الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

الميزان في تفسير القرآن8%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172952 / تحميل: 9104
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

٥ - عقيدتنا في الله تعالى

نعتقد: أنّ الله تعالى واحد احد ليس كمثله شيء، قديم لم يزل ولا يزال، هو الاَوّل والآخر، عليم، حكيم، عادل، حي، قادر، غني، سميع، بصير. ولا يوصف بما تُوصف به المخلوقات؛ فليس هو بجسم ولا صورة، وليس جوهراً ولا عرضاً، وليس له ثقل أو خفة، ولا حركة أو سكون، ولا مكان ولا زمان، ولا يشار إليه(١) ؟. كما لا ندَّ له، ولا شبه، ولا ضدّ، ولا صاحبة له ولا ولد، ولا شريك، ولم يكن له كفواً أحد، لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار.

ومن قال بالتشبيه في خلقه، بأن صوَّر له وجهاً ويداً وعيناً، أو أنّه ينزل إلى السماء الدنيا، أو أنّه يظهر إلى أهل الجنة كالقمر، أو نحو ذلك(٢) ، فانّه

____________________

(١) روي عن الامام عليعليه‌السلام قوله في جواب ذعلب: «لم أكن بالذي اعبد رباً لم أره» ثم أردف قائلاً في وصف الله تعالى: «ويلك لم تره العيون بمشاهدة الاَبصار ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان. ويلك يا ذعلب، إنّ ربي لا يوصف بالبعد ولا بالحركة ولا بالسكون ولا بالقيام قيام انتصاب ولا بجيئة ولا بذهاب، لطيف اللّطافة لا يوصف باللّطف، عظيم العظمة لا يوصف بالعظم، كبير الكبرياء لا يوصف بالكبر، جليل الجلالة لا يوصف بالغلظ، رؤوف الرحمة لا يوصف بالرقة، مؤمن لا بعبادة، مدرك لا بمجسّة، قائل لا باللّفظ، هو في الاَشياء على غير ممازجة، خارج منها على غير مباينة، فوق كل شيء فلا يقال شيء فوقه، وأمام كل شيء فلا يقال له أمام، داخل في الاَشياء لا كشيء في شيء داخل، وخارج منها لا كشيء من شيء خارج».

التوحيد للصدوق: ٣٠٤ - باب حديث ذعلب - ، أمالي الصدوق: ٢٨٠ المجلس الخامس والخمسون، بحار الاَنوار: ٤/٢٧.

(٢) كقول الكرامية (إنّه تعالى في جهة فوق)!!

=

٢١

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

____________________

=

راجع: الفرق بين الفرق: ١٣١، الملل والنحل: ١/ ٩٩، وكذلك الأشاعرة في الإبانة في اصول الديانة: ٣٦ - ٥٥، وكذلك الوهابية رسالة العقيدة الحموية لإبن تيمية: ١/ ٤٢٩، الهدية السنية : ٩٧، والرسالة الخامسة منها لعبد اللطيف حفيد محمد بن عبدالوهاب.

وكذلك القول بأنه تعالى يتحد مع أبدان العارفين! كما حكم الصوفية قال العارف البلجرامي في كتابه «سبحة المرجان»:

انما الخلق المظهر الباري

هو في كل جزئه ساري

وقال الآخر منهم:

أنا من أهوى ومن أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

ويراجع ديوان الشيخ ابن الفارض، كما في قصيدته التائية الكبرى المسماة بنظم السلوك ومطلعها:

سقتني حميا الحب راحة مقلتي

وكأسي محيا من عن الحسن جلت

وقصيدته اليائية، مطلعها:

سائق الأضعان يطوي البيد طي

منعما عرج على كثبان طي

ورسائل الشيخ عطار وغيرها كثير.

ذكر العلامة الحلي معقبا على هذه الخرافات بقوله: (فانظرو إلى هؤلاء المشايخ الذين يتبركون بمشاهدهم كيف اعتقادهم في ربهم، وتجويزهم تارة الحلول واخرى الاتحاد، وعبادتهم الرقص والتصفيق والغناء) إلى أن قال: (ولقد شاهدت جماعة من الصوفية في حضرة مولانا الحسينعليه‌السلام وقد صلوا المغرب سوى شخص واحد منهم كان جالسا لم يصل، ثم صلوا بعد ساعة العشاء سوى ذلك الشخص، فسألت بعضهم عن ترك صلاة ذلك الشخص، فقال: وما حاجة هذا إلى الصلاة وقد وصل؟ أيجوز ان يجعل بينه وبين الله حاجباً؟ فقلت: لا فقال: الصلاة حاجب بين العبد والرب) نهج الحق: ٥٨.

يراجع: مناقب العارفين للافالكي، وأسرار التوحيد: ١٨٦، والأنوار في كشف الاسرار للشيخ روزبهان البقلي، والمجلد الثاني من احياء العلوم للغزالي.

٢٢

بمنزلة الكافر به، جاهل بحقيقة الخالق المنزَّه عن النقص، بل كل ما ميّزناه بأوهامنا في أدق معانيه فهو مخلوق مصنوع مثلنا مردود إلينا - على حد تعبير الامام الباقرعليه‌السلام (١) - وما أجلّه من تعبير حكيم! وما أبعده من مرمى علمي دقيق!

وكذلك يلحق بالكافر من قال: إنّه يتراءى لخلقه يوم القيامة(٢) ، وإن

____________________

(١) انظر بحار الاَنوار: ٦٩/٢٩٣ ح٢٣، المحجة البيضاء: ١/٢١٩.

(٢) حيث حكم الاَشاعرة بأنّ الله تعالى يتراءى لخلقه. راجع: الابانة في أصول الديانة لاَبي الحسن الاَشعري: ٥ و٦، الملل والنحل: ١/٨٥ إلى ٩٤، وحاشية الكستلي المطبوع في هامش شرح العقائد للتفتازاني: ٧٠، اللوامع الالهية: ٨٢ و٩٨.

ويضيف البغدادي: (وأجمع أهل السنة على أنّ الله تعالى يكون مرئياً للمؤمنين في الآخرة، وقالوا بجواز رؤيته في كل حال ولكل حي من طريق العقل، ووجوب رؤيته للمؤمنين خاصة في الآخرة من طريق الخبر). الفرق بين الفرق: ٣٣٥ - ٣٣٦.

وباستثناء المجسّمة الذين زعموا أنّ أهل المحشر كافة سيرونه - تعالى عن ذلك - يوم القيامة نصب أعينهم باتصال اشعّتها بجسمه، ينظرون إليه لا يمارون كما لا يمارون في الشمس والقمر ليس دونهما سحاب.. فإنّ محل النزاع منحصر في أنّ رؤية الباري تعالى هل هي ممكنة مع تنزيهه؟ أم هي مع التنزيه ممتنعة مستحيلة؟ فالاَشاعرة ذهبوا إلى الاَول وذهبنا نحن - تبعاً لائمتناعليهم‌السلام - إلى الثاني.

راجع - للتفصيل: كتاب كلمة حول الرؤية للاِمام السيد عبد الحسين شرف الدين؛ فقد أوفى الغرض بمناقشة هذه المسألة واستعراضها باسلوب رصين.

هذا كله بالاضافة إلى ما ورد من الاَحاديث - المزعومة - التي ذكرت بأن الله خلق آدم على صورته، وأنّ له جوارح مشخصة، كالاَصابع والساق والقدم، وأنّ في ساقه علامة يعرف بها، وأنّه يضع قدمه في جهنّم يوم القيامة لتكف عن النهم فتقول: قط! قط!، وأنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله يراه - سبحانه - فيقع ساجداً، وأنّ الله يهبط يوم القيامة إلى العباد ليقضي بينهم، وأنّ المسلمين يرون ربّهم يوم القيامة كما يرون القمر لا يضامون في رؤيته. وغيرها الكثير؛ لاحظ: صحيح البخاري: ٨/٦٢، ٩/١٥٦، وصحيح مسلم: ٤/٢١٨٣ وغيرها، سنن ابن ماجه: ١/٦٤، مسند أحمد: ٢/٢٦٤ وغيرها، الموطأ: ١/٢١٤ ح٣٠، أصل الشيعة وأصولها - مقدمة المحقّق - هامش ص ٢٤.

٢٣

نفى عنه التشبيه بالجسم لقلقة في اللسان؛ فان أمثال هؤلاء المدّعين جمدوا على ظواهر الاَلفاظ في القرآن الكريم أو الحديث، وأنكروا عقولهم وتركوها وراء ظهورهم. فلم يستطيعوا أن يتصرَّفوا بالظواهر حسبما يقتضيه النظر والدليل وقواعد الاستعارة والمجاز.

٢٤

٦ - عقيدتنا في التوحيد

ونعتقد: بأنّه يجب توحيد الله تعالى من جميع الجهات، فكما يجب توحيده في الذات ونعتقد بأنّه واحد في ذاته ووجوب وجوده، كذلك يجب - ثانياً - توحيده في الصفات، وذلك بالاعتقاد بأنّ صفاته عين ذاته - كما سيأتي بيان ذلك - وبالاعتقاد بأنه لا شبه له في صفاته الذاتية؛ فهو في العلم والقدرة لا نظير له، وفي الخلق والرزق لا شريك له، وفي كلّ كمال لا ندَّ له.

وكذلك يجب - ثالثاً - توحيده في العبادة؛ فلا تجوز عبادة غيره بوجه من الوجوه، وكذا إشراكه في العبادة في أيّ نوع من أنواع العبادة؛ واجبة أو غير واجبة، في الصلاة وغيرها من العبادات.

ومن أشرك في العبادة غيره فهو مشرك، كمن يرائي في عبادته ويتقرَّب إلى غير الله تعالى، وحكمه حكم من يعبد الاَصنام والاَوثان، لا فرق بينهما(١) .

____________________

(١) يذكر الشيخ المظفرقدس‌سره في محاضراته الفلسفية قوله: (في بحثنا الالهي نخطو خطوات ونجتاز مراحل:

١ - المرحلة الاولى: في إثبات أصل واجب الوجود.

٢ - المرحلة الثانية: بعد ثبوت أصل واجب الوجود لا بدّ أن يكون هو صرف الوجود.

٣ - المرحلة الثالثة: بعد ثبوت المرحلتين ننتقل إلى وحدانيته؛ لاَنّه إذا ثبت أنّه صرف الوجود فلا بد أن يكون واحداً؛ لاَنّ صرف الشيء لا بدّ أن يكون واحداً، وإلاّ لم يكن صرف الشيء، وإذا كان عارياً من كل حد فلا يعقل أن يتعدّد؛ لاَنّ الاَشياء إنّما تتمايز بالحدود.

فالتوحيد لا ينحصر في الاعتقاد بوحدة واجب الوجود وأنه صرف الوجود، بل هو تعالى واحد في خلقه وفيضه، فكل الاَشياء من فيضه وتجليات لنوره).

ثم يذكر الشيخقدس‌سره برهانا للقدماء على التوحيد، وملخصه: ( العالم واحد فلا

=

٢٥

أمّا زيارة القبور وإقامة المآتم، فليست هي من نوع التقرُّب إلى غير الله تعالى في العبادة - كما توهّمه بعض من يريد الطعن في طريقة الامامية، غفلة عن حقيقة الحال فيها(١) - بل هي من نوع التقرُّب إلى الله تعالى

____________________

=

بد أن يكون الخالق واحدا؛ فهناك تلازم بين وحدة الخالق ووحدة المخلوق - وهو العالم - بحيث لو فرض وجود عالمين لفرض وجود إلهين اثنين، وهو مقولة: الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد.

