأشهدك؟ فقال سعيد: ما أحب أن تغضب

____________

(١) في المصدر: آخر ما كلمهم.

(٢) جامع البيان: مج ٧ / ج ١١ / ٤١.

(٣) صحيح مسلم: ١ / ٨٢ ح ٣٩ كتاب الإيمان.

(٤) شرح نهج البلاغة: ٤: ١٠١ الاصل ٥٦.

١١٧

سمعت أباك يقول: ان لي من الله مقاما لهو خير لبني عبد المطلب مما على الارض من شيء. فقال عمر: وأنا سمعت أبي يقول: ما كلمة حكمة في قلب منافق فيخرج من الدنيا الا يتكلم بها. فقال سعيد: يابن أخي جعلتني منافقا؟ قال: هو ما أقول لك. ثم انصرف.

وأخرج الواقدي من أن سعيد بن المسيب مر بجنازة السجاد علي بن الحسين ابن علي بن أبي طالب عليه السلام ولم يصل عليها، فقيل له: ألا تصلي على هذا الرجل الصالح من أهل البيت الصالحين؟ فقال: صلاة ركعتين أحب الي من الصلاة على الرجل الصالح !

ويعرفك سعيد بن المسيب ومبلغه من الحيطة في دين الله ما ذكره ابن حزم في المحلي ( ٤ / ٢١٤ ) عن قتادة قال: قلت لسعيد: أنصلي خلف الحجاج؟ قال: انا لنصلي خلف من هو شر منه.

٢ - أن ظاهر رواية البخاري كغيرها تعاقب نزول الايتين عند وفاة أبي طالب عليه السلام، كما أن صريح ما ورد في كل واحدة من الايتين نزولها عند ذاك، ولا يصح ذلك لان الاية الثانية منهما مكية والاولى مدنية نزلت بعد الفتح بالاتفاق وهي في سورة براءة المدنية التي هي آخر ما نزل من القرآن(١) فبين نزول الايتين ما يقرب من عشر سنين أو يربو عليها.

٣ - ان آية الاستغفار نزلت بالمدينة بعد موت أبي طالب بعدة سنين تربو

____________

(١) صحيح البخاري: ٧ / ٦٧ في آخر سورة النساء ( ٤ / ١٦٨١ ح ٤٣٢٩ )، الكشاف: ٢ / ٤٩ ( ٢ / ٣١٥ )، تفسير القرطبي: ٨ / ٢٧٣ ( ٨ / ١٧٣ )، الإتقان: ١ / ١٧ ( ١ / ٢٧ )، تفسير الشوكاني: ٣ / ٣١٦ ( ٢ / ٣٣١ )، نثلا عن ابن أبي شيبة ( في مصنفه: ١٠ / ٥٤٠ ح ١٢٦٢ ) والبخاري والنسائي ( في السنن الكبرى: ٦ / ٣٥٣ ح ١١٢١٢ ) وابن الضريس وابن المنذر والنحاس وأبي الشيخ وابن مردويه عن طريق البراء بن عازب. ( المؤلف ).

١١٨

على ثمانية أعوام، فهل كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم خلال هذه المدة يستغفر لابي طالب عليه السلام أخذا بقوله صلى الله عليه وآله وسلم: والله لاستغفرن لك ما لم أنه عنك؟ وكيف كان يستغفر له؟ وكان هو صلى الله عليه وآله وسلم والمؤمنون ممنوعين عن موادة المشركين والمنافقين وموالاتهم والاستغفار لهم - الذي هو من أظهر مصاديق الموادة والتحابب منذ دهر طويل بقوله تعالى:( لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّـهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَـٰئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ ) الاية.

