الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 459
المشاهدات: 166001
تحميل: 8430


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 166001 / تحميل: 8430
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ومثل أنّ العبد لم يذنب إلّا ذنباً منقطع الآخر فكيف يجازى بعذاب دائم ؟

ومثل أنّ أهل الشقاء لا يقصر خدمتهم لنظام التكوين عن خدمات أهل السعادة ولولاهم لم تتحقّق سعادة لسعيد فما هو الموجب لوقوعهم في عذاب مخلّد ؟

ومثل أنّ العذاب للمتخلّف عن أوامر الله ونواهيه انتقام ولا يكون الانتقام إلّا لجبر النقص الّذي أورده العاصي الظالم على المنتقم المقتدر، ولا يجوز ذلك على الله تعالى فهو الغنيّ المطلق فكيف يجوز منه العذاب وخاصّة العذاب المخلّد ؟.

فهذه وأمثالها وجوه من الإشكال أوردوها على خلود العذاب وعدم انقطاعه. وأنت بالإحاطة بما بيّنّاه من معنى خلود العذاب تعرف أنّها ساقطة من رأس، فإنّ العذاب الخالد أثر وخاصّة لصورة الشقاء الّذي لزمت الإنسان الشقيّ فتصوّر ذاته بها بعد تماميّة الاستعداد الشديد الّذي حصل في ذاته القابلة لها بواسطة الأحوال العارضة لها المنتهية إلى اختياره، واشتداد الاستعداد التامّ هو الّذي يوجب في جميع الحوادث إفاضة الصورة المناسبة لسنخ الاستعداد، فكما لا يجوز السؤال عن علّة تحقّق الأفعال الإنسانيّة بعد ورود الصورة الإنسانيّة على المادّة لوجود العلّة الّتي هي الصورة الإنسانيّة كذلك لا معنى للسؤال عن لمّيّة ترتّب آثار الشقاء اللّازم، ومنها العذاب المخلّد بعد تحقّق صورة الشقاء اللّازم، المنتهية إلى الاختيار فإنّها آثارها وخواصّها فبطلت السؤالات جميعاً، فهذا هو الجواب الإجماليّ عنها.

وأمّا تفصيلاً: فالجواب عن الأوّل: أنّ الرحمة فيه تعالى ليس بمعنى رقّة القلب والإشفاق والتأثّر الباطنيّ فإنّها تستلزم المادّة - تعالى عن ذلك -، بل معناها العطيّة والإفاضة لما يناسب الاستعداد التامّ الحاصل في القابل، فإنّ المستعدّ بالاستعداد التامّ الشديد يحبّ ما يستعدّ له ويطلبه ويسأله بلسان استعداده فيفاض عليه ما يطلبه ويسأله، والرحمة رحمتان: رحمة عامّة، وهي إعطاء ما يستعدّ له الشئ ويشتاقه في صراط الوجود والكينونة، ورحمة خاصّة، وهي إعطاء ما يستعد له الشئ في صراط الهداية إلى التوحيد وسعادة القرب وإعطاء صورة الشقاء اللّازم الّذي أثره العذاب الدائم للإنسان المستعدّ له باستعداده الشديد لا ينافي الرحمة العامّة بل هو منها، وأمّا الرحمة الخاصّة

٤٢١

فلا معنى لشمولها لمن هو خارج عن صراطها، فقول القائل: إنّ العذاب الدائم ينافي الرحمة إن أراد به الرحمة العامّة فليس كذلك بل هو من الرحمة العامّة، وإن أراد به الرحمة الخاصّة فليس كذلك لكونه ليس مورداً لها. على أنّ الإشكال لو تمّ لجرى في العذاب المنقطع أيضاً حتّى أنواع العذاب الدنيويّ، وهو ظاهر.

والجواب عن الثاني: أنّه ينبغي أن يحرّر معنى عدم ملائمة الطبع فإنّه تارة بمعنى عدم السنخيّة بين الموضوع والأثر الموجود عنده وهو الفعل القسريّ الّذي يصدر عن قسر القاسر ويقابله الأثر الملائم الّذي يصدر عن طبع الشئ إذا اقترن به آفات ثمّ رسخت فيه فصارت صورة في الشئ وعاد الشئ يطلبه بهذا الوجود وهو في عين الحال لا يحبّه كما مثّلنا فيه من مثال الماليخوليائي فهذه الآثار ملائمة لذاته من حيث صدورها عن طبعه الشقيّ الخبيث والآثار الصادرة عن الطباع ملائمة، وهي بعينها عذاب لصدق حدّ العذاب عليها لكون الشئ لا يرتضيها فهي غير مرضيّة من حيث الذوق والوجدان في عين كونها مرضيّة من حيث الصدور.

والجواب عن الثالث: أنّ العذاب في الحقيقة ترتّب أثر غير مرضيّ على موضوعه الثّابت حقيقة، وهو صورة الشقاء فهذا الأثر معلول الصورة الحاصلة بعد تحقّق علل معدّة، وهي المخالفات المحدودة، وليس معلولاً لتلك العلل المعدّة المحدودة حتّى يلزم تأثير المتناهي أثراً غير متناه وهو محال. ونظيره أنّ عللاً معدّة ومقرّبات معدودة محدودة أوجبت أن تتصوّر المادّة بالصورة الإنسانيّة فيصير إنساناً يصدر عنه آثار الإنسانيّة المعلولة للصورة المذكورة. ولا معنى لأن يسأل ويقال: إنّ الآثار الإنسانيّة الصادرة عن الإنسان بعد الموت صدوراً دائميّاً سرمديّاً لحصول معدّات محدودة مقطوعة الأمر للمادّة فكيف صارت مجموع منقطع الآخر من العلل سبباً لصدور الآثار المذكورة وبقائها مع الإنسان دائماً لأنّ علّتها الفاعلة - وهي الصورة الإنسانيّة - موجودة معها دائماً على الفرض، فكما لا معنى لهذا السؤال لا معنى لذلك أيضاً.