ثم يشير عند شرحه لخطبة التوحيد المشهورة للامام عليعليه‌السلام عند قولهعليه‌السلام : «وكمال توحيده الاخلاص له»: والفكرة العامية للاخلاص هو الاخلاص بالعبادة، ولكن هذا المعنى لا يترتب على ما قبله، ولا ينسجم مع ما بعده؛ فالاخلاص يعني تنزيه من كل النقائص، ومن كل شيء يقدح في كونه واجب الوجود، فهو أعم من الاخلاص في العمل والعبادة، فالتوحيد لا يكون توحيداً حقيقياً إلا إذا وحدته من جميع الجهات في ذاته وصفاته وأفعاله وعبادته أيضاً، فالاخلاص له يعني التوحيد من جميع الجهات، وتنزيهه عن الشريك من جميع النواحي إلى آخره).

يراجع: الفلسفة الاسلامية؛ محاضرات الشيخ المظفرقدس‌سره على طلاب كلية الفقه في النجف الاشرف، الدرس العاشر: ٩١، والدرس الحادي عشر: ٩٣، والدرس الرابع عشر: ١٠٣.

(١) وفي هذه العبارة التي ذكرها المصنفقدس‌سره إشارة إلى الشبهة التي أثارها بعض خصوم الشيعة حول زيارة القبور وأشاعوا انّها محرّمة. واعتمدوا في ذلك على الحديث النبوي الذي نقله النسائي في سننه، ولفظه «لعن الله زائرات القبور والمتخذين عليها المساجد والسرج»: ٤/٩٥. ونقله أيضاً بنفس اللفظ: كنز العمال: ١٦/٣٨٨ ح٤٥٠٣٩. وذكره أيضاً ابن ماجه في سننه، ولكن بلفظ مختلف هو: «لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله زوّارت القبور»: ١/٥٠٢ باب ما جاء في النهي عن زيارة النساء القبور، ح١٥٧٤ و ١٥٧٥ ، ١٥٧٦. ولا يخفى ما في متن الحديثين من تفاوت واضطراب؛ فلفظ زائرات يختلف عن زوّارت - بصيغه المبالغة - وكذلك عدم ورود الزيادة التي ذكرها النسائي اضافة إلى ذلك، ذكر هذا الحديث كل من محمد ناصر الدين الاَلباني في: سلسلة الاَحاديث الضعيفة: ١/٢٥٨ ح٢٢٥، وكذلك ابن عدي في: الكامل في الضعفاء: ٥/١٦٩٨ بدون ذكر الزيادة الموجودة في سنن النسائي.

=

٢٦

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

____________________

=

هذا من ناحية المتن، أما بالنسبة إلى السند، ففي سند هذا الحديث: عبدالوارث بن سعيد وأبو صالح - على رواية النسائي وراوية ابن ماجه الاولى - وعبدالله بن عثمان وعبدالرحمن بن بهمان - على رواية ابن ماجه الثانية - وهؤلاء يمكن الاطلاع على احوالهم مما يلي: -

١- عبدالوارث بن سعيد: قال عنه ابن حبان: كان قدرياً. وقال ابن أبي خيثمة: وكان يرمى بالقدر. وقال الساجي: كان قدرياً ذم لبدعته، وقال ابن معين: كان يرى القدر ويظهره. ذكر ذلك في تهذيب التهذيب: ٦/ ٣٩١ - ٣٩٢.

٢ - أبو صالح: وهو مردد بين ميزان البصري وبين باذام مولى ام هاني. والمرجح عند أهل الرجال والحديث أنه باذام. وباذام هذا قال ابن حجر في تهذيب التهذيب: ١/ ٣٦٤ - ٣٦٥ أنه قال فيه أحمد: كان ابن مهدي قد ترك حديثه، وقال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به. وقال النسائي: ليس بثقة، وقال ابن عدي: ولم أعلم أحداً من المتقدمين رضيه. وقال زكريا بن أبي زائدة، كان الشعبي يمر بأبي صالح فيأخذ باذنه فيهزها ويقول: ويلك تفسر القرآن وأنت لا تحفظ القرآن، وقال ابن المديني عن القطان عن الثوري: قال الكلبي قال لي أبو صالح: كلما حدثتك كذب. ونقل ابن الجوزي عن الازدي أنه قال: كذاب.

هذا ما ذكره تهذيب التهذيب. أما في سلسلة الأحاديث الضعيفة فبعد أن ذكر الحديث ورجح أن أبو صالح هذا هو باذام قال: (وأبو صالح هذا مولى ام هانئ بنت أبي طالب، واسمه باذان ويقال: باذام. وهو ضعيف عند جمهور النقاد ولم يوثقه أحد إلا العجلي وحده. بل كذبه اسماعيل بن أبي خالد والأزدي، ووصمه بعضهم بالتدليس وقال الحافظ في «التقريب»: ضعيف مدلس. وهو ضعيف عند ابن الملقن وعبد الحق الأشبيلي). سلسلة الأحاديث الضعيفة: ١/ ٢٥٨.

٣- عبدالله بن عثمان: قال النسائي: ثقة، وقال مرة: ليس بالقوي. وقال ابن حبان: كان يخطئ ‎ وقال عبدالله بن الدورقي عن ابن معين: أحاديثه ليست بالقوية. وقال: ابن خثيم ليس بالقوي علي بن المديني قال: ابن خثيم منكر الحديث. ذكره تهذيب التهذيب: تهذيب التهذيب: ٦/ ١٣٥.

٤- عبدالرحمن بن بهمان: وهذا قال فيه ابن المديني: لا نعرفه. كما نقله عنه في تهذيب التهذيب: ٦/ ١٣٥.

هذا هو حال سند هذا الحديث وحال متنه، ويضاف إلى ذلك أنه معارض بأخبار أخر

=

٢٧

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . ..

____________________

=

كثيرة أحسن منه متناً وأقوى سنداً؛ فقد جاء من الأحاديث التي تحث على زيارة قبر النبي العديد العديد منها ما في كنز العمال: ١٥/ ٦٥١ ح ٤٢٥٨٢ - ٤٢٥٨٤، وكذا في جزئه الخامس / ١٣٥ ح ١٢٣٦٨ - ١٢٣٧٣، وكذلك ما جاء في السنن الكبرى للبيهقي: ٥/ ٢٤٥ باب زيارة قبر النبي، وأما في زياره القبور بصورة عامة فلا حظ: كنز العمال: ١٥/ ٦٤٦ الفصل الثالث في زيارة القبور وفي الاحاديث من ٤٢٥٥١ إلى ٤٢٥٥٨، والسنن الكبرى للبيهقي: ٥/ ٢٤٩ باب زيارة القبور التي في بقيع الغرقد، وباب زيارة قبور الشهداء. وكذا في سنن ابن ماجه: ١/ ٥٠٠ باب ما جاء في زيارة القبور. وغير هذه المصادر الكثير الكثير مما يقصر هذا الموضع عن عدها. ولو سلمنا صحة الحديث السابق - جدلا - ومقاومته ومعارضته لكل هذه الأحاديث الصحيحة القوية، فان هذا الأحاديث يمكن أن نعتبرها ناسخة له إذا لا حظنا قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها؛ فإنها تذكركم بالاخرة» ذكره كنز العمال: ١٥/ ٦٤٦ ح ٤٢٥٥٥ وغيره كثير. هذا كله بالاضافة إلى إجماع المسلمين على جواز زيارة القبور، بل رجحانها واستحبابها، وقيام السيرة على ذلك منذ عهد النبي، فقد ذكر البيهقي في سننه الكبرى وغيره بأنه كلما كانت ليلة عائشة من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يخرج من آخر الليل إلى البقيع فيقول: «السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وآتاكم ما توعدون» ذكره في الجزء: ٥/ ٢٤٩، وذكر النسائي في سننه، كتاب الجنائز، باب زيارة قبور المشركين، وأبو داود في سننه في زيارة القبور ح٣٢٣٤، وبن ماجه في سننه في باب ما جاء في زيارة قبور المشركين: أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زار قبر أمه فبكى وأبكى من حوله. بالاضافة إلى الاحاديث المتكاثرة التي تذكر بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يعلم عائشة الدعاء عند زيارة القبور. ولو تجاوزنا هذا كله ورجعنا إلى الحديث الذي اعتمدوه ولا حظناه - بغض النظر عن كل ما قدمناه - فلن نجد فيه الدلالة التي ذكروها بل قد استفاد الكثير من المحدثين والفقهاء كراهة زيارة القبور بالنسبة للنساء فقط لا غير، وإليك نص العبارة التي ذكرها البيهقي في سننه الكبرى: ٤/ ٧٨، فقد قال: (إن فاطمة بنت النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كانت تزور قبر عمها حمزة كل جمعة فتصلي وتبكي عنده ثم قال: وقد روينا في الحديث الثابت عن أنس بن مالك أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله مر بامرأة عند قبر وهي تبكي فقال: «اتقي الله واصبري» وليس في الخبر أنه نهاها عن الخروج إلى المقبرة، وفي ذلك تقوية لما روينا

=

٢٨

بالاعمال الصالحة، كالتقرُّب إليه بعيادة المريض، وتشييع الجنائز، وزيارة الاخوان في الدين، ومواساة الفقير.

فإنّ عيادة المريض - مثلاً - في نفسها عمل صالح يتقرَّب به العبد إلى الله تعالى، وليس هو تقرُّباً إلى المريض يوجب أن يجعل عمله عبادة لغير الله تعالى أو الشرك في عبادته، وكذلك باقي أمثال هذه الاَعمال الصالحة التي منها: زيارة القبور، وإقامة المآتم، وتشييع الجنائز، وزيارة الاِخوان.

أما كون زيارة القبور وإقامة المآتم من الاَعمال الصالحة الشرعية، فذلك يثبت في علم الفقه، وليس هنا موضع إثباته(١) .

____________________

=

عن عائشة إلا أن اصح ما روي ذلك صريحا حديث أم عطية وما يوافقه من الأخبار، فلو تنزهن عن اتباع الجنائز والخروج إلى المقابر وزيارة القبور كان أبرأ لدينهن). انتهى كلامه. وحديث أم عطية هو: قالت نهينا عن اتباع الجنائز، ولم يعزم علينا: السنن الكبرى: ٤/ ٧٧ قال: وأخرجه مسلم في الصحيح من وجهين عن هشام. سنن ابن ماجه ١/ ٥٠٢ ح ١٥٧٧.

ولزيادة الاطلاع والتوضيح راجع: كشف الارتياب في اتباع محمد بن عبد الوهاب، للسيد محسن الأمين العاملي.

(١) وعلى سبيل المثال نذكر ما ورد في السنة والسيرة للنبي وآلهصلى‌الله‌عليه‌وآله حول رجحان أمثال هذه الاَعمال الصالحة؛ منها ما رواه البخاري في صحيحه في باب فضائل أصحاب النبي: ٤/٢٠٤ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «على مثل جعفر فلتبك البواكي» وكذلك ندب النبي إلى البكاء على حمزة فقال: «على مثل حمزة فلتبك البواكي» راجع: طبقات ابن سعد: ٢/٤٤، ومغازي الواقدي: ١/٣١٧، ومسند أحمد: ٢/٤٠. وذكر النسائي في سننه، كتاب الجنائز باب زيارة قبور المشركين، وابو داود في سننه في زيارة القبور ح ٣٢٣٤ وابن ماجه في سننه في باب ما جاء في زيارة قبور المشركين: أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله زار قبر اُمه فبكى وأبكى من حوله.

وكذلك صح بكاء الزهراءعليها‌السلام على أبيها وبكاء زينب بنت أمير المؤمنينعليه‌السلام على أخويها الحسن والحسينعليهما‌السلام ، وقال الامام الصادقعليه‌السلام : «قال الحسينعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن إلا بكى» كامل الزيارات: ١٠٨.

وقالعليه‌السلام : «نفس المهموم لظلمنا تسبيح، وهمه لنا عبادة، وكتمان سرنا جهاد

=

٢٩

والغرض؛ إنّ إقامة هذه الاَعمال ليست من نوع الشرك في العبادة - كما يتوهمه البعض - وليس المقصود منها عبادة الاَئمّة، وإنّما المقصود منها إحياء أمرهم، وتجديد ذكرهم، وتعظيم شعائر الله فيهم( وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ الله فَإنَّها مِنْ تَقْوى القُلُوب ) (١) .

