الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

الميزان في تفسير القرآن17%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 459

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 459 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 173014 / تحميل: 9109
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

( ٦ - القرآن يسند المعجزة إلى سبب غير مغلوب)

فقد تبيّن من الفصول السابقة من البحث أنّ المعجزة كسائر الاُمور الخارقة للعادة لا تفارق الأسباب العاديّة في الاحتياج إلى سبب طبيعيّ وأن مع الجميع أسبابا باطنيّة وأن الفرق بينها أن الاُمور العاديّة ملازمة لأسباب ظاهريّة تصاحبها الأسباب الحقيقيّة الطبيعيّة غالباً أو مع الأغلب ومع تلك الأسباب الحقيقيّة إرادة الله وأمره، والاُمور الخارقة للعادة من الشرور كالسحر والكهانة مستندة إلى أسباب طبيعيّة مفارقة للعادة مقارنة للسبب الحقيقيّ بالإذن والإرادة كإستجابة الدعاء ونحو ذلك من غير تحدّ يبتني عليه ظهور حقّ الدعوة وأن المعجزة مستندة إلى سبب طبيعيّ حقيقيّ بإذن الله وأمره إذا كان هناك تحدّ يبتنى عليه صحّة النبوّة والرسالة والدعوة إلى الله تعالى وأنّ القسمين الآخرين يفارقان سائر الأقسام في أنّ سببهما لا يصير مغلوبا مقهورا قطّ بخلاف سائر المسبّبات.

فإن قلت: فعلى هذا لو فرضنا الإحاطة والبلوغ إلى السبب الطبيعيّ الّذي للمعجزة كانت المعجزة ميسورة ممكنة الإتيان لغير النبيّ أيضاً ولم يبق فرق بين المعجزة وغيرها إلّا بحسب النسبة والإضافه فقط فيكون حينئذ أمر ما معجزة بالنسبة إلى قوم غير معجزة بالنسبة إلى آخرين، وهم المطّلعون على سببها الطبيعيّ الحقيقيّ، وفي عصر دون عصر، وهو عصر العلم. فلو ظفر البحث العلميّ على الأسباب الحقيقيّة الطبيعيّة القصوى لم يبق مورد للمعجزة ولم تكشف المعجزة عن الحق. ونتيجه هذا البحث أن المعجزة لا حجيّة فيها إلّا على الجاهل بالسبب فليست حجّة في نفسها.

قلت: كلّا فليست المعجزة معجزة من حيث أنّها مستندة إلى سبب طبيعيّ مجهول حتّى تنسلخ عن إسمها عند إرتفاع الجهل وتسقط عن الحجيّة، ولا أنّها معجزة من حيث إستنادها إلى سبب مفارق للعادة، بل هي معجزة من حيث أنها مستندة إلى أمر مفارق للعادة غير مغلوب السبب قاهرة العلة البتّة، وذلك كما أنّ الأمر الحادث من جهة إستجابة الدعاء كرامة من حيث إستنادها إلى سبب غير مغلوب كشفاء المريض مع أنّه يمكن أن يحدث من غير جهته كجهة العلاج بالدواء غير أنّه حينئذ أمر عاديّ يمكن أن يصير سببه مغلوبا مقهورا بسبب آخر أقوى منه.

٨١

( ٧ - القرآن يعدّ المعجزة برهاناً على صحّة الرّسالة لا دليلاً عاميّاً)

وهيهنا سؤال وهو أنّه ما هي الرابطة بين المعجزة وبين حقيّة دعوى الرسالة مع أنّ العقل لا يرى تلازماً بين صدق الرسول في دعوته إلى الله سبحانه وبين صدور أمر خارق للعادة عن الرسول على أنّ الظاهر من القرآن الشريف، تقرير ذلك فيما يحكيه من قصص عدّة من الأنبياء كهود وصالح وموسى وعيسى ومحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّهم على ما يقصّه القرآن حينما بثّوا دعوتهم سئلوا عن آية تدلّ على حقّيّة دعوتهم فأجابوهم فيما سألوا وجاؤا بالآيات.

وربّما أعطوا المعجزة في أول البعثة قبل أن يسألهم أممهم شيئاً من ذلك كما قال تعالى في موسىعليه‌السلام وهارون( اذْهَبْ أَنتَ وَأَخُوكَ بِآيَاتِي وَلَا تَنِيَا فِي ذِكْرِي ) طه - ٤٢، وقال تعالى في عيسىعليه‌السلام :( وَرَسُولًا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ اللهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ) آل عمران - ٤٩، وكذا إعطاء القرآن معجزة للنبيّ (صلّي الله عليه و آله و سلّم) وبالجملة فالعقل الصريح لا يرى تلازما بين حقيّة ما أتى به الأنبياء والرسل من معارف المبدأ والمعاد وبين صدور أمر يخرق العادة عنهم.

مضافاً إلى أنّ قيام البراهين الساطعة على هذه الاُصول الحقّة يغنى العالم البصير بها عن النظر في أمرالإعجاز، ولذا قيل إنّ المعجزات لإقناع نفوس العامّة لقصور عقولهم عن إدراك الحقائق العقليّة وأمّا الخاصّة فإنّهم في غنى عن ذلك.

والجواب عن هذا السؤال أنّ الأنبياء والرسلعليهم‌السلام لم يأتوا بالآيات المعجزة لاثبات شئ من معارف المبدأ والمعاد ممّا يناله العقل كالتوحيد والبعث وأمثالها وإنّما اكتفوا في ذلك بحجّة للعقل والمخاطبة من طريق النظر والاستدلال كقوله تعالى:( قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) : إبراهيم - ١٠ في الإحتجاج على التوحيد قوله تعالى:( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَٰلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ كَفَرُوا

٨٢

مِنَ النَّارِ أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ ) ص - ٢٨ في الإحتجاج على البعث. وإنّما سئل الرسل المعجزة وأتوابها لإثبات رسالتهم وتحقيق دعواها.

وذلك أنّهم ادّعوا الرسالة من الله بالوحى وأنّه بتكليم إلهيّ أو نزول ملك ونحو ذلك وهذا شئٌ خارق للعادة في نفسه من غير سنخ الإدراكات الظاهرة والباطنة الّتي يعرفها عامّة الناس ويجدونها من أنفسهم، بل إدراك مستور عن عامّة النفوس لو صحّ وجوده لكان تصرّفاً خاصّاً من ماوراء الطبيعة في نفوس الأنبياء فقط، مع أنّ الأنبياء كغيرهم من أفراد الناس في البشريّة وقواها، ولذلك صادفوا إنكاراً شديداً من الناس ومقاومة عنيفة في ردّه على أحد وجهين:

فتارة حاول الناس إبطال دعواهم بالحجّة كقوله تعالى:( قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا ) إبراهيم - ١٠، إستدلّوا فيها على بطلان دعواهم الرسالة بأنّهم مثل سائر الناس والناس لا يجدون شيئاً ممّا يدّعونه من أنفسهم مع وجود المماثلة، ولو كان لكان في الجميع أو جاز للجميع هذا، ولهذا أجاب الرسل عن حجّتهم بما حكاه الله تعالى عنهم بقوله:( قَالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِن نَّحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ وَلَكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ) إبراهيم - ١١، فردّوا عليهم بتسليم المماثلة وأنّ الرسالة من منن الله الخاصّة، والإختصاص ببعض النعم الخاصّة لا ينافي المماثلة فللناس إختصاصات، نعم لو شاء أن يمتنّ على من يشاء منهم فعل ذلك من غير مانع فالنبوّة مختصّة بالبعض وإن جاز على الكلّ.

ونظير هذا الإحتجاج قولهم في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ما حكاه الله تعالى:( أَأُنزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِن بَيْنِنَا ) ص - ٨، وقولهم كما حكاه الله:( لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَىٰ رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ) الزخرف - ٣١.

ونظير هذا الإحتجاج أو قريب منه ما في قول تعالى:( وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا أَوْ يُلْقَىٰ إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ ) الفرقان - ٨، ووجه الإستدلال أنّ دعوى الرسالة توجب

٨٣

أن لا يكون بشرا مثلنا لكونه ذا أحوال من الوحي وغيره ليس فينا فلم يأكل الطعام ويمشي في الأسواق لاكتساب المعيشة ؟ بل يجب أن ينزل معه ملك يشاركه في الإنذار أو يلقي إليه كنز فلا يحتاج إلى مشي الأسواق للكسب أو تكون له جنّة فيأكل منها لا ممّا نأكل منه من طعام، فرد الله تعالى عليهم بقوله:( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا ) إلى أن قال:( وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ وَجَعَلْنَا بَعْضَكُمْ لِبَعْضٍ فِتْنَةً أَتَصْبِرُونَ وَكَانَ رَبُّكَ بَصِيرًا ) الفرقان - ٢٠، وردّ تعالى في موضع آخر مطالبتهم مباشرة الملك للإنذار بقوله:( وَلَوْ جَعَلْنَاهُ مَلَكًا لَّجَعَلْنَاهُ رَجُلًا وَلَلَبَسْنَا عَلَيْهِم مَّا يَلْبِسُونَ ) الانعام - ٩.

وقريب من ذلك الإحتجاج أيضاً ما في قوله تعالى:( وَقَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْنَا الْمَلَائِكَةُ أَوْ نَرَىٰ رَبَّنَا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنفُسِهِمْ وَعَتَوْا عُتُوًّا كَبِيرًا ) الفرقان - ٢١، فأبطلوا بزعمهم دعوى الرسالة بالوحي بمطالبة أن يشهدوا نزول الملك أو رؤية الربّ سبحانه لمكان المماثلة مع النبيّ، فرّد الله تعالى عليهم ذلك بقوله:( يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَىٰ يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْرًا مَّحْجُورًا ) الفرقان - ٢٢، فذكر أنّهم والحال حالهم لا يرون الملائكة إلّا مع حال الموت كما ذكره في موضع آخر بقوله تعالى:( وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَّوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلَائِكَةِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ مَا نُنَزِّلُ الْمَلَائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذًا مُّنظَرِينَ ) الحجر - ٨، ويشتمل هذه الآيات الأخيرة على زيادة في وجه الإستدلال، وهو تسليم صدق النبيّ (صلّي الله عليه و آله و سلّم) في دعواه إلّا أنّه مجنون وما يحكيه ويخبر به أمر يسوّله له الجنون غير مطابق للواقع كما في موضع آخر من قوله:( وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ ) القمر - ٩.

وبالجملة فأمثال هذه الآيات مسوقة لبيان إقامتهم الحجّة على إبطال دعوى النبوّة من طريق المماثلة.

