ايمان أبي طالب وسيرته

ايمان أبي طالب وسيرته0%

ايمان أبي طالب وسيرته مؤلف:
تصنيف: النفوس الفاخرة
الصفحات: 145

ايمان أبي طالب وسيرته

مؤلف: العلامة الشيخ عبد الحسين الأميني النجفي
تصنيف:

الصفحات: 145
المشاهدات: 32919
تحميل: 6886

توضيحات:

ايمان أبي طالب وسيرته
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 145 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 32919 / تحميل: 6886
الحجم الحجم الحجم
ايمان أبي طالب وسيرته

ايمان أبي طالب وسيرته

مؤلف:
العربية

لما تعلـــق بالزمام رحمته

والعيس قد قلصن(١) بـالأزواد

فارفض مـن عيني دمع ذارف

مثل الجمان مفـــرق الافراد

راعيت فيــه قرابة موصولة

وحفظت فيـه وصيـة الأجداد

وأمرتــه بالسير بين عمومة

بيض الوجوه مصالت أنجــاد(٢)

ســـاروا لأبعد طية معلومة

فلقد تباعد طية(٣) المرتــاد

حتى إذا ما القوم بصرى عاينوا

لا قوا على شرك من المرصاد(٤)

حبــراً فأخبرهم حديثاً صادقاً

عنه ورد معاشر الحســـاد

قوم يهــود قد رأوا لما رأى

ظل الغمام وعـن ذي الأكباد(٥)

ثاروا لقتل محمد فنهاهـــم

عنه وجاهد أحســن التجهاد

فثنى زبيراً مـن بحيرا فانثنى

في القوم بعد تجاولٍ وبعــاد(٦)

ونهى دريساً فانتهى عن قوله

حبر يوافق أمره برشـــاد

وقال أيضاً:

ألــم ترني من بعد هم هممته

بفرقة حر الولدين حـــرام(٧)

____________

(١) قلص القوم: اجتمعوا فساروا. قلصت الناقة: استمرت في مضيها. تقلص: انضم وانزوى، تدانى.

(المؤلف)

(٢) مصالت: الماضي في الحوائج. الصلت الجبين: الواضح. نجد جمع النجد: الضابط للأمور يذلل المصاعب. الشجاع الماضي فيما يعجز غيره. سريع الإجابة إلى ما دعي إليه. (المؤلف)

(٣) في الموضعين في رواية: طبة. بالموحدة مؤنث الطب بفتح الطاء. الناحية. (المؤلف)

(٤) في الديوان: على شرف من المرصاد.

(٥) وفي رواية:

قوم يهود قد رأوا ما قد رأوا

ظل الغمامة ناغري الأكباد

(المؤلف)

(٦) كذا في تهذب تاريخ دمشق: ١ / ٢٧٢، وفي الديوان: وثنى بحيراء زبيراً فانثنى…

(٧) كذا في تهذيب تاريخ دمشق، وفي الديوان والروض الأنف: كرام، بدلاً من حرام.

٢١

بأحمد لمــا أن شددت مطيتي

برحلي وقد ودعته بســـلام

بكى حزناً والعيس قد فصلت بنا

وأخذت بالكفين فضل زمــام

ذكرت أباه ثــم رقرقت عبرة

تجود من العينين ذات سجـام

فقلت: ترحـل راشداً في عمومة

مواسير في البأساء غيـر لئام(١)

فجاء مع العير التـي راح ركبها

شآمي الهوى والاصل غير شآم

فلما هبطنا أرض بصرى تشرفوا

لنا فوق دور ينظرون جسـام

فجاء بحيرا عند ذلك حاشــداً

لنا بشراب طيب و طعـــام

فقال اجمعوا أصحابكـم لطعامنا

فقلنا جمعنا القوم غيرغــلام

يتيم فقال ادعــوه إن طعامنـا

كثير عليه اليوم غيرحــرام

فلو لا الذي خبرتم عـن محمد

لكنتم لدينا اليوم غير كــرام

فلما رآه مقبلاً نحــــو داره

يوقيه حر الشمس ظل غمـام

حنا رأسه شبـه السجود وضمه

إلى نحره والصدر أي ضمام

وأقبل ركب يطلبـون الذي رأى

بحيرا من الاعلام وسط خيام

فثار اليهـم خشيةً لعرامهم(٢)

وكانوا ذوي بغي لنا و عـرام

دريس وتمام وقد كان فيهم(٣)

زبير وكل القوم غيــر نيام

فجـاؤوا وقد هموا بقتل محمد

فردهم عنه بحسن  خصــام

بتأويلـــه التوراة حتى تيقنوا

وقال لهم رمتم أشد مـــرام

أتبغــــون قتلاً للنبي محمد

خصصتم على شؤم بطول أثام

وإن الذي نختاره منـه مانــع

سيكفيه منكم كيد كــل طغام

فذلك من أعلامه وبيانــــه

وليس نهــار واضح كظلام

____________

(١) في الديوان والروض الأنف، مواسين بدلاً من: مواسير.

(٢) العرام: الشراسة والأذى. (المؤلف)

(٣) دريس، وتمام، وزبير - في بعض النسخ: زدير. أحبار من اليهود. (المؤلف)

٢٢

ديوان أبي طالب(١) (ص ٣٣ - ٣٥)، تاريخ ابن عساكر(٢) (١ / ٢٦٩ - ٢٧٢)، الروض الأنف(٣) (ا / ١٢٠).

