الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

الميزان في تفسير القرآن17%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172623 / تحميل: 9066
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أقول: والقصّة مرويّة في روايات اُخرى وهي قصّة طويلة من جملة القصص الواردة في عثرات الأنبياء مذكورة في جملتها.

في الدرّ المنثور أيضاً وأخرج سعيد بن جرير والخطيب في تاريخه عن نافع قال: سافرت مع ابن عمر فلمّا كان في آخر اللّيل، قال يا نافع: اُنظر هل طلعت الحمراء ؟ قلت لا، مرّتين أو ثلثاً ثمّ قلت: قد طلعت. قال: لا مرحباً بها ولا أهلاً. قلت: سبحان الله نجم مسخّر سامع مطيع. قال ما قلت لك إلّا ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . قال: إنّ الملائكة. قالت: يا ربّ كيف صبرك على بني آدم في الخطايا والذنوب ؟ قال: إنّي أبليتهم وعافيتهم. قالوا: لو كنّا مكانهم ما عصيناك. قال: فاختاروا ملكين منكم، فلم يألوا جهداً أن يختاروا فاختاروا هاروت وماروت فنزلا، فألقى الله عليهما الشبق. قلت: وما الشبق ؟ قال: الشهوة فجائت امرأة يقال لها الزهرة فوقعت في قلوبهما فجعل كلّ واحد منهما يخفى عن صاحبه ما في نفسه ثمّ قال أحدهما للآخر هل وقع في نفسك ما وقع في قلبي ؟ قال: نعم، فطالباها لأنفسهما فقالت لا أمكّنكما حتّي تعلّماني الاسم الّذي تعرجان به إلى السماء وتهبطان فأبيا ثمّ سألاها أيضاً فأبت. ففعلا فلمّا استطيرت طمسها الله كوكباً وقطع أجنحتهما ثمّ سألا التوبة من ربّهما فخيّرهما فقال إن شئتما رددتكما إلى ما كنتما عليه، فإذا كان يوم القيامة عذّبتكما، وإن شئتما عذّبتكما في الدنيا فإذا كان يوم القيامة رددتكما إلى ما كنتما عليه، فقال أحدهما لصاحبه إنّ عذاب الدنيا ينقطع ويزول فاختارا عذاب الدنيا على عذاب الآخرة فأوحى الله اليهما أن ائتيا بابل فانطلقا إلى بابل فخسف بهما فهما منكوسان بين السماء والأرض معذّبان إلى يوم القيامة.

أقول: وقد روي قريب منه في بعض كتب الشيعة مرفوعاً عن الباقرعليه‌السلام وروي السيوطيّ فيما يقرب من هذا المعنى في أمر هاروت وماروت والزهرة نيّفاً وعشرين حديثاً، صرّحوا بصحّة طريق بعضها. وفي منتهى أسنادها عدّة من الصحابة كابن عبّاس وابن مسعود وعليّ وأبي الدرداء وعمر وعائشة وابن عمر. وهذه قصّة خرافيّة تنسب إلى الملائكة المكرّمين الّذين نصّ القرآن على نزاهة ساحتهم وطهارة وجودهم عن الشرك والمعصية أغلظ الشرك وأقبح المعصية، وهو: عبادة الصنم والقتل والزنا وشرب

٢٤١

الخمر وتنسب إلى كوكبة الزهرة أنّها امرأة زانية مسخت - وإنّها اُضحوكة - وهي كوكبة سماويّة طاهرة في طليعتها وصنعها أقسم الله تعالى عليها في قوله:( الْجَوَارِ الْكُنَّسِ ) التكوير - ١٦، على أنّ علم الفلك أظهر اليوم هويّتها وكشف عن عنصرها وكميّتها وكيفيّتها وسائر شئونها.

فهذه القصّة كالّتي قبلها المذكورة في الرواية السابقة تطابق ما عند اليهود على ما قيل: من قصّة هاروت وماروت، تلك القصّة الخرافيّة الّتي تشبه خرافات يونان في الكواكب والنجوم.

ومن هيهنا يظهر للباحث المتأمّل: أنّ هذه الأحاديث كغيرها الواردة في مطاعن الأنبياء وعثراتهم لا تخلو من دسّ دستّه اليهود فيها وتكشف عن تسرّ بهم الدقيق ونفوذهم العميق بين أصحاب الحديث في الصدر الأوّل فقد لعبوا في رواياتهم بكلّ ما شاؤا من الدسّ والخلط وأعانهم على ذلك قوم آخرون.

لكن الله عزّ إسمه جعل كتابه في محفظة إلهيّة من هوسات المتهوّسين من أعدائه كلّما استرق السمع شيطان من شياطينهم إتبعه بشهاب مبين، فقال عزّ من قائل:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر - ٩، وقال و( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ) فصّلت - ٤٢، وقال:( وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا ) الاسراء - ٨٢، فأطلق القول ولم يقيّد، فما من خلط أو دسّ إلّا ويدفعه القرآن ويظهر خسار صاحبه بالكشف عن حاله وإقراء صفحة تاريخة، وقال رسول الله فيما رواه الفريقان: ما وافق كتاب الله فخذوه وما خالفه فاتركوه. فأعطى ميزاناً كلّياً يوزن به المعارف المنقولة منه ومن أوليائه. وبالجملة فبالقرآن يدفع الباطل عن ساحة الحقّ ثمّ لا يلبث أن يظهر بطلانه ويمات عن القلوب الحيّة كما اُميت عن الأعيان. قال تعالى:( بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ ) الأنبياء - ١٨، وقال تعالى:( وَيُرِيدُ اللهُ أَن يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ ) الأنفال - ٧، وقال تعالى:( لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ) الأنفال - ٨ ولا معنى لإحقاق الحقّ ولا لإبطال الباطل إلّا إظهار صفتهما.

٢٤٢

وبعض الناس وخاصّة من أهل عصرنا من المتوغّلين في الأبحاث المادّيّة والمرعوبين من المدنيّة الغربيّة الحديثة استفادوا من هذه الحقيقة المذكورة سوءً وأخذوا بطرح جميع ما تضمّنته سنّة رسول الله واشتملت عليه جوامع الروايات فسلكوا في ذلك مسلك التفريط، قبال ما سلكه بعض الأخباريّين وأصحاب الحديث والحروريّة وغيرهم مسلك الإفراط والأخذ بكلّ رواية منقولة كيف كانت. وكما أنّ القبول المطلق تكذيب للموازين المنصوبة في الدين لتميّز الحقّ من الباطل ونسبة الباطل واللغو من القول إلى النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) كذلك الطرح الكلّيّ تكذيب لها وإلغاء وإبطال للكتاب العزيز الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وهو القائل جلّ ثنائه:( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) الحشر - ٧، وقوله تعالى:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللهِ ) النساء - ٦٤، إذ لو لم يكن لقول رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) حجّية أو لما ينقل من قوله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) إلينا معاشر الغائبين في عصره أو الموجودين بعد ارتحاله من الدنيا حجّية لما إستقرّ من الدين حجر على حجر، والركون على النقل والحديث ممّا يعتوره البشر ويقبله في حياتة الاجتماعيّة قبولاً يضطرّ إليه بالبداهة ويهديه إلى ذلك الفطرة الإنسانيّة لا غنى له عن ذلك، وأمّا وقوع الدسّ والخلط في المعارف المنقولة الدينيّة فليس ببدع يختصّ بالدين كيف ورحى الاجتماع بجميع جهاتها وأركانها تدور على الأخبار الدائرة اليوميّة العامّة والخاصّة، ووجوده الكذب والدسّ والخلط فيها أزيد وأيدي السياسات الكلّيّة والجزئيّة بها ألعب ؟ ونحن على فطرتنا الإنسانيّة لا نجري على مجرّد قرع السمع في الأخبار المنقولة إلينا في نادي الاجتماع بل نعرض كلّ واحد واحد منها على ما عندنا من الميزان الّذي يمكن أن يوزن به فإن وافقه وصدّقه قبلناه وإن خالفه وكذّبه طرحناه وإن لم يتبيّن شئ من أمره ولم يتميّز حقّه من باطله وصدقه من كذبه توقّفنا فيه من غير قبول ولا ردّ على الاحتياط الّذي جبّلنا عليه في الشرور والمضارّ.

هذا كلّه بشرط الخبرة في نوع الخبر الّذي نقل إلينا، وأمّا ما لا خبرة للإنسان فيه من الأخبار بما يشتمل عليه من المضمون فسبيل العقلاء من أهل الاجتماع فيه الرجوع

٢٤٣

إلى أهل خبرته والأخذ بما يرون فيه ويحكمون به هذا.

فهذا ما عليه بناؤنا الفطريّ في الاجتماع الإنسانيّ، والميزان الدينيّ المضروب لتمييز الحقّ من الباطل وكذا الصدق من الكذب، لا يغاير ذلك بل هو هو بعينه، وهو العرض على كتاب الله فإن تبيّن منه شئ أخذ به وإن لم يتبيّن لشبهة فالوقوف عند الشبهة. وعلى ذلك أخبار متواترة عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة من أهل بيته. هذا كلّه في غير المسائل الفقهيّة وأمّا هي فالمرجع في البحث عنها فنّ اُصول الفقه.

( بحث فلسفي)

من المعلوم وقوع أفعال خارقة للعادة الجارية للمشاهدة والنقل، فقلّما يوجد منّا من لم يشاهد شيئاً من خوارق الأفعال أو لم ينقل إليه شئٌ من ذلك - قليل أو كثير- إلّا أنّ البحث الدقيق في كثير منها يبيّن رجوعها إلى الأسباب الطبيعيّة العاديّة، فكثير من هذه الأفعال الخارقة يتقوّى بها أصحابها بالاعتياد و التمرين كأكل السموم وحمل الأثقال والمشي على حبل ممدود في الهواء إلى غير ذلك، وكثير منها تتّكي على أسباب طبيعيّة مخفيّة على الناس مجهولة لهم كمن يدخل النار ولا يحترق بها من جهة طلاية الطلق ببدنه أو يكتب كتاباً لا خطّ عليه ولا يقرأه إلّا صاحبه، وإنّما كتب بمايع لا يظهر إلّا إذا عرض الكتاب على النار إلى غير ذلك. وكثير منها يحصل بحركات سريعة تخفي على الحسّ لسرعتها فلا يرى الحسّ إلّا أنّه وقع من غير سبب طبيعيّ كالخوارق الّتي يأتي بها أصحاب الشعبذة. فهذه كلّها مستندة إلى أسباب عاديّة مخفيّة على حسّنا أو غير مقدورة لنا، لكنّ بعض هذه الخوارق لا يحلّل إلى الأسباب الطبيعيّة الجارية على العادة كالإخبار عن بعض المغيّبات، وخاصّة ما يقع منها في المستقبل وكأعمال الحبّ والبغض والعقد والحلّ والتنويم والتمريض وعقد النوم والإحضار والتحريكات بالإرادة ممّا يقع من أرباب الرياضات وهي اُمور غير قابلة للإنكار، شاهدنا بعضاً منها ونقل إلينا بعض آخر نقلاً لا يطعن فيه، وهو ذا يوجد اليوم من أصحابها بالهند وايران والغرب جماعة يشاهد منهم أنواع من هذه الخوارق والتأمّل التامّ في طرق الرياضات المعطية

٢٤٤

لهذه الخوارق والتجارب العمليّ في أعمالهم وإرادتهم يوجب القول بأنّها مستندة ألى قوّة الإرادة والإيمان بالتأثير على تشتّت أنواعها، فالإرادة تابعة للعلم والاذعان السابق عليه، فربّما توجد على إطلاقها وربّما توجد عند وجود شرائط خاصّة ككتابه شئ خاصّ بمداد خاصّ في مكان خاصّ في بعض أعمال الحبّ والبغض، أو نصب المرآة حيال وجه طفل خاصّ عند إحضار الروح أو قراءة عوذة خاصّة إلى غير ذلك، فجميع ذلك شرائط لحصول الإرادة الفاعلة، فالعلم إذا تمّ علماً قطعاً أعطى للحواسّ مشاهدة ما قطع به. ويمكنك أن تختبر صحّة ذلك بأن تلقّن نفسك أنّ شيئاً كذا أو شخصاً كذا حاضر عندك تشاهده بحاسّتك ثمّ تتخيّله بحيث لا تشكّ فيه ولا تلتفت إلى عدمه ولا إلى شئ غيره فإنّك تجده أمامك على ما تريد. وربّما توجد في الآثار معالجة بعض الأطبّاء الأمراض المهلكة بتلقين الصحّة على المريض.