وتارة أخري أقاموا أنفسهم مقام الإنكار وسؤال الحجّة والبيّنة على صدق الدعوة لاشتمالها على ما تنكره النفوس ولا تعرفه العقول (على طريقة المنع مع السند بإصطلاح فنّ المناظرة) وهذه البيّنة هي المعجزة، بيان ذلك أنّ دعوى النبوّة والرسالة من كلّ

٨٤

نبيّ ورسول على ما يقصّه القرآن إنّما كانت بدعوى الوحى والتكليم الإلهيّ بلا واسطة أو بواسطة نزول الملك، وهذا أمر لا يساعد عليه الحسّ ولا تؤيّده التجربة فيتوجّه عليه الإشكال من جهتين: أحداهما من جهة عدم الدليل عليه، والثانية من جهة الدليل على عدمه، فإنّ الوحى والتكليم الإلهيّ وما يتلوه من التشريع والتربية الدينيّة ممّا لا يشاهده البشر من أنفسهم، والعادة الجارية في الأسباب والمسبّبات تنكرة فهو أمر خارق للعادة، وقانون العليّة العامّة لا يجوّزه، فلو كان النبيّ صادقا في دعواه النبوّة والوحى كان لازمه أنّه متّصل بما وراء الطبيعة، مؤيّد بقوّة إلهيّة تقدر على خرق العادة وأنّ الله سبحانه يريد بنبوّته والوحى إليه خرق العادة، فلو كان هذا حقّا ولا فرق بين خارق وخارق كان من الممكن أن يصدر من النبيّ خارق آخر للعادة من غير مانع وأن يخرق الله العادة بأمر آخر يصدّق النبوّة والوحى من غير مانع عنه فإنّ حكم الأمثال واحد فلئن أراد الله هداية الناس بطريق خارق للعادة وهو طريق النبوّة والوحى فليؤيّدها وليصدّقها بخارق آخر وهو المعجزة.

وهذا هو الّذي بعث الاُمم إلى سؤال المعجزة على صدق دعوى النبوّة كلّما جائهم رسول من أنفسهم بعثا بالفطرة والغريزة وكان سؤال المعجزة لتأييد الرسالة وتصديقها لا للدلالة على صدق المعارف الحقّة الّتي كان الأنبياء يدعون إليها ممّا يمكن أن يناله البرهان كالتوحيد والمعاد، ونظير هذا ما لو جاء رجل بالرسالة إلى قوم من قبل سيدّهم الحاكم عليهم ومعه أوامر ونواه يدّعيها للسيّد فإنّ بيانه لهذه الأحكام وإقامتة البرهان على أنّ هذه الأحكام مشتملة على مصلحة القوم وهم يعلمون أن سيّدهم لا يريد إلّا صلاح شأنهم، إنّما يكفي في كون الأحكام الّتي جاء بها حقّة صالحة للعمل ولا تكفى البراهين والأدّلة المذكورة في صدق رسالتة وأن سيّدهم أراد منهم بإرساله إليهم ما جاء به من الأحكام بل يطالبونه ببيّنة أو علامة تدلّ على صدقه في دعواه ككتاب بخطّه وخاتمه يقرئونه، أو علامة يعرفونها، كما قال المشركون للنبيّ:( حَتَّىٰ تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ ) أسرى - ٩٣. فقد تبيّن بما ذكرناه أوّلاً: التلازم بين صدق دعوى الرسالة وبين المعجزة

٨٥

وأنّها الدليل على صدق دعواها لا يتفاوت في ذلك حال الخاصّة والعامّة في دلالتها وإثباتها، وثانياً أنّ ما يجده الرسول والنبيّ من الوحي ويدركه منه من غير سنخ ما نجده بحواسّنا وعقولنا النظريّة الفكريّة، فالوحي غير الفكر الصائب، وهذا المعنى في كتاب الله تعالى من الوضوح والسطوع بحيث لا يرتاب فيه من له أدنى فهم وأقلّ إنصاف.

وقد إنحرف في ذلك جمع من الباحثين من أهل العصر فراموا بناء المعارف الإلهيّة والحقائق الدينيّة على ما وصفه العلوم الطبيعيّة من اصالة المادّة المتحوّلة المتكاملة فقد رأوا أنّ الإدراكات الإنسانيّة خواصّ مادّيّة مترشّحة من الدماغ وأنّ الغايات الوجوديّة وجميع الكمالات الحقيقيّة إستكمالات فرديّة أو اجتماعيّة مادّيّة.

فذكروا أنّ النبوّة نوع نبوغ فكريّ وصفاء ذهني يستحضر به الإنسان المسمّى نبيّاً كمال قومه الإجتماعيّ ويريد به أن يخلّصهم من ورطة الوحشيّة والبربريّة إلى ساحة الحضارة والمدنيّة فيستحضر ما ورثه من العقائد والآراء ويطبّقها على مقتضيات عصره ومحيط حياته، فيقنّن لهم أصولا اجتماعيّة وكليّات عمليّة يستصلح بها أفعالهم الحيويّة ثمّ يتمّم ذلك بأحكام واُمور عباديّة ليستحفظ بها خواصّهم الروحيّة لافتقار الجامعة الصالحة والمدنيّة الفاضلة إلى ذلك ويتفرّع على هذا الافتراض:

أوّلاً: أنّ النبيّ إنسان متفكّر نابغ يدعو قومه إلى صلاح محيطهم الاجتماعيّ.

وثانياً: أنّ الوحي هو إنتقاش الأفكار الفاضلة في ذهنه.

وثالثاً: أنّ الكتاب السماويّ مجموع هذه الأفكار الفاضلة المنزّهة عن التهوسات النفسانيّة والأغراض النفسانيّة الشخصيّة.

ورابعاً: أنّ الملائكة الّتي أخبر بها النبيّ قوى طبيعيّة تدبّر اُمور الطبيعة أو قوى نفسانيّة تفيض كمالات النفوس عليها، وأنّ روح القدس مرتبة من الروح الطبيعيّة المادّيّة تترشّح منها هذه الأفكار المقدّسة، وأنّ الشيطان مرتبة من الروح تترشّح منها الأفكار الرديّة وتدعو إلى الأعمال الخبيثة المفسدة للاجتماع، وعلى هذا الأسلوب فسرّوا الحقائق الّتي أخبر بها الأنبياء كاللوح والقلم والعرش والكرسيّ والكتاب والحساب والجنّة والنار بما يلائم الاُصول المذكورة.

٨٦

وخامساً: أنّ الأديان تابعة لمقتضيات أعصارها تتحوّل بتحوّلها.

وسادساً: أنّ المعجزات المنقولة عن الأنبياء المنسوبة إليهم خرافات مجعولة أو حوادث محرّفة لنفع الدين وحفظ عقائد العامّة عن التبدّل بتحوّل الأعصار أو لحفظ مواقع أئمّة الدين ورؤساء المذهب عن السقوط والاضمحلال إلى غير ذلك ممّا أبدعه قوم وتبعهم آخرون.

هذه جمل ما ذكروه والنبوّة بهذا المعنى لأن تسمّي لعبة سياسيّة أولى بها من أن تسمّى نبوّة إلهيّة والكلام التفصيليّ في أطراف ما ذكروه خارج عن البحث المقصود في هذا المقام.

والّذي يمكن أن يقال فيه هيهنا أنّ الكتب السماويّة والبيانات النبويّة المأثورة على ما بأيدينا لا توافق هذا التفسير لا تناسبه أدنى مناسبة، وإنّما دعاهم إلى هذا النوع من التفسير إخلادهم إلى الأرض وركونهم إلى مباحث المادّة فاستلزموا إنكار ماوراء الطبيعة وتفسير الحقائق المتعالية عن المادّة بما يسلخها عن شأنها وتعيدها إلى المادّة الجامدة.

وما ذكره هؤلاء هو في الحقيقة تطّور جديد فيما كان يذكره آخرون فقد كانوا يفسّرون جميع الحقائق المأثورة في الدين بالمادّة غير أنّهم كانوا يثبتون لها وجودات غائبة عن الحسّ كالعرش والكرسيّ واللوح والقلم والملائكة ونحوها من غير مساعدة الحسّ والتجربة على شئ من ذلك، ثمّ لما أتّسع نطاق العلوم الطبيعيّة وجرى البحث على أساس الحسّ والتجربة لزم الباحثين على ذلك الأسلوب أن ينكروا لهذه الحقائق وجوداتها المادّيّة الخارجة عن الحسّ أو البعيدة عنه وأن يفسّروها بما تعيدها إلى الوجود المادّيّ المحسوس ليوافق الدين ما قطع به العلم ويستحفظ بذلك عن السقوط.

فهاتان الطائفتان بين باغ وعاد، أمّا القدماء من المتكلّمين فقد فهموا من البيانات، الدينيّة مقاصدها حقّ الفهم من غير مجاز غير أنّهم رأوا أنّ مصاديقها جميعاً اُمور مادّيّة محضة لكنّها غائبة عن الحسّ غير محكومة بحكم المادّة أصلاً و الواقع خلافه، وأما المتأخّرون من باحثي هذا العصر ففسّروا البيانات الدينيّة بما أخرجوها به عن مقاصدها البيّنة الواضحة، وطبّقوها على حقائق مادّيّة ينالها الحسّ وتصدّقها التجربة مع أنّها

٨٧

ليست بمقصودة، ولا البيانات اللفظيّة تنطبق على شئ منها.

والبحث الصحيح يوجب أنّ تفسّر هذه البيانات اللفظيّة على ما يعطيها اللفظ في العرف واللّغة ثمّ يعتمد في أمر المصداق على ما يفسّر به بعض الكلام بعضا ثمّ ينظر هل الأنظار العلميّة تنافيها أو تبطلها ؟ فلو ثبت فيها في خلال ذلك شئ خارج عن المادّة وحكمها فإنّما الطريق إليه إثباتاً أو نفياً طور آخر من البحث غير البحث الطبيعيّ الّذي تتكفّلة العلوم الطبيعيّة، فما للعلم الباحث عن الطبيعة وللأمر الخارج عنها ؟ فإنّ العلم الباحث عن المادّة وخواصّها ليس من وظيفته أن يتعرّض لغير المادّة خواصّها لا إثباتاً ولا نفياً.

ولو فعل شيئاً منه باحث من بحّاثه كان ذلك منه شططا من القول، نظير ما لو أراد الباحث في علم اللغة أن يستظهر من علمه حكم الفلك نفياً أو إثباتاً، ولنرجع إلى بقيّة الآيات.

وقوله تعالى: ( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) . سوق الآيات من أوّل السورة وإن كانت لبيان حال المتّقين والكافرين والمنافقين (الطوائف الثلاث) جميعاً لكنّه سبحانه حيث جمعهم طرّاً في قوله:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ ) ، ودعاهم إلى عبادته تقسّموا لا محالة إلى مؤمن وغيره فإنّ هذه الدعوة لا تحتمل من حيث إجابتها وعدمها غير القسمين: المؤمن والكافر وأمّا المنافق فإنّما يتحقّق بضمّ الظاهر إلى الباطن، واللّسان إلى القلب فكان هناك من جمع بين اللّسان والقلب إيماناً أو كفراً ومن أختلف لسانه وقلبه وهو المنافق، فلمّا ذكرنا (لعلّه) أسقط المنافقون من الذكر، وخصّ بالمؤمنين والكافرين ووضع الايمان مكان التقوى.

ثمّ إن الوقود ما توقد به النار وقد نصّت الآية على أنّه نفس الإنسان، فالإنسان وقود وموقود عليه، كما في قوله تعالى أيضاً:( ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ ) غافر - ٧٢. وقوله تعالى:( نَارُ اللهِ الْمُوقَدَةُ الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ ) اللّمزة - ٧، فالإنسان معذّب بنار توقده نفسه، وهذه الجملة نظيرة قوله تعالى:( لَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا ) البقرة - ٢٥، ظاهرة في أنّه ليس للإنسان

٨٨

هناك إلّا ما هيّأه من هيهنا، كما عن النبيّ (صلّي الله عليه و آله و سلّم):( كما تعيشون تموتون وكما تموتون تبعثون) الحديث. وإن كان بين الفريقين فرق من حيث أنّ لأهل الجنّة مزيداً عند ربّهم. قال تعالى:( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ق - ٣٥.

