الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 172998 / تحميل: 9109
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

( سورة البقرة وهي مائتان وستّ وثمانون آية)

( سورة البقرة الآيات ١ - ٥)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الم( ١) ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ  فِيهِ  هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ( ٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ( ٣) وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ( ٤) أُولَئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ  وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ( ٥)

( بيان)

لما كانت السورة نازلةً نجوما لم يجمعها غرض واحد إلّا أنّ معظمها تنبئ عن غايةٍ واحدةٍ محصّلةٍ وهو بيان أنّ من حقّ عبادة الله سبحانه أن يؤمن عبده بكل ما أنزله بلسان رسله من غير تفرّقة بين وحيٍ ووحيٍ ولا بين رسول ورسول ولا غير ذلك، ثمّ تقريع الكافرين والمنافقين وملامة أهل الكتاب بما ابتدعوه من التفرّقة في دين الله والتفريق بين رسله، ثمّ التخلّص إلى بيان عدّة من الأحكام كتحويل القبلة وأحكام الحجّ والارث والصوم وغير ذلك.

قوله تعالى : ( ألم ) ، سيأتي بعض ما يتعلّق من الكلام بالحروف المقطّعة الّتي في اوائل السور، في أوّل سورة الشورى إن شاء الله، وكذلك الكلام في معنى هداية القرآن ومعنى كونه كتاباً.

وقوله تعالى: ( هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ ) الخ، المتّقون هم المؤمنون، وليست التقوى من الاوصاف الخاصّة لطبقة من طبقاتهم أعني: لمرتبة من مراتب الإيمان حتّى تكون مقاماً من مقاماته نظير الإحسان والإخبات والخلوص، بل هي صفة مجامعةٌ لجميع مراتب الإيمان إذا تلبّس الإيمان بلباس التحقّق، والدليل على ذلك أنّه تعالى لا يخصّ بتوصيفه طائفةً خاصّة من طوائف المؤمنين على اختلاف طبقاتهم ودرجاتهم والّذي أخذه تعالى من الأوصاف المعرّفة للتقوى في هذه الآيات التسع عشرة الّتي

٤١

يبيّن فيها حال المؤمنين والكفّار والمنافقين، خمس صفات، وهي الإيمان بالغيب، واقامة الصلاة، والانفاق ممّا رزق الله سبحانه، والإيمان بما انزله على أنبيائه، والإيقان بالآخرة، وقد وصفهم بأنّهم على هدى من ربّهم فدلّ ذلك على ان تلبسهم بهذه الصفات الكريمة بسبب تلبّسهم بلباس الهداية من الله سبحانه، فهم انّما صاروا متّقين اُولي هذه الصفات بهداية منه تعالى، ثمّ وصف الكتاب بأنّه هدى لهؤلاء المتّقين بقوله تعالى:( ذَٰلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ) فعلمنا بذلك: أنّ الهداية غير الهداية، وأنّ هؤلاء وهم متّقون محفوفون بهدايتين، هداية اولى بها صاروا متّقين، وهداية ثانية اكرمهم الله سبحانه بها بعد التقوى وبذلك صحّت المقابلة بين المتّقين وبين الكفّار والمنافقين، فإنّه سبحانه يجعلهم في وصفهم بين ضلالين وعمائين، ضلال أوّل هو الموجب لاوصافهم الخبيثة من الكفر والنفاق، وضلال ثان يتأكّد به ضلالهم الأوّل، ويتّصفون به بعد تحقق الكفر والنفاق كما يقوله تعالى في حق الكفّار:( خَتَمَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ ) البقرة - ٧، فنسب الختم إلى نفسه تعالى والغشاوة إلى أنفسهم، وكما يقوله في حق المنافقين:( فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا ) البقرة - ١٠ فنسب المرض الأوّل إليهم والمرض الثاني إلى نفسه على حدّ ما يستفاد من قوله تعالى:( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) البقرة - ٢٦، وقوله تعالى:( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ) الصف - ٥.

وبالجملة المتّقون واقعون بين هدايتين، كما أنّ الكفّار والمنافقين واقعون بين ضلالين.

ثمّ إنّ الهداية الثانية لما كانت بالقرآن فالهداية الاُولى قبل القرآن وبسبب سلامة الفطرة، فإنّ الفطرة إذا سلمت لم تنفكّ من أن تتنبّه شاهدة لفقرها وحاجتها إلى امر خارج عنها، وكذا احتياج كلّ ما سواها ممّا يقع عليه حسّ أو وهم أو عقل إلى امر خارج يقف دونه سلسلة الحوائج، فهي مؤمنة مذعنة بوجود موجود غائب عن الحسّ منه يبدء الجميع وإليه ينتهي ويعود، وأنّه كما لم يهمل دقيقة من دقائق ما يحتاج إليه الخلقة كذلك لا يهمل هداية الناس إلى ما ينجيهم من مهلكات الاعمال والاخلاق، وهذا هو

٤٢

الإذعان بالتوحيد والنبوّة والمعاد وهي ُصول الدين، ويلزم ذلك استعمال الخضوع له سبحانه في ربوبيّتة، واستعمال ما في وسع الإنسان من مال وجاه وعلم وفضيلة لإحياء هذا الإمر ونشره، وهذان هما الصلاة والإنفاق.

ومن هنا يعلم: إنّ الّذي أخذه سبحانه من إوصافهم هو الّذي يقضي به الفطرة إذا سلمت وإنّه سبحانه وعدهم إنّه سيفيض عليهم إمرً سمّاه هداية، فهذه الاعمال الزاكية منهم متوسّطة بين هدايتين كما عرفت، هداية سابقة وهداية لاحقة، وبين الهدايتين يقع صدق الاعتقاد وصلاح العمل، ومن الدليل على أنّ هذه الهداية الثانية من الله سبحانه فرع الُولى، آيات كثيرة كقوله تعالى:( يُثَبِّتُ اللهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ ) ابراهيم - ٢٧. وقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ ) الحديد - ٢٨. وقوله تعالى:( إِن تَنصُرُوا اللهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - ٧. وقوله تعالى:( وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) الصف - ٧. وقوله تعالى:( وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ) الصفّ - ٥. إلى غير ذلك من الآيات.

والإمر في ضلال الكفّار والمنافقين كما في المتّقين على ما سيأتي إنشاء الله.

وفي الآيات إشارة إلى حياة ُخرى للانسان كامنة مستبطنة تحت هذه الحيإة الدنيويّة، وهي الحياة الّتي بها يعيش الإنسان في هذه الدار و بعد الموت وحين البعث، قال تعالى:( أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) الانعام - ١٢٣ وسيأتي الكلام فيه إنشاء الله.

وقوله سبحانه : يؤمنون الإيمان، تمكّن الاعتقاد في القلب ماخوذ من الإمن كأنّ المؤمن يعطي لما امن به الإمن من الريب والشكّ وهو آفة الاعتقاد، والإيمان كما مرّ معنى ذو مراتب، إذ الإذعان ربّما يتعلّق بالشئ نفسه فيترتّب عليه إثره فقط، وربّما يشتدّ بعض الاشتداد فيتعلّق ببعض لوازمه، وربّما يتعلّق بجميع لوازمه فيستنتج منه إنّ للمؤمنين طبقات على حسب طبقات الإيمان.

وقوله سبحانه : ( بِالْغَيْبِ ) ، الغيب خلاف الشهادة وينطبق على ما لا يقع عليه

٤٣

الحسّ، وهو الله سبحانه وآياته الكبرى الغائبة عن حواسّنا، ومنها الوحي هو الّذي اشير إليه بقوله:( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ ) فالمراد بالإيمان بالغيب في مقابل الإيمان بالوحي والإيقان بالآخرة، هو الإيمان بالله تعالى ليتمّ بذلك الإيمان بالاصول الثلاثة للدين، والقرآن يؤكّد القول على عدم القصر على الحسّ فقط ويحرّص على اتّباع سليم العقل وخالص اللبّ.

وقوله سبحانه : ( وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ) ، العدول في خصوص الاذعان بالاخرة عن الإيمان إلى الإيقان، كأنّه للإشارة إلى أنّ التقوى لا تتمّ إلّا مع اليقين بالاخرة الّذي لا يجامع نسيانها، دون الإيمان المجرّد، فإنّّ الإنسان ربّما يؤمن بشئ ويذهل عن بعض لوازمه فيأتي بما ينافيه، لكنّه إذا كان على علم وذكر من يوم يحاسب فيه على الخطير واليسير من اعماله لا يقتحم معه الموبقات ولا يحوم حوم محارم الله سبحانه البتّة قال تعالى:( وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ ) ص - ٢٦. فبيّن تعالى: أنّ الضلال عن سبيل الله إنّما هو بنسيان يوم الحساب، فذكره واليقين به ينتج التقوى.

وقوله تعالى : ( أُولَئِكَ عَلَىٰ هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ ) ، الهداية كلّها من الله سبحانه، لا ينسب إلى غيره البتّة الّا على نحو من المجاز كما سيأتي إن شاء الله، ولمّا وصفهم الله سبحانه بالهداية وقد قال في نعتها:( فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره ) : لانعام - ١٢٥، وشرح الصدر سعته وهذا الشرح، يدفع عنه كلّ ضيق وشحّ، وقد قال تعالى:( وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الحشر - ٩، عقّب سبحانه ههنا أيضاً قوله: اُولئك على هدىً من ربّهم، بقوله: واُولئك هم المفلحون الآية.

( بحث روائي)

في المعاني عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى: الّذين يؤمنون بالغيب، قال: من آمن بقيام القائمعليه‌السلام أنّه حقّ.

اقول: وهذا المعنى مروّي في غير هذه الرّواية وهو من الجرى.

٤٤

وفي تفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام : في قوله تعالى:( وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ ) قال: وممّا علّمنا هم يبثّون.

وفي المعاني عنهعليه‌السلام : في الآية: وممّا علّمناهم يبثّون، وما علّمناهم من القرآن يتلون.

اقول: والرّوايتان مبنيّتان على حمل الإنفاق على الاعمّ من إنفاق المال كما ذكرناه.

( بحث فلسفي)

هل يجوز التعويل على غير الإدراكات الحسّيّة من المعاني العقليّة ؟ هذه المسألة من معارك الآراء بين المتأخرين من الغربيّين، وإن كان المعظم من القدماو حكماء الاسلام على جواز التعويل على الحسّ والعقل معا، بل ذكروا أنّ البرهان العلميّ لا يشمل المحسوس من حيث إنّه محسوس، لكنّ الغربيّين مع ذلك اختلفوا في ذلك، والمعظم منهم وخاصّة من علماء الطبيعة على عدم الاعتماد على غير الحسّ، وقد احتجّوا على ذلك بأنّ العقليّات المحضة يكثر وقوع الخطأ والغلط فيها مع عدم وجود ما يميّز به الصواب من الخطأ وهو الحسّ والتجربة المماسّان للجزئيّات بخلاف الإدراكات الحسّيّة فإنّا إذا أدركنا شيئاً بواحد من الحواسّ اتبعنا ذلك بالتجربة بتكرار الأمثال، ولا نزال نكرّر حتّى نستثبت الخاصّة المطلوبة في الخارج ثمّ لا يقع فيه شكّ بعد ذلك، والحجّة باطلة مدخولة.