وذكر السيوطي الحديث من طريق البيهقي في الخصائص الكبرى(٤) (١ / ٨٤) فقال في (ص ٨٥): وقال أبو طالب في ذلك أبياتاً منها:

فما رجعوا حتى رأوا من محمد

أحاديث تجلو غم كـل فواد

وحتــى رأوا أحبار كل مدينة

سجوداً له من عصبةٍ وفراد

زبيراً وتماماً وقـد كان شاهداً

دريساً وهموا كلهم بفسـاد

فقال لهــم قولاً بحيرا وأيقنوا

له بعد تكذيب وطول بعـاد

كمـا قال للرهط الذين تهودوا

وجاهدهم في الله كـل جهاد

فقال ولـم يترك له النصح رده

فإن له إرصاد كل مصـاد

فإنــي أخاف الحاسدين وإنه

لفي الكتب مكتوب بكل مداد

استسقاء أبي طالب بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم

أخرج ابن عساكر في تاريخه في تاريخه(٥) عن جلهمة بن عرفطة قال: قدمت مكة وهم في قحط فقالت قريش: يا أبا طالب أقحط الوادي، وأجدب العيال، فهلم واستسق. فخرج أبو طالب ومعه غلام كأنه شمس دجن تجلت عنه سحابه قتماء وحوله أغيلمة، فأخذه أبو طالب فألصق ظهره بالكعبة، ولاذ بإصبعه الغلام، وما في السماء قزعة(٦) ،

____________

(١) ديوان أبي طالب: ص ٨٩ - ٩٠.

(٢) تاريخ مدينة دمشق: ٣ / ١٢ - ١٤.

(٣) الروض الأنف: ٢ / ٢٢٧.

(٤) الخصائص الكبرى: ١ / ١٤٤.

(٥) مختصر تاريخ دمشق: ٢ / ١٦١ - ١٦٢.

(٦) القزعة: القطعة من السحاب.

(المؤلف)

٢٣

فأقبل السحاب من هاهنا وهاهنا، واغدق وأغدودق، وانفجر له الوادي، وأخصب البادي والنادي، وفي ذلك قول أبو طالب:

وأبيض يستسقى الغمم بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

يلوذ به الهلاك من آل هاشمٍ

فهم عنده في نعمة وفواضـل

وميزان عدل لا يخيس شعيرةً

ووزان صدق وزنه غير هائل

شرح البخاري للقسطلاني (٢ / ٢٢٧)، المواهب اللدنية (١ / ٤٨)، الخصائص الكبرى (٨٦ / ١٢٤)، شرح بهجة المحافل (١ / ١١٩)، السيرة الحلبية (١ / ١٢٥)، السيرة النبوية لزيني دحلان هامش الحلبية (١ / ٨٧)، طلبة الطالب (ص ٤٢)(١) .

ذكر الشهرستاني في الملل والنحل(٢) بهامش الفصل (٣ / ٢٢٥) سيدنا عبد المطلب وقال: ومما يدل علي معرفته بحال الرسالة وشرف النبوة أن أهل مكة لما أصابهم ذلك الجدب العظيم، وأمسك السحاب عنهم سنتين، أمر أبا طالب ابنه أن يحضر المصطفى عليه الصلاة والسلام وهو رضيع في قماط، فوضعه على يديه واستقبل الكعبة رماه إلى السماء وقال: يا رب بحق هذا الغلام. ورماه ثانياً وثالثاً وكان يقول: بحق هذا الغلام اسقنا غيثاً مغيثاً دائماً هاطلاً. أن يلبث ساعة طبق السحاب وجه السماء وأمطر حتى خافوا على المسجد، وأنشد أبو طالب ذلك الشعرالامي الذي منه:

وأبيض يستسقى الغمام بوجهه

ثمال اليتامى عصمة للأرامل

ثم ذكر أبياتاً من القصيدة، ولا يخفى على الباحث أن القصيدة نظمها أبو طالب عليه السلام أيام كونه في الشعب كما مر.

____________

(١) إرشاد الساري: ٣ / ٢٧، المواهب اللدنية: ١ / ١٨٤، الخصائص الكبرى: ١ / ١٤٦، ٢٠٨، السيرة الحلبية: ١ / ١١٦، السيرة النبوية: ١ / ٤٣.

(٢) الملل والنحل: ٢ / ٢٤٩.

٢٤

فاستسقاء عبد المطلب وابنه سيد الأبطح بالنبي الأعظم يوم كان صلى الله عليه وآله وسلم رضيعاً يافعاً يعرب عن توحيدهما الخالص، وإيمانهما بالله، وعرفانهما بالرسالة الخاتمة، وقداسة صاحبها من أول يومه، ولو لم‌‌‌‌‍‌ يكن لهما إلا هذان الموقفان لكفياهما، كما يكفيان الباحث عن دليل آخر على اعتناقهما الإيمان.

٣ - أبو طالب في مولد أمير المؤمنين عليه السلام:

عن جابر بن عبد الله قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن ميلاد علي بن أبي طالب فقال: «لقد سألتني عن خير مولود ولد في شبه المسيح عليه السلام، إن الله تبارك وتعالى خلق علياً من نوري وخلقني من نوره وكلانا من نور واحد، ثم إن الله عز وجل نقلنا من صلب آدم عليه السلام في أصلاب طاهرة إلى أرحام زكية، فما نقلت من صلب إلا ونقل علي معي، فلم نزل كذلك حتى استودعني خير رحم وهي آمنة. واستودع علياً خير رحم وهي فاطمة بنت أسد ». وكان في زماننا رجل زاهد عابد يقال له المبرم بن دعيب بن الشقبان قد عبد الله تعالى مائتين وسبعين سنة لم يسأل الله حاجة، فبعث الله إليه أبا طالب، فلما بصره المبرم قام إليه وقبل رأسه وأجلسه بين يديه ثم قال: من أنت؟ فقال: رجل من تهامة. فقال: من أي تهامة؟ فقال: من بني هاشم. فوثب العابد فقبل رأسه ثم قال: يا هذا إن العلي الأعلى ألهمني إلهاماً. قال أبو طالب: وما هو؟ قال: ولد يولد من ظهرك وهو ولي الله جل وعلى. فلما كان الليلة التي ولد فيها علي أشرقت الأرض، فخرج أبو طالب وهو يقول: أيها الناس ولد في الكعبة ولي الله، فلما أصبح دخل الكعبة وهو يقول:

