الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172999 / تحميل: 9109
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

وعن الباقرعليه‌السلام : سرقوا أكرم آية في كتاب الله، بسم الله الرحمن الرحيم، وينبغي الإتيان به عند افتتاح كلّ أمر عظيم أو صغير ليبارك فيه.

اقول: والروايات عن أئمّة أهل البيت في هذا المعنى كثيره، وهي جميعاً تدلّ على أنّ البسملة جزء من كلّ سورة إلّا سورة البرائة، وفي روايات أهل السنّة والجماعة ما يدلّ على ذلك.

ففي صحيح مسلم عن أنس قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : انزل عليّ آنفا سورة فقرا: بسم الله الرحمن الرحيم.

وعن أبي داود عن ابن عبّاس (وقد صحّحوا سندها) قال: انّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان لا يعرف فصل السورة، (وفي رواية انقضاء السورة) حتّى ينزل عليه، بسم الله الرحمن الرّحيم.

اقول: وروي هذا المعنى من طرق الخاصّة عن الباقرعليه‌السلام وفي الكافي والتوحيد والمعاني وتفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام في حديث: والله إله كلّ شئ، الرحمن بجميع خلقه، الرحيم بالمؤمنين خاصّة.

وروي عن الصادقعليه‌السلام : الرّحمن اسم خاصّ بصفة عامّة والرحيم اسم عامٌ بصفة خاصّة.

اقول: قد ظهر ممّا مرّ وجه عموم الرحمن للمؤمن والكافر واختصاص الرحيم بالمؤمن، وأمّا كون الرحمن اسماً خاصّاً بصفة عامّة والرحيم اسماً عامّاً بصفة خاصّة فكأنّه يريد به أنّ الرحمن خاصّ بالدنيا ويعمّ الكافر والمؤمن والرّحيم عامّ للدنيا والآخرة ويخصّ المؤمنين، وبعبارة اُخرى: الرحمن يختصّ بالافاضة التكوينيّة الّتي يعمّ المؤمن والكافر، والرحيم يعمّ التكوين والتشريع الّذي بابه باب الهداية والسعادة، ويختصّ بالمؤمنين لأنّ الثبات والبقاء يختصّ بالنعم الّتي تفاض عليهم والعاقبة للتقوي.

وفي كشف الغمّة عن الصادقعليه‌السلام قال: فُقِد لأبيعليه‌السلام بغلة فقال لئن ردّها الله عليّ لأحمدنّه بمحامد يرضيها فما لبث أن أتى بها بسرجها ولجامها - فلمّا استوى وضمّ إليه ثيابه رفع رأسه إلى السماء وقال الحمد لله ولم يزد، ثمّ قال ما تركت ولا أبقيت

٢١

شيئا جعلت أنواع المحامد لله عزّوجلّ، فما من حمد إلّا وهو داخل فيها.

قلت: وفي العيون عن عليّعليه‌السلام : أنّه سئل عن تفسيرها فقال: هو أنّ الله عرّف عباده بعض نعمه عليهم جملاً إذ لا يقدرون على معرفة جميعها بالتفصيل لأنّها أكثر من أن تحصى أو تعرف، فقال: قولوا الحمد لله على ما أنعم به علينا.

اقول: يشيرعليه‌السلام إلى ما مرّ من أنّ الحمد، من العبد وإنّما ذكره الله بالنيابة تأديباً وتعليماً.

( بحث فلسفي)

البراهين العقليّة ناهضة على أنّ استقلال المعلول وكلّ شأن من شئونه إنّما هو بالعلّة، وأنّ كلّ ما له من كمال فهو من أظلال وجود علّته، فلو كان للحسن والجمال حقيقة في الوجود فكماله واستقلاله للواجب تعالى لأنّه العلّة الّتي ينتهي إليه جميع العلل، والثناء والحمد هو إظهار موجود مّا بوجوده كمال موجود آخر وهو لا محالة علّته، وإذا كان كلّ كمال ينتهي إليه تعالى فحقيقة كلّ ثناء وحمد تعود وتنتهى إليه تعالى، فالحمد لله ربّ العالمين.

قوله تعالى: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين الآية، العبد هو المملوك من الانسان أو من كلّ ذي شعور بتجريد المعنى كما يعطيه قوله تعالى:( إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا ) مريم - ٩٣. والعبادة مأخوذة منه وربّما تفرّقت اشتقاقاتها أو المعاني المستعملة هي فيها لاختلاف الموارد، وما ذكره الجوهريّ في الصحاح أنّ أصل العبوديّة الخضوع فهو من باب الأخذ بلازم المعنى وإلّا فالخضوع متعدّ باللام والعبادة متعديّة بنفسها.

وبالجملة فكأنّ العبادة هي نصب العبد نفسه في مقام المملوكيّة لربّه ولذلك كانت العبادة منافية للاستكبار وغير منافية للاشتراك فمن الجائزأن يشترك أزيد من الواحد في ملك رقبة أو في عبادة عبد، قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر - ٦٠ وقال تعالى:( وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا )

٢٢

الكهف - ١١٠ .فعدّ الإشراك ممكنا ولذلك نهى عنه، والنهى لا يمكن إلّا عن ممكن مقدور بخلاف الاستكبار عن العبادة فإنّه لا يجامعها.

والعبوديّة إنّما يستقيم بين العبيد ومواليهم فيما يملكه الموالي منهم، وامّا ما لا يتعلّق به الملك من شئون وجود العبد ككونه ابن فلان أو ذا طول في قامته فلا يتعلّق به عبادة ولا عبوديّة، لكن الله سبحانه في ملكه لعباده على خلاف هذا النعت فلا ملكه يشوبه ملك ممّن سواه ولا أنّ العبد يتبعّض في نسبته إليه تعالى فيكون شئ منه مملوكاً وشئٌ ، آخر غير مملوك، ولا تصرّفٌ من التصرّفات فيه جائز وتصرّف آخر غير جائز كما أنّ العبيد فيما بيننا شئٌ منهم مملوك وهو أفعالهم الاختيارية وشئٌ غير مملوك وهو الاوصاف الاضطراريّة، وبعض التصرّفات فيهم جائزٌ كالاستفادة من فعلهم وبعضها غير جائز كقتلهم من غير جرم مثلاً، فهو تعالى مالك على الاطلاق من غير شرط ولا قيد وغيره مملوك على الإطلاق من غير شرط ولا قيد فهناك حصر من جهتين، الربّ مقصور في المالكيّة، والعبد مقصور في العبوديّة، وهذه هي الّتي يدلّ عليه قوله: إيّاك نعبد حيث قدّم المفعول وأطلقت العبادة.

