علم الإمام

علم الإمام0%

علم الإمام مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 110

علم الإمام

مؤلف: الشيخ محمد الحسين المظفر
تصنيف:

الصفحات: 110
المشاهدات: 42043
تحميل: 4329

توضيحات:

علم الإمام
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 110 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 42043 / تحميل: 4329
الحجم الحجم الحجم
علم الإمام

علم الإمام

مؤلف:
العربية

إن النقل «كتاباً وسنة» يعارض حكم العقل بأنّ علم الرسول وأوصيائه حضوري، بل هو أصرح في الدلالة، وأظهر في المطلوب.

ما دل من الكتاب على علمهم الحضوري:

لقد نطق الكتاب المجيد في عدة آيات بعلمهم الحضوري، نذكر منها بعض الآيات الكريمة، منها قوله تعالى:( وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّـهُ وَالرَّ‌اسِخُونَ فِي الْعِلْمِ ) إن النبيّ وخلفاءه الأئمة من الراسخين في العلم، الذين قرن الله جل شأنه علمهم بالتأويل بعلمه. فعلّمهم بالتأويل في عرض علمه. وكيف يعلمون التأويل وعلمهم غائب عنهم؟ وكيف يقرنهم جل شأنه في العلم بعلمه وعلمهم غير حاضر لديهم؟.

ومنها قوله سبحانه:( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ ﴿3﴾ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ ﴿4﴾ عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَىٰ ) فقد دلت هذه الآية الكريمة على أنّ النبي صلى الله عليه وسلم لا ينطق إلا عن وحي وتعليم، من دون أن يذكر لذلك التعليم حدّاً، وللوحي قيداً، وإن الأئمة ورثة النبي صلى الله عليه وسلم في علمه وسائر فضائله.

ومنها قوله عز شأنه:( فَلَا يُظْهِرُ‌ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا ﴿26﴾ إِلَّا مَنِ ارْ‌تَضَىٰ مِن رَّ‌سُولٍ ) ولا شك في أنّ نبِّينا الاكرم ممن ارتضاه تعالى للإطلاع على غيبه، بل الأخبار في تفسير هذه الآية الكريمة صريحة بهذا. وهل العلم الحضوري إلا الإطلاع على الغيب؟ وهل المستبعد المستعظم

٤١

لحضوري علمهم إلا لكونه غيباً. والغيب ما استأثر به العّلام جلّ شأنه. فأين هو عما نوَّهت به هذه الآية الكريمة؟ وأما الإمام فهو الوارث لعلم الرسول، وخصاله كافة.

ومنها قوله تبارك وعلا:( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ ) وقد جاء في تفسيرها إنّ الأُذن الواعية هي أُذن أمير المؤمنين عليه السالم وأنّها وعت ما كان وما يكون.

ومنها قوله عز وجل:( إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ ) وقوله تعالى شأنه:( وَجَاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَّعَهَا سَائِقٌ وَشَهِيدٌ ) إلى غيرهما من الآيات المصرّحة بوجود الشاهد على الأمّة يوم البعث والحساب، وقد فسرت بالنبي صلى الله عليه وسلم وأوصيائه الأمناء. وكيف يكونوا الشهداء على الناس، وهم لا يعلمون شيئاً من حالهم، ولا يدرون بما يعملون..؟ وهل يكون الشاهد إلا الحاضر المطَّلع..؟

ومنها قوله تعالى: « بل هو آيات بينات في صدور الذين أتوا العلم» وقد صح أنَّهم هم المقصودون بهذه الآية. ولو لم يكن علمهم حاضراً، لما صدق عليهم أنَّهم أوتوا العلم. وكيف يكون ثابتاً في صدورهم وهم لا يعرفونه؟ وهل يكون غير الموجود ثابتاً؟

وقوله تعالى:( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) فبهذا نفهم انّه صلى الله عليه وسلم عالم بكلِّ شيء، ولا يكون ذلك إلا بالحضوري. وما انتهى إليه صلى الله عليه وسلم فقد انتهى إليهم.

