الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

الميزان في تفسير القرآن8%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173044 / تحميل: 9110
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

يبغضني إلّا منافق ولا يُحبّني إلّا مؤمن.١

وقد أعرب عن ذلك الإمام عليّ بن الحسينعليهما‌السلام في خطبته في جامع دمشق، عند ما صعد المنبر وعرَّف نفسه فحمد الله وأثنىٰ عليه، ثمّ خطب خطبة أبكى منها العيون، وأوجل منها القلوب، ثمّ قال:

« أيّها الناس أُعطينا ستّاً وفُضِّلنا بسبع، أُعطينا: العلم، والحلم، والسماحة، والفصاحة، والشجاعة، والمحبَّة في قلوب المؤمنين ».٢

ولا عجب في أنّه تبارك وتعالى سمّاهم كوثراً أي الخير الكثير، وقال:( إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ) قال الرازي: الكوثر: أولاده، لأنّ هذه السورة إنّما نزلت ردّاً على من عابهعليه‌السلام بعدم الأولاد، فالمعنى أنّه يعطيه نسلاً يبقون على مرّ الزمان، فانظر كم قتل من أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم العالم ممتلئ منهم ولم يبق من بني أُميّة في الدنيا أحد يُعبأ به، ثمّ انظر كم كان فيها من الأكابر من العلماء كالباقر والصادق والكاظم والرضاعليهم‌السلام .٣

إنّ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام لم تكن محبة نابعة من حبّه لنسَبه بل كان واقفاً على ما يبلغ إليه ولده الحسينعليه‌السلام في الفضل والكمال والشهادة في سبيله، ونجاة الأُمّة من مخالب الظلم، والثورة على الظلم والطغيان، وهناك كلام للعلّامة المجلسي يقول :

إنّ محبة المقربين لأولادهم وأقربائهم وأحبّائهم ليست من جهة الدواعي

__________________

١. مسند أحمد: ١ / ٨٤، إلى غير ذلك من المصادر المتوفرة.

٢. بحار الأنوار: ٤٥ / ١٣٨.

٣. تفسير الفخر الرازي: ٣٢ / ١٢٤.

٢٢١

النفسانية والشهوات البشرية، بل تجرّدوا عن جميع ذلك وأخلصوا حُبَّهم، و وُدَّهم لله. وحُبّهم لغير الله إنّما يرجع إلى حبهم له، ولذا لم يحب يعقوب من سائر أولاده مثل ما أحبّ يوسفعليه‌السلام منهم، ولجهلهم بسبب حبّه له نسبوه إلى الضلال، وقالوا: نحن عصبة، ونحن أحقّ بأن نكون محبوبين له، لأنّا أقوياء على تمشية ما يريده من أُمور الدنيا، ففرط حبّه يوسف إنّما كان لحب الله تعالى له واصطفائه إيّاه فمحبوب المحبوب محبوب.١

__________________

١. سفينة البحار: ١ / ٤٩٦، مادة حبب.

٢٢٢

من سمات أهل البيت:

٣

استجابة دعائهم :

الابتهال إلى الله وطلب الخير منه أو طلب دفع الشرِّ ومغفرة الذنوب، أمر مرغوب، يقوم به الإنسان تارة بنفسه، وأُخرى يتوصل إليه بدعاء الغير.

واستجابة الدعاء رهن خرق الحجب والوصول إليه سبحانه، حتى يكون الدعاء مصداقاً لقوله سبحانه:( ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) ١ وليس كلّ دعاء مستجاباً وصاعداً إليه سبحانه، فانّ لاستجابة الدعاء شروطاً مختلفة قلّما تجتمع في دعاء الإنسان العادي.

نعم هناك أُناس مطهّرون من الذنوب يكون دعاؤهم صاعداً إلى الله سبحانه ومستجاباً قطعاً، ولذلك حثَّ سبحانه المسلمين على التشرّف بحضرة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وطلب الاستغفار منه، قال سبحانه:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّابًا رَّحِيمًا ) .٢

وقال سبحانه:( وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ

__________________

١. غافر: ٦٠.

٢. آل عمران: ٦٥.

٢٢٣

وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ ) .١

ولذلك طلب أبناء يعقوب من أبيهم أن يستغفر لهم كما يحكيه قوله سبحانه:( قَالُوا يَا أَبَانَا اسْتَغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا إِنَّا كُنَّا خَاطِئِينَ ) .٢

ويظهر ممّا جرى بين النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووفد نجران من المحاجَّة والمباهلة أنّ أهل البيت إذا أمَّنوا علىٰ دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يُستجاب دعاءه، فقد وفد نصارى نجران على الرسول وطلبوا منه المحاجَّة، فحاجَّهم الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببرهان عقلي تشير إليه الآية المباركة:( إِنَّ مَثَلَ عِيسَىٰ عِندَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فيَكُونُ ) .٣

فقد قارعهم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا البيان البليغ الذي لا يرتاب فيه ذو مرية، حيث كان نصارىٰ نجران يحتجّون ببنوّة المسيح بولادته بلا أب فوافاهم الجواب: « بأنّ مثل المسيح كمثل آدم، إذ لم يكن للثاني أب ولا أُمّ مع أنّه لم يكن ابناً لله سبحانه » وأولى منه أن لا يكون المسيح ابناً له.

ولـمّا أُفحموا في المحاجَّة التجأوا إلى المباهلة والملاعنة، وهي وإن كانت دائرة بين الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ورجال النصارى، لكن عمَّت الدعوة للأبناء والنساء، للدلالة على اطمئنان الداعي بصدق دعوته وكونه على الحقّ، وذلك لما أودع الله سبحانه في قلب الإنسان من محبة الأولاد والشفقة عليهم، فتراه يقيهم بنفسه ويركب الأهوال والاخطار دونهم، ولذلك قدَّم سبحانه في الآية المباركة الأبناء على النساء، وقال:( فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ

__________________

١. المنافقون: ٥.

٢. يوسف: ٩٧.

٣. آل عمران: ٥٩.

٢٢٤

أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) .١

وإنَّ إتيانه سبحانه بلفظ الأبناء بصيغة الجمع يعرب عن أنّ طرف الدعوى لم يكن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحده بل أبناؤه ونساؤه، ولذلك عدَّتهم الآية نفس النبي ونساء النبي وأبناءه من بين رجال الأُمة ونسائهم وأبنائهم.

ثمّ إنّ المفسرين قد ساقوا قصة المباهلة بشكل مبسوط منهم صاحب الكشّاف، قال: لـمـّا دعاهم إلى المباهلة، قالوا: حتى نرجع وننظر.

فلّما تخالوا قالوا للعاقب، وكان ذا رأيهم: يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال: والله لقد عرفتم يامعشر النصارى أنّ محمّداً نبيّ مرسل، ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيّاً قطُّ، فعاش كبيرهم ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لتهلكنّ، فإن أبيتم إلّا إِلف دينكم والإقامة على ما أنتم عليه، فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد غدا محتضناً الحسين، آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه، وعليٌّ خلفها، وهو يقول: « إذا أنا دعوت فأمِّنوا ».

فقال أُسقف نجران: يا معشر النصارى ! إنّي لأرى وجوهاً لو شاء الله أن يُزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتُهلكوا، ولا يبقىٰ على وجه الأرض نصراني إلى يوم القيامة، فقالوا: يا أبا القاسم رأينا أن لا نباهلك، وأن نقرّك على دينك، ونثبت على ديننا. قال: « فإذا أبيتم المباهلة، فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم ».

__________________

١. آل عمران: ٦١.

٢٢٥

فأبوا. قال: « فإنّي أُناجزكم »، فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة، ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردُّنا عن ديننا، على أن نؤدّي إليك كلّ عام ألفي حلّة، ألف في صفر، وألف في رجب، وثلاثين درعاً عادية من حديد، فصالحهم على ذلك.

وقال: « والذي نفسي بيده أنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران، ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير ولاضطرم عليهم الوادي ناراً، ولاستأصل الله نجران وأهله حتى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتى يهلكوا ».