وإذا كان الأمر على هذا فلو قويت الإرادة أمكنها أن تؤثّر في غير الإنسان المريد نظير ما توجده في نفس الإنسان المريد إمّا من غير شرط وقيد أو مع شئ من الشرائط.

ويتبيّن بما مرّ اُمور:أحدها: أنّ الملاك في هذا التأثير تحقّق العلم الجازم من صاحب خرق العادة وأمّا مطابقة هذا العلم للخارج فغير لازم كما كان يعتقده أصحاب تسخير الكواكب من الأرواح المتعلّقة بالأجرام الفلكيّة، ويمكن أن يكون من هذا القبيل الملائكة والشياطين الّذين يستخرج أصحاب الدعوات والعزائم أسمائهم ويدعون بها على طرق خاصّة عندهم، وكذلك ما يعتقده أصحاب إحضار الارواح حضور الروح فلا دليل لهم على أزيد من حضورها في خيالهم أو حواسّهم دون الخارج وإلّا لرآه كلّ من حضر عندهم و للكلّ حسّ طبيعيّ. وبه تنحلّ شبهة اُخرى في إحضار روح من هو حيّ في حال اليقظة مشغول بأمره من غير أن يشعر به والواحد من الإنسان ليس له إلّا روح واحدة. وبه تنحلّ أيضاً شبهة اُخرى وهي: أنّ الروح جوهر مجرّد لا نسبة له إلى زمان ومكان دون زمان ومكان. وبه تنحلّ أيضاً شبهة ثالثه، وهي: أنّ الروح الواحدة ربّما تحضر عند أحد بغير الصورة الّتي تحضر بها عند آخر. وبه تنحلّ أيضاً شبهة رابعة، وهي: أنّ الأرواح ربّما تكذب عند الإحضار في أخبارها و

٢٤٥

ربّما يكذّب بعضها بعضاً. فالجواب عن الجميع: أنّ الروح إنّما تحضر في مشاعر الشخص المحضر لا في الخارج منها على حدّ ما نحسّ بالأشياء المادّيّة الطبيعيّة.

ثانيها: أنّ صاحب هذه الإرادة المؤثّرة ربّما يعتمد في إرادته على قوّة نفسه وثبات إنيّته كغالب أصحاب الرياضات في إرادتهم فتكون لا محالة محدودة القوّة مقيّدة الأثر عند المريد وفي الخارج، وربّما يعتمد فيه على ربّه كالأنبياء والأولياء من أصحاب العبوديّة لله وأرباب اليقين بالله فهم لا يريدون شيئاً إلّا لربّهم وبربّهم، وهذه إرادة طاهرة لا استقلال للنفس الّتي تطلع هذه الإرادة منها بوجه ولم تتلوّن بشئ من ألوان الميول النفسانيّة ولا اتّكاء لها إلّا على الحقّ فهي إرادة ربّانيّة غير محدودة ولا مقيّدة.

والقسم الثاني: إن أثّرت في مقام التحدّي كغالب ما ينقل من الأنبياء سميّت آية معجزة وإن تحقّقت في غير مقام التحدّي سميّت كرامة أو استجابة دعوة إن كانت مع دعاء، والقسم الأوّل إن كان بالإستخبار والإستنصار من جنّ أو روح أو نحوه سمّي كهانة وإن كان بدعوة أو عزيمة أو رقية أو نحو ذلك سمّي سحراً.

ثالثها: أنّ الأمر حيث كان دائراً مدار الإرادة في قوّتها وهي على مراتب من القوّة والضعف أمكن أن يبطل بعضها أثر البعض كتقابل السحر والمعجزة أو أن لا يؤثّر بعض النفوس في بعض إذا كانت مختلفة في مراتب القوّة وهو مشهود في أعمال التنويم والإحضار، هذا وسيأتي شطر من الكلام في ذلك.

( بحث علمي)

العلوم الباحثة عن غرائب التأثير كثيرة والقول الكلّي في تقسيمها وضبطها عسيرة جدّاً، وأعرف ما هو متداول بين أهلها ما نذكره:منها: السيمياء، وهو العلم الباحث عن تمزيج القوى الإراديّة مع القوى الخاصّة المادّيّة للحصول على غرائب التصرّف في الأمور الطبيعيّة، ومنه التصرّف في الخيال المسمّى بسحر العيون وهذا الفنّ من أصدق مصاديق السحر،ومنها الليمياء وهو العلم الباحث عن كيفيّة التأثيرات الإرادية باتّصالها بالأرواح القويّة العالية كالأرواح الموكّلة بالكواكب والحوادث وغير ذلك بتسخيرها

٢٤٦

أو باتّصالها واستمدادها من الجنّ بتسخيرهم، وهو فنّ التسخيرات،ومنها: الهيمياء: وهو العلم الباحث عن تركيب قوى العالم العلويّ مع العناصر السفليّة للحصول على عجائب التأثير وهو الطلسمات، فإنّ للكواكب العلويّة والأوضاع السّماويّة ارتباطات مع الحوادث المادّيّة كما أنّ العناصر والمركّبات وكيفيّاتها الطبيعيّة كذلك. فلو ركّبت الأشكال السماويّة المناسبة لحادثة من الحوادث كموت فلان، وحياة فلان، وبقاء فلان مثلاً مع الصورة المادّيّة المناسبة أنتج ذلك الحصول على المراد وهذا معنى الطلسم.ومنها: الريمياء، وهو العلم الباحث عن استخدام القوى المادّيّة للحصول على آثارها بحيث يظهر للحسّ أنّها آثار خارقه بنحو من الأنحاء وهو الشعبذة. وهذه الفنون الأربعة مع فنّ خامس يتلوها وهو الكليميا الباحث عن كيفيّة تبديل صور العناصر بعضها إلى بعض كانت تسمّى عندهم بالعلوم الخمسة الخفيّة. قال شيخنا البهائيّ : أحسن الكتب المصنّفة الّتي في هذه الفنون كتاب رأيته ببلدة هرات إسمه (كلّه سرّ) وقد ركّب إسمه من أوائل إسماء هذه العلوم، الكيميا، والليميا، والهيميا، والسيميا، و الريميا، إنتهى ملخّص كلامه.

ومن الكتب المعتبرة فيها خلاصة كتب بليناس ورسائل الخسر وشاهيّ والذخيرة الإسكندريّة والسرّ المكتوم للرازيّ والتسخيرات للسكّاكيّ وأعمال الكواكب السبعة للحكيم طمطم الهنديّ.

ومن العلوم الملحقة بما مرّ علم الأعداد والأوفاق وهو الباحث عن ارتباطات الأعداد والحروف للمطالب ووضع العدد أو الحروف المناسبة للمطلوب في جداول مثلّثة أو مربّعة أو غير ذلك على ترتيب مخصوص،ومنها: الخافية وهو تكسير حروف المطلوب أو ما يناسب المطلوب من الأسماء واستخراج أسماء الملائكة أو الشياطين الموكّلة بالمطلوب والدعوة بالعزائم المؤلّفة منها للنيل على المطلوب ومن الكتب المعتبرة فيها عندهم كتب الشيخ أبي العبّاس التوّنيّ والسيد حسين الأخلاطيّ وغيرهما.

ومن الفنون الملحقة بها الدائرة اليوم التنويم المغناطيسيّ وإحضار الأرواح وهما كما مرّ من تأثير الإرادة والتصرّف في الخيال وقد ألّف فيها كتب ورسائل كثيرة، واشتهار أمرها يغني عن الإشارة إليها هينها، والغرض ممّا ذكرنا على طوله إيضاح انطباق ما ينطبق منها على السحر أو الكهانة.

٢٤٧

( سورة البقرة الآيات ١٠٤ - ١٠٥)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا  وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ١٠٤ ) مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلَا الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ  وَاللهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ  وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ( ١٠٥ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ) ، أوّل مورد في القرآن ورد فيه خطاب المؤمنين بلفظة يا أيّها الّذين آمنوا، وهو واقع في القرآن خطاباً في نحو من خمسة وثمانين موضعاً والتعبير عن المؤمنين بلفظة الّذين آمنوا بنحو الخطاب أو بغير الخطاب ممّا يختصّ بهذه الاُمّة، وأمّا الاُمم السابقة فيعبّر عنهم بلفظة القوم كقوله:( قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ ) وقوله:( قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ ) الآية و قوله:( أَصْحَابِ مَدْيَنَ ) ( وَأَصْحَابَ الرَّسِّ ) ، وبني إسرائيل، ويا بني إسرائيل، فالتعبير بلفظة الّذين آمنوا ممّا يختصّ التشرّف به بهذه الاُمّة، غير أن التدبّر في كلامه تعالى يعطي أنّ التعبير بلفظة الّذين آمنوا يراد به في كلامه تعالى غير ما يراد بلفظة المؤمنين كقوله تعالى:( وَتُوبُوا إِلَى اللهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ ) النور - ٣١، بحسب المصداق. قال تعالى:( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ، رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدتَّهُمْ وَمَن صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) المؤمن - ٧ و ٨، فجعل استغفار الملائكة وحملة العرش أوّلاً للّذين آمنوا ثمّ بدله ثانياً من قوله: للّذين تابوا واتّبعوا، والتوبة هي الرجوع، ثمّ علّق دعائهم بالّذين آمنوا وعطف عليهم آبائهم وذرّيّاتهم ولو كان هؤلاء المحكيّ عنهم بالّذين آمنوا هم أهل الإيمان برسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم)، كيف ما كانوا، كان الّذين آمنوا شاملاً للجميع من الآباء والأبناء والأزواج ولم يبق للعطف والتفرقة محلّ وكان الجميع في عرض واحد ووقعوا في صفّ واحد.

٢٤٨

ويستفاد هذا المعنى أيضاً من قوله تعالى:( وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ ) الطور - ٢١، فلو كان ذرّيّتهم الّذين اتّبعوهم بإيمان مصداقاً للّذين آمنوا في كلامه تعالى لم يبق للإلحاق وجه، ولو كان قوله :( وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم ) قرينة على إرادة اشخاص خاصّة من الّذين آمنوا وهم كلّ جمع من المؤمنين بالنسبة إلى ذرّيّتهم، المؤمنين لم يبق للإلحاق أيضاً وجه، ولا لقوله، وما ألتناهم من عملهم من شئ، وجه صحيح إلّا في الطبقة الأخيرة الّتي لا ذريّة بعدهم يتّبعونهم بإيمان فهم يلحقون بآبائهم، وهذا وإن كان معنى معقولاً إلّا أنّ سياق الآية وهو سياق التشريف يأبى ذلك لعود المعنى على ذلك التقدير إلى مثل معنى قولنا: المؤمنون بعضهم من بعض أو بعضهم يلحق ببعض وهم جميعاً في صفّ واحد من غير شرافة للبعض على البعض ولا للمتقدّم على المتأخّر فإنّ الملاك هو الإيمان وهو في الجميع واحد وهذا مخالف لسياق الآية الدالّ على نوع كرامة وتشريف للسابق بإلحاق ذرّيّته به، فقوله:( وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ ) ، قرينة على إرادة أشخاص خاصّة بقوله:( الَّذِينَ آمَنُوا ) ، وهم السابقون الأوّلون في الإيمان برسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) من المهاجرين والأنصار في يوم العسرة فكلمة الّذين آمنوا كلمة تشريف يراد بها هؤلاء. ويشعر بذلك أيضاً قوله تعالى:( لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ - إلى أن قال -وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ - إلى أن قال -وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ) الحشر - ١٠، فلو كان مصداق قوله: الّذين آمنوا، عين مصداق قوله: الّذين سبقونا بالإيمان، كان من وضع الظاهر موضع المضمر من غير وجه ظاهر.

ويشعر بما مرّ أيضاً قوله تعالى:( مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللهِ وَرِضْوَانًا - إلى أن قال -وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) الفتح - ٢٩.

