الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173015 / تحميل: 9109
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

وقدّم أوّلاً ووضع صدر القصّة وذيلها ثانياً، ثمّ إنّ الكلام كان مع بني إسرائيل في الآيات السابقة بنحو الخطاب فانتقل بالالتفات إلى الغيبة حيث قال:( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ) ثمّ التفت إلى الخطاب ثانياً بقوله:( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ) .

أمّا الالتفات في قوله تعالى:( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) ، ففيه صرف الخطاب عن بني إسرائيل، وتوجيهه إلى النبيّ في شطر من القصّة وهو أمر ذبح البقرة وتوصيفها ليكون كالمقدّمة الموضحة للخطاب الّذي سيخاطب به بنو إسرائيل بقوله:( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَىٰ وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ، الآيتان في سلك الخطابات السابقة فهذه الآيات الخمس من قوله:( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ إلى قوله:وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ ) ، كالمعترضة في الكلام تبيّن معنى الخطاب التالي مع ما فيها من الدلالة على سوء أدبهم وإيذائهم لرسولهم، برميه بفضول القول ولغو الكلام، مع ما فيه من تعنّتهم وتشديدهم وإصرارهم في الاستيضاح والاستفهام المستلزم لنسبة الإبهام إلى الأوامر الإلهيّة وبيانات الأنبياء مع ما في، كلامهم من شوب الإهانة والاستخفاف الظاهر بمقام الربوبيّة فانظر إلى قول موسىعليه‌السلام لهم:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً  ) وقولهم:( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ) ، وقولهم ثانياً:( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا لَوْنُهَا ) ، وقولهم ثالثاً:( ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ) ، فأتوا في الجميع بلفظ ربّك من غير أن يقولوا ربّنا، ثم كرّروا قولهم:( مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ) فادّعوا التشابه بعد البيان، ولم يقولوا: إنّ البقرة تشابهت علينا بل قالوا: إنّ البقر تشابه علينا كأنّهم يدّعون أنّ جنس البقر متشابه ولا يؤثّر هذا الأثر إلّا بعض أفراد هذا النوع وهذا المقدار من البيان لا يجزي في تعيين الفرد المطلوب وتشخيصه، مع أنّ التأثير لله عزّ إسمه لا للبقرة، وقد أمرهم أن يذبحوا بقرة فأطلق القول ولم يقيّده بقيد، وكان لهم أن يأخذوا بإطلاقه، ثمّ انظر إلى قولهم لنبيّهم:( أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا ) ، المتضمّن لرميهعليه‌السلام بالجهالة واللّغو حتّى نفاه عن نفسه بقوله:( أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) ، وقولهم أخيراً بعد تمام البيان الإلهيّ:( الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ ) ، الدالّ على نفي الحقّ عن البيانات

٢٠١

السابقة المستلزم لنسبة الباطل إلى طرز البيان الإلهىّ والتبليغ النبوي.

وبالجملة فتقديم هذا الشطر من القصّة لإبانة الأمر في الخطاب التالي كما ذكر مضافاً إلى نكتة اُخرى، وهي أنّ قصّة البقرة غير مذكورة في التوراة الموجودة عند اليهود اليوم فكان من الحريّ أن لا يخاطبوا بهذه القصّة أصلاً أو يخاطبوا به بعد بيان ما لعبت به أيديهم من التحريف، فأعرض عن خطابهم أوّلاً بتوجيه الخطاب إلى النبيّ ثمّ بعد تثبيت الأصل، عاد إلى ما جرى عليه الكلام من خطابهم المتسلسل، نعم في هذا المورد من التوراة حكم لا يخلو عن دلالة ما على وقوع القصّة وهاك عبارة التوراة:

قال في الفصل الحادي والعشرين من سفر تثنيه الاشتراع: إذا وجد قتيل في الأرض الّتي يعطيك الربّ إلهك لتمتلكها واقعاً في الحقل لا يعلم من قتله يخرج شيوخك وقضاتك ويقيسون إلى المدن الّتي حول القتيل فالمدينة القريبة من القتيل يأخذ شيوخ تلك المدينة عجلة من البقر لم يحرث عليها لم تجر بالغير وينحدر شيوخ تلك المدينة بالعجلة إلى واد دائم السيلان لم يحرث فيه ولم يزرع ويكسرون عنق العجلة في الوادي ثمّ يتقدّم الكهنة بني لاوي لأنّه إيّاهم اختار الربّ إلهك ليخدموه ويباركوا بإسم الربّ وحسب قولهم تكون كلّ خصومة وكلّ ضربة ويغسل جميع شيوخ تلك المدينة القريبين من القتيل أيديهم على العجلة المكسورة العنق في الوادي ويصرخون ويقولون أيدينا لم تسفك هذا الدم وأعيننا لم تبصر إغفر لشعبك إسرائيل الّذي فديت يا ربّ ولا تجعل دم برئ في وسط شعبك إسرائيل فيغفر لهم الدم إنتهى.

إذا عرفت هذا على طوله، علمت أنّ بيان هذه القصّة على هذا النحو ليس من قبيل فصل لقصّة، بل القصّة مبينّة على نحو الإجمال في الخطاب الّذي في قوله:( وإذ قتلتم نفساً ) الخ وشطر من القصّة مأتيّة بها ببيان تفصيليّ في صورة قصّة اُخرى لنكتة دعت إليه.

فقوله تعالى: وإذ قال موسى لقومه خطاب للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو كلام في صورة قصّة وإنّما هي مقدّمة توضيحيّة للخطاب التالي لم يذكرمعها السبب الباعث على هذا الأمر والغاية المقصودة منها بل اُطلقت إطلاقاً ليتنبّه بذلك نفس السامع وتقف موقف التجسّس، وتنتشط إذا سمعت أصل القصّة، ونالت الارتباط بين الكلامين، ولذلك

٢٠٢

لمّا سمعت بنو إسرائيل قوله: إنّ الله يأمركم أن تذبحوا بقرة تعجّبوا من ذلك ولم يحملوه إلّا على أنّ نبيّ الله موسى يستهزء بهم لعدم وجود رابطة عندهم بين ذبح البقرة وما يسألونه من فصل الخصومة والحصول على القاتل قالوا أتتّخذنا هزواً وسخريّة.

وإنّما قالوا ذلك لفقدهم روح الإطاعة والسمع وإستقرار ملكة الاستكبار والعتوّ فيهم، وقولهم: إنّا لا نحوم حول التقليد المذموم، وإنّما نؤمن بما نشاهده ونراه كما قالوا لموسى: لن نؤمن لك حتّى نرى الله جهرة وإنّما وقعوا فيما وقعوا من جهة استقلالهم في الحكم والقضاء فيما لهم ذلك، وفيما ليس لهم ذلك، فحكموا بالمحسوس على المعقول فطالبوا معاينة الربّ بالحسّ الباصر وقالوا:( يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ ) الأعراف - ١٣٨، وزعموا أنّ نبيّهم موسى مثلهم يتهوّس كتهوّسهم، ويلعب كلعبهم، فرموه بالاستهزاء والسفه والجهالة حتّى ردّ عليهم، وقال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين، وإنّما استعاذ بالله ولم يخبر عن نفسه بأنّه ليس يجاهل لأنّ ذلك منهعليه‌السلام أخذ بالعصمة الإلهيّة الّتي لا تتخلّف لا الحكمة الخلقيّة الّتي ربّما تتخلّف.

وزعموا أن ليس للإنسان أن يقبل قولاً إلّا عن دليل، وهذا حقّ لكنّهم غلطوا في زعمهم أنّ كلّ حكم يجب العثور على دليله تفصيلاً ولا يكفي في ذلك الاجمال ومن أجل ذلك طالبوا تفصيل أوصاف البقرة لحكمهم أنّ نوع البقر ليس فيه خاصّة الاحياء، فإن كان ولا بدّ فهو في فرد خاصّ منه يجب تعيينه بأوصاف كاملة البيان ولذلك قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي، وهذا تشديد منهم على أنفسهم من غير جهة فشدّد الله عليهم، وقال موسى : إنّه يقول إنّها بقرة لا فارض، أي ليست بمسّنة انقطعت ولادتها ولا بكر أي لم تلد عوان بين ذلك، والعوان من النساء والبهائم ما هو في منتصف السنّ أي واقعة في السنّ بين ما ذكر من الفارض والبكر، ثمّ ترحم عليهم ربّهم فوعظهم أن لا يلحّوا في السؤال، ولا يشدّدوا على أنفسهم ويقنعوا بما بيّن لهم فقال: فافعلوا ما تؤمرون، لكنّهم لم يرتدعوا بذلك بل قالوا أدع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها، قال إنّه يقول إنّها بقرة صفراء فاقع شديد الصفرة في صفاء لونها تسرّ الناظرين وتمّ بذلك

٢٠٣

وصف البقرة بياناً، واتّضح أنّها ما هي وما لونها وهم مع ذلك لم يرضوا به، وأعادوا كلامهم الأوّل، من غير تحجّب وانقباض وقالواأدع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي إنّ البقر تشابه علينا وإنّا إنشاء الله لمهتدون، فأجابهم ثانياً بتوضيح في ماهيّتها ولونها وقال إنّه يقول إنّها بقرة لا ذلول أي غير مذلّلة بالحرث والسقي تثير الأرض بالشيار ولا تسقي الحرث فلمّا تمّ عليهم البيان ولم يجدوا ما يسألونه قالوا الآن جئت بالحقّ قول من يعترف بالحقيقة بالالزام والحجّة من غير أن يجد إلى الردّ سبيلاً، فيعترف بالحقّ إضطراراً، ويعتذر عن المبادرة إلى الانكار بأنّ القول لم يكن مبيّناً من قبل، ولا بيّناً تامّاً. والدليل على ذلك قوله تعالى: فذبحوها وما كادوا يفعلون.

قوله تعالى: ( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا ) ، شروع في أصل القصّة والتدارء هو التدافع من الدرء بمعنى الدفع فقد كانوا قتلوا نفساً - وكلّ طائفة منهم يدفع الدم عن نفسها إلى غيرها - وأراد الله سبحانه إظهار ما كتموه.

قوله تعالى: ( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ) ، أوّل الضميرين راجع إلى النفس بإعتبار أنّه قتيل، وثانيهما إلى البقرة وقد قيل: إنّ المراد بالقصّة بيان أصل تشريع الحكم حتّى ينطبق على الحكم المذكور في التوراة الّذي نقلناه، والمراد بإحياء الموتى العثور بوسيلة تشريع هذا الحكم على دم المقتول، نظير ما ذكره تعالى بقوله:( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ ) البقرة - ١٧٩، من دون أن يكون هناك إحياء بنحو الإعجاز هذا، وأنت خبير بأنّ سياق الكلام وخاصّة قوله تعالى:( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَٰلِكَ يُحْيِي اللهُ الْمَوْتَىٰ ) يأبى ذلك.