فكلّ هذه أعمال صالحة ثبت من الشرع إستحبابها، فإذا جاء الانسان متقرِّباً بها إلى الله تعالى، طالباً مرضاته، استحقّ الثواب منه، ونال جزاءه.

____________________

=

في سبيل الله». بحار الأنوار: ٤٤/ ٢٧٨ ح٤.

وقال الامام الرضاعليه‌السلام : «من تذكر مصابنا فبكى وأبكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون، ومن جلس مجلساً يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب» أمالي الصدوق: المجلس السابع عشر.

(١) الحج ٢٢: ٣٢.

٣٠

٧ - عقيدتنا في صفاته تعالى

ونعتقد: أنّ من صفاته تعالى الثبوتية الحقيقية الكمالية التي تسمى بصفات الجمال والكمال - كالعلم، والقدرة، والغنى، والاِرادة، والحياة - هي كلّها عين ذاته، ليست هي صفات زائدة عليها، وليس وجودها إلاّ وجود الذات؛ فقدرته من حيث الوجود حياته، وحياته قدرته، بل هو قادر من حيث هو حي، وحي من حيث هو قادر، لا إثنينيه في صفاته ووجودها، وهكذا الحال في سائر صفاته الكماليّة.

نعم، هي مختلفة في معانيها ومفاهيمها، لا في حقائقها ووجوداتها؛ لاَنّه لو كانت مختلفة في الوجود - وهي بحسب الفرض قديمة وواجبة كالذات - للزم تعدّد واجب الوجود، ولانثلمت الوحدة الحقيقية، وهذا ما ينافي عقيدة التوحيد(١) .

وأمّا الصفات الثبوتية الاضافية - كالخالقية، والرازقية، والتقدّم، والعلّية - فهي ترجع في حقيقتها إلى صفة واحدة حقيقية، وهي القيّومية

____________________

(١) يشير الشيخ المظفرقدس‌سره إلى هذا المعنى بقوله: -

(أمّا القول بالاعتبار الذي معناه أنّ الصفات لا واقع خارجي لها، فنحن نعتبر هذا الكلام غير صحيح؛ لاَنّ الله تعالى وصف نفسه بأنّه عليم حكيم قادر هو محض القدرة والعلم والحياة، لا أنّه ذات لها القدرة والعلم والحياة، ولكن هذه الصفات متغايرة بالمفهوم الذي يفهم منه لدى الذهن؛ لاَنّها ألفاظ غير مترادفة، فتغايرها اعتباري مفهومي فقط، فلا تغاير في الصفات وجوداً، ولا من حيث الحيثيّة، ولا تعددها اعتباري كما ذكروا، بل هناك تعدد مفهومي يحكي عن حقيقة هو كلّ الحقائق. قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : «فمن وصفه فقد عدّه..» أليس هو قد وصفه بصفات كثيرة؟! ولكنه يعني أنّ من وصفه بصفات زائدة على الذات، بحيث يوجب تعدد الذات وتعدّد القدماء، ويخرج عن كونه واجب الوجود).

الفلسفة الاسلامية محاضرات الشيخ المظفرقدس‌سره : ١٠٢.

٣١

لمخلوقاته، وهي صفة واحدة تنتزع منها عدّة صفات باعتبار اختلاف الآثار والملاحظات.

وأمّا الصفات السلبية التي تسمّى بصفات الجلال، فهي ترجع جميعها إلى سلب واحد هو سلب الامكان عنه؛ فإنّ سلب الاِمكان لازمه - بل معناه - سلب الجسمية والصورة والحركة والسكون، والثقل والخفّة، وما إلى ذلك، بل سلب كل نقص.

ثمّ إنّ مرجع سلب الاِمكان - في الحقيقة - إلى وجوب الوجود، ووجوب الوجود من الصفات الثبوتية الكمالية، فترجع الصفات الجلالية (السلبية) آخر الاَمر إلى الصفات الكمالية (الثبوتية) ، والله تعالى واحد من جميع الجهات، لا تكثّر في ذاته المقدّسة، ولا تركيب في حقيقة الواحد الصمد.

ولا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى رجوع الصفات الثبوتية إلى الصفات السلبية؛ لمّا عزّ عليه أن يفهم كيف أنّ صفاته عين ذاته، فتخيّل أنّ الصفات الثبوتية ترجع إلى السلب؛ ليطمئنّ إلى القول بوحدة الذات وعدم تكثّرها، فوقع بما هو أسوأ؛ إذ جعل الذات التي هي عين الوجود، ومحض الوجود، والفاقدة لكلّ نقص وجهة إمكان، جعلها عين العدم ومحض السلب(١) ، أعاذنا الله من شطحات الاَوهام، وزلاّت الاَقلام.

____________________

(١) في كلام المصنّفقدس‌سره إشارة إلى ما ذهب إليه الشيخ الصدوققدس‌سره في قوله: (كلّما وصفنا الله تعالى من صفات ذاته فإنّما نريد بكل صفة منها نفي ضدّها عنه عز وجل. ونقول: لم يزل الله عز وجل سميعاً بصيراً عليماً حكيماً قادراً عزيزاً حياً قيوماً واحداً قديماً. وهذه صفات ذاته.

ولا نقول: إنّه عز وجل لم يزل خلاّقاً فاعلاً شائياً مريداً راضياً ساخطاً رازقاً وهاباً متكلماً؛ لاَنّ هذه صفات أفعاله، وهي محدثة لا يجوز أن يقال: لم يزل الله موصوفاً بها) الاعتقادات: ٨.

=

٣٢

كما لا ينقضي العجب من قول من يذهب إلى أنّ صفاته الثبوتية زائدة على ذاته؛ فقال بتعدّد القدماء، ووجود الشركاء لواجب الوجود، أو قال بتركيبه - تعالى عن ذلك -(١) .

____________________

=

الاعتقادات: ٨.

ولا يخفى أن هذا يعني أنه يمكن انطباق عدة سلوب على موضوع واحد؛ فمعنى الحياة هو عدم الموت، ومعنى العلم عدم الجهل، ومعنى القدرة عدم العجز.. وهكذا، وهذه اسلوب يمكن انطباقها على ذات واحدة، فيتبين أن الله - تعالى عن ذلك - هو مجموعة اسلوب، ويعقب الشيخ المظفر على ذلك بقوله: (نحن نحترم الشيخ الصدوق - كمحدث وناقل - فاذا تحدث عن مثل هذه الامور فلا نقبل آراءه. فنحن نريد أن نقول: أنه لا تعدد حقيقي، ولا من حيث الحيثية، ولا تعدد اعتباري؛ لأن التعدد من ناحية الاعتبار ومن ناحية الحيثية لا قيمة له، فالفكرة التي نؤمن بها يعرب عنها الفارابي بقوله : (هو عالم من حيث قادر ، وقادر من حيث هو حي ، وحي من حيث هو عالم ..) إن هذه الصفات ليس فيها تعدد حقيقي ولا تعدد حيثية ؛ لان جهة العلم ليست غير جهة الحياة ، فالتعدد الذي نتصوره هو بالمفهوم الذي يحكي عن حقيقة ، وتعددها عين وحدتها نحن نقول : انه عالم من حيث هو قادر ، وهو حيثيات واقعية ولكن لا بمعنى ان لها وجودات مستقلة ، بل بمعنى ان نفس الوجود هو بنفسه العلم وهو بنفسه القدرة لا ان القدرة موجودة بذلك الوجود لتكون حيثية مقابلة لتلك الحيثية ، فهذه الصفات وان كانت حقيقة وواقعية ففي عين تعددها هي واحدة ، وتعدد هذه المفاهيم يكشف عن معنى حقيقي ولكن ليس هناك تعدد حتى بالمعنى ، وهذا العمق في هذا القول هو الذي غاب عن أفكار أصحاب الاقوال السابقة ) لاحظ : الفلسفة الاسلامية للمظفر : ١٠١ - ١٠٢. راجع : تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد ٤١، وكذلك : مطارح النظر في شرح الباب الحادي عشر للشيخ صفي الدين الطريحي : الفصل الثالث : ١٣١- ١٦٢.

(١) نجد أنّ الشيخ المؤلف قد اوضح هذه المسألة من حيث أنّ الاَقوال فيها كما يلي: -

١ - الصفات زائدة على الذات، ولكنها لازمة لها أي واجبة الوجود أيضاً، هذا قول الاَشاعرة.

٢ - قول الكرامية بأنّ الصفات زائدة على الذات ولكنها غير لازمة لها؛ لاَنّها لو كانت

=

٣٣

قال مولانا أمير المؤمنين وسيِّد الموحّدينعليه‌السلام : «وكمالُ الاِخلاصِ لهُ نفيُ الصِفاتِ عنهُ؛ لشهادةِ كلِّ صفةٍ أَنَّها غيرُ المَوصوفِ، وشهادةِ كلِّ موصوفٍ أنَّه غيرُ الصفةِ، فمَنْ وَصَفَ الله سبحانه فَقدْ قرنَهُ، ومَنْ قرنَهُ فَقدْ ثنّاهُ، ومَنْ ثنّاهُ فَقدْ جزّأَهُ، ومن جزّأَهُ فَقدْ جَهِلَهُ...»(١) .

____________________

=

لازمة لكانت واجبة الوجود وحينئذٍ يلزم تعدد واجب الوجود.

٣- وقول بأن وجود الصفات نفس وجود الذات أي متحدة بالوجود مع تعدد الحيثية، كتعدد حيثيات صفات الانسان ، فالنفس في وحدتها كل القوى أي وجودا.

٤- وقول بأن هذا التعدد اعتباري ، أي ليس هناك تعدد في الوجود ولا في الحيثيات ، وإنما يعتبرها الذهن ، ومنشأ الاعتبار هو نفس الذات.

فهذه الأقوال جميعا لا نرتضيها ؛ لأنها كلها غير صحيحة ، وإنما نشأ الخلط في دقة النظر في فهم عينية الصفات للذات.

الأشاعرة لم يفهموا معنى عينية الصفات للذات وظنوا أن معنى ذلك أنه تعالى لا صفات له ، والكرامية قالوا : إن الصفات لو كانت ملازمة للزم تعدد واجب الوجود ، والقائلون بتعدد الحيثيات قالوا بأن هذا لا يثلم عقيدة التوحيد ، والقائلون بالاعتبار قالوا : إن القول بتعدد الحيثيات غير معقول.

الفلسفة الاسلامية للشيخ المظفر : ١٠٠.

(١) نهج البلاغة: الخطبة ١ (من كلام لهعليه‌السلام يذكر فيها ابتداء خلق السماء والاَرض)، الاحتجاج: ٢/٤٧٣ ح١١٣.

٣٤

٨ - عقيدتنا في العدل

ونعتقد: أنّ من صفاته تعالى الثبوتية الكمالية أنّه عادل غير ظالم، فلا يجور في قضائه، ولا يحيف في حكمه؛ يثيب المطيعين، وله أن يجازي العاصين، ولا يكلِّف عباده ما لا يطيقون، ولا يعاقبهم زيادة على ما يستحقّون(١) .

ونعتقد: أنّه سبحانه لا يترك الحسن عند عدم المزاحمة، ولا يفعل القبيح؛ لاَنّه تعالى قادر على فعل الحسن وترك القبيح، مع فرض علمه بحسن الحسن، وقبح القبيح، وغناه عن ترك الحسن وعن فعل القبيح، فلا الحسن يتضرّر بفعله حتى يحتاج إلى تركه، ولا القبيح يفتقر إليه حتى يفعله. وهو مع كل ذلك حكيم؛ لا بدّ أن يكون فعله مطابقاً للحكمة، وعلى حسب النظام الاَكمل(٢) .