أوّلاً: بأنّ جميع المقدّمات المأخوذة فيها عقليّة غير حسّيّة فهي حجّة على بطلان الاعتماد على المقدّمات العقليّة بمقدّمات عقليّة فيلزم من صحة الحجّة فسادها.

وثانياً: بأنّ الغلط في الحواسّ لا يقصر عدداً من الخطأ والغلط في العقليّات، كما يرشد إليه الأبحاث الّتي أوردوها في المبصرات وسائر المحسوسات، فلو كان مجرّد وقوع الخطأ في باب موجباً لسدّه وسقوط الاعتماد عليه لكان سدّ باب الحسّ أوجب وألزم.

وثالثاً: أنّ التميّز بين الخطأ والصواب ممّا لا بدّ منه في جميع المدركات غير أنّ التجربة وهو تكرّر الحسّ ليست آلة لذلك التميّز بل القضيّة التجربيّة تصير إحدى

٤٥

المقدّمات من قياس يحتجّ به على المطلوب، فإنّا إذا اُدركنا بالحسّ خاصّة من الخواصّ ثمّ اتبعناه بالتجربة بتكرار الأمثال تحصل لنا في الحقيقة قياس على هذا الشكل: إنّ هذه الخاصّة دائميّ الوجود أو أكثريّ الوجود لهذا الموضوع، ولو كانت خاصّة لغير هذا الموضوع لم يكن بدائميّ أو أكثريّ، لكنّه دائميّ أو اكثريّ وهذا القياس كما ترى يشتمل على مقدّمات عقليّة غير حسّيّة ولا تجربيّة.

ورابعاً: هب إنّ جميع العلوم الحسّيّة مؤيّدة بالتجربة في باب العمل لكن من الواضح ان نفس التجربة ليس ثبوتها بتجربة اُخرى وهكذا إلى غير النهاية بل العلم بصحّته من طريق غير طريق الحسّ، فالاعتماد على الحسّ والتجربة اعتمادٌ على العلم العقليّ اضطراراً.

وخامساً: أنّ الحسّ لا ينال غير الجزئيّ المتغيّر والعلوم لا تستنتج ولا تستعمل غير القضايا الكليّة وهي غير محسوسة ولا مجرّبة، فإنّّ التشريح مثلاً إنّما ينال من الإنسان مثلاً أفراداً معدودين قليلين أو كثيرين، يعطي للحسّ فيها مشاهدة أنّ لهذا الإنسان قلباً وكبداً مثلاً، ويحصل من تكرارها عدد من المشاهدة يقلّ أو يكثر وذلك غير الحكم الكليّ في قولنا: كلّ انسان فله قلب أو كبد، فلو اقتصرنا في الاعتماد والتعويل على ما يستفاد من الحسّ والتجربة فحسب من غير ركون على العقليّات من رأس لم يتمّ لنا إدراك كلّي ولا فكر نظريّ ولا بحث علميّ، فكما يمكن التعويل أو يلزم على الحسّ في مورد يخصّ به كذلك التعويل فيما يخصّ بالقوّة العقليّة، ومرادنا بالعقل هو المبدأ لهذه التصديقات الكليّة والمدرك لهذه الأحكام العامّة، ولا ريب أنّ الإنسان معه شئ شأنه هذا الشأن، وكيف يتصوّر أن يوجد ويحصل بالصنع والتكوين شئ شأنه الخطأ في فعله رأساً ؟ أو يمكن أن يخطئ في فعله الّذي خصّه به التكوين ؟ والتكوين إنّما يخصّ موجوداً من الموجودات بفعل من الافعال بعد تثبت الرابطة الخارجيّة بينهما، وكيف يثبت رابطة بين موجود وما ليس بموجود أي خطأ وغلط ؟

وأمّا وقوع الخطأ في العلوم أو الحواسّ فلبيان حقيقة الأمر فيه محلّ آخر ينبغي الرجوع إليه والله الهادي.

٤٦

( بحث آخر فلسفي)

الإنسان البسيط في أوائل نشأته حين ما يطأ موطأ الحياة لا يرى من نفسه إلّا انّه ينال من الأشياء اُعيانها الخارجيّة من غير أن يتنبّه أنّه يوسّط بينه وبينها وصف العلم، ولا يزال على هذا الحال حتّى يصادف في بعض مواقفه الشكّ أو الظنّ، وعند ذلك يتنبّه: أنّه لا ينفكّ في سيره الحيويّ ومعاشه الدنيويّ عن استعمال العلم لا سيّما وهو ربّما يخطئ ويغلط في تمييزاته، ولا سبيل للخطأ والغلط إلى خارج الاعيان، فيتيقّن عند ذلك بوجود صفة العلم (وهو الإدراك المانع من النقيض) فيه.

ثمّ البحث البالغ يوصلنا أيضاً إلى هذه النتيجة، فإنّّ إدراكاتنا التصديقيّة تحلّل إلى قضيّة أوّل الأوائل (وهى أنّ الايجاب والسلب لا يجتمعان معاً ولا يرتفعان معاً) فما من قضيّة بديهيّة أو نظريّة إلّا وهي محتاجة في تمام تصديقها إلى هذه القضيّة البديهيّة الأوّليّة، حتّى أنّا لو فرضنا من انفسنا الشّك فيها وجدنا الشّك المفروض لا يجامع بطلان نفسه وهو مفروض، وإذا ثبتت هذه القضيّة على بداهتها ثبت جمٌّ غفيرٌ من التصديقات العلميّة على حسب مساس الحاجة إلى اثباتها، وعليها معوّل الإنسان في أنظاره وأعماله.

فما من موقف علميّ ولا واقعة عمليّة إلّا ومعوّل الإنسان فيه على العلم، حتّى أنّه إنّما يشخّص شكّه بعلمه أنّه شّك، وكذا ظنّه أو وهمه أو جهله بما يعلم أنّه ظنّ أو وهم أو جهل هذا.

ولقد نشأ في عصر اليونانيّين جماعة كانوا يسمّون بالسو فسطائيّين نفوا وجود العلم، وكانوا يبدون في كلّ شئ الشّك حتّى في أنفسهم وفي شّكهم، وتبعهم آخرون يسمون بالشكّاكين قريبوا المسلك منهم نفوا وجود العلم عن الخارج عن أنفسهم وأفكارهم (إدراكاتهم) وربّما لفّقوا لذلك وجوها من الاستدلال.

منها: أنّ أقوى العلوم والإدراكات (وهي الحاصلة لنا من طرق الحواسّ) مملوّة

٤٧

خطأ وغلطاً فكيف بغيرها ؟ ومع هذا الوصف كيف يمكن الاعتماد على شئ من العلوم والتصديقات المتعلّقة بالخارج منّا ؟

ومنها: أنّا كلّما قصدنا نيل شئ من الأشياء الخارجيّة لم ننل عند ذلك إلّا العلم به دون نفسه فكيف يمكن النيل لشئ من الأشياء ؟ إلى غير ذلك من الوجوه.

والجواب عن الأوّل: أنّ هذا الاستدلال يبطل نفسه، فلو لم يجز الاعتماد على شئ من التصديقات لم يجز الاعتماد على المقدّمات المأخوذة في نفس الاستدلال، مضافاً إلى أن الاعتراف بوجود الخطأ وكثرته اعتراف بوجود الصواب بما يعادل الخطأ أو يزيد عليه، مضافاً إلى أنّ القائل بوجود العلم لا يدّعي صحّة كلّ تصديق بل إنّما يدّعيه في الجملة، وبعبارة اُخرى يدّعي الايجاب الجزئيّ في مقابل السلب الكلّي والحجّة لا تفي بنفي ذلك.

والجواب عن الثاني: أن محلّ النزاع وهو العلم حقيقته الكشف عن ماورائه فإذا فرضنا أنّا كلّما قصدنا شيئاً من الأشياء الخارجيّة وجدنا العلم بذلك إعترفنا بأنّا كشفنا عنه حينئذ، ونحن إنّما ندّعي وجود هذا الكشف في الجملة، ولم يدّع احد في باب وجود العلم: أنّا نجد نفس الواقع وننال عين الخارج دون كشفه، وهؤلاء محجوجون بما تعترف به نفوسهم اعترافا اضطراريّاً في أفعال الحياة الاختياريّة وغيرها، فإنّهم يتحرّكون إلى الغذاء والماء عند إحساس ألم الجوع والعطش، وكذا إلى كلّ مطلوب عند طلبه لاعند تصوّره الخالي، ويهربون عن كلّ محذور مهروب عنه عند العلم بوجوده لا عند مجرّد تصوّره، وبالجملة كلّ حاجة نفسانيّة ألهمتها إليهم احساساتهم أوجدوا حركة خارجيّة لرفعها ولكنّهم عند تصوّر تلك الحاجة من غير حاجة الطبيعة إليها لا يتحرّكون نحو رفعها، وبين التصوّرين فرق لا محالة، وهو أنّ احد العلمين يوجده الإنسان باختياره ومن عند نفسه والاخر إنّما يوجد في الإنسان بايجاد أمر خارج عنه مؤثّر فيه، وهو الّذي يكشف عنه العلم، فإذن العلم موجود وذلك ما اردناه.

واعلم: أنّ في وجود العلم شكّاً قويّاً من وجه آخر وهو الّذي وضع عليه اساس العلوم المادّيّة اليوم من نفي العلم الثابت (وكل علم ثابت)، بيانه: أنّ البحث العلميّ

٤٨

يثبت في عالم الطبيعة نظام التحوّل والتكامل، فكلّ جزء من أجزاء عالم الطبيعة واقعٌ في مسير الحركة متوجّه إلى الكمال، فما من شئ إلّا وهو في الآن الثاني من وجوده غيره وهو في الآن الأوّل من وجوده، ولا شكّ أنّ الفكر والإدراك من خواصّ الدماغ فهي خاصّة مادّيّة لمركّب مادّيّ، فهي لا محالة واقعة تحت قانون التحوّل والتكامل، فهذه الإدراكات (ومنها الإدراك المسمّى بالعلم) واقعة في التغيّر والتحوّل فلا معنى لوجود علم ثابت باق وإنّما هو نسبيّ، فبعض التصديقات أدوم بقاء وأطول عمراً أو أخفى نقيضاً ونقضاً من بعض آخر وهو المسمّى بالعلم فيما وجد.

والجواب عنه: أن الحجّة مبنية على كون العلم مادّيّاً غير مجرّد في وجوده وليس ذلك بيّنا ولا مبيّناً بل الحقّ أنّ العلم ليس بمادّيّ البتّة، وذلك لعدم إنطباق صفات المادّة وخواصّها عليه.

(١) فإنّّ المادّيّات مشتركة في قبول الانقسام وليس يقبل العلم بما أنّه علم الانقسام البتّة.

(٢) والمادّيّات مكانيّة زمانيّة والعلم بما أنّه علم لا يقبل مكاناً ولا زماناً، والدليل عليه إمكان تعقّل الحادثة الجزئيّة الواقعة في مكان معيّن وزمان معيّن في كل مكان وكلّ زمان مع حفظ العينيّة.

(٣) والمادّيّات بأجمعها واقعة تحت سيطرة الحركة العموميّة فالتغيّر خاصّة عموميّة فيها مع أن العلم بما أنه علم لا يتغيّر، فإنّّ حيثيّة العلم بالذات تنافي حيثيّة التغيّر والتبدّل وهو ظاهر عند المتأمّل.