فقد تحصّل أنّ الكلمة كلمة تشريف تختصّ بالسابقين الأوّلين من المؤمنين، ولا يبعد جريان نظير الكلام في لفظة الّذين كفروا فيراد به السابقون في الكفر برسول

٢٤٩

الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) من مشركي مكّة وأترابهم كما يشعر به أمثال قوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) البقرة - ٦.

فإن قلت: فعلى ما مرّ يختصّ الخطاب بالّذين آمنوا بعدّة خاصّة من الحاضرين في زمان النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) مع أنّ القوم ذكروا أنّ هذه خطابات عامّة لزمان الحضور وغيره والحاضرين الموجودين في عصر النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وغيرهم وخاصّة بناءً على تقريب الخطاب بنحو القضيّة الحقيقيّة.

قلت: نعم هو خطاب تشريفيّ يختصّ بالبعض لكنّ ذلك لا يوجب اختصاص التكاليف المتضمّن لها الخطاب بهم فإنّ لسعة التكليف وضيقه أسباباً غير ما يوجب سعة الخطاب وضيقه من الأسباب، كما أنّ التكاليف المجرّدة عن الخطاب عامّة وسيعة من غير خطاب، فعل هذا يكون تصدير بعض التكاليف بخطاب يا أيّها الّذين آمنوا من قبيل تصدير بعض آخر من الخطابات بلفظ يا أيّها لنبيّ، ويا أيّها الرسول مبنيّاً على التشريف، والتكليف عامّ، والمراد وسيع، ومع هذا كلّه لا يوجب ما ذكرناه من الاختصاص التشريفيّ عدم إطلاق لفظة الّذين آمنوا على غير هؤلاء المختصّين بالتشريف أصلاً إذا كانت هناك قرينة تدلّ على ذلك كقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ) النساء - ١٣٧، وقوله تعالى: حكاية عن نوح:( وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّهُم مُّلَاقُو رَبِّهِمْ ) هود - ٢٩.

قوله تعالى: ( لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا ) ، أي بدّلوا قول (راعنا) من قول (انظرنا) ولئن لم تفعلوا ذلك كان ذلك منكم كفراً وللكافرين عذاب أليم ففيه نهى شديد عن قول راعنا وهذه كلمة ذكرتها آية اُخرى وبيّنت معناها في الجملة وهي قوله تعالى:( مِّنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْنًا فِي الدِّينِ ) النساء - ٤٦، ومنه يعلم أنّ اليهود كانت تريد بقولهم للنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم راعنا نحواً من معنى قوله: اسمع غير مسمع ولذلك ورد النهي عن خطاب رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بذلك وحينئذ ينطبق على ما نقل: أنّ المسلمين كانوا يخاطبون النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بذلك إذا ألقى إليهم كلاماً يقولون راعنا يا رسول الله - يريدون أمهلنا وانظرنا حتّى

٢٥٠

نفهم ما تقول - وكانت اللّفظة تفيد في لغة اليهود معنى الشتم فاغتنم اليهود ذلك فكانوا يخاطبون النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بذلك يظهرون التأدّب معه وهم يريدون الشتم ومعناه عندهم اسمع لا اُسمعت فنزل: من الّذين هادوا يحرّفون الكلم عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا، الآية ونهى الله المؤمنين عن الكلمة وأمرهم أن يقولوا ما في معناه وهو انظرنا فقال: لا تقولوا راعنا وتقولوا أنظرنا.

قوله تعالى: ( وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) يريد المتمرّدين من هذا النهى وهذا أحد الموارد الّتي أطلق فيها الكفر على ترك التكاليف الفرعيّة.

قوله تعالى: ( مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) ، لو كان المراد بأهل الكتاب اليهود خاصّة كما هو الظاهر لكون الخطابات السابقة مسوقة لهم فتوصيفهم بأهل الكتاب يفيد الإشارة إلى العلّة، وهو أنّهم لكونهم أهل كتاب ما يودون نزول الكتاب على المؤمنين لاستلزامه بطلان اختصاصهم بأهليّة الكتاب مع أنّ ذلك ضنّة منهم بما لا يملكونه، ومعارضة مع الله سبحانه في سعة رحمته وعظم فضله، ولو كأنّ المراد عموم أهل الكتاب من اليهود والنصارى فهو تعميم بعد التخصيص لاشتراك الفريقين في بعض الخصائل، وهم على غيظ من الإسلام، وربّما يؤيّد هذا الوجه بعض الآيات اللاحقة كقوله تعالى:( وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ ) البقرة - ١١١، وقوله تعالى:( وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) البقرة - ١١٣.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور أخرج أبونعيم في الحلية عن إبن عبّاس قال : قال رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم): ما أنزل الله آية فيها، يا أيّها الّذين آمنوا إلّا وعلي رأسها وأميرها.

أقول: والرواية تؤيّد ما سننقله من الروايات الواردة في عدّة من الآيات أنّها في علّى أو في أهل البيت نظير ما في قوله تعالى:( كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) آل عمران - ١١٠، وقوله تعالى:( لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ ) البقرة - ١٤٣، وقوله تعالى:( وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) ، التوبة - ١١٩.

٢٥١

( سورة البقرة الآيات ١٠٦ - ١٠٧)

مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا  أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ١٠٦ ) أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ  وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ( ١٠٧ )

( بيان)

الآيتان في النسخ ومن المعلوم أنّ النسخ بالمعنى المعروف عند الفقهاء وهو الإبانة عن انتهاء أمد الحكم وانقضاء أجله اصطلاح متفرّع على الآية مأخوذ منها ومن مصاديق ما يتحصّل من الآية في معنى النسخ على ما هو ظاهر إطلاق الآية.

قوله تعالى: ( مَا نَنسَخْ ) ، النسخ هو الإزالة، يقال: نسخت الشمس الظلّ إذا أزالته وذهبت به. قال تعالى:( وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ) الحج - ٥٢، ومنه أيضاً قولهم: نسخت الكتاب إذا نقل من نسخة إلى اُخرى فكأنّ الكتاب اُذهب به واُبدل مكانه ولذلك بدّل لفظ النسخ من التبديل في قوله تعالى:( وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَّكَانَ آيَةٍ وَاللهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنتَ مُفْتَرٍبَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) النحل - ١٠١، وكيف كان فالنسخ لا يوجب زوال نفس الآية من الوجود وبطلان تحقّقها بل الحكم حيث علّق بالوصف وهو الآية والعلامة مع ما يلحق بها من التعليل في الآية بقوله تعالى:( أَلَمْ تَعْلَمْ ) ، إلخ أفاد ذلك أنّ المراد بالنسخ هو إذهاب أثر الآية، من حيث إنّها آية، أعني إذهاب كون الشئ آية وعلامة مع حفظ أصله فبالنسخ يزول أثره من تكليف أو غيره مع بقاء أصله وهذا هو المستفاد من اقتران قوله: ننسها بقوله:( مَا نَنسَخْ ) ، والإنساء إفعال من النسيان وهو الإذهاب عن العلم كما أنّ النسخ هو الإذهاب عن العين فيكون المعنى ما نذهب بآية عن العين أو عن العلم نأت بخير منها أو مثلها.

ثمّ إنّ كون الشئ آية يختلف بإختلاف الأشياء والحيثيّات والجهات، فالبعض

٢٥٢

من القرآن آية لله سبحانه باعتبار عجز البشر عن إتيان مثله، والأحكام والتكاليف الإلهيّة آيات له تعالى باعتبار حصول التقوى والقرب بها منه تعالى، والموجودات العينيّة آيات له تعالى باعتبار كشفها بوجودها عن وجود صانعها وبخصوصيّات وجودها عن خصوصيّات صفاته وأسمائه سبحانه، وأنبياء الله وأولياؤه تعالى آيات له تعالى باعتبار دعوتهم إليه بالقول و الفعل وهكذا، ولذلك كانت الآية تقبل الشدّة والضعف. قال الله تعالى:( لَقَدْ رَأَىٰ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَىٰ ) النجم - ١٨.

ومن جهة اُخرى الآية ربّما كانت في أنّها آية ذات جهة واحدة وربّما كانت ذات جهات كثيرة، ونسخها وإزالتها كما يتصوّر بجهته الواحدة كإهلاكها كذلك يتصوّر ببعض جهاتها دون بعض إذا كانت ذات جهات كثيرة، كالآية من القرآن تنسخ من حيث حكمها الشرعيّ وتبقى من حيث بلاغتها وإعجازها ونحو ذلك.

وهذا الّذي استظهرناه من عموم معنى النسخ هو الّذي يفيده عموم التعليل المستفاد من قوله تعالى:( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، وذلك أنّ الإنكار المتوهّم في المقام أو الإنكار الواقع من اليهود على ما نقل في شأن نزول الآية بالنسبة إلى معنى النسخ يتعلّق به من وجهين:

أحدهما: من جهة أنّ الآية إذا كانت من عند الله تعالى كانت حافظة لمصلحة من المصالح الحقيقيّة لا تحفظها شئ دونها، فلو زالت الآية فاتت المصلحة ولن تقوم مقامها شئٌ تحفظ به تلك المصلحة، ويستدرك به ما فات منها من فائدة الخلقة ومصلحة العباد، وليس شأنه تعالى كشأن عباده ولا علمه كعلمهم بحيث يتغيّر بتغيّر العوامل الخارجيّة فيتعلّق يوماً علمه بمصلحة فيحكم بحكم ثمّ يتغيّر علمه غداً ويتعلّق بمصلحة اُخرى فاتت عنه بالأمس، فيتغيّر الحكم، ويقضي ببطلان ما حكم سابقاً، وإتيان آخر لاحقاً، فيطلع كلّ يوم حكم، ويظهر لون بعد لون، كما هو شأن العباد غير المحيطين بجهات الصلاح في الأشياء، فكانت أحكامهم وأوضاعهم تتغيّر بتغيّر العلوم بالمصالح والمفاسد زيادة ونقيصة وحدوثاً وبقاءً، ومرجع هذا الوجه إلى نفي عموم القدرة وإطلاقها.

وثانيهما: أنّ القدرة وإن كانت مطلقة إلّا أنّ تحقّق الإيجاد وفعليّة الوجود

٢٥٣

يستحيل معه التغيّر، فإنّ الشئ لا يتغيّر عمّا وقع عليه بالضرورة وهذا مثل الإنسان في فعله الاختياريّ فإنّ الفعل اختياريّ للإنسان ما لم يصدر عنه فإذا صدر كان ضروريّ الثبوت غير اختياريّ له، ومرجع هذا الوجه إلى نفي إطلاق الملكيّة و عدم جواز بعض التصرّفات بعد خروج الزمام ببعض آخر كما قالت اليهود: يد الله مغلولة: فاشار سبحانه إلى الجواب عن الأوّل بقوله: ألم تعلم أنّ الله على كلّ شئ قدير أي فلا يعجز عن إقامة ما هو خير من الفائت أو إقامة ما هو مثل الفائت مقامه وأشار إلى الجواب عن الثاني بقوله: ألم تعلم أنّ الله له ملك السماوات والأرض وما لكم من دون الله من وليّ ولا نصير، أي إنّ ملك السماوات والأرض لله سبحانه فله أن يتصرّف في ملكه كيف يشاء وليس لغيره شئ من الملك حتّى يوجب ذلك انسداد باب من ابواب تصرّفه سبحانه، أو يكون مانعاً دون تصرّف من تصرّفاته، فلا يملك شئ شيئاً، لا ابتداءً ولا بتمليكه تعالى، فإنّ التمليك الّذي يملّكه غيره ليس كتمليك بعضنا بعضاً شيئاً بنحو يبطل ملك الأوّل ويحصل ملك الثاني، بل هو مالك في عين ما يملّك غيره ما يملك. فإذا نظرنا إلى حقيقة الأمر كان الملك المطلق والتصرّف المطلق له وحده، وإذا نظرنا إلى ما ملّكنا بملكه من دون استقلال كان هو الوليّ لنا وإذا نظرنا إلى ما تفضّل علينا من ظاهر الاستقلال - وهو في الحقيقة فقر في صورة الغنى، وتبعيّة في صورة الاستقلال - لم يمكن لنا أيضاً أن ندبّر اُمورنا من دون إعانته ونصره، كان هو النصير لنا.