٤٢

إلى غير هذه الآيات البينات، مما يشهد لذلك العلم الحاضر.

ما دلّ من الحديث على علمهم الحضوري:

لقد صرحت الأخبار، وأنبأت بوضوح، بما كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة من ولده، من ذلك العلم الحاضر… ونورد طرفاً منها في ضمن طوائف.

الطائفة الأولى:

الأئمة خزنة العلم والحجة البالغة

صرّحت طائفة من الأحاديث بأنّ الأئمة من أهل البيت عليهم السلام خزنة علم الله وعيبة وحيه، وأنّهم الحجة البالغة على من دون السماء ومن فوق الأرض(1) .

إن علم الله سبحانه لا يحصيه حاسب، ولا يحصره كاتب. وهل يكون الخازن جاهلاً بما في الخزانة والعيبة؟ وهل هو إلا كناية عن استيداعه تعالى علمه أوعية صدورهم، وغياب قلوبهم.

وكيف يحجب الله تعالى علمه عن حجته؟ وكيف تكون تلك الحجة بالغة؟ وليس لديها علم بالحوادث والأعمال، لتكون مخبرة لهم عما يعملون عند الإعجاز والكرامة.

وإن عموم العلم المخزون عندهم شامل لكل أمر من حكم أو موضوع كلي أو جزئي.

____________________

(1) الكافي: كتاب الحجة، باب إنّ الأئمة عليهم السلام ولاة الله وخزنة علمه، وباب إن الأئمة أركان الأرض، إلى غيرهما من الأبواب.

٤٣

الطائفة الثانية:

علمهم بما في السماء والأرض

صرحت هذه الطائفة من الأحاديث بأنّ الله سبحانه أجل وأكرم من أن يفرض طاعة عبد يحجب عنه علم سمائه وأرضه(1) .

وهذه فوق صراحتها بالمطلوب دلّت على أنَّ حجب علم السماء والأرض عن الإمام مما يستلزم النسبة لله بما ينافي كرمه وجلالة شأنه.

بل لو حجب ذلك العلم عنه لما صحَّ لأن يكون مفترض الطاعة. وكيف تكون طاعته مفروضة، وليس لديه علم ما يسأل عنه.

الطائفة الثالثة:

إن الأئمة هم الراسخون في العلم والذين أوتوا العلم

نطقت هذه الطائفة من الأحاديث بأنّ الراسخين في العلم الذين علموا تأويل القرآن، والمقرون علمهم بالتأويل بعلمه جل شأنه: هم الأئمة من أهل البيت، وأنّهم هم الذين قال الله تعالى عنهم في محكم فرقانه:( آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ‌ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ ) (2) .

____________________

(1) الكافي، كتاب الحجة، باب أنّ الأئمة يعلمون علم ما كان وما يكون وأنّه لا يخفى عليهم شيء صلوات الله عليهم.

(2) الكافي، باب أن الراسخين في العلم هم الأئمة، وباب أنَّ الأئمة قد أوتوا العلم وأثبت في صدورهم.

٤٤

كيف يا ترى شأو العلم يقرن الجليل تبارك وعلا بعلمه؟ وكيف يا ترى شأنهم والله تعالى يخبر عنهم بأنَّهم الراسخون في العلم، وأنَّهم أوتوه وأثبت في صدورهم؟.

ولو أمكن وصف علمهم بأعلى وأرفع من الحضوري لكان في هذه الأحاديث المفسرة لتلك الآيات الكريمة، مجال لذلك الوصف. وإنما نسمي علمهم بالحاضر لقصورنا عن إدراك وصف أسمى منه بل ولجهلنا لحقيقة ذلك العلم.

الطائفة الرابعة:

الأئمة معدن العلم ووارثوه

أنبأت هذه الطائفة: بأنَّ الأئمة عليهم السلام شجرة النبوة، وبيت الرحمة، ومعدن العلم، ومختلف الملائكة، وموضع الرِّسالة، وورثة العلم يورثه بعضهم بعضاً(1) .