والجواب عن الرابع: أنّ الخدمة والعبوديّة أيضاً مثل الرحمة على قسمين: عبوديّة عامّة، وهو الخضوع والانفعال الوجوديّ لمبدء الوجود، وعبوديّة خاصّة

٤٢٢

وهو الخضوع والانقياد في صراط الهداية إلى التوحيد، ولكلّ من القسمين جزاءٌ يناسبه وأثر يترتّب عليه ويخصه من الرّحمة، فالعبوديّة العامّة في نظام التكوين جزاؤه الرحمة العامّة، والنعمة الدائمة والعذاب الدائم كلاهما من الرحمة العامّة، والعبوديّة الخاصّة جزاؤها الرحمة الخاصّة، وهي النعمة والجنّة وهو ظاهر، على أنّ هذا الإشكال لو تمّ لورد في مورد العذاب المنقطع الاُخروي بل الدنيويّ أيضاً.

والجواب عن الخامس: أنّ العذاب الدائم مستند إلى صورة الشقاء الّذي في الإنسان كما عرفت، وإلى الله سبحانه بالمعنى الّذي يقال: في كلّ موجود: إنّه مستند إليه تعالى لا بمعنى الانتقام وتشفّي الصدر المستحيل عليه تعالى: نعم الانتقام بمعنى الجزاء الشاقّ والأثر السيّئ الّذي يجزي به المولى عبده في مقابل تعدّيه عن طور العبوديّة، وخروجه عن ساحة الانقياد إلى عرصة التمرّد والمخالفة ممّا يصدّق فيه تعالى لكن لا يستلزم كون العذاب انتقاماً بهذا المعنى إشكالاً ألبتّة.

على أنّ هذا الإشكال أيضاً لو تمّ لورد في مورد العذاب الموقّت المنقطع في الآخرة بل في الدنيا أيضاً.

( بحث قرآني وروائي متمم للبحث السابق)

إعلم أنّ هذا الطريق من الاستدلال على ردّ الشبهة المذكورة ممّا استعمل في الكتاب والسنّة أيضاً، قال تعالى:( مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَىٰ لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا كُلًّا نُّمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا ) الإسراء - ٢٠، فالآية كما ترى يجعل العذاب والشكر كليهما من العطيّة والرحمة وتجعل تحقّق كلّ منهما مرتبطة بإرادة العبد وسعيه وهذا بعينه الطريق الّذي سلكناه في أصل المسألة ودفع الإشكالات عنها وهناك آيات اُخر في هذا المعنى سنتكلّم فيها في مواردها، إنشاء الله تعالى.

٤٢٣

( سورة البقرة الآيات ١٦٨ - ١٧١)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ  إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ ( ١٦٨ ) إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ( ١٦٩ ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا  أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ( ١٧٠ ) وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً  صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ ( ١٧١ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ) إلى آخر الآيتين، الحلال مقابل الحرام الممنوع اقتحامه، والحلّ مقابل الحرمة، والحلّ مقابل حرم، والحلّ مقابل العقد، وهو في جميع موارد استعماله يعطي معنى حرّيّة الشئ في فعله وأثره، والطيّب - مقابل الخبيث - ما يلائم النفس والشئ، كالطيّب من القول لملائمتة السمع، والطيّب من العطر يلائم الشامّة، والطيّب من المكان يلائم حال المتمكّن فيه. والخطوات بضمّتين جمع خطوة، وهي ما بين القدمين للماشي، وقرء خطوات بفتحتين وهي جمع خطوة، وهي المرّة، وخطوات الشيطان هي الاُمور الّتي نسبته إلى غرض الشيطان - وهو الإغواء بالشرك - نسبة خطوات الماشي إلى مقصده وغرضه، فهي الاُمور الّتي هي مقدّمات للشرك والبعد من الله سبحانه، والأمر هو تحميل الآمر إرادة نفسه على المأمور ليأتي ما يريده، والأمر من الشيطان وسوسته وتحميله ما يريده من الإنسان عليه بإخطاره في قلبه وتزيينه في نظره والسوء ما ينافره الإنسان ويستقبحه بنظر الاجتماع فإذا جاوز حدّه وتعدّى طوره كان فحشاء ولذلك سمّي الزّنا بالفحشاء وهو مصدر كالسرّاء والضرّاء.

٤٢٤

وقد عمّم تعالى الخطاب لجميع الناس لأنّ الحكم الّذي يقرعه سمعهم ويبيّنه لهم ممّا يبتلي به الكلّ، أمّا المشركون: فقد كان عندهم اُمور ممّا حرّموه على أنفسهم افتراءً على الله كما روي أنّ ثقيفاً وخزاعة وبني عامر بن صعصعة وبني مدلج كانوا قد حرّموا على أنفسهم أشياءً من الحرث والأنعام والبحيرة والسائبة والوصيلة، هذا في العرب، وفي غيرهم أيضاً يوجد أشياء كثيرة من هذا القبيل، وأمّا المؤمنون: فربّما كان يبقى بعد الإسلام بينهم امور خرافيّة طبق ناموس توارث الأخلاق والآداب القوميّة والسنن المنسوخة بنواسخ غير تدريجيّة كالأديان والقوانين وغيرهما فإنّ كلّ طريقة جديدة دينيّة أو دنيويّة إذا نزلت بدار قوم فإنّما تتوجّه أوّل ما تتوجّه إلى اصول الطريقة القديمة وأعراقها فتقطعه فإن دامت على حياتها وقوّتها - وذلك بحسن التربية وحسن القبول - أماتت الفروع وقطعت الأذناب وإلّا فاختلطت بقايا من القديمة بالحديثة والتئمت بها وصارت كالمركّب النباتيّ، ما هو بهذا ولاذاك.