قوله تعالى: ( ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُم مِّن بَعْدِ ذَٰلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) القسوة في القلب بمنزلة الصلابة في الحجر وكلمة أو بمعنى بل، والمراد بكونها بمعنى بل إنطباق معناه على موردها، وقد بيّن شدّة قسوة قلوبهم بقوله:( وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ) وقوبل فيه بين الحجارة والماء لكون الحجارة يضرب بها المثل في الصلابة ككون الماء يضرب به المثل في اللين فهذه الحجارة على كمال صلابتها يتفجّر منها الأنهار على لين مائها وتشقّق فيخرج منها الماء على لينه وصلابتها، ولا يصدر من قلوبهم حال يلائم الحقّ، ولا

٢٠٤

قول حقّ يلائم الكمال الواقع.

قوله تعالى: ( وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ) ، وهبوط الحجارة ما نشاهد من إنشقاق الصخور على قلل الجبال، وهبوط قطعات منها بواسطة الزلازل، وصيرورة الجمد الّذي يتخلّلها في فصل الشتاء ماءاً في فصل الربيع إلى غير ذلك، وعدّ هذا الهبوط المستند إلى أسبابها الطبيعيّة هبوطاً من خشية الله تعالى لأنّ جميع الأسباب منتهية إلى الله سبحانه فانفعال الحجارة في هبوطها عن سببها الخاصّ بها إنفعال عن أمر الله سبحانه أيّاها بالهبوط، وهي شاعرة لأمر ربّها شعوراً تكوينيّاً، كما قال تعالى:( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) أسرى - ٤٤، وقال تعالى:( كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ ) البقرة - ١١٦، والانفعال الشعوريّ هو الخشية فهي هابطة من خشية الله تعالى، فالآية جارية مجرى قوله تعالى:( وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ ) الرعد - ١٣: وقوله تعالى:( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُم بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ ) الرعد - ١٥، حيث عدّ صوت الرعد تسبيحاً بالحمد وعدّ الظلال ساجدة لله سبحانه إلى غير ذلك من الآيات الّتي جرى القول فيها مجرى التحليل كما لا يخفى.

وبالجملة فقوله:( وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ ) ، بيان ثان لكون قلوبهم أقسى من الحجارة فإنّ الحجارة تخشى الله تعالى، فتهبط من خشيتة، وقلوبهم لا تخشى الله تعالى ولا تهابه.

( بحث روائي)

في محاسن: عن الصادقعليه‌السلام : في قول الله : خذوا ما آتيناكم بقوّة، أقوّة الأبدان أو قوّة القلب ؟ قالعليه‌السلام : فيهما جميعاً.

أقول: ورواه العيّاشيّ أيضاً في تفسيره.

وفي تفسير العيّاشيّ: عن الحلبيّ في قوله تعالى:( وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ ) ، قال: قال أذكروا ما فيه وأذكروا ما في تركه من العقوبة.

أقول: وقد استفيد ذلك من المقام من قوله تعالى:( وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ) .

وفي الدرّ المنثور: عن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو لا أنّ بني إسرائيل

٢٠٥

قالوا وإنّا إنشاء الله لمتهدون ما أعطوا أبداً ولو أنّهم إعترضوا بقرة من البقر فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنّهم شدّدوا فشدّد الله عليهم.

وفي تفسير القمّيّ: عن إبن فضّال قال: سمعت أباالحسنعليه‌السلام يقول: إنّ الله أمر بني إسرائيل أن يذبحوا بقرة وإنّما كانوا يحتاجون إلى ذنبها فشدّد الله عليهم.

وفي المعاني وتفسير العيّاشيّ: عن البزنطيّ قال: سمعت الرضاعليه‌السلام يقول: إنّ رجلاً من بني إسرائيل قتل قرابة له ثمّ أخذه وطرحه على طريق أفضل سبط من أسباط بني إسرائيل ثمّ جاء يطلب بدمه فقالوا لموسى إنّ سبط آل فلان قتلوا فلاناً فأخبر من قتله قال: ايتوني ببقرة قالوا: أتتّخذنا هزواً ؟ قال: أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم، قالوا أدع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي ؟ قال إنّه يقول إنّها بقرة لا فارض ولا بكر يعني لا صغيرة ولا كبيرة عوان بين ذلك ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم قالوا أدع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها قال إنّه يقول إنّها بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين ولو أنّهم عمدوا إلى بقرة أجزأتهم ولكن شدّدوا فشدّد الله عليهم قالوا أدع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي انّ البقر تشابه علينا وإنّا إنشاء الله لمهتدون. قال: إنّه يقول إنّها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شية فيها. قالوا الآن جئت بالحقّ فطلبوها فوجدوها عند فتى من بني إسرائيل فقال لا أبيعها إلّا بملؤ مسك ذهباً، فجاءوا إلى موسى وقالوا له ذلك قال إشتروها فاشتروها وجاؤا بها فأمر بذبحها ثمّ أمر أن يضربوا الميّت بذنبها فلمّا فعلوا ذلك حيي المقتول وقال يا رسول الله إنّ إبن عمّي قتلني، دون من إدّعى عليه قتلي، فعلموا بذلك قاتله فقال لرسول الله موسى بعض أصحابه إنّ هذه البقرة لها نبأ فقال وما هو ؟ قال إنّ فتى من بني إسرائيل كان بارّاً بأبيه وإنّه اشترى بيعاً فجاء إلى أبيه والأقاليد تحت رأسه فكره أن يوقظه فترك ذلك البيع فاستيقظ أبوه فأخبره فقال أحسنت، هذه البقرة فهي لك عوضاً ممّا فاتك فقال له رسول الله موسى أنظر إلى البرّ ما بلغ بأهله.

أقول: والرّوايات كما ترى منطبقة على إجمال ما استفدناه من الآيات الشريفة.

٢٠٦

( بحث فلسفي)

السورة كما ترى مشتملة على عدّة من الآيات المعجزة، في قصص بني إسرائيل وغيرهم، كفرق البحر وإغراق آل فرعون في قوله تعالى:( وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ ) الآية، وأخذ الصاعقة بني إسرائيل وإحيائهم بعد الموت في قوله تعالى:( وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَىٰ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ ) الآية، وتظليل الغمام وإنزال المنّ والسلوى عليهم في قوله تعالى:( وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ ) الآية، وإنفجار العيون من الحجر في قوله تعالى:( وَإِذِ اسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ ) الآية، ورفع الطور فوقهم في قوله تعالى:( وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) الآية، ومسخ قوم منهم في قوله تعالى:( فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً ) الآية، وإحياء القتيل ببعض البقرة المذبوحة في قوله:( فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا ) الآية، وكإحياء قوم آخرين في قوله :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِمْ ) الآية، وكإحياء الّذي مرّ على قرية خربة في قوله :( أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَىٰ قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَىٰ عُرُوشِهَا ) الآية، وكإحياء الطير بيد إبراهيم في قوله تعالى:( وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَىٰ ) الآية، فهذه إثنتا عشرة آية معجزة خارقة للعادة جرت أكثرها في بني إسرائيل - ذكرها القرآن - وقد بيّنا فيما مرّ إمكان وقوع المعجزة وأنّ خوارق العادات جائزة الوقوع في الوجود وهي مع ذلك ليست ناقضة لقانون العلّية والمعلوليّة الكلّيّ، وتبيّن به أن لا دليل علي تأويل الآيات الظاهرة في وقوع الإعجاز، وصرفها عن ظواهرها ما دامت الحادثة ممكنة، بخلاف المحالات كإنقسام الثلثة بمتساويين وتولّد مولود يكون أباً لنفسه، فإنّه لا سبيل إلى جوازها.

نعم تختصّ بعض المعجزات كإحياء الموتى والمسخ ببحث آخر، فقد قيل: إنّه قد ثبت في محلّه أنّ الموجود الّذي له قوّة الكمال والفعليّة إذا خرج من القوّة إلى الفعل فإنّه يستحيل بعد ذلك رجوعه إلى القوّة ثانياً، وكذلك كلّ ما هو أكمل وجوداً فإنّه لا يرجع في سيره الاستكماليّ إلى ما هو أنقص وجوداً منه من حيث هو كذلك. والإنسان بموته يتجرّد بنفسه عن المادّة فيعود موجوداً مجرّداً مثاليّاً أو عقليّاً، وهاتان

٢٠٧

الرتبتان فوق مرتبة المادّة، والوجود فيهما أقوى من الوجود المادّيّ، فمن المحال أن تتعلّق النفس بعد موتها بالمادّة ثانياً، وإلّا لزم رجوع الشئ إلى القوّة بعد خروجه إلى الفعل، وهو محال، وأيضاً الإنسان أقوى وجوداً من سائر أنواع الحيوان، فمن المحال أن يعود الإنسان شيئاً من سائر أنواع الحيوان بالمسخ.

أقول: ما ذكره من إستحاله رجوع ما بالقوّة بعد خروجه إلى الفعل إلى القوّة ثانياً حقّ لا ريب فيه، لكن عود الميّت إلى حياته الدنيا ثانياً في الجملة وكذا المسخ ليسا من مصاديقه. بيان ذلك: أنّ المحصّل من الحسّ والبرهان أن الجوهر النباتيّ المادّيّ إذا وقعت في صراط الاستكمال الحيوانيّ فإنّه يتحرّك إلى الحيوانيّة، فيتصوّر بالصورة الحيوانيّة وهي صورة مجرّدة بالتجرّد البرزخيّ، وحقيقتها إدراك الشئ نفسه بإدراك جزئي خياليّ وهذه الصورة وجود كامل للجوهر النباتيّ وفعليّة لهذه القوّة تلبّس بها بالحركة الجوهريّة ومن المحال أن ترجع يوماً إلى الجوهر المادّيّ فتصير إيّاه إلّا أن تفارق مادّتها فتبقى المادّة مع صورة مادّيّة كالحيوان تموت فيصير جسداً لا حراك به، ثمّ إنّ الصورة الحيوانيّة مبدأ لأفعال إدراكيّة تصدر عنها، وأحوال علميّة تترتّب عليها، تنتقش النفس بكلّ واحد من تلك الأحوال بصدورها منها، ولا يزال نقش عن نقش، وإذا تراكمت من هذه النقوش ما هي متشاكلة متشابهة تحصّل نقش واحد وصار صورة ثابتة غير قابلع للزوال، وملكة راسخة، وهذه صورة نفسانيّة جديدة يمكن أن يتنوّع بها نفس حيوانىّ فتصير حيواناً خاصّاً ذا صورة خاصّة منوعة كصورة المكر والحقد والشهوة والوفاء والافتراس وغير ذلك وإذا لم تحصل ملكة بقي النفس على مرتبتها الساذجة السابقة، كالنبات إذا وقفت عن حركتها الجوهريّة بقي نباتاً ولم يخرج إلى الفعليّة الحيوانيّة، ولو أن النفس البرزخيّة تتكامل من جهة أحوالها وأفعالها بحصول الصورة دفعة لانقطعت علقتها مع البدن في أوّل وجودها لكنّها تتكامل بواسطة أفعالها الإدراكيّة المتعلّقة بالمادّة شيئاً فشيئاً حتّى تصير حيواناً خاصّاً إن عمّر العمر الطبيعيّ أو قدراً معتداً به، وإن حال بينه وبين استتمام العمر الطبيعيّ أو القدر المعتدّ به مانع كالموت الاختراميّ بقي على ما كان عليه من سذاجة الحيوانيّة، ثمّ إنّ الحيوان إذا وقعت في صراط الإنسانيّة وهي الوجود

٢٠٨

الّذي يعقل ذاته تعقّلاً كليّاً مجرّداً عن المادّة ولوازمها من المقادير والألوان وغيرهما خرج بالحركة الجوهريّة من فعليّة المثال الّتي هي قوّة العقل إلى فعليّة التجرّد العقليّ، وتحقّقت له صورة الإنسان بالفعل، ومن المحال أن تعود هذه الفعليّة إلى قوّتها الّتي هي التجرّد المثاليّ على حدّ ما ذكر في الحيوان.