____________________

(١) العدل هو الجزاء على العمل بقدر المستحق عليه، والظلم هو منع الحقوق، والله تعالى عدل كريم جواد متفضل رحيم قد ضمن الجزاء على الاعمال والعوض على المبتدئ من الآلام، ووعد التفضل بعد ذلك بزيادة من عنده، فقال تعالى( لِلّذينَ أحسَنُوا الحُسْنَى وزيادة ) يونس ١٠: ٢٦. فخبّر أنّ للمحسنين الثواب المستحق وزيادة من عنده، وقال:( مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِهَا ) يعني له عشر أمثال ما يستحق عليها،( وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فِلا يُجزَى إلاّ مِثْلَها وَهُم لا يُظلَمون ) الانعام ٦: ١٦٠. يريد أنّه لا يجازيه بأكثر مما يستحقه، ثم ضمن بعد ذلك العفو ووعد بالغفران. فقال سبحانه( وإنّ ربّك لَذو مَغفِرةٍ للنَّاسِ على ظلمهم ) الرعد ١٣: ٦. وقال سبحانه:( إنّ الله لا يَغْفِر أن يُشركَ بِهِ ويَغفر مَا دُونَ ذَلِكَ لَمَنْ يَشاءُ ) النساء ٤: ٤٨... وقد أمر الله تعالى بالعدل ونهى عن الجور فقال تعالى:( إنَّ الله يأمُر بِالعَدلَ والاِحْسن ) النحل ١٦: ٩٠.

تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد: ١٠٣.

(٢) وتعتبر الشيعة الامامية العدل من أصول الدين وليس هو في الحقيقة اصلاً مستقلاً، بل هو

=

٣٥

فلو كان يفعل الظلم والقبح - تعالى عن ذلك - فانّ الأمر في ذلك لا يخلو عن أربع صور:

١ - أن يكون جاهلاً بالأمر، فلا يدري أنّه قبيح.

٢ - أن يكون عالماً به، ولكنّه مجبور على فعله، وعاجز عن تركه.

٣ - أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه، ولكنه محتاج إلى فعله.

٤ - أن يكون عالماً به، وغير مجبور عليه، ولا يحتاج إليه، فينحصر في أن يكون فعله له تشهّياً وعبثاً ولهواً.

وكل هذه الصور محال على الله تعالى، وتستلزم النقص فيه وهو محض الكمال، فيجب أن نحكم أنه منزَّه عن الظلم وفعل ما هو قبيح.

____________________

=

مندرج في نعوت الحق ووجوب وجوده المستلزم لجامعيّته لصفات الجمال والكمال فهو شأن من شؤون التوحيد، ولكن الاَشاعرة لما خالفوا العدلية - وهم المعتزلة والامامية - فانكروا الحسن والقبح العقليين وقالوا: ليس الحسن إلاّ ما حسّنه الشرع وليس القبح إلاّ ما قبحه الشرع، وأنه تعالى لو خلد المطيع في جهنم والعاصي في الجنة لم يكن قبيحاً؛ لاَنّه يتصرف في ملكه( لا يُسئَلُ عَمَّا يَفْعَل وَهُم يُسْئَلُونَ ) الانبياء ٢١: ٢٣. أمّا العدلية فقالوا: انّ الحاكم في تلك النظريات هو العقل مستقلاً، ولا سبيل لحكم الشرع فيها إلاّ تأكيداً وارشاداً، والعقل يستقل بحسن بعض الاَفعال وقبح البعض الآخر ويحكم بأنّ القبيح محال على الله تعالى؛ لاَنّه حكيم وفعل القبيح مناف للحكمة وتعذيب المطيع ظلم والظلم قبيح وهو لا يقع منه تعالى.

وبهذا أثبتوا لله صفة العدل وأفردوها بالذكر دون سائر الصفات إشارة الى خلاف الاشاعرة.

والعدلية بقاعدة الحسن والقبح العقليين اثبتوا جملة من القواعد الكلامية : كقاعدة اللطف ، ووجوب شكر المنعم ، ووجوب النظر في المعجزة ، وعليها بنوا أيضا مسألة الجبر والاختبار التي هي من معضلات المسائل.

للتفصيل راجع : أصل الشيعة واصولها للشيخ كاشف الغطاء : ٢٣٠.

مطارح النظر للشيخ الطريحي : الفصل الرابع ١٦٤.

٣٦

غير أن بعض المسلمين جوَّز عليه تعالى فعل القبيح(١) - تقدَّست أسماؤه - فجوَّز أن يعاقب المطيعين، ويدخل الجنّة العاصين، بل الكافرين، وجوَّز أن يكلِّف العباد فوق طاقتهم وما لا يقدرون عليه، ومع ذلك يعاقبهم على تركه، وجوَّز أن يصدر منه الظلم والجور والكذب والخداع، وأن يفعل الفعل بلا حكمة وغرض ولا مصلحة وفائدة، بحجّة أنّه( لا يُسئَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسئَلونَ ) (٢) .

فربُّ أمثال هؤلاء الذين صوَّروه على عقيدتهم الفاسدة: ظالم، جائر، سفيه، لاعب، كاذب، مخادع، يفعل القبيح ويترك الحسن الجميل، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً، وهذا هو الكفر بعينه، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه:( وَمَا اللهُ يُريدُ ظُلْماً للعِبَادِ ) (٣) .

وقال:( وَاللهُ لا يُحِبُّ الفَسَادَ ) (٤) .

وقال:( وَمَا خَلَقْنَا الْسَّمواتِ والاَرضَ وَمَا بَيْنَهُما لاعِبِينَ ) (٥) .

وقال:( وَمَا خَلَقتُ الجِنَّ والاِنْسَ إلاَّ لِيَعْبُدُونِ ) (٦) .

إلى غير ذلك من الآيات الكريمة، سبحانك ما خلقت هذا باطلاً.

____________________

(١) والى ذلك ذهبت الاَشاعرة بقولهم إنّ الله تعالى قد فعل القبائح بأسرها من أنواع الظلم والشرك والجور والعدوان ورضي بها وأحبّها - جل عن ذلك سبحانه وتعالى -. ولتفصيل هذه الاَفكار الباطلة يراجع: نهج الحق للعلامة الحلّي: ٨٥، شرح العقائد وحاشيتة للكستلي: ١٠٩ و١١٣، الملل والنحل: ١/٨٥، ٨٨، ٩١، الفصل لابن حزم: ٣/٦٦ و٦٩، شرح التجريد للقوشجي: ٣٧٣.

(٢) الانبياء ٢١: ٢٣.

(٣) غافر ٤٠: ٣١.

(٤) البقرة ٢: ٢٠٥.

(٥) الدخان ٤٤: ٣٨.

(٦) الذاريات ٥١: ٥٦.

٣٧

٩ - عقيدتنا في التكليف

نعتقد: أنّه تعالى لا يكلِّف عباده إِلاّ بعد إقامة الحجّة عليهم(١) ، ولا

____________________

(١) لا بد من معرفة أنّ حقيقة التكليف تعني: إرادة المريد من غيره ما فيه كلفة ومشقة. فيكون عندئذ المرجع هو الارادة، بقرينة ما ذكر في التعريف من الكلفة والمشقة. وأردف السيد الشريف المرتضى علم الهدى بعد ذلك بقوله - مصحّحاً القول: إنّ التكليف لا يحسن إلاّ بعد اكمال العقل ونصب الادلّة -: (وأنه تعالى اكمل العقول وحصل سائر الشروط فلا بد من أن يكلِّف، وهذا يدل على أن التكليف غير التعريف ). وقد بحث علماؤنا مباحث التكليف بصورة مستفيضة ذاكرين وجوه المراد بالتكليف وتعلقها بالمكلِّف والمكلَّف وصفات المكلف، والغرض من هذا التكليف، والوجه المجرى به إليه، وما الافعال التي يتناولها، وما المكلِّف الذي كلف هذه الاَفعال، وبأي شيء مختص من الصفات حتى يحسن أو يجب تكليفه. والمعلوم أنّ هذا الموضوع هو من بحوث الارادة الذي استحق من المتكلمين عناية وعنواناً مفرداً على أثر الاختلاف العظيم بين العلماء وزعماء المذاهب في المشيئة الالهية المذكورة في آيات الذكر الحكيم وتعلقها بأمور غير مرضية لديه سبحانه، ثمّ في تأويلها بوجوه لا تخلو عن التكلّف في الاَكثر وأهمّها الآية ١٤٨ من سورة الاَنعام( سَيقوُل الّذين أشركُوا لو شاءَ الله ما أشركْنَا ولا آباؤُنَا ولا حَرّمنا مِنْ شَيء كَذلِكَ كذّبَ الّذينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأسَنَا قُلْ هَل عِنْدَكُم مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إنْ تَتَّبعونَ إلاّ الظَنَّ وإنْ أَنْتُمْ إلاّ تخرُصُون ) والآية ٢٠ من سورة الزخرف:( وَقالُوا لَو شَاءَ الرّحمنُ ما عبدنهُمْ مَا لَهُم بِذلِكَ مِنْ عِلمٍ إنْ هم إلاّ يَخرُصوُنَ ) وآيات كثيرة توهم تعلق إرادة الخالق بما يستقبحهُ المخلوق تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. ومن هذا يبدو أنّ شيخنا المظفرقدس‌سره أفرد عنواناً مستقلاً للتكليف سطر فيه ما يمكن أن يختصر نظرية الامامية في هذا الباب، ذلك أنّ مدرسة أهل البيتعليهم‌السلام لها موقف واضح معروف يؤكّد على تنزيه الرب الكريم سبحانه وتقديسه عن كل ما هو قبيح أو شبه قبيح وشدة استنكارها بتعلّق مشيئة الله أو إرادته بشرك أو ظلم أو فاحشة قط، فضلاً عن فعله أو خلق فعله أو الاَمر به؛ إذ كل ذلك سيقع خلافاً لحكمته وعدله وفضله.

=

٣٨

يكلِّفهم إلاّ ما يسعهم ما يقدرون عليه وما يطيقونه وما يعلمون؛ لاَنّه من الظلم تكليف العاجز والجاهل غير المقصِّر في التعليم.

أمّا الجاهل المقصِّر في معرفة الاَحكام والتكاليف فهو مسؤول عند الله تعالى، ومعاقَب على تقصيره؛ إذ يجب على كلّ إنسان أن يتعلَّم ما يحتاج إليه من الاَحكام الشرعية(١) .

____________________

=

ومحصلة القول ما ذكره الشيخ المفيد بقوله: إنّ الله تعالى لا يريد إلاّ ما حسن من الاَفعال، ولا يشاء إلاّ الجميل من الاعمال، ولا يريد القبائح، ولا يشاء الفواحش - تعالى الله عمّا يقول المبطلون علواً كبيرا- :

قال الله تعالى :( وما الله يريد ظلماً للعباد ) غافر ٤٠ : ٣١.

وقال تعالى :( يريد الله بكم اليسرة ولا يريد بكم العسر ) البقرة ٢ : ١٨٥.

وقال تعالى :( يريد الله ليبين لكم ويهديكم سنن الذين من قبلكم ويتوب عليكم والله عليم حكيم ) النساء ٤ : ٢٦.

وقال تعالى :( والله يرريد أن يتوب عليكم ويريد الذين يتبعون الشهوات أن تميلوا ميلاً عظيماُ ) النساء ٤: ٢٧.

وقال تعالى :( يريد الله أن يخفف عنكم وخلق الانسن ضعيفا ) النساء ٤: ٢٨. فخبر سبحانه أنه لا يريد بعباده العسر بل يريد بهم اليسر ، وأنه يريد لهم البيان ولا يريد لهم الضلال ، ويريد التخفيف عنهم ولا يريد التثقيل عليهم ، فلو كان سبحانه مريدا لمعاصيهم لنافى ذلك إرادة البيان لهم والتخفيف عنهم واليسر لهم وكتاب الله تعالى شاهد بضد ما ذهب اليه الضالون المفترون على الله الكذب تعالى الله عما يقول الظالمون علوا كلبيرا.

لاحظ : الذخيرة للسيد المرتضى : ١٠٥، تصحيح الاعتقاد للشيخ المفيد : المجلد ٥ من مصنفات الشيخ المفيد : ٤٨-٥١.