وعن عائشة أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خرج وعليه مرط مرجل من شعر أسود، فجاء الحسن فأدخله، ثمّ جاء الحسين فأدخله، ثمّ فاطمة، ثمّ عليٌّ، ثمّ قال:( إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ ) .١

الشاهد على استجابة دعائهم أمران:

أ: قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أنا دعوت فأمّنوا، فكان دعاء النبي يصعد بتأمينهم، وأيُّ مقام أعلى وأنبل من أن يكون دعاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صاعداً بفضل دعائهم.

ب: قول أُسقف نجران: « إنّي لأرىٰ وجوهاً لو شاء الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها » والضمير يرجع إلى الوجوه، أي لأزاله بدعائهم أو لأزاله بالقسم على الله بهم، وقد أيَّد القول الثاني ابن البطريق في « العمدة » حيث قال: المباهلة بهم تصدق دعوى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، فقد صار إبطال محاجَّة أهل نجران في القرآن الكريم بالقسم على الله بهم.٢

__________________

١. الكشّاف: ١ / ٣٢٦ - ٣٢٧، ط عام ١٣٦٧ ه‍.

٢. العمدة: ٢٤٣.

٢٢٦

وقد تركت مباهلة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأهل بيته أثراً بالغاً في نفوس المسلمين، يشهد عليها ما أخرجه مسلم في صحيحه عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما يمنعك أن تسبَّ أباتراب ؟ فقال: أما ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم، فلن أسبَّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إليّ من حمر النعم.

سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول له وقد خلفه في بعض مغازيه، فقال له عليُّ: يا رسول الله، خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلّا أنّه لا نبوّة بعدي ؟

وسمعته يوم خيبر، يقول: لأُعطينّ الراية رجلاً يحب الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله.

قال: فتطاولنا لها، فقال: ادعوا لي عليّاً، فأُتي به أرمد العين، فبصق في عينيه، ودفع الراية إليه، ففتح الله على يديه.

ولما نزلت هذه الآية:( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ) دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً، وقال: أللّهم هؤلاء أهل بيتي.١

__________________

١. صحيح مسلم: ٧ / ١٢٠، باب فضائل عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام .

٢٢٧

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٤

ابتغاء مرضاة الله تعالى ٰ

الإنسان الكامل، هو الذي لا يفعل شيئاً ولا يتركه إلّا لابتغاء مرضاة الله تبارك وتعالى، فيصل في سلوكه ورياضاته الدينيَّة إلىٰ مكان تفنىٰ فيه كلّ الدوافع والحوافز إلّا داع واحد وهو طلب رضا الله تبارك وتعالى، فإذا بلغ هذه الدرجة فقد بلغ الذروة من الكمال الإنساني، وربَّما يبلغ الإنسان في ظل الرضا درجة لا يتمنّى وقوع ما لم يقع، أو عدم ما وقع، وإلى ذلك المقام يشير الحكيم السبزواري بما في منظومته:

وبهجة بما قضى الله رضا

وذو الرضا بما قضى ما اعترضا

أعظم باب الله، في الرضا وُعي١

وخازن الجنّة رضواناً دُعي

فقرا على الغنى صبورٌ ارتضى

وذان سيّان لصاحب الرضا

عن عارف عُمّر سبعين سنة

إن لم يقل رأساً لأشيا كائنة

يا ليت لم تقع ولا لما ارتفع

مما هو المرغوب ليته وقع٢

__________________

١. إشارة إلى ما روي أنّ الرضا باب الله الأعظم.

٢. شرح منظومة السبزواري: ٣٥٢.

٢٢٨

وممَّن يمثل ذلك المقام في الأُمّة الإسلامية هو إمام العارفين وسيد المتّقين عليٌّ أمير المؤمنينعليه‌السلام فهو في عامَّة مواقفه، في جهاده ونضاله، وعزلته وقعوده في بيته، وفي تسنّمه منصَّة الخلافة بإصرار من الأُمّة، فهو في كلّ هذه الأحوال والمواقف، لا همّ له إلّا طلب رضوانه تعالى.

وقد صرح الإمام بذلك عندما طلب منه تسلّم مقاليد الخلافة، فقال: « أما والذي فلق الحبَّة وبرأ النسمة لولا حضور الحاضر، وقيام الحجّة بوجود الناصر، وما أخذ الله على العلماء ألّا يقارُّوا على كظّة ظالم، ولا سغب مظلوم، لألقيت حبلها على غاربها، ولسقيت آخرها بكأس أوّلها، ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز ».١

وقد تجلّت هذه الخصلة في عليٍّعليه‌السلام حين مبيته في فراش النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

روى المحدّثون أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لـمّا أراد الهجرة خلّف عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام بمكّة لقضاء ديونه وردّ الودائع التي كانت عنده، وأمره ليلة خرج إلى الغار وقد أحاط المشركون بالدار أن ينام على فراشه فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له: يا عليُّ اتَّشح ببردي الحضرمي الأخضر، ثمّ نم على فراشي، فانّه لا يخلص إليك منهم مكروه، إن شاء الله عزّ وجلّ، ففعل ذلكعليه‌السلام فأوحى الله عزّ وجلّ إلى جبرئيل وميكائيلعليهما‌السلام إنّي قد آخيت بينكما وجعلت عمر أحدكما أطول من الآخر، فأيّكما يؤثر صاحبه بالحياة ؟، فاختار كلاهما الحياة، فأوحى الله عزّ وجلّ إليهما: ألا كنتما مثل عليّ بن أبي طالب، آخيت بينه وبين محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنام على فراشه يفديه بنفسه ويؤثره بالحياة، اهبطا إلى الأرض فاحفظاه من عدوّه، فنزلا فكان جبرئيل عند رأسه وميكائيل عند رجليه.

__________________

١. نهج البلاغة: الخطبة ٣.

٢٢٩

فقال جبرئيل: بَخٍّ بَخٍّ مَن مثلك يابن أبي طالب ؟ يباهي الله بك الملائكة، فأنزل الله تعالى على رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو متوجِّه إلى المدينة في شأن عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ ) .١

وقد نقل غير واحد نزول الآية في حقّ عليٍّعليه‌السلام .

وقال ابن عباس: أنشدني أمير المؤمنين شعراً قاله في تلك الليلة:

وقيت بنفسي من وطئ الحصا

وأكرم خلق طاف بالبيت والحجر

وبتُّ أُراعي منهم ما يسوءني

وقد‌صبَّرت نفسي على‌القتل والأسر

وبات رسول الله في الغار آمناً

ومازال في حفظ الإله وفي الستر٢

وإلى هذه الفضيلة الرابية وغيرها يشير حسّان بن ثابت في شعره عند مدح عليٍّعليه‌السلام :

من ذا بخاتمه تصدَّق راكعا

وأسرّها في نفسه إسرارا

من كان بات على فراش محمّد

ومحمد اسرى يؤم الغارا

من كان في القرآن سمّي

في تسع آيات تلين غزارا٣

محاولة طمس الحقيقة لولا

إنّ عظمة هذه الفضيلة وأهميّة هذا العمل التضحويّ العظيم، دفعت بكبار علماء الإسلام إلى اعتبارها واحدة من أكبر فضائل الإمام عليّعليه‌السلام، وإلى أن

__________________

١. البقرة: ٢٠٧.

٢. شواهد التنزيل: ١ / ١٣٠ ؛ أُسد الغابة: ٤ / ٢٥.

٣. سبط ابن الجوزي: تذكرة الخواصّ: ٢٥، ط عام ١٤٠١ ه‍.

٢٣٠

يَصِفُوا بها عليّاً بالفداء والبذل والإيثار، وإلى أن يعتبروا نزول الآية المذكورة في شأنه من المسلّمات، كلّ ما بلغ الحديث في التفسير والتاريخ إليها.١

إنّ هذه الحقيقة لا تنسي أبداً، فإنّه من الممكن إخفاء وجه الواقع والتعتيم عليه بعض الوقت إلّا أنّه سرعان ما تمزّق أشعةُ الحقيقة الساطعة حجبَ الأوهام، وتخرج شمس الحقيقة من وراء الغيوم.