ثمّ إنّ الملك حيث كان مقتوم الوجود بمالكه كما عرفت ممّا مرّ، فلا يكون حاجباً عن مالكه ولا يحجب عنه، فإنّك إذا نظرت إلى دار زيد فإن نظرت إليها من جهة أنّها دار أمكنك أن تغفل عن زيد، وإن نظرت إليها بما أنّها ملك زيد لم يمكنك الغفلة عن مالكها وهو زيد.

ولكنّك عرفت أنّ ما سواه تعالى ليس له إلّا المملوكيّة فقط وهذه حقيقتة فشئٌ منه في الحقيقة لا يحجب عنه تعالى، ولا النظر إليه يجامع الغفلة عنه تعالى، فله تعالى الحضور المطلق، قال سبحانه:( أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ أَلَا إِنَّهُمْ فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَاءِ رَبِّهِمْ أَلَا إِنَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ مُّحِيطٌ ) فصلت ٥٣ - ٥٤ وإذا كان كذلك فحقّ عبادته تعالى أن يكون عن حضور من الجانبين.

امّا من جانب الربّ عزّوجلّ، فان يعبد عبادة معبودٍ حاضر وهو الموجب للالتفات (المأخوذ في قوله تعالى إيّاك نعبد) عن الغيبة إلى الحضور.

٢٣

وأمّا من جانب العبد، فأن يكون عبادته عبادةً عبد حاضر من غير أن يغيب في عبادته فيكون عبادته صورة فقط من غير معنى وجسداً من غير روح، أو يتبعّض فيشتغل بربّه وبغيره، امّا ظاهراً وباطناً كالوثنيّين(١) في عبادتهم لله ولاصنامهم معاً، أو باطناً فقط كمن يشتغل في عبادته بغيره تعالى بنحو الغايات والأغراض، كأن يعبدالله وهمّه في غيره، أو يعبدالله طمعاً في جنّة أو خوفاً من نار فإنّ ذلك كلّه من الشرك في العبادة الّذي ورد عنه النهي، قال تعالى:( فَاعْبُدِ اللهَ مُخْلِصًا لَّهُ الدِّينَ ) الزمر - ٢، وقال تعالى:( أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ ) ( وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللهِ زُلْفَىٰ إِنَّ اللهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) الزمر - ٣.

فالعبادة إنّما تكون عبادة حقيقة، إذا كان على خلوص من العبد وهو الحضور الّذي ذكرناه، وقد ظهر أنّه إنّما يتمّ إذا لم يشتغل بغيره تعالى في عمله فيكون قد أعطاه الشركة مع الله سبحانه في عبادته ولم يتعلّق قلبه في عبادته رجائاً أو خوفاً هو الغاية في عبادته كجنّة أو نار فيكون عبادته له لا لوجه الله، ولم يشتغل بنفسه فيكون منافياً لمقام العبوديّة الّتي لا تلائم الإنيّة والاستكبار، وكأنّ الإتيان بلفظ المتكلّم مع الغير للايماء إلى هذه النكتة فانّ فيه هضماً للنفس بالغاء تعيّنها وشخوصها وحدها المستلزم لنحو من الإنيّة والاستقلال بخلاف إدخالها في الجماعة وخلطها بسواد الناس فإنّ فيه إمحاء التعيّن وإعفاء الأثر فيؤمن به ذلك.

وقد ظهر من ذلك كلّه: أنّ إظهار العبوديّة بقوله: إيّاك نعبد، لا يشتمل على نقص من حيث المعنى ومن حيث الاخلاص الّا ما في قوله: إيّاك نعبد من نسبة العبد العبادة إلى نفسه المشتمل بالاستلزام على دعوى الاستقلال في الوجود والقدرة والارادة مع أنه مملوك والمملوك لا يملك شيئاً، فكأنّه تدورك ذلك بقوله تعالى وإيّاك نستعين، أي إنّما ننسب العبادة إلى انفسنا وندّعيه لنا مع الاستعانة بك لا مستقلّين بذلك مدّعين ذلك دونك، فقوله: إيّاك نعبد وإيّاك نستعين، لإبداء معنى واحد وهو العبادة عن اخلاص، ويمكن أن يكون هذا هو الوجه في اتّحاد الاستعانة والعبادة في السياق الخطابيّ حيث قيل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين من دون أن يقال: إيّاك نعبد أعنّا وإهدنا الصراط المستقيم

____________________

(١) التشريك في العبادة كان من دابّ عوامّ الوثنيّين من العرب و غيرهم و امّا الخواصّ منهم فما كانو يعبىون إلا الأصنام منه

٢٤

وامّا تغيير السياق في قوله: اهدنا الصراط الآية. فسيجئ الكلام فيه إن شاء الله تعالى.

فقد بان بما مرّ من البيان في قوله، إيّاك نعبد وإيّاك نستعين الآية، الوجه في الالتفات من الغيبة إلى الحضور، والوجه في الحصر الّذي يفيده تقديم المفعول، والوجه في اطلاق قوله: نعبد اه، والوجه في اختيار لفظ المتكلّم مع الغير، والوجه في تعقيب الجملة الاولى بالثانية، والوجه في تشريك الجملتين في السياق، وقد ذكر المفسّرون نكات اُخرى في اطراف ذلك من أرادها فليراجع كتبهم وهو الله سبحانه غريم لا يقضى دينه.

٢٥

( سورة الحمد الآيات ٦ – ٧)

اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ( ٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ( ٧)

( بيان)

قوله تعالى: ( اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) الخ، امّا الهداية فيظهر معناها في ذيل الكلام على الصراط وأمّا الصراط فهو والطريق والسبيل قريب المعنى، وقد وصف تعالى الصراط بالاستقامة ثمّ بيّن أنّه الصراط الّذي يسلكه الّذين أنعم الله تعالى عليهم، فالصراط الّذي من شأنه ذلك هو الّذي سئل الهداية إليه وهو بمعنى الغاية للعبادة أي: أنّ العبد يسئل ربّه أن تقع عبادته الخالصة في هذا الصراط.