(١) ويدلّ عليه ما ورد في كتاب الله تعالى من قوله:( فَسْئَلُوا أَهلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُون ) النحل ١٦: ٤٣ وقوله تعالى:( فَلَولا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهوا في الدِّين ولُينذرِوا قَوْمَهُمْ إذا رَجَعوا إليْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرون) التوبة ٩: ١٢٢.

ويدلّ عليه أيضاً قول الامام الصادقعليه‌السلام عندما سئل عن قوله تعالى:( قلْ فَلِلّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ ) الانعام ٦: ١٤٩. فقالعليه‌السلام : «إنّ الله تعالى يقول للعبد يوم القيامة عبدي أكنت عالماً؟ فان قال نعم قال له: أفلا عملت بما علمت؟! وإن قال: كنت

=

٣٩

ونعتقد: أنّه تعالى لا بدَّ أن يكلِّف عباده، ويسنَّ لهم الشرائع، وما فيه صلاحهم وخيرهم؛ ليدلّهم على طرق الخير والسعادة الدائمة، ويرشدهم إلى ما فيه الصلاح، ويزجرهم عمّا فيه الفساد والضرر عليهم وسوء عاقبتهم، وإن علم أنّهم لا يطيعونه؛ لاَنّ ذلك لطف ورحمة بعباده، وهم يجهلون أكثر مصالحهم وطرقها في الدنيا والآخرة، ويجهلون الكثير ممّا يعود عليهم بالضرر والخسران، والله تعالى هو الرحمن الرحيم بنفس ذاته، وهو من كماله المطلق الذي هو عين ذاته، ويستحيل أن ينفك عنه.

ولا يرفع هذا اللطف وهذه الرحمة أن يكون العباد متمرّدين على طاعته، غير مناقدين إلى أوامره ونواهيه.

____________________

=

جاهلاً، قال له: أفلا تعلّمت حتى تعمل؟! فيخصم، فتلك الحجة البالغة». الاَمالي للشيخ الطوسي: ٩ ح١٠/١٠. ونقله عنه: البحار: ٢/٢٩ ح١٠.

والحديث الوارد عن الامام الصادقعليه‌السلام : (عليكم بالتفقه في دين الله ، ولا تكونوا أعرابا ؛ فانه من لم يتفقه في دين الله لم ينظر الله اليه يوم القيامة ولم يزك له عملا .)الكافي :١/٢٤ ح٧.

كما ورد في الرسائل العملية للعلماء الأعلام : يجب على المكلف تعلم مسائل الشك والسهو التي في معرض ابتلائه لئلا يقع - لولا التعلم - في مخالفة تكليف إلزامي متوجه اليه عند طروهما لاحظ منهاج الصالحين للسيد السيستاني : العبادات / مسألة ١٩ص١٣.

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

ومثل أنّ العبد لم يذنب إلّا ذنباً منقطع الآخر فكيف يجازى بعذاب دائم ؟

ومثل أنّ أهل الشقاء لا يقصر خدمتهم لنظام التكوين عن خدمات أهل السعادة ولولاهم لم تتحقّق سعادة لسعيد فما هو الموجب لوقوعهم في عذاب مخلّد ؟

ومثل أنّ العذاب للمتخلّف عن أوامر الله ونواهيه انتقام ولا يكون الانتقام إلّا لجبر النقص الّذي أورده العاصي الظالم على المنتقم المقتدر، ولا يجوز ذلك على الله تعالى فهو الغنيّ المطلق فكيف يجوز منه العذاب وخاصّة العذاب المخلّد ؟.

فهذه وأمثالها وجوه من الإشكال أوردوها على خلود العذاب وعدم انقطاعه. وأنت بالإحاطة بما بيّنّاه من معنى خلود العذاب تعرف أنّها ساقطة من رأس، فإنّ العذاب الخالد أثر وخاصّة لصورة الشقاء الّذي لزمت الإنسان الشقيّ فتصوّر ذاته بها بعد تماميّة الاستعداد الشديد الّذي حصل في ذاته القابلة لها بواسطة الأحوال العارضة لها المنتهية إلى اختياره، واشتداد الاستعداد التامّ هو الّذي يوجب في جميع الحوادث إفاضة الصورة المناسبة لسنخ الاستعداد، فكما لا يجوز السؤال عن علّة تحقّق الأفعال الإنسانيّة بعد ورود الصورة الإنسانيّة على المادّة لوجود العلّة الّتي هي الصورة الإنسانيّة كذلك لا معنى للسؤال عن لمّيّة ترتّب آثار الشقاء اللّازم، ومنها العذاب المخلّد بعد تحقّق صورة الشقاء اللّازم، المنتهية إلى الاختيار فإنّها آثارها وخواصّها فبطلت السؤالات جميعاً، فهذا هو الجواب الإجماليّ عنها.

وأمّا تفصيلاً: فالجواب عن الأوّل: أنّ الرحمة فيه تعالى ليس بمعنى رقّة القلب والإشفاق والتأثّر الباطنيّ فإنّها تستلزم المادّة - تعالى عن ذلك -، بل معناها العطيّة والإفاضة لما يناسب الاستعداد التامّ الحاصل في القابل، فإنّ المستعدّ بالاستعداد التامّ الشديد يحبّ ما يستعدّ له ويطلبه ويسأله بلسان استعداده فيفاض عليه ما يطلبه ويسأله، والرحمة رحمتان: رحمة عامّة، وهي إعطاء ما يستعدّ له الشئ ويشتاقه في صراط الوجود والكينونة، ورحمة خاصّة، وهي إعطاء ما يستعد له الشئ في صراط الهداية إلى التوحيد وسعادة القرب وإعطاء صورة الشقاء اللّازم الّذي أثره العذاب الدائم للإنسان المستعدّ له باستعداده الشديد لا ينافي الرحمة العامّة بل هو منها، وأمّا الرحمة الخاصّة

٤٢١

فلا معنى لشمولها لمن هو خارج عن صراطها، فقول القائل: إنّ العذاب الدائم ينافي الرحمة إن أراد به الرحمة العامّة فليس كذلك بل هو من الرحمة العامّة، وإن أراد به الرحمة الخاصّة فليس كذلك لكونه ليس مورداً لها. على أنّ الإشكال لو تمّ لجرى في العذاب المنقطع أيضاً حتّى أنواع العذاب الدنيويّ، وهو ظاهر.

والجواب عن الثاني: أنّه ينبغي أن يحرّر معنى عدم ملائمة الطبع فإنّه تارة بمعنى عدم السنخيّة بين الموضوع والأثر الموجود عنده وهو الفعل القسريّ الّذي يصدر عن قسر القاسر ويقابله الأثر الملائم الّذي يصدر عن طبع الشئ إذا اقترن به آفات ثمّ رسخت فيه فصارت صورة في الشئ وعاد الشئ يطلبه بهذا الوجود وهو في عين الحال لا يحبّه كما مثّلنا فيه من مثال الماليخوليائي فهذه الآثار ملائمة لذاته من حيث صدورها عن طبعه الشقيّ الخبيث والآثار الصادرة عن الطباع ملائمة، وهي بعينها عذاب لصدق حدّ العذاب عليها لكون الشئ لا يرتضيها فهي غير مرضيّة من حيث الذوق والوجدان في عين كونها مرضيّة من حيث الصدور.

والجواب عن الثالث: أنّ العذاب في الحقيقة ترتّب أثر غير مرضيّ على موضوعه الثّابت حقيقة، وهو صورة الشقاء فهذا الأثر معلول الصورة الحاصلة بعد تحقّق علل معدّة، وهي المخالفات المحدودة، وليس معلولاً لتلك العلل المعدّة المحدودة حتّى يلزم تأثير المتناهي أثراً غير متناه وهو محال. ونظيره أنّ عللاً معدّة ومقرّبات معدودة محدودة أوجبت أن تتصوّر المادّة بالصورة الإنسانيّة فيصير إنساناً يصدر عنه آثار الإنسانيّة المعلولة للصورة المذكورة. ولا معنى لأن يسأل ويقال: إنّ الآثار الإنسانيّة الصادرة عن الإنسان بعد الموت صدوراً دائميّاً سرمديّاً لحصول معدّات محدودة مقطوعة الأمر للمادّة فكيف صارت مجموع منقطع الآخر من العلل سبباً لصدور الآثار المذكورة وبقائها مع الإنسان دائماً لأنّ علّتها الفاعلة - وهي الصورة الإنسانيّة - موجودة معها دائماً على الفرض، فكما لا معنى لهذا السؤال لا معنى لذلك أيضاً.

والجواب عن الرابع: أنّ الخدمة والعبوديّة أيضاً مثل الرحمة على قسمين: عبوديّة عامّة، وهو الخضوع والانفعال الوجوديّ لمبدء الوجود، وعبوديّة خاصّة

٤٢٢

وهو الخضوع والانقياد في صراط الهداية إلى التوحيد، ولكلّ من القسمين جزاءٌ يناسبه وأثر يترتّب عليه ويخصه من الرّحمة، فالعبوديّة العامّة في نظام التكوين جزاؤه الرحمة العامّة، والنعمة الدائمة والعذاب الدائم كلاهما من الرحمة العامّة، والعبوديّة الخاصّة جزاؤها الرحمة الخاصّة، وهي النعمة والجنّة وهو ظاهر، على أنّ هذا الإشكال لو تمّ لورد في مورد العذاب المنقطع الاُخروي بل الدنيويّ أيضاً.

والجواب عن الخامس: أنّ العذاب الدائم مستند إلى صورة الشقاء الّذي في الإنسان كما عرفت، وإلى الله سبحانه بالمعنى الّذي يقال: في كلّ موجود: إنّه مستند إليه تعالى لا بمعنى الانتقام وتشفّي الصدر المستحيل عليه تعالى: نعم الانتقام بمعنى الجزاء الشاقّ والأثر السيّئ الّذي يجزي به المولى عبده في مقابل تعدّيه عن طور العبوديّة، وخروجه عن ساحة الانقياد إلى عرصة التمرّد والمخالفة ممّا يصدّق فيه تعالى لكن لا يستلزم كون العذاب انتقاماً بهذا المعنى إشكالاً ألبتّة.

على أنّ هذا الإشكال أيضاً لو تمّ لورد في مورد العذاب الموقّت المنقطع في الآخرة بل في الدنيا أيضاً.

( بحث قرآني وروائي متمم للبحث السابق)

إعلم أنّ هذا الطريق من الاستدلال على ردّ الشبهة المذكورة ممّا استعمل في الكتاب والسنّة أيضاً، قال تعالى:( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلًّا نُّمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) الإسراء - ٢٠، فالآية كما ترى يجعل العذاب والشكر كليهما من العطيّة والرحمة وتجعل تحقّق كلّ منهما مرتبطة بإرادة العبد وسعيه وهذا بعينه الطريق الّذي سلكناه في أصل المسألة ودفع الإشكالات عنها وهناك آيات اُخر في هذا المعنى سنتكلّم فيها في مواردها، إنشاء الله تعالى.

٤٢٣

( سورة البقرة الآيات ١٦٨ - ١٧١)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ  إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( ١٦٨ ) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( ١٦٩ ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا  أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ( ١٧٠ ) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً  صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ( ١٧١ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ) إلى آخر الآيتين، الحلال مقابل الحرام الممنوع اقتحامه، والحلّ مقابل الحرمة، والحلّ مقابل حرم، والحلّ مقابل العقد، وهو في جميع موارد استعماله يعطي معنى حرّيّة الشئ في فعله وأثره، والطيّب - مقابل الخبيث - ما يلائم النفس والشئ، كالطيّب من القول لملائمتة السمع، والطيّب من العطر يلائم الشامّة، والطيّب من المكان يلائم حال المتمكّن فيه. والخطوات بضمّتين جمع خطوة، وهي ما بين القدمين للماشي، وقرء خطوات بفتحتين وهي جمع خطوة، وهي المرّة، وخطوات الشيطان هي الاُمور الّتي نسبته إلى غرض الشيطان - وهو الإغواء بالشرك - نسبة خطوات الماشي إلى مقصده وغرضه، فهي الاُمور الّتي هي مقدّمات للشرك والبعد من الله سبحانه، والأمر هو تحميل الآمر إرادة نفسه على المأمور ليأتي ما يريده، والأمر من الشيطان وسوسته وتحميله ما يريده من الإنسان عليه بإخطاره في قلبه وتزيينه في نظره والسوء ما ينافره الإنسان ويستقبحه بنظر الاجتماع فإذا جاوز حدّه وتعدّى طوره كان فحشاء ولذلك سمّي الزّنا بالفحشاء وهو مصدر كالسرّاء والضرّاء.