إنّ معاداة معاوية لأهل بيت النبوّة وبخاصّة للإمام أمير المؤمنين عليٍّعليه‌السلام ممّا لا يمكن النقاش فيه.

فقد أراد هذا الطاغية من خلال تطميع بعض صحابة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يلوّث صفحات التاريخ اللّامعة ويخفي حقائقه بوضع الأكاذيب، ولكنّه لم يحرز في هذا السبيل نجاحاً.

فقد عمد « سمرة بن جندب » الذي أدرك عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ انضمّ بعد وفاتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى بلاط معاوية بالشام، عمد إلى تحريف الحقائق مقابل أموال أخذها من الجهاز الأموي، الحاقد على أهل البيت.

فقد طلب منه معاوية بإصرار أن يرقى المنبر ويكذّب نزول هذه الآية في شأن عليٍّعليه‌السلام، ويقول للناس أنّها نزلت في حقّ قاتل عليٍّ ( أي عبد الرحمٰن بن ملجم المرادي )، ويأخذ في مقابل هذه الأُكذوبة الكبرى، وهذا الاختلاق الفضيع - الذي أهلك به دينه ـ، مائة ألف درهم.

فلم يقبل « سمرة » بهذا المقدار ولكن معاوية زاد له في المبلغ حتى بلغ أربعمائة ألف درهم، فقبل الرجل بذلك، فقام بتحريف الحقائق الثابتة، مسوَّداً

__________________

١. الغدير: ٢ / ٤٨.

٢٣١

بذلك صفحته السوداء أكثر من ذي قبل، وذلك عندما رقى المنبر وفعل ما طلب منه معاوية.١

وقبل السامعون البسطاء قوله، ولم يخطر ببال أحد منهم أبداً أنّ ( عبد الرحمٰن بن ملجم ) اليمنيّ لم يكن يوم نزول الآية في الحجاز بل لعلّه لم يكن قد وُلِد بعد آنذاك. فكيف يصحّ ؟!

ولكن الحقيقة لا يمكن أن تخفى بمثل هذه الحجب الواهية، ولا يمكن أن تُنسىٰ بمثل هذه المحاولات العنكبوتية الرخيصة.

فقد زالت حكومة معاوية وهلك أعوانها، واندثرت آثار الاختلاق والافتعال الذي وقع في عهدها المشؤوم، وطلعت شمس الحقيقة من وراء حُجبُ الجهل والافتراء مرة أُخرى، واعترف أغلبُ المفسِّرين الأجلّة والمحدّثين الأفاضل - في العصور والأدوار المختلفة - بأنّ الآية المذكورة نزلت في « ليلة المبيت » في بذل عليٍّعليه‌السلام ومفاداته النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنفسه.

__________________

١. لاحظ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد: ٤ / ٧٣.

٢٣٢

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٥

الإيثار

إنّه سبحانه تبارك وتعالى وصف الإيثار في كتابه الكريم، وهو من صفات الكرام حيث يقدِّمون الغير على أنفسهم، يقول سبحانه في وصف الأنصار:( وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ ) .١

كما أنّه سبحانه أمر بالوفاء بالنذر، قال سبحانه:( مَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللهَ يَعْلَمُهُ ) ٢ ، وقال سبحانه:( ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ ) .٣

وفي الوقت نفسه ندب إلى الخوف من عذابه، يقول سبحانه:( يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ ) ٤ وقال سبحانه:( وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ

__________________

١. الحشر: ٩.

٢. البقرة: ٢٧٠.

٣. الحجّ: ٢٩.

٤. النور: ٣٧.

٢٣٣

أَن يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الحِسَابِ ) .١

ما ذكرنا من الصفات الثلاث هي من أبرز الصفات التي يتحلّىٰ بها أولياؤه سبحانه، ونجد هذه الصفات مجتمعة في أهل البيتعليهم‌السلام في سورة واحدة، يقول سبحانه:

( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا *وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا *إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا *إِنَّا نَخَافُ مِن رَّبِّنَا يَوْمًا عَبُوسًا قَمْطَرِيرًا ) .٢

فقوله سبحانه:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) إشارة إلى إيثارهم الغير على أنفسهم، والضمير في( عَلَىٰ حُبِّهِ ) يرجع إلى الطعام أي انّهم مع حبّهم للطعام قدَّموا المسكين على أنفسهم، كما أنّ قوله:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) إشارة إلى صلابتهم في طريق إقامة الفرائض.

ثمّ قوله:( وَيَخَافُونَ يَوْمًا ) إشارة إلى خوفهم من عذابه سبحانه يوم القيامة.

وقد نقل أكثر المفسرين لو لم نقل كلّهم، أنّ الآيات نزلت في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام .

روي عن ابن عباس ( رض ) أنّ الحسن والحسينعليهما‌السلام مرضا فعادهما رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أُناس معه، فقالوا: يا أبا الحسن لو نذرت على ولدك، فنذر عليٌّ وفاطمة وفضّة جاريةٌ لهما، إن شفاهما الله تعالى أن يصوموا ثلاثة أيام، فشفيا وما

__________________

١. الرعد: ٢١.

٢. الإنسان: ٧ - ١٠.

٢٣٤

معهم شيء، فاستقرض عليٌّعليه‌السلام من شمعون الخيبري اليهودي ثلاثة أصوع من شعير، فطحنت فاطمة صاعاً واختبزت خمسة أقراص علىٰ عددهم ووضعوها بين أيديهم ليفطروا، فوقف عليهم سائل، فقال: السّلام عليكم أهل بيت محمّد مسكين من مساكين المسلمين، أطعموني أطعمكم الله من موائد الجنّة، فآثروه وباتوا ولم يذوقوا إلّا الماء وأصبحوا صائمين.

فلمّا أمسوا ووضعوا الطعام بين أيديهم وقف عليهم يتيم فآثروه، وجاءهم أسير في الثالثة، ففعلوا مثل ذلك فلما أصبحوا أخذ عليٌّعليه‌السلام بيد الحسن والحسينعليهما‌السلام ودخلوا على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلمّا أبصرهم، وهم يرتعشون كالفراخ من شدّة الجوع، قال: ما أشد ما يسوءني ما أرى بكم، وقام فانطلق معهم فرأى فاطمة في محرابها قد التصق بطنها بظهرها وغارت عيناها فساءه ذلك.

فنزل جبرئيلعليه‌السلام وقال: خذها يا محمّد هنّأك الله في أهل بيتك، فأقرأه السورة.١

روى السيوطي في الدر المنثور، وقال: أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَىٰ حُبِّهِ ) الآية، قال: نزلت هذه الآية في عليِّ بن أبي طالب وفاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .٢

ورواه الثعلبي في تفسيره، وقال: نزلت في عليِّ بن أبي طالب وفاطمةعليهما‌السلام وفي جاريتهما فضّة، ثمّ ذكر القصّة على النحو الذي سردناه لكن بصورة مبسطة.

وقال: وذهب محمّد بن علي صاحب الغزالي على ما ذكره الثعلبي في كتابه

__________________

١. الكشّاف: ٣ / ٢٩٧ ؛ تفسير الفخر الرازي: ٣٠ / ٢٤٤.

٢. الدّر المنثور: ٨ / ٣٧١، تفسير سورة الإنسان.

٢٣٥

المعروف بـ‍ « البلغة » انّهمعليهم‌السلام نزلتعليهم‌السلام مائدة من السماء فأكلوا منها سبعة أيّام، وحديث المائدة ونزولها عليهم في جواب ذلك مذكور في سائر الكتب.١

وقد سرد سبب نزول هذه الآية في حقّ أهل البيتعليهم‌السلام غير واحد من أئمّة الحديث.٢

__________________

١. العُمدة: ٢ / ٤٠٧ - ٤١٠.

٢. شواهد التنزيل: ٢ / ٤٠٥ - ٤٠٨ ؛ أُسد الغابة: ٥ / ٥٣٠ ؛ مناقب ابن المغازلي: ٢٧٢.