يا رب هذا الغسق الدجي

والقمر المنبلج المضـــي

بين لنا مـن أمرك الخفي

ماذا ترى في إسم ذا الصبي

قال: فسمع صوت هاتف يقول:

٢٥

يا أهل بيت المصطفى النبي

خصصتم بالوالد الزكـي

إن اسمه مـن شامخ العلي

علي اشتق مـن العلـي

أخرجه الحافظ الكنجي الشافعي في كفاية الطالب(١) (ص ٢٦٠) وقال: تفرد به مسلم بن خالد الزنجي وهو شيخ الشافعي، وتفرد به عن الزنجي عبد العزيز بن عبد الصمد وهو معروف عندنا.

٤ - بدء أمر النبي وأبو طالب

أخرج فقيه الحنابلة إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري في كتابه نهاية الطلب وغاية السؤول في مناقب آل الرسول(٢) بإسناده عن طاووس عن ابن عباس في حديث طويل: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال للعباس رضى الله عنه إن الله قد أمرني بإظهار أمري وقد أنبأني واستنبأني فما عندك؟ فقال له العباس رضي الله عنه: يا بن أخي تعلم أن قريشاً أشد الناس حسداً لولد أبيك، وإن كانت هذه الخصلة كانت الطامة الطماء والداهية العظيمة ورمينا عن قوس واحد وانتسفونا نسفاً، صلتا(٣) ولكن قرب إلى عمك أبي طالب فإنه كان أكبر أعمامك إن لا ينصرك لا يخذلك ولا يسلمك، فأتياه، فلما رآهما أبو طالب قال: إن لكما لظنة وخبراً، ما جاء بكما في هذا الوقت؟ فعرفه العباس ما قال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم وما أجابه به العباس، فنظر إليه أبو طالب وقال له: أخرج يا بن أخي فإنك الرفيع كعباً، والمنيع حزباً، والأعلى أباً، والله لا يسلقك لسان إلا سلقته ألسن حداد، واجتذبته سيوف حداد، والله لتذلن لك العرب ذل البهم لحاضنها، ولقد كان أبي يقرأ الكتاب جميعاً، ولقد قال: إن من صلبي لنبياً، لوددت أني أدركت ذلك

____________

(١) كفاية الطالب: ص ٤٠٦.

(٢) راجع الطرائف لسيدنا ابن طاووس: ص ٨٥ (ص ٣٠٢ - ٣٠٣ ح ٣٨٨)، وضياء العالمين لشيخنا أبي الحسن الشريف (المؤلف)

(٣) الصلت: الشديد.

٢٦

الزمان فآمنت به، فمن أدركه من ولدي فليؤمن به.

قال الأميني: أترى أن أبا طالب يروي ذلك عن أبيه مطمئناً به؟ وينشط رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هذا التنشيط لأول يومه، ويأمره بإشهار أمره والإشادة بذكر الله، وهو مخبت بأنه هو ذلك النبي الموعود بلسان أبيه والكتب السالفة، ويتكهن بخضوع العرب له، أتراه سلام الله عليه يأتي بهذه كلها ثم لا يؤمن به؟ إن هذا إلا اختلاف.

٥ - أبو طالب وفقده النبي صلى الله عليه وآله وسلم

ذكر ابن سعد الواقدي في الطبقات الكبرى(١) (١ / ١٨٦) طبع مصر و (ص ١٣٥) طبع ليدن حديث ممشى قريش إلى أبي طالب في أمره صلى الله عليه وآله وسلم إلى أن قال: فاشمأزوا ونفروا منها - يعني من مقالة محمد - وغضبوا وقاموا وهم يقولون: اصبروا على آلهتكم، إن هذا لشيء يراد، ويقال المتكلم بهذا عقبة بن أبي معيط. وقالوا: لا نعود إليه أبداً، وما خير من أن نغتال محمداً. فلما كان مساء تلك الليلة فقد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وجاء أبو طالب وعمومته إلى منزله فلم يجدوه، فجمع فتياناً من بني هاشم وبني المطلب ثم قال: ليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة، ثم ليتبعني إذا دخلت المسجد، فلينظر كل فتى منكم فليجلس إلى عظيم من عظمائهم فيهم ابن الحنظلية - يعني أبا جهل - فإنه لم يغب عن شر إن كان محمد قد قتل، فقال الفتيان: نفعل، فجاء زيد بن حارثة فوجد أبا طالب على تلك الحال؛ فقال: يا زيد أحسست ابن أخي؟ قال: نعم كنت معه آنفاً. فقال أبو طالب: لا أدخل بيتي أبداً حتى أراه؛ فخرج زيد سريعاً حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وهو في بيت عند الصفا ومعه اصحابه يتحدثون فأخبر الخبر فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله إلى بي طالب، فقال: يا بن أخي أين كنت؟ أكنت في خير؟ قال: نعم. قال: ادخل بيتك، فدخل

____________

(١) الطبقات الكبرى: ١ / ٢٠٢ - ٢٠٣.

٢٧

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. فلما أصبح أبو طالب غدا على النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فأخذ بيده فوقف به على أندية قريش ومعه الفتيان الهاشميون والمطلبيون فقال: يا معشر قريش هل تدرون ما هممت به؟ قالوا: لا. فأخبرهم الخبر، وقال للفتيان: اكشفوا عما في أيديكم فكشفوا، فإذا كل رجل منهم معه حديدة صارمة فقال: والله لو قتلتموه ما بقيت منكم أحداً. حتى نتفانى نحو وأنتم، فانكسر القوم وكان أشدهم انكساراً أبو جهل.