بيان ذلك: أنّ الله سبحانه قررّ في كلامه لنوع الانسان بل لجميع من سواه سبيلاً يسلكون به إليه سبحانه فقال تعالى:( يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَىٰ رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ) الانشقاق - ٦ وقال تعالى:( وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) التغابن - ٣، وقال:( أَلَا إِلَى اللهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ) الشورى - ٥٣، إلى غير ذلك من الآيات وهي واضحة الدلاله على أنّ الجميع سالكوا سبيل، وأنّهم سائرون إلى الله سبحانه.

ثمّ بيّن: أنّ السبيل ليس سبيلاً واحداً ذا نعت واحد بل هو منشعب إلى شعبتين منقسم إلى طريقين، فقال:( أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) يس - ٦١.

فهناك طريق مستقيم وطريق آخر ورائه، وقال تعالى( فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ) البقرة - ١٨٦، وقال تعالى:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) غافر - ٦٠، فبيّن تعالى: انه قريب من عباده وأن الطريق الأقرب إليه تعالى طريق عبادته ودعائه، ثمّ قال تعالى في وصف الّذين لا يؤمنون:( أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِن مَّكَانٍ بَعِيدٍ ) فصلت - ٤٤ فبيّن: أنّ غاية الّذين لا يؤمنون في مسيرهم وسبيلهم بعيدة.

فتبيّن: أن السّبيل إلى الله سبيلان: سبيل قريب وهو سبيل المؤمنين وسبيل

٢٦

بعيد وهو سبيل غيرهم فهذا نحو اختلاف في السبيل وهناك نحو آخر من الاختلاف، قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُوا عَنْهَا لَا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاءِ ) الاعراف - ٤٠ ولو لا طروق من متطرّق لم يكن للباب معنى فهناك طريق من السفل إلى العلو، وقال تعالى:( وَمَن يَحْلِلْ عَلَيْهِ غَضَبِي فَقَدْ هَوَىٰ ) طه - ٨١. والهويّ هو السقوط إلى أسفل، فهناك طريق آخر آخذ في السفالة والانحدار، وقال تعالى:( وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) البقرة - ١٠٨، فعرّف الضلال عن سواء السبيل بالشرك لمكان قوله: فقد ضلّ، وعند ذلك تقسّم الناس في طرقهم ثلثه أقسام: من طريقه إلى فوق وهم الّذين يؤمنون بآيات الله ولا يستكبرون عن عبادته، ومن طريقه إلى ألسفل، وهم المغضوب عليهم، ومن ضلّ الطريق وهو حيران فيه وهم الضالّون، وربّما أشعر بهذا التقسيم قوله تعالى:( صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) .

والصراط المستقيم لا محالة ليس هو الطريقين الآخرين من الطرق الثلاث اعني: طريق المغضوب عليهم وطريق الضالّين فهو من الطريق الأوّل الّذي هو طريق المؤمنين غير المستكبرين إلّا أنّ قوله تعالى:( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) المجادلة - ١١. يدلّ على أنّ نفس الطريق الأوّل أيضاً يقع فيه انقسام.

وبيانه: أنّ كلّ ضلال فهو شرك كالعكس على ما عرفت من قوله تعالى:( وَمَن يَتَبَدَّلِ الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ ) البقرة - ١٠٨. وفي هذا المعنى قوله تعالى( أَن لَّا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنكُمْ جِبِلًّا كَثِيرًا ) يس - ٦٢. والقرآن يعدّ الشرك ظلماً وبالعكس، كما يدلّ عليه قوله تعالى حكايةً عن الشيطان لما قضي الأمر:( إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) ابراهيم - ٢٢. كما يعدّ الظلم ضلالاً في قوله تعالى( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) الانعام - ٨٢ وهو ظاهر من ترتيب الاهتداء والامن من الضلال أو العذاب الّذي يستتبعه الضلال، على ارتفاع الظلم ولبس الإيمان به، وبالجملة الضلال والشرك والظلم أمرها واحد وهي متلازمة مصداقاً، وهذا هو المراد من قولنا: إنّ كلّ واحد منها معرّف بالآخر أو

٢٧

هو الآخر، فالمراد المصداق دون المفهوم.

إذا عرفت هذا علمت أنّ الصراط المستقيم الّذي هو صراط غير الضالّين صراطٌ لا يقع فيه شرك ولا ظلم البتّة كما لا يقع فيه ضلال البتّة، لا في باطن الجنان من كفر أو خطور لا يرضى به الله سبحانه، ولا في ظاهر الجوارح والأركان من فعل معصية أو قصور في طاعة، وهذا هو حقّ التوحيد علماً وعملاً إذ لا ثالث لهما وماذا بعد الحقّ إلّا الضلال ؟ وينطبق على ذلك قوله تعالى:( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) الانعام - ٨٢، وفيه تثبيت للأمن في الطريق ووعد بالاهتداء التامّ بناءً على ما ذكروه: من كون اسم الفاعل حقيقة في الاستقبال فليفهم فهذا نعت من نعوت الصراط المستقيم.

ثمّ انّه تعالى عرّف هؤلاء المنعم عليهم الّذين نسب صراط المستقيم إليهم بقوله تعالى:( وَمَن يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء - ٦٩، وقد وصف هذا الإيمان والإطاعة قبل هذه الآية بقوله( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًاوَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتًا ) النساء٦٥ - ٦٦. فوصفهم بالثبات التامّ قولاً وفعلاً وظاهراً وباطناً على العبوديّة لا يشذّ منهم شاذّ من هذه الجهة ومع ذلك جعل هؤلاء المؤمنين تبعاً لاُولئك المنعم عليهم وفي صفّ دون صفّهم لمكان مع ولمكان قوله:( وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) ولم يقل: فاُولئك من الّذين.

ونظير هذه الآية قوله تعالى:( وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ أُولَئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِندَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ ) الحديد - ١٩. وهذا هو إلحاق المؤمنين بالشهداء والصدّيقين في الآخرة، لمكان قوله: عند ربهم، وقوله: لهم اجرهم.

فاؤلئك (وهم اصحاب الصراط المستقيم) أعلى قدراً وأرفع درجة ومنزلة من هؤلاء وهم المؤمنون الّذين أخلصوا قلوبهم وأعمالهم من الضلال والشرك والظلم، فالتدبّر

٢٨

في هذه الآيات يوجب القطع بأنّ هؤلاء المؤمنين و (شأنهم هذا الشأن) فيهم بقيّة بعد لو تمّت فيهم كانوا من الّذين أنعم الله عليهم، وارتقوا من منزلة المصاحبة معهم إلى درجة الدخول فيهم ولعلّه نوعٌ من العلم بالله، ذكره في قوله تعالى:( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) المجادلة - ١١. فالصراط المستقيم أصحابه منعم عليهم بنعمة هي أرفع النعم قدراً، يربو على نعمة الايمان التامّ، وهذا ايضاً نعتٌ من نعوت الصراط المستقيم.