فأمر تعالى الناس أن يأكلوا ممّا في الأرض، والأكل هو البلع عن مضغ وربّما يكنّى بالأكل عن مطلق التصرّف في الأموال لكون الأكل هو الأصل في أفعال الإنسان والركن في حياته كما قال تعالى:( لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ ) النساء - ٢٩، والآية لا تأبى الحمل على هذا المعنى الوسيع لإطلاقها، والمعنى كلوا وتصرّفوا وتمتّعوا ممّا في الأرض من النعم الإلهيّة الّتي هيّأته لكم طبيعة الأرض بإذن الله وتسخيره أكلاً حلالاً طيّباً، أي لا يمنعكم عن أكله أو التصرّف فيه مانع من قبل طبائعكم وطبيعة الأرض، كالّذي لا يقبل بطبعه الأكل، أو الطبع لا يقبل أكله، ولا تنفّر طبائعكم عن أكله ممّا يقبل الطبع أكله لكن ينافره ويأبى عنه السّليقة كالأكل الّذي توسّل إليه بوسيلة غير جائزة.

فقوله تعالى: ( كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا ) ، يفيد الإباحة العامّة من غير تقييد واشتراط فيه إلّا أنّ قوله ولا تتّبعوا خطوات الشيطان، إلخ يفيد: أنّ هيهنا اُموراً تسمّى خطوات الشيطان - متعلّقة بهذا الأكل الحلال الطيّب - إمّا كفّ عن الأكل اتّباعاً للشيطان، وإمّا إقدام عليه أتّباعاً للشيطان، ثمّ ذكر ضابط ما يتّبع فيه الشيطان بأنّه

٤٢٥

سوء وفحشآء، وقول ما لا يعلم على الله سبحانه وإذا كان الكفّ غير جائز إلّا برضى من الله تعالى فالفعل أيضاً كذلك فليس الأكل ممّا في األرض حلالاً طيّباً إلّا أن يأذن الله تعالى ويشرّعه وقد شرّعه بهذه الآية ونظائرها ولا يمنع عنه بنهي أو ردع كما سيأتي من قوله تعالى:( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ ) الآية فرجع معنى الآية - والله أعلم - إلي نحو قولنا كلوا ممّا في الأرض من نعم الله المخلوقة لكم فقد جعله الله لكم حلالاً طيّباً ولا تتركوا بعضاً منها كفّاً وامتناعاً فيكون سوءً وفحشاء وقولاً بغير علم أي تشريعاً ليس لكم ذلك وهو اتّباع خطوات الشيطان.

فالآية تدلّأوّلاً: على عموم الحلّيّة في جميع التصرّفات إلّا ما أخرجه الدليل فإنّ لله سبحانه المنع فيما له الإذن فيه.

وثانياً: على أنّ الامتناع ممّا أحلّه الله من غير دليل علميّ تشريع محرّم.

وثالثاً: على أنّ المراد من اتّباع خطوات الشيطان التعبّد لله بما لم يأذن في التعبّد بذلك فإنّه لم ينه عن المشي والسلوك لكن عن المشي الّذي يضع فيه الإنسان قدمه موضع قدم الشيطان فينطبق مشيّته على مشيّته فيكون متّبعاً لخطواته، ومن هنا يعلم أنّ عموم التعليل، وهو قوله إنّما يأمركم الخ وإن اقتضى المنع عن الاقتحام في فعل بغير علم كما يقتضي المنع عن الامتناع بغير علم لكنّه ليس بمراد في الخطاب فإنّه ليس من اتّباع خطوات الشيطان وإن كان اتّباعاً للشيطان.

قوله تعالى: ( إِنَّمَا يَأْمُرُكُم بِالسُّوءِ وَالْفَحْشَاءِ وَأَن تَقُولُوا عَلَى اللهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) ، السوء والفحشاء يكونان في الفعل، وفي مقابلة القول، وبذلك يظهر: أنّ ما يأمر به الشيطان ينحصر في الفعل الّذي هو سوء وفحشاء، والقول الّذي هو قول بغير علم.

قوله تعالى: ( وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنزَلَ اللهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا ) ، الإلفاء الوجدان أي وجدنا عليه آبائنا، والآية تشهد بما استفدناه من الآية السابقة في معنى خطوات الشيطان.

قوله تعالى: ( أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) ، جواب عن قولهم، وبيانه أنّه قول بغير علم ولا تبيّن، وينافيه صريح العقل فإنّ قولهم: بل نتّبع ما ألفينا

٤٢٦

عليه آبائنا قول مطلق أي نتّبع آبائنا على أيّ حال وعلى أيّ وصف كانوا، حتّى لو لم يعلموا شيئاً ولم يهتدوا ونقول: ما فعلوه حقّ، وهذا هو القول بغير علم، ويؤدّي إلى القول بما لا يقول به عاقل لو تنبّه له ولو كانوا اتّبعوا آبائهم فيما علموه واهتدوا فيه وهم يعلمون: أنّهم علموا واهتدوا فيه لم يكن من قبيل الاهتداء بغير علم.

ومن هنا يعلم: أنّ قوله تعالى:( لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ ) ، ليس وارداً مورد المبالغة نظراً إلى أنّ سلب مطلق العلم عن آبائهم مع كونهم يعلمون أشياء كثيرة في حياتهم لا يحتمل إلّا المبالغة.

وذلك أنّ الكلام مسوق سوق الفرض بإبداء تقدير لا يقول بجواز الاتّباع فيه قائل ليبطل به إطلاق قولهم نتّبع ما ألفينا عليه آبائنا وهو ظاهر.

قوله تعالى: ( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ) ، المثل هو الكلام السائر والمثل هو الوصف كقوله تعالى:( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) الفرقان - ٩، والنعيق صوت الراعي لغنمه زجراً يقال: نعق الراعي بالغنم ينعق نعيقاً إذا صاح بها زجراً، والنداء مصدر نادى ينادي مناداة وهو أخصّ من الدعاء ففيه معنى الجهر بالصوت ونحوه بخلاف الدعاء، والمعنى - والله أعلم - ومثلك في دعاء الّذين كفروا كمثل الّذي ينعق من البهائم بما لا يسمع من نعيقه إلّا دعاءً ونداءً ما، فينزجر بمجرّد قرع الصوت سمعه من غير أن يعقل شيئاً فهم صمّ لا يسمعون كلاماً يفيدهم، وبكم لا يتكلّمون بما يفيد معنى، وعمى لا يبصرون شيئاً فهم لا يعقلون شيئاً لأنّ الطرق المؤدّية إلى التعقّل مسدودة عليهم.