لفظ آخر

وأخرج الفقيه الحنبلي إبراهيم بن علي بن محمد الدينوري في كتابه نهاية الطلب(١) بإسناده عن عبد الله بن المغيرة بن معقب، قال: فقد أبو طالب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فظن أن بعض قريش اغتاله فقتله، فبعث إلى بني هاشم فقال: يا بني هاشم أظن أن بعض قريش اغتال محمداً فقتله، فليأخذ كل واحد منكم حديدة صارمة وليجلس إلى جنب عظيم من عظماء قريش، فإذا قلت: أبغي محمداً. قتل كل منكم الرجل الذي إلى جانبه. وبلغ رسول الله جمع أبي طالب وهو في بيت عند الصفا، فأتى أبا طالب وهو في المسجد، فلما رآه أبو طالب أخذ بيده ثم قال: يا معشر قريش، فقدت محمداً فظننت أن بعظكم أغتاله فأمرت كل فتى شهد من بني هاشم أن يخذ حديدةً ويجلس كل واحد منهم إلى عظيم منكم، فإذا قلت: أبغي محمداً قتل كل واحد منهم الرجل الذي إلى جنبه، فاكشفوا عما في أيديكما يا بني هاشم فكشف بنو هاشم عما في أيديهم فنظرت قريش إلى ذلك فعندها هابت قريش رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ثم أنشأ أبو طالب:

ألا أبلغ قريشاً حيث حلت

وكل سرائر منها غرور

____________

(١) راجع الطرائف لسيدنا ابن طاووس: ص ٨٥ (ص ٣٠٣ ح ٣٨٩). (المؤلف)

٢٨

فإني والضوابــح عاديات(١)

وما تتلو السفاســرة الشهور

لآل محمد راعٍ حــــــفيظ

وود الصدر منــي والضمير

فلست بقاطع رحمـــي وولدي

ولو جرت مظالمهــا الجزور

أيأمر جمعهـــــم أبناء فهر

بقتل محمد والأمــــر زور

فلا وأبيك لا ظفرت قـــريش

ولا أمت رشاداً إذ تشيــــر

بني أخي ونوط القلب منـــي

وأبيض ماؤه غـدق كثيــر

ويشرب بعده الولدان ريــــاً

وأحمد قد تضمنــه القبــور

أيا بن الأنف أنف بني قصي(٣)

كأن جبينك القمــر المنيــر

لفت نظر: قال شيخنا العلامة المجلسي في البحار(٤) (٩ / ٣١): روى جامع الديوان - يعني ديوان أبي طالب - نحو هذا الخبر مرسلاً ثم ذكر الأشعار هكذا…

فذكر الأشعار وفيها زيادة عشرين بيتاً على ما ذكر، وهي لا توجد في الديوان المطبوع لسيدنا أبي طالب.

لفظ ثالث:

وقال السيد فخار بن معد في كتابه الحجة(٥) (ص ٦١): وأخبرني الشيخ الحافظ أبو الفرج عبد الرحمن بن محمد ابن الجوزي المحدث البغدادي - وكان ممن يرى كفر أبي طالب ويعتقده - بواسط العراق سنة إحدى وتسعين وخمسمائة بإسناد له إلى الواقدي،

____________

(١) في تاج العروس: ٣ / ٢٧٢: فإني والسوابح كل يوم. وفي ص ٣٢٠: فإني والضوابح كل يوم. (المؤلف)

(٢) السفاسرة: أصحاب الأسفار وهي الكتب. الشهور: العلماء جمع الشهر. كذا فسر البيت كما في تاج العروس: ٣ / ٢٧٢ن ٣٢٠. (المؤلف)

(٣) الأنف: السيد. (المؤلف)

(٤) بحار الأنوار: ٣٥: ١٤٩ ح ٨٥.

(٥) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٢٥٤.

٢٩

قال: كان أبو طالب بن عبد المطلب لا يغيب صباح النبي ولا مساءه، ويحرسه من أعدائه ويخاف أن يغتالوه فلما كان ذات يوم فقده فلم يره وجاء المساء فلم يره وأصبح الصباح فطلبه في مظانه فلم يجده فلزم أحشاءه وقال: واولداه، وجمع عبيده ومن يلزمه في نفسه فقال لهم: إن محمداً قد فقدته في أمسنا ويومنا هذا ولا أظن إلا أن قريشاً قد اغتالته وكادته وقد بقي هذا الوجه ما جئته، وبعيد أن يكون فيه واختار من عبيده عشرين رجلاً، فقال: امضوا وأعدوا سكاكين وليمض كل رجل منكم وليجلس إلى جنب سيد من سادات قريش، فان أتيت ومحمد معي فلا تحدثن أمراً وكونوا على رسلكم حتى أقف عليكم، وإن جئت وما محمد معي فليضرب كل منكم الرجل الذي إلى جانبه من سادات قريش. فمضوا وشحذوا سكاكينهم حتى رضوها، ومضى أبو طالب في الوجه الذي أراده ومعه رهطه من قومه فوجده في أسفل مكة قائماً يصلى إلى جنب صخرة فوقع عليه وقبله وأخذ بيده وقال: يا بن أخ قد كدت أن تأتي على قومك، سر معي، فأخذ بيده وجاء إلى المسجد وقريش في ناديهم جلوس عند الكعبة، فلما رأوه قد جاء ويده في يد النبي صلى الله عليه وآله وسلم قالوا: هذا أبو طالب قد جاءكم بمحمد إن له لشأناً، فلما وقف عليهم والغضب في وجهه قال لعبيده: أبرزوا ما في أيديكم فأبرز كل واحد منهم ما في يده. فلما رأوا السكاكين قالوا: ما هذا يا أبا طالب؟ قال: ما ترون؛ إني طلبت محمداً فلم أره منذ يومين فخفت أن تكونوا كدتموه ببعض شأنكم، فأمرت هؤلاء أن يجلسوا حيث ترون وقلت لهم: إن جئت وليس محمد معي فليضرب كل منكم صاحبه الذي إلى جنبه ولا يستأذني فيه، ولو كان هاشمياً، فقالوا: وهل كنت فاعلاً؟ فقال: أي ورب هذه وأومى إلى الكعبة، فقال له المطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف وكان من أحلافه: لقد كدت تأتي على قومك؟ قال هو ذلك. ومضى به وهو يقول:

