الميزان في تفسير القرآن الجزء ٩

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97208 / تحميل: 6781
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٩

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وهذه النظرية اختارها ابن البطريق (ت ٥٣٣ ـ ٦٠٠ هـ)(١) ، ووافقه عليها غيره .

وإذا ثبت أنّ معنى المولى هو الأولى بالشيء ، يكون ذلك هو المراد من آية الولاية ؛ لأنّه المعنى الوحداني والأصل للفظ الولي ، وتختلف الموارد بحسبها ، فيكون مفاد آية الولاية مفاد قوله تعالى :( النّبِيّ أَوْلَى‏ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ ) (٢) ، الأولى بالتصرّف ، ويشهد لذلك ما نقله ابن منظور في لسان العرب ، عن ابن الأثر قوله : ( وكأن الولاية تشعر بالتدبير والقدرة والفعل ، وما لم يجتمع ذلك فيها لم ينطلق عليه اسم الوالي )(٣) ، وقريب من هذا المعنى ما ذكره بعض اللغويين في معاجمهم اللغوية .

الاستدلال على المستوى القرآني :

إنّ الآية المباركة :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا ) تضمّنت دلالات وافرة لإثبات المطلوب ، ومراعاة للاختصار نكتفي بالإشارة المفهمة لبعض منها :

١ – إنّ صيغة التعبير في الآية الشريفة جعلت الولاية بمعنى واحد ، حيث قال :( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ و ) فلو كانت ولاية الله تعالى تختلف عن ولاية( الّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) لكان الأنسب في التعبير أن تفرد بالذكر ولاية أخرى للمؤمنين ؛ لكي تحول

ـــــــــــــ

(١) عمدة عيون الأخبار ، ابن البطريق : ص ١١٤ ـ ١١٥ .

(٢) الأحزاب : ٦ .

(٣) لسان العرب : ابن منظور : ج ١٥ ص ٤٠٧ ؛ النهاية في غريب الحديث ، ابن الأثير : ج ٥ ص ٢٢٧ .

٦١

دون وقوع الالتباس ، نظير قوله تعالى :( قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَيُؤْمِنُ لِلْمُؤْمِنِينَ ) (١) ، فكرّر لفظ الإيمان في الموضعين ؛ بسبب تكرّر معنى الإيمان وتغايره فيهما .

إذن لابد أن تكون الولاية في الآية المباركة بمعنى واحد في جميع الموارد التي ذكرت فيها ، وهي الأصالة لله تعالى ، وبالتبع لرسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون .

وولاية الله تعالى في الآية المباركة ولاية عامّة وشاملة لولاية التصرف ، والتدبير ، والنصرة وغيرها ، قال تعالى حكاية عن نبيّه يوسفعليه‌السلام :( أنت وليّي في الدّنيا والآخرة ) (٢) ، وقال عزّ وجلّ :( فَمَا لَهُ مِن وَلِيّ مِن بَعْدِهِ ) (٣) ، وغيرها من الآيات الدالة على ذلك .

٢ ـ إنّ الولاية التي هي بالأصل لله عزّ وجلّ جعلها لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبع ، فلرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الولاية العامّة على الأمة ، من الحكم فيهم ، والقضاء في جميع شؤونهم ، وعلى الأمة التسليم والطاعة المطلقة بلا ضيق أو حرج ، كما في قوله تعالى :( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ ) (٤) ، وقوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ) (٥) .

خصوصاً وإنّنا لا نجد القرآن يعدّ النبي ناصراً للمؤمنين ولا في آية واحدة .

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٦١ .

(٢) يوسف : ١٠١ .

(٣) الشورى : ٤٤ .

(٤) النساء : ٥٩ .

(٥) الأحزاب : ٣٦ .

٦٢

وهذا المعنى من الولاية الثابتة لله تعالى ورسوله ، عُطفت عليه ولاية :( الذين آمنوا ) ، وهذا يعني أنّ الولاية في الجميع واحدة ؛ لوحدة السياق وهي ثابتة لله عزّ وجلّ بالأصالة ، ولرسوله وللذين آمنوا بالتبع والتفضّل والامتنان .

إذن الولاية الثابتة في الآية لعليعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وإنّ معنى الولي في الآية تعني الأولى بالتصرّف ، وممّا يؤكّد ذلك مجيء لفظ ( وليّكم ) مفرداً ونسب إلى الجميع بمعنى واحد ، والوجه الذي ذكره المفسّرون لذلك هو أنّ الولاية ذات معنى واحد ، لله تعالى أصالة ولغيره بالتبع .

الاستدلال على المستوى الروائي :

هناك عدّة من القرائن والشواهد الروائية لإثبات المطلوب :

أوّلاً : لو كانت الولاية الثابتة لعلي بن أبي طالبعليه‌السلام بمعنى النصرة ، لما وجد فيها مزيد عناية ومزيّة ومدح لعليعليه‌السلام ؛ لأنّها موجودة بين جميع المؤمنين :( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ ) (١) ، وعليعليه‌السلام كان متصفاً بهذه المحبّة والنصرة للمؤمنين منذ أن رضع ثدي الإيمان مع صنوه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولكن لو أمعنّا النظر في الروايات الواردة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقيب

ـــــــــــــ

(١) التوبة : ٧١ .