وهل يريد المرء بالإفصاح عن علمهم الحضوري بأجلى من هذا البيان وأظهر من هذا المفاد؟ وكيف يكونون معدناً للعلم، ولا علم يحضر هذا المعدن؟ وكيف يتوارثون العلم، والمتوارث شيء غير موجود؟

ولو ادعي أنّها تختص بالعلم بالأحكام وموضوعاتها الكلية، فلا نجد مبرراً لهذه الدعوى، واللفظ عام والعموم أليق بتلك

____________________

(1) الكافي، باب إنّ الأئمة عليهم السلام معدن العلم وشجرة النبوة ومختلف الملائكة، وباب إنّ الأئمة عليهم السلام ورثة العلم يورث بعضهم بعضاً العلم.

٤٥

المنزلة. ومن يتحلّى بلتك الصفات الشريفة التي أخبرت عن بعضها هذه الأحاديث لا يستغرب من علمه إذا كان حضورياً وحاصلاً لديه في كل حين. ومن يكون مختّلفاً للملائكة وموضعاً للرسالة وبيتاً للرحمة وشجرةً للنبوة كيف لا يكون حاضر العلم يدري بما يعمل الناس ويصف لهم ما تنطوي عليه سرائرهم.

الطائفة الخامسة:

الأئمة ورثة علم النبي صلى الله عليه وسلم

نطقت هذه الطائفة بأنّ الأئمة عليهم السلام ورثة علم النبي صلى الله عليه وسلم وأنّ النبي صلى الله عليهم وسلم ورث جميع علوم الأنبياء والرسل وأولي العزم(1) .

فهذه الطائفة أخبرتنا بأنّ علم العالم كلّه وصل إليهم، واجتمع عندهم فكل ما كان للأنبياء والرسل وأوصيائهم من علم فهو قد انتهى إليهم وورثوه منهم. وهل بعد هذا العلم الذي كان عليه كافة الرسل وصار لديهم يبقى مجال لان يقال بأنَّ علمهم ليس بحاضر، بل حضوره تابع للإشاءة، فإذا لم يكن حاضراً لديهم فأي شيء، ورثوه إذاً؟

الطائفة السادسة:

إن لديهم جميع الكتب ويعرفونها على اختلاف ألسنتها

أخبرت هذه الطائفة بأنّ عند الأئمة عليهم السلام جميع الكتب السماوية،

____________________

(1) الكافي، باب الأئمة عليهم السلام ورثوا النبي صلى الله عليه وآله وجميع الأنبياء والأوصياء.

٤٦

ويقرءونها على اختلاف ألسنتها(1) .

إن في الكتب علم الأول والآخر والسالف والحاضر، وعلم الأحكام والحوادث والمنايا والبلايا وكل شيء، فليت شعري هل يقرءون تلك الكتب وهم يجهلون ما يقرءون، أو يعرفون بعضاً وينكرون بعضاً..؟ إنَّ هذا لشيء عجاب.

الطائفة السابعة:

الأئمة يعلمون الكتاب كله

صرّحت هذه الطائفة من الأحاديث بأنَّ الأئمة يعلمون ما في القرآن المجيد كلِّه، حتى قال الصادق عليه السلام: «والله إنّي لأعلم كتاب الله من أوله إلى آخره، كأنه في كفي فيه خبر السماء وخبر الأرض، وخبر ما كان وخبر ما هو كائن، قال الله عز وجل:«فيه تبيان كل شيء» (2) .

وهل يطلب الباحث أثراً بعد عين، أفترى أنّه أراد من العلم بكتاب الله الذي فيه تبيان كل شيء، من خبر السماء والأرض، وما كان أو هو كائن، هو العلم بالأحكام أو موضوعاتها لا الحوادث والاعمال، وما وقع أو يقع من شؤون العالم. وهل يجوز لذي علم أو ذوق أن يحمل هذا البيان على ذلك القصد؟ وهل أصرح من هذا

____________________

(1) الكافي: باب إن الأئمة عليهم السالم عندهم جميع الكتب التي نزلت من عند الله… الخ.