إذهب بني فما عليك غضاضة

إذهب وقر بذاك منك عيونا

٣٠

والله لن يصلوا إليك بجمعهـم

حتى أوسد في التراب دفينا

ودعوتني وعملت أنك ناصحي

ولقد صدقت وكنت قبل أمينا

وذكرت ديناً لا محالــة أنه

من خير أديان البرية دينـا(١)

فرجعت قريش على أبي طالب بالعتب والاستعطاف وهو لا يحفل بهم ولا يلتفت إليهم.

قال الأميني: هذا شيخ الأبطح يروقه أن يضحي كل قومه دون نبي الإسلام وقد تأهب لأن يطأ القوميات كلها والأواصر المتشجة بينه وبين قريش بأخمص الدين، فحياها الله من عاطفة إلهية، وآصرة دينية هي فوق أواصر الرحم.

٦ - أبو طالب في بدء الدعوة:

لما نزلت: (وأنذر عشيرتك الأقربين)(٢) . خرج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فصعد على الصفا فهتف: يا صباحاه. فاجتمعوا إليه، فقال: "أرأيتكم لو أخبرتكم أن خيلاً تخرج بسفح الجبل أكنتم مصدقي؟" قالوا: نعم ما جربنا عليك كذباً. قال: "فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد". فقال أبو لهب: تباً لك، أما جمعتنا إلا لهذا؟ ثم أحضر قومه في داره، فبادره وقال: هؤلاء هم عمومتك وبنو عمك فتكلم ودع الصبأة(٣) واعلم أنه ليس لقومك بالعرب قاطبة طاقة، وأن أحق من أخذك فحبسك بنو أبيك، وإن أقمت ما أنت عليه فهو أيسر عليهم من أن ينب لك بطون قريش، وتمدهم العرب، فما رأيت أحداً جاء على بني أبيه بشر مما جئتهم به. فسكت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولم يتكلم.

____________

(١) راجع ما اسلفناه: ص ٣٣٤. (المؤلف)

(٢) مر حديثها في الجزء الثاني: ص ٢٧٨. (المؤلف)

(٣) الصبأ: الخروج من دين إلى دين آخر. (المؤلف)

٣١

ثن دعاهم ثانية وقال: «الحمد لله أحمده وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه، وأشهد أن لا إلا الله وحده لا شريك له. ثم قال: إن الرائد لا يكذب أهله، والله الذي لا إله إل هو إني رسول الله إليكم خاصة وإلى الناس عامة، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون، ولتحاسبن بما تعملون، وإنما الجنة أبداً والنار أبداً».

فقال أبو طالب: ما أحب إلينا معاونتك، وأقبلنا لنصيحتك، وأشد تصديقنا لحديثك، وهؤلاء بنو أبيك مجتمعون وإنما أنا أحدهم غير أني أسرعهم إلى ما تحب، فامض لما أمرت به، فوالله لا أزال أحوطك وأمنعك، غير أن نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب(١) .

قال الأميني: لم يكن دين عبد المطلب سلام الله عليه إلا دين التوحيد والإيمان بالله ورسله وكتبه غير مشوب بشيء من الوثنية، وهو الذي كان يقول في وصياه: إنه لن يخرج من الدنيا ظلوم حتى ينتقم منه وتصيبه عقوبة. إلى أن هلك ظلوم لم تصبه عقوبة. فقيل له في ذلك، ففكر في ذلك، فقال: والله إن وراء هذه الدار داراً يجزى فيها المحسن بإحسانه، ويعاقب المسيء باساته، وهو الذي قال لأبرهة: إن لهذ البيت رباً يدب عنه ويحفظه، وقال وقد صعد ابا قبيس:

لاهــم إن المرء يمـ

ـنع حله فامنع حلالك

لا يغلبـــن صليبهم

ومحالهم عدوا محـالك

فأنصر على آل الصليـ

ـب وعابديه اليوم آلك

إن كنت تاركهم وكعـ

ـبتنا فمر مـا بدا لك(٢)

____________

(١) الكامل لابن الأثير: ٢ / ٢٤ (١ / ٤٨٦). (المؤلف)

(٢) الملل والنحل للشهرستاني هامش الفصل: ٣ / ٢٢٤ ( ٢ / ٢٤٩)، الدرج المنيفة للسيوطي: ص ١٥ مسالك الحنفاء: ص ٣٧. (المؤلف)

٣٢

ويعرب عن تقدمه في الإيمان الخالص والتوحيد الصحيح انتماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم إليه ومباهاته به يوم حنين بقوله:

أنـا النبـــــي لا كـذب

أنا ابـن عبـــد المطلب(١)

وقد أجاد الحافظ شمس الدين بن ناصر الدين الدمشقي في قوله:

تنقل أحمد نوراً عظيمـاً تلالا

فــــي جباه السـاجدينا

تقلب فيهــــم قرنـاً فقرناً

إلى أن جاء خيـر المرسلينا

وهذا هو الذي أراده أبو طالب - سلام الله عليه - بقوله: نفسي لا تطاوعني على فراق دين عبد المطلب. وهو صريح بقية كلامه، وقد أراد بهذا السياق التعمية عل الحضور لئلا يناصبوه العداء بمفارقتهم، وهذا السياق من الكلام من سنن العرب في محوراتهم، قد يريدون به التعمية، وقد يراد به التأكيد للمعنى المقصود كقول الشاعر:

ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم

بهن فلول من قراع الكتائب

ولو لم يكن لسيدنا أبي طلب إلا موقفه هذا لكفى بمفرده في إيمانه الثابت، وإسلامه القويم، وثباته في المبدأ.