هذه آية (٢٢) من سورة المجادلة المدنية النازلة قبل سورة براءة التي فيها آية الاستغفار بسبع سور كما في الاتقان(١) (١ / ١٧ ) أخرج:(٢) ابن أبي حاتم، والطبراني، والحاكم، وأبو نعيم، والبيهقي، وابن كثير كما في تفسيره (٤/ ٣٢٩ )، وتفسير الشوكاني (٥/ ١٨٩ )، وتفسير الالوسي (٢٨/ ٣٧ ) أن هذه الاية نزلت يوم بدر وكانت في السنة الثانية من الهجرة الشريفة، أو نزلت على ما في بعض التفاسير في أحد وكانت في السنة الثالثة باتفاق الجمهور كما قاله الحلبي في السيرة(٣) فعلى هذه كلها نزلت هذه الاية قبل آية الاستغفار بعدة سنين.

وبقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَتُرِيدُونَ أَن تَجْعَلُوا لِلَّـهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا مُّبِينًا ) .

هذه الاية ( ١١٤ ) من سورة النساء وهي مكية على قول النحاس وعلقمة وغيرهما ممن قالوا: ان قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ ) حيث وقع انما هو مكي(٤) وان

____________

(١) الإتقان في علوم القرآن: ١ / ٢٧.

(٢) المعجم الكبير: ١ / ١٥٤ ح ٣٦٠، المستدرك على الصحيحن: ٣ / ٢٩٦ ح ٥١٥٢، حلية الأولياء ١ / ١٠١ رقم ١٠، السنن الكبرى للبيهقي ٩ / ٢٧، فتح الغدير: ٥ / ١٩٤.

(٣) السيرة الحلبية: ٢ / ٢١٦.

(٤) تفسير القرطبي: ٥ / ١ ( ٥ / ٣ ).

١١٩

أخذنا بما صححه القرطبي في تفسيره (٥/١) وذهب اليه الاخرون من أنها مدنية أخذا بما في صحيح البخاري(١) من حديث عائشة: ما نزلت سورة النساء الا وأنا عند رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فانها نزلت في أوليات الهجرة الشريفة بالمدينة، وعلى أي من التقديرين نزلت قبل سورة آية الاستغفار - البراءة باحدى وعشرين سورة كما في الاتقان(٢) ( ١ / ١٧ ).

وبقوله سبحانه:( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ ) .

هذه الاية ( ١٣٩ ) من سورة النساء وقد عرفت أنها نزلت قبل براءة.

وبقوله تعالي:( لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّـهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّـهُ نَفْسَهُ وَإِلَى اللَّـهِ الْمَصِيرُ ) .

هذه الاية ( ٢٨ ) من آل عمران، نزل صدرها الى بضع وثمانين آية في أوائل الهجرة الشريفة يوم وفد نجران كما في سيرة ابن هشام(٣) ( ٢ / ٢٠٧ )، وأخذا بما رواه القرطبي وغيره(٤) نزلت هذه الاية في عبادة بن الصامت يوم الاحزاب كانت في الخمس من الهجرة، وعلى أي من التقديرين وغيرهما نزلت آل عمران قبل براءة - سورة آية الاستغفار - بأربع وعشرين سورة كما في الاتقان(٥) ( ١ / ١٧ ).

وبقوله تعالى:( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَن يَغْفِرَ اللَّـهُ لَهُمْ )

____________

(١) صحيح البخاري: ٧ / ٣٠٠ ( ٤ / ١٩١٠ ح ٤٧٤٧ ) في كتاب التفسير باب تأليف القرآن، وذكره القرطبي في تفسيره: ٥ / ١. ( المؤلف ).

(٢) الإتقان في علوم القرآن: ١ / ٢٧.

(٣) السيرة النبوية: ٢ / ٢٢٥.

(٤) تفسير القرطبي: ٤ / ٥٨ ( ٤ / ٣٨ )، تفسير الخازن: ١ / ٢٣٥ ( ١ / ٢٢٧ ). ( المؤلف ).

(٥) الإتقان في علوم القرآن: ١ / ٢٧.

١٢٠