ثمّ إنّ لهذه الصورة أيضاً أفعالاً وأحوالاً تحصل بتراكمها التدريجيّ صورة خاصّة جديدة توجب تنوّع النوعيّة الإنسانيّة على حدّ ما ذكر نظيره في النوعيّة الحيوانيّة.

إذا عرفت ما ذكرناه ظهر لك أنّا لو فرضنا إنساناً رجع بعد موته إلى الدنيا وتجدّد لنفسه التعلّق بالمادّة وخاصّة المادّة الّتي كانت متعلّقة نفسه من قبل لم يبطل بذلك أصل تجرّد نفسه فقد كانت مجرّدة قبل انقطاع العلقة ومعها أيضاً وهي مع التعلّق ثانياً حافظة لتجرّدها، والّذي كان لها بالموت أنّ الأداة الّتي كانت رابطة فعلها بالمادّة صارت مفقودة لها فلا تقدر على فعل مادّيّ كالصانع إذا فقد آلات صنعته والأدوات اللازمة لها، فإذا عادت النفس إلى تعلّقها الفعليّ بالمادّة أخذت في استعمال قواها وأدواتها البدنيّة ووضعت ما اكتسبتها من الأحوال والملكات بواسطة الأفعال فوق ما كانت حاضرة وحاصلة لها من قبل واستكملت بها استكمالاً جديداً من غير أن يكون ذلك منه رجوعاً قهقرى وسيراً نزوليّاً من الكمال إلى النقص، ومن الفعل إلى القوّة.

فإن قلت: هذا يوجب القول: بالقسر الدائم مع ضرورة بطلانه، فإنّ النفس المجرّدة المنقطعة عن البدن لو بقي في طباعها إمكان الاستكمال من جهة الأفعال المادّيّة بالتعلّق بالمادّة ثانياً كان بقاؤها على الحرمان من الكمال إلى الأبد حرماناً عمّا تستدعيه بطباعها، فما كلّ نفس براجعة إلى الدنيا بإعجاز أو خرق عادة. والحرمان المستمرّ قسر دائم.

قلت: هذه النفوس الّتي خرجت من القوّة إلى الفعل في الدنيا واتّصلت إلى حدّ وماتت عندها لا تبقى على إمكان الاستكمال اللاحق دائماً بل يستقرّ على فعليّتها الحاضرة بعد حين أو تخرج إلى الصورة العقليّة المناسبة لذلك وتبقى على ذلك وتزول الإمكان المذكور بعد ذلك فالإنسان الّذي مات وله نفس ساذجة غير أنّه فعل أفعالاً

٢٠٩

وخلط عملاً صالحاً وآخر سيّئاً لو عاش حيناً أمكن أن يكتسب على نفسه الساذجة صورة سعيده أو شقيّة وكذا لو عاد بعد الموت إلى الدنيا وعاش أمكن أن يكتسب على صورته السابقة صورة خاصّة جديدة وإذا لم يعد فهو في البرزخ مثاب أو معذّب بما كسبته من الافعال حتّى يتصوّر بصورة عقليّة مناسبة لصورته السابقة المثاليّة وعند ذلك يبطل الامكان المذكور ويبقى إمكانات الاستكمالات العقليّة فإنّ عاد إلى الدنيا كالأنبياء والاولياء لو عادوا إلى الدنيا بعد موتهم أمكن أن يحصل صورة أخرى عقليّة من ناحية المادّة والافعال المتعلّقة بها ولو لم يعد فليس له إلّا ما كسب من الكمال والصعود في مدارجه، والسير في صراطه، هذا.

ومن المعلوم أنّ هذا ليس قسراً دائماً ولو كان مجرّد حرمان موجود عن كماله الممكن له بواسطة عمل عوامل وتأثير علل مؤثّرة قسراً دائماً لكان أكثر حوادث هذا العالم الّذي هو دار التزاحم، وموطن التضادّ أو جميعها قسراً دائماً، فجميع أجزاء هذا العالم الطبيعيّ مؤثّرة في الجميع، وإنّما القسر الدائم أن يجعل في غريزة نوع من الانواع إقتضاء كمال من الكمالات أو إستعداد ثمّ لا يظهر أثر ذلك دائماً إمّا لأمر في داخل ذاته أو لأمر من خارج ذاته متوجّه إلى إبطاله بحسب الغريزة فيكون تغريز النوع المقتضي أو المستعدّ للكمال تغريزاً باطلاً وتجبيلاً هباءً لغواً فافهم ذلك. وكذا لو فرضنا إنساناً تغيّرت صورته إلى صورة نوع آخر من أنواع الحيوان كالقرد والخنزير فإنّما هي صورة على صورة، فهو إنسان خنزير أو إنسان قردة، لا إنسان بطلت إنسانيّته وحلّت الصورة الخنزيريّة أو القرديّة محلّها، فالإنسان إذا كسب صورة من صور الملكات تصوّرت نفسه بها ولا دليل على استحالة خروجها في هذه الدنيا من الكمون إلى البروز على حدّ ما ستظهر في الآخرة بعد الموت، وقد مرّ أنّ النفس الإنسانيّة في أوّل حدوثها على السذاجة يمكن أن تتنوّع بصورة خاصّة تخصّصها بعد الإبهام وتقيّدها بعد الإطلاق والقبول فالممسوخ من الإنسان إنسان ممسوخ لا أنّه ممسوخ فاقد للإنسانيّة هذا. ونحن نقرء في المنشورات اليوميّة من أخبار المجامع العلميّة بأروبا وإمريكا ما يؤيّد جواز الحياة بعد الموت، وتبدّل صورة الإنسان بصورة المسخ، وإن لم نتّكل في هذه المباحث على

٢١٠

أمثال هذه الأخبار، لكن من الواجب على الباحثين من المحصّلين أن لا ينسوا اليوم ما يتلونه بالأمس.

فإن قلت: فعلى هذا فلا مانع من القول بالتناسخ.

قلت: كلّا فإنّ التناسخ وهو تعلّق النفس المستكملة بنوع كمالها بعد مفارقتها البدن ببدن آخر محال، فإنّ هذا البدن إن كان ذا نفس استلزم التناسخ تعلّق نفسين ببدن واحد، وهو وحدة الكثير، وكثرة الواحد، وإن لم تكن ذا نفس استلزم رجوع ما بالفعل إلى القوّة، كرجوع الشيخ إلى الصبا، وكذلك يستحيل تعلّق نفس إنسانيّ مستكملة مفارقة ببدن نبأتيّ أو حيوانيّ بما مرّ من البيان.

( بحث علمي وأخلاقي)

أكثر الاُمم الماضية قصّة في القرآن اُمّة بني إسرائيل، وأكثر الأنبياء ذكراً فيه موسى بن عمرانعليه‌السلام ، فقد ذكر إسمه في القرآن، في مائة وستة وثلاثين موضعاً ضعف ما ذكر إبراهيمعليه‌السلام الّذي هو أكثر الأنبياء ذكراً بعد موسى، فقد ذكر في تسعة وستين موضعاً على ما قيل فيهما، والوجه الظاهر فيه أنّ الإسلام هو الدين الحنيف المبنيّ على التوحيد الّذي أسّس أساسه إبراهيمعليه‌السلام وأتمّه الله سبحانه وأكمله لنبيّه محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال تعالى:( مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِن قَبْلُ ) الحج - ٧٨، وبنو إسرائيل أكثر الاُمم لجاجاً وخصاماً، وأبعدهم من الانقياد للحقّ، كما أنّه كان كفّار العرب الّذين ابتلى بهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على هذه الصفة، فقد آل الأمر إلى أن نزل فيهم:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) البقرة - ٦. ولا ترى رذيلة من رذائل بني إسرائيل في قسوتهم وجفوتهم ممّا ذكره القرآن إلّا وهو موجود فيهم، وكيف كان فأنت إذا تأمّلت قصص بني إسرائيل المذكورة في القرآن، وأمعنت فيها، وما فيها من أسرار أخلاقهم وجدت أنّهم كانوا قوماً غائرين في المادّة مكبّين على ما يعطيه الحسّ من لذائذ الحياة الصوريّة، فقد كانت هذه الاُمّة لا تؤمن بما وراء الحسّ، ولا تنقاد إلّا إلى اللذّة والكمال المادّيّ وهم اليوم كذلك. وهذا الشأن هو الّذي صيّر عقلهم وإرادتهم تحت انقياد الحسّ والمادّة، لا يعقلون إلّا ما يجوّزانه، ولا يريدون إلّا ما

٢١١

يرخّصان لهم ذلك فانقياد الحسّ يوجب لهم أن لا يقبلوا قولاً إلّا إذا دلّ عليه الحسّ، وإن كان حقّاً وانقياداً المادّة اقتضى فيهم أن يقبلوا كلّ ما يريده أو يستحسنه لهم كبراؤهم ممّن أوتي جمال المادّة,. وزخرف الحياة وإن لم يكن حقّاً، فأنتج ذلك فيهم التناقض قولاً وفعلاً، فهم يذمّون كلّ اتّباع باسم أنّه تقليد وإن كان ممّا ينبغي إذا كان بعيداً من حسّهم، ويمدحون كلّ اتّباع باسم أنّه حظّ الحياة، وإن كان ممّا لا ينبغي إذا كان ملائماً لهوساتهم المادّيّة، وقد ساعدهم على ذلك وأعانهم على مكثهم الممتدّ وقطونهم الطويل بمصر تحت إستذلال المصريّين، واسترقاقهم، وتعذيبهم، يسومونهم سوء العذاب ويذبّحون أبناءهم ويستحيون نساءهم وفي ذلك بلاء من ربّهم عظيم.

