علم الإمام

علم الإمام50%

علم الإمام مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 110

علم الإمام
  • البداية
  • السابق
  • 110 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 44192 / تحميل: 5105
الحجم الحجم الحجم
علم الإمام

علم الإمام

مؤلف:
العربية

علم الامام

الشيخ محمد الحسين المظفر

١

٢

بسم الله الرحمن الرحيم

٣

٤

مقدمة المؤلف

باعث التآليف

٥

٦

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله الذي اصطفى محمدا بالرسالة واختاره للدلالة، وارتضى عترته الطاهرة للإمامة، وخصهم بالزعامة والكرامة، وحباهم من الفضائل ما يقصر عن شأوه الأواخر والأوائل، وميزهم بالعلم الذي استمد من ينبوع فيضه، فعجزت الأفكار عن إدراك مدي تلك المنحة، وحد ذلك الفيض. والصلاة والسلام على تلك الصفوة المنتقات من بريته، محمد والأئمة الهداة من عترته.

وبعد فقد سبق أن كتبت عن الإمام الصادق عليه السلام كتاباً جمّ العناوين وكان منها عنوان في عامة، وان السابقين من أجلة العلماء، الذين كتبوا عنه عليه السلام، يذكرون في باب علمه النوادر من الأجوبة البديعة والنكات الغامضة في الفقه وغيره، وإنما هي بأجوبة عالم فطن اشبه، واين هذا من علم الإمام؟

ولما كنت لا ارى ذلك شيئاً ذا بال من الإمام، الذي أستمد فرات علمه من منبع الرسالة، المستمد من علم العلام جل شأنه ولما كنت وأمثالي نجهل حقيقة الرسالة والإمامة، ولا نعرف إلا شيئاً منهما بالاثر الخالد من العلم الغمر والفضائل المعجزة، اقتصرت في ذلك الباب

٧

على الإشارة إلى علومه المنسوبة إليه، دون أن أحدد علمه، لقصوري عن الوصول إلى غور ذلك العلم والإحاطة بكنهه. ولما كان هذه غير وافٍ بالقصد، لفتني بعض من يعز عليّ من افاضل الإخوان إلى تحرير رسالة في علم الإمام وكان هذا التنبيه منه تفضلاً.

وإني لعلى علم بأن هذا البحر لا يبلغ فكري قعره، ولا يصل فهمي إلى شاطئه ولو عرفنا قدر علم الإمام لعرفنا حقيقته ومبلغ صفاته. ولو اهتدينا إلى كنهه، لوصلنا إلى معرفة من جعل الإمامة بتلك الوسامة، ورفعها إلى سمك لا نبصره ولا نصل - ولو بجناح العقاب - إلى سمائه.

ولما كان هذا الجهل لقصور في الملكة والإدراك، فلا يحول دون التفكير في مبلغ ذلك البحر العجاج، والخوض فيه بقدر ما تصل إليه حواسنا من معرفته بالآثار، ودون التحرير لما تهتدي إليه أفكارنا القاصرة، وإلا لسقط التكليف في معرفة الإمامة وتشخيص الإمام، بل وعرفان الرسالة من تقمص بأبرادها، بل ومن نصب ذلك العلم للإهتداء والمنار للدلالة.

ولا غرو ولو كنت القاصر عن بلوغ الغاية، والمتعثر في هذا الفجاج لبعد المقصد وطول الشقة، ولا أجدني عند الفكرة في ذلك العلم أو من اتصف به من تلك العصابة الزاكية إلا كراكب في زورق وسط بحر متلاطم الموج، لا تبلغ الرشا عمقه، ولا ترى العين ساحله.

٨

راجياً منه جل شأنه، وبمن خصهم بتلك المزايا السامية والهبات الجليلة، أن يمدّ لي يدَ الرحمة، لينقذني من تلك اللجج المتلاطمة، وأنا على هدىً وسبيل نجاة، إذ ليست ضالتي المنشودة إلا خدمة الأئمة من أهل البيت، وطلب مراضيه تعالى فيهم.

محمد الحسين المظفر

٩

١٠

مقدمات أمام البحث

١ - إنّ المراد بالإمام ها هنا: هو الحجة على العباد، ومن وجبت معرفته وطاعته، وحرم جهله وعصيانه. وكانت ميتة الجاهل به ميتة جاهلية، وهم: علي وأولاده الأحد عشر من الحسن إلى ابن الحسن الغائب المنتظر، عليهم من الله تعالى أزكى التحية وأفضل السلام.

أما الأنبياء السابقون، فليسوا الآن من محل الإبتلاء لنا لندخل في البحث. وأما نبينا الأكرم صلى الله عليه وسلم، فإنه يشمله البحث لكونه إماماً أيضاً. وسنشير إلى علمه قبل البحث في علم أوصيائه.

٢ - إن المراد من العلم الحضوري أو الإرادي والإشائي، هو: ما كان موهوباً من العلاّم سبحانه، ومستفاضاً منه بطريق الإلهام، او النقر في الأسماع، أو التعليم من الرسول، أو غير ذلك من الأسباب. وهذا العلم اختص به الإمام دون غيره من الأنام.

وليس المراد من العلم ها هنا ما حصل بالكسب من الإمارات والحواس الظاهرية والصنايع الإكتسابية، لاشتراك الناس مع الإمام في هذا العلم، لأنه تابع لاسبابه الإعتيادية، وهذا لا يختص بأحد. وهو بخلاف الأول، إذ لا يمنحه علام الغيوب إلا لمن أراد واصطفى.

٣ - إن علم الله تبارك اسمه قديم وسابق على المعلومات، وهو

١١

عين ذاته وعلة للمعلومات. وأما علم الإمام الحضوري، فلا يشارك علم الله سبحانه في شيء من ذلك، لأنه حادث ومسبوق بالمعلومات. وهو غير الذات فيهم، وليس بعلة للمعلومات. وإنما حضوره عندهم بمعنى انكشاف المعلومات لديهم فعلاً.

فلا ينبغي أن يتوهم ذو بصيرة بأنهم مشاركون له تعالى في هذه الصفة وأن القول بالحضوري من الشرك او الغلو، لاختلاف العلمين في الصفة.

على أنّ علمه تعالى ذاتي، وعلمهم عرضي موهوب وممنوح منه جل شأنه. فلم يبق مجال لدعوى اتحاد العلمين بتاتاً.