ثمّ إنّه تعالى على أنّه كررّ في كلامه ذكر الصراط والسبيل، لم ينسب لنفسه أزيد من صراط مستقيم واحد، وعدّ لنفسه سبلاً كثيرة فقال عزّ من قائل:( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا ) العنكبوت - ٦٩. وكذا لم ينسب الصراط المستقيم إلى أحد من خلقه إلّا ما في هذه الآية (صراط الّذين انعمت عليهم الآية) ولكنّه نسب السبيل إلى غيره من خلقه، فقال تعالى:( قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ ) يوسف - ١٠٨. وقال تعالى( سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ ) لقمان - ١٥. وقال:( سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ ) النساء - ١١٥. ويعلم منها: أنّ السبيل غير الصراط المستقيم فإنّه يختلف ويتعدّد ويتكثّر باختلاف المتعبّدين السالكين سبيل العبادة بخلاف الصراط المستقيم كما يشير إليه قوله تعالى:( قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) المائدة - ١٦، فعدّ السبل كثيرةً والصراط واحداً وهذا الصراط المستقيم إمّا هي السبل الكثيرة وإمّا أنّها تؤدّي إليه باتّصال بعضها إلى بعض واتّحادها فيها.

وأيضاً قال تعالى:( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ ) يوسف - ١٠٦. فبيّن أنّ من الشرك (وهو ضلال) ما يجتمع مع الايمان وهو سبيل، ومنه يعلم أنّ السبيل يجامع الشرك، لكنّ الصراط المستقيم لا يجامع الضلال كما قال: ولا الضالّين.

والتدبّر في هذه الآيات يعطى أنّ كلّ واحد من هذه السبل يجامع شيئاً من النقص أو الامتياز، بخلاف الصراط المستقيم، وأنّ كلاً منها هو الصراط المستقيم لكنه

٢٩

غير الآخر ويفارقه لكنّ الصراط المستقيم يتّحد مع كلّ منها في عين أنّه يتحدّ مع ما يخالفه، كما يستفاد من بعض الآيات المذكورة وغيرها كقوله:( وَأَنِ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُّسْتَقِيمٌ ) يس - ٦١. وقوله تعالى:( قُلْ إِنَّنِي هَدَانِي رَبِّي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ دِينًا قِيَمًا مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا ) الانعام - ١٦١. فسمّى العبادة صراطاً مستقيماً وسمّى الدين صراطاً مستقيماً وهما مشتركان بين السبل جميعاً، فمثل الصراط المستقيم بالنسبة إلى سبل الله تعالى كمثل الروح بالنسبة إلى البدن، فكما أنّ للبدن اطواراً في حيوته هو عند كلّ طور غيره عند طور آخر، كالصّبي والطفوليّة والرهوق والشباب والكهولة والشيب والهرم لكنّ الروح هي الروح وهي متّحدة بها والبدن يمكن أن تطرء عليه أطوار تنافي ما تحبّه وتقتضيه الروح لو خلّيت ونفسها بخلاف الروح فطرة الله الّتي فطر الناس عليها والبدن مع ذلك هو الروح أعني الإنسان، فكذلك السبيل إلى الله تعالى هو صراط المستقيم إلّا أنّ السبيل كسبيل المؤمنين وسبيل المنيبين وسبيل المتّبعين للنبيّ (صلّي الله عليه و آله و سلّم) أو غير ذلك من سبل الله تعالى، ربّما اتّصلت به آفةٌ من خارج أو نقصٌ لكنّهما لا يعرضان الصراط المستقيم كما عرفت أنّ الايمان وهو سبيل ربّما يجامع الشرك والضلال لكن لا يجتمع مع شئ من ذلك الصراط المستقيم، فللسبيل مراتب كثيرة من جهة خلوصه وشوبه وقربه وبعده، والجميع على الصراط المستقيم أو هي هو.

وقد بيّن الله سبحانه هذا المعنى، أعني: اختلاف السبل إلى الله مع كون الجميع من صراطه المستقيم في مثل ضربه للحقّ والباطل في كلامه، فقال تعالى:( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَٰلِكَ يَضْرِبُ اللهُ الْأَمْثَالَ ) الرعد - ١٧. فبيّن: أنّ القلوب والأفهام في تلقّي المعارف والكمال مختلفة، مع كون الجميع متكئةً منتهيةً إلى رزق سماويّ واحد، وسيجئ تمام الكلام في هذا المثل في سورة الرعد، وبالجملة فهذا أيضاً نعتٌ من نعوت الصراط المستقيم.

وإذا تأملّت ما تقدّم من نعوت الصراط المستقيم تحصّل لك أنّ الصراط المستقيم

٣٠

مهيمنٌ على جميع السبل إلى الله والطرق الهادية إليه تعالى، بمعنى أنّ السبيل إلى الله إنّما يكون سبيلا له موصلاً إليه بمقدار يتضمّنه من الصراط المستقيم حقيقةً، مع كون الصراط المستقيم هادياً موصلا إليه مطلقاً ومن غير شرط وقيد، ولذلك سماه الله تعالى صراطاً مستقيماً، فانّ الصراط هو الواضح من الطريق، مأخوذ من سرطت سرطاً إذا بلعت بلعاً، كأنّه يبلع سالكيه فلا يدعهم يخرجوا عنه ولا يدفعهم عن بطنه، والمستقيم هو الّذي يريد أن يقوم على ساق فيتسلّط على نفسه وما لنفسه كالقائم الّذي هو مسلّط على أمره، ويرجع المعنى إلى أنّه الّذي لا يتغيّر أمره ولا يختلف شأنه فالصراط المستقيم ما لا يتخلّف حكمه في هدايته وإيصاله سالكيه إلى غايته ومقصدهم قال تعالى:( فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) النساء - ١٧٤. اي لا يتخلّف أمر هذه الهداية، بل هي على حالها دائماً، وقال تعالى:( فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ وَهَذَا صِرَاطُ رَبِّكَ مُسْتَقِيمًا ) الانعام - ١٢٦. أي هذه طريقته الّتي لا يختلف ولا يتخلّف، وقال تعالى:( قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ ) الحجر - ٤٢. أي هذه سنّتي وطريقتي دائماً من غير تغيير، فهو يجري مجرى قوله:( فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَبْدِيلًا وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ اللهِ تَحْوِيلًا ) الفاطر - ٤٣.