ومن ذلك يظهر أنّ في الكلام قلباً أو عناية اُخرى يعود إليه فإنّ المثل بالّذي ينعق بما لا يسمع إلّا دعاءً ونداءً مثل الّذي يدعوهم إلى الهدى لا مثل الكافرين المدعوين إلى الهدى إلّا أنّ الأوصاف الثلاثة الّتي استنتج واستخرج من المثل وذكرت بعده، وهي قوله: صمّ بكم عمى فهم لا يعقلون، لما كانت أوصافاً للّذين كفروا لا لمن يدعوهم إلى الحقّ استوجب ذلك أن ينسب المثل إلى الّذين كفروا لا إلى رسول الله تعالى فأنتج ما أشبه القلب.

٤٢٧

( بحث روائي)

في تهذيب عن عبد الرحمن، قال: سألت أباعبدالله عن رجل حلف أن ينحر ولده قال: ذلك من خطوات الشيطان.

وعن منصور بن حازم أيضاً قال: قال لي أبوعبداللهعليه‌السلام - أما سمعت بطارق إنّ طارقاً كان نخّاساً بالمدينة فأتى أباجعفر فقال يا أباجعفر إنّي حلفت بالطلاق والعتاق والنذر ؟ فقال له يا طارق إنّ هذا من خطوات الشيطان.

وفي تفسير العيّاشيّ عن أبي جعفرعليه‌السلام قال: كلّ يمين بغير الله فهو من خطوات الشيطان.

وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام قال: إذا حلف الرجل على شئ - والّذي حلف عليه اتيانه خير من تركه - فليأت الّذي هو خير ولا كفّارة له، وإنّما ذلك من خطوات الشيطان.

أقول: والأحاديث كما ترى مبنية على كون المراد من خطوات الشيطان الأعمال الّتي يتقرّب بها وليست بمقرّبة لعدم العبرة بها شرعاً كما ذكرناه في البيان السابق نعم في خصوص الطلاق ونحوه وجه آخر للبطلان وهو التعليق المنافي للإنشاء، والمسألة فقهيّة، والمراد باليمين بغير الله هو اليمين الّذي يترتّب عليه أثر اليمين الشرعيّ أو القسم بما لم يقسم به الله ولم يثبت له كرامة شيئاً.

وفي المجمع عن الباقر في قوله تعالى:( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ ) الآية قال: أي مثلهم في دعائك إيّاهم إلى الإيمان كمثل الناعق في دعائه المنعوق به من البهائم الّتي لا تفهم وإنّما تسمع الصوت.

( بحث اخلاقي واجتماعي)

الآراء والعقائد الّتي يتّخذها الإنسان أمّا نظريّة لا تعلّق لها بالعمل من غير واسطة كالمسائل المتعلّقة بالرياضيّات والطبيعيّات، وماوراء الطبيعة، وإمّا عمليّة متعلّقة بالعمل بلا واسطة كالمسائل المتعلّقة بما ينبغي فعله وما لا ينبغي. والسبيل في القسم الأوّل

٤٢٨

هو اتّباع العلم واليقين المنتهي إلى برهان أو حسّ، وفي القسم الثاني اتّباع ما يوصل إلى الخير الّذي فيه سعادة الإنسان أو النافع فيها، وإجتناب ما ينتهي إلى شقائه أو يضرّه في سعادته، وأمّا الاعتقاد بما لا علم له بكونه حقّاً في القسم الأوّل، والاعتقاد بما لا يعلم كونه خيراً أو شرّاً فهو اعتقاد خرافيّ.

والإنسان لما كانت آراؤه منتهية إلى اقتضاء الفطرة الباحثة عن علل الأشياء والطبيعة الباعثة له إلى الاستكمال بما هو كماله حقيقة فإنّه لا تخضع نفسه إلى الرأى الخرافيّ المأخوذ على العمياء وجهلاً إلّا أنّ العواطف النفسانيّة والإحساسات الباطنيّة الّتي تثيرها الخيال - وعمدتها الخوف والرجاء - ربّما أوجبت له القول بالخرافة من جهة أنّ الخيال يصوّر له صوراً يستصحب خوفاً أو رجاء فيحفظها إحساس الخوف أو الرجاء، ولا يدعها تغيب عن النفس الخائفة أو الراجية. كما أنّ الإنسان إذا أحلّ وادياً - وهو وحده بلا أنيس واللّيل داج مظلم والبصر حاسر عن الإدراك - فلا مؤمّن يؤمنّه بتميّز المخاطر عن غيرها بضياء ونحوه فترى أنّ خياله يصوّر له كلّ شبح يترائى له غولاً مهيباً يقصده بالإهلاك أو روحاً من الأرواح، وربّما صوّر له حركة وذهاباً وإياباً وصعوداً في السماء ونزولاً إلى الأرض، وإشكالاً وتماثيل ثمّ لا يزال الخيال يكرّر له هذا الشبه المجعول كلمّا ذكره وحاله حاله من الخوف، ثمّ ربّما نقله لغيره فأوجد فيه حالاً نظير حاله ولا يزال ينتشر - وهو موضوع خرافيّ لا ينتهي إلى حقيقة -.

وربّما هيّج الخيال حسّ الدفاع من الإنسان أن يضع أعمالاً لدفع شرّ هذا الموجود الموهوم ويحثّ غيره على العمل بها للأمن من شرّه فيذهب سنّة خرافيّة.

ولم يزل الإنسان منذ أقدم أعصار حياته مبتلى بآراء خرافيّة حتّى اليوم وليس كما يظنّ من أنّها من خصائص الشرقيّين فهي موجودة بين الغربيّين مثلهم لو لم يكونوا أحرص عليها منهم.