٤ - إنّ المراد من العلم في المقام هو العلم في الموضوعات الخارجية الجزئية الصِّرفة، لا العلم في الموضوعات للأحكام الكلية. لأن جهل الإمام بها نقص في رتبته وحطّ من منزلته، وإنّ بيانها من خصائصه ووظيفته، ولا العلم في الأحكام، لأن الإمام لابد وأن يكون علمه فيها حضورياً إذ لا يجوز أن يسئل عن حكم لم يكن علمه لديه حاضراً، وإلا لم يكن الحجة على العباد، بل ولبطلت إمامته.

٥ - إنّ الكلام في علم الإمام يشمل العلم بالساعة والاجال والمنايا وغيرها مما ظاهره استئثاره به تعالى، والتي يجمعها قوله جل شأنه:( إِنَّ اللَّـهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْ‌حَامِ وَمَا تَدْرِ‌ي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِ‌ي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْ‌ضٍ تَمُوتُ ) ، لأن النصوص الخاصة صريحة في أن الله تعالى أطلعهم على هذا

١٢

العلم، بل وبعض الآيات الكريمة مثل قوله تعالى:( فَلَا يُظْهِرُ‌ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿٢٦﴾ إِلَّا مَنِ ارْ‌تَضَىٰ مِن رَّ‌سُولٍ ) وبها نرفع اليد عن ظواهر الآيات، والروايات التي دلت على اختصاصه تعالى بها دون خلقه؛ او يحمل الإختصاص على العلم الذاتي دون العرضي.

علم النبي صلى الله عليه وسلم

قبل أن نبسط الكلام في علم الإمام، نسطر كلمة موجزة في علم الرسول صلى الله عليه وسلم. لأن علم الرسول هو المنبع وعنه الصدور.

إن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ للعالم أجمع، وللخليقة التي على كرة المعمورة كافة، وما كانت شريعته لتعم البشر على اختلاف الألسنة، وتباين الطباع، وتغاير الألون، وتشاسع البلدان، إلا وهي صالحة لأن يكون نظامها العام الذي تنضوي تحت لوائه، والذي يوافق ك قطر، ويلائم كل جيل، ويجتمع مع كل لسان، من دون أن يكون لقطر أو جيل أو لسان ميزة على عداه( إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ) وليس لأخ فضل على أخيه، وإنما هم سواء في ذلك النظام العام. نعم إنما أقربهم إلى خالق السماء وبارىء النسيم منزلة، أطوعهم لامتثال أوامره، والإنتهاء عن زواجره( إِنَّ أَكْرَ‌مَكُمْ عِندَ اللَّـهِ أَتْقَاكُمْ ) ،( إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ ) .

وما كان ذلك الرسول مبعوثاً بتلك الرسالة العامة للبشر: أبيضهم وأسودهم، شريفهم ووضيعهم، قريبهم وبعيدهم. من دون أن

١٣

يكون القدير على تمشية ذلك النظام أو تطبيقه على الجميع، وتنفيذه فيهم كافة، بغير محاباة ولا مجاملة، او ميل لأحد على أحد، فيكون الكل لديه في الحق سواء، ولا تأخذه في الله لومة لائم. ولا فرق عنده في القيام بهذه المسؤولية العظمى والعبء الرازح، بين أن تكون دعوته قد عمّت البشر أجمع، وهيمنت على الكرة كلها، أو تكون مقصورة على إقليم خاص. ولو لم تكن له تلك الكفاءة والمقدرة، لما صلحت شريعته لأن تجمع العالم باسره تحت نظامها البديع وقانونها الباهر.

إن الهيمنة على الكرة بأسرها، وتعميم الشريعة للعالم أجمع، يتطلبان الكفاءة والمقدرة اللتين لا تكونان في العادة لبشر مهما كان له من العلم والقدرة، وقوة الفكر والمزاج، وإعتدال الطبايع.

إن الرسالة إصلاح للبشر وتسوية في الحقوق وعدل في الأمة ومن يرتدي هذه الحلة السماوية فلا يعدو أن يكون أهلاً للنهوض بهذه الأعباء الباهضة، وكيف يتبعث الله إنساناً بذلك العبء الثقيل، ولا يجعل فيه تلك القوى الجسيمة.

فلو كانت له السيطرة على أقصى البلاد التي لا تصل رسله إليها إلا بالشهور أو السنين، ولا تصل صرختهم إليه من ولاته ودعاته وجباته إلا بذلك الزمن البعيد، فكيف يكون عدله شاملاً وأمنه مستتباً، وفي يوم فيه عامله جائر وجابيه خائف وقاضيه ظالم، ولا تصله أخبارهم إليه ولا نجدته لهم ولا رفع الظلم عنهم والإنتصاف لهم من اولئك الخونة الجائرين إلا بعد إعلامه بالشأن، وإيقافه على الحال، وهو يتطلب ذلك الأمد الأبعد.

١٤

نعم، لا بد وأن يكون لصاحب هذه الدعوى وتلك السيطرة، من العلم من لدن العلام جل وعلا، ما يحيط بالجليل والحقير والكبير والصغير، فيما تأتي به الحوادث في تلك البلاد قربت أو بعدت، ليتسنى له أن يتدارك الحيف ويرفع اظلم وينتقم من أهل العدوان، عند أول زمن. ولولا هذا العلم المحيط، وتلك القدرة على التنفيذ، لكانت الرسالة ناقصة والإصلاح والعدل غير شاملين. فعلم الرسول بالعالم، وإحاطته بما يحدث فيه. وقدرته على تعميم الإصلاح للداني والقاص والحاضر والباد. من أسس تلك الرسالة العامة، وقاعدة لزومية لتطبيق تلك الشريعة الشاملة.

غير أن الظروف لم تسمح لصاحب هذه الرسالة أن يظهر للأمّة تلك القوى القدسية. والعلم الرباني الفياض. وكيف يعلن بتلك المواهب والإسلام غض جديد. والناس لم تتعرف تعاليم الإسلام الفرعية بعد..؟ فكيف تقبل أن يتظاهر بتلك الموهبة العظمى، وتطمئن إلى الإيمان بذلك العلم؟ على أن سلطته ما اجتازت الجزيرة، وشريعته لم تهيمن على العرب كافة. دون سواهم من الأمم. بل ولم يكن كل قومه الذين انضووا تحت لوائه من ذوي الإيمان الراسخ. وما خضع البعض منهم للسلطة النبوية إلا بعد اللّتيا والتي وبعد الترهيب والترغيب. بل وكان البعض منهم يبطن الكفر ويظهر الإسلام رهبة أو رغبة( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَ‌ابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَ‌دُوا عَلَى النِّفَاقِ ) إلى غير هؤلاء ممن لم يعرف منزلة النبوة ولا يقوى

١٥

على عرفانها. فكيف والحال كما وصفنا. يتسنى له العمل بكل ما أوتي من ميزة ولطف. ويقدر على إظهار كل موهبة.