وبالجملة فكانوا لذلك صعبة الانقياد لما يأمرهم به أنبيائهم، والربّانيّون من علمائهم ممّا فيه صلاح معاشهم ومعادهم (تذكّر في ذلك مواقفهم مع موسى وغيره) وسريعة اللحوق إلى ما يدعوهم المغرضون والمستكبرون منهم.

وقد ابتليت الحقيقة والحقّ اليوم بمثل هذه البليّة بالمدنيّة المادّيّة الّتي أتحفها إليها عالم الغرب، فهي مبنيّة القاعدة على الحسّ والمادّة فلا يقبل دليل فيما بعد عن الحسّ ولا يسأل عن دليل فيما تضمّن لذّة مادّيّة حسّيّة، فأوجب ذلك إبطال الغريزة الإنسانيّة في أحكامهاو ارتحال المعارف العالية والاخلاق الفاضلة من بيننا فصار يهدّد الإنسانيّة بالانهدام، وجامعة البشر بأشدّ الفساد وليعلمنّ نبأه بعد حين.

واستيفاء البحث في الاخلاق ينتج خلاف ذلك، فما كلّ دليل بمطلوب، وما كلّ تقليد بمذموم، بيان ذلك: أنّ النوع الإنسانيّ بما أنّه إنسان إنّما يسير إلى كماله الحيويّ بأفعاله الإراديّة المتوقّفة على الفكر والإرادة منه مستحيلة التحقّق إلّا عن فكر، فالفكر هو الاساس الوحيد الّذي يبتني عليه الكمال الوجودي الضروريّ فلا بد للإنسان من تصديقات عمليّة أو نظريّة يرتبط بها كماله الوجوديّ ارتباطاً بلا واسطة أو بواسطة، وهي القضايا الّتي نعلّل بها أفعالنا الفرديّة أو الاجتماعيّة أو نحضرها في أذهاننا، ثمّ نحصّلها في الخارج بأفعالنا. هذا.

ثمّ إنّ في غريزة الإنسان أن يبحث عن علل ما يجده من الحوادث، أو يهاجم

٢١٢

إلى ذهنه من المعلومات، فلا يصدر عنه فعل يريد به إيجاد ما حضر في ذهنه في الخارج إلّا إذا حضر في ذهنه علّته الموجبة، ولا يقبل تصديقاً نظريّاً إلّا إذا اتّكى على التصديق بعلّته بنحو. وهذا شأن الإنسان لا يتخطّاه ألبتّة، ولو عثرنا في موارد على ما يلوح منه خلاف ذلك فبالتأمّل. والإمعان تنحلّ الشبهة، ويظهر البحث عن العلّة، والركون والطمأنينة إليها فطريّ، والفطرة لا تختلف ولا يتخلّف فعلها، وهذا يؤدّي الإنسان إلى ما فوق طاقته من العمل الفكريّ والفعل المتفرّع عليه لسعة الاحتياج الطبيعيّ، بحيث لا يقدر الإنسان الواحد إلى رفعه معتمداً على نفسه ومتّكئاً إلى قوّة طبيعتة الشخصيّة فإحتالت الفطرة إلى بعثه نحو الاجتماع وهو المدنيّة والحضارة و وزّعت أبواب الحاجة الحيويّة بين أفراد الاجتماع، ووكلّ بكلّ باب من أبوابها طائفة كأعضاء الحيوان في تكاليفها المختلفة المجتمعة فائدتها وعائدتها في نفسه، ولا تزال الحوائج الإنسانيّة تزداد كمّيّة واتّساعاً وتنشعب الفنون والصناعات والعلوم، ويتربّى عند ذلك الأخصّائيّون من العلماء والصنّاع، فكثير من العلوم والصناعات كانت علماً أو صنعة واحدة يقوم بأمرها الواحد من الناس، واليوم نرى كلّ باب من أبوابه علماً أو علوماً أو صنعة أو صنائع، كالطبّ المعدود قديماً فنّاً واحداً من فروع الطبيعيّات وهو اليوم فنون لا يقوم الواحد من العلماء الاخصائيّين بأزيد من أمر فنّ واحد منها.

وهذا يدعو الإنسان بإلهام الفطريّ، أن يستقلّ بما يخصّه من الشغل الإنسانيّ في البحث عن علّته ويتّبع في غيره من يعتمد على خبرته ومهارته.

فبناء العقلاء من أفراد الاجتماع على الرجوع إلى أهل الخبرة وحقيقة هذا الاتّباع، والتقليد المصطلح والركون إلى الدليل الاجماليّ فيما ليس في وسع الإنسان أن ينال دليل تفاصيله كما أنّه مفطور على الاستقلال بالبحث عن دليله التفصيليّ فيما يسعه أن ينال تفصيل علّته و دليله، وملاك الأمر كلّه أنّ الإنسان لا يركن إلى غير العلم، فمن الواجب عند الفطرة الاجتهاد، وهو الاستقلال في البحث عن العلّة فيما يسعه ذلك والتقليد وهو الاتّباع ورجوع الجاهل إلى العالم فيما لا يسعه ذلك. ولمّا استحال أن يوجد فرد من هذا النوع الإنسانيّ مستقلّا بنفسه قائماً بجميع شؤن الأصل الّذي يتّكي عليه

٢١٣

الحياة أستحال أن يوجد فرد من الإنسان من غير اتّباع وتقليد. ومن ادّعى خلاف ذلك أو ظنّ من نفسه أنّه غير مقلّد في حياته فقد سفه نفسه.

نعم: التقليد فيما للإنسان أن ينال علّته وسببه كالاجتهاد فيما ليس له الورود عليه والنيل منه، من الرذائل الّتي هي من مهلكات الاجتماع، ومفنيات المدنيّة الفاضلة ولا يجوز الاتّباع المحض إلّا في الله سبحانه لأنّه السبب الّذي إليه تنتهي الأسباب.

٢١٤

( سورة البقرة الآيات ٧٥ - ٨٢)

أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلَامَ اللهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ ( ٧٥ ) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا بَعْضُهُمْ إِلَىٰ بَعْضٍ قَالُوا أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ  أَفَلَا تَعْقِلُونَ ( ٧٦ ) أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ( ٧٧ ) وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ ( ٧٨ ) فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا  فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا يَكْسِبُونَ ( ٧٩ ) وَقَالُوا لَن تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَّعْدُودَةً  قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِندَ اللهِ عَهْدًا فَلَن يُخْلِفَ اللهُ عَهْدَهُ  أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( ٨٠ ) بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ٨١ ) وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ  هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ٨٢ )

( بيان)

السياق وخاصّة ما في ذيل الآيات يفيد أنّ اليهود عند الكفّار، وخاصّة كفّار المدينة: لقرب دارهم منهم كانوا يعرفون قبل البعثة ظهيراً لرسول الله (صلّي الله عليه و آله و سلّم) وعندهم علم الدين والكتاب، ولذلك كان الرجاء في إيمانهم أكثر من غيرهم، وكان المتوقّع أن يؤمنوا به أفواجاً فيتأيّد بذلك ويظهر نوره، وينتشر دعوته. ولمّا هاجر النبيّ إلي المدينة وكان من أمرهم ما كان تبدّل الرّجاء قنوطاً، والطمع يأساً، ولذلك يقول سبحانه:( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) الخ، يعني أنّ كتمان الحقائق وتحريف الكلام من شيمهم، فلا ينبغي أن يستبعد نكولهم عمّا قالوا ونقضهم ما أبرموا.

٢١٥

قوله تعالى: ( أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُوا لَكُمْ ) ، فيه التفات من خطاب بني إسرائيل إلى خطاب النبيّ والّذين آمنوا ووضعهم موضع الغيبة وكأنّ الوجه فيه أنّه لما قصّ قصّة البقرة وعدل فيها من خطاب بني إسرائيل إلى غيبتهم لمكان التحريف الواقع فيها بحذفها من التوراة كما مرّ، أريد إتمام البيان بنحو الغيبة بالإشارة إلى تحريفهم كتاب الله تعالى فصرف لذلك وجه الكلام إلى الغيبة.

قوله تعالى: ( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَا ) الخ، لا تقابل بين الشرطين وهما مدخولا إذا في الموضعين كما في قوله تعالى:( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ) البقرة - ١٤، بل المراد بيان موضعين آخرين من مواضع جرائمهم وجهالتهم.

أحدهما: أنّهم ينافقون فيتظاهرون بالإيمان صوناً لأنفسهم من الإيذاء والطعن والقتل.

وثانيهما: أنّهم يريدون تعمية الأمر وإبهامه على الله سبحانه العالم بسرّهم وعلانيتهم وذلك أنّ العامّة منهم، وهم أولوا بساطة النفس ربّما كانوا ينبسطون للمؤمنين، فيحدّثونهم ببعض ما في كتبهم من بشارات النبيّ أو ما ينفع المؤمنين في تصديق النبوّة، كما يلوح من لحن الخطاب فكان أولياؤهم ينهونهم معلّلا بأنّ ذلك ممّا فتح الله لهم، فلا ينبغي أن يفشى للمؤمنين، فيحاجّوهم به عند ربّهم كأنّهم لو لم يحاجّوهم به عند ربّهم لم يطّلع الله عليه فلم يؤاخذهم بذلك ولازم ذلك أنّ الله تعالى إنّما يعلم علانية الأمر، دون سرّه وباطنه وهذا من الجهل بمكان، فردّ الله سبحانه عليهم بقوله:( أَوَلَا يَعْلَمُونَ أَنَّ اللهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ ) الآية فإنّ هذا النوع من العلم - وهو ما يتعلّق بظاهر الأمر دون باطنه - إنّما هو العلم المنتهي إلى الحسّ الّذي يفتقر إلى بدن مادّيّ مجهّز بآلات مادّيّة مقيّد بقيود الزمان والمكان مولود لعلل اُخرى مادّيّة وما هو كذلك مصنوع من العالم لا صانع العالم.