٢٣٦

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٦

هم خير البريّة

إنّ خير الناس في منطق القرآن الكريم من آمن بالله ورسوله وعرف خالقه ومنعمه، وقد قال سبحانه:( لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَٰئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَٰئِكَ هُمُ المُتَّقُونَ ) .١

وهذه الصفات المذكورة في الآية تجدها، متمثلة في أهل البيتعليهم‌السلام شهد على ذلك سيرتهم، ولذلك صاروا خير البرية.

أخرج الطبري في تفسير قوله سبحانه:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) .٢ باسناده عن أبي الجارود، عن محمد بن علي، قال: قال

__________________

١. البقرة: ١٧٧.

٢. البيّنة: ٧.

٢٣٧

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم: « أنت يا عليُّ وشيعتك ».١

روى الخوارزمي عن جابر قال: كنّا عند النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأقبل عليّ بن أبي طالب، فقال رسول الله: « قد أتاكم أخي » ثمّ التفت إلى الكعبة فضربها بيده، ثمّ قال: « والذي نفسي بيده إنّ هذا وشيعته هم الفائزون يوم القيامة »، ثمّ قال: « إنّه أوّلكم إيماناً معي، وأوفاكم بعهد الله، وأقومكم بأمر الله، وأعدلكم في الرعيّة، وأقسمكم بالسويّة، وأعظمكم عند الله مزيّة »، قال: وفي ذلك الوقت نزلت فيه:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ، وكان أصحاب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذا أقبل عليٌّ، قالوا: قد جاء خير البرية.٢

وروى أيضاً من طريق الحافظ ابن مردويه، عن يزيد بن شراحيل الأنصاري، كاتب عليّعليه‌السلام، قال: سمعت عليّاً يقول: « حدَّثني رسول الله وأنا مُسْنده إلى صدري، فقال أي عليّ ! ألم تسمع قول الله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) ؟ أنت وشيعتك، وموعدي وموعدكم الحوض إذا جاءت الأُمم للحساب تُدعون غرّاً محجّلين ».٣

وأرسل ابن الصباغ المالكي في فصوله عن ابن عباس، قال: لـمّا نزلت هذه الآية، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليٍّعليه‌السلام: « أنت وشيعتك تأتي يوم القيامة، أنت وهم راضين مرضيين، ويأتي أعداؤك غضاباً مقمحين ».٤

__________________

١. تفسير الطبري: ٣٠ / ١٤٦.

٢. المناقب للخوارزمي: ١١١ برقم ١٢٠.

٣. المناقب للخوارزمي: ٢٦٥ برقم ٢٤٧.

٤. الفصول: ١٢٢.

٢٣٨

من سمات أهل البيتعليهم‌السلام

٧

أهل البيتعليهم‌السلام ورثة الكتاب

اختلفت الأُمّة الإسلامية بعد رحيل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر الخلافة - وإن كان اللائق بها عدم الاختلاف فيها، للنصوص الصحيحة الصادرة عنه في مختلف الموارد - وقد استقصينا البحث فيها في مبحث الإمامة من هذا الجزء.

والذي نركِّز عليه في هذا البحث هو تبيين المرجع العلمي بعد رحيله - سواء أكانت الخلافة لمن نصَّ عليه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في يوم الغدير أو من اختاره بعض الصحابة في سقيفة بني ساعدة ـ.

والمراد من المرجع العلمي مَن ترجع إليه الأُمّة في أُصول الدين وفروعه، ويصدر عنهم في تفسير القرآن وتبيين غوامضه، ويستفهم منه أسئلة الحوادث المستجدَّة.

يقول سبحانه:( وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الحَقُّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ *ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللهِ ذَٰلِكَ هُوَ الْفَضْلُ

٢٣٩

الْكَبِيرُ ) .١

المراد من الكتاب في قوله:( أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ ) هو القرآن بلا شكّ وكونه حقّاً لأجل براهين قطعية تُثبت أنّه منزل من ربّه فانّ قوانينه تنسجم مع الفطرة الإنسانية، والقصص الواردة فيها مصونة من الأساطير، والمجموع خالٍ من التناقض إلى غير ذلك من القرائن الدالة على أنّه حقّ. ومع ذلك هو مصدِّق لما بين يدي الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الكتاب السماوي.

هذا هو مفاد الآية الأُولى.

ثمّ إنّه سبحانه يقول:( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ ) المراد من الكتاب هو القرآن: لأنَّ اللاّم للعهد الذكري أي الكتاب المذكور في الآية المتقدمة، والوراثة عبارة عمّا يستحصله الإنسان بلا مشقة وجهد، والوارث لهذا الكتاب هم الذين أُشير إليهم بقوله:( الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا ) ، فلو قلنا بأنّ« من » للتبيين فيكون الوارث هو الأُمة الإسلامية جميعاً، ولو قلنا: إنّ« مِن » للتبعيض فيكون الوارث جماعة خاصة ورثوا الكتاب.

والظاهر هو التبيين كما في قولنا:( وَسَلامٌ عَلَىٰ عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَىٰ ) .٢

ولكن الأُمة الإسلامية صاروا على أقسام ثلاثة:

أ: ظالم لنفسه: الَّذين قصَّروا في وظيفتهم في حفظ الكتاب والعمل بأحكامه، وفي الحقيقة ظلموا أنفسهم، فلذلك صاروا ظالمين لأنفسهم.

ب: مقتصد: الذين أدُّوا وظيفتهم في الحفظ والعمل لكن لا بنحو كامل

__________________

١. فاطر: ٣١ - ٣٢.

٢. النمل: ٥٩.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

( سورة البقرة الآيات ١٧٨ - ١٧٩)

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى  الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنثَىٰ بِالْأُنثَىٰ  فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ  ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ  فَمَنِ اعْتَدَىٰ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( ١٧٨ ) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( ١٧٩ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ ) ، في توجيه الخطاب إلى المؤمنين خاصّة إشارة إلى كون الحكم خاصّاً بالمسلمين، وأمّا غيرهم من أهل الذمّة وغيرهم فالآية ساكتة عن ذلك.

ونسبة هذه الآية إلى قوله تعالى:( أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) المائدة - ٤٥، نسبة التفسير، فلا وجه لما ربّما يقال، إنّ هذه الآية ناسخة لتلك الآية فلا يقتل حرّ بعبد ولا رجل بمرأة.

وبالجملة القصاص مصدر، قاصّ يقاصّ، من قصّ أثره إذا تبعه ومنه القصّاص لمن يحدّث بالآثار والحكايات كأنّه يتّبع آثار الماضين فتسمية القصاص بالقصاص لما فيه من متابعة الجاني في جنايته فيوقع عليه مثل ما أوقعه على غيره.

قوله تعالى: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ ) ، المراد بالموصول القاتل، والعفو للقاتل إنّما يكون في حقّ القصاص فالمراد بالشئ هو الحقّ، وفي تنكيره تعميم للحكم أي أيّ حقّ كان سواء كان تمام الحقّ أو بعضه كما إذا تعدّد أولياء الدم فعفى بعضهم حقّه للقاتل فلا قصاص حينئذ بل الدية، وفي التعبير عن وليّ الدّم بالأخ إثارة لحسّ المحبّة والرأفة وتلويح إلى أنّ العفو أحبّ.

قوله تعالى: ( فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ) ، مبتدء خبره محذوف أي فعليه

٤٤١

أن يتّبع القاتل في مطالبة الدية بمصاحبة المعروف: من الاتّباع و على القاتل أن يؤدّي الدية إلى أخيه وليّ الدم بالإحسان من غير مماطلة فيها إيذاؤه.

قوله تعالى: ( ذَٰلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ ) ، أي الحكم بانتقال القصاص إلى الديّة تخفيف من ربّكم فلا يتغيّر فليس لوليّ الدّم أن يقتصّ بعد العفو فيكون اعتداءً فمن اعتدى فاقتصّ بعد العفو فله عذاب أليم.

قوله تعالى: ( وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) ، إشارة إلى حكمة التشريع، ودفع ما ربّما يتوهّم من تشريع العفو والديّة وبيان المزيّة والمصلحة الّتي في العفو وهو نشر الرحمة وإيثار الرأفة أنّ العفو أقرب إلى مصلحة الناس، وحاصله أنّ العفو ولو كان فيه ما فيه من التخفيف والرحمة، لكنّ المصلحة العامّة قائمة بالقصاص فإنّ الحياة لا يضمنها إلّا القصاص دون العفو والدية ولا كلّ شئ ممّا عداهما، يحكم بذلك الإنسان إذا كان ذا لبّ وقوله لعلّكم تتّقون، أي القتل وهو بمنزلة التعليل لتشريع القصاص.