٦٣

نزول آية الولاية ، لوجدنا أنها تثبت مويّة ومنقبة عظيمة لعليعليه‌السلام ، ففي الرواية أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال بعد نزول الآية :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي نعمه ، وهيّأ لعلي بفضل الله إيّاه ) (١) .

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد نزول الآية أيضاً :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) (٢) ، إذاً في الآية الكريمة مزيد عناية تفترق عن تولّي المؤمنين بعضهم لبعض ، وليس تلك المزيّة العظيمة إلاّ ولاية التصرّف والإمرة .

ثانياً : إنّ الولاية التي خصّها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام يوم غدير خم ، هي ولاية تدبير وتصرّف ؛ لأنّها نفس ولاية النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وهذا ما نلمسه من كيفية إعلان الولاية من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث قال :( ألست أولى بكم من أنفسكم ) ، وهذه الولاية ـ التي هي ولاية تصرّف ـ هي نفسها الولاية التي تثبتها الآية الشريفة :( إنّما وليّكم ... ) لعليعليه‌السلام .

من هنا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عقّب ـ بعد نزول آية الولاية في حقّ عليعليه‌السلام ـ بقوله :( مَن كنت مولاه فعلي مولاه اللّهم والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ) ،

ـــــــــــــ

(١) الدر المنثور ، السيوطي : ج ٣ ص ١٠٦ .

(٢) مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ، ص ١١٨ ، ص ١١٩ ، ص ١٥٢ ، ص ٣٣١ ، ج ٤ ص ٢٨١ ، ص ٣٧٠ ، ص ٣٧٢ ، ج ٥ ص ٣٤٧ ، ص ٣٦٦ ، ص ٣٧٠ ، سنن ابن ماجه : ج ١ ، ص ٤٣ ح ١١٦ ؛ الترمذي : ج ٥ ص ٢٩٧ ؛ المستدرك ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٠٩ ـ ١١٦ ، ص ١٣٤ ، ص ٣٧١ ، ص ٥٣٣ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٧ ص ١٧ ، ج ٩ ص ١٠٤ ـ ص ١٠٨ ص ١٦٤ ؛ وقال فيه : ( عن سعيد بن وهب رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح ) ؛ فتح الباري : ج ٧ ص ٦١؛ وقال فيه : ( فقد أخرجه الترمذي والنسائي وهو كثير الطرق جداً ، وقد استوعبها ابن عقدة في كتاب مفرد ، وكثير من أسانيدها صحاح وحسان ) ؛ صحيح ابن حبان : ج ١٥ ص ٣٧٦ وما بعد ، وغير ذلك من المصادر الكثيرة جداً ؛ فراجع .

٦٤

وهذا يكشف عن كون الولاية ولاية تصرّف ، لا سيّما إذا أخذنا بنظر الاعتبار ذلك الحشد المتنوع من الروايات الذي يؤكّد على علي بن أبي طالبعليه‌السلام ، ويقرن طاعته بطاعة الله ورسوله ، كل ذلك يكشف عن أن ولايتهعليه‌السلام هي ولاية التصرّف ، وأنّه الأولى بالتصرّف ؛ لذا قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حق عليعليه‌السلام :( مَن أطاعني فقد أطاع الله ، ومَن عصاني فقد عصى الله ، ومَن أطاعك فقد أطاعني ، ومَن عصاك فقد عصاني ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(١) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( مَن يريد أن يحيا حياتي ويموت موتي ويسكن جنّة الخلد التي وعدني ربّي ؛ فليتولّ علي بن أبي طالب فإنّه لن يخرجكم من هدى ولن يدخلكم في ضلالة ) ، قال الحاكم أيضاً : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٢) .

وعن عبد الرحمان بن عثمان قال : سمعت جابر بن عبد الله يقول : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب ، وهو يقول : (هذا أمير البررة ، قاتل الفجرة ، منصور مَن نصره مخذول مَن خذله ، ثم مدّ بها صوته ) ، قال الحاكم : هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه(٣) .

وغيرها الكثير من الروايات التي تشاركها بالمضمون ذاته .

ثالثاً : إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب من الله تعالى أن يشدّ عضده بأخيه

ـــــــــــــ

(١) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج٣ ص ١٢٨ ، تاريخ مدينة دمشق : ابن عساكر : ٤٢ : ص ٣٠٧ .

(٢) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٨ ـ ١٢٩ .

(٣) المستدرك على الصحيحين ، الحاكم النيسابوري : ج ٣ ص ١٢٩ .