ولا يزال الخواصّ من الإنسان - وهم العلماء - يحتالون في إمحاء رسوم هذه الخرافات المتمكّنة في نفوس العامّة من الناس بلطائف حيلهم الّتي توجب تنبّه العامّة وتيقّظهم في أمرها، وقد أعيا الداء الطبيب فإنّ الإنسان لا يخلو من التقليد والاتّباع

٤٢٩

في الآراء النظريّة والمعلومات الحقيقيّة من جانب ومن الاحساسات والعواطف النفسانيّة من جانب آخر، وناهيك في ذلك أنّ العلاج لم ينجح إلى اليوم.

وأعجب من الجميع ما يراه في ذلك أهل الحضارة وعلماء الطبيعة اليوم ! فقد ذكروا أنّ العلم اليوم يبني أساسه على الحسّ والتجربة ويدفع ما دون ذلك، والمدنيّة والحضارة تبني أساسه على استكمال الإجتماع في كلّ كمال ميسور ما استيسر، وبنوا التربية على ذلك.

مع أنّ ذلك - وهو عجيب - نفسه من اتّباع الخرافة فإن علوم الطبيعة إنّما تبحث عن خواصّ الطبيعة وتثبتها لموضوعاتها، وبعبارة اُخرى هذه العلوم المادّيّة إنّما تكشف دائماً عن خباياً خواصّ المادّة، وأمّا ما وراءً ذلك فلا سبيل لها إلى نفيه وإبطاله فالاعتقاد بانتفاء ما لا تناله الحسّ والتجربة من غير دليل من أظهر الخرافات.

وكذلك بناء المدنيّة على استكمال الاجتماع المذكور فإنّ هذا الاستكمال والنيل بالسعادة الاجتماعيّة ربّما يستلزم حرمان بعض الأفراد من سعادته الحيويّة الفرديّة كتحمّل القتل والتفدية في الدفاع عن الوطن أو القانون أو المرام، والمحروميّة من سعادة الشخص لأجل وقاية حريم الاجتماع فهذه الحرمانات لا يقدم فيها الإنسان إلّا عن عقيدة الاستكمال، وأن يراها كمالات - وليست كمالات لنفسه - بل عدم وحرمان لها، وإنّما هي كمالات - لو كانت كمالات - للمجتمع من حيث هو مجتمع وإنّما يريد الإنسان الاجتماع لأجل نفسه لا نفسه لأجل الاجتماع، ولذلك كلّه ما احتالت هذه الاجتماعات لأفرادها فلقّنوهم أنّ الإنسان يكتسب بالتفدية ذكراً جميلاً واسماً باقياً على الفخر دائماً وهو الحياة الدائمة، وهذه خرافة، وأيّ حياة بعد البطلان والفناء غير أنّا نسمّيه حياة، تسمية ليس ورائها شئ؟.

ومثلها القول: إنّ الإنسان يجب له تحمّل مرّ القانون والصبر على الحرمان في بعض ما يشتهيه نفسه ليتحفّظ به الاجتماع فينال كماله في الباقي فيعتقد أنّ كمال الاجتماع كماله، وهذه خرافة، فإنّ كمال الاجتماع إنّما هو كماله فيما يتطابق الكمالان وأمّا غير ذلك فلا، فأيّ موجب على فرد بالنّسبة إلى كماله، أو اجتماع قوم بالنسبة إلى اجتماع

٤٣٠

الدنيا إذا قدر على نيل ما يبتغيه من آماله ولو بالجور وفاق في القوّة والاستطاعة من غير مقاوم يقاومه أن يعتقد أنّ كمال الاجتماع كماله والذكر الجميل فخاره ؟ كما أنّ أقوياء الاُمم لا يزالون على الانتفاع من حياة الاُمم الضعيفة، فلا يجدون منهم موطئاً إلّا وطئوة، ولا منالاً إلّا نالوه، ولا نسمة إلّا استرقّوه واستعبدوه، وهل ذلك إلّا علاجاً لمزمن الداء بالإفناء؟.

وأمّا ما سلكه القرآن في ذلك فهو أمره باتّباع ما أنزل الله والنهي عن القول بغير علم، هذا في النظر، وأمّا في العمل فأمره بابتغاء ما عند الله فيه فإن كان مطابقاً لما يشتهيه النفس كان فيه سعادة الدنيا والآخرة وإن كان فيه حرمانها، فعند الله عظيم الأجر، وما عند الله خير وأبقى.

والّذي يقوله أصحاب الحسّ: أنّ اتّباع الدين تقليد يمنع عنه العلم وأنّه من خرافات العهد الثّاني من العهود الأربعة المّارة على نوع الإنسان (وهي عهد الأساطير وعهد المذهب وعهد الفلسفة وعهد العلم، وهو الّذي عليه البشر اليوم من اتّباع العلم ورفض الخرافات) فهو قول بغير علم ورأي خرافيّ.

أمّا أنّ اتّباع الدين تقليد فيبطله: أنّ الدين مجموع مركّب من معارف المبدء و المعاد، ومن قوانين اجتماعيّة من العبادات والمعاملات مأخوذة من طريق الوحي والنبوّة الثابت صدقه بالبرهان والمجموعة من الأخبار الّتي أخبر بها الصادق صادقة واتّباعها اتّباع للعلم لأنّ المفروض العلم بصدق مخبرها بالبرهان، وقد مرّ في البحث التالي لقوله تعالى:( وَإِذْ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تَذْبَحُوا بَقَرَةً ) البقرة - ٦٧، كلام في التقليد فارجع.