(2) الكافي: باب إنّه لم يجمع القرآن كله إلا الأئمة وأنّهم يعلمون علمه كله. ولا يخفى أنّه أراد الإستشهاد بمعنى الآية دون لفظها، ولفظها قوله تعالى:( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ) .

٤٧

البيان بالعلم بشؤون العالم سابقه وحاضرة ولاحقه.

الطائفة الثامنة:

عندهم جميع العلوم

أفصحت هذه الطائفة من الاحاديث عن سعة ذلك العلم الذي كان عند الأئمة الأمناء. فإنها أفادت: أن لله علمين: علم أظهر عليه ملائكته وأنبياءه ورسله، فما أظهر عليه ملائكته ورسله وأنبياءه فقد علمناه، وعلم أستأثر به فإذا بدا لله في شيء منه أعلمنا بذلك(1) .

الله! ما اكبر منازلكم ايّها السادة الأوصياء عند رب السماء، وما ارفع مراتبكم أيّها الهداة عند خالق الأرض والسماوات: فقد رفعكم فوق منازل النبيين، وسما بكم على معارج المرسلين، حتى أطلعكم على ما استأثر به من العلم، واختصكم بما لم يظهر عليه أولي العزم من رسله… ولا أدري ما وراء هذا يراد من الحضوري؟ ولأي شيء بعد هذه الصراحة يصار إلى الاشائي؟.

الطائفة التاسعة:

يعلمون حتى بإنقلاب جناح الطائر

بيّنت هذه الطائفة من الأحاديث بأنّه ما ينقلب جناح طائر في الهواء إلا وعند الأئمة علم منه(2) .

____________________

(1) الكافي: باب إنّ الأئمة يعلمون جميع العلوم التي خرجت إلى الملائكة والأنبياء والرسل.

(2) كتاب عيون أخبار الرضا عليه السلام.

٤٨

أوليس هذا صريحا في شمول علمهم حتى للجزئي من الحوادث، ووقوفهم على كل ما يقع ويكون، فوق ما وقع وكان.

الطائفة العاشرة:

إن الأئمة الشهداء على الناس

نطقت الأخبار العديدة بأنّ النّبي والأئمة عليهم السلام يكونون الشهداء على الناس يوم العرض والحساب. أترى يكون أحد شهيداً على أحد، وهو لا يعلم ما اقترف، ويخبر عما كان عليه وهو لا يدري ما عمل؟

***

هذا كله وهو بعض ما نطقت به الأحاديث وصرحت به الأخبار، إذ ليس الغرض الاستيفاء والاستقصاء، بل القصد عرفان ما كانوا عليه من ذلك العلم الزاخر. وإن كنا نجهل ما اتصفوا به، غير أنا تستظهر شيئاً أنبأت عنه أحاديثهم، ودلتنا عليه أعمالهم.

٤٩

٥٠

منابع علمهم

٥١

٥٢

هناك أحاديث أخرى تشير إلى بعض المنابع التي يستقون منها غامر علمهم، ومنها يستفاد أن ذلك العلم المستقى لابد وأن يكون حاضراً لديهم في كل آن، وحاصلا عندهم في كل زمان، وهي على طوائف نشير إلى بعض منها.

أولاهن:

إن عندهم الإسم الأعظم

إنَّ الإسم الأعظم على ما أعربت عنه الأحاديث، على ثلاثة وسبعين حرفاً، وإنَّ الذين عندهم منه اثنان وسبعون حرفاً!، وحرف واحد استأثر به الجليل تعالى. وما كان عند «آصف» إلى حرف واحد منه، وقد أحضر به عرش بلقيس بأسرع من طرفة عين. وكان آدم عليه السلام أكثر الأنبياء عليهم السلام حظوة به، وما كان عنده إلا خمسة وعشرون حرفاً(1) .

إنا وإن لم ندر ما الإسم الأعظم؟ وكيف يكون على ثلاثة وسبعين حرفاً؟ إلا أنَّنا نفهم من هذا البيان خطر شأنهم وكبر مقامهم وسعة علمهم حتى أنّ الله سبحانه سمى ذلك الحرف الذي كان عند «آصف» علماً من الكتاب، فكيف بمن كان لديه جميع حروفه؟.