٦٥

عليعليه‌السلام ، كما شدّ الله تعالى عضد موسىعليه‌السلام بأخيه هارونعليه‌السلام ، فنزلت الآية :( إنّما وليّكم ) بشرى لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، بجعل عليعليه‌السلام وليّاً وخليفة من بعده ، وهذا يدلل على أنّ الولاية لعليعليه‌السلام لم تكن مجرّد نصرة ومحبّة ، بل كانت ولاية أولوية بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما هو الحال في هارونعليه‌السلام ، باعتبار أولويته بالأمر والإمرة بعد موسىعليه‌السلام ، عندما خلّفه في قومه .

رابعاً : احتجاج أمير المؤمنينعليه‌السلام على أولويته بالأمر بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بآية الولاية ، حيث قالعليه‌السلام مخاطباً لجمع من الصحابة في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( أنشدكم الله : أتعلمون حيث نزلت : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) ، وحيث نزلت : ( إِنّمَا وَلِيّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالّذِينَ آمَنُوا الّذِينَ يُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، وحيث نزلت : ( وَلَمْ يَتّخِذُوا مِن دُونِ اللهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) ، قال الناس : يا رسول الله : أخاصّة في بعض المؤمنين ، أم عامة لجميعهم ؟ فأمر الله عزّ وجل نبيّه صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعلمهم ولاة أمرهم ، وأن يفسّر لهم من الولاية ما فسّر لهم من صلاتهم ، وزكاتهم ، وحجّهم ، فنصبني للناس بغدير خم ) (١) وهذا يكشف عن كون المراد بالآية هو الأولى .

وبذلك يتحصّل أنّ معنى الولي هو الأولى بالتصرّف ، وأنّ الآية بصدد جعل الولاية لعليعليه‌السلام بعد الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ـــــــــــــ

(١) المناقب ، ابن المغازلي الشافعي : ص ٢٢٢ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ ، ينابيع المودّة للقندوزي : ج ١ ص ٣٤٦ ، شواهد التنزيل ، الحسكاني : ج ٢ ص ٢٩٥ ، فرائد السمطين : ج ١ ص ٣١٢ .

٦٦

كيف تستدلّ الشيعة بشأن النزول ؟

الشبهة :

الشيعة يستدلّون بشأن نزول آية الولاية على الإمامة ؟

الجواب :

بعد أن أطبقت الأمّة وأجمع المحدّثون والمفسّرون على نزول الآية المباركة في الإمام عليعليه‌السلام مع صراحة الآية في إثبات الولاية ، ومباركة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للإمام عليعليه‌السلام بقوله :( الحمد لله الذي أتمّ لعلي النعمة ) ، لا يبقى أي مجال لمثل هذه التشكيكات والشبهات ، سواء كان الاستدلال بالآية استدلالاً مباشراً ، أم كان عن طريق شأن النزول ، الذي هو عبارة عن الأحاديث المتواترة والصحيحة والصريحة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم التي أمرنا الله تعالى بالتمسّك بها بقوله :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ، وعليه فلا ينبغي التهاون والتقليل من شأن هذه الأحاديث القطعيّة ، كما يظهر ذلك من كلام صاحب الشبهة .

ويمكن أن نحقق استيعاباً جيداً لمسألة ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام ؛ وذلك من خلال الآيات القرآنية والنصوص النبوية التي تعرّضت لبيان هذا المعنى ، فضلاً عمّا أشاعته آية الولاية من مناخ سائد حيال هذه المسألة ، من تقديم التهاني والتبريكات من قِبل الصحابة إلى عليعليه‌السلام الصحابة وإنشاد الشعر والمديح بهذه المناسبة العظيمة ، وهذا يكفي لسدّ كل منافذ الريب والتشكيك ، ومعالجة ما يطرأ على الأذهان من التباسات .

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

٦٧

الخلاصة

لا مجال لمثل هذه التشكيكات ، بعد أن أجمعت الأمة على نزول الآية في شأن عليعليه‌السلام ، وسواء كان الاستدلال بالآية ذاتها أم من طريق شأن النزول الثابت قطعاً كونه بخصوص عليعليه‌السلام فهو يثبت المطلوب ، ولا معنى للإصغاء لمثل هذه الأوهام .

المعروف أنّ عليّاً فقير فكيف يتصدّق ؟

الشبهة :

إنّ علياً كان فقيراً فكيف يتصدّق بالخاتم إيتاءً للزكاة ؟

الجواب :

ما أكثر المدّعيات التي تُرفع من دون أي دليل ولا برهان يدعمها ، ومن أغرب المدّعيات التي تُثار للتشكيك في صحّة نزول آية الولاية في الإمام عليعليه‌السلام هذا الإشكال الآنف الذكر ، إلا أنّنا توخّياً لدرء مثل هذه التشكيكات التي تطرأ على بعض الأذهان نقول :

أوّلاً : إنّ لفظ الزكاة لغةً شامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى ، ونلمس هذا المعنى في عدّة من الآيات المباركة ، وكقوله تعالى:( وَأَوْصَانِي بِالصّلاَةِ وَالزّكَاةِ مَادُمْتُ حَيّاً ) (١) ، وكذا ما قاله القرآن بحق إبراهيم وإسحاق ويعقوبعليهم‌السلام :( وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ ) (٢) ، وغيرها من الآيات التي تشاركها في المضمون ، ومن المعلوم أنّه ليس في شرائعهمعليهم‌السلام الزكاة المالية المصطلحة في الإسلام .