وقد ذكروا: أنّ الجملة أعني قوله تعالى: ولكم في القصاص حياة الآية على اختصارها وإيجازها وقلّة حروفها وسلاسة لفظها وصفاء تركيبها من أبلغ آيات القرآن في بيانها، وأسماها في بلاغتها فهي جامعة بين قوّة الاستدلال وجمال المعنى ولطفه، ورقّة الدلالة وظهور المدلول، وقد كان للبلغآء قبلها كلمات في القتل والقصاص تعجبهم بلاغتها وجزالة اُسلوبها ونظمها كقولهم: قتل البعض أحياء للجميع وقولهم: أكثروا القتل ليقلّ القتل، وأعجب من الجميع عندهم قولهم: القتل أنفى للقتل غير أنّ الآية أنست الجميع ونفت الكلّ: ولكم في القصاص حياة فإنّ الآية أقلّ حروفاً وأسهل في التلّفظ، وفيها تعريف القصاص وتنكير الحياة ليدلّ على أنّ النتيجة أوسع من القصاص وأعظم وهي مشتملة على بيان النتيجة وعلى بيان حقيقة المصلحة وهي الحياة، وهي متضمّن حقيقة المعنى المفيد للغاية فإنّ القصاص هو المؤدّي إلى الحياة دون القتل فإنّ من القتل ما يقع عدوانا ليس يؤدّي إلى الحياة، وهي مشتملة على أشياء اُخر غير القتل تؤدّي إلى الحياة وهي أقسام القصاص في غير القتل، وهي مشتملة على معنى زائد آخر، وهو

٤٤٢

معنى المتابعة الّتي تدلّ عليها كلمة القصاص بخلاف قولهم القتل أنفى للقتل، وهي مع ذلك متضمّنة للحثّ والترغيب فإنّها تدلّ على حياة مذخورة للناس مغفول عنها يملكونها فعليهم أن يأخذوا بها نظير ما تقول: لك في مكان كذا أو عند فلان مالاً وثروة، وهي ذلك تشير إلى أنّ القائل لا يريد بقوله هذا إلّا حفظ منافعهم ورعاية مصلحتهم من غير عائد يعود إليه حيث قال: ولكم.

فهذه وجوه من لطائف ما تشتمل عليه هذه الآية، وربّما ذكر بعضهم وجوهاً اُخرى يعثر عليه المراجع غير أنّ الآية كلّما زدت فيه تدبّراً زادتك في تجلّياتها بجمالها وغلبتك بهور نورها - وكلمة الله هي العليا -.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى الحرّ بالحرّ، قال: لا يقتل الحرّ بالعبد ولكن يضرب ضرباً شديداً ويغرم دية العبد وإن قتل رجل امرأة فأراد أولياء المقتول أن يقتلوه أدوا نصف ديته إلى أولياء الرجل.

وفي الكافي عن الحلبيّ عن الصادقعليه‌السلام : قال سألته عن قوله الله عزّوجلّ فمن تصدّق به فهو كفّارة له. قال: يكفّر عنه من ذنوبه بقدر ما عفي، وسألته عن قوله عزّوجلّ: فمن عفي له من أخيه شئ فاتّباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان، قال: ينبغي للّذي له الحقّ أن لا يعسر أخاه إذا كان قد صالحه على دية وينبغي للّذي عليه الحقّ أن لا يمطل أداه إذا قدر على ما يعطيه ويؤدّي إليه بإحسان، وسألته عن قول الله عزّوجلّ: فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم، قال: هو الرجل يقبل الدّية أو يعفو أو يصالح ثمّ يعتدي فيقتل كما قال الله عزّوجلّ.

أقول: والروايات في هذه المعاني كثيرة.

٤٤٣

( بحث علمي)

كانت العرب أوان نزول آية القصاص وقبله تعتقد القصاص بالقتل لكنها ما كانت تحدّه بحدّ وإنّما يتبع ذلك قوّة القبائل وضعفها فربّما قتل الرجل بالرجل والمرأة بالمرأة فسلك في القتل مسلك التساوي وربّما قتل العشرة بالواحد والحرّ بالعبد والرئيس بالمرؤس وربّما أبادت قبيلة قبيلة اُخرى لواحد قتل منها.

وكانت اليهود تعتقد القصاص كما ورد في الفصل الحادي والعشرين والثاني والعشرين من الخروج والخامس والثلاثين من العدد، وقد حكاه القرآن حيث قال تعالى:( وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنفَ بِالْأَنفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ ) المائدة - ٤٥.

وكانت النصاري على ما يحكى لا ترى في مورد القتل إلّا العفو والدية، وسائر الشعوب والاُمم على إختلاف طبقاتهم ما كانت تخلو عن القصاص في القتل في الجملة وإن لم يضبطه ضابط تامّ حتّى القرون الأخيرة.

والإسلام سلك في ذلك مسلكاً وسطاً بين الإلغاء والإثبات فأثبت القصاص وألغى تعيّنه بل أجاز العفو والدية ثمّ عدّل القصاص بالمعادلة بين القاتل والمقتول، فالحرّ بالحرّ والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى.

وقد اعترض على القصاص مطلقاً وعلى القصاص بالقتل خاصّة بأنّ القوانين المدنيّة الّتي وضعتها الملل الراقية لا ترى جوازها وإجرائها بين البشر اليوم.

قالوا: إنّ القتل بالقتل ممّا يستهجنه الإنسان وينفر عنه طبعه ويمنع عنه وجدانه إذا عرض عليه رحمة وخدمة للإنسانيّة، وقالوا: إذا كان القتل الأوّل فقداً لفرد فالقتل الثاني فقد على فقد، وقالوا: إنّ القتل بالقصاص من القسوة وحبّ الانتقام، وهذه صفة يجب أن تزاح عن الناس بالتربية العامّة ويؤخذ في القاتل أيضاً بعقوبة التربيه، وذلك إنّما يكون بما دون القتل من السجن والأعمال الشاقّة، وقالوا: إنّ المجرم إنّما يكون

٤٤٤

مجرماً إذا كان مريض العقل فالواجب أن يوضع القاتل المجرم في المستشفيات العقليّة ويعالج فيها. وقالوا: إنّ القوانين المدنيّة تتبع الاجتماع الموجود، ولمّا كان الاجتماع غير ثابت على حال واحد كانت القوانين كذلك فلا وجه لثبوت القصاص بين الاجتماع للأبد حتّى الاجتماعات الراقيه اليوم، ومن اللازم أن يستفيد الاجتماع من وجود أفرادها ما استيسر، ومن الممكن أن يعاقب المجرم بما دون القتل ممّا يعادل القتل من حيث الثمرة والنتيجة كحبس الأبد أو حبس مدّة سنين وفيه الجمع بين الحقّين حقّ المجتمع وحقّ أولياء الدم. فهذه الوجوه عمدة ما ذكره المنكرون لتشريع القصاص بالقتل.

وقد أجاب القرآن عن جميع هذه الوجوه بكلمة واحدة، وهي قوله تعالى:( مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا ) المائدة - ٣٢.

بيان ذلك: أنّ القوانين الجارية بين أفراد الإنسان وإن كانت وضعيّة اعتباريّة يراعى فيها مصالح الاجتماع الإنسانيّ غير أنّ العلّة العاملة فيها من أصلها هي الطبيعة الخارجيّة الإنسانيّة الداعية إلى تكميل نقصها ورفع حوائجها التكوينيّة، وهذه الواقعيّة الخارجيّة ليست هي العدد العارض على الإنسان ولا الهيئة الواحدة الاجتماعيّة فإنّها نفسها من صنع الوجود الكونيّ الإنسانيّ بل هي الإنسان وطبيعته، وليس بين الواحد من الإنسان والألوف المجتمعة منه فرق في أنّ الجميع إنسان ووزن الواحد والجميع واحد من حيث الوجود.