ومن العجيب أنّ هذا القول قول من ليس بيده في أصول الحياة وسنن الاجتماع: من مأكله ومشربه وملبسه ومنكحه ومسكنه وغير ذلك إلّا التقليد على العمى واتّباع الهوى من غير تثبّت وتبيّن، نعم اختلقوا للتقليد اسماً آخر وهو اتّباع السنّة الّذي ترتضيه الدنيا الراقيّة فصار التقليد بذلك ممحوّ الاسم ثابت الرسم، مهجور اللّفظ، مأنوس المعني، وكان (ألق دلوك في الدلاء) شعاراً علميّاً ورقيّاً مدنيّاً وعاد (ولا

٤٣١

تتبع الهوى فيضلك) تقليداً دينيّاً وقولاً خرافيّاً.

وأمّا تقسيمهم سير الحياة الإنسانيّة إلى أربعة عهود فما بأيدينا من تاريخ الدين والفلسفة يكذّبه فإنّ طلوع دين إبراهيم إنّما كان بعد عهد الفلسفة بالهند ومصر وكلدان ودين عيسى بعد فلسفة يونان وكذا دين محمّد (صلّي الله عليه وآله وسلّم) - وهو الإسلام - كان بعد فلسفة يونان وإسكندريّة، وبالجملة غاية أوج الفلسفة كانت قبل بلوغ الدين أوجه. وقد مرّ فيما مرّ أنّ دين التوحيد يتقدّم في عهده على جميع الأديان الاُخر.

والّذي يرتضيه القرآن من تقسيم تاريخ الإنسان هو تقسيمه إلى عهد السذاجة ووحدة الاًمم وعهد الحسّ والمادّة، وسيجئ بيانه في الكلام على قوله تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ ) البقرة - ٢١٣.

٤٣٢

( سورة البقرة الآيات ١٧٢ - ١٧٦)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ( ١٧٢ ) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ  فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ  إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ١٧٣ ) إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا  أُولَئِكَ مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ وَلَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ١٧٤ ) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ وَالْعَذَابَ بِالْمَغْفِرَةِ  فَمَا أَصْبَرَهُمْ عَلَى النَّارِ ( ١٧٥ ) ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ  وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتَابِ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ ( ١٧٦ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ ) ، خطاب خاصّ بالمؤمنين بعد الخطاب السابق للناس فهو من قبيل انتزاع الخطاب من الخطاب، كأنّه انصراف عن خطاب جماعة ممّن لا يقبل النصح ولا يصغي إلى القول، والتفات إلى من يستجيب الداعي لإيمانه به والتفاوت الموجود بين الخطابين ناش من تفاوت المخاطبين، فإنّ المؤمنين بالله لما كان يتوقّع منهم القبول بدّل قوله: ما في الأرض حلالاً طيّباً بقوله: من طيّبات ما رزقناكم، وكان ذلك وسيلة إلى أن يطلب منهم الشكر لله وحده لكونهم موحّدين لا يعبدون إلّا الله سبحانه، ولذلك بعينه قيل: ما رزقناكم ولم يقل: ما رزقتم أو ما في الأرض ونحوه، لما فيه من الإيماء أو الدلالة على كونه تعالى معروفاً لهم قريباً منهم حنيناً رؤوفاً بهم، والظاهر أن يكون قوله: من طيّبات ما رزقناكم، من قبيل إضافة الصفة إلى الموصوف لا من قبيل قيام الصفة مقام الموصوف

٤٣٣

فإنّ المعنى على الأوّل كلوا من رزقنا الّذي كلّه طيّب، وهو المناسب لمعنى التقرّب والتحنّن الّذي يلوح من المقام، والمعنى على الثاني كلوا من طيّب الرزق لا من خبيثه، وهو بعيد المناسبة عن المقام الّذي هو مقام رفع الحظر، والنهي عن الامتناع عن بعض ما رزقهم الله سبحانه تشريعاً من عند أنفسهم وقولاً بغير علم.

قوله تعالى: ( وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ ) ، لم يقل واشكروا لنا بل اشكرو الله ليكون أدلّ على الأمر بالتوحيد ولذلك أيضاً قيل: إن كنتم إيّاه تعبدون فدلّ على الحصر والقصر ولم يقل إن كنتم تعبدونه.

قوله تعالى: ( إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ الله ) الإهلال لغير الله هو الذبح لغيره كالأصنام.

قوله تعالى: ( فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَاد ) ، أي غير ظالم ولا متجاوز حدّه، وهما حالان عاملهما الاضطرار فيكون المعنى فمن اضطرّ إلى أكل شئ ممّا ذكر من المنهيّات اضطراراً في حال عدم بغيه وعدم عدوه فلا ذنب له في الأكل، وأمّا لو اضطرّ في حال البغي والعدو كأن يكونا هما الموجبين للاضطرار فلا يجوز له ذلك، وقوله تعالى: إنّ الله غفور رحيم، دليل على أنّ التجوّز تخفيف ورخصة منه تعالى للمؤمنين وإلّا فمناط النهي موجود في صورة الاضطرار أيضاً.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ مِنَ الْكِتَابِ ) ، تعريض لأهل الكتاب إذ عندهم شئ كثير من المحلّلات الطيّبة الّتي حرّمها كبراؤهم ورؤساؤهم في العبادات وغيرها - وعندهم الكتاب الّذي لا يقضي فيه بالتحريم - ولم يكتموا ما كتموه إلّا حفظاً لما يدرّ عليهم من رزق الرئاسة وأبهّة المقام والجاه والمال.

وفي الآية من الدلالة على تجسّم الأعمال وتحقّق نتائجها ما لا يخفى فإنّه تعالى ذكر أوّلاً أنّ اختيارهم الثمن القليل على ما أنزل الله هو أكل النار في بطونهم ثمّ بدّل اختيار الكتمان وأخذ الثمن على بيان ما أنزل الله في الآية التاليه من اختيار الضلالة على الهدى ثمّ من اختيار العذاب على المغفرة ثمّ ختمها بقوله: فما أصبرهم على النار، والّذي كان منهم ظاهراً هو الإدامة للكتمان والبقاء عليها فافهم.

٤٣٤

( بحث روائي)

في الكافي عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى فمن اضطرّ غير باغ ولا عاد الآية، قال: الباغي باغي الصيد، والعادي السارق ليس لهما أن يأكلا الميتة إذا اضطرّا إليها، هي حرام عليهما ليس هي عليهما كما هي على المسلمين وليس لهما أن يقصرا في الصلاة.