وقد تبيّن ممّا ذكرناه في معنى الصراط المستقيم اُمور.

احدها: أنّ الطرق إلى الله مختلفة كمالاً ونقصاً وغلائاً ورخصاً، في جهة قربها من منبع الحقية والصراط المستقيم كالاسلام والايمان والعبادة والاخلاص والاخبات، كما ان مقابلاتها من الكفر والشرك والجحود والطغيان والمعصية كذلك، قال سبحانه( وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِّمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُمْ أَعْمَالَهُمْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ ) الاحقاف - ١٩.

وهذا نظير المعارف الالهيّة الّتى تتلقّاها العقول من الله فإنّها مختلفة باختلاف الاستعدادات ومتلوّنة بألوان القابليّات على ما يفيده المثل المضروب في قوله تعالى:

٣١

( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) الآية

وثانيها: أنّه كما أنّ الصراط المستقيم مهيمنٌ على جميع السبل، فكذلك اصحابه الّذين مكنّهم الله تعالى فيه وتولّى أمرهم وولّاهم أمر هداية عباده حيث قال:( وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا ) النساء - ٦٩. وقال تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) المائدة - ٥٥. والآية نازلة في أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بالاخبار المتواترة وهوعليه‌السلام اوّل فاتحٍ لهذا الباب من الاُمّة وسيجئ تمام الكلام في الآية.

وثالثها: إنّ الهداية إلى الصراط يتعيّن معناها بحسب تعيّن معناه، وتوضيح ذلك أنّ الهداية هي الدلالة على ما في الصحاح، وفيه أنّ تعديتها لمفعولين لغة أهل الحجاز، وغيرهم يعدّونه إلى المفعول الثاني بإلى، وقوله هو الظاهر، وما قيل: إنّ الهداية إذا تعدّت إلى المفعول الثاني بنفسها، فهي بمعنى الإيصال إلى المطلوب، وإذا تعدّت بإلى فبمعنى إرائة، الطريق مستدلّا بنحو قوله تعالى:( إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ ) القصص - ٥٦. حيث إنّ هدايته بمعنى إرائة الطريق ثابتة فالمنفىّ غيرها وهو الإيصال إلى المطلوب قال تعالى:( وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) النساء - ٦٨. وقال تعالى:( وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الشورى - ٥٢.

فالهداية بالإيصال إلى المطلوب تتعدّى إلى المفعول الثاني بنفسها، والهداية بإرائة الطريق بإلى، وفيه أنّ النفي المذكور نفي لحقيقة الهداية الّتي هي قائمة بالله تعالى، لا نفي لها أصلاً، وبعبارة اُخرى هو نفي الكمال دون نفي الحقيقة، مضافاً إلى أنّه منقوض بقوله تعالى حكاية عن مؤمن آل فرعون:( يَا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أَهْدِكُمْ سَبِيلَ الرَّشَادِ ) غافر - ٣٨. فالحق انّه لا يتفاوت معنى الهداية باختلاف التعدية، ومن الممكن أن يكون التعدية إلى المفعول الثاني من قبيل قولهم دخلت الدار.

وبالجملة فالهداية هي الدلالة وارائة الغاية بارائة الطريق وهي نحو إيصال إلى المطلوب، وإنّما تكون من الله سبحانه، وسنته سنّة الأسباب بإيجاد سبب ينكشف به المطلوب ويتحقّق به وصول العبد إلى غايته في سيره، وقد بيّنه الله سبحانه بقوله:( فَمَن

٣٢

يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ) الانعام - ١٢٥. وقوله:( ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَىٰ ذِكْرِ اللهِ ذَٰلِكَ هُدَى اللهِ يَهْدِي بِهِ مَن يَشَاءُ ) الزمر - ٢٣. وتعدية قوله تلين بإلى لتضمين معنى مثل الميل والاطمينان، فهو إيجاده تعالى وصفاً في القلب به يقبل ذكر الله ويميل ويطمئن إليه، وكما أنّ سبله تعالى مختلفة، فكذلك الهداية تختلف باختلاف السبل الّتي تضاف إليه فلكّل سبيل هداية قبله تختصّ به.

وإلى هذا الاختلاف يشير قوله تعالى:( وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ ) العنكبوت - ٦٩. إذ فرق بين أن يجاهد العبد في سبيل الله، وبين أن يجاهد في الله، فالمجاهد في الأوّل يريد سلامة السبيل ودفع العوائق عنه بخلاف المجاهد في الثّاني فانّه إنّما يريد وجه الله فيمدّه الله سبحانه بالهداية إلى سبيل دون سبيل بحسب استعداده الخاصّ به، وكذا يمدّه الله تعالى بالهداية إلى السبيل بعد السبيل حتّى يختصّه بنفسه جلت عظمته.

ورابعها: ان الصراط المستقيم لما كان أمرا محفوظاً في سبل الله تعالى على اختلاف مراتبها ودرجاتها، صحّ أن يهدي الله الانسان إليه وهو مهديّ فيهديه من الصراط إلى الصراط، بمعنى أن يهديه إلى سبيل من سبله ثمّ يزيد في هدايته فيهتدي من ذلك السبيل إلى ما هو فوقها درجة، كما أنّ قوله تعالى: إهدنا الصراط (وهو تعالى يحكيه عمّن هداه بالعبادة) من هذا القبيل، ولا يرد عليه: أنّ سؤال الهداية ممّن هو مهتد بالفعل سؤال لتحصيل الحاصل وهو محال، وكذا ركوب الصراط بعد فرض ركوبه تحصيل للحاصل ولا يتعلّق به سؤال، والجواب ظاهر.