وهذا الّذي ذكرناه هو الّذي يقتضيه الحصر الظاهر من قوله تعالى:( أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فقوله تعالى:( أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ، مرتّب على ترتيب ما يتوهّم من الاعتراضين. ومن الشاهد على كونهما اعتراضين إثنين الفصل بين الجملتين من غير وصل. وقوله تعالى:( وَمَا لَكُم مِّن دُونِ اللهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ ) ، مشتمل على أمرين هما كالمتمّمين للجواب أي وإن لم تنظروا إلى ملكه المطلق بل نظرتم إلى ما عندكم من الملك الموهوب فحيث كان ملكا موهوباً من غير انفصال واستقلال فهو وحده وليّكم، فله أن يتصرّف فيكم وفي ما عندكم ما شاء من التصرّف، وإن لم تنظروا إلى عدم إستقلالكم في الملك بل نظرتم

٢٥٤

إلى ظاهر ما عندكم من الملك والاستقلال وانجمدتم على ذلك فحسب، فإنّكم ترون أنّ ما عندكم من القدرة والملك والاستقلال لا تتمّ وحدها، ولا تجعل مقاصدكم مطيعة لكم خاضعة لقصودكم وإرادتكم وحدها بل لا بدّ من معها إعانة الله ونصره فهو النصير لكم فله أن يتصرّف من هذا الطريق فله سبحانه التصرّف في أمركم من أيّ سبيل سلكتم هذا، وقوله:( وما لكم من دون الله ) ، جئ فيه بالظاهر موضع المضمر نظراً إلى كون الجملة بمنزلة المستقلّ من الكلام لتماميّة الجواب دونه.

فقد ظهر ممّا مرّ:أوّلا، أنّ النسخ لا يختصّ بالأحكام الشرعيّة بل يعمّ التكوينيّات أيضاً.

وثانياً: أنّ النسخ لا يتحقّق من غير طرفين ناسخ ومنسوخ.

وثالثاً: أنّ الناسخ يشتمل على ما في المنسوخ من كمال أو مصلحة.

ورابعاً: أنّ الناسخ ينافي المنسوخ بحسب صورته وإنّما يرتفع التناقض بينهما من جهة إشتمال كليهما على المصلحة المشتركة فإذا توفّى نبيّ وبعث نبىّ آخر وهما آيتان من آيات الله تعالى أحدهما ناسخ للآخر كان ذلك جرياناً على ما يقتضيه ناموس الطبيعة من الحياة والموت والرزق والأجل وما يقتضيه إختلاف مصالح العباد بحسب إختلاف الأعصار وتكامل الأفراد من الإنسان، وإذا نسخ حكم دينيّ بحكم دينيّ كان الجميع مشتملاً على مصلحة الدين وكلّ من الحكمين أطبق على مصلحة الوقت، أصلح لحال المؤمنين كحكم العفو في أوّل الدعوة وليس للمسلمين بعد عدّة ولا عدّة. وحكم الجهاد بعد ذلك حينما قوي الإسلام وأعدّ فيهم ما استطاعوا من قوّة وركز الرعب في قلوب الكفّار والمشركين. والآيات المنسوخة مع ذلك لا تخلو من إيماء وتلويح إلى النسخ كما في قوله تعالى:( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) البقرة - ١٠٩، المنسوخ بأية القتال وقوله تعالى:( فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّىٰ يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ) النساء - ١٥، المنسوخ بأية الجلد فقوله: حتّى يأتي الله بأمره وقوله:( أَوْ يَجْعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلًا ) لا يخلو عن إشعار بأنّ الحكم موقّت مؤجّل سيلحقه نسخ.

وخامساً: أنّ النسبة الّتي بين الناسخ والمنسوخ غير النسبة الّتي بين العامّ والخاصّ

٢٥٥

وبين المطلق والمقيّد وبين المجمل والمبيّن، فإنّ الرّافع للتنافي بين الناسخ والمنسوخ بعد إستقراره بينهما بحسب الظهور اللّفظيّ هو الحكمة والمصلحة الموجودة بينهما، بخلاف الرافع للتنافي بين العامّ والخاصّ والمطلق والمقيّد والمجمل والمبيّن فإنّه قوّة الظهور اللّفظيّ الموجود في الخاصّ والمقيّد والمبيّن، المفسّر للعامّ بالتخصيص، وللمطلق بالتقييد، وللمجمل بالتبيين على ما بيّن في فنّ أصول الفقة، وكذلك في المحكم والمتشابه على ما سيجئ في قوله:( مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ ) آل عمران - ٧.

قوله تعالى: ( أَوْ نُنسِهَا ) ، قرء بضمّ النون وكسر السّين من الإنساء بمعنى الإذهاب عن العلم والذكر وقد مرّ توضيحه، وهو كلام مطلق أو عامّ غير مختصّ برسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) بل غير شامل له أصلاً لقوله تعالى:( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ إِلَّا مَا شَاءَ اللهُ ) الاعلى - ٧، وهي آية مكيّة وآية النسخ مدنيّة فلا يجوز عليه النسيان بعد قوله تعالى:( فَلَا تَنسَىٰ ) وأمّا اشتماله على الاستثناء بقوله: إلّا ما شاء الله فهو على حدّ الاستثناء الواقع في قوله تعالى:( خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ) هود - ١٠٨، جئ بها لإثبات بقاء القدرة مع الفعل على تغيير الأمر، ولو كان الاستثناء مسوقاً لبيان الوقوع في الخارج لم يكن للامتنان بقوله:( فَلَا تَنسَىٰ ) معنى، إذ كلّ ذي ذكر وحفظ من الإنسان وسائر الحيوان كذلك يذكر وينسى وذكره نسيانه كلاهما منه تعالى وبمشيّته، وقد كان رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) كذلك قبل هذا الإقراء الامتنانيّ الموعود بقوله:( سَنُقْرِئُكَ ) يذكر بمشيّة الله وينسى بمشيّة الله تعالى فليس معنى الاستثناء إلّا إثبات إطلاق القدرة أي سنقرئك فلا تنسى أبداً والله مع ذلك قادر على إنسائك هذا. وقرء قوله:( نُنسِهَا ) بفتح النون والهمزة من نسئ نسيئاً إذا أخّر تأخيراً فيكون المعنى على هذا: ما ننسخ من آية بإزالتها أو نؤخّرها بتأخير إظهارها نأت بخير منها أو مثلها ولا يوجب التصرّف الإلهيّ بالتقديم والتأخير في آياته فوت كمال أو مصلحة والدليل على أنّ المراد بيان أنّ التصرّف الإلهيّ يكون دائماً على الكمال والمصلحة هو قوله: بخير منها أو مثلها فإنّ الخيريّة إنّما يكون في كمال شئ موجود أو مصلحة حكم مجعول ففي ذلك يكون موجود مماثلاً لآخر في الخيريّة أو أزيد منه في ذلك فافهم.

٢٥٦

( بحث روائي)

قد تكاثرت روايات الفريقين عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم) والصحابة وعن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام : أنّ في القرآن ناسخاً ومنسوخاً.

وفي تفسير النعمانيّ عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام : بعد ذكر عدّة آيات من الناسخ والمنسوخ قالعليه‌السلام : ونسخ قوله تعالى: وما خلقت الجنّ والإنس إلّا ليعبدون قوله عزّوجلّ: ولا يزالون مختلفين إلّا من رحم ربّك ولذلك خلقهم أي للرحمة خلقهم.

أقول: وفيها دلالة على أخذهعليه‌السلام النسخ في الآية أعمّ من النسخ الواقع في التشريع فالآية الثانية تثبت حقيقة توجب تحديد الحقيقة الّتي تثبتها الآية الاُولى، وبعبارة واضحة: الآية الاُولى تثبت للخلقة غاية وهي العبادة، والله سبحانه غير مغلوب في الغاية الّتي يريدها في فعل من أفعاله غير أنّه سبحانه خلقهم على إمكان الإختلاف فلا يزالون مختلفين في الاهتداء والضلال فلا يزالون مختلفين إلّا من أخذته العناية الإلهيّة، وشملته رحمة الهداية ولذلك خلقهم أي ولهذه الرحمة خلقهم، فالآية الثانية تثبت للخلقة غاية، وهو الرحمة المقارنة للعبادة والاهتداء ولا يكون إلّا في البعض دون الكلّ والآية الاُولى كانت تثبت العبادة غاية للجميع فهذه العبادة جعلت غاية الجميع من جهة كون البعض مخلوقاً لأجل البعض الآخر وهذا البعض أيضاً لآخر حتّى ينتهي إلى أهل العبادة وهم العابدون المخلوقون للعبادة فصحّ أنّ العبادة غاية للكلّ نظير بناء الحديقة وغرس الشجرة لثمرتها أو لمنافعها الماليّة فالآية الثانية تنسخ إطلاق الآية الاُولى. وفي تفسير النعمانيّ أيضاً عنهعليه‌السلام : قال: ونسخ قوله تعالى:( وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ) قوله:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ لَا يَسْمَعُونَ حَسِيسَهَا وَهُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنفُسُهُمْ خَالِدُونَ لَا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ ) .

أقول: و ليست الآيتان من قبيل العامّ والخاصّ لقوله تعالى:( كَانَ عَلَىٰ رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا ) ، والقضاء الحتم غير قابل الرفع ولا ممكن الإبطال ويظهر معنى هذا

٢٥٧

النسخ ممّا سيجئ إنشاء الله في قوله:( إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُم مِّنَّا الْحُسْنَىٰ أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ ) الأنبياء - ١٠١.

وفي تفسير العيّاشيّ عن الباقرعليه‌السلام : إنّ من النسخ البداء المشتمل عليه قوله تعالى: يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده اُمّ الكتاب، ونجاة قوم يونس.

أقول: والوجه فيه واضح.

وفي بعض الأخبار عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام موت إمام وقيام إمام آخر مقامه من النسخ.

أقول: وقد مرّ بيانه، والأخبار في هذه المعاني كثيرة مستفيضة.

وفي الدرّ المنثور أخرج عبد بن حميد وأبو داود في ناسخه وابن جرير عن قتادة قال: كانت الآية تنسخ الآية وكان نبيّ الله يقرأ الآية والسورة وما شاء الله من السورة ثمّ ترفع فينسيها الله نبيّه فقال الله: يقصّ على نبيّه ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها، يقول: فيها تخفيف، فيها رخصة، فيها أمر، فيها نهى.

أقول: وروى فيه أيضاً في معنى الإنساء روايات عديدة وجميعها مطروحة بمخالفة الكتاب كما مرّ في بيان قوله:( أَوْ نُنسِهَا ) .

٢٥٨

( سورة البقرة الآيات ١٠٨ - ١١٥)

أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ كَمَا سُئِلَ مُوسَىٰ مِن قَبْلُ  وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ( ١٠٨ ) وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ  فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ  إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ١٠٩ ) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ  وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللهِ  إِنَّ اللهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ١١٠ ) وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَن كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَىٰ  تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ  قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ١١١ ) وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَىٰ عَلَىٰ شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَىٰ لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَىٰ شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ  كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ  فَاللهُ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ( ١١٣ ) وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَىٰ فِي خَرَابِهَا  أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ  لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ١١٤ ) وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ  فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ  إِنَّ اللهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( ١١٥ )

( بيان)

قوله تعالى: ( أَمْ تُرِيدُونَ أَن تَسْأَلُوا رَسُولَكُمْ ) ، سياق الآية يدلّ على أنّ بعض المسلمين - ممّن آمن بالنبيّ - سأل النبيّ اُموراً على حدّ سؤال اليهود نبيّهم موسىعليه‌السلام

٢٥٩

والله سبحانه وبّخهم على ذلك في ضمن ما يوبّخ اليهود بما فعلوا مع موسى والنبيّين من بعده، والنقل يدلّ على ذلك.

قوله تعالى: ( سَوَاءَ السَّبِيلِ ) أي مستوى الطريق.

قوله تعالى: ( وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ) ، نقل أنّه حيّ بن الأخطب وبعض من معه من متعصّبي اليهود.

قوله تعالى: ( فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا ) ، قالوا: إنّها آية منسوخة بآية القتال!.