وهذه الطبيعة الوجوديّة تجهّزت في نفسها بقوى وأدوات تدفع بها عن نفسها العدم لكونها مفطورة على حبّ الوجود، وتطرد كلّ ما يسلب عنه الحياة بأيّ وسيلة أمكنت وإلى أيّ غاية بلغت حتّى القتل والإعدام، ولذا لا تجد إنساناً لا تقضي فطرته بتجويز قتل من يريد قتله ولا ينتهي عنه إلّا به، وهذه الاُمم الراقية أنفسهم لا يتوقّفون عن الحرب دفاعاً عن استقلالهم وحرّيّتهم وقوميّتهم، فكيف بمن أراد قتل نفوسهم عن آخرها؟ ويدفعون عن بطلان القانون بالغاً ما بلغ حتّى بالقتل ويتوسّلون إلى حفظ منافعهم بالحرب إذا لم يعالج الداء بغيرها، تلك الحرب الّتي فيها

٤٤٥

فناء الدنيا وهلاك الحرث والنسل ولا يزال ملل يتقدّمون بالتسليحات وآخرون يتجهّزون بما يجاوبهم، وليس ذلك كلّه إلّا رعاية لحال الاجتماع وحفظاً لحياته وليس الاجتماع إلّا صنيعة من صنايع الطبيعة فما بال الطبيعة تجوّز القتل الذريع والإفناء والإبادة لحفظ صنيعة من صنائعها، وهي الاجتماع المدنيّ ولا تجوّزها لحفظ حياة نفسها ؟ وما بالها تجوّز قتل من يهمّ بالقتل ولم يفعل ولا تجوّزه فيمن همّ وفعل ؟ وما بال الطبيعة تقضي بالانعكاس في الوقايع التأريخيّة، فمن يعمل مثقال ذرّة خيراً يره، ومن يعمل مثقال ذرّة شرّاً يره ولكلّ عمل عكس عمل في قانونها لكنّها تعدّ القتل في مورد القتل ظلماً وتنقض حكم نفسها؟

على أنّ الإسلام لا يرى في الدنيا قيمة للإنسان يقوّم بها ولا وزناً بوزن به إلّا إذا كان على دين التوحيد فوزن الاجتماع الإنسانيّ ووزن الموحّد الواحد عنده سيّان، فمن الواجب أن يكون حكمهما عنده واحداً، فمن قتل مؤمناً كان كمن قتل الناس جميعاً من نظر إزرائه وهتكه لشرف الحقيقة كما أنّ من قتل نفساً كان كمن قتل الناس جميعاً من نظر الطبيعة الوجوديّة، وأمّا الملل المتمدّنة فلا يبالون بالدين ولو كانت شرافة الدين عندهم تعادل في قيمتها أو وزنها - فضلاً عن التفوّق - الاجتماع المدنيّ في الفضل لحكموا فيه بما حكموا في ذلك.

على أنّ الإسلام يشرّع للدنيا لا لقوم خاصّ واُمّة معيّنة، والملل الراقية إنّما حكمت بما حكمت بعد ما أذعنت بتمام التربية في أفرادها وحسن صنيع حكوماتها ودلالة الإحصاء في مورد الجنايات والفجائع على أنّ التربية الموجودة مؤثّرة وأن الاُمّة في أثر تربيتهم متنفّرة عن القتل والفجيعة فلا تتّفق بينهم إلّا في الشذوذ وإذا اتّفقت فهي ترتضي المجازاة بما دون القتل، والإسلام لا يأبى عن تجويز هذه التربية وأثرها الّذي هو العفو مع قيام أصل القصاص على ساق.

ويلوح إليه قوله تعالى: في آية القصاص فمن عفى له من أخيه شئ فاتّباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان. فاللسان لسان التربية وإذا بلغ قوم إلى حيث أذعنوا بأنّ الفخر العموميّ في العفو لم ينحرفوا عنه إلى مسلك الانتقام.

٤٤٦

وأمّا غير هؤلاء الاُمم فالأمر فيها على خلاف ذلك والدليل عليه ما نشاهده من حال الناس وأرباب الفجيعة والفساد فلا يخوّفهم حبس ولا عمل شاقّ ولا يصدّهم وعظ ونصح، وما لهم من همّة ولا ثبات على حقّ إنسانيّ، والحياة المعدّة لهم في السجون أرفق وأعلى وأسنى ممّا لهم في أنفسهم من المعيشة الرديّة الشقيّة فلا يوحشهم لوم ولا ذمّ، ولا يدهشهم سجن ولا ضرب، وما نشاهده أيضاً من ازدياد عدد الفجائع في الاحصاءات يوماً فيوماً فالحكم العامّ الشامل للفريقين - والأغلب منهما الثاني - لا يكون إلّا القصاص وجواز العفو فلو رقت الاُمّة وربيّت تربية ناجحة أخذت بالعفو (وإلإسلام لا يألو جهده في التربية) ولو لم يسلك إلّا الانحطاط أو كفرت بأنعم ربّها وفسقت، أخذ فيهم بالقصاص ويجوز معه العفو.

وأمّا ما ذكروه من حديث الرحمة والرأفة بالإنسانيّة فما كلّ رأفة بمحمودة ولا كلّ رحمة فضيلة، فاستعمال الرحمة في مورد الجاني القسيّ والعاصي المتخلّف المتمرّد والمتعدّي على النفس والعرض جفاء على صالح الأفراد، وفي استعمالها المطلق إختلال النظام وهلاك الإنسانيّة وإبطال الفضيلة.

وأمّا ما ذكروه أنّه من القسوة وحبّ الانتقام فالقول فيه كسابقة، فالانتقام للمظلوم من ظالمه استظهاراً للعدل والحقّ ليس بمذموم قبيح، ولا حبّ العدل من رذائل الصفات، على أنّ تشريع القصاص بالقتل غير ممحّض في الانتقام بل فيه ملاك التربية العامّة وسدّ باب الفساد.

وأمّا ما ذكروه من كون جناية القتل من الأمراض العقليّة الّتي يجب أن يعالج في المستشفيات فهو من الأعذار (ونعم العذر) الموجبة لشيوع القتل والفحشاء ونماء الجناية في الجامعة الإنسانيّة وأيّ إنسان منّا يحبّ القتل والفساد علم أنّ ذلك فيه مرض عقليّ وعذر مسموع يجب على الحكومة أن يعالجه بعناية ورأفة وأنّ القوّة الحاكمة والمجرية تعتقد فيه ذلك لم يقدم معه كلّ يوم على قتل؟

وأمّا ما ذكروه من لزوم الاستفادة من وجود المجرمين بمثل الأعمال الإجباريّة،

٤٤٧

ونحوها مع حبسهم ومنعهم عن الورود في الاجتماع فلو كان حقّاً متّكئاً على حقيقة فما بالهم لا يقضون بمثله في موارد الإعدام القانوني الّتي توجد في جميع القوانين الدائرة اليوم بين الاُمم ؟ وليس ذلك إلّا للأهميّة الّتي يرونها للإعدام في موارده، وقد مرّ أنّ الفرد والمجتمع في نظر الطبيعة من حيث الأهميّة متساويان.

٤٤٨

( سورة البقرة الآيات ١٨٠ - ١٨٢)

كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ  حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ ( ١٨٠ ) فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ  إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( ١٨١ ) فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ  إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ١٨٢ )

( بيان)

قوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِن تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ ) ، لسان الآية لسان الوجوب فإنّ الكتابة يستعمل في القرآن في مورد القطع واللّزوم ويؤيّده ما في آخر الآية من قوله حقّاً، فإنّ الحقّ أيضاً كالكتابة يقتضي معنى اللزوم لكن تقييد الحقّ بقوله على المتّقين، ممّا يوهن الدلالة على الوجوب والعزيمة فإنّ الأنسب بالوجوب أن يقال: حقّاً على المؤمنين، وكيف كان فقد قيل إنّ الآية منسوخة بآية الإرث، ولو كان كذلك فالمنسوخ هو الفرض دون الندب وأصل المحبوبيّة، ولعلّ تقييد الحقّ بالمتّقين في الآية لإفادة هذا الغرض.