قال ابن الثير(٣) : فقال أبو لهب: هذه والله السوء(٤) ، خذوا على يديه قبل أن يأخذ غيركم، فقال أبو طالب: والله لنمنعنه ما بقينا. وفي السيرة الحلبية(٥) (١ / ٣٠٤): إن الدعوة كانت في دار أبي طالب.

____________

(١) طبقات ابن سعد طبع مصر رقم التسلسل ص ٦٦٥ ( ٢ / ١٥١)، تاريخ الطبري: (٣ / ٧٦ حوادث سنة ٨هـ). (المؤلف)

(٢) مسالك الحنفاء للسيوطي: ص ٤٠، الدرج المنيفة ص ١٤. (المؤلف)

(٣) الكامل في التاريخ: ١ / ٤٨٧.

(٤) في المصدر: السوأة.

(٥) السيرة الحلبية: ١ / ٢٨٥.

٣٣

قال عقيل بن أبي طالب: جاءت قريش إلى أبي طالب فقالوا: إن ابن أخيك يؤذينا في نادينا وفي كعبتنا وفي ديارنا ويسمعنا ما نكره، فإن رأيت أن تكفه عنا فافعل. فقال لي: يا عقيل التمس لي أبن عمك. فأخرجته من كبس(١) من كباس أبي طالب. فجاء يمشي معي يطلب الفيء يطأ فيه لا يقدر عليه، حتى انتهى الى أبي طالب فقال: يا بن أخي والله لقد كنت لي مطيعاً جاء قومك يزعمون أنك تأتيهم في كعبتهم وفي ناديهم فتؤذيهم وتسمعهم ما يكرهون، فإن رأيت أن تكف عنهم. فحلق بصره إلى السماء وقال: والله ما أنا بقادر أن أرد ما بعثني به ربي، ولو أن يشعل أحدهم من هذه الشمس نارً. فقال أبو طالب: والله ما كذب قط، فارجعوا راشدين.

قال الأميني: هكذا أخرجه البخاري في تاريخه(٢) بإسناد رجاله كلهم ثقات، وبهذا اللفظ ذكره المحب الطبري في ذخائر العقبى (ص ٢٢٣). غير أن ابن كثير لما رأى لكلمة: راشدين. قيمة في إيمان بي طالب حذفها في تاريخه(٣) (٣ / ٤٢). حيا الله الأمانة!

وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى(٤) (١ / ١٧١) حديث الدعوة عن علي وفيه: «ثم قال لهم صلى الله عليه وآله وسلم: من يؤازرني على ما أنا عليه ويجيبني على أن يكون أخي وله الجنة؟ فقلت: أنا يا رسول الله، وإني لأحدثهم سناً، وأحمشهم ساقاً. وسكت القوم، ثم قالوا: يا أبا طالب الا ترى ابنك؟ قال: دعوه فلن يألو(٥) ابن عمه خيرا».

وروى أبو عمرو الزاهد الطبري عن تغلب عن ابن الأعرابي انه قال في لغة - العور - إنه الردي من كل شيء قال: ومن العور ما في رواية ابن عباس. ثم ذكر

____________

(١) الكبس: البيت الصغير. (٢) التاريخ الكبير: ٧ / ٥٠ رقم ٢٣٠. (٣) البداية والنهاية: ٣ / ٥٥. (٤) الطبقات الكبرى: ١ / ١٨٧. (٥) يألو: يقصر. ( المؤلف ).

٣٤

حديث علي عليه السلام بطوله إلى أن قال: قال «فلما أراد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يتكلم اعترضه أبو لهب، فتكلم بكلمات وقال: قوموا. فقاموا وانصرفوا. قال: فلما كان من الغد أمرني فصنعت مثل ذلك الطعام والشراب ودعوتهم فأقبلوا ودخلوا فأكلوا وشربوا، فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليتكلم فاعترضه أبو لهب فقال له ابو طالب: اسكت يا أعور ما أنت وهذا؟ ثم قال: لا يقومن أحد. قال: فجلسوا ثم قال للنبي صلى الله عليه وآله وسلم: قم يا سيدي فتكلم بما تحب وبلغ رسالة ربك فإنك الصادق المصدق».

وإلى هذا الحديث وكلمة أبي طالب - اسكت يا أعور ما أنت وهذا؟ - وقع الإيعاز في النهاية لابن الأثير(١) (٣ / ١٥٦), والفائق للزمخشري(٢) (٢ / ٩٨) نقلاً عن ابن الأعرابي، وفي لسان العرب(٣) (٦ / ٢٩٤)، تاج العروس (٣ / ٤٢٨).

قال الأميني: اي كافر طاهر هذا سلام الله عليه وهو يدافع عن الإسلام المقدس بكل حوله وطوله، ويسلق رجال قومه بلسان حديد، ويحض النبي الأعظم على الدعوة وتبليغ رسالته عن ربه، ويراه الصادق المصدق؟.