(٤) ولو كان العلم ممّا يتغيّر بحسب ذاته كالمادّيّات لم يمكن تعقّل شئ واحد ولا حادثة واحدة فوقتين مختلفين معاً ولا تذكّر شئ أو حادثة سابقة في زمان لاحق، فإنّّ الشئ المتغيّر وهو في الآن الثاني غيره في الآن الأوّل، فهذه الوجوه ونظائرها دالة على أنّ العلم بما أنّه علم ليس بمادّيّ البتّة، وأمّا ما يحصل في العضو الحسّاس أو الدماغ من تحقّق عمل طبيعيّ فليس بحثنا فيه أصلاً ولا دليل على أنّه هو العلم، ومجرّد تحقّق عمل عند تحقّق أمر من الاُمور لا يدلّ على كونهما أمراً واحداً، والزائد على هذا المقدار من البحث ينبغي أن يطلب من محلّ آخر.

٤٩

( سورة البقرة الآيات ٦ – ٧)

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ( ٦ ) خَتَمَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِم  وَعَلَىٰ أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَة  وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ٧ )

( بيان)

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، هؤلاء قوم ثبتوا على الكفر وتمكّن الجحود من قلوبهم، ويدلّ عليه وصف حالهم بمساواة الإنذار وعدمه فيهم، ولا يبعد أن يكون المراد من هؤلاء الّذين كفروا هم الكفّار من صناديد قريش وكبراء مكّة الّذين عاندوا ولجّوا في أمر الدين ولم يألوا جهداً في ذلك ولم يؤمنوا حتّى أفناهم الله عن آخرهم في بدر وغيره، ويؤيّده أنّ هذا التعبير وهو قوله:( سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) ، لا يمكن استطراده في حقّ جميع الكفّار وإلّا انسدّ باب الهداية القرآن ينادي على خلافه، وأيضاً هذا التعبير إنّما وقع في سورة يس (وهي مكّية) وفي هذه السورة (وهي سورة البقرة أوّل سورة نزلت في المدينة) نزلت ولم تقع غزوة بدر بعد، فالأشبه أن يكون المراد( مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا ) ، هيهنا وفي ساير الموارد من كلامه تعالى: كفّار مكّة في أوّل البعثة إلّا أن تقوم قرينة على خلافه، نظير ما سيأتي أنّ المراد من قوله تعالى:( الَّذِينَ آمَنُوا ) ، فيما اُطلق في القرآن من غير قرينة هم السابقون الأوّلون من المسلمين، خُصُّوا بهذا الخطاب تشريفاً.وقوله تعالى: ( خَتَمَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَعَلَىٰ سَمْعِهِمْ ) الخ يشعر تغيير السياق: (حيث نسب الختم إلى نفسه تعالى والغشاوة إليهم أنفسهم) بأنّ فيهم حجاباً دون الحقّ في أنفسهم وحجاباً من الله تعالى عقيب كفرهم وفسوقهم، فأعمالهم متوسّطة بين حجابين: من ذاتهم ومن الله تعالى، وسيأتي بعض ما يتعلّق بالمقام في قوله تعالى:( إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا ) .

واعلم : أنّ الكفر كالإيمان وصف قابل للشدّة والضعف فله مراتب مختلفة الآثار كالإيمان.

٥٠

( بحث روائي)

في الكافي عن الزبيريّ عن الصادقعليه‌السلام قال: قلت له: أخبرني عن وجوه الكفر في كتاب الله عزّوجلّ، قال: الكفر في كتاب الله على خمسة أوجه، فمنها كفر الجحود، والجحود على وجهين، والكفر بترك ما أمر الله، وكفر البرائة، وكفر النعم. فأمّا كفر الجحود فهو الجحود بالربوبيّة وهو قول من يقول: لا ربّ ولا جنّة ولا نار، وهو قول صنفين من الزنادقة يقال لهم الدهريّة وهم الّذين يقولون وما يهلكنا إلّا الدهر وهو دين وضعوه لأنفسهم بالإستحسان منهم ولا تحقيق لشئ ممّا يقولون: قال عزّوجلّ: إن هم إلّا يظنّون، أنّ ذلك كما يقولون، وقال: إنّ الّذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون، يعني بتوحيد الله، فهذا أحد وجوه الكفر.

وأمّا الوجه الآخر فهو الجحود على معرفة، وهو أن يجحد الجاحد وهو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده، وقد قال الله عزّوجلّ:( وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ) ، وقال الله عزّوجلّ: وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين، فهذا تفسير وجهى الجحود، والوجه الثالث من الكفر كفر النعم وذلك قوله سبحانه يحكي قول سليمان: هذا من فضل ربّي ليبلوني أأشكر أم أكفر ومن يشكر فإنّما يشكر لنفسه ومن يكفر فإنّ الله غنيّ كريم، وقال: لئن شكرتم لأزيدنّكم ولئن كفرتم إنّ عذابي لشديد، وقال: فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون.

والوجه الرابع من الكفر ترك ما أمر الله عزّوجلّ به، وهو قول عزّوجلّ:( وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لَا تَسْفِكُونَ دِمَاءَكُمْ وَلَا تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأْتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ ) فكفّرهم بترك ما أمر الله عزّوجلّ به ونسبهم إلى الإيمان

٥١

ولم يقبله منهم ولم ينفعهم عنده فقال: فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلّا خزىٌ في الحياة الدنيا ويوم القيمة يردّون إلى أشدّ العذاب وما الله بغافل عمّا تعملون.

والوجه الخامس من الكفر كفر البرائة وذلك قول الله عزّوجلّ يحكي قول إبراهيم:( كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّىٰ تُؤْمِنُوا بِاللهِ وَحْدَهُ ) ، يعني تبرّأنا منكم، وقال: ( يذكر ابليس وتبرّيه من أوليائه من الإنس يوم القيامة ) إنّي كفرت بما أشركتمون من قبل، وقال: إنّما اتّخذتم من دون الله أوثاناً مودّة بينكم في الحياة الدنيا ثمّ يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضاً، يعني يتبرّأ بعضكم من بعض.

اقول: وهي في بيان قبول الكفر الشدّة والضعف كما مرّ.

٥٢

( سورة البقرة الآيات ٨ – ٢٠)

وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ ( ٨ ) يُخَادِعُونَ اللهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ ( ٩ ) فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللهُ مَرَضًا  وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ( ١٠ ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ ( ١١ ) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِن لَّا يَشْعُرُونَ ( ١٢ ) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ  أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِن لَّا يَعْلَمُونَ ( ١٣ ) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَىٰ شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ ( ١٤ ) اللهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ ( ١٥ ) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَىٰ فَمَا رَبِحَت تِّجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ ( ١٦ ) مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَّا يُبْصِرُونَ ( ١٧ ) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ ( ١٨ ) أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آذَانِهِم مِّنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ  وَاللهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ( ١٩ ) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ  كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُم مَّشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا  وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ  إِنَّ اللهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ( ٢٠ )

٥٣

( بيان)

قوله تعالى: ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ ) إلى آخر الآيات، الخدعة نوع من المكر، والشيطان هو الشرير ولذلك سمّي إبليس شيطاناً.

وفي الآيات بيان حال المنافقين، وسيجئ إن شاء الله تفصيل القول فيهم في سورة المنافقين وغيرها.

وقوله تعالى: ( مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا ) (الخ) مثل يمثل به حالهم، أنّهم كالّذي وقع في ظلمة عمياء لا يتميّز فيها خير من شر ولا نافع من ضار فتسبّب لرفعها بسبب من أسباب الإستضائة كنار يوقدها فيبصر بها ما حولها فلمّا توقدّت وأضائت ما حولها أخمدها الله بسبب من الأسباب كريح أو مطر أو نحوهما فبقى فيما كان عليه من الظلمة وتورّط بين ظلمتين: ظلمة كان فيها وظلمة الحيرة وبطلان السبّب.

وهذه حال المنافق، يظهر الإيمان فيستفيد بعض فوائد الدين باشتراكه مع المؤمنين في مواريثهم ومناكحهم وغيرهما حتّى إذا حان حين الموت وهو الحين الّذي فيه تمام الإستفادة من الإيمان ذهب الله بنوره وأبطل ما عمله وتركه في ظلمة لا يدرك فيها شيئاً ويقع بين الظّلمة الأصليّة وما أوجده من الظلمة بفعاله.

وقوله تعالى: ( أَوْ كَصَيِّبٍ مِّنَ السَّمَاءِ ) الخ، الصيّب هو المطر الغزير، والبرق معروف، والرعد هو الصوت الحادث من السحاب عند الإبراق، والصاعقة هي النازلة من البروق.

وهذا مثل ثان يمثّل به حال المنافقين في إظهارهم الإيمان، أنّهم كالّذي أخذه صيّب السماء ومعه ظلمة تسلب عنه الإبصار والتمييز، فالصيّب يضطرّه إلى الفرار والتخلّص، والظلمة تمنعه ذلك، والمهوّلات من الرعد والصاعقة محيطة به فلا يجد مناصاً عن أن يستفيد بالبرق وضوئه وهو غير دائم ولا باق متّصل كلّما أضاء له مشى وإذا أظلم عليه قام.

وهذه حال المنافق فهو لا يحبّ الإيمان ولا يجد بدّا من إظهاره، ولعدم المواطأة بين قلبه ولسانه لا يستضئ له طريقه تمام الإستضائة، فلا يزال يخبط خبطاً بعد خبط ويعثر عثرة بعد عثرة فيمشي قليلا ويقف قليلا ويفضحه الله بذلك ولو شاء الله لذهب بسمعه وبصره فيفتضح من أوّل يوم.

٥٤

( سورة البقرة الآيات ٢١ – ٢٥)

يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ( ٢١ ) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ  فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ( ٢٢ ) وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ( ٢٣ ) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا وَلَن تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ  أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ( ٢٤ ) وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ  كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا  قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ  وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا  وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ  وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ٢٥ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا ) الخ، لما بيّن سبحانه: حال الفرق الثلاث: المتّقين والكافرين، والمنافقين، وأنّ المتّقين على هدى من ربّهم والقرآن هدى لهم، وأنّ الكافرين مختوم على قلوبهم، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة وأنّ المنافقين مرضى وزادهم الله مرضاً وهم صمّ بكم عمى (وذلك في تمام تسع عشرة آية) فرّع تعالى على ذلك أن دعى الناس إلى عبادته وأن يلتحقوا بالمتّقين دون الكافرين والمنافقين بهذه الآيات الخمس إلى قوله: خالدون. وهذا السياق يعطي كون قوله:( لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) متعلّقاً بقوله: اعبدوا، دون قوله خلقكم وإن كان المعنى صحيحاً على كلا التقديرين.

وقوله تعالى: ( فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَندَادًا وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ، الأنداد جمع ندّ كمثل،

٥٥

وزناً ومعنى وعدم تقييد قوله تعالى: وانتم تعلمون بقيد خاصّ وجعله حالاً من قوله تعالى:( فَلَا تَجْعَلُوا ) ، يفيد التأكيد البالغ في النهي بأنّ الإنسان وله علم مّا كيفما كان لا يجوز له أن يتّخذ لله سبحانه أنداداً والحال أنّه سبحانه هو الّذي خلقهم والّذين من قبلهم ثمّ نظم النظام الكونيّ لرزقهم وبقائهم.