والمراد بالحجارة في قوله:( وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) الأصنام الّتي كانوا يعبدونها ويشهد به قوله تعالى:( إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ ) الآية الأنبياء - ٩٨، والحصب هو الوقود.

وقوله تعالى: ( لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ ) ، قرينة الأزواج تدلّ على أنّ المراد بالطهارة هي الطهارة من أنواع الأقذار والمكاره الّتي تمنع من تمام الإلتيام والألفة والأنس من الأقذار والمكاره الخلقيّة والخُلقيّة.

( بحث روائي)

روى الصدوق، قال: سئل الصادقعليه‌السلام عن الآية فقال: الأزواج المطهّرة اللّاتي لا يحضن ولا يحدثن.

أقول: وفي بعض الروايات تعميم الطهارة للبرائة عن جميع العيوب والمكاره.

٨٩

( سورة البقرة الآيات ٢٦ - ٢٧)

إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا  فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ  وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللهُ بِهَذَا مَثَلًا  يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا  وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ( ٢٦ ) الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ وَيَقْطَعُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ وَيُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ  أُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ٢٧ )

( بيان)

قوله تعالى: ( إِنَّ اللهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ ) ، البعوضة الحيوان المعروف وهو من أصغر الحيوانات المحسوسة وهذه الآية والّتي بعدها نظيرة ما في سورة الرعد( أَفَمَن يَعْلَمُ أَنَّمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ الْحَقُّ كَمَنْ هُوَ أَعْمَىٰ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللهِ وَلَا يَنقُضُونَ الْمِيثَاقَ وَالَّذِينَ يَصِلُونَ مَا أَمَرَ اللهُ بِهِ أَن يُوصَلَ ) الرعد - ١٩، ٢٠، ٢١.

وكيف كان فالآية تشهد على أنّ من الضلال والعمى ما يلحق الإنسان عقيب أعماله السيّئة غير الضلال والعمى الّذي له في نفسه ومن نفسه حيث يقول تعالى:( وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) فقد جعل إضلاله في تلو الفسق لا متقدّماً عليه هذا.

ثمّ إنّ الهداية والإضلال كلمتان جامعتان لجميع أنواع الكرامة والخذلان الّتي ترد منه تعالى على عباده السعداء والاشقياء، فإنّ الله تعالى وصف في كلامه حال السعداء من عبادة بأنّه يحييهم حياة طيّبة، ويؤيّدهم بروح الايمان، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ويجعل لهم نوراً يمشون به، وهو وليّهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وهو معهم يستجيب لهم إذا دعوه ويذكرهم إذا ذكروه، والملائكة تنزّل عليهم بالبشرى والسلام إلى غير ذلك.

ووصف حال الاشقياء من عباده بأنّه يضلّهم ويخرجهم من النور إلى الظلمات و

٩٠

يختم على قلوبهم، وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة، ويطمس وجوههم على أدبارهم ويجعل في أعناقهم أغلالاً فهي إلى الأذقان فهم مقمحون، ويجعل من بين أيديهم سدّاً ومن خلفهم سدّاً فيغشيهم فهم لا يبصرون، ويُقيّض لهم شياطين قرناء يضلّونهم عن السبيل ويحسبون أنّهم مهتدون، ويزيّنون لهم أعمالهم، وهم أولياؤهم، ويستدرجهم الله من حيث لا يشعرون، ويملي لهم إنّ كيده متين، ويمكربهم ويمدّهم في طغيانهم يعمهون.

فهذه نبذة ممّا ذكره سبحانه من حال الفريقين وظاهرها أنّ للإنسان في الدنيا وراء الحياة الّتي يعيش بها فيها حياة اُخرى سعيدة أو شقيّة ذات اصول وأعراق يعيش بها فيها، وسيطّلع ويقف عليها عند إنقطاع الأسباب وإرتفاع الحجاب، ويظهر من كلامه تعالى أيضاً أنّ للإنسان حياة اُخرى سابقة على حيوته الدنيا يحذوها فيها كما يحذو حذو حياته الدنيا فيما يتلوها. وبعبارة اُخرى إنّ للإنسان حياة قبل هذه الحياة الدنيا وحياة بعدها، والحياة الثالثة تتبع حكم الثانية والثانية حكم الاُولى، فالإنسان وهو في الدنيا واقع بين حياتين: سابقة ولاحقة، فهذا هو الّذي يقضي به ظاهر القرآن.

لكنّ الجمهور من المفسّرين حملوا القسم الأوّل من الآيات وهي الواصفة للحياة السابقة على ضرب من لسان الحال وإقتضاء الاستعداد، والقسم الثاني منها وهي الواصفة للحياة اللّاحقة على ضروب المجاز والاستعارة هذا، إلّا أنّ ظواهر كثير من الآيات يدفع ذلك. أمّا القسم الأوّل وهي آيات الذرّ والميثاق فستأتي في مواردها، وأمّا القسم الثاني فكثير من الآيات دالّة على أنّ الجزاء يوم الجزاء بنفس الأعمال وعينها كقوله تعالى:( لَا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّمَا تُجْزَوْنَ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) التحريم - ٧، وقوله تعالى:( ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ ) الآية البقرة - ٢٨١، وقوله تعالى:( فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ ) البقرة - ٢٤. وقوله تعالى:( فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ ) العلق - ١٨، وقوله تعالى:( يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُّحْضَرًا وَمَا عَمِلَتْ مِن سُوءٍ ) آل عمران - ٣٠، وقوله تعالى:( مَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ إِلَّا النَّارَ ) البقرة - ١٧٤، وقوله:( إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ) النساء - ١٠، إلى غير ذلك من الآيات.

ولعمري لو لم يكن في كتاب الله تعالى - إلّا قوله:( لَّقَدْ كُنتَ فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا

٩١

فَكَشَفْنَا عَنكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ) ق - ٢٢، لكان فيه كفاية إذ الغفلة لا تكون إلّا عن معلوم حاضر، وكشف الغطاء لا يستقيم إلّا عن مغطّى موجود فلو لم يكن ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجوداً حاضراً من قبل لما كان يصحّ أن يقال للإنسان إنّ هذه أمور كانت مغفولة لك، مستورة عنك فهي اليوم مكشوف عنها الغطاء، مزالة منها الغفلة.

ولعمري أنّك لو سألت نفسك أن تهديك إلى بيان يفي بهذه المعاني حقيقة من غير مجاز لما أجابتك إلّا بنفس هذه البيانات والأوصاف الّتي نزل بها القرآن الكريم.

ومحصل الكلام أن كلامه تعالى موضوع على وجهين:

أحدهما: وجه المجازاة بالثواب والعقاب، وعليه عدد جمّ من الآيات، تفيد: أن ما سيستقبل الإنسان من خير أو شرّ كجنّة أو نار إنّما هو جزاءٌ لما عمله في الدنيا من العمل.

وثانيهما: وجه تجسّم الأعمال وعليه عدّة اُخرى من الآيات، وهي تدلّ على أنّ الأعمال تُهيّئ بأنفسها أو باستلزامها وتأثيرها أموراً مطلوبة أو غير مطلوبة أي خيراً أو شرّاً هي ألتّي سيطّلع عليه الإنسان يوم يكشف عن ساق. وإيّاك أن تتوهّم أنّ الوجهين متنافيان فإنّ الحقائق إنّما تقرب إلى الأفهام بالأمثال المضروبة كما ينصّ على ذلك القرآن.

وقوله تعالى: ( إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) الفسق كما قيل من الألفاظ الّتي أبدع القرآن إستعمالها في معناها المعروف، مأخوذ من فسقت التمرة إذا خرجت عن قشرها وجلدها ولذلك فسّر بعده بقوله تعالى:( الَّذِينَ يَنقُضُونَ عَهْدَ اللهِ مِن بَعْدِ مِيثَاقِهِ ) الآية، والنقض إنّما يكون عن إبرام، ولذلك أيضاً وصف الفاسقين في آخر الآية بالخاسرين والإنسان إنّما يخسر فيما ملكه بوجه، قال تعالى:( إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ) الشورى - ٤٥، وإيّاك أن تتلقّى هذه الصفات الّتي أثبتها سبحانه في كتابه للسعداء من عباده أو الأشقياء مثل المقرّبين والمخلصين والمخبتين والصالحين والمطهّرين وغيرهم، ومثل الظالمين والفاسقين والخاسرين والغاوين والضالّين وأمثالها أوصافاً مبتذلة أو مأخوذة لمجرّد تزيين اللّفظ، فتضطرب بذلك قريحتك في فهم كلامه

٩٢

تعالى فتعطف الجميع على واد واحد، وتأخذها هجائً عاميًّ وحديثً ساذجً سوقيًّ بل هي أوصاف كاشفة عن حقائق روحيّة ومقامات معنويّة في صراطي السعادة والشقإوة، كلّ واحد منها في نفسة مبدأ لآثار خاصّة ومنشأ لأحكام مخصوصة معيّنة، كما أنّ مراتب السنّ وخصوصيّات القوى وأوضاع الخلقة في الإنسان كلّ منها منشأ ٌلأحكام وآثار مخصوصة لا يمكننا أن نطلب واحدً منها من غير منشأه ومحتده، ولئن تدبّرت في مواردها من كلامه تعالى وأمعنت فيها وجدت صدق ما إدّعيناه.

( بحث الجبر والتفويض)

وإعلم: أنّ بيانه تعالى أنّ الإضلال إنّما يتعلّق بالفاسقين يشرح كيفيّة تأثيره تعالى في أعمال العباد ونتائجها (وهو الّذي يراد حلّه في بحث الجبر والتفويض).

بيان ذلك: أنّه تعالى قال:( لِّلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ ) البقرة - ٢٨٤، وقال:( لَّهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) الحديد - ٥، وقال:( لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ) التغابن - ١، فأثبت فيها وفي نظائرها من الآيات الملك لنفسه على العالم بمعنى أنّه تعالى مالك على الإطلاق ليس بحيث يملك على بعض الوجوه ولا يملك على بعض الوجوه، كما أنّ الفرد من الإنسان يملك عبدً أو شيئً آخر فيما يوافق تصرّفاته أنظار العقلاء، وأمّا التصرّفات السفهيّة فلا يملكها، وكذا العالم مملوك لله تعالى مملوكيّة على الإطلاق، لا مثل مملوكيّة بعض أجزاء العالم لنا حيث أن ملكنا ناقص إنّما يصحّح بعض التصرّفات لا جميعها، فإنّ الإنسان المالك لحمار مثلً إنّما يملك منه أن يتصرّف فيه بالحمل والركوب مثلً وإمّا أن يقتلة عطشا أو جوعً أو يحرقه بالنار من غير سبب موجب فالعقلاء لا يرون له ذلك، أي كلّ مالكيّة في هذا الإجتماع الإنسانيّ مالكيّة ضعيفة إنّما تصحّح بعض التصرّفات المتصوّرة في العين المملوكة لا كلّ تصرّف ممكن، وهذا بخلاف ملكه تعالى للأشياء فإنّها ليس لها من دون الله تعالى من ربّ يملكها وهي لا تملك لنفسها نفعً ولا ضرًّ ولا موتً ولا حيإة ولا نشورا فكلّ تصرّف متصوّر فيها فهو له تعالى، فأيّ تصرّف تصرّف به في عباده وخلقه فله ذلك من غير أن يستتبع قبحً ولا ذمّاً

٩٣

ولا لوماً في ذلك، إذ التصرّف من بين التصرّفات إنّما يستقبح ويذّم عليه فيما لا يملك المتصرّف ذلك لإنّ العقلاء لا يرون له ذلك، فملك هذا المتصرّف محدود مصروف إلى التصرّفات الجائزة عند العقل، وأمّا هو تعالى فكل تصرّف تصرّف به فهو تصرّف من مالك وتصرّف في مملوك فلا قبح ولا ذمّ ولا غير ذلك وقد أيّد هذه الحقيقة بمنع الغير عن أيّ تصرّف في ملكه إلّا ما يشائه أو يأذن فيه وهو السائل المحاسب دون المسؤل المأخوذ، فقال تعالى:( مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) البقرة - ٢٥٥، وقال تعالى:( مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ) يونس - ٣، وقال تعالى:( لَّوْ يَشَاءُ اللهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا ) الرعد - ٣١، وقال:( يُضِلُّ مَن يَشَاءُ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ ) النحل - ٩٣، وقال تعالى:( وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَن يَشَاءَ اللهُ ) الدهر - ٣٠، وقال تعالى( لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ ) الأنبياء - ٢٣، فالله هو المتصرّف الفاعل في ملكه وليس لشئ غيره شئ من ذلك إلّا بإذنه ومشيّته، فهذا ما يقتضيه ربوبيّته.