وكذا الإيراد عليه: بأن شريعتنا أكمل وأوسع من جميع الجهات من شرائع الاُمم السابقة، فما معنى السؤال من الله سبحانه أن يهدينا إلى صراط الّذين أنعم الله عليهم منهم ؟ وذلك أنّ كون شريعة أكمل من شريعة أمر، وكون المتمسك بشريعة أكمل من المتمسك بشريعة أمر آخر ورائه، فإنّ المؤمن المتعارف من مؤمني شريعة محمّد (صلّي الله عليه و آله و سلّم) (مع كون شريعته اكمل وأوسع) ليس بأكمل من نوح وابراهيمعليهم‌السلام مع كون شريعتهما أقدم وأسبق، وليس ذلك إلّا انّ حكم الشرائع والعمل بها غير حكم

٣٣

الولاية الحاصلة من التمكّن فيها والتخلّق بها، فصاحب مقام التوحيد الخالص وإن كان من أهل الشرائع السابقة أكمل وأفضل ممّن لم يتمكّن من مقام التوحيد ولم تستقرّ حياة المعرفة في روحه ولم يتمكّن نور الهداية الإلهيّة من قلبه، وإن كان عاملا بالشريعة المحمّديّة (صلّي الله عليه و آله و سلّم) الّتي هي أكمل الشرائع وأوسعها، فمن الجائز أن يستهدي صاحب المقام الداني من أهل الشريعة الكاملة ويسأل الله الهداية إلى مقام صاحب المقام العالي من أهل الشريعة الّتي هي دونها.

ومن أعجب ما ذكر في هذا المقام، ما ذكره بعض المحقّقين من أهل التفسير جواباً عن هذه الشبهة: أنّ دين الله واحد وهو الاسلام، والمعارف الاصليّة وهو التوحيد والنبوّة والمعاد وما يتفرّع عليها من المعارف الكلية واحد في الشرائع، وإنّما مزيّة هذه الشريعة على ما سبقها من الشرائع هي أنّ الأحكام الفرعيّة فيها أوسع وأشمل لجميع شئون الحياة، فهي اكثر عناية بحفظ مصالح العباد، على أنّ أساس هذه الشريعة موضوع على الاستدلال بجميع طرقها من الحكمة والموعظة والجدال الأحسن، ثمّ إنّ الدين وإن كان ديناً واحداً والمعارف الكلّيّة في الجميع على السواء غير أنّهم سلكوا سبيل ربّهم قبل سلوكنا وتقدّموا في ذلك علينا، فأمرنا الله النظر فيما كانوا عليه والاعتبار بما صاروا إليه هذا.

أقول: وهذا الكلام مبنى على اصول في مسلك التفسير مخالفة للاصول الّتي يجب أن يبتني مسلك التفسير عليها، فإنّه مبني على أنّ حقائق المعارف الاصلية واحدة من حيث الواقع من غير اختلاف في المراتب والدرجات، وكذا سائر الكمالات الباطنيّة المعنويّة، فأفضل الأنبياء المقرّبين مع أخسّ المؤمنين من حيث الوجود وكماله الخارجيّ التكوينيّ على حدّ سواء، وإنّما التفاضل بحسب المقامات المجعولة بالجعل التشريعيّ من غير أن يتّكي على تكوين، كما أنّ التفاضل بين الملك والرعيّة إنّما هو بحسب المقام الجعليّ الوضعيّ من غير تفاوت من حيث الوجود الانسانيّ هذا.

ولهذا الأصل أصل آخر يبنى عليه، وهو القول باصالة المادّة ونفى الاصالة عما ورائها والتوقّف فيه إلّا في الله سبحانه بطريق الاستثناء بالدليل، وقد وقع في هذه

٣٤

الورطة من وقع لأحد أمرين: إمّا القول بالاكتفاء بالحسّ اعتماداً على العلوم المادّيّة وإمّا إلغاء التدبّر في القرآن بالاكتفاء بالتفسير بالفهم العاميّ.

وللكلام ذيل طويل سنورده في بعض الابحاث العلميّة الآتية إن شاء الله تعالى.

وخامسها: انّ مزيّة اصحاب الصراط المستقيم على غيرهم، وكذا صراطهم على سبيل غيرهم، إنّما هو بالعلم لا بالعمل، فلهم من العلم بمقام ربّهم ما ليس لغيرهم، إذ قد تبيّن ممّا مرّ: انّ العمل التامّ موجود في بعض السبل الّتي دون صراطهم، فلا يبقى لمزيّتهم إلّا العلم، واما ما هذا العلم ؟ وكيف هو ؟ فنبحث عنه إن شاء الله في قوله تعالى:( أَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا ) الرعد - ١٧.

ويشعر بهذا المعنى قوله تعالى:( يَرْفَعِ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ) المجادلة - ١١، وكذا قوله تعالى:( إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ ) الفاطر - ١٠، فالّذي يصعد إليه تعالى هو الكلم الطيّب وهو الاعتقاد والعلم، وأمّا العمل الصالح فشأنه رفع الكلم الطيّب والإمداد دون الصعود إليه تعالى، وسيجئ تمام البيان في البحث عن الآية.

( بحث روائي)

في الكافي عن الصادقعليه‌السلام في معنى العبادة قال: العبادة ثلاثة: قوم عبدوا الله خوفاً، فتلك عبادة العبيد، وقوم عبدوا الله تبارك وتعالى طلب الثواب، فتلك عبادة الاًُجراء، وقوم عبدوا الله عزّوجلّ حبّاً، فتلك عبادة الأحرار، وهي أفضل العبادة.

وفي نهج البلاغة: إنّ قوماً عبدوا الله رغبة، فتلك عبادة التجّار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبة فتلك عبادة العبيد، وانّ قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار.

وفي العلل والمجالس والخصال، عن الصادقعليه‌السلام : انّ الناس يعبدون الله على ثلاثة أوجه: فطبقة يعبدونه رغبةً في ثوابه فتلك عبادة الحرصاء وهو الطمع، وآخرون يعبدونه خوفاً من النار فتلك عبادة العبيد، وهي رهبة، ولكنّي أعبده حبّاً له عزّوجلّ فتلك عبادة الكرام، لقوله عزّوجلّ:( وَهُم مِّن فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ ) . ولقوله عزّوجلّ

٣٥

( قل إن كنتم تحبّون الله فاتّبعوني يحببكم الله ) ، فمن احبّ الله عزّوجلّ احبّه، ومن احبّه الله كان من الآمنين، وهذا مقام مكنون لا يمسّه إلّا المطهّرون.