وظيفة الخليفة

لما تجلّى لديك أن الرسول لابد وأن يتحلى بتلك الصفات السامية والمواهب الإلهية. ومن العلم والقوى العالية. اللذين يؤهلانه لأن يكون صاحب السلطتين الزمنية والروحية على الأرض كلها، وأن يكون إصلاحه وعدله مخيمين على البسيطة أجمع، مسيراً لشؤون العالم. من دون أن يعاني التعب في البعيد دون القريب، والجهد في القاصي دون الداني بل هو في ذلك كله على نهج واحد. وأن أمد الرسول منقضٍ مهما طال. وجب أن يكون له خليفة ينهض بجمع الناس، وتسييرهم تحت لواء واحد. وتطبيق نظام الشريعة عليهم، وقيامه بما قام به الرسول من إفشاء العدل والإصلاح. واستتباب الأمن.

فالخلافة وظيفة تنوب عن الرسالة وتنهض بعبئها الباهض. سوى مقام النبوة والتشريع، ولو لم يكن للخليفة تلك الملكة السامية القدسية السماوية، من العلم بما يحدث في العالم، ليسير بها على سنن العدل ومناهج الإصلاح، ومن القوى النفسية التي يستطيع بها على تمشية ذلك النظام الآلهي من دون ملل أو كلل. أو سأم وبرم، أو ميل لقريب وحبيب أو ميل على بعيد وغريب، لما حصل الغرض

١٦

الأقصى من لطف الرسالة، ولذهبت الدعوة النبوية أدراج الرياح، فإن ما جاء به الرسول عن الجليل تعالى من الأحكام، وتطبيقها على المجتمع البشري لم يكن مقصوراً على زمن الرسالة وأهل أوانها فحسب، بل هو عام لكل قوم وجيل وزمان ومكان( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ‌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) فتطبيق ما صدع به الرسول بعد عصر الرسالة يحتاج إلى ذلك الخبير في كل وقت وحين بتلك الأحكام كما أنزلت؛ وبذلك النظام كما صدع به، وبما يحدث في العالم، كما كان عليه الرسول، لتعميم العدل والأمن، وتنفيذ أحكام الشريعة، وذلك الخبير هو الهاد بعد المنذر، من دون فصل، ومن دون استثناء زمن، ولولا ذلك الخبير الهاد - إذا أطيع - لدخلت الأهواء الباطلة والآراء الضالة، في تلك الأحكام وذلك النظام، فتصبح الأمة مذاهب وشيعاً. واحزاباً وفرقاً.

وهل وقعت في هذه الحبائل إلا حين صفحت عن ذلك الطَّبن بأمور الدنيا والدين، وصافحت من هو في أمس الحاجة إلى الإرشاد والاصلاح وإقالة العثرات( أَفَمَن يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَن يُتَّبَعَ أَمَّن لَّا يَهِدِّي إِلَّا أَن يُهْدَىٰ ) .

وخلاصة الكلام أن الخلافة تسيير لنظام الرسالة. ونهوض بعبئها من كافة الجهات، حذو القذة بالقذة، إلا ما كان من الوحي ومقام الرسالة الخاص.

ولو لم يكن في الأمة من يقوم بهذه المهمة العظمى، لذهب فضل

١٧

الرسالة، ولم يعرف شأوها الرفيع، ولخابت تلك الجهود الكبيرة من صاحب الرسالة، لقصور الأمة عن عرفان تلك السنن، وتمشيتها على الوجه الأكمل.

وهل أحد غير ذلك الخليفة خبير بالشريعة الحقة وقدير على تغذيتها؛ كما شاء الشارع وأراد الصادع..؟ وهل احد سواه يقوى على قمع الباطل وقطع حجج ذوي الضلال..؟

الخلافة وأهل البيت

لم نقصد بما سلف إثبات الخلافة لأهل البيت ونفيها عن غيرهم، وإنما أردنا البرهان على ما يجب أن يتصف به الخليفة، فلو استلزم هذا البيان حصرها فيهم، فليس مقصوراً بالأهل ومنظوراً بالبحث.

إن إمامة أهل البيت معتقد فرقة إسلامية، ذات العدة والعدد والعلم والعمل. ولها في هذا الميدان الحلبة والواسعة والحجج القويمة، من لدن أن وجدت الإمامة والخلافة حتى هذه الساعة.

ومهما كان الأمر، فإن الخليفة - كما قلنا - لابد وأن يتقمص بتلك الخلال الكريمة من العلم الذي لا يحصل في العادة بالكسب والتعلم؛ ومن القوى التي لا توجد عادة في إنسان قط وإن أمكن عقلاً، وإنما هو من الفيوضات الربانية والمواهب السماوية.

ومن لم تكن فيه تلك المنح، فلا يقدر على تأدية ذلك الواجب.

١٨

وإن صفح الناس عمن اتصف بتلك السمات لا يمس بكرامته، ولا يغض من مقامه، بل يعود وباله على من أعرض عنه، لأنه انما أعرض عن حظه من العدل والصلاح والهداية والفلاح.

١٩

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

إحرامه من مسيرة ستة أميال فيكون حذاء الشجرة من البيداء » فذيلها صريح في ان الشجرة من البيداء، فيكون الوادي جزء منها.

وفي صحيحة معاوية بن عمار عنهعليه‌السلام قال: إن أسماء بنت عميس نفست بمحمد بن ابي بكر بالبيداء لاربع بقين من ذي القعدة في حجة الوداع، فأمرها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فاغتسلت واحتشت وأحرمت ولبّت مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله واصحابه... الحديث » ومثلها صحيحة العيص، فلو كانت البيداء على بعد ميل كما في كثير من الكلمات لكان ذلك بعد إحرام وحركة الرسول الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله نحو مكة.