والمراد بالخير المال، وكأنّه المال المعتدّ به، دون اليسير الّذي لا يعبأ به والمراد بالمعروف هو المعروف المتداول من الصنيعة والإحسان.

قوله تعالى: ( فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ ) ، ضمير إثمه راجع إلى التبديل، والباقي من الضمائر إلى الوصيّة بالمعروف، وهي مصدر يجوز فيه الوجهان وإنّما قال على الّذين يبدّلونه، ولم يقل عليهم ليكون فيه دلالة على سبب الإثم وهو تبديل الوصيّة بالمعروف وليستقيم تفريع الآية التالية عليه.

قوله تعالى: ( فَمَنْ خَافَ مِن مُّوصٍ جَنَفًا أَوْ إِثْمًا فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلَا إِثْمَ عَلَيْه ) ، الجنف هو الميل و الانحراف، وقيل: هو ميل القدمين إلى الخارج كما أنّ الحنف بالحاء المهملة انحرافهما

٤٤٩

إلى الداخل، والمراد على أيّ حال الميل إلى الإثم بقرينة الإثم، والآية تفريع على الآية السابقة عليها، والمعنى (والله أعلم) فإنّما إثم التبديل على الّذين يبدّلون الوصيّة بالمعروف، ويتفرّع عليه: أنّ من خاف من وصيّة الموصي أن يكون وصيّته بالإثم أو مائلاً إليه فأصلح بينهم بردّه إلى ما لا إثم فيه فلا إثم عليه لأنّه لم يبدّل وصيّته بالمعروف بل إنّما بدّل ما فيه إثم أو جنف.

( بحث روائي)

وفي الكافي والتهذيب وتفسير العيّاشيّ - واللّفظ للأخير - عن محمّد بن مسلم عن الصادقعليه‌السلام : سألته عن الوصيّة تجوز للوارث ؟ قال نعم ثمّ تلا هذه الآية إن ترك خيراً الوصيّة للوالدين والأقربين.

وفي تفسير العيّاشيّ عن الصادق عن أبيه عن عليّعليه‌السلام قال: من لم يوص عند موته لذوي قرابته ممّن لا يرث فقد ختم عمله بمعصية.

وفي تفسير العيّاشيّ أيضاً عن الصادقعليه‌السلام : في الآية قال: حقّ جعله الله في أموال الناس لصاحب هذا الأمر، قال قلت: لذلك حدّ محدود، قال: نعم، قلت: كم ؟ قال: أدناه السدس وأكثره الثلث.

أقول: وروي هذا المعنى الصدوق أيضاً في الفقيه عنهعليه‌السلام وهو استفادة لطيفة من الآية بضمّ قوله تعالى:( النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ إِلَّا أَن تَفْعَلُوا إِلَىٰ أَوْلِيَائِكُم مَّعْرُوفًا كَانَ ذَٰلِكَ فِي الْكِتَابِ مَسْطُورًا ) الاحزاب - ٦، فإنّ الآية هي الناسخة لحكم التوارث بالاُخوّة الّذي كان في صدر الإسلام فقد نفت التوارث بالاُخوّة وأثبته للقرابة ثمّ استثنى ما فعل من معروف في حقّ الأولياء، وقد عدّت النبيّ وليّاً والطاهرين من ذرّيّته أولياء لهم، وهذا المعروف المستثنى مورد قوله تعالى: إن ترك خيراً الوصيّة الآية - وهم قربى - فافهم.

وفي تفسير العيّاشيّ عن أحدهماعليهما‌السلام : في قوله تعالى كتب عليكم إذا حضر

٤٥٠

الآية، قالعليه‌السلام هي منسوخة نسختها آية الفرائض الّتي هي المواريث.

أقول: مقتضى الجمع بين الروايات السابقة وبين هذه الرواية أنّ المنسوخ من الآية هو الوجوب فقط فيبقى الاستحباب على حاله.

وفي المجمع عن أبي جعفرعليه‌السلام : في قوله فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً الآية، قال الجنف أن يكون على جهة الخطاء من حيث لا يدري أنّه يجوز.

وفي تفسير القمّيّ قال الصادقعليه‌السلام : إذا الرجل أوصى بوصيّته فلا يجوز للوصيّ أن يغيّر وصيّة يوصيها بل يمضيها على ما أوصى إلّا أن يوصي بغير ما أمر الله فيعصي في الوصيّة ويظلم، فالموصى إليه جائز له أن يردّه إلى الحقّ مثل رجل يكون له ورثة فيجعل المال كلّه لبعض ورثته ويحرم بعضاً فالوصيّ جائز له أن يردّه إلى الحقّ وهو قوله جنفاً أو إثماً، والجنف الميل إلى بعض ورثته دون بعض والإثم أن يأمر بعمارة بيوت النيران واتّخاذ المسكر فيحل للوصيّ أن لا يعمل بشئ من ذلك.

أقول: وبما في الرواية من معنى الجنف يظهر معنى قوله تعالى فأصلح بينهم فالمراد الإصلاح بين االورثة لوقوع النزاع بينهم من جهة جنف الموصي.

وفي الكافي عن محمّد بن سوقة قال: سألت أبا جعفرعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ: فمن بدّله بعد ما سمعه فإنّما إثمه على الّذين يبدّلونه، قال نسختها الّتي بعدها قوله: فمن خاف من موص جنفاً أو إثماً فأصلح بينهم فلا إثم عليه، قال: يعني الموصي إليه إن خاف جنفاً من الموصي في ولده فيما أوصى به إليه فيما لا يرضي الله به من خلاف الحقّ فلا إثم عليه أي على الموصى إليه أن يبدّله إلى الحقّ وإلى ما يرضى الله به من سبيل الحقّ.

أقول: هذا من تفسير الآية بالآية فإطلاق النسخ عليه ليس على الاصطلاح وقد مرّ أنّ النسخ في كلامهم ربّما يطلق على غير ما اصطلح عليه الاُصوليّون.