ثانيهن:

إنَّ عندهم آيات الأنبياء عليهم السلام

ومن تلك المصادر لعلوم الأئمة الفياضة وقدرتهم الباهرة، وآيات

____________________

(1) الكافي: باب ما أعطي الأئمة عليهم السلام من اسم الله الأعظم.

٥٣

الأنبياء كألواح موسى وعصاه وخاتم سليمان، إلى ما سواها(1) .

وهذا ما يعرفنا بأنّ الأئمة منحوا من العلم والفضل والقدرة ما يعجز عن وصفه البيان حتى كان لديهم جميع كتب الأنبياء وعلومهم وآياتهم فأيّ وجه بعد هذا للتردد فيما كان لديهم من العلم، ومقدار ذلك الغامر منه؟

ثالثهن:

ما عندهم من الجفر والجامعة

ومصحف فاطمة وما يحدث بالليل والنهار

وهذه إحدى المنابع لعلومهم الزاخرة، وقد أنبأت هذا الطائفة عن بيان هذه المنابع. فإنّ أبا بصير يقول: دخلت على أبي عبدالله عليه السلام فقلت: جعلت فداك: إنّي أسألك عن مسألة. ها هنا أحد يسمع كلامي؟ فرفع أبو عبدالله ستراً بينه وبين بيت آخر فأطلع فيه ثم قال: يا أبا محمد سل عما بدا لك. قال: جعلت فداك إنَّ شيعتك يتحدثون أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله علّم علياً عليه السلام ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب؟ فقال أبو عبدالله: يا أبا محمد علَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً عليه السلام ألف باب يفتح له من كل باب ألف باب. قال أبو بصير فقلت: هذا والله العلم.

ثم أنَّ الصادق عليه السلام لما رأى استعظام أبي بصير هذا المنبع

____________________

(1) الكافي: باب ما عندهم من آيات الأنبياء عليهم السلام.

٥٤

العزيز صار ينبئه بأن لهم منابع أخرى أغزر مادة وأسح فيضاً، فذكر له أنَّ عندهم الجامعة، وإنّها سبعون ذراعاً بذراع رسول الله صلى الله عليه وسلم وإملائه من فلق فيه وخط علي بيمينه، فيها كل حلال وحرام، وكل شيء يحتاج إليه الناس، حتى الأرش في الخدش.

ثم ذكر: إنَّ عندهم الجفر، وأنّه وعاء من أدم فيه علم النبيين والوصيين وعلم العلماء الذين مضوا من بني إسرائيل.

ثم ذكر أنّ عندهم مصحف فاطمة، وأنّه مثل القرآن ثلاث مرات ثم قال عليه السلام: إنّ عندنا علم ما كان وعلم ما هو كائن إلى أن تقوم الساعة.

وفي كل هذا يقول أبي بصير مبتهراً ومستعظماً: هذا والله العلم، والصادق عليه السلام يقول: إنَّه لعلم وليس بذلك، فقال له أبو بصير: جعلت فداك فأي شيء العلم؟.

قال عليه السلام: ما يحدث بالليل والنهار، الأمر بعد الأمر، والشيء بعد الشيء، إلى يوم القيامة(1) .

إنّنا وإن لم ندرك حقيقة هذه المنابع، وقدر هذه المواد، إلاّ أنَّنا نفهم من هذا البيان أنَّهم رُزقوا من العلم ما لا مزيد عليه إلى ما شاء الله جل شأنه، وأنَّه لو يسمح لنا البيان بأن نعرفه بأكثر من الحضوري، وأوسع من الحصولي، لوسمناه به.

____________________

(1) الكافي: باب فيه ذكر الصحيفة والجفر والجامعة ومصحف فاطمة عليها السلام.

٥٥

وهل بعد هذا يصح أن يقال في علمهم: إنَّه مبني على الإشاءة، وموقوف على الإرادة؟ وأما إشرافه عليه السلام على البيت ورفع الستر في هذه الرواية لا ليعلم هل فيه أحد، فيكون منافياً للحضوري، بل ليطمئن أبو بصير بخلو البيت من السامع.