قوله تعالى: ( حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ ) ، فيه كما مرّ إيماء إلى حكم سيشرّعه الله تعالى في حقّهم، ونظيره قوله تعالى: في الآية الآتية( أُولَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَائِفِينَ ) ، مع قوله تعالى:( إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا ) التوبة - ٢٨، وسيأتي الكلام في معنى الأمر في قوله تعالى:( وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي ) ألاسراء - ٨٥.

قوله تعالى: ( وَقَالُوا لَن يَدْخُلَ الْجَنَّةَ ) ، شروع في إلحاق النصارى باليهود تصريحاً وسوق الكلام في بيان جرائمهم معاً.

قوله تعالى: ( بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ ) ، هذه كرّة ثالثة عليهم في بيان أن السعادة لا تدور مدار الاسم ولا كرامة لأحد على الله إلّا بحقيقة الإيمان والعبوديّة. اُولاها قوله:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا ) البقرة - ٦٢،وثانيتها ، قوله تعالى:( بَلَىٰ مَن كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ ) البقرة - ٨١،وثالثتها ، هذه الآية ويستفاد من تطبيق الآيات تفسير الإيمان بإسلام الوجه إلى الله وتفسير الإحسان بالعمل الصالح.

قوله تعالى: ( وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ ) ، أي وهم يعملون بما أوتوا من كتاب الله لا ينبغي لهم أن يقولوا ذلك والكتاب يبيّن لهم الحقّ والدليل على ذلك قوله:( كَذَٰلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ ) فالمراد بالّذين لا يعلمون غير أهل الكتاب من الكفّار ومشركي العرب قالوا: إنّ المسلمين ليسوا على شئٍ أو أنّ أهل الكتاب ليسوا على شئ.

قوله تعالى: ( وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ ) ، ظاهر السياق أنّ هؤلاء كفّار مكّة قبل الهجرة فإنّ هذه الآيات نزلت في أوائل ورود رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) المدينة.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

وحيي، وخليفتي في أرضي ومثله في المحاسن للبرقي ( ج ٢؛ ٣١٤ - ٣١٥ ).

وفي كفاية الأثر ( ١٦ - ١٩ ) بسنده عن ابن عبّاس في حديث طويل - ذكر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه أسماء الأئمّة لابن عبّاس - وفيه: قال ابن عبّاس: قلت: يا رسول الله، أسامي لم أسمع بهنّ قطّ!! قال لي: يا بن عبّاس، هم الأئمّة بعدي وإن قهروا، أمناء، معصومون، نجباء، أخيار، يا ابن عبّاس، من أتى يوم القيامة عارفا بحقّهم أخذت بيده فأدخلته الجنّة، يا بن عبّاس، من أنكرهم أو ردّ واحدا منهم فكأنّما قد أنكرني وردّني، ومن أنكرني وردّني فكأنّما أنكر الله وردّه ....

وفيه أيضا (٢٩) بسنده عن أبي سعيد الخدري، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول:

أهل بيتي أمان لأهل الأرض، كما أنّ النجوم أمان لأهل السماء، قيل: يا رسول الله، فالأئمّة بعدك من أهل بيتك؟ قال: نعم، الأئمّة بعدي اثنا عشر، تسعة من صلب الحسين، أمناء، معصومون، ومنّا مهديّ هذه الأئمّة، ألا إنّهم أهل بيتي، وعترتي من لحمي ودمي، ما بال أقوام يؤذونني فيهم، لا أنا لهم الله شفاعتي.

والقائم بأمري

في تفسير الإمام العسكريّعليه‌السلام ( ١٨٧ - ١٨٨ ) روىعليه‌السلام أنّ عبد الله بن سلام جاء يسائل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عند نزول قوله تعالى:( وَلَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ آياتٍ بَيِّناتٍ وَما يَكْفُرُ بِها إِلاَّ الْفاسِقُونَ ) (١) ، [ وبعد أن أوضح له النبي الوصاية والإمامة ]، قال ابن سلام: أشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، وأشهد أنّ محمّدا عبده ورسوله المصطفى، وأمينه المرتضى، وأميره على جميع الورى، وأشهد أنّ عليّا أخوه، وصفيه، ووصيّه، والقائم بأمره، المنجز لعداته، المؤدي لأماناته ....

وفي أمالي الصدوق (٤٦٨) بسنده عن الصادق، عن أبيه، عن آبائهعليهم‌السلام ، قال: لمّا

__________________

(١) البقرة؛ ٩٩.

٤٤١

مرض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله مرضه الّذي قبضه الله فيه اجتمع إليه أهل بيته وأصحابه، فقالوا: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فلم يجبهم جوابا وسكت عنهم، فلمّا كان اليوم الثاني أعادوا عليه القول، فلم يجبهم عن شيء ممّا سألوه، فلمّا كان اليوم الثالث قالوا له: يا رسول الله، إن حدث بك حدث فمن لنا بعدك؟ ومن القائم فينا بأمرك؟ فقال لهمصلى‌الله‌عليه‌وآله : إذا كان غدا هبط نجم من السماء في دار رجل من أصحابي، فانظروا من هو، فهو خليفتي عليكم من بعدي والقائم فيكم بأمري، ولم يكن فيهم أحد إلاّ وهو يطمع أن يقول له: أنت القائم من بعدي، فلمّا كان اليوم الرابع جلس كلّ رجل منهم في حجرته ينتظر هبوط النجم، إذا انقض نجم من السماء - قد غلب ضوءه على ضوء الدنيا - حتّى وقع في حجرة عليّ، فهاج القوم، وقالوا: والله لقد ضلّ هذا الرجل وغوى، وما ينطق في ابن عمّه إلاّ بالهوى، فأنزل الله تبارك وتعالى في ذلك( وَالنَّجْمِ إِذا هَوى * ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى * وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى * إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحى ) (١) إلى آخر السورة. وانظر رواية شأن النزول هذا بلفظ « القائم فيكم بأمري » في شواهد التنزيل ( ج ٢؛ ٢٧٩ - ٢٨٠ ). وقال ابن شهرآشوب في مناقبه ( ج ٣؛ ١٠ ) أبو جعفر بن بابويه في الأمالي، بطرق كثيرة، عن جويبر، عن الضحّاك، عن أبي هارون العبدي، عن ربيعة السعديّ، وعن أبي إسحاق الفزاريّ، عن جعفر بن محمّد، عن آبائهعليهم‌السلام ، كلّهم عن ابن عبّاس، وروى عن منصور بن الأسود، عن الصادق، عن آبائهعليهم‌السلام ، واللّفظ له، ثمّ ساق الخبر عن الصدوق.

وفي إرشاد القلوب (٣٣٧) في خبر حذيفة، قال: ثمّ أمر [ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ] خادمة لأم سلمة، فقال: اجمعي لي هؤلاء - يعني نساءه - فجمعتهن له في منزل أمّ سلمة، فقال لهنّ: اسمعن ما أقول لكنّ - وأشار بيده إلى عليّ بن أبي طالب، فقال لهنّ -: هذا أخي، ووصيّي، ووارثي، والقائم فيكن وفي الأمّة من بعدي ....

__________________

(١) النجم؛ ١ - ٤.

٤٤٢

وفي اليقين ( ٤٤٨ - ٤٥٢ ) بسند عن عليّعليه‌السلام ، قال: لمّا خطب أبو بكر، قام أبيّ بن كعب يوم جمعة، وكان أوّل يوم من شهر رمضان، فقال: يا معشر المهاجرين أو لستم تعلمون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: عليّ المحيي لسنّتي، ومعلّم أمّتي، والقائم بحجّتي، وخير من أخلف بعدي ....

ويدلّ على هذا المطلب ما مرّ من أنّ عليّا خليفة النبي من بعده، ووصيّه ووزيره، ومولى المؤمنين، وغيرها ممّا مرّ، لكنّنا أثبتنا هنا بعض الروايات الواردة بلفظ « القائم بأمري ».

ولا يخفى أنّ عليّاعليه‌السلام القائم بأمر الله وأمر رسوله من بعده، والأئمّة كلّهم قائمون بأمر الله وحجّته ودينه؛ ففي أمالي الصدوق (٤٣٧) بسنده عن الرضا، عن آبائه، عن عليّعليهم‌السلام ، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أخبرني جبرئيلعليه‌السلام ، عن الله عزّ وجلّ، أنّه قال: عليّ بن أبي طالب حجّتي، وديّان ديني، أخرج من صلبه أئمّة يقومون بأمري، ويدعون إلى سبيلي، بهم أدفع العذاب عن عبادي وإمائي، وبهم أنزل رحمتي.

وفي الكافي ( ج ١؛ ٥٣٦ ) بسنده عن الحكم بن أبي نعيم، قال: أتيت أبا جعفر وهو بالمدينة قلت: إنّي جعلت لله عليّ نذرا وصياما وصدقة بين الركن والمقام، إن أنا لقيتك أن لا أخرج من المدينة حتّى أعلم أنّك قائم آل محمّد أم لا، فإن كنت أنت رابطتك، وإن لم تكن أنت سرت في الأرض فطلبت المعاش، فقالعليه‌السلام : يا حكم، كلّنا قائم بأمر الله، قلت: فأنت المهدي؟ قال: كلّنا نهدي إلى الله، قلت: فأنت صاحب السيف؟ قال: كلّنا صاحب السيف ووارث السيف، قلت: فأنت الّذي تقتل أعداء الله، ويعزّ بك أولياء الله، ويظهر بك دين الله؟ فقال: يا حكم، كيف أكون أنا وقد بلغت خمسا وأربعين سنة؟! وإنّ صاحب هذا الأمر أقرب عهدا باللبن منّي، وأخفّ على ظهر الدابة.

وفي إكمال الدين ( ج ٢؛ ٣٧٧ - ٣٧٨ ) بسنده عن عبد العظيم بن عبد الله الحسني، قال: قلت لمحمّد بن عليّ بن موسىعليهم‌السلام : إنّي لأرجو أن تكون القائم من أهل بيت محمّد، الّذي يملأ الأرض قسطا وعدلا كما ملئت جورا وظلما، فقالعليه‌السلام : يا أبا القاسم، ما منّا إلاّ هو قائم بأمر الله عزّ وجلّ، وهاد إلى دين الله، ولكنّ القائم الّذي يطهّر الله عزّ وجلّ به الأرض من

٤٤٣

أهل الكفر والجحود وهو في الاحتجاج (٤٤٩).

وفي معاني الأخبار ( ٩٦ - ١٠١ ) بسنده عن عبد العزيز بن مسلم، قال: كنّا مع الرضاعليه‌السلام بمرو، فاجتمعنا في الجامع يوم الجمعة في بدء مقدمنا، فأداروا أمر الإمامة، وذكروا كثرة اختلاف الناس فيها، فدخلت على سيّدي فأعلمته خوضان الناس في ذلك، فتبسّمعليه‌السلام ، ثمّ قال: يا عبد العزيز، جهل القوم وخدعوا عن أديانهم [ ثمّ بين منزلة الإمام والإمامة وكثيرا من مطالبها، وقال في أواخر الحديث ]: فكيف لهم باختيار الإمام؟! والإمام عالم لا يجهل، داع لا ينكل كامل الحكم، مضطلع بالأمانة، عالم بالسياسة، مفروض الطاعة، قائم بأمر الله، وهو في عيون أخبار الرضاعليه‌السلام ( ج ١؛ ١٧١ - ١٧٥ ) وأمالي الصدوق ( ٥٣٦ - ٥٤٠ ) وإكمال الدين ( ٦٧٥ - ٦٨١ ) والكافي ( ج ١؛ ١٩٨ - ٢٠٣ ).

والموفي بعهدي على سنّتي

أثبت الإمام عليّعليه‌السلام بسيرته العمليّة والعلميّة أنّه وفى بعهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وبقي مستقيما على سنّته، فالتزم بكلّ وصايا الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فلم يرجع كافرا، وصبر على غصب حقّه، ولمّا أخبره النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بشهادتهعليه‌السلام سأله: « أو على سلامة من ديني؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : نعم، » كما سيأتي، وقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، وسار فيهم سيرة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بإجماع المسلمين، وقد مرّ بعض التزاماته بوصايا الرسول وعهده، وسيأتي الكثير منها، ونزيد هنا بعض النصوص المتعلّقة بالمطلب لئلاّ تخلو منها هذه الفقرة من الكلام.