وفي صحيحة زرارة والفضلاء ومصححة حمران عن ابي جعفرعليه‌السلام أن أسماء نفست بمحمد في ذي الحليفة، وكل من ترجم محمداًرضي‌الله‌عنه ذكر بأن ولادته كانت في ذي الحليفة أو بالشجرة، ففي سنن ابن ماجة وابي داود وغيرهما عن عائشة ان اسماء نفست بمحمد بالشجرة، وروى النسائي واحمد من العامة عن انس أن الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله صلى الظهر بالبيداء ثم ركب وقصد جبل البيداء فأهل للحج، وعن ابن عمر ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بات بذي الحليفة ببيداء وصلى في مسجدها، فالشجرة وذي الحليفة والبيداء إشارة لمكان واحد.

وقد ذكرنا في المواقيت: أن الروايات في تعيين ميقات اهل المدينة على أربع طوائف، الاولى: مادل على ان الميقات هو ذو الحليفة، والثانية: أنه ذو الحليفة وفسر بمسجد الشجرة، والثالثة: ذو الحليفة وفسر بالشجرة، والرابعة: انه الشجرة، ولاريب ان المقصود من الشجرة هو المسجد اذ من الواضح عدم كون الميقات نفس الشجرة، فيدور الامر بين الطائفة الاولى والثانية.

٦١

وقد قيل في مقام الجمع ان الطائفة الثانية مفسرة للاولى او حاكمة عليها، بمعنى ان ذا الحليفة اسم للمسجد خاصة وليس بأعم منه، او هو أعم منه لكن التعبد ضيّق دائرته، فتكون النتيجة أن الميقات هو خصوص المسجد.

وهو كلام متين ووفق القواعد الصناعية لو كنا نحن وهذه الطوائف فقط، إلا انه هناك طائفة خامسة وهي صريحة في عدم انحصار الميقات في المسجد بل في بعضها نهي صريح عن الاحرام منه، المحمول على الاستحباب جمعاً بين الروايات.

ففي صحيحة معاوية بن وهب قال: سألت أبا عبداللهعليه‌السلام عن التهيؤ للاحرام، فقال: في مسجد الشجرة فقد صلى فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله وقد ترى أناساً يحرمون فلا تفعل حتى تنتهي إلى البيداء حيث المَيْل فتحرمون كما أنتم في محاملكم.

وصحيحة منصور بن حازم عنهعليه‌السلام قال: إذا صليت عند الشجرة فلا تلبّ حتى تأتي البيداء حيث يقول الناس يخسف بالجيش.

وصحيحة الحلبي عنهعليه‌السلام قال: الإحرام من مواقيت خمسة وقتها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، لاينبغي لحاج ولالمعتمر أن يحرم قبلها ولابعدها، وقت لاهل المدينة ذا الحليفة وهو مسجد الشجرة كان يصلي فيه ويفرض الحج فاذا خرج من المسجد وسار واستوت به البيداء حين يحاذي الميل الاول احرم» فلو كان الميقات هو خصوص المسجد فحسب لكان الصدر والذيل متهافتين فتدبر.

وصحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: صل المكتوبة ثم احرم بالحج أو المتعة واخرج بغير تلبية حتى تصعد إلى اول البيداء إلى أول ميل عن يسارك

٦٢

...» والمراد من «ثم احرم» اي إنو الحج او العمرة، يشهد له مرسل النضر المتقدم وصحيحة معاوية الاتية.

ومصححة علي بن جعفر عنهعليه‌السلام قال: سألته عن الإحرام عند الشجرة هل يحل لمن أحرم عندها ان لايلبي حتى يعلو البيداء ؟ قال: لايلبي حتي يأتي البيداء عند أول ميل، فأما عند الشجرة فلا يجوز التلبية.

وصحيحة ابن سنان قال سمعت أبا عبداللهعليه‌السلام يقول: ان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لم يكن يلب حتى يأتي البيداء » وفي صحيحته الاخرى عنهعليه‌السلام : إنما لبى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله على البيداء، لان الناس لم يكونوا يعرفون التلبية، فاحب ان يعلمهم كيفية التلبية »، وغيرها من الروايات الصريحة في جواز ابتداء التلبية عند اول ميل من ذي الحليفة، وحملها على الجهر بها خلاف صريح جملة منها، والإلتزام بكون النية لوحدها كافية لتحقق الإحرام خلاف صريح للنصوص.

كما انه لايوجد مايعارض هذه الروايات من النهي عن التلبية عند أول ميل، نعم روايات العامة فيها تعارض واختلاف، فعن ابن عمر - كما في سنن ابي داود وغيره - قال: بيداؤكم هذه التي تكذبون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فيها ما أهل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلا من عند المسجد، وفي سنن الترمذي عن الصادق عن ابيهعليهما‌السلام عن جابر أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله لما أراد الحج أذن في الناس فاجتمعوا فلما اتى البيداء أحرم.

وقد حاول ابن عباس - كما في سنن ابي داود - من الجمع بين هذه الروايات المختلفة في مكان اهلال الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله فقال: خرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حاجا فلما صلى في مسجده بذي الحليفة

٦٣

ركعتين أوجب في مجلسه فأهل بالحج حين فرغ من ركعتين فسمع ذلك منه من قدم فحفظه عنه، ثم ركب فلما استقلت به ناقته أهل وادرك ذلك منه أقوام... فقالوا انما أهل رسول الله حين استقلت به ناقته، فلما علا شرف البيداء وأهل ادرك ذلك منه أقوام فقالوا انما أهل حين علا شرف البيداء » وهذا الجمع لايمكن ان يلتزم به اذ صريح نصوص الخاصة وبعض العامة تنفي أن اهلال الرسول وتلبيته كانت في المسجد فراجع.

فالصحيح في الجمع بين هذه الطوائف من الروايات ان تفسير ذي الحليفة بالمسجد من باب تسمية الكل باسم الجزء كما في قوله تعالى (سبحان الذي اسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام ) وقوله ( فلا يقربوا المسجد الحرام ) وقوله ( ذلك لمن لم يكن اهله حاضري المسجد الحرام ) ومن المعلوم ان المقصود بالمسجد في هذه الايات وغيرها هو مكة كما تفيده الروايات، فذو الحليفة ومسجد الشجرة والشجرة كلها مسمّيات لبقعة مكانية واحدة وهي الوادي.