٤٢٤

وقد عمّم تعالى الخطاب لجميع الناس لأنّ الحكم الّذي يقرعه سمعهم ويبيّنه لهم ممّا يبتلي به الكلّ، أمّا المشركون: فقد كان عندهم اُمور ممّا حرّموه على أنفسهم افتراءً على الله كما روي أنّ ثقيفاً وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج كانوا قد حرّموا على أنفسهم أشياءً من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة، هذا في العرب، وفي غيرهم أيضاً يوجد أشياء كثيرة من هذا القبيل، وأمّا المؤمنون: فربّما كان يبقى بعد الإسلام بينهم امور خرافيّة طبق ناموس توارث الأخلاق والآداب القوميّة والسنن المنسوخة بنواسخ غير تدريجيّة كالأديان والقوانين وغيرهما فإنّ كلّ طريقة جديدة دينيّة أو دنيويّة إذا نزلت بدار قوم فإنّما تتوجّه أوّل ما تتوجّه إلى اصول الطريقة القديمة وأعراقها فتقطعه فإن دامت على حياتها وقوّتها - وذلك بحسن التربية وحسن القبول - أماتت الفروع وقطعت الأذناب وإلّا فاختلطت بقايا من القديمة بالحديثة والتئمت بها وصارت كالمركّب النباتيّ، ما هو بهذا ولاذاك.

فأمر تعالى الناس أن يأكلوا ممّا في الأرض، والأكل هو البلع عن مضغ وربّما يكنّى بالأكل عن مطلق التصرّف في الأموال لكون الأكل هو الأصل في أفعال الإنسان والركن في حياته كما قال تعالى:( لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ ) النساء - ٢٩، والآية لا تأبى الحمل على هذا المعنى الوسيع لإطلاقها، والمعنى كلوا وتصرّفوا وتمتّعوا ممّا في الأرض من النعم الإلهيّة الّتي هيّأته لكم طبيعة الأرض بإذن الله وتسخيره أكلاً حلالاً طيّباً، أي لا يمنعكم عن أكله أو التصرّف فيه مانع من قبل طبائعكم وطبيعة الأرض، كالّذي لا يقبل بطبعه الأكل، أو الطبع لا يقبل أكله، ولا تنفّر طبائعكم عن أكله ممّا يقبل الطبع أكله لكن ينافره ويأبى عنه السّليقة كالأكل الّذي توسّل إليه بوسيلة غير جائزة.

فقوله تعالى: ( كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ) ، يفيد الإباحة العامّة من غير تقييد واشتراط فيه إلّا أنّ قوله ولا تتّبعوا خطوات الشيطان، إلخ يفيد: أنّ هيهنا اُموراً تسمّى خطوات الشيطان - متعلّقة بهذا الأكل الحلال الطيّب - إمّا كفّ عن الأكل اتّباعاً للشيطان، وإمّا إقدام عليه أتّباعاً للشيطان، ثمّ ذكر ضابط ما يتّبع فيه الشيطان بأنّه

٤٢٥

سوء وفحشآء، وقول ما لا يعلم على الله سبحانه وإذا كان الكفّ غير جائز إلّا برضى من الله تعالى فالفعل أيضاً كذلك فليس الأكل ممّا في األرض حلالاً طيّباً إلّا أن يأذن الله تعالى ويشرّعه وقد شرّعه بهذه الآية ونظائرها ولا يمنع عنه بنهي أو ردع كما سيأتي من قوله تعالى:( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ) الآية فرجع معنى الآية - والله أعلم - إلي نحو قولنا كلوا ممّا في الأرض من نعم الله المخلوقة لكم فقد جعله الله لكم حلالاً طيّباً ولا تتركوا بعضاً منها كفّاً وامتناعاً فيكون سوءً وفحشاء وقولاً بغير علم أي تشريعاً ليس لكم ذلك وهو اتّباع خطوات الشيطان.

فالآية تدلّأوّلاً: على عموم الحلّيّة في جميع التصرّفات إلّا ما أخرجه الدليل فإنّ لله سبحانه المنع فيما له الإذن فيه.

وثانياً: على أنّ الامتناع ممّا أحلّه الله من غير دليل علميّ تشريع محرّم.

وثالثاً: على أنّ المراد من اتّباع خطوات الشيطان التعبّد لله بما لم يأذن في التعبّد بذلك فإنّه لم ينه عن المشي والسلوك لكن عن المشي الّذي يضع فيه الإنسان قدمه موضع قدم الشيطان فينطبق مشيّته على مشيّته فيكون متّبعاً لخطواته، ومن هنا يعلم أنّ عموم التعليل، وهو قوله إنّما يأمركم الخ وإن اقتضى المنع عن الاقتحام في فعل بغير علم كما يقتضي المنع عن الامتناع بغير علم لكنّه ليس بمراد في الخطاب فإنّه ليس من اتّباع خطوات الشيطان وإن كان اتّباعاً للشيطان.

قوله تعالى: ( إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ، السوء والفحشاء يكونان في الفعل، وفي مقابلة القول، وبذلك يظهر: أنّ ما يأمر به الشيطان ينحصر في الفعل الّذي هو سوء وفحشاء، والقول الّذي هو قول بغير علم.

قوله تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا ) ، الإلفاء الوجدان أي وجدنا عليه آبائنا، والآية تشهد بما استفدناه من الآية السابقة في معنى خطوات الشيطان.

قوله تعالى: ( أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) ، جواب عن قولهم، وبيانه أنّه قول بغير علم ولا تبيّن، وينافيه صريح العقل فإنّ قولهم: بل نتّبع ما ألفينا

٤٢٦

عليه آبائنا قول مطلق أي نتّبع آبائنا على أيّ حال وعلى أيّ وصف كانوا، حتّى لو لم يعلموا شيئاً ولم يهتدوا ونقول: ما فعلوه حقّ، وهذا هو القول بغير علم، ويؤدّي إلى القول بما لا يقول به عاقل لو تنبّه له ولو كانوا اتّبعوا آبائهم فيما علموه واهتدوا فيه وهم يعلمون: أنّهم علموا واهتدوا فيه لم يكن من قبيل الاهتداء بغير علم.

ومن هنا يعلم: أنّ قوله تعالى:( لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) ، ليس وارداً مورد المبالغة نظراً إلى أنّ سلب مطلق العلم عن آبائهم مع كونهم يعلمون أشياء كثيرة في حياتهم لا يحتمل إلّا المبالغة.

وذلك أنّ الكلام مسوق سوق الفرض بإبداء تقدير لا يقول بجواز الاتّباع فيه قائل ليبطل به إطلاق قولهم نتّبع ما ألفينا عليه آبائنا وهو ظاهر.

قوله تعالى: ( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ) ، المثل هو الكلام السائر والمثل هو الوصف كقوله تعالى:( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) الفرقان - ٩، والنعيق صوت الراعي لغنمه زجراً يقال: نعق الراعي بالغنم ينعق نعيقاً إذا صاح بها زجراً، والنداء مصدر نادى ينادي مناداة وهو أخصّ من الدعاء ففيه معنى الجهر بالصوت ونحوه بخلاف الدعاء، والمعنى - والله أعلم - ومثلك في دعاء الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق من البهائم بما لا يسمع من نعيقه إلّا دعاءً ونداءً ما، فينزجر بمجرّد قرع الصوت سمعه من غير أن يعقل شيئاً فهم صمّ لا يسمعون كلاماً يفيدهم، وبكم لا يتكلّمون بما يفيد معنى، وعمى لا يبصرون شيئاً فهم لا يعقلون شيئاً لأنّ الطرق المؤدّية إلى التعقّل مسدودة عليهم.

ومن ذلك يظهر أنّ في الكلام قلباً أو عناية اُخرى يعود إليه فإنّ المثل بالّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاءً ونداءً مثل الّذي يدعوهم إلى الهدى لا مثل الكافرين المدعوين إلى الهدى إلّا أنّ الأوصاف الثلاثة الّتي استنتج واستخرج من المثل وذكرت بعده، وهي قوله: صمّ بكم عمى فهم لا يعقلون، لما كانت أوصافاً للّذين كفروا لا لمن يدعوهم إلى الحقّ استوجب ذلك أن ينسب المثل إلى الّذين كفروا لا إلى رسول الله تعالى فأنتج ما أشبه القلب.

٤٢٧

( بحث روائي)

في تهذيب عن عبد الرحمن، قال: سألت أباعبدالله عن رجل حلف أن ينحر ولده قال: ذلك من خطوات الشيطان.

وعن منصور بن حازم أيضاً قال: قال لي أبوعبداللهعليه‌السلام - أما سمعت بطارق إنّ طارقاً كان نخّاساً بالمدينة فأتى أباجعفر فقال يا أباجعفر إنّي حلفت بالطلاق والعتاق والنذر ؟ فقال له يا طارق إنّ هذا من خطوات الشيطان.

وفي تفسير العيّاشيّ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كلّ يمين بغير الله فهو من خطوات الشيطان.

وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام قال: إذا حلف الرجل على شئ - والّذي حلف عليه اتيانه خير من تركه - فليأت الّذي هو خير ولا كفّارة له، وإنّما ذلك من خطوات الشيطان.

أقول: والأحاديث كما ترى مبنية على كون المراد من خطوات الشيطان الأعمال الّتي يتقرّب بها وليست بمقرّبة لعدم العبرة بها شرعاً كما ذكرناه في البيان السابق نعم في خصوص الطلاق ونحوه وجه آخر للبطلان وهو التعليق المنافي للإنشاء، والمسألة فقهيّة، والمراد باليمين بغير الله هو اليمين الّذي يترتّب عليه أثر اليمين الشرعيّ أو القسم بما لم يقسم به الله ولم يثبت له كرامة شيئاً.

وفي المجمع عن الباقر في قوله تعالى:( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ) الآية قال: أي مثلهم في دعائك إيّاهم إلى الإيمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم الّتي لا تفهم وإنّما تسمع الصوت.

( بحث اخلاقي واجتماعي)

الآراء والعقائد الّتي يتّخذها الإنسان أمّا نظريّة لا تعلّق لها بالعمل من غير واسطة كالمسائل المتعلّقة بالرياضيّات والطبيعيّات، وماوراء الطبيعة، وإمّا عمليّة متعلّقة بالعمل بلا واسطة كالمسائل المتعلّقة بما ينبغي فعله وما لا ينبغي. والسبيل في القسم الأوّل

٤٢٨

هو اتّباع العلم واليقين المنتهي إلى برهان أو حسّ، وفي القسم الثاني اتّباع ما يوصل إلى الخير الّذي فيه سعادة الإنسان أو النافع فيها، وإجتناب ما ينتهي إلى شقائه أو يضرّه في سعادته، وأمّا الاعتقاد بما لا علم له بكونه حقّاً في القسم الأوّل، والاعتقاد بما لا يعلم كونه خيراً أو شرّاً فهو اعتقاد خرافيّ.