اقول: وقد تبيّن معنى الروايات ممّا مرّ من البيان، وتوصيفهم عليهم السلام عبادة الأحرار تارة بالشكر وتارة بالحبّ، لكون مرجعهما واحداً، فانّ الشكر وضع الشئ المنعم به في محلّه، والعبادة شكرها ان تكون لله الّذي يستحقها لذاته، فيعبدالله لأنّه الله، اي لأنّه مستجمع لجميع صفات الجمال والجلال بذاته، فهو الجميل بذاته المحبوب لذاته، فليس الحبّ إلا الميل إلى الجمال والانجذاب نحوه، فقولنا فيه تعالى هو معبود لأنّه هو، وهو معبود لأنّه جميل محبوب، وهو معبود لأنّه منعم مشكور بالعبادة يرجع جميعها إلى معنى واحد.

وروي بطريق عاميّ عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى: إيّاك نعبد الآية، يعني: لا نريد منك غيرك ولا نعبدك بالعوض والبدل: كما يعبدك الجاهلون بك المغيّبون عنك.

اقول: والرواية تشير إلى ما تقدّم، من استلزام معنى العبادة للحضور وللإخلاص الّذي ينافي قصد البدل.

وفي تحف العقول عن الصادقعليه‌السلام في حديث: ومن زعم أنّه يعبد بالصفة لا بالادراك فقد أحال على غائب، ومن زعم انّه يعبد الصفة والموصوف فقد أبطل التوحيد لأن الصفة غير الموصوف، ومن زعم انّه يضيف الموصوف إلى الصفة فقد صغّر بالكبير، وما قدروا الله حق قدره. الحديث.

وفي المعاني عن الصادقعليه‌السلام في معنى قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم يعني : أرشدنا إلى لزوم الطريق المؤدّي إلى محبّتك، والمبلغ إلى جنّتك، والمانع من أن نتبّع اهواءنا فنعطب، أو أن نأخذ بآرائنا فنهلك.

وفي المعاني أيضاً عن عليّعليه‌السلام : في الآية، يعني، أدم لنا توفيقك الّذي اطعناك به في ماضي أيّامنا، حتّى نطيعك كذلك في مستقبل أعمارنا.

اقول: والروايتان وجهان مختلفان في الجواب عن شهبة لزوم تحصيل الحاصل من سؤال الهداية للمهديّ، فالرواية الاُولى ناظرة إلى اختلاف مراتب الهداية مصداقاً والثانية إلى اتّحادها مفهوماً.

٣٦

وفي المعاني أيضاً عن عليّعليه‌السلام : الصراط المستقيم في الدنيا ما قصر عن الغلوّ، وارتفع عن التقصير واستقام، وفي الآخرة طريق المؤمنين إلى الجنّة.

وفي المعاني أيضاً عن عليّعليه‌السلام : في معنى صراط الّذين الآية: اي: قولوا: اهدنا صراط الّذين أنعمت عليهم بالتّوفيق لدينك وطاعتك، لا بالمال والصحّة، فإنّهم قد يكونون كفّاراً أو فسّاقاً، قال: وهم الّذين قال الله: ومن يطع الله والرّسول فاؤلئك مع الّذين أنعم الله عليهم من النبيّين والصدّيقين والشهداء والصالحين، وحسن اولئك رفيقاً.

وفي العيون عن الرّضاعليه‌السلام عن آبائه عن أمير المؤمنينعليه‌السلام قال: لقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: قال الله عزّوجلّ: قسّمت فاتحة الكتاب بيني وبين عبدي فنصفها لي ونصفها لعبدي، ولعبدي ما سأل، إذا قال العبد: بسم الله الرحمن الرحيم قال الله جلّ جلاله بدء عبدي باسمي، وحقّ عليّ أن أتمّم له اُموره، وابارك له في احواله، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين، قال الله جلّ جلاله: حمدني عبدي، وعلم أنّ النعم الّتي له من عندي وأنّ البلايا الّتي دفعت عنه بتطوّلي، أشهدكم أنّي اُضيف له إلى نعم الدنيا نعم الآخرة وأدفع عنه بلايا الآخرة كما دفعت عنه بلايا الدنيا، وإذا قال الرحمن الرحيم، قال الله جلّ جلاله: شهد لي عبدي أنّي الرحمن الرحيم اُشهدكم لأوفّرنّ من رحمتي حظّه ولأجزلنّ من عطائي نصيبه، فإذا قال: مالك يوم الدين قال الله تعالى: أشهدكم، كما اعترف بأنّي أنا المالك يوم الدين، لأسهّلنّ يوم الحساب حسابه، ولأتقبّلنّ حسناته ولا تجاوزنّ عن سيّئاته، فإذا قال: إيّاك نعبد، قال الله عزّوجلّ: صدق عبدي، إيّاى يعبد اشهدكم لاثيبنّه على عبادته ثواباً يغبطه كلّ من خالفه في عبادتة لي، فإذا قال: وإيّاك نستعين قال الله تعالى: بي استعان عبدي وإليّ التجأ، اشهدكم لاُعيننّه على أمره، ولاُغيثنّه في شدائده ولآخذنّ بيده يوم نوائبه، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم إلى آخر السورة، قال الله عزّوجلّ: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل، وقد استجبتُ لعبدي وأعطيته ما أمّل وآمنته ممّا منه وجل.

اقول: وروى قريباً منه الصدوق في العلل عن الرّضاعليه‌السلام ، والرواية كما ترى

٣٧

تفسّر سورة الفاتحة في الصلاة فهي تؤيّد ما مرّ مراراً أنّ السورة كلام له سبحانه النيابة عن عبده في ما يذكره في مقام العبادة واظهار العبوديّة من الثناء لربّه وإظهار عبادته، فهى سورةٌ موضوعةٌ للعبادة، وليس في القرآن سورة تناظرها في شأنها واعنى بذلك:

اوّلاً: أنّ السورة بتمامها كلام تكلّم به الله سبحانه في مقام النيابة عن عبده فيما يقوله إذا وجه وجهه إلى مقام الربوبيّة ونصب نفسه في مقام العبوديّة.

وثانيا: أنّها مقسّمة قسمين، فنصف منها لله ونصف منها للعبد.

وثالثا: أنّها مشتملة على جميع المعارف القرآنيّة على ايجازها واختصارها فأنّ القرآن على سعته العجيبة في معارفه الاصليّة وما يتفرّع عليها من الفروع من اخلاق وأحكام في العبادات والمعاملات والسياسات والاجتماعيّات ووعد ووعيد وقصص وعبر، يرجع جمل بياناتها إلى التوحيد والنبوّة والمعاد وفروعاتها، وإلى هداية العباد إلى ما يصلح به اولاهم وعقباهم، وهذه السورة كما هو واضح تشتمل على جميعها في أوجز لفظٍ وأوضح معنى.