ويشهد لهذا الجمع - مضافا لما مر - التعبير في بعض الروايات عن ذي الحليفة بالشجرة، ففي صحيحة ابن سنان قال: قال ابو عبداللهعليه‌السلام : «ذكر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله الحج فكتب الى من بلغه كتابه - الى ان قال - فأقبل الناس فلما نزل الشجرة أمر الناس بنتف الأبط وحلق العانة والغسل والتجرد في ازار ورداء » وفي صحيحة ابن وهب « حتى تأتي الشجرة فتفيض عليك من الماء » وغيرها من الروايات.

مع انه في جملة من الروايات المفصلة لحج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله

٦٤

أن كل ذلك كان في ذي الحليفة، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام : فخرج رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله في أربع بقين من ذي القعدة، فلما انتهى الى ذي الحليفة فزالت الشمس اغتسل ثم خرج حتى اتي المسجد الذي عند الشجرة فصلى فيه الظهر واحرم بالحج مفردا وخرج حتى انتهي الى البيداء عند الميل الاول فصف الناس له سماطين فلبى بالحج مفردا » فالرواية صريحة في ان الاغتسال في مكان من ذي الحليفة والصلاة في مكان آخر، فالمغتسل غير المصلى مكانا.

وليس هذا مختصاً بروايات الخاصة بل هو عند العامة كذلك، فقد روى ابو داود وابن ماجة عن عائشة ان اسماء نفست بمحمد بالشجرة، وروى الدارمني في سننه عن الصادق عن ابيهعليهما‌السلام عن جابر ان أسماء نفست بذي الحليفة، فالتعبير بالشجرة او مسجد الشجرة من باب تسمية الكل باسم الجزء شرافة وتبركا بالمسجد او الشجرة.

فما استغربه بعض الاعاظم من الفقهاء المعاصرين من مَيْلِ صاحب الحدائققدس‌سره الى وجوب تأخير التلبية الى البيداء تبعا للروايات الكثيرة ليس في محله، اذ ليس اول البيداء او بتعبير النصوص الميل الاول من ذي الحليفة خارج عن الميقات، ولعل عدم الاعتناء والعمل بهذه الروايات لدى عدة من الفقهاء قديما وحديثا ظنهم ان الميل الاول من ذي الحليفة خارج عن الميقات، فيقع التعارض بينه وبين روايات الميقات وإن التلبية هي المحققة للاحرام، والله العالم.

٦٥

الى البيداء(١)

، هذا للرجل وأما المرأة فليس عليها رفع الصوت بالتلبية أصلا.

والاولى لمن عقد الإحرام من سائر المواقيت تأخير التلبية إلى أن يمشي قليلا(٢) ، ولمن عقده من المسجد الحرام تأخيرها إلى الرقطاء وهي موضع دون الردم(٣) ، والردم موضع بمكة قيل: يسمى الان بمدعى بالقرب من مسجد الراية قبيل مسجد الجن.

مسألة ٥١: الواجب من التلبية مرة واحدة، نعم يستحب الإكثار منها وتكرارها ما استطاع، والأحوط(٤) لمن اعتمر عمرة التمتع قطع

____________________

(١) وهو خلاف جملة من الروايات، بل مقتضى الجمع بينها هو افضلية التلبية عند المَيل الاول، والله العالم.

(٢) لقولهعليه‌السلام في صحيحة هشام « وإن شئت لبّيت من موضعك، والفضل أن تمشي قليلا ثم تلبي » بحيث عدم الخروج من الميقات.

(٣) لقولهعليه‌السلام في صحيحة الفضلاء « فإن شئت لَبّيْتَ خلف المقام وأفضل ذلك أن تمضي حتى تأتي الرقطاء وتلبي قبل ان تصير إلى الابطح ».

(٤) وجزم بوجوب القطع السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته وقواه البعض الاخر، وقد أدعي عليه الاجماع وقطع الاصحاب تبعا للروايات المتعددة، ولعل وجه احتياط الماتن دام ظله صحيحة زرارة قال سألته عليه

=

٦٦

التلبية عند مشاهدة موضع بيوت مكة القديمة، وحده لمن جاء من أعلى مكة عن طريق المدينة «عقبة المدنيين» ولمن جاء من أسفها «عقبة ذي طوى».

كما أن الأحوط(١) لمن اعتمر عمرة مفردة قطعها عند دخول الحرم إذا جاء من خارج الحرم، وعند مشاهدة موضع بيوت مكة اذا كان إحرامه من أدنى الحل، ولمن حجّ بأيّ نوع من أنواع الحج قطعها

____________________

=

السلام أين يمسك المتمتع عن التلبية ؟ فقال: إذا دخل البيوت بيوت مكة لابيوت الابطح »، وصحيحة البزنطي عن ابي الحسن الرضاعليه‌السلام « أنه سال عن المتمتع متى يقطع التلبية، قال: إذا نظر الى عراش مكة عقبة ذي طوى، قلت: بيوت مكة، قال: نعم ».

ودعوى: بعض الاعلام ان صحيحة زرارة مجملة حيث لايعلم ماالمقصود من بيوت مكة هل القديمة او تعم البيوت المستحدثة فتكون الروايات الناصة على قطع التلبية اذا نظر الى بيوت مكة القديمة مبينة للمراد منها.

في غاية الفساد: اذ الابطح هو حد مكة القديمة، فالمقصود من بيوت مكة في صحيحة زرارة هي مكة القديمة لا المستحدثة.

(١) وجزم به وبشقه الثاني السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، وهو المشهور، ووجه التوقف اختلاف الروايات، والامر سهل.

٦٧

عند الزوال من يوم عرفة(١) .

مسألة ٥٢: إذا شك بعد لبس الثوبين وقبل التجاوز من المكان الذي لايجوز تأخير التلبية عنه في أنه قد أتى بها أم لا بنى على عدم الاتيان(٢) ، واذا شك بعد الاتيان بالتلبية انه أتى بها صحيحة أم لا بنى على الصحة(٣) .

الأمر الثالث: لبس الثوبين: (الازار والرداء) بعد التجرد عما يجب على المحرم اجتنابه، ويستثنى من ذلك الصبيان، فيجوز تأخير تجريدهم إلى فخ(٤) إذا ساروا من ذلك الطريق.

والظاهر أنه لايعتبر في لبسهما كيفية خاصة، فيجوز الإتزار

____________________

(١) نصاً واجماعا.

(٢) لأصالة العدم.

(٣) لقاعدة الفراغ.

* وإذا تبين له بعد الوقوفين أنه لم يؤد التلبية بصورة صحيحة فإن كان اللحن لايمنع من صدق التلبية عرفا فلا شيء عليه وإلا فليجددها في مكانه ويصح حجه أيضا.