والإنسان لما كانت آراؤه منتهية إلى اقتضاء الفطرة الباحثة عن علل الأشياء والطبيعة الباعثة له إلى الاستكمال بما هو كماله حقيقة فإنّه لا تخضع نفسه إلى الرأى الخرافيّ المأخوذ على العمياء وجهلاً إلّا أنّ العواطف النفسانيّة والإحساسات الباطنيّة الّتي تثيرها الخيال - وعمدتها الخوف والرجاء - ربّما أوجبت له القول بالخرافة من جهة أنّ الخيال يصوّر له صوراً يستصحب خوفاً أو رجاء فيحفظها إحساس الخوف أو الرجاء، ولا يدعها تغيب عن النفس الخائفة أو الراجية. كما أنّ الإنسان إذا أحلّ وادياً - وهو وحده بلا أنيس واللّيل داج مظلم والبصر حاسر عن الإدراك - فلا مؤمّن يؤمنّه بتميّز المخاطر عن غيرها بضياء ونحوه فترى أنّ خياله يصوّر له كلّ شبح يترائى له غولاً مهيباً يقصده بالإهلاك أو روحاً من الأرواح، وربّما صوّر له حركة وذهاباً وإياباً وصعوداً في السماء ونزولاً إلى الأرض، وإشكالاً وتماثيل ثمّ لا يزال الخيال يكرّر له هذا الشبه المجعول كلمّا ذكره وحاله حاله من الخوف، ثمّ ربّما نقله لغيره فأوجد فيه حالاً نظير حاله ولا يزال ينتشر - وهو موضوع خرافيّ لا ينتهي إلى حقيقة -.

وربّما هيّج الخيال حسّ الدفاع من الإنسان أن يضع أعمالاً لدفع شرّ هذا الموجود الموهوم ويحثّ غيره على العمل بها للأمن من شرّه فيذهب سنّة خرافيّة.

ولم يزل الإنسان منذ أقدم أعصار حياته مبتلى بآراء خرافيّة حتّى اليوم وليس كما يظنّ من أنّها من خصائص الشرقيّين فهي موجودة بين الغربيّين مثلهم لو لم يكونوا أحرص عليها منهم.

ولا يزال الخواصّ من الإنسان - وهم العلماء - يحتالون في إمحاء رسوم هذه الخرافات المتمكّنة في نفوس العامّة من الناس بلطائف حيلهم الّتي توجب تنبّه العامّة وتيقّظهم في أمرها، وقد أعيا الداء الطبيب فإنّ الإنسان لا يخلو من التقليد والاتّباع

٤٢٩

في الآراء النظريّة والمعلومات الحقيقيّة من جانب ومن الاحساسات والعواطف النفسانيّة من جانب آخر، وناهيك في ذلك أنّ العلاج لم ينجح إلى اليوم.

وأعجب من الجميع ما يراه في ذلك أهل الحضارة وعلماء الطبيعة اليوم ! فقد ذكروا أنّ العلم اليوم يبني أساسه على الحسّ والتجربة ويدفع ما دون ذلك، والمدنيّة والحضارة تبني أساسه على استكمال الإجتماع في كلّ كمال ميسور ما استيسر، وبنوا التربية على ذلك.

مع أنّ ذلك - وهو عجيب - نفسه من اتّباع الخرافة فإن علوم الطبيعة إنّما تبحث عن خواصّ الطبيعة وتثبتها لموضوعاتها، وبعبارة اُخرى هذه العلوم المادّيّة إنّما تكشف دائماً عن خباياً خواصّ المادّة، وأمّا ما وراءً ذلك فلا سبيل لها إلى نفيه وإبطاله فالاعتقاد بانتفاء ما لا تناله الحسّ والتجربة من غير دليل من أظهر الخرافات.

وكذلك بناء المدنيّة على استكمال الاجتماع المذكور فإنّ هذا الاستكمال والنيل بالسعادة الاجتماعيّة ربّما يستلزم حرمان بعض الأفراد من سعادته الحيويّة الفرديّة كتحمّل القتل والتفدية في الدفاع عن الوطن أو القانون أو المرام، والمحروميّة من سعادة الشخص لأجل وقاية حريم الاجتماع فهذه الحرمانات لا يقدم فيها الإنسان إلّا عن عقيدة الاستكمال، وأن يراها كمالات - وليست كمالات لنفسه - بل عدم وحرمان لها، وإنّما هي كمالات - لو كانت كمالات - للمجتمع من حيث هو مجتمع وإنّما يريد الإنسان الاجتماع لأجل نفسه لا نفسه لأجل الاجتماع، ولذلك كلّه ما احتالت هذه الاجتماعات لأفرادها فلقّنوهم أنّ الإنسان يكتسب بالتفدية ذكراً جميلاً واسماً باقياً على الفخر دائماً وهو الحياة الدائمة، وهذه خرافة، وأيّ حياة بعد البطلان والفناء غير أنّا نسمّيه حياة، تسمية ليس ورائها شئ؟.

ومثلها القول: إنّ الإنسان يجب له تحمّل مرّ القانون والصبر على الحرمان في بعض ما يشتهيه نفسه ليتحفّظ به الاجتماع فينال كماله في الباقي فيعتقد أنّ كمال الاجتماع كماله، وهذه خرافة، فإنّ كمال الاجتماع إنّما هو كماله فيما يتطابق الكمالان وأمّا غير ذلك فلا، فأيّ موجب على فرد بالنّسبة إلى كماله، أو اجتماع قوم بالنسبة إلى اجتماع

٤٣٠

الدنيا إذا قدر على نيل ما يبتغيه من آماله ولو بالجور وفاق في القوّة والاستطاعة من غير مقاوم يقاومه أن يعتقد أنّ كمال الاجتماع كماله والذكر الجميل فخاره ؟ كما أنّ أقوياء الاُمم لا يزالون على الانتفاع من حياة الاُمم الضعيفة، فلا يجدون منهم موطئاً إلّا وطئوة، ولا منالاً إلّا نالوه، ولا نسمة إلّا استرقّوه واستعبدوه، وهل ذلك إلّا علاجاً لمزمن الداء بالإفناء؟.

وأمّا ما سلكه القرآن في ذلك فهو أمره باتّباع ما أنزل الله والنهي عن القول بغير علم، هذا في النظر، وأمّا في العمل فأمره بابتغاء ما عند الله فيه فإن كان مطابقاً لما يشتهيه النفس كان فيه سعادة الدنيا والآخرة وإن كان فيه حرمانها، فعند الله عظيم الأجر، وما عند الله خير وأبقى.

والّذي يقوله أصحاب الحسّ: أنّ اتّباع الدين تقليد يمنع عنه العلم وأنّه من خرافات العهد الثّاني من العهود الأربعة المّارة على نوع الإنسان (وهي عهد الأساطير وعهد المذهب وعهد الفلسفة وعهد العلم، وهو الّذي عليه البشر اليوم من اتّباع العلم ورفض الخرافات) فهو قول بغير علم ورأي خرافيّ.

أمّا أنّ اتّباع الدين تقليد فيبطله: أنّ الدين مجموع مركّب من معارف المبدء و المعاد، ومن قوانين اجتماعيّة من العبادات والمعاملات مأخوذة من طريق الوحي والنبوّة الثابت صدقه بالبرهان والمجموعة من الأخبار الّتي أخبر بها الصادق صادقة واتّباعها اتّباع للعلم لأنّ المفروض العلم بصدق مخبرها بالبرهان، وقد مرّ في البحث التالي لقوله تعالى:( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) البقرة - ٦٧، كلام في التقليد فارجع.

ومن العجيب أنّ هذا القول قول من ليس بيده في أصول الحياة وسنن الاجتماع: من مأكله ومشربه وملبسه ومنكحه ومسكنه وغير ذلك إلّا التقليد على العمى واتّباع الهوى من غير تثبّت وتبيّن، نعم اختلقوا للتقليد اسماً آخر وهو اتّباع السنّة الّذي ترتضيه الدنيا الراقيّة فصار التقليد بذلك ممحوّ الاسم ثابت الرسم، مهجور اللّفظ، مأنوس المعني، وكان (ألق دلوك في الدلاء) شعاراً علميّاً ورقيّاً مدنيّاً وعاد (ولا

٤٣١

تتبع الهوى فيضلك) تقليداً دينيّاً وقولاً خرافيّاً.

وأمّا تقسيمهم سير الحياة الإنسانيّة إلى أربعة عهود فما بأيدينا من تاريخ الدين والفلسفة يكذّبه فإنّ طلوع دين إبراهيم إنّما كان بعد عهد الفلسفة بالهند ومصر وكلدان ودين عيسى بعد فلسفة يونان وكذا دين محمّد (صلّي الله عليه وآله وسلّم) - وهو الإسلام - كان بعد فلسفة يونان وإسكندريّة، وبالجملة غاية أوج الفلسفة كانت قبل بلوغ الدين أوجه. وقد مرّ فيما مرّ أنّ دين التوحيد يتقدّم في عهده على جميع الأديان الاُخر.

والّذي يرتضيه القرآن من تقسيم تاريخ الإنسان هو تقسيمه إلى عهد السذاجة ووحدة الاًمم وعهد الحسّ والمادّة، وسيجئ بيانه في الكلام على قوله تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ ) البقرة - ٢١٣.

٤٣٢

( سورة البقرة الآيات ١٧٢ - ١٧٦)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ( ١٧٢ ) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ  فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ  إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ١٧٣ ) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا  أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ١٧٤ ) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ  فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ( ١٧٥ ) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ  وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ( ١٧٦ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، خطاب خاصّ بالمؤمنين بعد الخطاب السابق للناس فهو من قبيل انتزاع الخطاب من الخطاب، كأنّه انصراف عن خطاب جماعة ممّن لا يقبل النصح ولا يصغي إلى القول، والتفات إلى من يستجيب الداعي لإيمانه به والتفاوت الموجود بين الخطابين ناش من تفاوت المخاطبين، فإنّ المؤمنين بالله لما كان يتوقّع منهم القبول بدّل قوله: ما في الأرض حلالاً طيّباً بقوله: من طيّبات ما رزقناكم، وكان ذلك وسيلة إلى أن يطلب منهم الشكر لله وحده لكونهم موحّدين لا يعبدون إلّا الله سبحانه، ولذلك بعينه قيل: ما رزقناكم ولم يقل: ما رزقتم أو ما في الأرض ونحوه، لما فيه من الإيماء أو الدلالة على كونه تعالى معروفاً لهم قريباً منهم حنيناً رؤوفاً بهم، والظاهر أن يكون قوله: من طيّبات ما رزقناكم، من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف لا من قبيل قيام الصفة مقام الموصوف

٤٣٣

فإنّ المعنى على الأوّل كلوا من رزقنا الّذي كلّه طيّب، وهو المناسب لمعنى التقرّب والتحنّن الّذي يلوح من المقام، والمعنى على الثاني كلوا من طيّب الرزق لا من خبيثه، وهو بعيد المناسبة عن المقام الّذي هو مقام رفع الحظر، والنهي عن الامتناع عن بعض ما رزقهم الله سبحانه تشريعاً من عند أنفسهم وقولاً بغير علم.

قوله تعالى: ( وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) ، لم يقل واشكروا لنا بل اشكرو الله ليكون أدلّ على الأمر بالتوحيد ولذلك أيضاً قيل: إن كنتم إيّاه تعبدون فدلّ على الحصر والقصر ولم يقل إن كنتم تعبدونه.

قوله تعالى: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله ) الإهلال لغير الله هو الذبح لغيره كالأصنام.

قوله تعالى: ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَاد ) ، أي غير ظالم ولا متجاوز حدّه، وهما حالان عاملهما الاضطرار فيكون المعنى فمن اضطرّ إلى أكل شئ ممّا ذكر من المنهيّات اضطراراً في حال عدم بغيه وعدم عدوه فلا ذنب له في الأكل، وأمّا لو اضطرّ في حال البغي والعدو كأن يكونا هما الموجبين للاضطرار فلا يجوز له ذلك، وقوله تعالى: إنّ الله غفور رحيم، دليل على أنّ التجوّز تخفيف ورخصة منه تعالى للمؤمنين وإلّا فمناط النهي موجود في صورة الاضطرار أيضاً.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ ) ، تعريض لأهل الكتاب إذ عندهم شئ كثير من المحلّلات الطيّبة الّتي حرّمها كبراؤهم ورؤساؤهم في العبادات وغيرها - وعندهم الكتاب الّذي لا يقضي فيه بالتحريم - ولم يكتموا ما كتموه إلّا حفظاً لما يدرّ عليهم من رزق الرئاسة وأبهّة المقام والجاه والمال.