***

ولقد أوجزنا بنقل الأحاديث التي دلت على سعة علومهم، وحضورها لديهم، لأننا لا نريد استقصاء ما جاء عنهم في هذا الباب، فإن الغرض الأوحد أن نعرف ما كانوا عليه من العلم، ولا نعرفه عن طريق النقل، إلا بما عرَّفوه لنا وأبانوه من ذلك المكنون في أوعية صدورهم.

وبما أوردناه يحصل الغرض المطلوب والضالة المنشودة. وإن كان ما أوردناه قطرة من غيث وغرقة من بحر، مما جاء عنهم في ذلك من الأخبار، وظهر من الآثار.

٥٦

الأدلة النقلية المعارضة

ربما يقال بأنّ هناك أدلة يستفاد منها تضييق تلك الدائرة الواسعة المزعومة، وحصرها في مجال دون ذلك المجال المفروض. وهو أنَّ علمهم، وإن كان زاخر العباب بعيد القطر. إلا أنَّه لم يكن حاضراً لديهم، حاصلاً عندهم. ساعة بساعة وحيناً بحين. وإنما يكون حضوره بالأمر إذا شاءوا علم ذلك الأمر. وحصوله بالشيء إذا أرادوا أن يعلموا ذلك الشيء، ولم يكن العلم منهم سابقاً على الإشاءة. حاضراً قبل الإرادة. وعليه الكتاب والسنة.

الكتاب

ما دل من الكتاب على إن علمهم ليس بحاضر:

إن من تدبَّر الكتاب المجيد، واستقصى سوره، وجد فيه آيات عديدة تدل على إنَّ نبيَّنا صلى الله عليه وسلم، بل والأنبياء عليهم السلام كافة لا يعلمون الغيب. وليس لهم من العلم إلا ما علّمهم العلاّم جل شأنه.

والأئمة من أهل البيت عليهم السلام ليسوا بأولى من النبي بذلك. إذ أقصى ما نقول في علمهم أنَّه ورثوه عن النبي صلى الله عليه وسلم.وأنّه انتهى إليهم ما كان يعلمه صلى الله عليه وآله من جميع العلوم.

فمع تلك الآيات الكريمة قوله تعالى:( وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا

٥٧

يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ ) فهذه الآية صريحة الدلالة بأنَّ علم الغيب منحصر به سبحانه، ولا يعلمه أحد من خلقه، وعمومها يشمل حتى الأنبياء والأوصياء.

ومن تلك الآيات البينات قوله تبارك وعلا:( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) فهذه وإن دلت على أنَّه تعالى يجوز أن يشرف عباده على علمه. إلا أنّها دلت على إنَّ العباد قاصرون عن الإحاطة بعلمه. ولو كان علمهم حاضراً لأحاطوا بعلمه سبحانه.

ومنها قوله تعالى شأنه:( سَنُقْرِ‌ئُكَ فَلَا تَنسَىٰ ) فقد دلت هذه الآية الكريمة على انَّ النسيان سائغ عروضه على النبي صلى الله عليه وسلم ولو كان حاضر العلم لما جاز نسيانه، ولا إحتاج إلى لفته، بأن يكون متنبهاً لما يقرأ عليه حتى لا ينسى.

ومنها قوله عز وجل:( قُل لَّا يَعْلَمُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْ‌ضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّـهُ ) فهذه الآية صريحة بإنحصار علم الغيب بالله جل شأنه. ولو كانوا حاضري العلم لاشتركوا معه سبحانه بهذه الصفة، بل إنَّ النبي نفسه يعترف بأنّه لا يعلم الغيب، كما حكى عنه تعالى ذلك في قوله تبارك وعز:( وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْ‌تُ مِنَ الْخَيْرِ‌ ) .. وهل بعد هاتين الآيتين من شبهة في إنَّ علم الغيب منحصر به تعالى، وأنَّ علمهم ليس بحاضر؟

ومنها قوله عز شأنه:( وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الْأَعْرَ‌ابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَ‌دُوا عَلَى النِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ) وأي

٥٨

دلالة أصرح من دلالة هذه الآية المباركة بأنَّ علم النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن حاضراً بالأشياء، ولو كان حاضراً لأخبر تعالى عنه، بأنَّه كان يعلم بنفاق أولئك الأعراب وبعض أهل المدينة.