ثمّ إنّا نرى أنّه تعالى نصب نفسه في مقام التشريع وجرى في ذلك على ما يجري عليه العقلاء في المجتمع الإنسانيّ، من إستحسان الحسن والمدح والشكر عليه وإستقباح القبيح والذمّ عليه كما قال تعالى:( إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ ) البقرة - ٢٧١، وقال:( بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ ) الحجرات - ١١، وذكر أن تشريعاته منظور فيها إلى مصالح الإنسان ومفاسده مرعيّ فيها أصلح ما يعالج به نقص الإنسان فقال تعالى:( إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ ) الانفال - ٢٤، وقال تعالى:( ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) الصف - ١١، وقال تعالى:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ - إلى أن قال-وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ) النحل - ٩٠، وقال تعالى:( إِنَّ اللهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ ) الاعراف - ٢٨، والآيات في ذلك كثيرة، وفي ذلك إمضاءٌ لطريقة العقلاء في المجتمع، بمعني أن هذه المعاني الدائرة عند العقلاء من حسن وقبح ومصلحة ومفسدة وأمر ونهي وثواب وعقاب أو مدح وذمّ وغير ذلك والأحكام المتعلّقة بها كقولهم: الخير يجب أن يؤثر والحسن يجب أن يفعل، والقبيح يجب أن يجتنب عنه إلى غير ذلك، كما أنّها هي الإساس للأحكام العامّة العقلائيّة كذلك الأحكام الشرعيّة الّتي شرّعها الله تعالى لعباده مرعىّ فيها ذلك، فمن

٩٤

طريقة العقلاء أنّ أفعالهم يلزم أن تكون معلّلة بأغراض ومصالح عقلائيّة ومن جملة أفعالهم تشريعاتهم وجعلهم للأحكام والقوانين، ومنها جعل الجزاء ومجازاة الإحسان بالإحسان والإسائة بالإسائة أن شاؤا فهذه كلّها معلّلة بالمصالح والإغراض الصالحة، فلو لم يكن في مورد أمر أو نهي من الإوامر العقلائيّة ما فيه صلاح الاجتماع بنحو ينطبق على المورد لم يقدم العقلاء على مثله، وكلّ المجازاة إنّما تكون بالمسانخة بين الجزاء وأصل العمل في الخيريّة والشريّة وبمقدار يناسب وكيف يناسب، ومن أحكامهم أنّ الإمر والنهي وكلّ حكم تشريعيّ لا يتوجّه إلّا إلى المختار دون المضطرّ والمجبر على الفعل وإيضاً إنّ الجزاء الحسن أو السّئ أعنى الثواب والعقاب لا يتعلّقان إلّا بالفعل الاختياريّ إللّهم إلّا فيما كان الخروج عن الاختيار والوقوع في الاضطرار مستندا إلى سوء الاختيار كمن أوقع نفسه في اضطرار المخالفة فإنّ العقلاء لا يرون عقابه قبيحا، ولا يبالون بقصّة إضطراره.

فلو أنّه سبحانه أجبر عباده على الطاعات أو المعاصي لم يكن جزا المطيع بالجنّة والعاصي بالنار إلّا جزافا في مورد المطيع، وظلما في مورد العاصي، والجزاف والظلم قبيحان عند العقلاء ولزم الترجيح من غير مرجّح وهو قبيح عندهم أيضاً ولا حجّة في قبيح وقد قال تعالى:( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ) النساء - ١٦٥، وقال تعالى:( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَىٰ مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) الانفال - ٤٢، فقد اتّضح بالبيان السابق أمور:

أحدها: أنّ التشريع ليس مبنيّا على أساس الإجبار في الإفعال، فالتكاليف مجعولة على وفق مصالح العباد في معاشهم ومعادهم أوّلً، وهي متوجّهة إلى العباد من حيث أنّهم مختارون في الفعل والترك ثانيا، والمكلّفون إنّما يثابون أو يعاقبون بما كسبت أيديهم من خير أو شرّ إختيارا.

ثانيها: أنّ ما ينسبه القرآن إليه تعالى من الإضلال والخدعة والمكر والإمداد في الطغيان وتسليط الشيطان وتوليته على الإنسان وتقييض القرين ونظائر ذلك جميعها منسوبة إليه تعالى على ما يلائم ساحة قدسه ونزاهته تعالى عن ألواث النقص والقبح و

٩٥

المنكر، فإنّ جميع هذه المعاني راجعة بالآخرة إلى الإضلال وشعبه وأنواعه، وليس كلّ إضلال حتّى الإضلال البدويّ وعلى سبيل الإغفال بمنسوب إليه ولا لائق بجنابه، بل الثابت له الإضلال مجازاة وخذلانا لمن يستقبل بسوء إختياره ذلك كما قال تعالى:( يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ ) الآية البقرة - ٢٦، وقال:( فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللهُ قُلُوبَهُمْ ) الصف - ٥، وقال تعالى:( كَذَٰلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ مُّرْتَابٌ ) المؤمن - ٣٤.

ثالثها: أنّ القضاء غير متعلّق بأفعال العباد من حيث أنّها منسوبة إلى الفاعلين بالانتساب الفعليّ دون الانتساب الوجوديّ وسيجئ لهذا القول زيادة توضيح في التذييل الآتي وفي الكلام على القضاء والقدر إن شاء الله تعالى.

رابعها: أنّ التشريع كما لا يلائم الجبر كذلك لا يلائم التفويض، إذ لا معنى للإمر والنهي المولويّين فيما لا يملك المولى منه شيئً، مضافً إلى أنّ التفويض لا يتمّ إلّا مع سلب إطلاق الملك منه تعالى عن بعض ما في ملكه.

( بحث روائي)

إستفاضت الروايات عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام أنّهم قالوا: (لا جبر ولا تفويض بل أمر بين أمرين الحديث).

وفي العيون بعدّة طرق لما إنصرف أميرالمؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام من صفّين قام إليه شيخ ممّن شهد الواقعة معه فقال يا أميرالمؤمنين أخبرنا من مسيرنا هذا أبقضاء من الله وقدر، فقال له أميرالمؤمنين: أجل يا شيخ فو الله ما علوتم تلعة ولا هبطتم بطن واد إلّا بقضاء من الله وقدر، فقال الشيخ عند الله احتسب عنائي يا أميرالمؤمنين فقال: مهلا يا شيخ لعلّك تظنّ قضاء حتما وقدرً لازما، لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب والإمر والنهي والزجر، ولسقط معنى الوعد والوعيد، ولم تكن على مسئٍ لائمة ولا لمحسن محمّدة، ولكان المحسن أولى باللائمة من المذنب والمذنب أولى بالإحسان من المحسن، تلك مقالة عبدة الاوثان وخصماء الرحمن وقدريّة هذه الإمّة ومجوسها. يا شيخ إنّ الله

٩٦

كلّف تخييرا ونهى تحذيرا، وأعطى على القليل كثيرا ولم يعص مغلوبا، ولم يطع مكروهً ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا. ذلك ظن الّذين كفروا فويل للذين كفروا من النار الحديث.

أقول: قوله: بقضاء من الله وقدر إلى قوله:( عندالله أحتسب عنائي) . ليعلم أن من أقدم المباحث الّتي وقعت في الإسلام موردا للنقض والإبرام، وتشاغبت فيه الإنظار مسألة الكلام ومسألة القضاء والقدر وإذ صوّروا معنى القضاء والقدر وإستنتجوا نتيجتة فإذا هي أن الإرادة الإلهيّة الإزليّة تعلّقت بكلّ شئ من العالم فلا شئ من العالم موجود على وصف الإمكان، بل إن كان موجودً فبالضرورة، لتعلّق الإرادة بها واستحالة تخلّف مرادة تعالى عن إرادتة، وإن كان معدوما فبالامتناع لعدم تعلّق الإرادة بها وإلّا لكانت موجودة، وإذا اطّردت هذه القاعدة في الموجودات وقع الإشكال في الافعال الاختياريّة الصادرة منّا فإنّا نرى في بادي النظر أنّ نسبة هذه الافعال وجودا وعدما الينا متساوية، وإنّما يتعيّن واحد من الجانبين بتعلّق الإرادة به بعد إختيار ذلك الجانب فأفعالنا اختياريّة، والإرادة مؤثّرة في تحقّقه سبب في إيجاده، ولكن، فرض تعلّق الإرادة الإلهيّة الازليّة المستحيلة التخلّف بالفعل يبطل اختياريّة الفعل أوّلً، وتأثير إرادتنا في وجود الفعل ثانيً وحينئذ لم يكن معنى للقدرة قبل الفعل على الفعل، ولا معنى للتكليف لعدم القدرة قبل الفعل وخاصّة في صورة الخلاف والتمرّد فيكون تكليفا بما لا يطاق، ولا معنى لإثابة المطيع بالجبر لأنّه جزاف قبيح، ولا معنى لعقاب العاصي بالجبر لأنّه ظلم قبيح إلى غير ذلك من اللّوازم، وقد إلتزم الجميع هؤلاء الباحثون فقالوا القدرة غير موجودة قبل الفعل، والحسن والقبح أمران غير واقعيّين لا يلزم تقيّد أفعاله تعالى بهما بل كلّ ما يفعله فهو حسن ولا يتّصف فعله تعالى بالقبح، فلا مانع هناك من الترجيح بلا مرجّح، ولا من الإرادة الجزافيّة، ولا من التكليف بما لا يطاق، ولا من عقاب العاصي وإن لم يكن النقصان من قبله إلى غير ذلك من التوالي تعالى عن ذلك.