وفي الآية من الدلالة على تجسّم الأعمال وتحقّق نتائجها ما لا يخفى فإنّه تعالى ذكر أوّلاً أنّ اختيارهم الثمن القليل على ما أنزل الله هو أكل النار في بطونهم ثمّ بدّل اختيار الكتمان وأخذ الثمن على بيان ما أنزل الله في الآية التاليه من اختيار الضلالة على الهدى ثمّ من اختيار العذاب على المغفرة ثمّ ختمها بقوله: فما أصبرهم على النار، والّذي كان منهم ظاهراً هو الإدامة للكتمان والبقاء عليها فافهم.

٤٣٤

( بحث روائي)

في الكافي عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد الآية، قال: الباغي باغي الصيد، والعادي السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين وليس لهما أن يقصرا في الصلاة.

وفي تفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام قال الباغي الظالم، والعادي الغاصب.

وعن حمّاد عنهعليه‌السلام قال: الباغي الخارج على الإمام والعادي اللّص.

وفي المجمع عن أبي جعفرعليه‌السلام وأبى عبداللهعليه‌السلام : غير باغ على إمام المسلمين ولا عادٍ بالمعصية طريق المحقّين.

أقول: والجميع من قبيل عدّ المصاديق، وهي تؤيّد المعنى الّذي استفدناه من ظاهر اللّفظ.

وفي الكافي وتفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى: فما أصبرهم على النار الآية. قال: ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنّه يصيّرهم إلى النار.

وفي المجمع عن عليّ بن إبراهيم عن الصادقعليه‌السلام قال: ما أجرأهم على النار.

وعن الصادقعليه‌السلام : ما أعملهم بأعمال أهل النار.

أقول: والروايات قريبة المعاني ففي الاُولى تفسير الصبر على النار بالصبر على سبب النار، وفي الثانية تفسير الصبر على النار بالجرأة عليها وهي لازمة للصبر، وفي الثالثة تفسير الصبر على النار بالعمل بما يعمل به أهل النار ومرجعه إلى معنى الرواية الاُولى.

٤٣٥

لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا  وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ  أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا  وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ( ١٧٧ )

( بيان)

قيل: كثر الجدال والخصام بين الناس بعد تحويل القبلة من بيت المقدّس إلى الكعبة وطالت المشاجرة فنزلت الآية.

قوله تعالى: ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) ، البرّ بالكسر التوسّع من الخير والإحسان، والبرّ بالفتح صفة مشبّهة منه، والقبل بالكسر فالفتح الجهة ومنه القبلة وهي النوع من الجهة، وذووا القربى الأقرباء، واليتامى جمع يتيم وهو الّذي لا والد له، والمساكين جمع مسكين وهو أسوء حالاً من الفقير، وابن السبيل المنقطع عن أهله، والرقاب جمع رقبة وهي رقبة العبد، والبأسآء مصدر كالبؤس وهو الشدّة والفقر، والضرّآء مصدر كالضرّ وهو أن يتضرّر الإنسان بمرض أو جرح أو ذهاب مال أو موت ولد، والبأس شدّة الحرب.

قوله تعالى: ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ) ، عدل عن تعريف البرّ بالكسر إلى تعريف البرّ بالفتح ليكون بياناً وتعريفاً للرجال مع تضمّنه لشرح وصفهم وإيماءً إلى أنّه لا أثر للمفهوم الخالي عن المصداق ولا فضل فيه، وهذا دأب القرآن في جميع بياناته فإنّه يبيّن المقامات ويشرح الأحوال بتعريف رجالها من غير أن يقنع ببيان المفهوم فحسب.

وبالجملة قوله ولكنّ البرّ من آمن بالله واليوم الآخر، تعريف للأبرار وبيان

٤٣٦

لحقيقة حالهم، وقد عرّفهم أوّلاً في جميع المراتب الثلاث من الاعتقاد والأعمال والأخلاق بقوله:( مَنْ آمَنَ بِاللهِ ) وثانياً بقوله:( أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) وثالثاً بقوله:( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) .

فأمّا ما عرّفهم به أوّلاً فابتدء فيه بقوله تعالى: من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيّين، وهذا جامع لجميع المعارف الحقّة الّتي يريد الله سبحانه من عباده الإيمان بها، والمراد بهذا الإيمان الإيمان التامّ الّذي لا يتخلّف عنه أثره، لا في القلب بعروض شكّ أو اضطراب أو اعتراض أو سخط في شئ ممّا يصيبه ممّا لا ترتضيه النفس، ولا في خلق ولا في عمل، والدليل على أنّ المراد به ذلك قوله في ذيل الآيه( أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) فقد أطلق الصدق ولم يقيّده بشئ من أعمال القلب والجوارح فهم مؤمنون حقّاً صادقون في إيمانهم كما قال تعالى:( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء - ٦٥، وحينئذ ينطبق حالهم على المرتبة الرّابعة من مراتب الإيمان الّتي مرّ بيانها في ذيل قوله تعالى:( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ ) البقرة - ١٣١.

ثمّ ذكر تعالى: نبذأ من أعمالهم بقوله: وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكوة، فذكر الصلاة - وهي حكم عباديّ - وقد قال تعالى:( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) العنكبوت - ٤٥، وقال:( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) طه - ١٤، وذكر الزكاة - وهي حكم ماليّ فيه صلاح المعاش - وذكر قبلهما إيتاء المال وهو بثّ الخير ونشر الإحسان غير الواجب لرفع حوائج المحتاجين وإقامة صلبهم.

ثمّ ذكر سبحانه نبذاً من جمل أخلاقهم بقوله: والموفون بعدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأسآء والضرّآء وحين البأس، فالعهد هو الالتزام بشئ والعقد له - وقد أطلقه تعالى - وهو مع ذلك لا يشمل الإيمان والالتزام بأحكامه كما توهّمه بعضهم - لمكان قوله إذا عاهدوا، فإنّ الالتزام بالإيمان ولوازمه لا يقبل التقيّد بوقت دون وقت - كما هو ظاهر - ولكنّه يشتمل بإطلاقه كلّ وعد وعده الإنسان وكلّ قول قاله التزاماً

٤٣٧

كقولنا: لأفعلنّ كذا ولاتركنّ وكلّ عقد عقد به في المعاملات والمعاشرات و نحوها، والصبر هو الثبات على الشدائد حين تهاجم المصائب أو مقارعة الأقران، وهذان الخلقان وإن لم يستوفيا جميع الأخلاق الفاضلة غير أنّهما إذا تحقّقاً تحقّق ما دونهما، والوفاء بالعهد والصبر عند الشدائد خلقان يتعلّق أحدهما بالسكون والآخر بالحركة وهو الوفاء فالإتيان بهذين الوصفين من أوصافهم بمنزلة أن يقال: إنّهم إذا قالوا: قولاً أقدموا عليه ولم يتجافوا عنه بالزوال.

وأمّا ما عرّفهم به ثانياً بقوله: أولئك الّذين صدقوا، فهو وصف جامع لجمل فضائل العلم والعمل فإنّ الصدق خلق يصاحب جميع الأخلاق من العفّة والشجاعة والحكمة والعدالة وفروعها فإنّ الإنسان ليس له إلّا الاعتقاد والقول والعمل، وإذا صدق تطابقت الثلاثة فلا يفعل إلّا ما يقول ولا يقول إلّا ما يعتقد، والإنسان مفطور على قبول الحقّ والخضوع له باطناً وإن أظهر خلافه ظاهراً فإذا أذعن بالحقّ وصدق فيه قال: ما يعتقده وفعل ما يقوله وعند ذلك تمّ له الإيمان الخالص والخلق الفاضل والعمل الصالح، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة - ١١٩، والحصر في قوله أولئك الّذين صدقوا، يؤكّد التعريف وبيان الحدّ، والمعنى - والله أعلم - إذا أردت الّذين صدقوا فاُولئك هم الأبرار

وأمّا ما عرّفهم به ثالثاً بقوله: وأولئك هم المتّقون، الحصر لبيان الكمال فإنّ البرّ والصدق لو لم يتمّا لم يتمّ التقوى.

والذى بيّنه سبحانه في هذه الآية من الأوصاف الأبرار هي الّتي ذكرها في غيرها. قال تعالى:( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ - إلى أن قال -وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) الدهر - ١٢، فقد ذكر فيها الإيمان بالله واليوم الآخر والإنفاق لوجه الله والوفاء بالعهد والصبر، وقال تعالى أيضاً:( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ - إلى أن قال -

٤٣٨

يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ - إلى أن قال -عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ) المطفّفين - ٢٨، بالتّطبيق بين هذه الآيات والآيات السابقة عليها يظهر حقيقة وصفهم ومآل أمرهم إذا تدبّرت فيها، وقد وصفتهم الآيات بأنّهم عبدالله وأنّهم المقرّبون، وقد وصف الله سبحانه عباده فيما وصف بقوله:( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) الحجر - ٤٢، ووصف المقرّبين بقوله:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) الواقعة - ١٢، فهؤلاء هم السابقون في الدنيا إلى ربّهم السابقون في الآخرة إلى نعيمه، ولو أدمت البحث عن حالهم فيما تعطيه الآيات لوجدت عجباً.

وقد بان ممّا مرّ أنّ الأبرار أهل المرتبة العالية من الإيمان، وهي المرتبة الرابعة على ما مرّ بيانه سابقاً، قال تعالى:( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) الانعام - ٨٢.

وقوله تعالى: ( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ ) ، منصوب على المدح إعظاماً لأمر الصبر، وقد قيل إنّ الكلام إذا طال بذكر الوصف بعد الوصف فمذهبهم أن يعترضوا بين الأوصاف بالمدح والذمّ، وإختلاف الإعراب بالرفع والنصب.

( بحث روائي)

عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم): من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان.

أقول: ووجهه واضح بما بيّنّاه، وقد نقل عن الزّجاج والفرّاء إنّهما قالا: إنّ الآية مخصوصة بالأنبياء المعصومين لأنّ هذه الأشياء لا يأتيها بكلّيّتها على حقّ الواجب فيها إلّا الأنبيآء انتهي، وهو ناش من عدم التدبّر فيما تفيده الآيات والخلط بين المقامات المعنويّة، وقد اُنزلت آيات سورة الدهر في أهل بيت رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وسمّاهم الله فيها أبراراً وليسوا بأنبيآء.

نعم خطرهم عظيم، وقد وصف الله حال اُولي الألباب الّذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض، ثمّ ذكر مسألتهم أن يلحقهم

٤٣٩

الله بالأبرار، قال:( وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ) آل عمران - ١٩٣.

وفي الدرّ المنثور، أخرج الحكيم الترمذيّ عن أبي عامر الأشعري قال: قلت: يا رسول الله ما تمام البر؟ قال أن تعمل في السرّ ما تعمل في العلانية.

وفي المجمع عن أبي جعفر وأبي عبداللهعليه‌السلام : ذوي القربي قرابع النبيّ.

أقول: وكأنّه من قبيل عد المصداق بالنظر إلى آية القربى.

وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام الفقير الّذي لا يسأل الناس والمسكين أجهد منه والبآئس أجدّهم.

وفي المجمع عن أبي جعفرعليه‌السلام : ابن السبيل، المنقطع به.

وفي التهذيب عن الصادقعليه‌السلام سأل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها، قالعليه‌السلام : يؤدّي عنه من مال الصدقة فإنّ الله عزّوجلّ يقول: وفي الرقاب.

وفي تفسير القمّيّ: في قوله: والصابرين في البأسآء والضرّآء قال:قال:عليه‌السلام في الجوع والعطش والخوف، وفي قوله وحين البأس قال: قالعليه‌السلام ، عند القتال.

٤٤٠

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459