٧ - قول أبي طالب لعلي: إلزم ابن عمك:

قال ابن إسحاق: ذكر بعض أهل العلم أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان إذا حضرت الصلاة خرج إلى شعاب مكة وخرج معه علي بن أبي طالب مستخفياً من أبيه أبي طالب ومن جميع أعمامه وسائر قومه، فيصليان الصلوات فيها، فاذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا، ثم إن با طالب عثر عليهما يوماً وهما يصليان، فقال لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: يا بن أخي ما هذا الدين الذي أراك تدين به؟ قال: «اي عم هذا

____________

(١) النهاية: ٣ / ٣١٩.

(٢) الفائق: ٣ / ٣٧.

(٣) لسان العرب: ٩ / ٤٦٩.

٣٥

دين الله ودين ملائكته ودين رسله ودين أبينا إبراهيم».

وذكروا أنه قال لعلي: اي بني ما هذا الدين الذي أنت عليه؟ فقال: «يا أبت آمنت بالله وبرسول الله وصدقته بما جاء به، وصليت معه لله واتبعته» فزعموا أنه قال له: أما إنه لم يدعك إلا إلى خير، فالزمه. وفي لفظ عن علي: إنه لما أسلم قال له أبو طالب: إلزم ابن عمك. سيرة ابن هشام (١ / ٢٦٥)، تاريخ الطبري (٢ / ٢١٤)، تفسير الثعلبي، عيون الأثر (١ / ٩٤) الإصابة (٤ / ١١٦)، أسنى المطالب (ص ١٠)(١) .

وفي شرح ابن أبي الحديد(٢) ( ٣ / ٣١٤): روي عن علي قال: قال أبي: يا بني إلزم ابن عمك فإنك تسلم به من كل بأس عاجل وآجل. ثم قال لي:

إن الوثيقة في لـزوم محمدٍ

فاشدد بصحبته على أيديكا

فقال: ومن شعره المناسب لهذا قوله:

إن عليـــا ً وجعفراً ثقتي

عند ملـم الزمـان والنوب

لا تخذلا وانصرا ابن عمكما

أخي لأمي مـن بينهم وأبي

والله لا أخـــذل النبي ولا

يخذله من بنـي ذو حسب

وهذه الأبيات الثلاثة توجد في ديوان أبي طالب(٣) أيضاً (ص ٣٦) وذكرها العسكري كتاب الأوائل(٤) قال: إن أبا طالب مر بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم ومعه جعفر فرأى

____________

(١) السيرة النبوية: ١ / ٢٦٣، تاريخ الأمم والملوك: ٢ / ٣١٣، عيون الأثر: ١ / ١٢٥، أسنى المطالب: ص ١٧.

(٢) شرح نهج البلاغة: ١٤ / ٧٥ كتاب ٩.

(٣) ديوان أبي طالب: ص ٩٤ - ٩٥.

(٤) الأوائل: ص ٧٥.

٣٦

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يصلي وعلي معه، فقال لجعفر: يا بني صل جناح ابن عمك. فقام إلى جنب علي، فأحس النبي فتقدمهما، وأقبلوا على أمرهم حتى فرغوا، فانصرف أبو طالب مسروراً وأنشأ يقول:

إن علياً وجعفـراً ثقتي

عـــن ملم الزمان والنوب

وذكر أبياتاً يذكرها ابن أبي الحديد ومنها:

نحن وهذا النبي ننصره

نضرب عنه الأعداء كالشهب

وأخرج أبو بكر الشيرازي في تفسيره: أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم لما أنزل عليه الوحي أتى المسجد الحرام وقام يصلي فيه، فاجتاز به علي عليه السلام وكان ابن تسع سنين فناداه: يا علي إلي أقبل. فأقبل إليه ملبياً فقال له النبي: «إني رسول الله إليك خاصة وإلى الخلق عامة فقف عن يميني وصل معي». فقال: «يا رسول الله حتى أمضي وأستأذن أبا طالب والدي»؛ فقل له: «اذهب فإنه سيأذن لك»، فانطلق إليه يستأذنه في اتباعه، فقال: يا ولدي تعلم ان محمداً أمين الله منذ كان، إمض إليه وأتبعه ترشد وتفلح. فأتى علي عليه السلام ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قائم يصلي في المسجد، فقام عن يمينه يصلي معه، فاجتاز أبو طالب بهما وهما يصليان فقال: يا محمد ما تصنع؟ قال: «أعبد إله السموات والأرض ومعي أخي علي يعبد ما أعبد وأنا ادعوك إلى عبادة الواحد القهار» فضحك أبو طالب حتى بدت نواجده وأنشأ يقول:

والله لن يصلوا إليك بجمعهم

حتى أغيب في التراب دفينا

إلى آخر الأبيات التي أسلفناها (ص ٣٣٤).

٨ - قول أبي طالب: صل جناح ابن عمك:

أخرج ابن الأثير: أن أبا طالب رأى النبي صلى الله عليه وآله وسلم وعلياً يصليان وعلي على

٣٧

يمينه، فقال لجعفر رضي الله تعالى عنه: صل جناح ابن عمك، وصل عن يساره، وكان إسلام جعفر بعد إسلام أخيه علي بقليل. وقال أبو طالب:

فصبراً أبا يعلى علـى دين أحمد

وكن مظهراً للدين وفقت صابرا

وحط من أتى بالحق من عند ربه

بصدق وعزم لا تكن حمز كافرا

فقد سرنـــي إذ قلت إنك مؤمن

فكن لرسول الله فـي الله ناصرا

وباد قريشاً بالذي قــــد أتيته

جهاراً وقل ما كان أحمد ساحرا

أسد الغابة(١) ( ١ / ٢٨٧)، شرح ابن أبي الحديد(٢) (٣ / ٣١٥)، الإصابة (٤ / ١١٦)، السيرة الحلبية(٣) (١ / ٢٨٦)، أسنى المطالب(٤) (ص ٦) وقال: قال البرزنجي: تواترت الأخبار أن أبا طالب كان يحب النبي صلى الله عليه وآله وسلم ويحوطه وينصره ويعينه على تبليغ دينه ويصدقه فيما يقوله؛ ويأمر أولاده كجعفر وعلى باتباعه ونصرته.