وبالجملة كان القول بالقضاء والقدر في الصدر الإوّل مساوقا لارتفاع الحسن والقبح والجزاء بالاستحقإق ولذلك لما سمع الشيخ منهعليه‌السلام كون المسير بقضاء وقدر قال وهو في مقام التأثّر واليأس: عند الله أحتسب عنائي أي إنّ مسيري وإرادتي فاقدة الجدوى من

٩٧

حيث تعلّق الإرادة الإلهيّة بها فلم يبق لي إلّا العناء والتعب من الفعل فأحتسبه عند ربّي فهو الّذي أتعبني بذلك فأجاب عنه الإمامعليه‌السلام بقوله:( لو كان كذلك لبطل الثواب والعقاب) الخ، وهو أخذ بالُصول العقلائيّة الّتي أساس التشريع مبنيّ عليها واستدلّ في آخر كلامهعليه‌السلام بقوله:( ولم يخلق السموات والأرض وما بينهما باطلا ) الخ، وذلك لإنّ صحّة الإرادة الجزافيّة الّتي هي من لوازم ارتفاع الاختيار يوجب إمكان تحقّق الفعل من غير غاية وغرض وهو يوجب امكان إرتفاع الغاية عن الخلقة والايجاد، وهذا الامكان يساوق الوجوب، فلا غاية على هذا التقدير للخلقة والايجاد، وذلك خلق السموات والأرض وما بينهما باطلا، وفيه بطلان المعاد وفيه كلّ محذور، وقوله :( ولم يعص مغلوبا ولم يطع مكروها) كإنّ المراد لم يعص والحال أنّ عاصيه مغلوب بالجبر ولم يطع والحال أن طوعه مكروه للمطيع.

وفي التوحيد والعيون عن الرّضاعليه‌السلام قال: ذكر عنده الجبر والتفويض فقال: ألا أعلّمكم في هذا أصلاً لا تختلفون فيه ولا يخاصمكم عليه أحد إلّا كسّرتموه ؟ قلنا إن رأيت ذلك، فقال إنّ الله عزّوجلّ لم يطع بإكراه، ولم يعص بغلبة ولم يهمل العباد في ملكة، هو المالك لما ملّكهم، والقادر على ما أقدرهم عليه فإن إئتمر العباد بطاعته لم يكن الله منها صادّا، ولا منها مانعً وان إئتمروا بمعصيته فشاء أن يحول بينهم وبين ذلك فعل، وإن لم يحل فعلوه فليس هو الّذي أدخلهم فيه ثمّ قالعليه‌السلام من يضبط حدود هذا الكلام فقد خصم من خالفه.

اقول: قد عرفت أنّ الّذي ألزم المجبّرة أن قالوا بما قالوا هو البحث في القضاء والقدر وإستنتاج الحتم واللّزوم فيهما وهذا البحث صحيح وكذلك النتيجة إيضاً نتيجة صحيحة غير أنّهم اخطؤا في تطبيقها، واشتبه عليهم أمر الحقائق والاعتباريّات، واختلط عليهم الوجوب والإمكان، توضيح ذلك أنّ القضاء والقدر على تقدير ثبوتهما ينتجان أنّ الأشياء في نظام الايجاد والخلقة على صفة الوجوب واللّزوم فكلّ موجود من الموجودات وكلّ حال من أحوال الموجود مقدّرة محدودة عند الله سبحانه، معيّن له جميع ما هو معه من الوجود وأطواره واحواله لا يتخلّف عنه ولا يختلف، ومن الواضح أن الضرورة والوجوب

٩٨

من شؤون العلّة فإنّ العلة التامّة هي الّتي إذا قيس إليها الشئ صار متّصفا بصفة الوجوب وإذا قيس إلى غيرها أي شئ كان لم يصر إلّا متّصفا بالإمكان، فانبساط القدر والقضاء في العالم هو سريان العلّيّة التامّة والمعلوليّة في العالم بتمامه وجميعه، وذلك لا ينافي سريان حكم القوّة والامكان في العام من جهة أخرى وبنظر آخر فالفعل الاختياريّ الصادر عن الإنسان بإرادته إذا فرض منسوبا إلى جميع ما يحتاج إليه في وجوده من علم وإرادة وأدوات صحيحة ومادّة يتعلّق بها الفعل وسائر الشرائط الزمانيّة والمكانيّة كان ضروريّ الوجود، وهو الّذي تعلّقت به الإرادة الإلهيّة الازليّة لكن كون الفعل ضروريّاً بالقياس إلى جميع أجزاء علّته التامّة ومن جهتها لا يوجب كونه ضروريّاً إذا قيس إلى بعض أجزاء علّته التامّة كما إذا قيس الفعل إلى الفاعل دون بقيّة أجزاء علّته التامّة فإنّه لا يتجاوز حد الامكان، ولا يَبلغ البتّة حد الوجوب فلا معنى لما زعموه أنّ عموم القضاء وتعلّق الإرادة الإلهيّة بالفعل يوجب زوال القدرة وارتفاع الاختيار، بل الإرادة الإلهيّة إنّما تعلّقت بالفعل بجميع شؤونه وخصوصيّاته الوجوديّة ومنها إرتباطاته بعلله وشرائط وجوده، وبعبارة إخرى تعلّقت الإرادة الإلهيّة بالفعل الصادر من زيد مثلً لا مطلقا بل من حيث أنّه فعل إختياريّ صادر من فاعل كذا في زمان كذا ومكان كذا فإذن تأثير الإرادة الإلهيّة في الفعل يوجب كون لفعل إختياريّا وإلّا تخلّف متعلّق الإرادة الإلهيّة عنها فإذن تأثير الإرادة الإلهيّة في صيرورة الفعل ضروريّاً يوجب كون الفعل إختياريّا أي كون الفعل ضروريّاً بالنسبة إلى الإرادة الإلهيّة ممكنً إختياريًّ بالنسبة إلى الإرادة الإنسانيّة الفاعليّة، فالإرادة في طول الإرادة وليست في عرضها حتّى تتزاحما، ويلزم من تأثير الإرادة الإلهيّة بطلان تأثير الإرادة الإنسانيّة فظهر أن ملاك خطأ المجبّرة فيما أخطأوا فيه عدم تمييزهم كيفيّة تعلّق الإرادة الإلهيّة بالفعل، وعدم فرقهم بين الإرادتين الطوليّتين وبين الإرادتين العرضيتّين وحكمهم ببطلان تأثير إرادة العبد في الفعل لتعلّق إرادة الله تعالى به.

والمعتزلة وإن خالفت المجبّرة في اختياريّة افعال العبإد وسائر اللوازم إلّا أنّهم سلكوا في إثباته مسلكا لا يقصر من قول المجبّرة فسادا، وهو أنّهم سلّموا للمجبّرة أنّ

٩٩

تعلّق إرادة الله بالفعل يوجب بطلان الاختيار، ومن جهة أخرى أصرّوا على اختياريّة الافعال الاختياريّة فنفوا بالإخرة تعلّق الإرادة الإلهيّة بالافعال فلزمهم إثبات خالق آخر للإفعال وهو الإنسان، كما أنّ خالق غيرها هو الله سبحانه فلزمهم محذور الثنويّة، ثمّ وقعوا في محاذير إخرى أشدّ ممّا وقعت فيه المجبّرة، كما قالعليه‌السلام : مساكين القدريّة أرادوا أن يصفوا الله بعدله فأخرجوه من قدرته وسلطانه الحديث.

فمثل هذا مثل المولى من الموالي العرفيّة يختار عبدا من عبيده و يزوّجه إحدى فتياته ثمّ يقطع له قطيعة ويخصّه بدار وأثاث وغير ذلك ممّا يحتاج إليه الإنسان في حيإته إلى حين محدود وأجل مسمّى، فإن قلنا إنّ المولى وإن اعطى لعبده ما أعطى وملكه ما ملّك فإنّه لا يملك وأين العبد من الملك كان ذلك قول المجبّرة، وإن قلنا إن إلمولى باعطائه المال لعبده وتمليكه جعله مالكا وإنعزل هو عن المالكيّة وكان المالك هو العبد كان ذلك قول المعتزلة، ولو جمعنا بين الملكين بحفظ المرتبتين وقلنا: إن المولى مقامه في المولويّة وللعبد مقامه في الرّقيّة وإنّ العبد إنّما يملك في ملك المولى، فالمولى مالك في عين أنّ العبد مالك فهنا ملك على ملك كان ذلك القول الحقّ الّذى رآه أئمّة أهل البيتعليه‌السلام ، وقام عليه البرهان هذ.

وفي الاحتجاج فيما سأله عباية بن ربعيّ الاسديّ عن أميرالمؤمنين علىّعليه‌السلام في معنى الاستطاعة، فقال أميرالمؤمنينعليه‌السلام : تملكها من دون الله أو مع الله ؟ فسكت عباية بن ربعيّ فقال له قل يا عباية، قال: وما أقول يا أميرالمؤمنين ؟ قال: تقول تملكها بالله الّذي يملكها من دونك فإنّ ملّككها كان ذلك من عطائه وإن سلبكها كان ذلك من بلائه وهو المالك لما ملّكك والقادر على ما عليه أقدرك الحديث.

أقول: ومعنى الرواية واضح ممّا بيّناه آنفا.

وفي شرح العقائد للمفيد قال: وقد روى عن أبي الحسن الثالثعليه‌السلام إنّه سئل عن أفعال العباد أهي مخلوقة لله تعالى ؟ فقالعليه‌السلام : لو كان خالقا لها لما تبرء منها وقد قال سبحانه: إن الله برئ ٌمن المشركين ولم يرد البراءة من خلق ذواتهم وإنّما تبرء من شركهم وقبائحهم.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

(الاول): في الانساب.

ومراتبهم ثلاث: (الاولى): الآباء والاولاد: لا لاب يرث المال إذا انفرد.

والام الثلث والباقي بالرد.

ولو اجتمعا فللام الثلث وللاب الباقي.

ولو كان له أخوة كان لها السدس.

ولو شاركهما زوج او زوجة، فللزوج النصف، وللزوجة الربع.

وللام ثلث الاصل إذا لم يكن حاجب والباقي للاب، ولو كان لها حاجب كان لها السدس.

ولو انفرد الابن فالمال له.

ولو كانوا أكثر اشتركوا بالسوية.

ولو كانوا ذكرانا وإناثا فللذكر سهمان، وللانثى سهم.

ولو اجتمع معهما الابوان فلهما السدسان والباقي للاولاد ذكرانا كانوا او اناثا او ذكرانا وإناثا ولو كانت بنت فلها النصف وللابوين السدسان، والباقي يرد أخماسا.

ولوكان من يحجب الام ردعلى الاب والبنت أرباعا.

ولو كانت بنتان فصاعدا فللابوين: السدسان، وللبنتين او البنات: الثلثان بالسوية.

ولو كان معهما او معهن أحد الابوين كان له: السدس، ولهما اولهن: الثلثان والباقي يرد أخماسا.

ولو كان مع البنت والابوين زوج او زوجة كان للزوج: الربع، وللزوجة الثمن، وللابوين: السدسان، والباقي للبنت.

وحيث يفضل عن النصف يرد الزائد عليها وعلى الابوين أخماسا.

ولو كان من يحجب الام رددناه على البنت والاب أرباعا.

ويلحق مسائل: (الاولى): الاولاد يقومون مقام آبائهم عند عدمهم ويأخذ كل فريق نصيب من يتقرب به، ويقسمونه للذكر مثل حظ الانثيين، اولاد ابن كانوا او أولاد البنت على الاشبه.

(ويمنع) الاقرب الابعد.

ويرد على ولد البنت كما يرد

٢٦١

على امه ذكرا كان او انثى.

ويشاركون الابوين كما يشاركهما الاولاد للصلب على الاصح.

(الثانية): يحبى الولد الاكبر بثياب بدن الميت وخاتمه وسيفه ومصحفه إذا خلف الميت غير ذلك.

ولو كان الاكبر بنتا أخذه الاكبر من الذكور ويقضي عنه ما ترك من صيام او صلاة.

وشرط بعض الاصحاب ألا يكون سفيها ولا فاسد الرأي.

(الثالثة): لا يرث مع الابوين ولا مع الاولاد جد ولا جدة ولاأحد من ذوي القرابة.