٤٥١

الفهرس

( مقدمه ). ٢

( سورة الحمد وهي سبع آيات ). ١٣

( سورة الحمد الآيات ١ – ٥ ). ١٣

( بيان ). ١٣

( بحث روائي ). ٢٠

( بحث فلسفي ). ٢٢

( سورة الحمد الآيات ٦ – ٧ ). ٢٦

( بيان ). ٢٦

( بحث روائي ). ٣٥

( بحث آخر روائي ). ٣٩

( سورة البقرة وهي مائتان وستّ وثمانون آية )   ٤١

( سورة البقرة الآيات ١ - ٥ ). ٤١

( بيان ). ٤١

( بحث روائي ). ٤٤

( بحث فلسفي ). ٤٥

( بحث آخر فلسفي ). ٤٧

( سورة البقرة الآيات ٦ – ٧ ). ٥٠

( بيان ). ٥٠

( بحث روائي ). ٥١

( سورة البقرة الآيات ٨ – ٢٠ ). ٥٣

( بيان ). ٥٤

٤٥٢

( سورة البقرة الآيات ٢١ – ٢٥ ). ٥٥

( بيان ). ٥٥

( الإعجاز وماهيّته ). ٥٧

( إعجاز القرآن ). ٥٧

( تحدّيه بالعلم ). ٦٠

( التحدّي بمن اُنزل عليه القرآن ). ٦١

( تحدّي القرآن بالإخبار عن الغيب ). ٦٣

( تحدّي القرآن بعدم الإختلاف فيه ). ٦٤

( التحدّي بالبلاغة ). ٦٦

( معنى الآية المعجزة في القرآن وما يفسر به حقيقتها ). ٧٢

( ١ - تصديق القرآن لقانون العليّة العامّة ). ٧٢

( ٢ - اثبات القرآن ما يخرق العادة ). ٧٣

(٣ - القرآن يسند ما أسند إلى العلّة المادّيّة إلى الله تعالى ). ٧٧

(٤ - القرآن يثبت تأثيرً في نفوس الأنبياء في الخوارق ). ٧٨

(٥ - القرآن كما يسند الخوارق إلى تأثير النفوس يسندها إلى أمر الله تعالى ). ٧٩

( ٦ - القرآن يسند المعجزة إلى سبب غير مغلوب ). ٨١

( ٧ - القرآن يعدّ المعجزة برهاناً على صحّة الرّسالة لا دليلاً عاميّاً ). ٨٢

( بحث روائي ). ٨٩

( سورة البقرة الآيات ٢٦ - ٢٧ ). ٩٠

( بيان ). ٩٠

( بحث الجبر والتفويض ). ٩٣

( بحث روائي ). ٩٦

( بحث فلسفي ). ١٠٥

( سورة البقرة الآيات ٢٨ - ٢٩ ). ١١١

( بيان ). ١١١

٤٥٣

( سورة البقرة الآيات ٣٠ - ٣٣ ). ١١٥

( بيان ). ١١٥

( بحث روائي ). ١١٩

( سورة البقرة الآية ٣٤ ). ١٢٣

( بيان ). ١٢٣

( بحث روائي ). ١٢٤

( سورة البقرة الآيات ٣٥ - ٣٩ ). ١٢٧

( بيان ). ١٢٧

( بحث روائي ). ١٣٩

( سورة البقرة الآيات ٤٠ - ٤٤ ). ١٥٢

( بيان ). ١٥٢

( سورة البقرة الآيات ٤٥ - ٤٦ ). ١٥٣

( بيان ). ١٥٣

( بحث روائي ). ١٥٤

( سورة البقرة الآيات ٤٧ - ٤٨ ). ١٥٦

( بيان ). ١٥٦

( ١ - ما هي الشفاعة ؟ ). ١٥٩

( ٢ - إشكالات الشفاعة ). ١٦٤

( ٣ - فيمن تجري الشفاعة ؟ ). ١٧١

( ٤ - من تقع منه الشفاعة ؟ ). ١٧٤

( ٥ - بماذا تتعلّق الشفاعة ؟ ). ١٧٥

( ٦ - متى تنفع الشفاعة ؟ ). ١٧٥

( بحث روائي ). ١٧٧

( بحث فلسفي ). ١٨٥

( بحث اجتماعي ). ١٨٦

٤٥٤

( سورة البقرة الآيات ٤٩ - ٦١ ). ١٨٩

( بيان ). ١٩٠

( بحث روائي ). ١٩١

( سورة البقرة الآية ٦٢ ). ١٩٤

( بيان ). ١٩٤

( بحث روائي ). ١٩٥

( بحث تاريخي ). ١٩٥

( سورة البقرة الآيات ٦٣ - ٧٤ ). ١٩٩

( بيان ). ١٩٩

( بحث روائي ). ٢٠٥

( بحث فلسفي ). ٢٠٧

( بحث علمي وأخلاقي ). ٢١١

( سورة البقرة الآيات ٧٥ - ٨٢ ). ٢١٥

( بيان ). ٢١٥

( بحث روائي ). ٢١٩

( سورة البقرة الآيات ٨٣ - ٨٨ ). ٢٢٠

( بيان ). ٢٢٠

( بحث روائي ). ٢٢٢

( سورة البقرة الآيات ٨٩ - ٩٣ ). ٢٢٤

( بيان ). ٢٢٤

( بحث روائي ). ٢٢٥

( سورة البقرة الآيات ٩٤ - ٩٩ ). ٢٢٩

( بيان ). ٢٢٩

( بحث روائي ). ٢٣٣

( سورة البقرة الآيات ١٠٠ - ١٠١ ). ٢٣٤

( بيان ). ٢٣٤

٤٥٥

( سورة البقرة الآيات ١٠٢ - ١٠٣ ). ٢٣٥

( بيان ). ٢٣٥

( بحث روائي ). ٢٣٩

( بحث فلسفي ). ٢٤٤

( بحث علمي ). ٢٤٦

( سورة البقرة الآيات ١٠٤ - ١٠٥ ). ٢٤٨

( بيان ). ٢٤٨

( بحث روائي ). ٢٥١

( سورة البقرة الآيات ١٠٦ - ١٠٧ ). ٢٥٢

( بيان ). ٢٥٢

( بحث روائي ). ٢٥٧

( سورة البقرة الآيات ١٠٨ - ١١٥ ). ٢٥٩

( بيان ). ٢٥٩

( بحث روائي ). ٢٦٢

( سورة البقرة الآيات ١١٦ - ١١٧ ). ٢٦٣

( بيان ). ٢٦٣

( بحث روائي ). ٢٦٤

( بحث علمي وفلسفي ). ٢٦٥

( سورة البقرة الآيات ١١٨ - ١١٩ ). ٢٦٦

( بيان ). ٢٦٦

( سورة البقرة الآيات ١٢٠ - ١٢٣ ). ٢٦٧

( بيان ). ٢٦٧

( بحث روائي ). ٢٦٩

( سورة البقرة الآية ١٢٤ ). ٢٧٠

( بيان ). ٢٧٠

( بحث روائي ). ٢٧٩

٤٥٦

( سورة البقرة الآيات ١٢٥ - ١٢٩ ). ٢٨٣

( بيان ). ٢٨٣

( بحث روائي ). ٢٨٩

( بحث علمي ). ٣٠١

( سورة البقرة الآيات ١٣٠ - ١٣٤ ). ٣٠٣

( بيان ). ٣٠٣

( بحث روائي ). ٣١٠

( سورة البقرة الآيات ١٣٥ - ١٤١ ). ٣١٣

( بيان ). ٣١٣

( بحث روائي ). ٣١٨

( سورة البقرة الآيات ١٤٢ - ١٥١ ). ٣١٩

( بيان ). ٣٢٠

( بحث روائي ). ٣٣٤

( بحث علمي ). ٣٣٨

( بحث اجتماعي ). ٣٤٠

( سورة البقرة الآية ١٥٢ ). ٣٤٣

( بيان ). ٣٤٣

( بحث روائي ). ٣٤٤

( سورة البقرة الآيات ١٥٣ - ١٥٧ ). ٣٤٧

( بيان ). ٣٤٧

( نشأة البرزخ ). ٣٥٢

( تجرّد النفس ). ٣٥٥

( الاخلاق ). ٣٥٩

( بحث روائي ). ٣٦٧

في البرزخ وحياة الروح بعد الموت.. ٣٦٧

٤٥٧

( بحث فلسفي ). ٣٦٩

( بحث اخلاقي ). ٣٧٦

( بحث روائي آخر ). ٣٨٧

في متفرّقات متعلّقة بما تقدّم ٣٨٧

( سورة البقرة الآية ١٥٨ ). ٣٩٠

( بيان ). ٣٩٠

( بحث روائي ). ٣٩٢

( سورة البقرة الآيات ١٥٩ - ١٦٢ ). ٣٩٤

( بيان ). ٣٩٤

( بحث روائي ). ٣٩٧

( سورة البقرة الآيات ١٦٣ - ١٦٧ ). ٣٩٩

( بيان ). ٣٩٩

( كلام في استناد مصنوعات الإنسان إلى الله سبحانه ). ٤٠٦

( بحث روائي ). ٤١٥

( بحث فلسفي ). ٤١٧

( بحث فلسفي آخر ). ٤١٩

( بحث قرآني وروائي متمم للبحث السابق ). ٤٢٣

( سورة البقرة الآيات ١٦٨ - ١٧١ ). ٤٢٤

( بيان ). ٤٢٤

( بحث روائي ). ٤٢٨

( بحث اخلاقي واجتماعي ). ٤٢٨

( سورة البقرة الآيات ١٧٢ - ١٧٦ ). ٤٣٣

( بيان ). ٤٣٣

( بحث روائي ). ٤٣٥

( بيان ). ٤٣٦

( بحث روائي ). ٤٣٩

٤٥٨

( سورة البقرة الآيات ١٧٨ - ١٧٩ ). ٤٤١

( بيان ). ٤٤١

( بحث روائي ). ٤٤٣

( بحث علمي ). ٤٤٤

( سورة البقرة الآيات ١٨٠ - ١٨٢ ). ٤٤٩

( بيان ). ٤٤٩

( بحث روائي ). ٤٥٠

٤٥٩