ـــــــــــــ

(١) مريم : ٣١ .

(٢) الأنبياء : ٧٣ .

٦٨

ومن هنا فقد استعمل القرآن لفظ الزكاة في الآية الشريفة بمعناها اللغوي الشامل لكل إنفاق لوجه الله تعالى أي الزكاة المستحبّة ( زكاة تطوّع ) ؛ ولذا نرى أنّ الجصاص ـ في أحكام القرآن ـ فهم أنّ المراد بالزكاة في الآية ، هي زكاة التطوّع ، حيث قال : ( قوله تعالى :( وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) ، يدلّ على أنّ صدقة التطوّع تسمّى زكاة ؛ لأنّ عليّاً تصدّق بخاتمه تطوّعاً ، وهو نظير قوله تعالى :( وَما آتَيْتُم مِن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ ) (١) .

ثانياً : لو فرضنا أنّ المراد من الزكاة في الآية هي الزكاة الواجبة ، فليس من الغريب أن يمتلك الإمام عليعليه‌السلام أوّل نصاب من مال الزكاة وهو مقدار (٢٠٠ درهم) ، ومَن ملك ذلك لا يعدّ غنيّاً ، ولا يُطلق عليه اسم الغني شرعاً .

ثالثاً : بعد أن ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بإجماع الأمة واتفاق المفسّرين والمحدّثين ، ولم ينكر أحد على الإمام عليعليه‌السلام تصدّقه بالخاتم ، وإنّما الكل فهم المزيّة والكرامة لهعليه‌السلام لا يبقى أي مجال للإنكار والتشكيك .

ومن هنا نلاحظ أنّ الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بادر المباركة للإمام عليعليه‌السلام عقيب نزول الآية الكريمة ، وقام الشعراء بإنشاء القصائد الطافحة بالمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، كل ذلك نتيجة طبيعية للمناخ الذي أشاعته الآية في أوساط المسلمين ، من إثبات الولاية للإمام عليعليه‌السلام ، فإذا ثبت نزول الآية في الإمام عليعليه‌السلام بالدلائل والبيّنات القاطعة لا معنى للاستنكار والتشكيك ، خصوصاً وأنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حمد الله على هذه النعمة التي اتمّها لعليعليه‌السلام ، وبارك الصحابة بأقوالهم وأشعارهم للإمام عليعليه‌السلام تلك المنقبة .

ـــــــــــــ

(١) أحكام القرآن ، الجصاص : ج ٢ ص ٥٥٨ .

٦٩

الخلاصة

١ – إنّ لفظ الزكاة شامل لكلّ إنفاق لوجه الله تعالى واستعملها القرآن بذلك .

٢ ـ لو سلّمنا أنّ لفظ الزكاة في الآية استعمل في الزكاة الواجبة التي هي أقلّ نصابها ٢٠٠ درهم ، فإنّ مَن يملك هذا المبلغ لا يُعدّ غنيّاً شرعاً .

٣ – قام الإجماع على نزول آية الولاية في حق الإمام عليعليه‌السلام ، ولم ينكر أحد آنذاك ما استنكره صاحب الشبهة ، بل أنشد الشعر والمديح والثناء على الإمام عليعليه‌السلام ، مع مباركة الصحابة .

آية البلاغ تدلّ على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً

الشبهة :

إنّ استدلال الشيعة بآية البلاغ على الإمامة يبطل كل الاستدلالات السابقة التي يستدلّون بها ؛ لأنّ آية البلاغ مدنية ، فتدل على أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لم يبلّغ سابقاً .

الجواب :

أوّلاً : لابد أن نفهم كيفية تعاطي الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم والمبادئ الإسلامية المهمّة التي تمثّل الأساس في منظومة الدين الإسلامي ، والتي ينبغي التأكيد عليها من قِبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر من غيرها ، ومن جملة المفاهيم الأساسية هي الإمامة ، حيث نلمس غاية الانسجام ومنتهى الملائمة بين جميع البيانات السابقة لإثبات الإمامة والتنصيص عليها ، فكل تلك المواقف والبيانات كانت تتناسب مع خطورة وأهميّة مبدأ كمبدأ الإمامة والولاية بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلابد من تأسيسه وتشييد أركانه وجعله وعياً إسلامياً عاماً ، وآية البلاغ جاءت ضمن ذلك السياق وتلك الخلفية ، فهي نزلت في ذلك الظرف لتحمل في طيّاتها العديد من الأمور المهمّة التي تتعلّق بحقيقة الإمامة ، منها :

٧٠

١ ـ أنّها جاءت لتصرّح بقضية مهمة جداً ، وهي أنّ ترك تنصيب علي بن أبي طالبعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأكملها ، وهذا ما يتجلّى واضحاً عند التأمّل في الآية :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ ) (١) ، وعلى ضوء ذلك تعرف السر في نزول هذه الآية المباركة في أواخر حياة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، حيث تكشف عن أهمية الإمامة والولاية في المنظومة الدينية ، ومن هذا المنطلق يظهر لك سبب ذلك الحشد المتنوّع من النصوص القرآنية والروائية التي تؤكّد على ضرورة وأهمية موقع الإمامة في الإسلام بأجمعه ؛ ذلك لكي ينطلق الإسلام في قيادة جديدة تكون في جميع مجالاتها وآفاقها امتداداً للقيادة النبوية ، لتبقى المسيرة مستمرة والرسالة محفوظة .