وعليك أن تقيس ما يتجلّى لك من جمال هذه السورة الّتي وضعها الله سبحانه في صلاة المسلمين بما يضعه النصارى في صلاتهم من الكلام الموجود في انجيل متّى: (٦ - ٩ - ١٣) وهو ما نذكره بلفظه العربي، (أبانا الّذي في السموات، ليتقدّس اسمك، ليأت ملكوتك، لتكن مشيّتك كما في السماء كذلك على الأرض، خبزنا كفافنا، أعطنا اليوم، واغفر لنا ذنوبنا كما نغفر نحن أيضاً للمذنبين إلينا، ولا تدخلنا في تجربة ولكن نجنّا من الشرير آمين).

تأمّل في المعاني الّتي تفيدها ألفاظ هذه الجمل بعنوان أنّها معارف سماويّة، وما يشتمل عليه من الادب العبوديّ، إنّها تذكر أوّلاً: أنّ أباهم (وهو الله تقدّس اسمه) في السموات !! ثمّ تدعو في حقّ الاب بتقدّس اسمه واتيان ملكوته ونفوذ مشيّتة في الأرض كما هي نافذة في السماء، ولكن من الّذي يستجيب هذا الدعاء الّذي هو بشعارات الاحزاب السياسيّة أشبه ؟ ثمّ تسئل الله إعطاء خبز اليوم ومقابلة المغفرة بالمغفرة، و

٣٨

جعل الإغماض عن الحقّ في مقابل الإغماض، وما ذا هو حقّهم لو لم يجعل الله لهم حقّاً ؟ وتسأله ان لا يمتحنهم بل ينجيهم من الشرير، ومن المحال ذلك، فالدار دار الامتحان والاستكمال وما معنى النجاة لولا الابتلاء والامتحان ؟ ثمّ اقضّ العجب ممّا ذكره بعض المستشرقين(١) من علماء الغرب وتبعه بعض من المنتحلين: أنّ الاسلام لا يربو على غيره في المعارف، فإنّ جميع شرائع الله تدعو إلى التوحيد وتصفية النفوس بالخلق الفاضل والعمل الصالح، وإنّما تتفاضل الأديان في عراقة ثمراتها الاجتماعيّة!!

( بحث آخر روائي)

في الفقيه وتفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام قال: الصراط المستقيم أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي المعاني عن الصادقعليه‌السلام قال: هي الطريق إلى معرفة الله، وهما صراطان صراط في الدنيا وصراط في الآخرة، فأمّا الصراط في الدنيا فهو الإمام المفترض الطاعة، من عرفه في الدنيا واقتدا بهداه مرّ على الصراط الّذي هو جسر جهنّم في الآخرة، ومن لم يعرفه في الدنيا زلّت قدمه في الآخرة فتردى في نار جهنّم.

وفي المعاني أيضاً عن السجادعليه‌السلام قال: ليس بين الله وبين حجّته حجاب، ولا لله دون حجته ستر، نحن أبواب الله ونحن الصراط المستقيم ونحن عيبة علمه، ونحن تراجمة وحيه ونحن أركان توحيده ونحن موضع سرّه.

وعن ابن شهر آشوب عن تفسير وكيع بن الجّراح عن الثوريّ عن السّديّ، عن اسباط ومجاهد، عن ابن عبّاس في قوله تعالى: اهدنا الصراط المستقيم، قال: قولوا معاشر العباد ! أرشدنا إلى حبّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واهل بيتهعليه‌السلام .

اقول: وفي هذه المعاني روايات اُخر، وهذه الاخبار من قبيل الجري، وعدّ المصداق للآية، واعلم أنّ الجري و (كثيراً ما نستعمله في هذا الكتاب) اصطلاحٌ مأخوذ من قول أئمّة أهل البيتعليه‌السلام .

ففي تفسير العيّاشيّ عن الفضيل بن يسار قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن هذه الرواية،

____________________

(١) القسّيس الفاضل كوستار لبون في تاريخ تمدّن الاسلام.

٣٩

ما في القرآن آية إلّا ولها ظهر وبطن وما فيها حرف إلّا وله حدّ، ولكل حدّ مطلّعٌ، ما يعنى بقوله : ظهر وبطن ؟ قال : ظهره تنزيله وبطنه تأويله، منه ما مضى ومنه ما لم يكن بعد، يجري كما يجري الشمس والقمر، كلّما جاء منه شئٌ وقع الحديث.

وفي هذا المعنى روايات أخر، وهذه سليقة أئمّه أهل البيت فأنّهمعليه‌السلام يطّبقون الآية من القرآن على ما يقبل أن ينطبق عليه من الموارد وإن كان خارجاً عن مورد النزول، والاعتبار يساعده، فإنّ القرآن نزل هدىً للعالمين يهديهم إلى واجب الاعتقاد وواجب الخلق وواجب العمل، وما بيّنه من المعارف النظريّة حقائق لا تختصّ بحالٍ دون حالٍ ولا زمانٍ دون زمانٍ، وما ذكره من فضيلة أو رذيلة أو شرعه من حكم عمليّ لا يتقيّد بفردٍ دون فردٍ ولا عصرٍ دون عصر لعموم التشريع.

وما ورد من شأن النزول (وهو الامر أو الحادثة الّتي تعقّب نزول آية أو آيات في شخص أو واقعة) لا يوجب قصر الحكم على الواقعة لينقضي الحكم بانقضائها ويموت بموتها لأن البيان عامّ والتعليل مطلق، فانّ المدح النازل في حقّ أفراد من المؤمنين أو الذمّ النازل في حقّ آخرين معلّلا بوجود صفات فيهم، لا يمكن قصرهما على شخص مورد النزول مع وجود عين تلك الصفات في قوم آخر بعدهم وهكذا، والقرآن أيضاً يدلّ عليه، قال تعالى:( يَهْدِي بِهِ اللهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ ) المائدة - ١٦ - وقال:( وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لَّا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ ) فصلت - ٤٢. وقال تعالى:( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر - ٩.

والروايات في تطبيق الآيات القرآنيّة عليهمعليه‌السلام أو على أعدائهم أعني: روايات الجري، كثيرة في الابواب المختلفة، وربّما تبلغ المئين، ونحن بعد هذا التنبيه العامّ نترك إيراد أكثرها في الابحاث الروائيّة لخروجها عن الغرض في الكتاب، إلّا ما تعلّق بها غرض في البحث فليتذكّر.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459