(٤) لصحيحة ابن الحر قال سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن الصبيان من اين نجردهم ؟ فقال: « كان أبي يجردهم من فخ »، ونحوه صحيحة علي بن جعفر، وفخ بئر معروف على فرسخ من مكة.

٦٨

بأحدهما كيف شاء، والارتداء بالآخر أو التوشح به أو غير ذلك من الهيئات، وإن كان الأحوط لبسهما على الطريق المألوف(١) .

مسألة ٥٣: لبس الثوبين للمحرم واجب استقلالي وليس شرطاً في تحقق الإحرام على الأظهر(٢) .

مسألة ٥٤: الأحوط(٣) في الازار ان يكون ساتراً من السرة إلى الركبة، وفي الرداء ان يكون ساتراً للمنكبين والعضدين وقدرا معتدا به من الظهر.

والأحوط وجوبا كون اللبس قبل النيّة والتلبية(٤) ولو قدمهما عليه فالاحوط الاولى إعادتهما بعده(٥) ·

____________________

(١) لقول الحجةعليه‌السلام في مكاتبة الحميري « والأحب إلينا والافضل لكل أحد شده على السبيل المألوفة المعروفة للناس جميعا إن شاء الله» ومنشأ الاحتياط ضعف السند.

(٢) كما هو ظاهر جملة من الروايات الكثيرة.

(٣) وجزم به السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، ولادليل عليه ظاهراً إلا دعوى أن ذلك مسمى الصدق العرفي في الاتزار والارتداء، فتأمل.

(٤) كما نسب للمشهور، ووجه التوقف ان لبس الثوبين كما مر واجب مستقل لاشرطا في تحقق الاحرام.

(٥) لاحتمال شرطيته للإحرام.

٦٩

مسألة ٥٥: لو احرم في قميص جاهلاً أو ناسياً نزعه وصح إحرامه(١) ، بل الأظهر صحة إحرامه حتى فيما إذا احرم فيه عالماً عامداً(٢) ، واما إذا لبسه بعد الإحرام فلا إشكال في صحة إحرامه، ولكن يلزم عليه شقه واخراجه من تحت(٣) ·

مسألة ٥٦: لا بأس بالزيادة على الثوبين في ابتداء الإحرام وبعده للتحفظ من البرد أو الحر أو لغير ذلك(٤) ·

____________________

(١) إذ التجرد عن المخيط ليس شرطاً في صحة الإحرام، ولو كان شرطاً لوجب تجديد النية والتلبية، وظاهر الروايات نفيه، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام في رجل احرم وعليه قميصه، فقال: « ينزعه ولا يشقه وإن كان لبسه بعدما احرم شقه واخرجه مما يلي رجليه » وظهورها في عدم الاشتراط واضحة، والظاهر انه لا خلاف بينهم في ذلك.

(٢) لعدم كون لبس الثوبين شرطا في صحة الاحرام، وعدم كون التروك دخيلة في الاحرام، إذ كما مر قصد ترك المحرمات أو قصدها - في الجملة - ليس من شروط او موانع الاحرام فراجع.

(٣) لصحيحة ابن عمّار المتقدمة.

(٤) لعدم المانع، مضافا لصحيحة الحلبي قال: سألت أبا عبد اللهعليه‌السلام عن المحرم يتردى بالثوبين، قالعليه‌السلام : « نعم والثلاثة ان شاء يقي بها الحر والبرد ».

٧٠

مسألة ٥٧: يعتبر في الثوبين نفس الشروط المعتبرة في لباس المصلي(١) ، فيلزم ان لا يكونا من الحرير الخالص(٢) ، ولا من اجزاء السباع، بل مطلق مالايؤكل لحمه على الاحوط(٣) ، ولا من المُذّهب، ويلزم طاهرتهما كذلك(٤) ، نعم لا باس بتنجسهما بنجاسة معفو عنها

____________________

(١) نصاً واجماعاً، ففي صحيحة حرير عنهعليه‌السلام «كل ثوب تصلي فيه فلا بأس ان تحرم فيه ».

(٢) تشهد له صحيحة ابي بصير قال: سئل أبو عبداللهعليه‌السلام عن الخميصة سداها ابريسم ولحمتها من غزل ؟ قال: لابأس بأن يحرم فيها، إنما يكره الخالص منه » وغيرها.

(٣) وجزم به السيد الخوئي وأعاظم تلامذته وهو المشهور بين العلماء، ولعل وجه التوقف أن صحيحة حريز المتقدمة غاية ماتدل على أن كل ثوب يصلى فيه يصح الاحرام فيه، وليس لها دلالة على ان كل مالايصلى فيه لايحرم فيه بل هي ساكتة عن هذا الحكم، فتأمل.

وكان الاولى للماتن دام ظله أن يتوقف في اجزاء السباع اذ لامستند لحرمة مالايأكل لحمه إلا صحيحة حريز على الظاهر، نعم وردت مجموعة من الصحاح تنهي عن الصلاة في جلود السباع، ولعله للنهي عن الصلاة فيما لايأكل لحمه، فراجع.

(٤) ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي احرم فيها وبين غيرها ؟ قال: نعم اذا كانت طاهرة.

٧١

في الصلاة(١) .

مسألة ٥٨: الأحوط في الازار ان يكون جميعه ساتراً للبشرة غير حاك عنها(٢) ، ولايعتبر ذلك في الرداء(٣) .

مسألة ٥٩: الاحوط الأولى في الثوبين ان يكونا من المنسوج، ولا يكونا من قبيل الجلد والملبّد(٤) .

مسألة ٦٠: يختص وجوب لبس الازار والرداء بالرجال دون النساء، فيجوز لهنّ أن يحرمنّ في ألبستهنّ العادية(٥) على أن تكون واجدة للشرائط المتقدمة.

مسألة ٦١: ان حرمة لبس الحرير وإن كانت تختص بالرجال ولا يحرم لبسه على النساء إلاّ أن الاحوط(٦) للمرأة ان لا يكون ثوبها من

____________________

(١) ومستنده صحيحة حريز المتقدمة.

(٢) وجزم به السيد الخوئي وبعض اعاظم تلامذته، ومستندهم في ذلك صحيحة حريز وقد تقدم الاشكال في دلالتها والتأمل فراجع.

(٣) لصحة الصلاة فيه.