وقوله تعالى: ( فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ ) أمر تعجيزيّ لإبانة إعجاز القرآن، وأنّه كتاب منزّل من عند الله لا ريب فيه، إعجازاً باقياً بمرّ الدّهور وتوالي القرون، وقد تكرّر في كلامه تعالى هذا التعجيز كقوله تعالى:( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الاسراء - ٨٨، وقوله تعالى:( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ) هود - ١٣. وعلى هذا فالضمير في مثله عائد إلى قوله تعالى: ممّا نزّلنا، ويكون تعجيزاً بالقرآن نفسه وبداعة أسلوبه وبيانه.

ويمكن أن يكون الضمير راجعاً إلى قوله: عبدنا، فيكون تعجيزاً بالقرآن من حيث أنّ الّذي جاء به رجل اُمّي لم يتعلّم من معلّم ولم يتلّق شيئاً من هذه المعارف الغالية العالية والبيانات البديعة المتقنة من أحد من الناس فيكون الآية في مساق قوله تعالى:( قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) يونس - ١٦، وقد ورد التفسيران معاً في بعض الأخبار.

واعلم: ان هذه الآية كنظائرها تعطي إعجاز أقصر سورة من القرآن كسورة الكوثر وسورة العصر مثلاً، وما ربّما يحتمل من رجوع ضمير مثله إلى نفس السورة كسورة البقرة أو سورة يونس مثلاً يأباه الفهم المستأنس بأساليب الكلام إذ من يرمي القرآن بأنه افتراء على الله تعالى إنّما يرميه جميعاً ولا يخصّص قوله ذاك بسورة دون سورة، فلا معنى لردّه بالتحدّي بسورة البقرة أو بسورة يونس لرجوع المعنى حينئذ إلى مثل قولنا: وإن كنتم في من سورة الكوثر أو الإخلاص مثلاً فأتوا بسورة مثل سورة يونس وهم بيّن الإستهجان هذا.

٥٦

( الإعجاز وماهيّته)

اعلم: أنّ دعوى القرآن أنّها آية معجزة بهذا التحدّي الذى أبدتها هذه الآية تنحّل بحسب الحقيقة إلى دعويين، وهما دعوى ثبوت أصل الإعجاز وخرق العادة الجارية ودعوى أنّ القران مصداق من مصاديق الإعجاز ومعلوم أنّ الدعوى الثانية تثبت بثبوتها الدعوى الاُولى، والقرآن أيضاً يكتفى بهذا النمط من البيان ويتحدّى بنفسه فيستنتج به كلتا النتيجتين غير أنّه يبقى الكلام على كيفيّة تحقّق الإعجاز مع اشتماله على ما لا تصدّقه العادة الجارية في الطبيعة من إستناد المسبّبات إلى أسبابها المعهودة المشخّصة من غير استثناء في حكم السببيّة أو تخلّف واختلاف في قانون العلّيّة، والقرآن يبيّن حقيقة الأمر ويزيل الشبهة فيه.

فالقرآن يشدق في بيان الأمر من جهتين.

الاولى: أنّ الإعجاز ثابت ومن مصاديقه القران المثبت لأصل الإعجاز ولكون منه بالتحدّي.

الثانية: أنّه ما هو حقيقة الإعجاز وكيف يقع في الطبيعة أمر يخرق عادتها وينقض كلّيّتها.

( إعجاز القرآن)

لا ريب في أنّ القرآن يتحدّى بالإعجاز في آيات كثيرة مختلفة مكّية ومدنيّة تدلّ جميعها على أنّ القرآن آية معجزة خارقة حتّى أنّ الآية السابقة أعني قوله تعالى:( وإن كنتم في ريب ممّا نزّلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله ) الآية، اي من مثل النبيّ (صلى إليه عليه وآله وسلم) إستدلال على كون القرآن معجزة بالتحدّي على إتيان سورة نظيرة سورة من مثل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، لا أنّه إستدلال على النبوّة مستقيماً وبلا واسطة، والدليل عليه قوله تعالى في أوّلها:( وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا ) ولم يقل وإن كنتم في ريب من رسالة عبدنا، فجميع التحديّات الواقعة في القرآن نحو استدلال

٥٧

على كون القرآن معجزة خارقة من عند الله، والآيات المشتملة على التحدّي مختلفة في العموم والخصوص ومن أعمّها تحدّيا قوله تعالى:( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَىٰ أَن يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ) الأسراء - ٨٨، والآية مكّية وفيها من عموم التحدّي ما لا يرتاب فيه ذو مسكة.

فلو كان التحدّي ببلاغة بيان القرآن وجزالة أسلوبه فقط لم يتعدّ التحدّي قوماً خاصّاً وهم العرب العرباء من الجاهليّين والمخضرمين قبل اختلاط اللسان وفساده، وقد قرع بالآية أسماع الإنس والجنّ.

وكذا غير البلاغة والجزالة من كلّ صفة خاصّة إشتمل عليها القرآن كالمعارف الحقيقيّة والأخلاق الفاضلة والأحكام التشريعيّة والأخبار المغيّبة ومعارف اُخرى لم يكشف البشر حين النزول عن وجهها النقاب إلى غير ذلك، كلّ واحد منها ممّا يعرفه بعض الثقلين دون جميعهم، فإطلاق التحدّي على الثقلين ليس إلّا في جميع ما يمكن فيه التفاضل في الصفات.

فالقرآن آية للبليغ في بلاغته وفصاحته، وللحكيم في حكمته، وللعالم في علمه وللاجتماعيّ في اجتماعه، وللمقنّنين في تقنينهم وللسياسيّين في سياستهم، وللحكّام في حكومتهم، ولجميع العالمين فيما لا ينالونه جميعاً كالغيب والاختلاف في الحكم والعلم والبيان.

ومن هنا يظهر أنّ القرآن يدّعي عموم إعجازه من جميع الجهات من حيث كونه إعجازاً لكلّ فرد من الإنس والجنّ من عامّة أو خاصّة أو عالم أو جاهل أو رجل أو امرأة أو فاضل بارع في فضله أو مفضول إذا كان ذا لبّ يشعر بالقول، فإنّ الإنسان مفطور على الشعور بالفضيلة وإدراك الزيادة والنقيصة فيها، فلكلّ إنسان أن يتأمّل ما يعرفه من الفضيلة في نفسه أو في غيره من أهله ثمّ يقيس ما أدركه منها إلى ما يشتمل عليه القرآن فيقضي بالحق والنصفة، فهل يتأتّى القوّة البشريّة أن يختلق معارف إلهيّة مبرهنة تقابل ما أتى به القرآن وتماثله في الحقيقة ؟ وهل يمكنها أن تأتّي بأخلاق مبنيّة على أساس الحقائق تعادل ما أتى به القرآن في الصفاء والفضيلة ؟ وهل يمكنها

٥٨

أن يشرّع أحكاما تامّة فقهية تحصي جميع أعمال البشر من غير اختلاف يؤدّي إلى التناقض مع حفظ روح التوحيد وكلمة التقوى في كلّ حكم ونتيجته، وسريان الطهارة في أصله وفرعه ؟ وهل يمكن أن يصدر هذا الإحصاء العجيب والإتقان الغريب من رجل ُمّي لم يتربّ إلّا في حجر قوم حظّهم من الإنسانيّة على مزإياها الّتي لا تحصى وكمالاتها الّتي لا تغيّا أن يرتزقوا بالغارات الغزوات ونهب الاموال وأن يئدوا البنات ويقتلوا الإولاد خشية إملاق ويفتخروا بالآباء وينكحوا الإمّهات ويتباهوا بالفجور ويذمّوا العلم ويتظاهروا بالجهل وهم على أنفتهم وحميّتهم الكاذبة إذّلاء لكلّ مستذلّ وخطفة لكل خاطف فيوما لليمن ويوما للحبشة ويوما للروم ويومً للفرس ؟ فهذا حال عرب الحجاز في الجاهليّة.

وهل يجتري عاقل على أن يأتي بكتاب يدّعيه هدى للعالمين ثمّ يودعه أخبارً في الغيب ممّا مضى ويستقبل وفيمن خلت من الُمم وفيمن سيقدم منهم لا بالواحد والإثنين في أبواب مختلفة من القصص والملاحم والمغيّبات المستقبلة ثمّ لا يتخلّف شئ منها عن صراط الصدق ؟.

وهل يتمكّن إنسان وهو أحد أجزاء نشأة الطبيعة المادّيّة، والدار دار التحوّل والتكامل، أن يداخل في كلّ شأن من شئون العالم الإنسانيّ ويلقي إلى الدنيا معارف وعلوما وقوانين وحكما ومواعظ وأمثالا وقصصً في كلّ ما دقّ وجلّ ثمّ لا يختلف حاله في شئ منها في الكمال والنقص وهي متدرجّة الوجود متفرّقة الالقاء وفيها ما ظهر ثمّ تكرّر وفيها فروع متفرّعة على أصولها ؟ هذا مع ما نراه أنّ كلّ إنسان لا يبقى من حيث كمال العمل ونقصه على حال واحدة.

فالإنسان اللبيب القادر على تعقّل هذه المعاني لا يشكّ في أنّ هذه المزايا الكلّيّة وغيرها ممّا يشتمل عليه القرآن الشريف كلّها فوق القوّة البشريّة ووراء الوسائل الطبيعيّة المادّيّة وان لم يقدر على ذلك فلم يضلّ في إنسانيّته ولم ينس ما يحكم به وجدإنه الفطريّ أن يراجع فيما لا يحسن إختباره ويجهل مأخذه إلى أهل الخبرة به.

فإن قلت: ما الفائدة في توسعة التحدّي إلى العامّة والتعدّي عن حومه الخاصّة

٥٩

فإنّ العامّة سريعة الانفعال للدعوة والإجابة لكل صنيعة وقد خضعوا لإمثال الباب والبهاء والقاديانيّ والمسيلمة على أنّ ما أتوا به واستدلّوا عليه أشبه بالهجر والهذيان منه بالكلام.

قلت: هذا هو السبيل في عموم الإعجاز والطريق الممكن في تمييز الكمال والتقدّم في أمر يقع فيه التفاضل والسباق، فإنّ أفهام الناس مختلفة اختلافً ضروريّاً والكمالات كذلك، والنتيجة الضروريّة لهاتين المقدّمتين أن يدرك صاحب الفهم العالي والنظر الصائب ويرجع من هو دون ذلك فهما ونظرا إلى صاحبه، و الفطرة حاكمة والغريزة قاضية.

ولا يقبل شئ ممّا يناله الانسان بقواه المدركة ويبلغه فهمه العموم والشمول لكلّ فرد في كلّ زمان ومكان بالوصول والبلوغ والبقاء إلّا ما هو من سنخ العلم والمعرفة على الطريقة المذكورة، فإنّ كلّ ما فرض آية معجزة غير العلم والمعرفة فإنّما هو موجود طبيعيّ أو حادث حسّيّ محكوم بقوانين المادّة محدود بالزمان والمكان فليس بمشهود إلّا لبعض أفراد الانسان دون بعض ولو فرض محالا أو كالمحال عمومه لكلّ فرد منه فإنّما يمكن في مكان دون جميع الإمكنة، ولو فرض اتّساعه لكلّ مكان لم يمكن اتّساعه لجميع الإزمنة والإوقات.

فهذا ما تحدّى به القرآن تحدّيً عامًّ لكلّ فرد في كلّ مكان في كلّ زمان.