وهذا أيضاً من شواهد ما قدّمناه آنفاً أنّ بني إسرائيل لاذعانهم بأصالة المادّة كانوا يحكمون في الله سبحانه بما للمادّة من الأحكام، فكانوا يظنّونه موجوداً فعّالاً

٢١٦

في المادّة مستعلياً قاهراً عليه، ولكن بعين ما تفعل علّة مادّيّة وتستعلي وتقهر على معلول مادّيّ. وهذا أمر لا يختصّ به اليهود، بل هو شأن كلّ من يذعن بأصالة المادّة من المليّين وغيرهم، فلا يحكمون في ساحة قدسه سبحانه إلّا بما يعقلون من أوصاف المادّيّات من الحياة والعلم والقدرة والاختيار والإرادة والقضاء والحكم وتدبير الأمر وإبرام القضاء إلى غير ذلك. وهذا داء لا ينجع معه دواء، وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يعقلون، حتّى آل الأمر إلى أن استهزأ بهم من لا مسكة له في دينهم الحقّ ولا قدم له في معارفهم الحقّة، قائلاً إنّ المسلمين يروون عن نبيّهم أنّ الله خلق آدم على صورته وهم معاشر اُمّته يخلقون الله على صورة آدم، فهؤلاء يدور أمرهم بين أن يثبتوا لربّهم جميع أحكام المادّة، كما يفعله المشبّهة من المسلمين أو من يتلو تلوهم وإن لم يعرف بالتشبيه، أو لا يفهموا شيئاً من أوصاف جماله، فينفوا الجميع بإرجاعها إلى السلوب قائلاً أن ما يبيّن أوصافه تعالى من الألفاظ إنّما يقع عليه بالاشتراك اللفظيّ فلقولنا: إنّه موجود ثابت عالم قادر حيّ معان لا نفهمها ولا نعقلها، فاللازم إرجاع معانيها إلى النفي، فالمعنى مثلاً أنّه ليس بمعدوم، ولا زائل، ولا جاهل، ولا عاجز ولا ميّت فاعتبروا يا أولي الأبصار فهذا بالاستلزام زعم منهم بأنّهم يؤمنون بما لا يدرون، ويعبدون ما لا يفهمون، ويدعون إلى ما لا يعقلون، ولا يعقله أحد من الناس، وقد كفتهم الدعوة الدينيّة مؤنة هذه الأباطيل بالحقّ فحكم على العامّة أن يحفظوا حقيقة القول ولبّ الحقيقة بين التشبيه والتنزيه فيقولوا: إن الله سبحانه شئ لا كالأشياء وأنّ له علما لا كعلومنا، وقدرة لا كقدرتنا وحياة لا كحياتنا، مريد لا بهمامة، متكلّم لا بشقّ فم، وعلى الخاصّة أن يتدبّروا في آياته ويتفقّهوا في دينه فقد قال الله سبحانه:( هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ ) الزمر - ٩، والخاصّة كما لا يساوون العامّة في درجات المعرفة، كذلك لا يساوونهم في التكاليف المتوجّهة إليهم، فهذا هو التعليم الدينيّ النازل في حقّهم لو أنّهم كانوا يأخذون به.

قوله تعالى: ( وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ ) ، الاُمّيّ من لا يقرأ ولا يكتب منسوب إلى الاُمّ لأنّ عطوفة الاُمّ وشفقتها كانت تمنعها أن ترسل ولدها إلى

٢١٧

المعلّم وتسلّمه إلى تربيته، فكان يكتفي بتربية الاُمّ، والأمانيّ جمع اُمنيّة، وهي الأكاذيب، فمحصّل المعنى أنّهم بين من يقرأ الكتاب ويكتبه فيحرّفه وبين من لا يقرأ ولا يكتب ولا يعلم من الكتاب الّا أكاذيب المحرّفين.

قوله تعالى: ( فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ ) ، الويل هو الهلكة والعذاب الشديد والحزن والخزى والهوان وكلّ ما يحذره الإنسان أشدّ الحذر والاشتراء هو الابتياع.

قوله تعالى: ( فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُم ) الخ. الضمائر إمّا راجعة إلى بني إسرائيل أو لخصوص المحرّفين منهم ولكلّ وجه وعلى الأوّل يثبت الويل للاُميّين منهم أيضاً.

قوله تعالى: ( بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ) الخ. الخطيئة هي الحالة الحاصلة للنفس من كسب السيّئة، ولذلك أتي باحاطة الخطيئة بعد ذكر كسب السيّئة وإحاطة الخطيئة توجب أن يكون الإنسان المحاط مقطوع الطريق إلى النجاة كأنّ الهداية لإحاطة الخطيئة به لا تجد إليه سبيلاً فهو من أصحاب النار مخلّداً فيها ولو كان في قلبه شئ من الإيمان بالفعل، أو كان معه بعض ما لا يدفع الحقّ من الاخلاق والملكات، كالإنصاف والخضوع للحقّ، أو ما يشابههما لكانت الهداية والسعادة ممكنتي النفوذ إليه، فإحاطة الخطيئة لا تتحقّق إلّا بالشرك الّذي قال تعالى فيه:( إِنَّ اللهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ) النساء - ٤٨، ومن جهة اُخرى إلّا بالكفر وتكذيب الآيات كما قال سبحانه:( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة - ٣٩، فكسب السيّئة وإحاطة الخطيئة كالكلمة الجامعة لما يوجب الخلود في النار.

واعلم أنّ هاتين الآيتين قريبتا المعنى من قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَىٰ وَالصَّابِئِينَ ) الخ البقرة - ٦٢، وانّما الفرق أنّ الآيتين أعني قوله:( بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ) ، في مقام بيان أنّ الملاك في السعادة انّما هو حقيقة الإيمان والعمل الصالح دون الدعاوي والآيتان المتقدّمتان أعني قوله:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ) الخ. في مقام بيان أنّ الملاك فيها هو حقيقة الإيمان والعمل الصالح دون التسمّي بالأسماء.

٢١٨

( بحث روائي)

في المجمع: في قوله:( وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ ) الآية، عن الباقرعليه‌السلام قال: كان قوم من اليهود ليسوا من المعاندين المتواطئين إذا لقوا المسلمين حدّثوهم بما في التوراة من صفة محمّد (صلّي الله عليه و آله و سلّم) فنهى كبراؤهم عن ذلك وقالوا لا تخبروهم بما في التوراة من صفة محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيحاجّوهم به عند ربّهم فنزلت هذه الآية.

وفي الكافي عن أحدهماعليهما‌السلام : في قوله تعالى:( بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً ) ، قال: إذا جحدوا ولآية أميرالمؤمنين فاُؤلئك أصحاب النار هم فيها خالدون.

أقول: وروي قريباً من هذا المعنى الشيخ في أماليه عن النبيّ (صلّي الله عليه و آله و سلّم). والروايتان من الجرى والتطبيق على المصداق، وقد عدّ سبحانه الولاية حسنة في قوله:( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ وَمَن يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَّزِدْ لَهُ فِيهَا حُسْنًا ) الشوري - ٢٣، ويمكن أن يكون من التفسير لما سيجئ في سورة المائدة أنّها العمل بما يقتضيه التوحيد وإنّما نسب إلى عليّعليه‌السلام لأنّه أوّل فاتح من هذه الاُمّة لهذا الباب فإنّتظر.

٢١٩

( سورة البقرة الآيات ٨٣ - ٨٨)

وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ ( ٨٣ ) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ( ٨٤ ) ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ  أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ  فَمَا جَزَاءُ مَن يَفْعَلُ ذَٰلِكَ مِنكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا  وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ الْعَذَابِ  وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ ( ٨٥ ) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالْآخِرَةِ  فَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذَابُ وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ( ٨٦ ) وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ  وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ  أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَىٰ أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ ( ٨٧ ) وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ  بَل لَّعَنَهُمُ اللهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَّا يُؤْمِنُونَ ( ٨٨ )

( بيان)

قوله تعالى: ( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) ، الآية في بديع نظمها تبتدئ أوّلاً بالغيبة وتنتهي إلى الخطاب حيث تقول:( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مُّعْرِضُونَ ) ، ثمّ إنّها تذكّر أوّلاً الميثاق وهو أخذ للعهد، ولا يكون إلّا بالقول، ثمّ تحكي ما أخذ عليه الميثاق فتبتدئ فيه بالخبر، حيث تقول:( لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ ) ، وتختم بالإنشاء حيث تقول :( وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا ) إلخ. ولعلّ الوجه في ذلك كلّه أنّ الآيات المتعرّضة لحال بني إسرائيل لما بدأت بالخطاب لمكان إشتمالها على التقريع والتوبيخ وجرت عليه كان سياق

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

(الاول): في الانساب.

ومراتبهم ثلاث: (الاولى): الآباء والاولاد: لا لاب يرث المال إذا انفرد.

والام الثلث والباقي بالرد.

ولو اجتمعا فللام الثلث وللاب الباقي.

ولو كان له أخوة كان لها السدس.

ولو شاركهما زوج او زوجة، فللزوج النصف، وللزوجة الربع.

وللام ثلث الاصل إذا لم يكن حاجب والباقي للاب، ولو كان لها حاجب كان لها السدس.

ولو انفرد الابن فالمال له.

ولو كانوا أكثر اشتركوا بالسوية.

ولو كانوا ذكرانا وإناثا فللذكر سهمان، وللانثى سهم.

ولو اجتمع معهما الابوان فلهما السدسان والباقي للاولاد ذكرانا كانوا او اناثا او ذكرانا وإناثا ولو كانت بنت فلها النصف وللابوين السدسان، والباقي يرد أخماسا.

ولوكان من يحجب الام ردعلى الاب والبنت أرباعا.

ولو كانت بنتان فصاعدا فللابوين: السدسان، وللبنتين او البنات: الثلثان بالسوية.

ولو كان معهما او معهن أحد الابوين كان له: السدس، ولهما اولهن: الثلثان والباقي يرد أخماسا.

ولو كان مع البنت والابوين زوج او زوجة كان للزوج: الربع، وللزوجة الثمن، وللابوين: السدسان، والباقي للبنت.

وحيث يفضل عن النصف يرد الزائد عليها وعلى الابوين أخماسا.

ولو كان من يحجب الام رددناه على البنت والاب أرباعا.

ويلحق مسائل: (الاولى): الاولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم ويأخذ كل فريق نصيب من يتقرب به، ويقسمونه للذكر مثل حظ الانثيين، اولاد ابن كانوا او أولاد البنت على الاشبه.

(ويمنع) الاقرب الابعد.

ويرد على ولد البنت كما يرد

٢٦١

على امه ذكرا كان او انثى.

ويشاركون الابوين كما يشاركهما الاولاد للصلب على الاصح.

(الثانية): يحبى الولد الاكبر بثياب بدن الميت وخاتمه وسيفه ومصحفه إذا خلف الميت غير ذلك.

ولو كان الاكبر بنتا أخذه الاكبر من الذكور ويقضي عنه ما ترك من صيام او صلاة.

وشرط بعض الاصحاب ألا يكون سفيها ولا فاسد الرأي.

(الثالثة): لا يرث مع الابوين ولا مع الاولاد جد ولا جدة ولاأحد من ذوي القرابة.

لكن يستحب للاب أن يطعم أباه وأمه: السدس من أصل التركة بالسوية، إذا حصل له الثلثان.

وتطعم الام أباها وأمها: النصف من نصيبها بالسوية إذا حصل لها الثلث فما زاد.