(٤) لشبهة إحتمال عدم صدق الثوبين عليهما.

(٥) يمكن ان يستفاد ذلك من روايات جواز لبس المخيط لهنَّ وغير ذلك.

(٦) وجزم بعدم الجواز السيد الخوئي واعاظم تلامذته، ومن القدماء

=

٧٢

الحرير، بل الاحوط ان لاتلبس شيئا من الحرير الخالص في جميع أحوال الإحرام(١) إلا في حال الضرورة كالاتقاء من البرد والحر(٢) .

مسألة ٦٢: إذا تنجس أحد الثوبين أو كلاهما بعد التلبس بالإحرام فالأحوط(٣) المبادرة إلى التبديل أو التطهير(٤) .

____________________

=

الصدوق والشيخ في المقنعة والسيد في الجمل والشهيد في الدروس، وذهب الى الجواز المفيد في احكام النساء وابن ادريس وأكثر المتأخرين، ومنشأ الخلاف اختلاف الروايات، ولعل النصرة للقائلين بالجواز والله العالم.

(١) لاطلاق النصوص.

(٢) ففي موثقة سماعة عنهعليه‌السلام « لاينبغي للمرأة أن تلبس الحرير المحض وهي محرمة، فاما في الحر والبرد فلا بأس ».

(٣) مر انه يشترط طهارة ثوبي الاحرام عند عقده، وهل يشترط ذلك استدامة كما هو ابتداءا ؟ مقتضى ظهور جملة من الروايات اشتراط ذلك، ففي صحيحة معاوية عنهعليه‌السلام قال: سألته عن المحرم يقارن بين ثيابه التي احرم فيها وبين غيرها، قال: نعم إذا كانت طاهرة » وفي صحيحة الاخرى قال: سألته عن المحرم يصيب ثوبه الجنابة ؟ قال: لايلبسه حتى يغسله، واحرامه تام» ودعوى ان قولهعليه‌السلام «لايلبسه» ظاهر في أنه لم يتحقق اللبس بعد، باطلة لاستعمال مثل هذه الصيغة في الرفع والدفع، ومع اشتراط الطهارة استدامة لابد من المبادرة العرفية للتطهير او التبديل.

(٤) * فمرشد الحاج او غيره اذا تطلب عمله ان يبقى فترة طويلة في

٧٣

مسألة ٦٣: لا تجب الاستدامة في لباس الإحرام، فلا بأس بإلقائه عن متنه لضرورة أو غيره ضرورة(١) ، كما لا بأس بتبديله على ان يكون البدل واجداً للشرائط.

تروك الإحرام

قلنا في ما سبق: إن الإحرام لا ينعقد بدون التلبية أو ما بحكمها وإن حصلت منه نية الإحرام، وإذا أحرم المكلّف حرمت عليه أمور، وهي خمسة وعشرون(٢) كما يلي:

١ - الصيد البري، ٢ - مجامعة النساء ٣ - تقبيل النساء، ٤ لمس المرأة، ٥ - النظر إلى المرأة وملاعبتها، ٦ - الاستمناء، ٧ - عقد النكاح ٨ - استعمال الطيب، ٩ - لبس المخيط أو مابحكمه للرجل،

____________________

(١) وهي على ثلاثة أقسام، الأول: مشترك بين الرجال والنساء، والثاني، مختص بالرجال دون النساء، والثالث، مختص بالنساء دون الرجال.

(٢) وهي على ثلاثة أقسام، الأول: مشترك بين الرجال والنساء، والثاني، مختص بالرجال دون النساء، والثالث، مختص بالنساء دون الرجال·

٧٤

١٠ - التكحل، ١١ - النظر في المرآة، ١٢ - لبس الخف والجورب للرجال ١٣ - الفسوق، ١٤ - المجادلة، ١٥ - قتل هوام الجسد، ١٦ التزين، ١٧ - الأدهان ١٨ - إزالة الشعر من البدن، ١٩ - ستر الرأس للرجال وهكذا الارتماس في الماء حتى على النساء، ٢٠ - ستر الوجه للنساء، ٢١ - التظليل للرجال، ٢٢ - إخراج الدم من البدن، ٢٣ - التقليم، ٢٤ - قلع الضرس ٢على قول، ٢٥ - حمل السلاح.

١ - الصيد البري

مسألة ٦٤: لا يجوز للمحرم استحلال شيء من صيد البرّ، سواء في ذلك اصطياده وقتله وجرحه وكسر عضو منه، بل مطلق إيذائه، كما لايجوز ذلك للمحلّ في الحرم أيضا، والمراد بالصيد الحيوان الممتنع بالطبع وإن تأهل لعارض، ولافرق فيه بين أن يكون محلّل الأكل أم لا على الاظهر(١) .

مسألة ٦٥: تحرم على المحرم إعانة غيره - مُحلاً كان أو محرماً - على صيد الحيوان البرّي، حتى بمثل الاشارة إليه، بل الأحوط عدم

____________________

(١) لشمول إطلاق الروايات لكل حيوان بري مطلقا.

٧٥

إعانته في مطلق مايحرم على المحرم استحلاله من الصيد.

مسألة ٦٦: لا يجوز للمُحرِم إمساك الصيد البري، والاحتفاظ به سواء اصطاده هو - ولو قبل إحرامه - أم غيره في الحلّ أم الحرم.

مسألة ٦٧: لايجوز للمحرم أكل شيء من الصيد وإن كان قد اصطاده المحل في الحلّ، كما يحرم على المحلّ - على الاحوط - مااصطاده المحرم في الحل قتله بالاصطياد أو ذبحه بعد اصطياده، وكذلك يحرم على المحلّ مااصطاده أو ذبحه المحرم أو المحلّ في الحرم.

* مسألة ٦٨: إذا اصطاد المحرم حيوانا في الحرم فأخرجه إلى خارج الحرم جاهلا بالحكم أو عالما به يجب عليه إعادته إلى الحرم.

مسألة ٦٩: يثبت لفرخ الصيد البّري حكم نفسه، وأما بيضه فلا يبعد حرمة أخذه وكسره وأكله على المحرم، والاحوط ان لايعين غيره على ذلك ايضا.

مسألة ٧٠: الأحكام المتقدمة - كما ذكرنا - إنما تختص بصيد البرّ، ومنه الجراد، وأما صيد البحر فلا بأس به، والمراد بصيد البحر ما يعيش في الماء فقط كالسمك، واما ما يعيش في الماء وخارجه فملحق بالبري، ولا بأس بصيد ما يشك في كونه برياً على الأظهر.