وفي تفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام قال الباغي الظالم، والعادي الغاصب.

وعن حمّاد عنهعليه‌السلام قال: الباغي الخارج على الإمام والعادي اللّص.

وفي المجمع عن أبي جعفرعليه‌السلام وأبى عبداللهعليه‌السلام : غير باغ على إمام المسلمين ولا عادٍ بالمعصية طريق المحقّين.

أقول: والجميع من قبيل عدّ المصاديق، وهي تؤيّد المعنى الّذي استفدناه من ظاهر اللّفظ.

وفي الكافي وتفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى: فما أصبرهم على النار الآية. قال: ما أصبرهم على فعل ما يعلمون أنّه يصيّرهم إلى النار.

وفي المجمع عن عليّ بن إبراهيم عن الصادقعليه‌السلام قال: ما أجرأهم على النار.

وعن الصادقعليه‌السلام : ما أعملهم بأعمال أهل النار.

أقول: والروايات قريبة المعاني ففي الاُولى تفسير الصبر على النار بالصبر على سبب النار، وفي الثانية تفسير الصبر على النار بالجرأة عليها وهي لازمة للصبر، وفي الثالثة تفسير الصبر على النار بالعمل بما يعمل به أهل النار ومرجعه إلى معنى الرواية الاُولى.

٤٣٥

لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا  وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ  أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا  وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ( ١٧٧ )

( بيان)

قيل: كثر الجدال والخصام بين الناس بعد تحويل القبلة من بيت المقدّس إلى الكعبة وطالت المشاجرة فنزلت الآية.

قوله تعالى: ( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ) ، البرّ بالكسر التوسّع من الخير والإحسان، والبرّ بالفتح صفة مشبّهة منه، والقبل بالكسر فالفتح الجهة ومنه القبلة وهي النوع من الجهة، وذووا القربى الأقرباء، واليتامى جمع يتيم وهو الّذي لا والد له، والمساكين جمع مسكين وهو أسوء حالاً من الفقير، وابن السبيل المنقطع عن أهله، والرقاب جمع رقبة وهي رقبة العبد، والبأسآء مصدر كالبؤس وهو الشدّة والفقر، والضرّآء مصدر كالضرّ وهو أن يتضرّر الإنسان بمرض أو جرح أو ذهاب مال أو موت ولد، والبأس شدّة الحرب.

قوله تعالى: ( وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ ) ، عدل عن تعريف البرّ بالكسر إلى تعريف البرّ بالفتح ليكون بياناً وتعريفاً للرجال مع تضمّنه لشرح وصفهم وإيماءً إلى أنّه لا أثر للمفهوم الخالي عن المصداق ولا فضل فيه، وهذا دأب القرآن في جميع بياناته فإنّه يبيّن المقامات ويشرح الأحوال بتعريف رجالها من غير أن يقنع ببيان المفهوم فحسب.

وبالجملة قوله ولكنّ البرّ من آمن بالله واليوم الآخر، تعريف للأبرار وبيان

٤٣٦

لحقيقة حالهم، وقد عرّفهم أوّلاً في جميع المراتب الثلاث من الاعتقاد والأعمال والأخلاق بقوله:( مَنْ آمَنَ بِاللهِ ) وثانياً بقوله:( أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) وثالثاً بقوله:( وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) .

فأمّا ما عرّفهم به أوّلاً فابتدء فيه بقوله تعالى: من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيّين، وهذا جامع لجميع المعارف الحقّة الّتي يريد الله سبحانه من عباده الإيمان بها، والمراد بهذا الإيمان الإيمان التامّ الّذي لا يتخلّف عنه أثره، لا في القلب بعروض شكّ أو اضطراب أو اعتراض أو سخط في شئ ممّا يصيبه ممّا لا ترتضيه النفس، ولا في خلق ولا في عمل، والدليل على أنّ المراد به ذلك قوله في ذيل الآيه( أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا ) فقد أطلق الصدق ولم يقيّده بشئ من أعمال القلب والجوارح فهم مؤمنون حقّاً صادقون في إيمانهم كما قال تعالى:( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) النساء - ٦٥، وحينئذ ينطبق حالهم على المرتبة الرّابعة من مراتب الإيمان الّتي مرّ بيانها في ذيل قوله تعالى:( إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ ) البقرة - ١٣١.

ثمّ ذكر تعالى: نبذأ من أعمالهم بقوله: وآتى المال على حبّه ذوي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب وأقام الصلاة وآتى الزكوة، فذكر الصلاة - وهي حكم عباديّ - وقد قال تعالى:( إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ ) العنكبوت - ٤٥، وقال:( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي ) طه - ١٤، وذكر الزكاة - وهي حكم ماليّ فيه صلاح المعاش - وذكر قبلهما إيتاء المال وهو بثّ الخير ونشر الإحسان غير الواجب لرفع حوائج المحتاجين وإقامة صلبهم.

ثمّ ذكر سبحانه نبذاً من جمل أخلاقهم بقوله: والموفون بعدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأسآء والضرّآء وحين البأس، فالعهد هو الالتزام بشئ والعقد له - وقد أطلقه تعالى - وهو مع ذلك لا يشمل الإيمان والالتزام بأحكامه كما توهّمه بعضهم - لمكان قوله إذا عاهدوا، فإنّ الالتزام بالإيمان ولوازمه لا يقبل التقيّد بوقت دون وقت - كما هو ظاهر - ولكنّه يشتمل بإطلاقه كلّ وعد وعده الإنسان وكلّ قول قاله التزاماً

٤٣٧

كقولنا: لأفعلنّ كذا ولاتركنّ وكلّ عقد عقد به في المعاملات والمعاشرات و نحوها، والصبر هو الثبات على الشدائد حين تهاجم المصائب أو مقارعة الأقران، وهذان الخلقان وإن لم يستوفيا جميع الأخلاق الفاضلة غير أنّهما إذا تحقّقاً تحقّق ما دونهما، والوفاء بالعهد والصبر عند الشدائد خلقان يتعلّق أحدهما بالسكون والآخر بالحركة وهو الوفاء فالإتيان بهذين الوصفين من أوصافهم بمنزلة أن يقال: إنّهم إذا قالوا: قولاً أقدموا عليه ولم يتجافوا عنه بالزوال.