ففي كشف اليقين (٢٨٣) عن معاذ بن جبل، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ أخصمك بالنبوّة ولا نبوّة بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يحاجّك فيهن أحد من قريش: أنت أوّلهم إيمانا بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله، وأقسمهم بالسويّة، وأعدلهم في الرعيّة، وأبصرهم في القضيّة، وأعظمهم عند الله يوم القيامة مزيّة. وهو في مناقب الخوارزمي (٦١) بسنده عن معاذ.

وفي كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن ابن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب يقول:

٤٤٤

كفّوا عن ذكر عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فلقد رأيت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيه خصالا، لئن تكون لي واحدة منهنّ في آل الخطّاب أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو بكر وأبو عبيدة في نفر من أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فانتهيت إلى باب أمّ سلمة وعليّعليه‌السلام قائم على الباب، فقلنا: أردنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقالعليه‌السلام : يخرج إليكم، فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فثرنا إليه، فاتّكأ على عليّ بن أبي طالب، ثمّ ضرب بيده على منكبه، ثمّ قال: إنّك مخاصم تخاصم، أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأعلمهم بأيّام الله، وأوفاهم بعهده، وأقسمهم بالسويّة، وأرأفهم بالرعيّة، وأعظمهم رزيّة، وأنت عاضدي، وغاسلي، ودافني، والمتقدّم إلى كلّ شديدة وكريهة، ولن ترجع بعدي كافرا، وأنت تتقدّمني بلواء الحمد، وتذود عن حوضي.

وفي كنز جامع الفوائد (٥٠) كما نقله عنه في بحار الأنوار ( ج ٢٣؛ ٢٢١ - ٢٢٢ ) عن شيخ الطائفة، بإسناده عن إبراهيم النخعي، عن ابن عبّاس، قال: دخلت على أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فقلت: يا أبا الحسن، أخبرني بما أوصى إليك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ؟ قال: سأخبركم، إنّ الله اصطفى لكم الدين وارتضاه، وأتمّ نعمته عليكم، وكنتم أحقّ بها وأهلها، وإنّ الله أوحى إلى نبيّة أن يوصي إليّ، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عليّ احفظ وصيّتي، وارع ذمامي، وأوف بعهدي، وأنجز عداتي، واقض ديني، وأحي سنّتي، وادع إلى ملّتي، لأنّ الله اصطفاني واختارني، فذكرت دعوة أخي موسى، فقلت: اللهمّ اجعل لي وزيرا من أهلي كما جعلت هارون من موسى، فأوحى الله عزّ وجلّ إليّ: أنّ عليّا وزيرك وناصرك والخليفة من بعدك، يا عليّ، أنت من أئمّة الهدى وأولادك منك ....

وفي اليقين ( ٢٩٨ - ٣٠١ ) عن محمّد بن العبّاس بن مروان، بسنده عن موسى بن جعفر، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام في قوله عزّ وجلّ( ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى ) (١) إلى قوله:( إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ ما يَغْشى ) (٢) : فإنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا أسري به إلى ربّه عزّ وجلّ، قال: وقف بي جبرئيل فناداني

__________________

(١) النجم؛ ٦.

(٢) النجم؛ ١٦.

٤٤٥

ربّي عزّ وجلّ: أسألك عمّا أنا أعلم به منك، من خلّفت في الأرض بعدك؟ قلت: خير أهلها لها، أخي وابن عمّي، وناصر دينك يا ربّ، والغاضب لمحارمك إذا استحلّت، ولنبيّك غضب غضب النمر إذا جدل، عليّ بن أبي طالب، قال: صدقت يا محمّد، إنّي اصطفيتك بالنبوّة، وبعثتك بالرسالة، وامتحنت عليّا بالبلاغ والشهادة إلى أمّتك، وجعلته حجّة في الأرض معك وبعدك، وهو نور أوليائي، ووليّ من أطاعني، وهو الكلمة الّتي ألزمتها المتّقين، يا محمّد، وزوّجته فاطمة، وإنّه وصيّك، ووارثك، ووزيرك، وغاسل عورتك، وناصر دينك، والمقتول على سنّتي وسنّتك، يقتله شقيّ هذه الأمّة، قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ثمّ أمرني ربّي بأمور وأشياء أمرني أن أكتمها، ولم يأذن لي في إخبار أصحابي بها وهو في تفسير البرهان ( ج ٤؛ ٢٥٠ - ٢٥١ ) ونقله المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٣٦؛ ١٦٣ ) عن كنز جامع الفوائد.

وفي أمالي الطوسي ( ٣٥١ - ٣٥٢ ) بسنده عن عبد الرحمن بن أبي ليلى، قال: قال أبي: دفع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الراية يوم خيبر إلى عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام وقال له: أنت الآخذ بسنّتي، والذابّ عن ملّتي ....

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٣٣ ) بالإسناد عن نافع مولى ابن عمر، قال: قلت لابن عمر: من خير الناس بعد رسول الله؟ قال: عليّ، سدّ أبواب المسجد وترك باب عليّ، وقال: لك في هذا المسجد مالي، وعليك فيه ما عليّ، وأنت وارثي، ووصيّي، تقضي ديني، وتنجز عداتي، وتقتل على سنّتي، كذب من زعم أنّه يبغضك ويحبّني. وانظر هذه الرواية مسندة إلى نافع في مناقب ابن المغازلي (٢٦١).

وفي بحار الأنوار ( ج ٢٧؛ ١٠٣ ) عن فضائل ابن شاذان، بالإسناد يرفعه إلى جابر بن عبد الله الأنصاريّ، أنّه قال: كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله جالسا في المسجد، إذ أقبل عليّ والحسن عن يمينه والحسين عن شماله، فقام النبي وقبّل عليّا وألزمه صدره، وقبّل الحسن وأجلسه على فخذه الأيمن، وقبّل الحسين وأجلسه على فخذه الأيسر ثمّ قال: أيّها الناس إنّ الله، باهى بهما وبأبيهما وبأمّهما وبالأبرار من ولدهما الملائكة جميعا، ثمّ قال: اللهمّ إنّي أحبّهم وأحبّ

٤٤٦

من يحبّهم، اللهمّ من أطاعني فيهم وحفظ وصيّتي فارحمه برحمتك يا أرحم الراحمين، فإنّهم أهلي، والقوّامون بديني، والمحيون لسنّتي، والتالون لكتاب ربّي، فطاعتهم طاعتي، ومعصيتهم معصيتي.

فعلي والأئمّة من ولدهعليهم‌السلام كلّهم وفوا لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عهده، ومضوا عليه، وإنّهم المحيون لسنّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد وفوا لرسول الله بعهده وماتوا على سنّته، وذلك واضح من سيرتهم وما أسلفنا وسنأتي به من نصوص، وما ذكرناه يدلّ على ذلك دلالة قطعيّة.

أوّل الناس بي إيمانا

ثبت في كتب المسلمين جميعا أنّ عليّاعليه‌السلام أوّل من أسلم، وعارضته السياسة البكريّة والعمريّة والعثمانيّة والأمويّة بأحاديث مفادها أنّ أبا بكر أوّل من أسلم، فلم يقبلها الكثير من منصفي علماء العامّة طبقا لما هو الحقّ، وأمّا من تلقّاها بالقبول، فاضطرّ أن يقول: إنّ عليّا أوّلهم من الصبيان، وأبا بكر أوّلهم من الرجال، وخديجة أمّ المؤمنين أوّلهم من النساء، وعلى كلّ حال، فلم يستطع منكر أن ينكر أنّ عليّا أوّل من أسلم، وفوق ذلك ثبوت أنّه أوّل من آمن بالله ورسوله، وقد نصّت على ذلك روايات الفريقين، فيكون أوّل من أسلم من باب الأولى.

قال ابن حجر في الصواعق المحرقة (٧٢): قال ابن عبّاس وأنس وزيد بن أرقم وسلمان الفارسي، وجماعة: أنّه أوّل من أسلم، ونقل بعضهم الإجماع عليه.

ففي أمالي الطوسي (١٤٨) بسنده عن أبي ذرّ الغفاريّ، قال: إنّي سمعته وهو يقول: عليّ أوّل من آمن بي.

وفيه أيضا (٢١٠) بسنده عن أبي ذرّ وسلمان، قالا: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فقال: هذا أوّل من آمن بي. وهو في روضة الواعظين ( ج ١؛ ١١٥ ).

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٦ ) عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قال: يا عليّ أنت أوّل المسلمين إسلاما، وأوّل المؤمنين إيمانا.

٤٤٧

وفي أمالي الصدوق (٢٨) بسنده عن جابر بن عبد الله في حديث طويل، قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : وهو [ عليّ ] أوّل من آمن وصدّقني.

وفي بشارة المصطفى ( ١٠٣، ١٠٨ ) بسنده عن أبي ذرّ الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: عليّ أوّل من آمن بي.

وفي نهج البلاغة ( ج ١؛ ١٠٥ - ١٠٦ ) من كلام للإمام عليّعليه‌السلام ، قال فيه: ألا وإنّه سيأمركم [ أي معاوية ] بسبّي والبراءة منّي، فأمّا السبّ فسبّوني؛ فإنّه لي زكاة ولكم نجاة، وأمّا البراءة فلا تتبرّءوا منّي؛ فإنّي ولدت على الفطرة، وسبقت إلى الإيمان والهجرة.

وفي كتاب سليم بن قيس (١٩٨) من كلام لقيس بن سعد مع معاوية، قال فيه: إنّ الله بعث محمّدا رحمة للعالمين، فبعثه إلى الناس كافّة فكان أوّل من صدّقه وآمن به ابن عمّه عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ...

وفي أمالي الطوسي (١٥٦) بسنده عن العبّاس بن عبد المطّلب، قال: إنّ عليّا أوّل من آمن بالله.

وفي مناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٥٥ ) قال: قال ابن عبّاس: إنّما سمّي أمير المؤمنين لأنّه أوّل الناس إيمانا.

وفي خصائص النسائي (٤٦) بسنده عن عمرو بن عبّاد بن عبد الله، قال: قال عليّعليه‌السلام : أنا عبد الله وأخو رسوله، وأنا الصدّيق الأكبر، لا يقولها بعدي إلاّ كاذب، آمنت قبل الناس سبع سنين. وروى قريبا منه في ( ص؛ ٤٧ ) بسنده عن عبد الله بن أبي الهذيل. وروى قريبا منه سبط ابن الجوزيّ في تذكرة الخواص (١٠٨) عن مسند أحمد بسنده عن حبّة العرني، عن عليّعليه‌السلام .

وفي أنساب الأشراف ( ج ٢؛ ١٤٦ ) بسنده عن معاذة العدويّة، قالت: سمعت عليّا على منبر البصرة يقول: أنا الصّديق الأكبر، آمنت بالله قبل أن يؤمن أبو بكر. وهو في الإرشاد للمفيد (٢١) بزيادة « وأسلمت قبل أن يسلم ».

وفي الإصابة ( ج ٤؛ ١٧١ ) بسنده عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٤٤٨

يقول: سيكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من آمن بي، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وفي مناقب الخوارزمي (١٩) بسنده إلى هارون الرشيد، عن جدّه، عن عبد الله بن عبّاس، قال: سمعت عمر بن الخطّاب وعنده جماعة، فتذاكروا السابقين إلى الإسلام، فقال عمر: أمّا عليّعليه‌السلام فسمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: فيه ثلاث خصال، لوددت أنّ لي واحدة منهنّ، فكان أحبّ إليّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه، إذ ضرب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يده على منكب عليّ، فقال: يا عليّ أنت أوّل المؤمنين إيمانا، وأوّل المسلمين إسلاما، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى. وأخرج نحوه المتّقي الهنديّ في كنز العمّال ( ج ٦؛ ٣٩٣ ) بسنده عن ابن عبّاس.