وممّا يؤكّد أهمية الإمامة والولاية هو ما نجده واضحاً في أقوال الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد تبليغ مقام الولاية وتعيين الولي للناس ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( فليبلّغ الشاهد الغائب ) (٢) ، فإنّ اهتمامهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الشديد في إيصال خطابه الشريف إلى جميع المسلمين يكشف عن خطورة الأمر ، وأنّه ممّا تتوقّف عليه ديمومة الإسلام .

بالإضافة إلى ما يكتنف الآية المباركة من القرائن الحالية الكثيرة والواضحة الدالة على أهمية هذا الأمر ، وتأثيره المباشر على مسيرة الإسلام ، كنزولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرّ الهجير والسماء صافية ، والمسلمون واقفون على الحصباء والرمضاء التي كادت تتوقّد من حرارة الشمس ، حتى أنّه نقل الرواة من حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ أنّه لشدّة الحر وضع بعض الناس ثوبه على رأسه ، وبعضهم استظلّ بمركبه ، وبعضهم استظلّ بالصخور ، ونحو ذلك .

ـــــــــــــ

(١) المائدة : ٦٧ .

(٢) كما جاء ذلك في أكثر المصادر الروائية والتفسيرية التي نقلت حديث الغدير ، وقد ذكر ابن حجر أنها (قد بلغت التواتر) ، لسان الميزان ، ابن حجر العسقلاني : ج ١ ص ٣ .

٧١

وكذلك أمرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع مَن تقدّم ، وتقدّم مَن تأخّر .

مضافاً إلى حضور ذلك الجمع الغفير من الصحابة والمسلمين الذين حضروا لأداء مناسك الحج من سائر أطراف البلاد الإسلامية ، وغير ذلك من الأمور التي تدل على خطورة الأمر وأهميته .

٢ ـ إنّ آية البلاغ التي بلّغها الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أواخر حياته ، جاءت تحمل في طيّاتها الإشارة إلى قضية مهمة جداً في الدين الإسلامي ، وهي تحديد معالم أطروحة الإمامة في الإسلام ، مؤكّدة على أنّ الإمامة شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية منها والحكومية والمرجعية وغيرها ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو موضع النزاع مع أتباع مدرسة الخلفاء ، حيث إنّهم يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط ، فإذا لم يستلم الحكومة لا يكون إماماً ، على خلاف معتقد الشيعة الإمامية الاثني عشرية ، التي تعتقد أنّ منصب الحاكمية يمثّل أحد أبعاد الإمامة لا جميعها .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاء تبليغها بصيغة الإعلان الرسمي للولاية والإمامة والتتويج العام للإمام عليعليه‌السلام أمام المسلمين ، ويشهد لذلك كيفية التبليغ ، حيث جمع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الناس وأمر أن يردّ مَن تقدم منهم ومَن تأخّر عنهم في ذلك المكان ، وجمعت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقتاب الإبل وارتقاها آخذاً بيد أخيه عليعليه‌السلام معمّماً له أمام الملأ صادعاً بإبلاغ الولاية ، ثم إنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طلب بنفسه البيعة من الناس لعليعليه‌السلام ، وبادر الناس لبيعتهعليه‌السلام وسلّموا عليه بإمرة

٧٢

المؤمنين ، وهنّأوا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعليّاًعليه‌السلام ، وأوّل مَن تقدّم بالتهنئة والبخبخة ، أبو بكر ثم عمر بن الخطاب وعثمان و...(١) ، وقد روى الطبري في كتابه الولاية بإسناده عن زيد بن أرقم أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( قولوا أعطيناك على ذلك عهداً من أنفسنا ، وميثاقاً بألسنتنا ، وصفقة بأيدينا ، نؤدّيه إلى أولادنا وأهلنا لا نبتغي بذلك بدلا ) (٢) .

ثم استئذان حسان بن ثابت من الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لنظم أبيات في الواقعة تدل على أنّه لم يفهم من الحديث غير معنى الخلافة والولاية .