لكن يستحب للاب أن يطعم أباه وأمه: السدس من أصل التركة بالسوية، إذا حصل له الثلثان.

وتطعم الام أباها وأمها: النصف من نصيبها بالسوية إذا حصل لها الثلث فما زاد.

ولو حصل لاحدهما نصيبه الاعلى دون الآخر استحب له طعمة الجد والجدة دون صاحبه.

ولا طعمة لاحد الاجداد إلا مع وجود من يتقرب به.

(الرابعة): لا يحجب الاخوة الام إلا بشروط أربعة: أن يكون أخوين او أخا وأختين او أربع أخوات فما زاد لاب وأم او لاب مع وجود الاب، غير كفرة ولا رق.

وفي القتلة قولان، أشبههما: عدم الحجب وان يكونوا منفصلين لا حملا.

(المرتبة الثانية): الاخوة والاجداد اذا لم يكن أحد الابوين، ولا ولد وان نزل، فالميراث للاخوة والاجداد.

فالاخ الواحد للاب والام يرث المال، وكذا الاخوة.

والاخت انما ترث النصف بالتسمية، والباقي بالرد.

وللاختين فصاعدا الثلثان بالتسمية والباقي بالرد.

ولو اجتمع الاخوة والاخوات لهما كان المال بينهم للذكر سهمان وللانثى سهم.

٢٦٢

وللواحد من ولد الام السدس ذكرا كان او انثى.

وللاثنين فصاعدا الثلث بينهم بالسوية ذكرانا كانوا او اناثا.

ولا يرث مع الاخوة للاب والام ولا مع أحدهم أحد من ولد الاب، لكن يقومون مقامهم عند عدمهم.

ويكون حكمهم في الانفراد والاجتماع ذلك الحكم.

ولو اجتمع الكلالات كان لولد الام السدس إن كان واحدا، والثلث ان كانوا أكثر، والباقي لولد الاب والام ويسقط أولاد الاب.

فان أبقت الفريضة فالرد على كلالة الاب والام، وان ابقت الفريضة مع ولد الام وولد الاب، ففي الرد قولان، أحدهما: يرد على كلالة الاب، لان النقص يدخل عليهم، مثل أخت لاب مع واحد او اثنين فصاعدا من ولد الام، او أختين للاب، مع واحد من ولد الام.

والآخر: يرد على الفريقين بنسبة مستحقهما وهو أشبه.

وللجد المال إذا انفرد لاب كان او لام.

وكذا الجدة.

ولو اجتمع جد وجدة، فان كانا لاب فلهما المال، للذكر مثل حظ الانثيين وإن كانا لام فالمال بالسوية.

واذا اجتمع الاجداد المختلفون، فلمن يتقرب بالام الثلث على الاصح، واحدا كان او اكثر.

ولمن يتقرب بالاب الثلثان ولو كان واحدا.

ولو كان معهم زوج او زوجة أخذ النصيب الاعلى.

ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل.

والباقي لمن يتقرب بالاب.

والجد الادنى يمنع الاعلى.

واذا اجتمع معهم الاخوة، فالجد كالاخ والجدة كالاخت.

مسألتان: (الاولى): لو اجتمع أربعة أجداد لاب ومثلهم لام كان لاجداد الام الثلث بينهم أرباعا.

ولاجداد الاب وجداته الثلثان، لابوي أبيه ثلثا الثلثين

٢٦٣

أثلاثا ولابوي امه الثلث أثلاثا أيضا فيصح من مئة وثمانية.

(الثانية): الجد وإن علا يقاسم الاخوة والاخوات.

وأولاد الاخوة والاخوات وإن نزلوا، يقومون مقام آبائهم عند عدمهم في مقاسمة الاجداد والجدات ويرث كل واحد منهم نصيب من يتقرب به.

ثم إن كانوا أولاد أخوة او أخوات لاب اقتسموا المال، للذكر مثل حظ الانثيين.

وإن كانوا لام اقتسموا بالسوية.

(المرتبة الثانية): الاعمام والاخوال: المعلم المال اذا انفرد.

وكذا للعمين فصاعدا.

وكذا العمة والعمتان والعمات.

والعمومة والعمات: للذكر مثل حظ الانثيين.

ولو كانوا متفرقين، فلمن تقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث إن كانوا أكثر بالسوية.

والباقي لمن يتقرب بالاب والام للذكر مثل حظ الانثيين ويسقط من يتقرب بالاب معهم.

ويقومون مقامهم عند عدمهم.

ولا يرث الابعد مع الاقرب مثل ابن خال مع خال او عم.

اوابن عم مع خال او عم، الا ابن عم لاب وأم مع عم لاب فابن العم أولى.

وللخال المال اذا انفرد.

وكذا للخالين والاخوال والخالة والخالتين والخالات.

ولو اجتمعوا فالمال بينهم بالسوية كيف كانوا.

ولو كانوا متفرقين، فلمن يتقرب بالام السدس ان كان واحدا، والثلث إن كانوا اكثر.

والثلثان لمن يتقرب بالاب والام.

ويسقط من يتقرب بالام معهم.

والقسمة بينهم للذكر مثل حظ الانثيين.

ولو اجتمع الاخوال والاعمام فللاخوال الثلث وللاعمام الثلثان.

ولو كان معهم زوج او زوجة فلهما النصيب الاعلى.

ولمن يتقرب بالام ثلث الاصل.

والباقي لمن يتقرب بالاب.

ولو اجمتع عم الاب وعمته وخاله وخالته وعم الام وعمتها وخالها وخالتها كان

٢٦٤

لمن يتقرب بالام الثلث بينهم أرباعا.

ولمن يتقرب بالاب الثلثان: ثلثاه لعمه وعمته أثلاثا.

وثلثه لخاله وخالته بالسوية، على قول.

مسائل: (الاولى): عمومة الميت وعماته وخئولته وخالاته وأولادهم وإن نزلوا أولى من عمومة أبيه وخئولته.

وكذا أولاد كل بطن أقرب.

أولى من البطن الابعد.

ويقوم اولاد العمومة والعمات والخئولة والخالات مقام آبائهم عند عدمهم، ويأخذ كل منهم نصيب من يتقرب به واحدا كان أو أكثر.

(الثانية): من اجتمع له سببان ورث بهما ما لم يمنع أحدهما الآخر.

فالاول كابن عم لاب هو خال لام، وزوج هو ابن عم، وعمة لاب هي خالة لام.

والثاني كابن عم هو أخ لام.

(الثالثة): حكم أولاد العمومة والخئولة مع الزوج والزوجة حكم آبائهم، يأخذ من يتقرب بالام ثلث الاصل والزوج نصيبه الاعلى.

وما يبقى لمن يتقرب بالاب.

المقصد الثاني في ميراث الازواج: للزوج مع عدم الولد النصف، وللزوجة الربع.

ومع وجوده وإن نزل نصف النصيب.

ولو لم يكن وارث سوى الزوج، رد عليه الفاضل.

وفي الزوجة قولان: أحدهما: لها الربع والباقي للامام.

والآخر: يرد عليها الفاضل كالزوج.

وقال ثالث: بالرد مع عدم الامام والاول: أظهر.

واذا كن اكثر من واحدة فهن مشتركات في الربع أو الثمن.

وترث الزوجة وإن لم يدخل بها الزوج.

وكذا الزوج.

وكذا في العدة

٢٦٥

الرجعية خاصة.

لكن لو طلقها مريضا ورثت وإن كان بائنا ما لم تخرج السنة ولم يبرأ ولم تتزوج.

ولا ترث البائن إلا هنا.

ويرث الزوج من جمع ما تركته المرأة، وكذا المرأة عدا العقار، وترث من قيمة الآلات والابنية، ومنهم من طرد الحكم في أرض المزارع والقرب، وعلم الهدى يمنعها العين دون القيمة.

مسألتان: (الاولى): إذا طلق واحدة من أربع وتزوج أخرى فاشتبهت كان للاخيرة ربع الثمن مع الولد او ربع الربع مع عدمه، والباقي بين الاربعة بالسوية.

(الثانية): نكاح المريض مشروط بالدخول، فان مات قبله فلا مهر لها ولا ميراث.

المقصد الثالث في الولاء وأقسامه ثلاثة.

(القسم الاول): ولاء العتق: ويشترط التبرع بالعتق وألا يتبرأ من ضمان جريرته.

فلو كان واجبا كان المعتق سائبة.

وكذا لو تبرع بالعتق وتبرأ من الجريرة ولا يرث المعتق مع وجود مناسب وإن بعد.

ويرث مع الزوج والزوجة.

وإذا اجتمعت الشروط ورثه المنعم إن كان واحدا، واشتركوا في المال ان كانوا أكثر.

ولو عدم المنعم فللاصحاب فيه أقوال، أظهرهما.

انتقال الولاء إلى الاولاد الذكور دون الاناث.

فان لم يكن الذكور، فالولاء لعصبة المنعم.

ولو كان المعتق امرأة فالى عصبها دون أولادها ولو كانوا ذكورا.

ولا يرث الولاء من يتقرب بأم المنعم.

ولا يصح بيعه ولا هبته.

ويصح جره من مولى الام إلى المولى الاب اذا كان الاولاد مولودين على الحرية.

٢٦٦

القسم الثاني ولاء تضمن الجريرة: من توالى إنسانا يضمن حدثه: ويكون ولاؤه له.

ثبت له الميراث ولا يتعدى الضامن، ولا يضمن إلا سائبة كالمعتق في النذر والكفارات أو من لا وارث له.

ولا يرث الضامن الا مع فقد كل مناسب ومع فقد المعتق.

ويرث معه الزوج والزوجة نصيبهما الاعلى وما بقي له، وهو أولى من بيت مال الامام.

القسم الثالث ولاء الامامة: ولا يرث الا مع فقد وارث عدا الزوجة فانها تشاركه على الاصح.

ومع وجوده (ع) فالمال له يصنع به ما شاء.

وكان عليعليه‌السلام يعطيه فقراء بلده تبرعا.

ومع غيبته يقسم في الفقراء ولا يعطي الجائر إلا مع الخوف.

وأما اللواحق فأربعة: (الاول): في ميراث ابن الملاعنة: ميراثه لامه وولده، للام السدس والباقي للولد.

ولو انفردت كان لها الثلث والباقي بالرد.

ولو انفردت الاولاد فللواحد النصف وللاثنتين فصاعدا الثلثان.

وللذكران المال بالسوية.

وان اجتمعوا فللذكر سهمان وللانثى سهم.

ويرث الزوج والزوجة نصيبهما الاعلى مع عدم الولد وان نزل، والادنى معهم.

ولو عدم الولد يرثه من تقرب بأمه الاقرب فالاقرب الذكر والانثى سواء.

ومع عدم الوارث يرثه الامام.

ويرث هو امه ومن يتقرب بها على الاظهر.

ولا يرث أباه ولا من يتقرب به ولا يرثونه.

ولو اعترف به الاب لحق به، وورث هو أباه دون غيره من ذوي قرابة أبيه ولا عبرة بنسب الاب.

فلو ترك اخوة الاب وأم مع أخ أو اخت لام كانوا سواء في المال.

وكذا لو ترك جدا لام مع أخ أو أخت أو اخوة أو أخت من أب وأم.

٢٦٧

خاتمة تشتمل على مسائل: (الاولى): ولد الزنا لا ترثه أمه ولا غيرها من الانساب.

ويرثه ولده إن نزل والزوج أو الزوجة.

ولو لم يكن أحدهم فميراثه للامام.