وانظر كشف الغمّة ( ج ١؛ ٧٩ - ٨٠ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٥، ٧٥ ) وأمالي الصدوق (١٧٢) وبشارة المصطفى ( ٩١، ١٢٢، ١٢٥ ) والخصال (٥٧٢) وكشف اليقين (٢٨٣) وكتاب سليم بن قيس ( ١٨٥ - ١٨٦ ) ونظم درر السمطين (٨٢) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٢٢٣ ) وتاريخ دمشق ( ج ١؛ ٥٣ / الحديث ٩٠ و ٦٣ / الحديث ٩٨ و ١١٧ / الحديث ١٦٠ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٥ ) ومنتخب كنز العمال بهامش مسند أحمد ( ج ٥؛ ٣٣ - ٣٤ ) والمعارف (١٦٩) ووسيلة المآل (٢١١) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٣ ) وأسنى المطالب (٢٠) وأسد الغابة ( ج ٤؛ ١٩ ) والرياض النضرة ( ج ٢؛ ١٥٧ ) ومناقب ابن المغازلي (١٩٤) ومناقب الخوارزمي (٦١) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٥٦ - ٦٢ ).

وانظر تخريجاته أيضا في كتاب فضائل الخمسة ( ج ١؛ ٢٢٦ - ٢٣٠ ) وقادتنا ( ج ١؛ ٦٥ - ٧٧ )

وآخرهم عهدا عند الموت

في الإرشاد ( ٢٣ - ٢٤ ) بسنده عن أبي هارون، قال: أتيت أبا سعيد الخدريّ، فقلت له: هل شهدت بدرا؟ قال: نعم، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول لفاطمةعليها‌السلام وقد جاءته ذات

٤٤٩

يوم تبكي، وتقول: يا رسول الله عيّرتني نساء قريش بفقر عليّعليه‌السلام ، فقال لها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : أما ترضين يا فاطمة أنّي زوّجتك أقدمهم سلما وأكثرهم علما يا فاطمة، إنّ لعليّ ثمانية أضراس قواطع، لم يجعل لأحد من الأوّلين والآخرين مثلها: هو أخي في الدنيا والآخرة، وليس ذلك لأحد من الناس وهو أوّل من آمن بي، وآخر الناس عهدا بي، وهو وصيّي ووارث الوصيّين. وروى الطبرسي مثله في إعلام الورى (١٦٣).

وفي كشف الغمّة ( ج ١؛ ٨٠ ) قال: ونقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد، عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت امرأة أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أداوي الجرحى، فلمّا كان يوم الجمل أقبلت مع عليّعليه‌السلام ، فلمّا فرغ دخلت على زينب عشيّة، فقلت: حدّثيني، هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الرجل شيئا؟ قالت: نعم، دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال رسول الله: إنّ هذا أوّل الناس إيمانا، وأوّل الناس لقاء لي يوم القيامة، وآخر الناس بي عهدا عند الموت.

وفي أمالي الطوسيّ ( ٤٦٣ - ٤٧٢ ) بأسانيده عن أبي رافع وعمّار وهند بن أبي هالة، في حديث طويل قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في آخره: يا عليّ، أنت أوّل هذه الأمّة إيمانا بالله ورسوله، وأوّلهم هجرة إلى الله ورسوله، وآخرهم عهدا برسوله، لا يحبّك - والّذي نفسي بيده - إلاّ مؤمن قد امتحن الله قلبه للإيمان، ولا يبغضك إلاّ منافق أو كافر.

وفي الاحتجاج (١٨٤) من كتاب لمحمّد بن أبي بكر يحتجّ فيه على معاوية، قال فيه: فكيف - لك الويل - تعدل عن عليّعليه‌السلام ؟! وهو وارث علم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ووصيّه، وأوّل الناس له اتّباعا، وآخرهم به عهدا ...

والروايات في ذلك من طرق الإماميّة كثيرة، أغنانا عن سردها والإطالة فيها ما سيأتي من تغسيل عليّ وتكفينه ودفنه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فهو آخر الناس به عهدا، وروى ابن سعد في طبقاته ( ج ٢؛ ٣٠٣ ) أنّ المغيرة بن شعبة ألقى في قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - بعد أن خرجوا - خاتمه لينزل فيه، فقال عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام : إنّما ألقيت خاتمك لكي تنزل فيه، فيقال: نزل في قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والّذي نفسي بيده لا تنزل فيه أبدا، ومنعه.

٤٥٠

وقال عليّعليه‌السلام في ندبته الشجيّة الرائعة الّتي وجّهها إلى قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد دفنه للزهراءعليها‌السلام ، قائلا: السلام عليك يا رسول الله عنّي، والسلام عليك عن ابنتك وزائرتك، والبائتة في الثرى ببقعتك، والمختار لها سرعة اللّحاق بك، قلّ يا رسول الله عن صفيّتك صبري، وعفا عن سيّدة نساء العالمين تجلّدي، إلاّ أنّ لي في التأسّي بسنّتك في فرقتك موضع تعزّ، فلقد وسّدتك في ملحودة قبرك، وفاضت نفسك بين نحري وصدري ...

انظر هذه الندبة في الكافي ( ج ١؛ ٤٥٨ - ٤٥٩ ) وأمالي المفيد ( ٢٨١ - ٢٨٣ ) وأمالي الطوسي ( ١٠٩ - ١١٠ ) ودلائل الإمامة ( ٤٧ - ٤٨ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٣؛ ٣٦٤ ) وبشارة المصطفى (٢٥٩) وتذكرة الخواص (٣١٩).

وقالت أمّ سلمة -رضي‌الله‌عنها - كما في مناقب ابن شهرآشوب ( ج ١؛ ٢٣٦ ) عن مسند أبي يعلى، وفضائل أحمد، عن أمّ سلمة في خبر: والّذي تحلف به أمّ سلمة، إنّه كان آخر الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّعليه‌السلام ، وكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعثه في حاجة غداة قبض، فكان يقول: جاء عليّ؟ ثلاث مرّات، قالت: فجاء قبل طلوع الشمس، فخرجنا من البيت لما عرفنا أنّ له إليه حاجة، فأكبّ عليه عليّعليه‌السلام ، فكان آخر الناس به عهدا، وجعل يسارّه ويناجيه. وقد مرّ هذا الخبر في صدر الطّرفة التاسعة عشر فراجعه. وفي بعض المصادر روي الحديث بلفظ « أقرب الناس عهدا ». فهو الأقرب بالنسبة إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، والآخر بالنسبة لسائر المسلمين؛ باعتبار بقاء عليّعليه‌السلام آخرهم مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في تغسيله وتكفينه ودفنه.

وقد نقلت المصادر التاريخيّة والمناقبيّة والمجاميع الحديثيّة شعر العبّاس بن عبد المطلب بعد بيعة السقيفة، وفيه يقول:

ما كنت أحسب أنّ الأمر منصرف

عن هاشم ثمّ منها عن أبي حسن

أليس أوّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم الناس بالقرآن والسنن

وأقرب الناس عهدا بالنبي ومن

جبريل عون له في الغسل والكفن

وروي الشعر أيضا بلفظ « وآخر الناس عهدا ». انظر الشعر في كتاب سليم بن قيس (٧٨) ومناقب الخوارزمي (٨) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٦٧ ). وهو في الإرشاد (٢٢) منسوب

٤٥١

لخزيمة بن ثابت الأنصاريّ، وفي تاريخ اليعقوبي ( ج ٢؛ ١٢٤ ) منسوب لعتبة بن أبي لهب.

وفي الخصائص للنسائي (١٣٠) بسنده عن المغيرة، عن أمّ المؤمنين أمّ سلمة: إنّ أقرب الناس عهدا برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عليّعليه‌السلام . ورواه الحاكم في المستدرك ( ج ٣؛ ١٣٨ ).

وروى الذهبي في ميزان الاعتدال ( ج ٤؛ ٢١٧ / الحديث ٨٩١٠ ) بسنده عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في مغازيه أداوي الجرحى، وأقوم على المرضى، فلمّا خرج عليّعليه‌السلام إلى البصرة خرجت معه، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني الشكّ، فأتيتها، فقلت: هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة في عليّعليه‌السلام ؟ قالت: نعم، دخل عليّعليه‌السلام على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو على فراشي، وعليه جرد قطيفة، فجلس عليّ بيننا، فقلت له: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة! دعي أخي، فإنّه أوّل الناس إسلاما، وآخر الناس بي عهدا عند الموت، وأوّل الناس لي لقيا يوم القيامة. ورواه ابن حجر في لسان الميزان ( ج ٦؛ ١٢٧ ) بتفاوت.

وانظر مسند أحمد ( ج ٦؛ ٣٠٠ ) وكفاية الطالب (٢٦٣) وتاريخ دمشق ( ج ٣؛ ١٥ / الحديث ١٠٢٧ ) و ( ١٧ / الحديث ١٠٣١ ) ومناقب الخوارزمي (٢٩) ووسيلة المآل (٢٣٩) وتذكرة الخواص (٤٢) والإصابة ( ج ٤؛ ٤٠٣ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٨٠ ) وغيرها من المصادر. وانظر كتاب قادتنا ( ج ٤؛ ٧٣ - ٧٦ ).

وأوّلهم لي لقاء يوم القيامة

في كشف الغمّة ( ج ١؛ ٨٠ ) قال الأربليرحمه‌الله : ونقلت من كتاب اليواقيت لأبي عمر الزاهد، عن ليلى الغفاريّة، قالت: كنت امرأة أخرج مع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أداوي الجرحى، فلمّا كان يوم الجمل أقبلت مع عليّعليه‌السلام ، فلمّا دخلت على زينب عشية، فقلت: حدّثيني هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في هذا الرجل شيئا؟ قالت: نعم، دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو وعائشة على فراش وعليها قطيفة، قالت: فأقعى عليّعليه‌السلام كجلسة الأعرابي، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ هذا أوّل الناس إيمانا، وأوّل الناس لقاء لي يوم القيامة، وآخر الناس بي

٤٥٢

عهدا عند الموت.

وفي بشارة المصطفى (١٥٢) بسنده عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: سيكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه أوّل من يراني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصديق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة؛ يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وفي أسد الغابة ( ج ٥؛ ٢٨٧ ) مسندا عن أبي ليلى الغفاريّ، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: ستكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، فإنّه أوّل من يراني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة؛ يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين. وهو في الإصابة ( ج ٤؛ ١٧١ ) بزيادة « والمال يعسوب المنافقين ». وذكره ابن عبد البرّ في الاستيعاب المطبوع بهامش الاصابة ( ج ٤؛ ١٧٠ ). وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١٠٢ ) فقال: وعن أبي ذرّ وسلمان، قالا: أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله بيد عليّعليه‌السلام فقال: إنّ هذا أوّل من آمن بي، وهذا أوّل من يصافحني يوم القيامة، وساق الحديث كما تقدّم عن أبي ليلى، قال: « ورواه الطبراني والبزّار ».

وفي الإصابة ( ج ٤؛ ٤٠٢ ) قال: وأخرج ابن منده، من رواية عليّ بن هاشم بن البريد، حدّثني أبي، حدّثنا موسى بن القاسم، حدّثتني ليلى الغفاريّة، قالت: كنت أغزو مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله فأداوي الجرحى وأقوم على المرضى، فلمّا خرج عليّعليه‌السلام إلى البصرة خرجت معه، فلمّا رأيت عائشة أتيتها فقلت: هل سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فضيلة في عليّعليه‌السلام ؟ قالت: نعم، دخل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو معي، وعليه جرد قطيفة، فجلس بيننا، فقلت: أما وجدت مكانا هو أوسع لك من هذا؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا عائشة! دعي لي أخي، فإنّه أوّل الناس إسلاما، وآخر الناس بي عهدا، وأوّل الناس لي لقيا يوم القيامة.

وأوّليّة عليّعليه‌السلام في ملاقاته لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ومصافحته، مثبتة في كتب الفريقين، وقد مرّ بعضها، وإليك بعضا من الروايات الذاكرة بأنّهعليه‌السلام أوّل من يصافح النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم القيامة، وهو معنى آخر لكونه أوّل من يلاقيه.