( تحدّيه بالعلم)

وقد تحدّى بالعلم والمعرفة خاصّة بقوله تعالى:( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) النحل - ٨٩، وقوله( وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ ) الانعام - ٥٩، إلى غير ذلك من الآيات، فإنّ الإسلام كما يعلمه ويعرفه كلّ من سار في متن تعليماته من كلّيّاته الّتي أعطاها القرآن وجزئيّاته الّتي أرجعها إلى النبيّ (صلّي الله عليه و آله و سلّم)، بنحو قوله:( وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) الحشر - ٧، وقوله تعالى:( لِتَحْكُمَ

٦٠

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

طهرت تغسل رأسها بالخطمي؟ فقال: يجزيها الماء "(١) .

٢٧٥٩ - وروى جميل عنه عليه السلام أنه قال " في الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية إنها تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة "(٢) .

٢٧٦٠ - وروى صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات، فقال: تصير حجة مفردة وعليها دم اضحيتها "(٣) .

٢٧٦١ - وروى صفوان، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل كانت معه امرأة فقدمت مكة وهي لا تصلي فلم تطهر إلا يوم التروية وطهرت وطافت بالبيت ولم تسع بن الصفا والمروة(٤) حتى شخصت إلى عرفات هل تعتد بذلك الطواف أو تعيد قبل الصفا والمروة؟ قال: تعتد بذلك الطواف الاول وتبني عليه"(٥) .

٢٧٦٢ - وروى أبان، عن زرارة قال: " سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت

___________________________________

(١) يدل على استحباب اجتناب المحرمة من الخطمى. (م ت)

(٢) يدل على أنها إذا قدمت مكة وهى حائض تجعل عمرتها حجة وتحج وتعتمر بعده.

(٣) رواه الشيخ ره في الاستبصار ج ٢ ص ٣١٠: وفيه " عليها دم تهريقه وهى اضحيتها " وقال الشيخ محمولة على الاستحباب دون الوجوب لانه إذا فاتتها المتعة صارت حجتها مفردة وليس على المفرد هدى انتهى، وقيل: لعل في العدول عن الهدى إلى الاضحية اشعارا بان ذلك على الاستحباب.

(٤) اما لضيق الوقت أو لنسيان، وقيل: ظاهر العبارة مشعر بأنه لم يفت منها من أفعال العمرة الا السعى فتكون قد قصرت وأحرمت بالحج.

(٥) الظاهر أنها قصرت وأحلت وأهلت بالحج ولم تسع فحينئذ تقضى السعى ولو طافت وذهبت إلى عرفات فيمكن أن تصير حجها مفردا ويكون عدم الاحتياج إلى الطواف لذلك، أو يكون مغتفرا بالنظر إلى المعذور الجاهل أو أحدهما وهو الاظهر من الخبر. (م ت)

٣٨١

قبل أن تصلي الركعتين فقال: ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتين وقد قضت الطواف "(١) .

٢٧٦٣ - وروى أبان، عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت إن شاء‌ت "(٣) .

٢٧٦٤ - وروى صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن جارية لم تحض خرجت مع زوجها وأهلها فحاضت فاستحيت أن تعلم أهلها وزوجها حتى قضت المناسك وهي على تلك الحالة وواقعها زوجها ورجعت إلى الكوفة، فقالت لاهلها: قد كان من الامر كذا وكذا، فقال: عليها سوق بدنة والحج من قابل(٣) وليس على زوجها شئ ".

٢٧٦٥ - وروى فضالة بن أيوب، عن الكاهلي قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن النساء في إحرامهن، فقال: يصلحن ما أردن أن يصلحن(٤) فإذا وردن الشجرة أهللن بالحج ولبين عند الميل أول البيداء، ثم يؤتى بهن مكة يبادر بهن الطواف السعي(٥) فإذا قضين طوافهن وسعيهن قصرن وجازت(٦) متعة، ثم أهللن يوم التروية بالحج

___________________________________

(١) يدل على أنها إذا حاضت بعد الطواف وقبل الصلاة صحت متعتها.

(٢) قال العلامة المجلسى رحمه الله: لعل الاوفق باصول الاصحاب حمله على الاستنابة في بقية الطواف وان كان ظاهر الخبر الاجتزاء بذلك كظاهر كلام الشيخ في التهذيب (ج ١ ص ٥٦٠ والعلامة في التحرير والاحوط الاستنابة.

(٣) سوق بدنة حمل على ما إذا كانت عالمة بالحكم واستحيت عن اظهار ذلك (المرآة) والحج بسبب أنها كانت محرمة لم تحل لان الطوافين اللذين وقع منها كانا باطلين لعدم الطهارة لكن الجماع وقع بعد الموقفين الا أن يقال عمرة التمتع بمنزلة جزء الحج فكانها كانت في العمرة لعدم التحلل فيكون قبل المشعر كما في الرواية وقبل الموقفين كما قاله الاصحاب أو لان حجها كانت باطلة فليزم عليها حجة الاسلام لا حج العقوبة وهو الاظهر. (م ت)

(٤) يعنى من حلق العانة أو نتفها والنورة وغير ذلك ولما قبح ذكر بعض هذه الاشياء عبر عنه بهذه العبارة. (م ت)

(٥) لئلا يحصل الحيض بالتأخير. (م ت)

(٦) في بعض النسخ " صارت ".

٣٨٢

وكانت عمرة وحجة، وإن اعتللن كن على حجهن(١) ولم يفردن حجهن ".

٢٧٦٦ - وروى حريز، عن محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أطوف أو أقل من ذلك ثم رأت دما، فقال: تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه واعتدت بما مضى "(٢) .

وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام مثله.

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: وبهذا الحديث افتي دون الحديث الذي رواه:

٢٧٦٧ - ابن مسكان، عن إبراهيم بن إسحاق، عمن سأل أبا عبدالله عليه السلام " عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت، قال: تتم طوافها وليس عليها غيره، ومتعتها تامة، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة لانها زادت على النصف وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج، وإن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف بعد الحج فان أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعر انه أو إلى التنعيم فلتعتمر "(٣) .

لان هذا الحديث إسناده منقطع والحديث الاول رخصة ورحمة، وإسناده متصل وإنما لا تسعى الحائض التي حاضت قبل الاحرام بين الصفا والمروة وتقضي المناسك

___________________________________

(١) أى حج التمتع بقرينة " ولم يفردن حجهن " ويحتمل أن يكون المراد حج الافراد وقوله " ولم يفردن " أى في أول الامر بل ان حصل العذر أفردن.(م ت)

(٢) قال المولى المجلسى رحمه الله: يدل على الاكتفاء بالثلاث وان لم يتجاوز النصف.

وحمله الشيخ على طواف النافلة وقال: ان طواف الفريضة متى نقص عن النصف يجب على صاحبه استينافه من أوله ولا يجوز البناء عليه ان كان أقل من النصف ويجوز في النافلة البناء.

(٣) ذكر المصنف للمعارضة خبرا واحدا مع أنه وردت أخبار كمرسل الكلينى عن أحمد بن عمر الحلال عن أبى الحسن عليه السلام وما رواه في الضعيف عن أبى بصير عن أبى عبدالله عليه السلام في الكافى ج ٤ ص ٤٤٨ و ٤٤٩، وما رواه الشيخ في الضعيف عن سعيد الاعرج عن الصادق عليه السلام في التهذيب ج ١ ص ٥٥٩.

٣٨٣

كلها لانها لا تقدر أن تقف بعرفة إلا عشية عرفة ولا بالمشعر(١) إلا يوم النحر ولا ترمي الجمار إلا بمنى(٢) وهذا إذا طهرت قضته.

باب الوقت الذى إذا أدركه الانسان يكون مدركا للتمتع  (٣)

٢٧٦٨ - روى ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، ومرازم، وشعيب عن أبي عبدالله عليه السلام " في الرجل المتمتع يدخل ليلة عرفة فيطوف ويسعى ثم يحرم(٤) فيأتي منى فقال: لا بأس ".

٢٧٦٩ - وروى الحسين بن سعيد(٥) عن حماد، عن محمد بن ميمون قال: " قدم أبوالحسن عليه السلام متمتعا ليلة عرفة فطاف وأحل وأتى بعض جواريه، ثم أهل

___________________________________

(١) لعل مراده أنه إذا حاضت قبل السعى أو قبل احرام الحج انما تؤخر السعى وتقضيه بعد، بخلاف مناسك الحج فانها تفعلها حائضا لان لافعال الحج أوقاته معينة لا يمكن تجاوزها فليس لها أن تؤخرها إلى أن تطهر فهى مقدورة فيها بخلاف السعى (سلطان) أقول: روى الشيخ في الاستبصار ج ٢ ص ٣١٤ مسندا عن عمر بن يزيد قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الطامث، قال تقضى المناسك كلها غير أنها لا تطوف بين الصفا والمروة، قال: قلت: فان بعض ما تقضى من المناسك أعظم من الصفا والمروة والموقف فما بالها تقضى المناسك ولا تطوف بين الصفا والمروة؟ قال: لان الصفا والمروة تطوف بهما إذا شاء‌ت، وان هذه المواقف لا تقدر أن تقضيها إذا فاتها ".

(٢) كل ذلك في الايام المخصوصة.

(٣) وسيأتى الكلام فيه ان شاء الله تعالى.

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٤٤٣ ثم يحل ثم يحرم ".

(٥) في أكثر النسخ " روى الحلبى عن أحدهما عن حماد، عن محمد بن ميمون " وهو تصحيف والصواب ما في بعض النسخ كما في الكافى والتهذيب ولذا اخترناه في المتن.

٣٨٤

بالحج وخرج "(١) .

٢٧٧٠ - وروي عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال عليه السلام: إن كانت تعلم أنها تطهر وتطوف وتحل من إحرامها وتلحق الناس بمنى فلتفعل ".

٢٧٧١ - وروى النضر، عن شعيب العقرقوفي قال: " خرجت أنا وحديد فانتهينا إلى البستان(٢) يوم التروية فتقدمت على حمار فقدمت مكة وطفت وسعيت وأحللت من تمتعي، ثم أحرمت بالحج، وقدم حديد من الليل فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام استفتيته في أمره، فكتب إلي: مره يطوف ويسعى ويحل من متعته ويحرم بالحج ويلحق الناس بمنى ولا يبيتن بمكة "(٣) .

٢٧٧٢ - وروى الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن رجل خرج متمتعا بعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر، فقال: يقيم بمكة على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل الحرم فيطوف بالبيت ويسعى ويلحق رأسه ويذبح شاته، ثم ينصرف إلى أهله، ثم قال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه أن يحله حيث حبسه، فإن لم يشترط فإن عليه الحج والعمرة من قابل "(٤) .

___________________________________

(١) أى خرج إلى منى والخبر يدل على ادراك التمتع بادراك ليلة عرفة.

(٢) هو وادى فاطمة أو قرية النارنج أو غيرهما، ويوم التروية هو الثامن من ذى الحجة. (م ت)

(٣) النهى للكراهة لاستحباب البيتوتة بمنى مهما أمكن ولو ببعض الليل.

(٤) ذكر هذا الخبر في باب الاشتراط في الاحرام أو في الباب الذى بعده أنسب، و قال في المدارك: استشكل العلامة في المنتهى بان الحج الفائت ان كان واجبا لم يسقط فرضه في العام المقبل بمجرد الاشتراط، وان لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط، قال: والوجه في هذه الرواية حمل الزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب وهو حسن وقوله: " ويحلق رأسه " أى يأتى بعمرة مفردة، وقوله " ويذبح شاته " الظاهر أن المراد بهادم الاضحية.