وقيل: ترثه أمه كابن الملاعنة.

(الثانية): الحمل يرث ان سقط حيا وتعتبر حركة الاحياء كالاستهلال، والحركات الارادية، دون التقلص.

(الثالثة): قال الشيخ: يوقف للحمل نصيب ذكرين احتياطا.

ولو كان ذو فرض أعطوا النصيب الادنى.

(الرابعة): يرث دية الجنين أبواه ومن يتقرب بهما أو بالاب.

(الخامسة): اذا تعارفا بما يقتضي الميراث توارثا ولم يكلف أحدهما البينة.

(السادسة): المفقود يتربص بماله.

وفى قدر التربص روايات: أربع سنين، وفي سندها ضعف.

وعشر سنين وهي في حكم خاص.

وفي ثالثة يقتسمه الورثة اذا كانوا ملاء، وفيها ضعف أيضا.

وقال في الخلاف حتى يمضي مدة لا يعيش مثله إليها، وهو أولى في الاحتياط وأبعد من التهجم على الاموال المعصومة بالاخبار الموهومة.

(السابعة): لو تبرأ من جريرة ولده و ميراثه، ففي رواية يكون ميراثه للاقرب إلى أبيه، وفي الرواية ضعف.

(الثاني): في ميراث الخنثى: من له فرج الرجال والنساء يعتبر بالبول، فمن أيهما سبق يورث عليه.

فان

٢٦٨

بدر منهما قال الشيخ: يورث على الذي ينقطع منه أخيرا، وفيه تردد.

وإن تساويا، قال في الخلاف: يعمل فيه بالقرعة، وقال المفيد وعلم الهدى: تعد أضلاعه.

وقال في النهاية والايجاز والمبسوط: يعطى نصف ميراث رجل ونصف امرأة، وهو أشهر.

ولو اجتمع مع الانثى ذكر وانثى، قيل: للذكر أربعة، وللخنثى ثلاثة وللانثى سهمان.

وقيل: تقسم الفريضة مرتين فتفرض مرة ذكرا ومرة انثى ويعطى نصف النصيبين وهو أظهر.

مثاله خنثى وذكر تفرضهما ذكرين تارة وذكرا وأنثى أخرى، وتطلب أقل مال له نصف ولنصفه نصف وله ثلث ولثلثه نصف، فيكون اثنا عشر فيحصل للخنثى خمسة وللذكر سبعة.

ولو كان بدل الذكر انثى حصل للخنثى سبعة وللانثى خمسة.

ولو شاركهم زوج أو زوجة صححت فريضة الخنثى ثم ضربت فخرج نصيب الزوج أو الزوجة في تلك الفريضة فما ارتفع فمنه تصح.

ومن ليس له فرج النساء ولا الرجال يورث بالقرعة.

ومن له رأسان أو بدنان على حقو واحد يوقظ أو يصاح به، فان انتبه أحدهما فهما اثنان.

(الثالث): في الغرقى والمهدوم عليهم: وهؤلاء يرث بعضهم إذا كان لهم أو لاحدهم مال وكانوا يتوارثون واشتبه المتقدم في الموت بالمتأخر.

وفي ثبوت هذا الحكم بغير سبب الغرق والهدم تردد.

ومع الشرائط يورث الاضعف أولا، ثم الاقوى، ولا يورث مما ورث منه.

وفيه قول آخر.

والتقديم على الاستحباب على الاشبه.

فلو غرق أب وابن، ورث الاب أولا نصيبه، ثم ورث الابن من أصل تركة

٢٦٩

أبيه مما لا ورث منه، ثم يعطى نصيب كل منهما لوارثه.

ولو كان لاحدهما وارث اعطي ما اجتمع لدى الوراث لهم، وما اجتمع للآخر للامام.

ولو لم يكن لهما غيرهما انتقل مال كل منهما إلى الآخر ثم منهما إلى الامام.

واذا لم يكن بينهما تفاوت في الاستحقاق سقط اعتبار التقديم، كأخوين، فان كان لهما مال ولا مشارك لهما انتقل مال كل منهما إلى صاحبه ثم منهما إلى ورثتهما.

وإن كان لاحدهما مال صار ماله لاخيه، ومنه إلى ورثته ولم يكن للآخر شئ ولو لم يكن لهما وارث انتقل المال إلى الامام.

ولو ماتا حتف أنفهما لم يتوارثا، وكان ميراث كل منهما لورثته.

(الرابع): في ميراث المجوس: وقد اختلف الاصحاب فيه.

فالمحكي عن يونس أنه لا يورثهم إلا بالصحيح من النسب والسبب.

وعن الفضل بن شاذان: أنه يورثهم بالنسب، صحيحه وفاسده.

والسبب الصحيح خاصة، وتابعه المفيدرحمه‌الله .

وقال الشيخ: يورثون بالصحيح والفاسد فيهما.

واختيار الفضل أشبه.

ولو خلف أما هي زوجة، فلها نصيب الام دون الزوجة.

ولو خلف جدة هي أخت ورثت بهما.

ولا كذا لو خلف بنتا هي أخت، لانه لا ميراث للاخت مع البنت.

٢٧٠

خاتمة في حساب الفرائض مخارج الفروض ستة: ونعني بالمخرج أقل عدد يخرج منه ذلك الجزء صحيحا.

فالنصف من اثنين، والربع من أربعة، والثمن من ثمانية، والثلثان والثلث من ثلاثة، والسدس من ستة.

والفريضة إما بقدر السهام أو أقل أو أكثر: فما كان بقدرها فان انقسم من غير كسر وإلا فاضرب عدد من انكسر عليهم في أصل الفريضة مثل: أبوين وخمس بنات، تنكسر الاربعة على الخمسة، فتضرب خمسة في اصل الفريضة فما اجتمع فمنه الفريضة، لانه لا وفق بين نصيبهن وعددهن.

ولو كان وفق ضربت الوفق من العدد لا من النصيب في اصل الفريضة مثل: أبوين وست بنات، للبنات أربعة، وبين نصيبهن وهو أربعة وعددهن وهو ستة، وفق، وهو النصف فيضرب الوفق من العدد وهو ثلاثة في أصل الفريضة وهو ستة فما اجتمع صحت منه.

ولو نقصت الفريضة بدخول الزوج أو الزوجة فلا عول ويدخل النقص على البنت أو البنات أو من يتقرب بالاب والام، أو الاب، مثل: ابوين، وزوج وبنت.

فللابوين السدسان وللزوج الربع، والباقي للبنت.

وكذا الابوان أو أحدهما، وبنت او بنات وزوج، النقص يدخل على البنت او البنات، واثنان من ولد الام والاختان للاب والام أو للاب مع زوج أو زوجة يدخل النقص على من يتقرب بالاب والام، أو الاب خاصة.

ثم ان انقسمت الفريضة على صحة والا ضربت سهام من انكسر عليهم.

في أصل الفريضة.

٢٧١

ولو زادت الفريضة كان الرد على ذوي السهام دون غيرهم.

ولا تعصيب.

ولا يرد على الزوج والزوجة، ولا على الام مع وجود من يحجبها، مثل أبوين وبنت.

فاذا لم يكن حاجب فالرد أخماسا.

وان كان حاجب فالرد ارباعا تضرب فخرج سهام الرد في أصل الفريضة فما اجتمع صحت منه الفريضة.

تتمة في (المناسخات) ونعني به أن يموت الانسان فلا تقسم تركته، ثم يموت أحد وراثه ويتعلق الغرض بقسمة الفريضتين من أصل واحد.

فان اختلف الوارث او الاستحقاق اوهما ونهض نصيب الثاني بالقسمة على وراثه والا فاضرب الوفق من الفريضة الثانية في الفريضة الاولى، ان كان بين الفريضتين وفق.

وان لم يكن فاضرب الفريضة الثانية في الاولى فما بلغ صحت منه الفريضتان.

٢٧٢

كتاب القضاء والنظر في الصفات، والآداب، وكيفية الحكم، وأحكام الدعوى

والصفات ست: التكليف، والايمان، والعدالة، وطهارة المولد، والعلم، والذكورة ويدخل في العدالة اشتراط الامانة والمحافظة على الواجبات.

ولا ينعقد الا لمن له أهلية الفتوى، ولا يكفيه فتوى العلماء.

ولابد أن يكون ضابطا، فلو غلبه النسيان لم ينعقد له القضاء.

وهل يشترط علمه بالكتابة؟ الاشبه: نعم، لاضطراره إلى ما لا يتيسر لغير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله الا بها، ولا ينعقد للمرأة.

وفي انعقاده للاعمى تردد، والاقرب: أنه لا ينعقد لمثل ما ذكرناه في الكتابة وفي اشتراط الحرية تردد، الاشبه: أنه لا يشترط.

ولا بد من اذن الامام ولا ينعقد بنصب العوام له.

نعم لو تراضى اثنان بواحد من الرعية فحكم بينهما لزم.

ومع عدم الامام ينفذ قضاء الفقيه من فقهاء أهل البيتعليهم‌السلام ، الجامع للصفات.

وقبول القضاء عن السلطان العادل مستحب لمن يثق بنفسه، وربما وجب النظر الثاني في الآداب: وهي مستحبة ومكروهة.

فالمستحب: اشعار رعيته بوصوله ان لم يشتهر خبره.

والجلوس في قضائه مستدبر القبلة، وأن يأخذ ما في يد المعزول من حجج الناس وودائعهم.

والسؤال عن أهل السجون واثبات أسمائهم، والبحث عن موجب اعتقالهم ليطلق من يجب اطلاقه، وتفريق الشهود عند الاقامة، فانه اوثق، خصوصا في موضع الريبة.

٢٧٣

عدا ذوي البصائر، لما يتضمن من الغضاضة، وأن يستحضر من أهل العلم من يخاوضه(١) في المسائل المشتبهة.

والمكروهات: الاحتجاب وقت القضاء، وان يقضي مع ما يشغل النفس، كالغضب، والجوع، والعطش، والغم، والفرح، والمرض، وغلبة النعاس، وأن يرتب قوما للشهادة، وأن يشفع إلى الغريم في اسقاط أو ابطال.

مسائل: (الاولى): للامام أن يقضي بعلمه مطلقا في الحقوق، ولغيره في حقوق الناس، وفي حقوق الله قولان.

(الثانية): إن عرف عدالة الشاهدين حكم، وان عرف فسقهما اطرح، وإن جهل الامرين، فالاصح: التوقف حتى يبحث عنهما.

(الثالثة): تسمع شهادة التعديل مطلقة، ولا تسمع شهادة الجرح الا مفصلة.

(الرابعة): اذا التمس الغريم احضار الغريم وجب اجابته ولو كان امرأة ان كانت برزة.

ولو كان مريضا او امرأة غير برزة استناب الحاكم من يحكم بينهما.

(الخامسة): الرشوة على الحاكم حرام وعلى المرتشي اعادتها.

النظر الثالث في كيفية الحكم، وفيه مقاصد: (الاول): في وظائف الحاكم، وهي أربع: (الاولى): التسوية بين الخصوم في السلام، والكلام، والمكان، والنظر، والانصات، والعدل في الحكم.

ولو كان أحد الخصمين كافرا جاز أن يكون الكافر قائما والمسلم قاعدا أو أعلى منزلا.

(الثانية): لا يجوز أن يلقن أحد الخصمين شيئا يستظهره على خصمه.

٢٧٤

(الثالثة): اذا سكتا استحب له أن يقول: تكلما، او ان كنتما حضرتما لشئ فاذكراه او ما ناسبه.