وكذلك يؤكّد كل ما قلناه احتجاج أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بحديث الغدير في مواضع عديدة ، حيث كان يحتج على أولئك الذين تركوا وصيّة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقولهعليه‌السلام : (أنشدكم بالله أمنكم مَن نصّبه رسول الله يوم غدير خُم للولاية غيري ؟ قالوا : اللهم ، لا ) ، وفي موضع آخر ( قال :أنشدكم بالله هل فيكم أحد قال له رسول صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مَن كنت مولاه ، فعلي مولاه ، اللّهمّ والِ مَن والاه وعاد مَن عاداه ، وانصر مَن نصره ، ليبلغ الشاهد الغائب ، غيري ؟ قالوا : اللّهمّ ، لا )(٣) .

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٤ ص ٢٨١ ؛ المعيار والموازنة ، الإسكافي : ص ٢١٢ ؛ المعجم الكبير ، الطبراني : ج ٥ ص ٢٠٣ ؛ فيض القدير شرح الجامع الصغير : ج ٦ ص ٢٨٢ ح ١٢٠ ؛ تذكرة الخواص ، ابن الجوزي : ص ٣٦ ؛ نظم درر السمطين : ص ١٠٩ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١٣ ص ١٣٤ ؛ شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد : ج ٥ ص ٨ ؛ المصنف لابن أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٥٠٣ ؛ شواهد التنزيل : الحاكم الحسكاني : ج ١ ص ٢٠٠ ؛ ثمار القلوب : ص ٦٣٧ ؛ وغيرها .

(٢) كتاب الولاية : محمد بن جرير الطبري : ص ٢١٤ ـ ٢١٦ .

(٣) انظر : مسند أحمد : ج ١ ص ٨٤ ؛ ج ٤ ص ٣٧٠ ؛ ج ٥ ص ٣٧٠ ؛ مجمع الزوائد ، الهيثمي : ج ٩ ص ١٠٤ ، ص ١٠٧ ؛ المصنف ، أبي شيبة الكوفي : ج ٧ ص ٤٩٩ ؛ كتاب السنّة : عمرو بن أبي عاصم : ص ٥٩١ ، ص ٥٩٣ ؛ خصائص أمير المؤمنين ، النسائي : ص ٩٦ ؛ مسند أبي يعلى : ج ١ ص ٤٢٨ ـ ٤٢٩ ح ٥٦٧ ؛ ج ١١ ص ٣٠٧ ح ٦٤٢٣ ؛ المعجم الصغير : الطبراني : ج ١ ص ٦٤ ـ ٦٥ ؛ المعجم الأوسط : ج ٢ ص ٣٢٤ ؛ المعجم الكبير : ج ٥ ص ١٧١ ؛ كنز العمال ، المتقي الهندي : ج ١١ ص ٣٣٢ ؛ الصواعق المحرقة ، ابن حجر الهيتمي : ص ١٩٥ ؛ وغيرها .

٧٣

٤ ـ لم يكتف الله تبارك وتعالى بكل البيانات السابقة من النبي الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتى أنزل في ولاية عليعليه‌السلام تلك الآيات الكريمة تتلى على مرّ الأجيال بكرةً وعشيّاً ؛ ليكون المسلمون على ذكر من هذه القضية في كل حين ، وليعرفوا رشدهم والمرجع الذي يجب عليهم أن يأخذوا عنه معالم دينهم ويتبعوه في قيادته .

٥ ـ لو اقتصر في تبليغ الإمامة على تلك البيانات الخاصة للرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمقتصرة على حضور بعض الصحابة ؛ لضاعت وأصبحت روايات ضعافاً ، ولما وصلت إلينا بشكل واضح ومتواتر كما جاءتنا آيات وروايات البلاغ ؛ وذلك بسبب منع تدوين حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في عهد الخلفاء ، ولتولّي بني أمية وأعداء أهل البيتعليه‌السلام تدوين الحديث فيما بعد .

الخلاصة

أوّلاً : إنّ تعاطي القرآن الكريم والرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع المفاهيم الأساسية في الإسلام ـ كالإمامة ـ يختلف عن غيرها من المفاهيم الأخرى ؛ ولذا نجد أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكّد عليها مراراً وشيّد أركانها ، مستثمراً كل مناسبة يمكن استثمارها في ذلك ، ومن هنا نلتمس أسباب كثرة البيانات والتصريحات المتكرّرة من الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؛ وذلك لكي يكون الاهتمام والتبليغ متناسباً مع أهمية ذلك الأمر ؛ ولذا نرى الانسجام والملائمة بين التبليغات النبوية ، والآيات القرآنية الواردة في هذا الصدد ، وبالخصوص آية البلاغ التي جاءت ضمن الاهتمامات القرآنية بمسألة الإمامة ، وقد حملت آية البلاغ العديد من المعطيات المهمة في مسألة الإمامة ، منها:

١ ـ إنّ الآية المباركة جاءت لتبيّن أنّ ترك تنصيب الإمام عليعليه‌السلام للولاية مساوق لترك تبليغ الرسالة بأجمعها ، كما هو واضح من قوله تعالى :( وَإِن لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلّغْتَ رِسَالَتَهُ ... ) وممّا يؤكّد أهمية هذا التبليغ للإمامة ملاحظة الظروف التي رافقت عملية التبليغ من شدّة الحرّ ، وأمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم برجوع المتقدّم ولحوق المتأخّر ، والجمع الغفير الذي حضرها ، كل ذلك يدل على أهمية الأمر وخطورته .