وأمّا ما عرّفهم به ثانياً بقوله: أولئك الّذين صدقوا، فهو وصف جامع لجمل فضائل العلم والعمل فإنّ الصدق خلق يصاحب جميع الأخلاق من العفّة والشجاعة والحكمة والعدالة وفروعها فإنّ الإنسان ليس له إلّا الاعتقاد والقول والعمل، وإذا صدق تطابقت الثلاثة فلا يفعل إلّا ما يقول ولا يقول إلّا ما يعتقد، والإنسان مفطور على قبول الحقّ والخضوع له باطناً وإن أظهر خلافه ظاهراً فإذا أذعن بالحقّ وصدق فيه قال: ما يعتقده وفعل ما يقوله وعند ذلك تمّ له الإيمان الخالص والخلق الفاضل والعمل الصالح، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) التوبة - ١١٩، والحصر في قوله أولئك الّذين صدقوا، يؤكّد التعريف وبيان الحدّ، والمعنى - والله أعلم - إذا أردت الّذين صدقوا فاُولئك هم الأبرار

وأمّا ما عرّفهم به ثالثاً بقوله: وأولئك هم المتّقون، الحصر لبيان الكمال فإنّ البرّ والصدق لو لم يتمّا لم يتمّ التقوى.

والذى بيّنه سبحانه في هذه الآية من الأوصاف الأبرار هي الّتي ذكرها في غيرها. قال تعالى:( إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِن كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ - إلى أن قال -وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا ) الدهر - ١٢، فقد ذكر فيها الإيمان بالله واليوم الآخر والإنفاق لوجه الله والوفاء بالعهد والصبر، وقال تعالى أيضاً:( كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الْأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ كِتَابٌ مَّرْقُومٌ يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ - إلى أن قال -

٤٣٨

يُسْقَوْنَ مِن رَّحِيقٍ مَّخْتُومٍ - إلى أن قال -عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا الْمُقَرَّبُونَ ) المطفّفين - ٢٨، بالتّطبيق بين هذه الآيات والآيات السابقة عليها يظهر حقيقة وصفهم ومآل أمرهم إذا تدبّرت فيها، وقد وصفتهم الآيات بأنّهم عبدالله وأنّهم المقرّبون، وقد وصف الله سبحانه عباده فيما وصف بقوله:( إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ) الحجر - ٤٢، ووصف المقرّبين بقوله:( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ أُولَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ ) الواقعة - ١٢، فهؤلاء هم السابقون في الدنيا إلى ربّهم السابقون في الآخرة إلى نعيمه، ولو أدمت البحث عن حالهم فيما تعطيه الآيات لوجدت عجباً.

وقد بان ممّا مرّ أنّ الأبرار أهل المرتبة العالية من الإيمان، وهي المرتبة الرابعة على ما مرّ بيانه سابقاً، قال تعالى:( الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ) الانعام - ٨٢.

وقوله تعالى: ( وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ ) ، منصوب على المدح إعظاماً لأمر الصبر، وقد قيل إنّ الكلام إذا طال بذكر الوصف بعد الوصف فمذهبهم أن يعترضوا بين الأوصاف بالمدح والذمّ، وإختلاف الإعراب بالرفع والنصب.

( بحث روائي)

عن النبيّ (صلّي الله عليه وآله وسلّم): من عمل بهذه الآية فقد استكمل الإيمان.

أقول: ووجهه واضح بما بيّنّاه، وقد نقل عن الزّجاج والفرّاء إنّهما قالا: إنّ الآية مخصوصة بالأنبياء المعصومين لأنّ هذه الأشياء لا يأتيها بكلّيّتها على حقّ الواجب فيها إلّا الأنبيآء انتهي، وهو ناش من عدم التدبّر فيما تفيده الآيات والخلط بين المقامات المعنويّة، وقد اُنزلت آيات سورة الدهر في أهل بيت رسول الله (صلّي الله عليه وآله وسلّم) وسمّاهم الله فيها أبراراً وليسوا بأنبيآء.

نعم خطرهم عظيم، وقد وصف الله حال اُولي الألباب الّذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكّرون في خلق السماوات والأرض، ثمّ ذكر مسألتهم أن يلحقهم

٤٣٩

الله بالأبرار، قال:( وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ ) آل عمران - ١٩٣.

وفي الدرّ المنثور، أخرج الحكيم الترمذيّ عن أبي عامر الأشعري قال: قلت: يا رسول الله ما تمام البر؟ قال أن تعمل في السرّ ما تعمل في العلانية.

وفي المجمع عن أبي جعفر وأبي عبداللهعليه‌السلام : ذوي القربي قرابع النبيّ.

أقول: وكأنّه من قبيل عد المصداق بالنظر إلى آية القربى.

وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام الفقير الّذي لا يسأل الناس والمسكين أجهد منه والبآئس أجدّهم.

وفي المجمع عن أبي جعفرعليه‌السلام : ابن السبيل، المنقطع به.

وفي التهذيب عن الصادقعليه‌السلام سأل عن مكاتب عجز عن مكاتبته وقد أدّى بعضها، قالعليه‌السلام : يؤدّي عنه من مال الصدقة فإنّ الله عزّوجلّ يقول: وفي الرقاب.

وفي تفسير القمّيّ: في قوله: والصابرين في البأسآء والضرّآء قال:قال:عليه‌السلام في الجوع والعطش والخوف، وفي قوله وحين البأس قال: قالعليه‌السلام ، عند القتال.

٤٤٠