مسألة ٧١: كما يحرم على المحرم صيد البرّ كذلك يحرم عليه

٧٦

قتل شيء من الدوابّ وإن لم يكن من الصيد، ويستثنى من ذلك موارد:

١ - الحيوانات الاهلية - إن توحشت - كالغنم والبقر والإبل، ومالايستقلّ بالطيران من الطيور كالدجاج حتى الدجاج الحبشي (الغرغر) فإنه يجوز له ذبحها، كما لابأس بذبح مايشك في كونه أهلياً.

٢ - ماخشيه المحرم على نفسه أو أراده من السباع والحيات وغيرهما، فإنه يجوز له قتله.

٣ - سباع الطيور إذا آذت حمام الحرم، فيجوز قتلها أيضاً.

٤ - الأفعى والأسود الغدر وكل حيّة سوء والعقرب والفارة، فإنه يجوز قتلها مطلقاً، ولاكفارة في قتل شيء ممّا ذكر، كما لاكفارة في قتل السباع مطلقا - إلا الاسد - على المشهور.

وقيل بثبوت الكفارة - وهي قيمته - في قتل مالم يرده منها.

مسألة ٧٢: لابأس للمحرم أن يرمي الغراب والحدأة، ولاكفارة لو أصابهما الرمي وقتلهما.

* مسألة ٧٣: لايجوز للمحرم قتل الوزغ.

١ - كفّارات الصيد

مسألة ٧٤: في قتل النعامة بدنة، وفي قتل بقرة الوحش بقرة،

٧٧

وكذا في قتل حمار الوحش على الأحوط، وفي قتل الظبي والأرنب شاة، وكذلك في الثعلب على الأحوط.

مسألة ٧٥: من اصاب شيئاً من الصيد، فان كان فداؤه بدنة ولم يجد مايشتريه به فعليه اطعام ستين مسكيناً، لكل مسكين مد، فإن لم يقدر صام ثمانية عشر يوماً، وإن كان فداؤه بقرة ولم يجدها فليطعم ثلاثين مسكيناً، فإن لم يقدر صام تسعة أيام، وإن كان فداؤه شاة ولم يجد فليطعم عشرة مساكين، فإن لم يقدر صام ثلاثة أيام.

مسألة ٧٦: في قتل القطاة والحجل والدراج ونظيرها حمل قد فطم من اللبن وأكل من الشجر، وفي العصفور والقبرة والصعوة مد من الطعام على الاظهر، وفي قتل غير ماذكر من الطيور - كالحمامة ونحوها - شاة، وفي فرخه حمل أو جدي، وحكم بيضه إذا كان فيه فرخ يتحرّك حكم الفرخ، وإذا كان فيه فرخ لايتحرّك ففيه درهم، وكذا إذا كان مجردا عن الفرخ على الاحوط، وفي قتل جرادة واحدة تمرة أو كف من الطعام، والثاني افضل، ومع التعدد تتعدد الكفارة إلا إذا كان كثيرا عرفا فإن فيه شاة.

مسألة ٧٧: في قتل اليربوع والقنفذ والضب جدي وفي قتل العظاية كف من الطعام.

مسألة ٧٨: في قتل الزنبور متعمداً إطعام شيء من الطعام، واذا كان القتل دفعاً لايذائه فلا شيء عليه.

٧٨

مسألة ٧٩: إذا أصاب المحرم الصيد في خارج الحرم فعليه الفداء، او قيمته السوقية فيما لاتقدير لفديته، وإذا أصابه المحلّ في الحرم فعليه القيمة، إلا في الاسد فإن فيه كبشا على الاظهر، وإذا أصابه المحرم في الحرم فعليه الجمع بين الكفارتين.

مسألة ٨٠: يجب على المحرم ان ينحرف عن الجادة إذا كان فيها الجراد، فان لم يتمكن فلا بأس بقتلها.

مسألة ٨١: لو اشترك جماعة محرمون في قتل صيد، فعلى كل واحد منهم كفّارة مستقلة.

مسألة ٨٢: كفّارة أكل الصيد ككفارة الصيد نفسه، فلو صاده المحرم وأكله فعليه كفارتان.

مسألة ٨٣: إذا كان مع المحل صيد ودخل الحرم يجب عليه ارساله، فان لم يرسله حتى مات لزمه الفداء، ومن أحرم ومعه صيد حرم عليه إمساكه مطلقا كما تقدم، وإن لم يرسله حتى مات لزمه الفداء ولو كان ذلك قبل دخول الحرم على الأحوط.

مسألة ٨٤: لا فرق في وجوب الكفّارة في قتل الصيد وأكله بين العمد والسهو والجهل.

مسألة ٨٥: تتكرر الكفّارة بتكرر الصيد لخطأ أو نسيان أو اضطرار أو جهل يعذر فيه، وكذلك في العمد إذا كان الصيد من المحل في الحرم، أو من المحرم مع تعدد الإحرام، واما اذا تكرر الصيد عمدا

٧٩

من المحرم في إحرام واحد فلا تجب الكفارة بعد المرة الاولى، بل هو ممن قال الله تعالى فيه:( ومن عاد فينتقم الله منه ) .

٢ - مجامعة النساء

مسألة ٨٦: يحرم على المحرم الجماع أثناء عمرة التمتع، وكذا أثناء العمرة المفردة وأثناء الحج قبل الاتيان بصلاة طواف النساء(١) .

مسألة ٨٧: إذا جامع المتمتع أثناء عمرته قُبلاً أو دُبراً عالماً عامداً فإن كان بعد الفراغ من السعي لم تفسد عمرته ووجبت عليه الكفّارة(٢) وهي على الاحوط جزور أو بقرة(٣) ، وإن كان قبل الفراغ

____________________

(١) بلا خلاف في ذلك أصلا.

(٢) كما هو مقتضى النصوص.

(٣) وذهب بعض الاعاظم إلى ان كفارته شاة والاحوط مافي المتن، وخيّر آخر بين الجزور والبقرة والشاة وإن كان الاحوط ان يكفّر الموسر بالجزور والمتوسط بالبقرة.

والروايات على ثلاث طوائف، ففي صحيحة معاوية انه ينحر جزورا، وفي صحيحة الحلبي عليه جزور او بقرة، وفي صحيحة ابن مسكان عليه دم

=

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110