فهذه الآيات الكريمة وغيرها من آي الكتاب العزيز صريحة بأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يعلم الغيب. فكيف إذاً شأن الأئمة الأطهار فيه، وبما أوردناه من الآيات البينة كفاية في الدلالة على القصد.

ولا حاجة بنا إلى إيراد شيء من الكتاب الكريم سواها.

«الجواب عنها»

إننا لا نريد أن نثبت بأنَّ علمهم ذاتي، لا يحتاج إلى المعلم حتى العلام تعالى، بل إنَّ علمهم كان بلطف منه جل شأنه، وتعليم من لدنه جل ذكره. فهذا لا يأبى من أنَّهم لا يعلمون بالذات: الغيب ولا غيره، فهذه الآيات الكريمة لا تعارض تلك الآيات التي صرَّحت بأنَّ الله تعالى وإن استأثر بعلم الغيب إلا أنّه إذا شاء أظهر عليه من ارتضاه من الرسل، وأنَّ رسولنا صلى الله عليه وآله - كما في الأحاديث - ممن إرتضاه الله سبحانه.

على أنَّ هذه الآيات نفسها دلت على هذا المفاد، كما في قوله:( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) فإنّ هذا الإستثناء كاف في الدلالة على إشاءته تعالى لأن يحيطوا بشيء من علمه.

وهذه الطائفة محمولة على استئثاره بالعلم الذاتي. وأما من أطلعه على ذلك العلم - كما دلت عليه تلك الآيات - فذلك العلم محمول على

٥٩

العرضي، بل إنَّنا لا نريد أن نثبت بما سلف أنَّ لديهم كل ما يعلمه الجليل سبحانه، ولا تلازم بين علمهم الحضوري وأنَّهم يعلمون كل ما يعلمه العلام سبحانه؛ فيجوز حينئذٍ أن نحمل ما دل على نفي علمهم وما دل على استئثاره بشيء على إختصاص ذلك بما تخصص به، ولم يطلع عليه أحدا من البشر؛ ويشهد له ما جاء في الأحاديث التي قالت بأنَّ الإسم الأعظم على ثلاثة وسبعين حرفاً وأنَّ عندهم منه إثنين وسبعين، وأنَّ الجليل تعالى استاثر بحرف واحد. فهذا يدل على أنَّه اختص بشيء لم يطلعهم عليه.

على أنَّه قد يقال في الجواب إنَّ هذه الآيات وما سواها، مما دل بظاهره على أنَّ الأنبياء كانوا لا يعلمون، ولا سيما مثل قوله تعالى:( وَمَا أَدْرَ‌اكَ مَا لَيْلَةُ الْقَدْرِ‌ ) وقوله جل شأنه:( وَمَا أَدْرَ‌اكَ مَا الْحَاقَّةُ ) وقوله عز وعلا:( وَمَا أَدْرَ‌اكَ مَا يَوْمُ الدِّينِ ) وقوله عز وجل:( وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) وقوله سبحانه:( لَا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ) إلى غيرها محمولةً على أنَّ المراد بها الأُمَّة من باب إياك أعني واسمعي يا جارة.

بل يمكن الجواب عن كل آية آية. ولكن لا نريد الإطالة في الجواب، والإكثار من الكلام. ولو لم يمكن التوفيق بين هاتين الطائفتين من الآيات الكريمة، فلا بد من التصرف في ظاهر هذه الطائفة خاصة، لأنَّ حكم العقل قاض بأنَّ الإِمام لابد وأن يكون علمه حضورياً كما أنَّه لا يمكن التصرف في صريح هاتيك الآيات.

٦٠