٣٨٥

باب الوقت الذى متى أدركه الانسان كان مدركا للحج

٢٧٧٣ - روى ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أدرك المشعر الحرام على خمسة من الناس فقد أدرك الحج "(١) .

٢٧٧٤ - وروى ابن أبي عمير، عن جميل بن دارج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج "(٢) .

٢٧٧٥ - وروى عبدالله بن المغيرة، عن إسحق بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أدرك المشعر الحرام(٣) قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج ".

ورواه إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام(٤) .

٢٧٧٦ - وروى معاوية بن عمار قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: " إذا ادرك الزوال(٥) فقد أدرك الموقف ".

___________________________________

(١) الظاهر أنه كناية عن ادراك آخر وقت الوقوف بالمشعر حيث هب الناس، ويدل على ادراك الحج باضطرارى المشعر.

وفى بعض النسخ " وعليه خمسة من الناس ".

(٢) يعنى أنه لا يفوت حجة من حيث فوت الوقوف بالمشعر حيث أدرك وقوفه الاضطرارى وهو بعد طلوع الشمس إلى الزوال، لا أنه يكفى عن جميع المناسك.

قال العلامة رحمه الله في القواعد: لو أدرك عرفة اختيارا والمزدلفة اضطرارا أو بالعكس أو أحدهما اختيارا صح حجه، ولو أدرك الاضطراريين فالاقرب الصحة، ولو أدرك أحد الاضطراريين خاصة بطل ويتخلل من فاته الحج بعمرة مفردة ثم يقضيه واجبا مع وجوبه كما فاته والاندبا ويسقط باقى الافعال عنه لكن يستحب له الاقامة بمنى أيام التشريق ثم يعتمر للتخلل.

(٣) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤٧٦ بزيادة ههنا وهى " وعليه خمسة من الناس ".

(٤) لعله رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٣٠ في الصحيح عن محمد بن أبى عمير عن عبدالله بن المغيرة قال: " جاء‌نا رجل بمنى فقال: انى لم أدرك الناس بالموقفين جميعا فقال عبدالله بن المغيرة: فلا حج لك وسأل اسحاق بن عمار فلم يجبه، فدخل اسحاق على أبى الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج ".

(٥) أى كان قبل الزوال في المشعر.

٣٨٦

باب تقديم طواف الحج وطواف النساء قبل السعى وقبل الخروج إلى منى (١)

٢٧٧٧ - روى إسحاق بن عمار، عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: " سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: لا يضره يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجة "(٢) .

٢٧٧٨ - وروى بان أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي الحسن عليه السلام " في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى فقال: هما سواء أخر ذلك أو قدمه(٣) " يعنى المتمتع(٤) .

٢٧٧٩ - وروى ابن بكير، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، وروى جميل عن أبي عبدالله عليه السلام أنهما سألاهما " عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج، فقالا: هما سيان قدمت أو أخرت".

٢٧٨٠ - وروى صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم

___________________________________

(١) دأب المصنف غير دأب الاصحاب في ذكر المناسك أولا ثم بيان أحكامها بل ذكر أولا أحكامها ثم ساق المناسك لاشتمالها على الادعية والاداب الكثيرة. (م ت)

(٢) حمل على الناسى وفى الجاهل خلاف ويمكن الاستدلال بهذا الخبر على عدم وجوب الاعادة عليه أيضا (المرآة) وقال المولى المجلسى رحمه الله: يدل على عدم الاعتداد بطواف النساء إذا وقع قبل السعى، ويؤيده ما رواه الكلينى ج ٤ ص ٥١٢ عن أحمد بن محمد عمن ذكره قال: قلت لابى الحسن عليه السلام: " جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف النساء ثم سعى؟ فقال: لا يكون السعى الا قبل طواف النساء، فقلت: عليه شئ؟ فقال: لا يكون السعى الا قبل طواف النساء ".

(٣) قد حمل على ذوى الاعذار

(٤) الظاهر أنه من كلام حفص ويحتمل كونه من المصنف، والاول أظهر.

٣٨٧

عليه السلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل الطواف للحج قبل أن يأتي منى؟ قال: نعم من هو هكذا يعجل.

قال: وسألته عن رجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خاليا فيطوف به قبل أن يخرج، عليه شئ؟ فقال: لا "(١) .

باب تأخير الزيارة  (٢)

٢٧٨١ - روي عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن زيارة البيت تؤخر إلى يوم الثالث(٣) ؟ فقال: تعجيلها أحب إلي وليس به بأس إن أخرته(٤) ".

٢٧٨٢ - وفي رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا بأس بأن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر "(٥) .

٢٧٨٣ - وروى عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته

___________________________________

(١) المشهور أنه يجوز للمفرد والقارن تقديم الطواف على الوقوف بعرفة اختيارا ويجوز للمتمتع اضطرارا كخوف الحيض والنفاس للاخبار: اذ الروايات المذكورة مطلقة الا رواية اسحاق بن عمار فانها تشعر بجواز ذلك للمضطر، ويمكن حمل ما في الروايات عليها أيضا (سلطان) أقول: روى الكلينى ج ٤ ص ٤٥٧ خبر اسحاق وفيه زيادة " قلت: المفرد بالحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة يعجل طواف النساء؟ فقال: لا انما طواف النساء بعد ما يأتى منى " والخبر يدل على جواز التقديم بل على وجوبه مع العذر وظاهر التتمة الاطلاق.

(٢) يسمى طواف الزيادة زيادة لان الحاج يأتى من منى فييزور البيت ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى.

والاولى أن يطوف بالبيت يوم النحر بعد الاتيان بمناسك منى ولو لم يتيسر فالحادى عشر، ولا ينبغى تأخيره عنه وقيل بالحرمة كما في روضة المتيقن.

(٣) أى ثالث النحر وهو الثانى عشر.

(٤) يدل على جواز التأخير واستحباب التعجيل. (م ت)

(٥) رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥١٨ بزيادة وهى " انما يستحب تعجيل ذلك مخافة

٣٨٨

عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: لا بأس أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا يقرب النساء والطيب "(١) .

٢٧٨٤ - وروى هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عمن نسي زيارة البيت حتى يرجع إلى أهله، فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه "(٢) .

٢٧٨٥ - وروى هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا بأس إن أخرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيام التشريق إلا أنك لا تقرب النساء ولا الطيب ".

باب حكم من نسى طواف النساء

٦ ٢٧٨ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت "(٣) .

___________________________________

(١) قال الشيخ بعد نقله في الاستبصار ج ٢ ص ٢٩١: فالوجه في هذه الاخبار أن نحملها على غير المتمتع فانه موسع له تأخير ذلك عن النحر وغده، يدل على ذلك ما رواه الحسين ابن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن فضالة، عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد ولا يؤخر، والمفرد والقارن ليسا سواء موسع عليهما " على أنه يكره للمتمتع تأخير ذلك أكثر من يومين وان لم يكن ذلك مفسدا للحج يدل على ذلك ما رواه الكلينى في الحسن كالصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام " في زيارة البيت يوم النحر قال: زره فان شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد ولا توخر أن تزور من يومك فانه يكره للمتمتع أن يؤخره وموسع للمفرد أن يؤخره ".

(٢) يدل على اغتفار النسيان في ترك الطواف.

ولعل المراد أنه لا يفسد حجه فيعود اليه وجوبا مع المكنة ومع التعذر يستنيب كما في شرح اللمعة، وقد حمل على طواف الوداع

(٣) مروى في الكافى ج ٤ ص ٥١٣ بتقديم وتأخير وزيادة فيه هكذا " قال لا تحل له النساء حتى يزور البيت وقال: يأمر أن يقضى عنه ان لم يحج فان توفى قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره ".

٣٨٩

٢٧٨٧ - وروى ابن أبي عمير، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام بمكة فدخل عليه رجل فقال: أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ويأبي الجمال أن يقيم عليها، قال: فاطرق وهو يقول: لا تستطيع ان تتخلف عن اصحابها ولا يقيم عليها جمالها، ثم رفع رأسه إليه فقال: تمضى.

فقد تم حجها "(١) .

٢٧٨٨ - وروى ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط بالبيت ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره، فخرج إلى منزله فنفض(٢) ثم غشي جاريته؟ قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت تمام ما بقي عليه من طوافه ويستغفر ربه ولا يعود "(٣) .

__________________________________

(١) لعله محمول على الاستنابة للعذر كما هو المقطوع به في كلام الاصحاب (المرآة) و قال سلطان العلماء: لعله محمول على عدم استطاعتها الاستنابة وعدم قدرتها على العود، ويمكن أن يكون المراد عدم فساد حجها وان لزم عليها قضاء الطواف.

(٢) في بعض النسخ " فشخص " أى خرج من مكة، وفى بعضها " فنقض " أى وضوء‌ه، وفى بعضها " فشقص " وفى الكافى مثل ما في المتن وقال الفيض رحمه الله " فنفض " بالفاء والضاد المعجمة كناية عن قضاء الحاجة انتهى.

ولعل النفض كناية عن التغوط كانه ينفض عن نفسه النجاسة أو عن الاستنجاء.

في النهاية " ابغنى أحجارا أستنفض بها " أى أستنجى بها وهو من نفض الثوب لان المستنجى ينفض عن نفسه الاذى بالحجر أى يزيله ويدفعه.

(٣) زاد في الكافى ج ٤ ص ٣٧٩ " وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشى فقد أفسد حجه وعليه بدنة ويغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا " وقال في المدارك بعد ايراد تلك الرواية: هى صريحة في انتفاء الكفارة بالوقاع بعد الخمسة بل مقتضى مفهوم الشرط في قوله " وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط " الانتفاء إذا وقع ذلك بعد تجاوز الثلاثة، وما ذكره في المنتهى من أن هذا المفهوم معارض بمفهوم الخمسة غير جيد اذ ليس هناك مفهوم وانما وقع السؤال عن تلك المادة والاقتصار في الجواب على بيان حكم المسئول عنه لا يقتضى نفى الحكم عما عداه، والقول بالاكتفاء في ذلك بمجاوزه النصف للشيخ في النهاية ونقل عن ابن ادريس انه اعتبر مجاوزة النصف في صحة الطواف والبناء عليه لاسقوط الكفارة، وما ذكره ابن ادريس من ثبوت الكفارة قبل اكمال السبع لا يخلو من قوة وان كان اعتبار الخمسة لا يخلو من رجحان.

٣٩٠

٢٧٨٩ - وروى ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل نسي طواف النساء، قال: إذا زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه، وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف"(١) .

وروي فيمن ترك طواف النساء انه إن كان طاف الوداع فهو طواف النساء(٢) .

باب انقضاء مشى الماشي

٢٧٩٠ - روي الحسين بن سعيد، عن إسماعيل بن همام المكي، عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عليهما السلام قال: قال أبوعبدالله عليه السلام " في الذي عليه المشي إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا"(٣) .

__________________________________

(١) أى لا يفسد حجه بالمواقعة لما تقدم.