٧٤

٢ ـ إنّ تبليغ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للآية في أواخر حياته جاء مؤكّداً على بيان أطروحة الإمامة في الإسلام ، وأنّها شاملة لكل الأبعاد القيادية السياسية والدينية والحقوقية والقضائية ، وأنّ منصب الخلافة والحكومة يمثّل أحد أبعاد الإمامة ، وهذا هو محل النزاع بين السنّة والشيعة ، حيث إنّ السنّة يختزلون دور الإمام في الحاكمية فقط .

٣ ـ إنّ آية البلاغ جاءت بصيغة الإعلان الرسمي لولاية الإمام عليعليه‌السلام كما هو واضح من خلال عملية التنصيب وطريقته ومباركة الصحابة له بالولاية وإنشاء الشعر ونحوها ، وكذلك احتجاجهعليه‌السلام بحديث الغدير في مناسبات عديدة على أحقّيّتهعليه‌السلام في الخلافة .

ثانياً : إنّ الله تعالى لم يقتصر على أمر الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالتبليغ لولاية الإمام عليعليه‌السلام ، بل هنالك عدّة من الآيات جاءت مؤكّدة لتلك الولاية لتتلى بكرةً وعشياً على مرّ الأجيال ، وتكون شاهدة وحجّة عليهم .

ثالثاً : لو اقتصر في تبليغ الولاية على البيانات الخاصة المقتصرة على حضور بعض الصحابة ، سوف يُعرّضها ذلك للضياع ، لا سيّما مع ملاحظة منع تدوين السنّة ، أو تكون من الأخبار الضعاف ، ولذا كان تبليغها في واقعة الغدير كفيلاً بأن يجعلها تصل إلى حدّ التواتر وإجماع المسلمين ، الذي لا يمكن تجاوزه .

لا وجود لاسم علي في القرآن

الشبهة :

إنّ القرآن الكريم لم ينص على إمامة عليعليهم‌السلام وإلاّ لذكر اسمه فيه .

٧٥

تمهيد:

لكي تكون الإجابة واضحة لابد من الالتفات إلى نقطتين أساسيتين ، هما :

الأُولى : القرآن تبيان لكل شيء

لا ريب أن القرآن هو الكتاب المنزل لهداية الناس فيه تبيان كل شيء ، والسنّة النبوية مفصّلة ومبيّنة له ، قال تعالى :( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذّكْرَ لِتُبَيّنَ لِلنّاسِ مَا نُزّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ ) (١) ، فأحدهما مكمّل للآخر ، والإسلام كلّه ، من عقائد وأحكام وسائر علومه وأُصوله موجود في القرآن الكريم ، أمّا شرحه وتفسيره وتجسيده ، فنجده في سنّة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خلال حديثه وسيرته المباركة ؛ ولذا نجد أنّ الله تعالى قرن طاعته بطاعة رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، كما في قوله تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ ) (٢) ، وقوله عزّ وجلّ :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ ) (٣) ، وكذلك قرن معصية الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بمعصيته تعالى ، حيث

ـــــــــــــ

(١) النحل : ٤٤ .

(٢) النساء : ٥٩ .

(٣) الأنفال : ٢٠ .

٧٦

قال :( وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَإِنّ لَهُ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فَيهَا أَبَداً ) (١) ، وقوله تعالى :( فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّي بَرِي‏ءٌ مّمّا تَعْمَلُونَ ) (٢) ، وقال تعالى أيضاً :( فَلاَ وَرَبّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتّى‏ يُحَكّمُوكَ فِيَما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَيُسَلّمُوا تَسْلِيماً ) (٣) ، وغيرها من الآيات الكريمة .

الثانية : يجب اتباع ما أمر به الله ورسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

إنّ الله تعالى لم يجعل الخيرة للمؤمنين فيما يقضي الله ورسوله به ، كما في قوله تعالى :( وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلّ ضَلاَلاً مّبِيناً ) (٤) ، وبيّن الله تعالى أنّ الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حجّة على الخلق في قوله وفعله ، وأنّ الله جعله إماماً يقتدى به ، فقال تعالى :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٥) ، وقال أيضاً :( وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحَى ) (٦) ، وهذه مفردة مهمة جداً يجب الالتفات إليها جيداً .

وهناك روايات كثيرة متضافرة تؤكّد وتحث على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وتنهى عن الإعراض عن سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والاكتفاء بالقرآن وحده ، وكان ذلك رائجاً ومعرفاً في أقوال الصحابة وتعاملهم ، من ذلك ما ورد في صحيح البخاري عن علقمة ، عن عبد الله قال : ( لعن الله الواشمات

ـــــــــــــ

(١) الجن : ٢٣ .

(٢) الشعراء : ٢١٦ .

(٣) النساء : ٦٥ .