ولو حصل لاحدهما نصيبه الاعلى دون الآخر استحب له طعمة الجد والجدة دون صاحبه.

ولا طعمة لاحد الاجداد إلا مع وجود من يتقرب به.

(الرابعة): لا يحجب الاخوة الام إلا بشروط أربعة: أن يكون أخوين او أخا وأختين او أربع أخوات فما زاد لاب وأم او لاب مع وجود الاب، غير كفرة ولا رق.

وفي القتلة قولان، أشبههما: عدم الحجب وان يكونوا منفصلين لا حملا.

(المرتبة الثانية): الاخوة والاجداد اذا لم يكن أحد الابوين، ولا ولد وان نزل، فالميراث للاخوة والاجداد.

فالاخ الواحد للاب والام يرث المال، وكذا الاخوة.

والاخت انما ترث النصف بالتسمية، والباقي بالرد.

وللاختين فصاعدا الثلثان بالتسمية والباقي بالرد.

ولو اجتمع الاخوة والاخوات لهما كان المال بينهم للذكر سهمان وللانثى سهم.

٢٦٢

وللواحد من ولد الام السدس ذكرا كان او انثى.

وللاثنين فصاعدا الثلث بينهم بالسوية ذكرانا كانوا او اناثا.

ولا يرث مع الاخوة للاب والام ولا مع أحدهم أحد من ولد الاب، لكن يقومون مقامهم عند عدمهم.

ويكون حكمهم في الانفراد والاجتماع ذلك الحكم.

ولو اجتمع الكلالات كان لولد الام السدس إن كان واحدا، والثلث ان كانوا أكثر، والباقي لولد الاب والام ويسقط أولاد الاب.

فان أبقت الفريضة فالرد على كلالة الاب والام، وان ابقت الفريضة مع ولد الام وولد الاب، ففي الرد قولان، أحدهما: يرد على كلالة الاب، لان النقص يدخل عليهم، مثل أخت لاب مع واحد او اثنين فصاعدا من ولد الام، او أختين للاب، مع واحد من ولد الام.

والآخر: يرد على الفريقين بنسبة مستحقهما وهو أشبه.

وللجد المال إذا انفرد لاب كان او لام.

وكذا الجدة.

ولو اجتمع جد وجدة، فان كانا لاب فلهما المال، للذكر مثل حظ الانثيين وإن كانا لام فالمال بالسوية.

واذا اجتمع الاجداد المختلفون، فلمن يتقرب بالام الثلث على الاصح، واحدا كان او اكثر.

ولمن يتقرب بالاب الثلثان ولو كان واحدا.

ولو كان معهم زوج او زوجة أخذ النصيب الاعلى.

ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل.

والباقي لمن يتقرب بالاب.

والجد الادنى يمنع الاعلى.

واذا اجتمع معهم الاخوة، فالجد كالاخ والجدة كالاخت.

مسألتان: (الاولى): لو اجتمع أربعة أجداد لاب ومثلهم لام كان لاجداد الام الثلث بينهم أرباعا.

ولاجداد الاب وجداته الثلثان، لابوي أبيه ثلثا الثلثين

٢٦٣

أثلاثا ولابوي امه الثلث أثلاثا أيضا فيصح من مئة وثمانية.

(الثانية): الجد وإن علا يقاسم الاخوة والاخوات.

وأولاد الاخوة والاخوات وإن نزلوا، يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الاجداد والجدات ويرث كل واحد منهم نصيب من يتقرب به.

ثم إن كانوا أولاد أخوة او أخوات لاب اقتسموا المال، للذكر مثل حظ الانثيين.

وإن كانوا لام اقتسموا بالسوية.

(المرتبة الثانية): الاعمام والاخوال: المعلم المال اذا انفرد.

وكذا للعمين فصاعدا.

وكذا العمة والعمتان والعمات.

والعمومة والعمات: للذكر مثل حظ الانثيين.

ولو كانوا متفرقين، فلمن تقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية.

والباقي لمن يتقرب بالاب والام للذكر مثل حظ الانثيين ويسقط من يتقرب بالاب معهم.

ويقومون مقامهم عند عدمهم.

ولا يرث الابعد مع الاقرب مثل ابن خال مع خال او عم.

اوابن عم مع خال او عم، الا ابن عم لاب وأم مع عم لاب فابن العم أولى.

وللخال المال اذا انفرد.

وكذا للخالين والاخوال والخالة والخالتين والخالات.

ولو اجتمعوا فالمال بينهم بالسوية كيف كانوا.

ولو كانوا متفرقين، فلمن يتقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث إن كانوا اكثر.

والثلثان لمن يتقرب بالاب والام.

ويسقط من يتقرب بالام معهم.

والقسمة بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.

ولو اجتمع الاخوال والاعمام فللاخوال الثلث وللاعمام الثلثان.

ولو كان معهم زوج او زوجة فلهما النصيب الاعلى.

ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل.

والباقي لمن يتقرب بالاب.

ولو اجمتع عم الاب وعمته وخاله وخالته وعم الام وعمتها وخالها وخالتها كان

٢٦٤

لمن يتقرب بالام الثلث بينهم أرباعا.

ولمن يتقرب بالاب الثلثان: ثلثاه لعمه وعمته أثلاثا.

وثلثه لخاله وخالته بالسوية، على قول.

مسائل: (الاولى): عمومة الميت وعماته وخئولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا أولى من عمومة أبيه وخئولته.

وكذا أولاد كل بطن أقرب.

أولى من البطن الابعد.

ويقوم اولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر.

(الثانية): من اجتمع له سببان ورث بهما ما لم يمنع أحدهما الآخر.

فالاول كابن عم لاب هو خال لام، وزوج هو ابن عم، وعمة لاب هي خالة لام.

والثاني كابن عم هو أخ لام.

(الثالثة): حكم أولاد العمومة والخئولة مع الزوج والزوجة حكم آبائهم، يأخذ من يتقرب بالام ثلث الاصل والزوج نصيبه الاعلى.

وما يبقى لمن يتقرب بالاب.

المقصد الثاني في ميراث الازواج: للزوج مع عدم الولد النصف، وللزوجة الربع.

ومع وجوده وإن نزل نصف النصيب.

ولو لم يكن وارث سوى الزوج، رد عليه الفاضل.

وفي الزوجة قولان: أحدهما: لها الربع والباقي للامام.

والآخر: يرد عليها الفاضل كالزوج.

وقال ثالث: بالرد مع عدم الامام والاول: أظهر.

واذا كن اكثر من واحدة فهن مشتركات في الربع أو الثمن.

وترث الزوجة وإن لم يدخل بها الزوج.

وكذا الزوج.

وكذا في العدة

٢٦٥

الرجعية خاصة.

لكن لو طلقها مريضا ورثت وإن كان بائنا ما لم تخرج السنة ولم يبرأ ولم تتزوج.

ولا ترث البائن إلا هنا.

ويرث الزوج من جمع ما تركته المرأة، وكذا المرأة عدا العقار، وترث من قيمة الآلات والابنية، ومنهم من طرد الحكم في أرض المزارع والقرب، وعلم الهدى يمنعها العين دون القيمة.

مسألتان: (الاولى): إذا طلق واحدة من أربع وتزوج أخرى فاشتبهت كان للاخيرة ربع الثمن مع الولد او ربع الربع مع عدمه، والباقي بين الاربعة بالسوية.

(الثانية): نكاح المريض مشروط بالدخول، فان مات قبله فلا مهر لها ولا ميراث.

المقصد الثالث في الولاء وأقسامه ثلاثة.

(القسم الاول): ولاء العتق: ويشترط التبرع بالعتق وألا يتبرأ من ضمان جريرته.

فلو كان واجبا كان المعتق سائبة.

وكذا لو تبرع بالعتق وتبرأ من الجريرة ولا يرث المعتق مع وجود مناسب وإن بعد.

ويرث مع الزوج والزوجة.

وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم إن كان واحدا، واشتركوا في المال ان كانوا أكثر.

ولو عدم المنعم فللاصحاب فيه أقوال، أظهرهما.

انتقال الولاء إلى الاولاد الذكور دون الاناث.

فان لم يكن الذكور، فالولاء لعصبة المنعم.

ولو كان المعتق امرأة فالى عصبها دون أولادها ولو كانوا ذكورا.

ولا يرث الولاء من يتقرب بأم المنعم.

ولا يصح بيعه ولا هبته.

ويصح جره من مولى الام إلى المولى الاب اذا كان الاولاد مولودين على الحرية.

٢٦٦

القسم الثاني ولاء تضمن الجريرة: من توالى إنسانا يضمن حدثه: ويكون ولاؤه له.

ثبت له الميراث ولا يتعدى الضامن، ولا يضمن إلا سائبة كالمعتق في النذر والكفارات أو من لا وارث له.

ولا يرث الضامن الا مع فقد كل مناسب ومع فقد المعتق.

ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الاعلى وما بقي له، وهو أولى من بيت مال الامام.

القسم الثالث ولاء الامامة: ولا يرث الا مع فقد وارث عدا الزوجة فانها تشاركه على الاصح.

ومع وجوده (ع) فالمال له يصنع به ما شاء.

وكان عليعليه‌السلام يعطيه فقراء بلده تبرعا.

ومع غيبته يقسم في الفقراء ولا يعطي الجائر إلا مع الخوف.

وأما اللواحق فأربعة: (الاول): في ميراث ابن الملاعنة: ميراثه لامه وولده، للام السدس والباقي للولد.

ولو انفردت كان لها الثلث والباقي بالرد.

ولو انفردت الاولاد فللواحد النصف وللاثنتين فصاعدا الثلثان.

وللذكران المال بالسوية.

وان اجتمعوا فللذكر سهمان وللانثى سهم.

ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الاعلى مع عدم الولد وان نزل، والادنى معهم.

ولو عدم الولد يرثه من تقرب بأمه الاقرب فالاقرب الذكر والانثى سواء.

ومع عدم الوارث يرثه الامام.

ويرث هو امه ومن يتقرب بها على الاظهر.

ولا يرث أباه ولا من يتقرب به ولا يرثونه.

ولو اعترف به الاب لحق به، وورث هو أباه دون غيره من ذوي قرابة أبيه ولا عبرة بنسب الاب.

فلو ترك اخوة الاب وأم مع أخ أو اخت لام كانوا سواء في المال.

وكذا لو ترك جدا لام مع أخ أو أخت أو اخوة أو أخت من أب وأم.

٢٦٧

خاتمة تشتمل على مسائل: (الاولى): ولد الزنا لا ترثه أمه ولا غيرها من الانساب.

ويرثه ولده إن نزل والزوج أو الزوجة.

ولو لم يكن أحدهم فميراثه للامام.

وقيل: ترثه أمه كابن الملاعنة.

(الثانية): الحمل يرث ان سقط حيا وتعتبر حركة الاحياء كالاستهلال، والحركات الارادية، دون التقلص.