(٢) روى الكلينى ج ٤ ص ٥١٣ في الموثق كالصحيح وكذا الشيخ في التهذيب عن اسحاق ابن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام.

قال: " لو لا ما من الله عزوجل على الناس من طواف النساء لرجع الرجل إلى أهله وليس له أهله " ومعناه ظاهر والاظهر طواف الوداع بدل طواف النساء كما في التهذيب ويظهر من كلام المصنف هنا.

وحمل على من نسى طواف النساء وطاف طواف الوداع، وقال الفيض رحمه الله: يعنى أن العامة وان لم يوجبوا طواف النساء ولا يأتون به الا أن طوافهم للوداع ينوب مناب طواف النساء وبه تحل لهم النساء، وهذا مما من الله تعالى به عليهم، أو المراد من نسى طواف النساء وطاف طواف الوداع فهو قائم له مقامه بفضل الله ومنه في حل النساء وان لزمه التدارك انتهى، وقال الاستاذ: الالتزام به بالنسبة إلى العارفى المعتقد وجوب هذا الطواف مشكل، وقال في كشف اللثام " يمكن اختصاصه بالعامة الذين لا يعرفون وجوب طواف النساء والمنة على المؤمنين بالنسبة إلى نسائهم الغير العارف منهن " أقول: وهكذا بالنسبة إلى طهارة مولد من يستبصر منهم وقد كان متولدا من أب لم يطف طواف النساء.

(٣) زاد في الكافى ج ٤ ص ٤٥٧ " وليس عليه شئ ". وقوله " زار البيت راكبا " هذا يحتمل أمرين أحدهما أراد زيارة البيت لطواف الحج لانه المعروف بطواف الزيارة وهذا يخالف القولين معا (أن آخر منتهى أفعاله الواجبة وهى رمى الجمار، والآخر هو المشهور أن آخره طواف النساء) فليزم اطراحها، والثانى أن يحمل رمى الجمار على الجميع، ويحتمل زيارة البيت على معناه اللغوى أو على طواف الوداع ونحوها وهذا هو الاظهر.

كذا ذكره سلطان العلماء رحمه الله في حواشى شرح اللمعة.

وقال المولى المجلسى رحمه الله ظاهره جمرة العقبة كما رواه على بن أبى حمزة (في الكافى ج ٤ ص ٤٥٦) عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألته متى ينقطع مشى الماشى؟ قال: إذا رمى جمرة العقبة وحلق رأسه فقد انقطع مشيه فليزر راكبا " ويمكن أن يكون الوجه خروجه من الاحرام وكان الركوب مرجوحا فتحلل منه أيضا.

٣٩١

٢٧٩١ - وروي " أن من نذر أن يمشي إلى بيت الله حافيا مشى، فإذا تعب ركب "(١) .

٢٧٩٢ - وروي " أنه يمشي من خلف المقام "(٢) .

باب حكم من قطع عليه الطواف بصلاة أو غيرها

٢٧٩٣ - روى يونس بن يعقوب قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رأيت في ثوبي شيئا من دم وأنا أطوف، قال: فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله، ثم عد فابن

___________________________________

(١) رواه الكلينى في الحسن كالصحيح ج ٤ ص ٤٥٨ عن أبى عبدالله عليه السلام، وظاهره عدم انعقاد النذر في الحفاء لعدم رجحانه، بل يجب عليه المشى على أى وجه كان لرجحانه، ويحتمل على بعد أن يكون المراد فليمش حافيا والاول موافق لما فهمه الاصحاب وقال في الدروس: لا ينعقد نذر الحفاء في المشى (المرآة) وقال المولى المجلسى: يدل على مرجوحية الحفاء وعلى تعلق النذر بالمطلق إذا كان القيد مرجوحا.

(٢) قال الفيض رحمه الله لعل المراد بالمشى من خلف المقام مشيه من خلف مقام ابراهيم نحو البيت والاجتزاء به فانه أقل ما يفى به نذره ولهذا اقتصر عليه.

وقال المولى المجلسى رحمه الله: يمكن أن يكون المراد به أنه إذا تعلق النذر بالحج فلا يجب عليه المشى في العمرة بل يمشى بعدما أحرم بالحج من مقام ابراهيم عليه السلام إلى أن يرمى الجمرة وأن يكون المراد به أنه مالم يأت إلى المسجد الحرام للطواف فهو في الاحرام وهو مقدمة الحج فاذا وصل إلى الطواف فيطوف ماشيا ويصلى ثم يشرع في المشى إلى انقضائه، هذا إذا لم يكن مراده في النذر مشى الطريق كما هو المتعارف أن من ينذر الحج ماشيا يقصد به الطريق بل لا يخطر بباله أصل العمرة والحج.

٣٩٢

على طوافك "(١) .

٢٧٩٤ - وروى ابن المغيرة، عن عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل كان في طواف النساء(٢) فاقيمت الصلاة، قال: يصلي معهم الفريضة(٣) فإذا فرغ بنى من حيث بلغ "(٤) .

٢٧٩٥ - وفي نوادر ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام أنه

___________________________________

(١) يدل على وجوب طهارة الثوب أو استحبابها في الطواف وعدم الاعادة في صورة الجهل أو النسيان وفى هامش الوافى: " يمكن أن يستأنس به لاشتراط الطهارة من الخبث واختلفوا فيه وذهب ابن الجنيد وابن حمزة إلى كراهيه الطواف في الثوب النجس سواء كانت النجاسة معفوا عنها أم لا قاله الفاضل التونى في حاشية الروضة " وفى التهذيب باسناده عن يونس بن يعقوب قال " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف، قال: ينظر الموضع الذى رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله، ثم يعود فيتم طوافه " و عن البزنطى، عن بعض أصحابه عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه، فقال: أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه ويصلى في ثوب طاهر " وقوله " فابن على طوافك " سواء تجاوز عن النصف أو لا، ويمكن تخصيصه بالاول.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ٤١٥، في طواف الفريضة " لكن مروى في التهذيب عن محمد بن يعقوب كما في المتن.

(٣) يعنى مع العامة تقية ولا يدل على الجواز أو الرجحان بدونها وظاهره الوجوب (م ت) وصرح المحقق في النافع بجواز القطع لصلاة الفريضة والبناء وان لم يبلغ النصف وربما ظهر من كلام العلامة في المنتهى دعوى الاجماع على ذلك فما ذكره الشهيد من نسبة هذا القول إلى الندرة عجيب.(المدارك).

(٤) كذا في جميع النسخ التى عندنا " والصواب " من حيث قطع " كما في الكافى والتهذيب ج ١ ص ٤٨١ وهامش نسخة مما عندى من نسخ الفقيه.

٣٩٣

قال: " في الرجل يطوف فتعرض له الحاجة، قال: لا بأس بأن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف، وإذا أراد أن يستريح في طوافه(١) ويقعد فلا بأس به فإذا رجع بنى على طوافه وإن كان أقل من النصف "(٢) .

٢٧٩٦ - وروي عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه(٣) فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر فيرجع فيتم طوافه أفترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر وإن أسفر بعض الاسفار؟ فقال: ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ثم ائت الطواف "(٤) .

٢٧٩٧ - وروى ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري عن أبي عبدالله عليه السلام " فيمن كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها، قال: يستقبل طوافه "(٥) .

___________________________________

(١) قوله " في طوافه " كذا، وليس في التهذيبين ولا في روضة المتقين.

(٢) قوله " فاذا رجع بنى على طوافه " مبنى على كون طوافه طواف نافلة لورود أخبار بأن من قطع طواف الفريضة ان كان تجاوز النصف فليبن وان لم يتجاوز فليستأنف، منها حسنة أبان بن تغلب عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة، فقال: ان كان طواف نافلة بنى عليه وان كان طواف فريضة لم يبن عليه " واطلاق بعض الاخبار يقتضى جواز القطع في طواف الفريضة والبناء مطلقا ان كان لحاجة ولعل الاستيناف في طواف الفريضة أحوط وأحوط منه الاتمام ثم الاستيناف ان لم يتجاوز النصف.

(٣) زاد في الكافى ج ٤ ص ٤١٥ ههنا " فيطلع الفجر " ولعل المراد به الفجر الاول.

(٤) في الكافى والتهذيب " ثم أتم الطواف " ولعل السهو من النساخ، فيدل على جواز القطع للوتر إذا خاف فوت الوقت بالاسفار والتنوير، وعلى البناء على الطواف وان لم يتجاوز النصف. (م ت)

(٥) يدل على اعادة الطواف لو قطعه لدخول البيت سواء كان قبل مجاوزة النصف أو بعده ويؤيده ما في الكافى ج ٤ ص ٤١٤ في الموثق كالصحيح عن عمران الحلبى قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط من الفريضة ثم وجد خلوة من البيت فدخله كيف يصنع؟ فقال: يقضى طوافه وقد خالف السنة فليعد طوافه " والسؤال وان كان قبل مجاوزة النصف لكن الاعتبار بعموم الجواب، والتقييد بمخالفة السنة أى لم يقطعه رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام لدخول البيت، ويمكن أن يكون المراد بمخالفة السنة القطع قبل مجاوزة النصف وهكذا فهمه أكثر الاصحاب وحملوا الاطلاق عليه، لكن الاول أظهر وان كان الاحوط البناء بعد المجاوزة والاعادة خروجا من الخلاف وعملا بالاخبار مهما أمكن (م ت)

٣٩٤

٢٧٩٨ - وروى حماد بن عثمان، عن حبيب بن مظاهر(١) قال: " ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته، ثم جثت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لابي عبدالله عليه السلام فقال: بئسما صنعت كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت، ثم قال: إما أنه ليس عليك شئ "(٢) .

٢٧٩٩ - وروي عن صفوان الجمال قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الرجل يأتي أخاه وهو في الطواف، فقال: يخرج معه في حاجته ثم يرجع ويبني على على طوافه "(٣) .

باب السهو في الطواف

٢٨٠٠ - روى صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة فبينا هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك بعض طوافه بالبيت، قال: يرجع إلى البيت ويتم طوافه ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيتم ما بقي "(٤) .

___________________________________

(١) مجهول لكن لا يضر لاجماع العصابة على صحة ما صح عن حماد.

وتوهم أن المراد بأبى عبدالله، الحسين بن على عليهما السلام وبحبيب حبيب بن مظاهر المشهور في غاية البعد.

(٢) يدل على البناء لازالة النجاسة ولو كان قبل المجاوزة وعلى معذورية الجاهل فانه لو لم يكن معذورا لكان الواجب عليه الاعادة لزيادة الشوط عمدا كما سيجيئ. (م ت)

(٣) حمل على النافلة لما في الكافى ج ٤ ص ٤١٣ في الحسن كالصحيح عن أبان بن تغلب وقد تقدم ص ٣٩٤.

(٤) يدل على البناء في الطواف والسعى وان لم يتجاوز النصف وهو أحد القولين في المسألة ذهب اليه الشيخ في التهذيب والمحقق في النافع والعلامة في جملة من كتبه.

والقول الاخر وهو الاشهر بين المتأخرين أنه ان تجاوز النصف في الطواف والسعى يبنى عليهما والا يستأنفهما، ثم ان ظاهر الخبر أنه لا يعيد ركعتى الطواف مع البناء وكلام الاكثر في ذلك مجمل.(المرآة)

٣٩٥

٢٨٠١ - وروي عن أبي أيوب قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة قال: فليضم إليها ستا ثم يصلى أربع ركعات "(١) .