(الرابعة): اذا بدر أحد الخصمين سمع منه.

ولو قطع عليه غريمه منعه حتى تنتهي دعواه او حكومته.

ولو ابتدرا الدعوى.

سمع من الذي عن يمين صاحبه.

وان اجتمع خصوم كتب أسماء المدعين واستدعى من يخرج اسمه.

المقصد الثاني - في جواب المدعى عليه.

وهو إما اقرار، او انكار، او سكوت.

أما الاقرار فيلزم إذا كان جائز الامر، رجلا كان او امرأة.

فان التمس المدعي الحكم به حكم له.

ولا يكتب على المقر حجة إلا بعد المعرفة باسمه ونسبه او يشهد بذلك عدلان إلا أن يقنع المدعي بالحلية.

ولو امتنع المقر من التسليم أمر الحاكم خصمه بالملازمة، ولو التمس حبسه حبس.

ولو ادعى الاعسار كلف البينة، ومع ثبوته ينظر.

وفي تسليمه إلى الغرماء رواية، وأشهر منها: تخليته.

ولو ارتاب بالمقر توقف في الحكم حتى يستبين حاله.

وأما الانكار فعنده يقال للمدعي: ألك بينة؟ فان قال: نعم، امر باحضارها فاذا حضرت سمعها. ولو قال: البينة غائبة، اجل بمقدار احضارها.

وفي تكفيل المدعى عليه تردد، ويخرج من الكفالة عند انقضاء الاجل.

وإن قال: لا بينة، عرفه الحاكم أن له اليمين. ولا يجوز إحلافه حتى يلتمس المدعي.

فان تبرع او احلفه الحاكم لم يعتد بها، واعيدت مع التماس المدعي.

ثم المنكر: إما أن يحلف او يرد او ينكل، فان حلف سقطت الدعوى، ولو ظفر له المدعي بمال لم يجز له المقاصة.

ولو عاود الخصومة لم تسمع دعواه.

ولو

٢٧٥

أقام بينة لم تسمع، وقيل: يعمل بها ما لم يشترط الحالف سقوط الحق بها.

ولو أكذب نفسه جاز مطالبته وحل مقاصته.

فان رد اليمين على المدعي صح.

فان حلف استحق.

وان امتنع سقطت دعواه.

ولو نكل المنكر عن اليمين وأصر، قضي عليه بالنكول، وهو المروي.

وقيل: يرد اليمين على المدعي، فان حلف ثبت حقه، وان نكل بطل.

ولو بذل المنكر اليمين بعد الحكم بالنكول لم يلتفت اليه.

ولا يستحلف المدعي مع بينة إلا في الدين على الميت يستحلف على بقائه في ذمته استظهارا.

وأما السكوت: فان كان لآفة توصل إلى معرفة إقراره او انكاره.

ولو افتقر إلى مترجم لم يقتصر على الواحد.

ولو كان عنادا حبسه حتى يجيب.

المقصد الثالث - في كيفية الاستحلاف: ولا يستحلف أحد إلا بالله ولو كان كافرا، لكن ان رأى الحاكم احلاف الذمي بما يقتضيه دينه اردع جاز.

ويستحب للحاكم تقديم العظة.

ويجزيه ان يقول: والله ماله قبلي كذا.

ويجوز تغليظ اليمين بالقول والزمان والمكان.

ولا تغليظ لما دون نصاب القطع.

ويحلف الاخرس بالاشارة، وقيل: يوضع يده على اسم الله تعالى في المصحف وقيل: يكتب اليمين في لوح ويغسل ويؤمر بشربه بعد اعلامه فان شربه كان حالفا وإن امتنع الزم الحق.

ولا يحلف الحاكم أحدا إلا في مجلس قضائه إلا معذورا كالمريض، او امرأة غير برزة.

٢٧٦

ولا يحلف المنكر إلا على القطع.

ويحلف على فعل غيره على نفي العمل كما لو ادعى على الوارث فأنكر، او ادعى أن يكون وكيله قبض او باع.

واما المدعي ولا شاهد له، فلا يمين عليه إلا مع الرد او مع نكول المنكر على قول.

ويحلف على الجزم.

ويكفي مع الانكار الحلف على نفي الاستحقاق.

فلو ادعى المنكر الابراء او الاداء انقلب مدعيا.

والمدعي منكرا، فيكفيه اليمين على بقاء الحق.

ولا يتوجه على الوارث بالدعوى على موروثه الا مع دعوى علمه بموجبه أو إثباته وعلمه بالحق وأنه ترك في يده مالا.

ولا تسمع الدعوى في الحدود مجردة عن البينة.

ولا يتوجه بها يمين على المنكر.

ولو ادعى الوارث لموروثه مالا سمع دعواه سواء كان عليه دين يحيط بالتركة أو لم يكن.

ويقضى بالشاهد واليمين في الاموال والديون.

ولا يقبل في غيره مثل الهلال والحدود والطلاق والقصاص.

ويشترط شهادة الشاهد أولا، وتعديله.

ولو بدأ باليمين وقعت لاغية.

ويفتقر إلى اعادتها بعد الاقامة.

ولا يحلف مع عدم العلم ولا يثبت مال غيره(١) .

مسألتان: (الاولى): لا يحكم الحاكم باخبار لحاكم آخر، ولا بقيام البينة بثبوت الحكم عند غيره.

نعم لو حكم بين الخصوم واثبت الحكم واشهد على نفسه فشهد شاهدان

____________________ ___

(١) إي: مال لغيره.

وفى الشرح الكبير: فلو ادعى غريم الميت مالا له (للميت) على آخر مع شاهد فان حلف الوارث ثبت وان امتنع لم يحلف الغريم ولا يجبر الوارث عليه.. لان يمينه لاثبات مال الغير.

(*)

٢٧٧

يحكم عند آخر وجب على المشهود عنده انفاذ ذلك الحكم.

(الثانية): القسمة تميز الحقوق ولا يشترط حضور قاسم بل هو أحوط فاذا عدلت السهام كفت القرعة في تحقق القسمة.

وكل ما يتساوى اجزاؤه يجبر الممتنع على قسمته كالحنطة، والشعير، وكذا ما لا يتساوى أجزاؤه اذا لم يكن في القسمة ضرر.

كالارض، والخشب.

ومع الضرر لا يجبر الممتنع.

المقصد الرابع - في الدعوى.

وهي تستدعي فصولا: (الاول) في المدعي: وهو الذي يترك لو ترك الخصومة.

وقيل: هو الذي يدعي خلاف الاصل او امرا خفيا.

ويشترط التكليف، وان يدعي لنفسه أو لمن له ولاية الدعوى عنه، وايراد الدعوى بصيغة الجزم وكون المدعى به مملوكا.

ومن كانت دعواه عينا فله انتزاعها.

ولو كان دينا والغريم مقر باذل او مع جحوده عليه حجة لم يستقل المدعي بالانتزاع من دون الحاكم.

ولو فات احد الشروط وحصل للغريم في يد المدعي مال كان له المقاصة ولو كان من غير جنس الحق.

وفي سماع الدعوى المجهولة تردد، اشبهه: الجواز.

مسائل: (الاولى): من انفرد بالدعوى لما لا يد عليه قضى له به.

ومن هذا ان يكون بين جماعة كيس فيدعيه أحدهم.

(الثانية): لو انكسرت سفينة في البحر فما اخرجه البحر فهو لاهله.

وما اخرج بالغوص فهو لمخرجه، وفي الرواية ضعف.

(الثالثة): روي في رجل دفع إلى رجل دراهم بضاعة يخلطها بماله ويتجر بها، فقال: ذهبت، وكان لغيره معه مال كثير فأخذوا أموالهم، قال: يرجع عليه

٢٧٨

بماله ويرجع هو على اولئك بما أخذوا.

ويمكن حمل ذلك على من خلط المال ولم يأذن له صاحبه وأذن الباقون.

(الرابعة): لو وضع المستأجر الاجرة على يد أمين فتلفت كان المستأجر ضامنا إلا أن يكون الآجر دعاه إلى ذلك فحقه حيث وضعه.

(الخامسة): يقضى على الغائب مع قيام البينة، ويباع ماله، ويقضى دينه ويكون الغائب على حجته، ولا يدفع اليه المال إلا بكفلاء.

(الفصل الثاني): في الاختلاف في الدعوى: وفيه مسائل: (الاولى): لو كان في يد رجل وامرأة جارية فادعى أنها مملوكته وادعت المرأة حريتها وأنها بنتها، فان أقام أحدهما بينة قضي له وإلا تركت الجارية حتى تذهب حيث شاء‌ت.

(الثانية): لو تنازعا عينا في يدهما قضي لهما بالسوية ولكل منهما احلاف صاحبه.

ولو كانت في يد أحدهما قضي بها للمتشبث وللخارج احلافه.

ولو كانت في يد ثالث وصدق أحدهما قضي له، وللآخر إحلافه.

ولو صدقهما قضى لهما بالسوية.

ولكل منهما احلاف الآخر وإن كذبهما أقرت في يده.

(الثالثة): اذا تداعيا خصا قضي لمن اليه القمط(١) وهي رواية عمرو بن شمر عن جابر، وفي عمرو ضعف.

وعن منصور بن حازم عن أبي عبداللهعليه‌السلام أن علياعليه‌السلام قضى بذلك، وهي قضية في واقعة.

(الرابعة): إذا ادعى ابوالميتة عارية بعض متاعها كلف البينة وكان كغيره من الانساب.

وفيه رواية بالفرق ضعيفة.

(الخامسة): اذا تداعى الزوجان متاع البيت فله ما للرجال، ولها ما للنساء وما يصلح لهما يقسم بينهما.

وفي رواية: هو للمرأة وعلى الرجال البينة.

____________________ ___

(١) القمط بالكسر: الحبل الذى يشد به الخص.

(*)

٢٧٩

وفي المبسوط: اذا لم يكن بينة ويدهما عليه كان بينهما.

(الثالث): في تعارض البينات: يقضى مع التعارض للخارج إذا شهدتا بالملك المطلق على الاشبه.

ولصاحب اليد لو انفردت بينته بالسبب كالنتاج وقديم الملك وكذا الابتياع.

ولو تساويا في السبب فروايتان، أشبههما: القضاء للخارج.

ولو كانت يداهما عليه قضي لكل منهما بما في يد الآخر، فيكون بينهما نصفين.

ولو كان المدعى به في يد ثالث قضي بالاعدل فالاكثر، فان تساويا عدالة وكثرة أقرع بينهما، فمن خرج اسمه أحلف وقضي له.

ولو امتنع احلف الآخر.

ولو امتنعا قسم بينهما.

وفي المبسوط: يقرع بينهما إن شهدتا بالملك المطلق.

ويقسم إن شهدتا بالملك المقيد.

والاول أشبه.

كتاب الشهادات

والنظر في امور أربعة: (الاول): في صفات الشاهد، وهي ستة: (الاول): البلوغ، فلا تقبل شهادة الصبي ما لم يصر مكلفا.

وقيل: تقبل اذا بلغ عشرا، وهو شاذ.

واختلفت عبارة الاصحاب في قبول شهادتهم في الجنايات و محصلها القبول في الجراح مع بلوغ العشر ما لم يختلفوا، ويؤخذ بأول قولهم.

وشرط الشيخ في الخلاف: ألا يفترقوا.

(الثاني): كمال العقل: فالمجنون لا تقبل شهادته.

ومن يناله الجنون أدوارا تقبل في حال الوثوق باستكمال فطنته.

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459