(الثالثة): قال الشيخ: يوقف للحمل نصيب ذكرين احتياطا.

ولو كان ذو فرض أعطوا النصيب الادنى.

(الرابعة): يرث دية الجنين أبواه ومن يتقرب بهما أو بالاب.

(الخامسة): اذا تعارفا بما يقتضي الميراث توارثا ولم يكلف أحدهما البينة.

(السادسة): المفقود يتربص بماله.

وفى قدر التربص روايات: أربع سنين، وفي سندها ضعف.

وعشر سنين وهي في حكم خاص.

وفي ثالثة يقتسمه الورثة اذا كانوا ملاء، وفيها ضعف أيضا.

وقال في الخلاف حتى يمضي مدة لا يعيش مثله إليها، وهو أولى في الاحتياط وأبعد من التهجم على الاموال المعصومة بالاخبار الموهومة.

(السابعة): لو تبرأ من جريرة ولده و ميراثه، ففي رواية يكون ميراثه للاقرب إلى أبيه، وفي الرواية ضعف.

(الثاني): في ميراث الخنثى: من له فرج الرجال والنساء يعتبر بالبول، فمن أيهما سبق يورث عليه.

فان

٢٦٨

بدر منهما قال الشيخ: يورث على الذي ينقطع منه أخيرا، وفيه تردد.

وإن تساويا، قال في الخلاف: يعمل فيه بالقرعة، وقال المفيد وعلم الهدى: تعد أضلاعه.

وقال في النهاية والايجاز والمبسوط: يعطى نصف ميراث رجل ونصف امرأة، وهو أشهر.

ولو اجتمع مع الانثى ذكر وانثى، قيل: للذكر أربعة، وللخنثى ثلاثة وللانثى سهمان.

وقيل: تقسم الفريضة مرتين فتفرض مرة ذكرا ومرة انثى ويعطى نصف النصيبين وهو أظهر.

مثاله خنثى وذكر تفرضهما ذكرين تارة وذكرا وأنثى أخرى، وتطلب أقل مال له نصف ولنصفه نصف وله ثلث ولثلثه نصف، فيكون اثنا عشر فيحصل للخنثى خمسة وللذكر سبعة.

ولو كان بدل الذكر انثى حصل للخنثى سبعة وللانثى خمسة.

ولو شاركهم زوج أو زوجة صححت فريضة الخنثى ثم ضربت فخرج نصيب الزوج أو الزوجة في تلك الفريضة فما ارتفع فمنه تصح.

ومن ليس له فرج النساء ولا الرجال يورث بالقرعة.

ومن له رأسان أو بدنان على حقو واحد يوقظ أو يصاح به، فان انتبه أحدهما فهما اثنان.

(الثالث): في الغرقى والمهدوم عليهم: وهؤلاء يرث بعضهم إذا كان لهم أو لاحدهم مال وكانوا يتوارثون واشتبه المتقدم في الموت بالمتأخر.

وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الغرق والهدم تردد.

ومع الشرائط يورث الاضعف أولا، ثم الاقوى، ولا يورث مما ورث منه.

وفيه قول آخر.

والتقديم على الاستحباب على الاشبه.

فلو غرق أب وابن، ورث الاب أولا نصيبه، ثم ورث الابن من أصل تركة

٢٦٩

أبيه مما لا ورث منه، ثم يعطى نصيب كل منهما لوارثه.

ولو كان لاحدهما وارث اعطي ما اجتمع لدى الوراث لهم، وما اجتمع للآخر للامام.

ولو لم يكن لهما غيرهما انتقل مال كل منهما إلى الآخر ثم منهما إلى الامام.

واذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق سقط اعتبار التقديم، كأخوين، فان كان لهما مال ولا مشارك لهما انتقل مال كل منهما إلى صاحبه ثم منهما إلى ورثتهما.

وإن كان لاحدهما مال صار ماله لاخيه، ومنه إلى ورثته ولم يكن للآخر شئ ولو لم يكن لهما وارث انتقل المال إلى الامام.

ولو ماتا حتف أنفهما لم يتوارثا، وكان ميراث كل منهما لورثته.

(الرابع): في ميراث المجوس: وقد اختلف الاصحاب فيه.

فالمحكي عن يونس أنه لا يورثهم إلا بالصحيح من النسب والسبب.

وعن الفضل بن شاذان: أنه يورثهم بالنسب، صحيحه وفاسده.

والسبب الصحيح خاصة، وتابعه المفيدرحمه‌الله .

وقال الشيخ: يورثون بالصحيح والفاسد فيهما.

واختيار الفضل أشبه.

ولو خلف أما هي زوجة، فلها نصيب الام دون الزوجة.

ولو خلف جدة هي أخت ورثت بهما.

ولا كذا لو خلف بنتا هي أخت، لانه لا ميراث للاخت مع البنت.

٢٧٠

خاتمة في حساب الفرائض مخارج الفروض ستة: ونعني بالمخرج أقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحا.

فالنصف من اثنين، والربع من أربعة، والثمن من ثمانية، والثلثان والثلث من ثلاثة، والسدس من ستة.

والفريضة إما بقدر السهام أو أقل أو أكثر: فما كان بقدرها فان انقسم من غير كسر وإلا فاضرب عدد من انكسر عليهم في أصل الفريضة مثل: أبوين وخمس بنات، تنكسر الاربعة على الخمسة، فتضرب خمسة في اصل الفريضة فما اجتمع فمنه الفريضة، لانه لا وفق بين نصيبهن وعددهن.

ولو كان وفق ضربت الوفق من العدد لا من النصيب في اصل الفريضة مثل: أبوين وست بنات، للبنات أربعة، وبين نصيبهن وهو أربعة وعددهن وهو ستة، وفق، وهو النصف فيضرب الوفق من العدد وهو ثلاثة في أصل الفريضة وهو ستة فما اجتمع صحت منه.

ولو نقصت الفريضة بدخول الزوج أو الزوجة فلا عول ويدخل النقص على البنت أو البنات أو من يتقرب بالاب والام، أو الاب، مثل: ابوين، وزوج وبنت.

فللابوين السدسان وللزوج الربع، والباقي للبنت.

وكذا الابوان أو أحدهما، وبنت او بنات وزوج، النقص يدخل على البنت او البنات، واثنان من ولد الام والاختان للاب والام أو للاب مع زوج أو زوجة يدخل النقص على من يتقرب بالاب والام، أو الاب خاصة.

ثم ان انقسمت الفريضة على صحة والا ضربت سهام من انكسر عليهم.

في أصل الفريضة.

٢٧١

ولو زادت الفريضة كان الرد على ذوي السهام دون غيرهم.

ولا تعصيب.

ولا يرد على الزوج والزوجة، ولا على الام مع وجود من يحجبها، مثل أبوين وبنت.

فاذا لم يكن حاجب فالرد أخماسا.

وان كان حاجب فالرد ارباعا تضرب فخرج سهام الرد في أصل الفريضة فما اجتمع صحت منه الفريضة.

تتمة في (المناسخات) ونعني به أن يموت الانسان فلا تقسم تركته، ثم يموت أحد وراثه ويتعلق الغرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد.

فان اختلف الوارث او الاستحقاق اوهما ونهض نصيب الثاني بالقسمة على وراثه والا فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة الاولى، ان كان بين الفريضتين وفق.

وان لم يكن فاضرب الفريضة الثانية في الاولى فما بلغ صحت منه الفريضتان.

٢٧٢

كتاب القضاء والنظر في الصفات، والآداب، وكيفية الحكم، وأحكام الدعوى

والصفات ست: التكليف، والايمان، والعدالة، وطهارة المولد، والعلم، والذكورة ويدخل في العدالة اشتراط الامانة والمحافظة على الواجبات.

ولا ينعقد الا لمن له أهلية الفتوى، ولا يكفيه فتوى العلماء.

ولابد أن يكون ضابطا، فلو غلبه النسيان لم ينعقد له القضاء.

وهل يشترط علمه بالكتابة؟ الاشبه: نعم، لاضطراره إلى ما لا يتيسر لغير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا بها، ولا ينعقد للمرأة.

وفي انعقاده للاعمى تردد، والاقرب: أنه لا ينعقد لمثل ما ذكرناه في الكتابة وفي اشتراط الحرية تردد، الاشبه: أنه لا يشترط.

ولا بد من اذن الامام ولا ينعقد بنصب العوام له.

نعم لو تراضى اثنان بواحد من الرعية فحكم بينهما لزم.

ومع عدم الامام ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيتعليهم‌السلام ، الجامع للصفات.

وقبول القضاء عن السلطان العادل مستحب لمن يثق بنفسه، وربما وجب النظر الثاني في الآداب: وهي مستحبة ومكروهة.

فالمستحب: اشعار رعيته بوصوله ان لم يشتهر خبره.

والجلوس في قضائه مستدبر القبلة، وأن يأخذ ما في يد المعزول من حجج الناس وودائعهم.

والسؤال عن أهل السجون واثبات أسمائهم، والبحث عن موجب اعتقالهم ليطلق من يجب اطلاقه، وتفريق الشهود عند الاقامة، فانه اوثق، خصوصا في موضع الريبة.

٢٧٣

عدا ذوي البصائر، لما يتضمن من الغضاضة، وأن يستحضر من أهل العلم من يخاوضه(١) في المسائل المشتبهة.

والمكروهات: الاحتجاب وقت القضاء، وان يقضي مع ما يشغل النفس، كالغضب، والجوع، والعطش، والغم، والفرح، والمرض، وغلبة النعاس، وأن يرتب قوما للشهادة، وأن يشفع إلى الغريم في اسقاط أو ابطال.

مسائل: (الاولى): للامام أن يقضي بعلمه مطلقا في الحقوق، ولغيره في حقوق الناس، وفي حقوق الله قولان.

(الثانية): إن عرف عدالة الشاهدين حكم، وان عرف فسقهما اطرح، وإن جهل الامرين، فالاصح: التوقف حتى يبحث عنهما.

(الثالثة): تسمع شهادة التعديل مطلقة، ولا تسمع شهادة الجرح الا مفصلة.

(الرابعة): اذا التمس الغريم احضار الغريم وجب اجابته ولو كان امرأة ان كانت برزة.

ولو كان مريضا او امرأة غير برزة استناب الحاكم من يحكم بينهما.

(الخامسة): الرشوة على الحاكم حرام وعلى المرتشي اعادتها.

النظر الثالث في كيفية الحكم، وفيه مقاصد: (الاول): في وظائف الحاكم، وهي أربع: (الاولى): التسوية بين الخصوم في السلام، والكلام، والمكان، والنظر، والانصات، والعدل في الحكم.

ولو كان أحد الخصمين كافرا جاز أن يكون الكافر قائما والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا.