وفي خبر آخر(٢) إن الفريضة هي الطواف الثاني والركعتان الاوليان لطواف الفريضة، والركعتان الاخريان والطواف الاول تطوع(٣) .

٢٨٠٢ - وفي رواية القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سئل وأنا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط، فقال: نافلة أو فريضة؟ فقال: فريضة، قال: يضيف إليها ستة فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم يخرج إلى الصفا والمروة ويطوف بهما، فإذا فرغ صلى ركعتين اخراوين فكان طواف نافلة وطواف فريضة ".

٢٨٠٣ - وروي عن الحسن بن عطية(٤) قال: " سأله سليمان بن خالد وأنا

___________________________________

(١) " فليضم اليها ستا " ليصير طوافين ويكون الاول فريضة والثانى نافلة، " ثم يصلى أربع ركعات " أى بعد الطواف أو ركعتين للفريضة بعده وركعتين للنافلة بعد السعى، وحمل على الزيادة ناسيا. (م ت)

(٢) يعنى يستفاد من خبر آخر.

(٣) قال صاحب المدارك: لم نقف على هذه الرواية مسندة ولعله أشار بها إلى رواية زرارة.

وهى ما رواه الشيخ في الاستبصار ج ٢ ص ٢١٩ في الصحيح عن أبى جعفر عليه السلام أو أبى عبدالله عليه السلام (كما في التهذيب) قال: " ان عليا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف اليها ستا، ثم صلى ركعتين خلف المقام ثم خرج إلى الصفا والمروة فلما فرغ من السعى بينهما رجع فصلى ركعتين اللتين تركه في المقام الاول ".

ثم قال السيد (ره): مقتضى هذه الرواية وقوع السهو من الامام عليه السلام وقد قطع ابن بابوية بامكانه.

وفيه دلالة على ايقاع صلاة الفريضة قبل السعى وصلاة النافلة بعده.

(٤) الحسن بن عطية الحناط كوفى مولى ثقة روى عن أبى عبدالله عليه السلام.

ولم يذكر المصنف طريقه اليه لكن رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٨٧ في الصحيح والكلينى في الكافى ج ٤ ص ٤١٨ في الحسن كالصحيح.

٣٩٦

معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط فقال أبوعبدالله عليه السلام: وكيف يطوف ستة أشواط؟ فقال: استقبل الحجر، فقال: الله أكبر وعقد واحدا(١) فقال: يطوف شوطا، قال سليمان: فإن فاته ذلك حتى أتى أهله؟ قال: يأمر من يطوف عنه "(٢) .

٢٨٠٤ - وروى عنه رفاعة أنه قال " في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة، قال: يبني على يقينه"(٣) .

٢٨٠٥ - وسئل(٤) " عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة، قال: طواف نافلة أو فريضة؟ قال: أجبني فيهما جميعا قال: إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف ".

فان طفت بالبيت طواف الفريضة ولم تدر ستة طفت أو سبعة فأعد طوافك، فإن خرجت وفاتك ذلك فليس عليك شئ(٥)

___________________________________

(١) أى كان منشأ غلطه أنه حين ابتدأ الشوط عقد واحدا، فلما كملت الستة عقد السبعة فظن أنه قد أكمل السبعة.

(٢) يدل على أنه إذا ترك الشوط الواحد ناسيا ورجع إلى أهله لا يلزمه الرجوع ويأمر من يطوف عنه، وعدى المحقق وجماعة هذا الحكم إلى كل من جاز النصف وقال في المدارك: هذا هو المشهور ولم أقف على رواية تدل عليه، والمعتمد البناء ان كان المنقوص شوطا واحدا وكان النقص على وجه الجهل والنسيان والاستيناف مطلقا في غيره انتهى، ويظهر من كلام العلامة في التحرير أنه أيضا اقتصر على مورد الرواية ولم يتعد (المرآة) وقال المولى المجلسى: قوله " حتى أتى أهله " أى رجع إلى بلده ولا يمكنه أو يتعسر عليه الذهاب إلى مكة فيستنيب من يطوف عنه هذا الشوط المنسى، والاحوط أن يبلى النائب به محرما.

(٣) أى على الاقل ويحمل على النافلة أو على البطلان والاعادة حتى يحصل له اليقين. (م ت)

(٤) يمكن أن يكون تتمة خبر رفاعة فيكون صحيحا وأن يكون خبرا آخر. (م ت)

(٥) يؤيده في الكافى ج ٤ ص ٤١٦ في الصحيح عن منصور بن حازم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة أم سبعة، قال: فليعد طوافه، قلت: ففاته؟ قال: ما أرى عليه شيئا والاعادة أحب إلى وأفضل ".

وقال العلامة المجلسى رحمه الله: لا خلاف بين الاصحاب في أنه لا عبرة بالشك بعد الفراغ من الطواف مطلقا، والمشهور أنه لو شك في النقصان في أثناء الطواف يعيد طوافه ان كان فرضا وذهب المفيد وعلى بن بابويه وأبوالصلاح وابن الجنيد وبعض المتأخرين إلى أنه يبنى على الاقل وهو قوى، ولا يبعد حمل أخبار الاستيناف على الاستحباب بقرينة قوله عليه السلام " ما أرى عليه شيئا " بأن يحمل على أنه قد أتى بما شك فيه أو على أن حكم الشك غير حكم ترك الطواف رأسا، وربما يحمل على أنه لا يجب عليه العود بنفسه بل يبعث نائبا وعوده بنفسه أفضل، ولا يخفى بعده.

وقال المحقق الاردبيلى قدس سره: لو كانت الاعادة واجبة لكان عليه شئ ولم يسقط بمجرد الخروج وفوته فالحمل على الاستحباب حمل جيد.

٣٩٧

باب ما يجب على من اختصر شوطا في الحجر (١)

٢٨٠٦ - روى ابن مسكان، عن الحلبي قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر كيف يصنع؟ قال، يعيد الطواف الواحد "(٢) .

٢٨٠٧ - وفي رواية معاوية بن عمار عنه عليه السلام أنه قال: " من اختصر في الحجر

___________________________________

(١) المراد به أنه يجب أن يكون الطواف حول البيت والحجر، لا بمعنى أن الحجر داخل في البيت لما تقدم في الاخبار الصحيحة أنه ليس من البيت ولا قلامة ظفر منه بل لانه كما يجب على الطائف الطواف بالبيت كذلك يجب أن يطوف على حجر اسماعيل تعبدا أو تأسيا بالنبى صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، فلو دخل في الحجر وخرج منه وطاف على الكعبة فقط كان ذلك الشوط باطلا ويجب الاتيان بشوط آخر من الركن الذى فيه الحجر الاسود كما ابتدء أولا ويختم به. (م ت)

(٢) مروى في التهذيب ج ١ ص ٤٧٧ وفيه " يعيد ذلك الشوط "، قال في المدارك: هل يجب على من اختصر شوطا في الحجر اعادة ذلك الشوط وحده أو اعادة الطواف من رأس، الاصح الاول لصحيحة الحلبى حيث قال: " يعيد ذلك الشوط " ونحوه روى الحسن بن عطية (في المصدر) ولا يكفى اتمام الشوط من موضع سلوك الحجر بل يجب البداء‌ة من الحجر الاسود لانه الظاهر من الشوط، ولقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار " فليعد طوافه من الحجر الاسود "، ولا ينافى ما ذكرنا من الاكتفاء باعادة الشوط خاصة رواية ابراهيم بن سفيان الاتية لانه غير صريح في توجه الامر إلى اعادة الطواف من أصله فيحتمل تعلقه باعادة ذلك الشوط.

٣٩٨

الطواف فليعد طوافه من الحجر الاسود "(١) .

٢٨٠٨ - وروى الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن سفيان قال: " كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام امرأة طافت طواف الحج فلما كانت في الشوط السابع اختصرت فطافت في الحجر وصلت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء ثم أتت منى؟ فكتب عليه السلام: تعيد "(٢) .

باب ما جاء في الطواف خلف المقام  (٣)

٢٨٠٩ - روى أبان، عن محمد بن علي الحلبي قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الطواف خلف المقام، قال: ما أحب ذلك وما أرى به بأسا، فلا تفعله إلا أن لا تجد منه بدا "(٤) .

باب ما يجب على من طاف أو قضى شيئا من المناسك على غير وضوء

٢٨١٠ - روي عن معاوية بن عمار قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " لا بأس بأن

___________________________________

(١) ظاهره الاكتفاء باعادة الشوط، ويدل على أنه لا يكفى اتمام الشوط من حيث سلوك الحجر بل لا بد من الرجوع إلى الحجر واستيناف الشوط كما ذكره الاصحاب. (المرآة)

(٢) يحتمل تعلقه باعادة الطواف من أصله أو باعادة ذلك الشوط كما مر.

(٣) المشهور بين الاصحاب أنه لا بد أن يكون الطواف بين البيت والمقام ويكون من المسافة من الجوانب الثلاثة الاخر أيضا بمقدار تلك المسافة، والمسافة جانب الحجر من الحجر لا من الكعبة فلو بعد عن تلك المسافة ولو بخطوة كان باطلا. (م ت)

(٤) " ما أرى به بأسا " أى في الضرورة أو مطلقا " الا أن لا تجد منه بدا " ظاهره كراهة الخروج عن الحد وحمل على الحرمة، أو في النافلة والاحتياط ظاهر. (م ت)

٣٩٩

تقضي المناسك كلها على غير وضؤ إلا الطواف بالبيت، والوضوء أفضل "(١) .

٢٨١١ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن رجل طاف الفريضة وهو على غير طهر، قال: يتوضأ ويعيد طوافه: فان كان تطوعا توضأ(٢) وصلى ركعتين".

٢٨١٢ - وفي رواية عبيد بن زرارة عنه عليه السلام أنه قال: لا بأس بأن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ ويصلي، وإن طاف متعمدأ على غير وضوء فليتوضأ وليصل "(٣) ومن طاف تطوعا وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعد الطواف.

٢٨١٣ - وروى صفوان، عن يحيى الازرق قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: " رجل سعى بين الصفا والمروة فسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء، فقال: لا بأس ولو أتم مناسكه بوضوء كان أحب إلي"(٤) .

___________________________________

(١) أجمع الاصحاب على اشتراط الطهارة في الطواف الواجب، واختلفوا في المندوب والمشهور عدمه والاستحباب كما في سائر المناسك، وقوله: " والوضوء أفضل " أى في غير الطواف بقرينة استثناء الطواف (م ت) ونقل عن أبى الصلاح الاشتراط لاطلاق بعض الروايات.

(٢) يدل كالسابق على اشتراط الطهارة في الواجب دون المندوب وعلى اشتراطها للصلاة المندوبة. (م ت)

(٣) لعل هذا لرفع توهم أن الكلام السابق مخصوص بالسهو (سلطان) والخبر في التهذيب ج ١ ص ٤٨٠ إلى هنا.

والباقى يمكن أن يكون من تتمة الخبر أو من كلام المصنف أخذه من صحيحة حريز عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل طاف تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير وضوء، فقال: يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف " راجع التهذيب ج ١ ص ٤٨٠.

(٤) نقل عن ابن أبى عقيل القول بوجوب الطهارة للسعى والمشهور الاستحباب.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459