وقال في (ص١٠): قال البرزنجي: هذه الأخبار كلها صريحة في أن قلبه طافح وممتلئ بالإيمان بالنبي صلى الله عليه وآله وسلم.

٩ - أبو طالب وحنوه على النبي صلى الله عليه وآله وسلم:

قال أبو جعفر محمد بن حبيب رحمه الله في أماليه: كان أبو طالب إذا رأى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أحيناً يبكي وبقول: إذا رأيته ذكرت أخي، وكان عبد الله أخاه لابويه، وكان شديد الحب والحنو عليه، وكذلك كان عبد المطلب شديد الحب له، وكان أبو طالب كثيراً ما يخاف على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم البيات إذا عرف مضجعه، فكان يقيمه ليلاً من

____________

(١) أسد الغابة: ١ / ٣٤١ رقم ٧٥٩.

(٢) شرح نهج البلاغة: ١٤ / ٧٦ كتاب ٩.

(٣) السيرة الحلبية: ١ / ٢٦٩.

(٤) أسنى المطالب: ص ١٠ و ١٧.

٣٨

منامه ويضجع ابنه علياً مكانه، فقال له علي ليلة: «يا أبت إني مقتول»، فقال له:

أصبرن يا بنــي فالصبر أحجى

كل حــي مصيره لشعـــوب

قــــــد بذلناك والبلاء شديد

لفــداء لحبيب وأبـن الــحبيب

لفداء الأغـــر ذي الحسب الثا

قب والباع والكريــم الــنجيب

إن تصبك المنون فالنبل تبرى(١)

فمصيب منهــا وغيــر مصيب

كل حــي وإن تملى بعمر(٢)

آخذ مــن مــذاقهــا بنصيب

فأجاب علي بقوله:

أتأمرني بالصبر في نصر أحمد

ووالله ما قلت الذي قلت جازعـا

ولكنني أحببت أن ترى نصرتي

وتعلم أني لــم أزل لك طائعـا

سأسعى لوجه الله في نصر أحمد

نبي الهدى المحمود طفلاً و يافعـا

وذكره ابن أبي الحديد(٣) نقلاً عن الأمالي (٣ / ٣١٠) وهناك تصحيف في البيت الثاني والثالث من أبيات أبي طالب صححناه من طبقات السيد على خان الناقل عن شرح ابن أبي الحديد المخطوط، وذكر القصة أبو علي الموضح العمري العلوي كما في كتابه الحجة(٤) (ص ٦٩).

قل الأميني: إن القرابة والرحم تبعثان إلى المحاماة إلى حد محدود، لكنه إذا بلغت حد التضحية بولد كأمير المؤمنين هو أحب العالمين إلى والده، فهناك يقف التفاني

____________

(١) في بعض المصادر: تترى ( المؤلف ).

(٢) في المصادر مخطوطة عتيقة: كل حي وإن تطاول عمرا. ( المؤلف )

(٣) شرح نهج البلاغة: ١٤ / ٦٤ كتاب ٩.

(٤) الحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب: ص ٢٧٥.

٣٩

على موقفه، فلا يستسهل الوالد أن يعرض ابنه على القتل كل ليلة فينيمه على فراش المفدى، ويستعوض منه ابن أخية، إلا أن يكون مندفعاً إلى ذلك بدافع ديني وهو معنى اعتناق أبي طالب للدين الحنيف، وهو الذي الذي تعطيه المحاورة الشعرية بين الوالد والولد فترى الولد يصارح بالنبوة، فلا ينكر عليه الوالد بأن هذا التهالك ليس إلا بدافع قومي، غير فاتر عن حض ابنه على ما يبتغيه من النصرة ولا متثبط عن النهوض بها. فسلام الله على والد وما ولد.

١٠ - أبو طالب وابن الزبعرى:

قال القرطبي في تفسيره(١) (ص ٤٠٦): روى أهل السير قال: كان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد خرج إلى الكعبة يوماً وأراد أن يصلي، فلما دخل في الصلاة قال أبو جهل لعنه الله: من يقوم إلى هذا الرجل فيفسد عليه صلته؟ فقام ابن الزبعرى فأخذ فرثاً ودماً فلطخ به وجه النبي صلى الله عليه وآله وسلم فانفتل النبي صلى الله عليه وآله وسلم من صلاته، ثم أتى أبا طالب عمه فقال: «يا عم ألا ترى إلى ما فعل بي؟» فقال أبو طالب: من فعل هذا بك؟ فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «عبد الله بن الزبعرى». فقام أبو طالب ووضع سيفه على عاتقة ومشى معه حتى أتى القوم، فلما رأوا أبا طالب قد أقبل جعل القوم ينهضون؛ فقال أبو طالب: والله لئن قام رجل لجللته بسيفي فقعدوا حتى دنا إليهم، فقال: يا بني من الفاعل بك هذا؟ فقال: «عبد الله بن الزبعرى»؛ فأخذ أبو أبو طالب فرثاً ودماً فلطخ به وجوههم ولحاهم وثيابهم، وأساء لهم القول.

حديث موقف أبي طالب هذا يوجد في غير واحد من كتب القوم وقد لعبت به أيدي الهوى، وسنوقفك إن شاء الله على حق القول فيه تحت عنوان: أبو طالب في الذكر الحكيم(٢) .

____________

(١) الجامع لأحكام القرآن: ٦ / ٢١٦.

(٢) الغدير: ٨ / ١١ - ٣٦.

٤٠