(الثانية): لا يجوز أن يلقن أحد الخصمين شيئا يستظهره على خصمه.

٢٧٤

(الثالثة): اذا سكتا استحب له أن يقول: تكلما، او ان كنتما حضرتما لشئ فاذكراه او ما ناسبه.

(الرابعة): اذا بدر أحد الخصمين سمع منه.

ولو قطع عليه غريمه منعه حتى تنتهي دعواه او حكومته.

ولو ابتدرا الدعوى.

سمع من الذي عن يمين صاحبه.

وان اجتمع خصوم كتب أسماء المدعين واستدعى من يخرج اسمه.

المقصد الثاني - في جواب المدعى عليه.

وهو إما اقرار، او انكار، او سكوت.

أما الاقرار فيلزم إذا كان جائز الامر، رجلا كان او امرأة.

فان التمس المدعي الحكم به حكم له.

ولا يكتب على المقر حجة إلا بعد المعرفة باسمه ونسبه او يشهد بذلك عدلان إلا أن يقنع المدعي بالحلية.

ولو امتنع المقر من التسليم أمر الحاكم خصمه بالملازمة، ولو التمس حبسه حبس.

ولو ادعى الاعسار كلف البينة، ومع ثبوته ينظر.

وفي تسليمه إلى الغرماء رواية، وأشهر منها: تخليته.

ولو ارتاب بالمقر توقف في الحكم حتى يستبين حاله.

وأما الانكار فعنده يقال للمدعي: ألك بينة؟ فان قال: نعم، امر باحضارها فاذا حضرت سمعها. ولو قال: البينة غائبة، اجل بمقدار احضارها.

وفي تكفيل المدعى عليه تردد، ويخرج من الكفالة عند انقضاء الاجل.

وإن قال: لا بينة، عرفه الحاكم أن له اليمين. ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعي.

فان تبرع او احلفه الحاكم لم يعتد بها، واعيدت مع التماس المدعي.

ثم المنكر: إما أن يحلف او يرد او ينكل، فان حلف سقطت الدعوى، ولو ظفر له المدعي بمال لم يجز له المقاصة.

ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه.

ولو

٢٧٥

أقام بينة لم تسمع، وقيل: يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها.

ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته.

فان رد اليمين على المدعي صح.

فان حلف استحق.

وان امتنع سقطت دعواه.

ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر، قضي عليه بالنكول، وهو المروي.

وقيل: يرد اليمين على المدعي، فان حلف ثبت حقه، وان نكل بطل.

ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت اليه.

ولا يستحلف المدعي مع بينة إلا في الدين على الميت يستحلف على بقائه في ذمته استظهارا.

وأما السكوت: فان كان لآفة توصل إلى معرفة إقراره او انكاره.

ولو افتقر إلى مترجم لم يقتصر على الواحد.

ولو كان عنادا حبسه حتى يجيب.

المقصد الثالث - في كيفية الاستحلاف: ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا، لكن ان رأى الحاكم احلاف الذمي بما يقتضيه دينه اردع جاز.

ويستحب للحاكم تقديم العظة.

ويجزيه ان يقول: والله ماله قبلي كذا.

ويجوز تغليظ اليمين بالقول والزمان والمكان.

ولا تغليظ لما دون نصاب القطع.

ويحلف الاخرس بالاشارة، وقيل: يوضع يده على اسم الله تعالى في المصحف وقيل: يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد اعلامه فان شربه كان حالفا وإن امتنع الزم الحق.

ولا يحلف الحاكم أحدا إلا في مجلس قضائه إلا معذورا كالمريض، او امرأة غير برزة.

٢٧٦

ولا يحلف المنكر إلا على القطع.

ويحلف على فعل غيره على نفي العمل كما لو ادعى على الوارث فأنكر، او ادعى أن يكون وكيله قبض او باع.

واما المدعي ولا شاهد له، فلا يمين عليه إلا مع الرد او مع نكول المنكر على قول.

ويحلف على الجزم.

ويكفي مع الانكار الحلف على نفي الاستحقاق.

فلو ادعى المنكر الابراء او الاداء انقلب مدعيا.

والمدعي منكرا، فيكفيه اليمين على بقاء الحق.

ولا يتوجه على الوارث بالدعوى على موروثه الا مع دعوى علمه بموجبه أو إثباته وعلمه بالحق وأنه ترك في يده مالا.

ولا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة.

ولا يتوجه بها يمين على المنكر.

ولو ادعى الوارث لموروثه مالا سمع دعواه سواء كان عليه دين يحيط بالتركة أو لم يكن.

ويقضى بالشاهد واليمين في الاموال والديون.

ولا يقبل في غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص.

ويشترط شهادة الشاهد أولا، وتعديله.

ولو بدأ باليمين وقعت لاغية.

ويفتقر إلى اعادتها بعد الاقامة.

ولا يحلف مع عدم العلم ولا يثبت مال غيره(١) .

مسألتان: (الاولى): لا يحكم الحاكم باخبار لحاكم آخر، ولا بقيام البينة بثبوت الحكم عند غيره.

نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم واشهد على نفسه فشهد شاهدان

____________________ ___

(١) إي: مال لغيره.

وفى الشرح الكبير: فلو ادعى غريم الميت مالا له (للميت) على آخر مع شاهد فان حلف الوارث ثبت وان امتنع لم يحلف الغريم ولا يجبر الوارث عليه.. لان يمينه لاثبات مال الغير.

(*)

٢٧٧

يحكم عند آخر وجب على المشهود عنده انفاذ ذلك الحكم.

(الثانية): القسمة تميز الحقوق ولا يشترط حضور قاسم بل هو أحوط فاذا عدلت السهام كفت القرعة في تحقق القسمة.

وكل ما يتساوى اجزاؤه يجبر الممتنع على قسمته كالحنطة، والشعير، وكذا ما لا يتساوى أجزاؤه اذا لم يكن في القسمة ضرر.

كالارض، والخشب.

ومع الضرر لا يجبر الممتنع.

المقصد الرابع - في الدعوى.

وهي تستدعي فصولا: (الاول) في المدعي: وهو الذي يترك لو ترك الخصومة.

وقيل: هو الذي يدعي خلاف الاصل او امرا خفيا.

ويشترط التكليف، وان يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه، وايراد الدعوى بصيغة الجزم وكون المدعى به مملوكا.

ومن كانت دعواه عينا فله انتزاعها.

ولو كان دينا والغريم مقر باذل او مع جحوده عليه حجة لم يستقل المدعي بالانتزاع من دون الحاكم.

ولو فات احد الشروط وحصل للغريم في يد المدعي مال كان له المقاصة ولو كان من غير جنس الحق.

وفي سماع الدعوى المجهولة تردد، اشبهه: الجواز.

مسائل: (الاولى): من انفرد بالدعوى لما لا يد عليه قضى له به.

ومن هذا ان يكون بين جماعة كيس فيدعيه أحدهم.

(الثانية): لو انكسرت سفينة في البحر فما اخرجه البحر فهو لاهله.

وما اخرج بالغوص فهو لمخرجه، وفي الرواية ضعف.

(الثالثة): روي في رجل دفع إلى رجل دراهم بضاعة يخلطها بماله ويتجر بها، فقال: ذهبت، وكان لغيره معه مال كثير فأخذوا أموالهم، قال: يرجع عليه

٢٧٨

بماله ويرجع هو على اولئك بما أخذوا.

ويمكن حمل ذلك على من خلط المال ولم يأذن له صاحبه وأذن الباقون.

(الرابعة): لو وضع المستأجر الاجرة على يد أمين فتلفت كان المستأجر ضامنا إلا أن يكون الآجر دعاه إلى ذلك فحقه حيث وضعه.

(الخامسة): يقضى على الغائب مع قيام البينة، ويباع ماله، ويقضى دينه ويكون الغائب على حجته، ولا يدفع اليه المال إلا بكفلاء.

(الفصل الثاني): في الاختلاف في الدعوى: وفيه مسائل: (الاولى): لو كان في يد رجل وامرأة جارية فادعى أنها مملوكته وادعت المرأة حريتها وأنها بنتها، فان أقام أحدهما بينة قضي له وإلا تركت الجارية حتى تذهب حيث شاء‌ت.

(الثانية): لو تنازعا عينا في يدهما قضي لهما بالسوية ولكل منهما احلاف صاحبه.

ولو كانت في يد أحدهما قضي بها للمتشبث وللخارج احلافه.

ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما قضي له، وللآخر إحلافه.

ولو صدقهما قضى لهما بالسوية.

ولكل منهما احلاف الآخر وإن كذبهما أقرت في يده.

(الثالثة): اذا تداعيا خصا قضي لمن اليه القمط(١) وهي رواية عمرو بن شمر عن جابر، وفي عمرو ضعف.

وعن منصور بن حازم عن أبي عبداللهعليه‌السلام أن علياعليه‌السلام قضى بذلك، وهي قضية في واقعة.

(الرابعة): إذا ادعى ابوالميتة عارية بعض متاعها كلف البينة وكان كغيره من الانساب.

وفيه رواية بالفرق ضعيفة.

(الخامسة): اذا تداعى الزوجان متاع البيت فله ما للرجال، ولها ما للنساء وما يصلح لهما يقسم بينهما.

وفي رواية: هو للمرأة وعلى الرجال البينة.

____________________ ___

(١) القمط بالكسر: الحبل الذى يشد به الخص.

(*)

٢٧٩

وفي المبسوط: اذا لم يكن بينة ويدهما عليه كان بينهما.

(الثالث): في تعارض البينات: يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق على الاشبه.

ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالسبب كالنتاج وقديم الملك وكذا الابتياع.

ولو تساويا في السبب فروايتان، أشبههما: القضاء للخارج.

ولو كانت يداهما عليه قضي لكل منهما بما في يد الآخر، فيكون بينهما نصفين.

ولو كان المدعى به في يد ثالث قضي بالاعدل فالاكثر، فان تساويا عدالة وكثرة أقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له.

ولو امتنع احلف الآخر.

ولو امتنعا قسم بينهما.

وفي المبسوط: يقرع بينهما إن شهدتا بالملك المطلق.

ويقسم إن شهدتا بالملك المقيد.

والاول أشبه.

كتاب الشهادات

والنظر في امور أربعة: (الاول): في صفات الشاهد، وهي ستة: (الاول): البلوغ، فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا.

وقيل: تقبل اذا بلغ عشرا، وهو شاذ.

واختلفت عبارة الاصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات و محصلها القبول في الجراح مع بلوغ العشر ما لم يختلفوا، ويؤخذ بأول قولهم.

وشرط الشيخ في الخلاف: ألا يفترقوا.

(الثاني): كمال العقل: فالمجنون لا تقبل شهادته.

ومن يناله الجنون أدوارا تقبل في حال الوثوق باستكمال فطنته.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459