٤٥٣

ففي أمالي الطوسي ( ١٤٧ - ١٤٨ ) بسنده عن أبي سخيلة، قال: حججت أنا وسلمان الفارسي، فمررنا بالربذة، وجلسنا إلى أبي ذرّ الغفاريّ، فقال لنا: إنّه ستكون بعدي فتنة، ولا بدّ منها، فعليكم بكتاب الله والشيخ عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام فالزموهما، فأشهد على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إنّي سمعته وهو يقول: عليّ أوّل من آمن بي، وأوّل من صدّقني، وأوّل من يصافحني يوم القيامة، وهو الصدّيق الأكبر، وهو فاروق هذه الأمّة، يفرق بين الحقّ والباطل، وهو يعسوب المؤمنين، والمال يعسوب المنافقين.

وانظر أوّليّته في المصافحة في أمالي الطوسي أيضا (٢٥٠) ومعاني الأخبار ( ٤٠١ - ٤٠٢ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ٦ ) واليقين (٥١٢) عن كتاب فضائل أمير المؤمنين لعثمان بن أحمد المعروف بابن السمّاك و (٥١١) عن كتاب سنة الأربعين لفضل الله الراونديّ، و ٥٠٩ عن كفاية الطالب (١٨٧) بسنده عن ابن عبّاس، والإرشاد ( ٢١ - ٢٢ ) وتاريخ بغداد ( ج ٩؛ ٤٥٣ ) وروضة الواعظين (١١٥) وأمالي الصدوق (١٧٢).

والأحاديث في ذلك كثيرة جدّا في كتب الفريقين يضاف إليها قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : أنت أوّل من تنشقّ عنه الأرض معي، كما في بحار الأنوار ( ٣٩: ٢١١ ).

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنت أوّل من ينشق عنه القبر معي. بحار الأنوار ( ج ٤٠؛ ٢٥، ٣٧ ) و ( ج ٧٧؛ ٦٠ ).

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : أنا أوّل من يخرج من قبره وعليّ معي. بحار الأنوار ( ج ٣٩؛ ٢٣٠ ).

إلى غير ذلك من الأحاديث الكثيرة في أنّه أوّل من يلقاه، وأوّل من يصافحه، وأوّل من ينشقّ عنه التراب والقبر مع رسول الله، وانظر فضائل الخمسة ( ج ٣؛ ١١١ - ١١٣ ) تحت عنوان « إنّ عليّا أوّل من تنشقّ عنه الأرض، وأوّل من يرى النبي، وأوّل من يصافحه ».

ألا ومن أمّ قوما إمامة عمياء - وفي الأمّة من هو أعلم منه - فقد كفر

هذا المطلب يحكم به العقل قبل النقل، لأنّ ترك الأعلم، والتصدّي للإمامة وأمورها بلا هدى ولا برهان ولا دليل من الله ورسوله، ما هو إلاّ الكفر والضلال، ومع ذلك، فقد

٤٥٤

وردت روايات صريحة في هذا المطلب.

ففي تفسير العياشي ( ج ٢؛ ٩٠ - ٩١ ) عن عبد الملك بن عتبة الهاشمي، عن أبي عبد الله، عن أبيهعليهما‌السلام قال: قال: من ضرب الناس بسيفه، ودعاهم إلى نفسه وفي المسلمين من هو أعلم منه، فهو ضالّ متكلّف.

وفي الغيبة للنعماني: ١١٥ بسنده عن الفضيل بن يسار، قال: سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول: من خرج يدعو الناس، وفيهم من هو أعلم منه، فهو ضالّ مبتدع، ومن ادّعى الإمامة من الله، وليس بإمام، فهو كافر.

وفي فقه الرضاعليه‌السلام (٥٢) قال: وأروي « من دعا الناس إلى نفسه، وفيهم من هو أعلم منه، فهو مبتدع ضالّ ».

وفي أمالي الطوسي (٥٦٠) بسنده عن أبي عمر زاذان في حديث ذكر فيه خطبة الإمام الحسنعليه‌السلام بعد صلحه مع معاوية، قال فيها: وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما ولّت أمّة أمرها رجلا، وفيهم من هو أعلم منه، إلاّ لم يزل أمرهم يذهب سفالا حتّى يرجعوا إلى ما تركوا. ونقله المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٧٢؛ ١٥٥ ) عن كتاب البرهان، بسنده عن عليّ ابن الحسينعليهما‌السلام في خبر طويل، أنّه قال: قال الحسن بن عليّعليهما‌السلام ورواه مثله. ورواه في المسترشد (٦٠٠) بسنده عن الباقرعليه‌السلام ، وهو في المسترشد أيضا (٦٠١) بسند آخر.

ويدلّ عليه ما في التحصين (٥٦٩) عن كتاب « نور الهدى » بسنده عن ابن عبّاس، في حديث قال فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لعليّعليه‌السلام : فأنت يا عليّ أمير من في السماء، وأمير من في الأرض، ولا يتقدّمك بعدي إلاّ كافر، ولا يتخلّف عنك بعدي إلاّ كافر، وإنّ أهل السماوات يسمّونك أمير المؤمنين. ونقله ابن طاوس في كتاب اليقين ( ٢٤١ - ٢٤٢ ) عن « المائة حديث » بنفس السند عن ابن عبّاس.

وفي كتاب التهاب نيران الأحزان (١٦) قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في عليّعليه‌السلام : ملعون ملعون من قدّم أو تقدّم عليه.

وانظر ما تقدّم في الطّرفة السادسة عند قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اعلموا أنّي لا أقدّم على عليّ أحدا،

٤٥٥

فمن تقدّمه فهو ظالم »، وقوله في الطّرفة الحادية عشر: « إنّ عليّا هو العلم، فمن قصر دون العلم فقد ضلّ، ومن تقدّمه تقدّم إلى النار ».

من كانت له عندي عدة فليأت فيها عليّ بن أبي طالب؛ فإنّه ضامن لذلك كلّه، حتّى لا يبقى لأحد عليّ تباعة

انظر ما تقدّم من تخريجات الطّرفة السابعة، حيث أعطى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله تراثه لعليّعليه‌السلام على أن يقضي دين النبي وينجز عداته.

ونزيد هنا بعض ما يتعلق بإنجار عليّعليه‌السلام عدات رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

ففي كتاب سليم بن قيس ( ١٢١ - ١٢٢ ) قول عليّعليه‌السلام : ألا ترى يا طلحة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لي وأنتم تسمعون: يا أخي إنّه لا يقضي ديني ولا يبرئ ذمّتي غيرك، أنت تبرئ ذمّتي وتقاتل على سنّتي.

وفي الخرائج والجرائح (١٦٩) عن أبي حمزة الثمالي، عن السجاد، عن أبيهعليه‌السلام : كان عليّعليه‌السلام ينادي: من كان له عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عدة أو دين فليأتني، فكان كلّ من أتاه يطلب دينا أو عدة يرفع مصلاّه فيجد كذلك تحته، فيدفع إليه.

وفي نظم درر السمطين (٩٨) عن الاعمش، عن المنهال، عن عباية، عن عليّعليه‌السلام قال: قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ يقضي ديني، وينجز موعدي، وخير من أخلف بعدي من أهلي.

وفي مناقب الخوارزمي (٢٧) بإسناده عن أنس، عن سلمان الفارسي، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : عليّ بن أبي طالب ينجز عداتي، ويقضي ديني.

هذا، وقد روى ابن سعد في طبقاته ( ج ٢؛ ٣١٩ ) بسنده عن عبد الواحد بن أبي عون: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لمّا توفّي أمر عليّ صائحا يصيح: من كان له عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عدة أو دين فليأتني، فكان يبعث كلّ عام عند العقبة يوم النحر من يصيح بذلك، حتّى توفّي عليّعليه‌السلام ، ثمّ كان الحسن بن عليّعليهما‌السلام يفعل ذلك حتّى توفّي، ثمّ كان الحسينعليه‌السلام يفعل ذلك، وانقطع ذلك بعده، رضوان الله عليهم وسلامه. قال ابن أبي عون: فلا يأتي أحد من خلق الله إلى عليّ بحقّ

٤٥٦

ولا باطل إلاّ أعطاه.

وفي الخصال (٥٥١) في احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أبي بكر بثلاث وأربعين خصلة، رواه بسنده عن أبي سعيد الورّاق، عن أبيه، عن الصادق، عن أبيه، عن جدّهعليهم‌السلام ، قال: فأنشدك بالله أنا ضمنت دين رسول الله، وناديت في الموسم بإنجاز موعده أم أنت؟! قال: بل أنت.

قال محقق الخصال: وقد أخرجه في كنز العمال ( ج ٦؛ ٣٩٦ ) وقال أخرجه أحمد وابن جرير وصحّحه.

وانظر إثبات الوصيّة (٩٩) وأمالي المفيد ( ٦١، ١٧٤ ) ومناقب ابن شهرآشوب ( ج ٢؛ ١٣٢ ) و ( ج ٣؛ ٢١٤ ) والمسترشد ( ٢١٥، ٢٦٢، ٣٤٤، ٦٣٤ ) وكشف اليقين ( ٢٥٥ - ٢٥٦ ) ودلائل الإمامة (١٠٦) وأمالي الصدوق (٢٥٢) وأمالي الطوسي ( ٥٤٥، ٥٥٠ ) وكفاية الأثر ( ٢٠، ٧٥ - ٧٦، ١٢١، ١٣٥ ) وكشف الغمّة ( ج ١؛ ٣٣٣ ) وشرح الأخبار ( ج ١؛ ١١٣ - ١١٥ ) وتفسير فرات ( ١٥٤، ٥٤٥ ) وتفسير الإمام العسكريّ (١٧٨) والتهاب نيران الاحزان (٤٠) واليقين ( ١٣٧، ٢٢٧ ) وبشارة المصطفى ( ٥٤، ٥٨، ٥٩ ) والخصال ( ٥٥١، ٥٧٢ - ٥٨٠ ) وتفسير القمّي ( ج ٢؛ ١٠٩ ) والتحصين (٦٠٧) ومناقب الخوارزمي (٢١٠) وفرائد السمطين ( ج ١؛ ٥٠ ) وطبقات ابن سعد ( ج ٢؛ ٣١٩ ) وكنز العمال ( ج ٦؛ ١٥٥ ) ومجمع الزوائد ( ج ٩؛ ١١٣، ١٢١ ) وفيض القدير للمناويّ ( ج ٤؛ ٣٥٩ ) وكنز الحقائق (٩٢) ومناقب ابن المغازلي ( ٢٣٨، ٢٦١ ) وينابيع المودّة ( ج ١؛ ٧٩ ) وتذكرة الخواص (٨٦).

٤٥٧

٤٥٨

الطّرفة الحادية والعشرون

روى هذه الطّرفة - عن كتاب الطّرفة - العلاّمة المجلسي في بحار الأنوار ( ج ٢٢؛ ٤٨٧ - ٤٨٨ ) والعلاّمة البياضي في الصراط المستقيم ( ج ٢؛ ٨٨ - ٨٩ ) بأدنى تفاوت.

مضمون هذه الطّرفة، وما مرّ في الطّرفة السابقة من قوله « لا ترجعنّ بعدي كفّارا » واحد؛ لأنّ نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الصحابة عن رجوعهم كفّارا فيه معنى الإخبار بوقوع ذلك المنهي عنه هنا، وذلك كثير في لسان العرب وكلامهم، مثل قول الشاعر:

لا ألفينّك بعد الموت تندبني

وفي حياتي ما زوّدتني زادي(١)

فصورته النهي، ومعناه الإخبار، أي إنّني سألفينك بعد الموت تندبني.

ومثل هذا ما ورد في نهي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله عائشة عن الخروج في قوله: « ليت شعري أيّتكنّ صاحبة الجمل الأدبب، تنبحها كلاب الحوأب، إيّاك أن تكونيها يا عائشة » فهذا النهي فيه معنى الإخبار بخروجها على إمام زمانها، ومقاتلتها إيّاه.

ويدلّ على هذا المراد حديث الحوض وارتداد الصحابة كما سيأتي، ويدلّ عليه الخلاف والتخاصم والقتال الّذي حدث بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وتذييل الحديث بقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لئن فعلتم لتجدنّي في كتيبة أضرب وجوهكم »، وأوضحها دلالة ما في تفسير القمّي ( ج ١؛ ١٧٢ ) بسنده عن الصادقعليه‌السلام ، حيث روى خطبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله في منى في حجّة الوداع، وفيها

__________________

(١) مروج الذهب ٣؛ ٢٥.

٤٥٩