(٤) الأحزاب : ٣٦ .

(٥) الحشر : ٧ .

(٦) النجم : ٣ ـ ٤ .

٧٧

الموتشمات والمتنمصات والمتفلجات للحسن ، المغيّرات خلق الله ، فبلغ ذلك امرأة من بني أسد يقال لها : أم يعقوب ، فجاءت فقالت : إنّه بلغني أنّك لعنت كيت وكيت ، فقال : ومالي لا ألعن مَن لعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومَن هو في كتاب الله ، فقالت : لقد قرأت ما بين اللوحين فما وجدت فيه ما تقول ، قال : لئن كنت قرأتيه لقد وجدتيه ، أما قرأت :( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (١) ؟ قالت : بلى ، قال : فإنّه قد نهى عنه )(٢) ، وكذا وردت هذه الرواية بنصها في صحيح مسلم(٣) .

ومن الروايات التي وردت عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في هذا المجال ، ما جاء في سنن أبي داود والترمذي وابن ماجه ، ومسند أحمد عن أبي عبد الله بن أبي رافع عن أبيه أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( لا ألفين أحدكم متكئاً على أريكته يأتيه الأمر من أمري ممّا أمرت به أو نهيت عنه فيقول : لا ندري ، ما وجدنا في كتاب الله اتبعناه ) (٤) ، وفي مسند أحمد بلفظ( ما أجد هذا في كتاب الله ) (٥) .

ومنها ما ورد في مسند أحمد أيضاً ، عن أبي هريرة قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لا أعرفنّ أحداً منكم أتاه عنّي حديث وهو متكئ في أريكته ،

ـــــــــــــ

(١) الحشر : ٧ .

(٢) صحيح البخاري : ج ٣ ص ٢٨٤ ح ٤٨٨٦ .

(٣) صحيح مسلم : ج ٣ ص ١٦٧٨ ح ٢١٢٥ باب تحريم فعال الواصلة والمستوصلة .

(٤) انظر : سنن أبي داود السجستاني ، باب لزوم السنّة : ج ٤ ص ٢٠٥ ح ٤٦٠٥ ؛ سنن الترمذي : ج ٤ ص ١٤٤ ح ٢٨٠١ ، كتاب العلم ؛ باب ما نهى عنه ؛ سنن ابن ماجه ، المقدّمة : ج ١ ص ٦ ـ ٧ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٥) مسند أحمد : ج ٦ ص ٨ .

٧٨

فيقول : أتلوا عليّ به قرآناً ) (١) ، وقال حسان بن ثابت ، كما في مقدّمة الدارمي : ( كان جبريل ينزل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالسنّة كما ينزل عليه بالقرآن )(٢) ، إلى غير ذلك من الروايات والأقوال ، وإنّما هذه نبذة عمّا ورد في الحثّ على الأخذ بسنّة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والنهي عن مخالفته والتشديد على مَن يهمل السنّة بحجة الاكتفاء بكتاب الله .

وعلى هذا الأساس يتضح أنّ جميع أحكام الإسلام موجودة في القرآن الكريم ، إلاّ أنّه لا يمكن معرفة تفاصيلها والوقوف على حقائقها من دون الرجوع إلى سنّة الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فإنّنا في إقامة الصلاة ـ مثلاً ـ لا نعرف كيف نصلّي من دون أن نأخذ من حديث الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كيفيّتها وشروطها وعدد ركعاتها وسجداتها وأذكارها ومبطلاتها ، وكذلك في الحج ، حيث لا يمكن أداء مناسكه من دون الرجوع إلى سنّتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستيضاح شروطه وواجباته ومواقيته وأشواط الطواف وصلاته ، وتفاصيل السعي والتقصير وسائر مناسك الحج الأخرى .

إذن لابدّ من الرجوع إلى القرآن والسنّة النبوية معاً لأخذ تعاليم الإسلام منهما ، أمّا مَن أراد الاكتفاء بالقرآن وحده دون السنّة ، فأدنى ما نقول بحقّه : إنّه جاهل بما ورد في القرآن نفسه ، الذي يدعو لإطاعة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ( وَمَا آتَاكُمُ الرّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ) (٣) ، وقد قال الألباني في هذا المجال : ( فحذار أيّها المسلم أن تحاول فهم القرآن مستقلاً

ـــــــــــــ

(١) مسند أحمد : ج ٢ ص ٣٦٧ ؛ سنن ابن ماجه ، المقدمة : ج ١ ص ٩ ـ ١٠ ح ٢١ ، باب تعظيم حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والتغليظ على مَن عارضه .

(٢) سنن الدارمي ، المقدّمة : ج ١ ص ١٤٥ ، باب السنّة قاضية على كتاب الله .

(٣) الحشر : ٧ .

٧٩

عن السنّة ، فإنّك لن تستطيع ذلك ولو كنت في اللغة سيبويه زمانك )(١) ، فمقولة حسبنا كتاب الله مقولة مخالفة لصريح القرآن الكريم .

الجواب :

بعد تلك الإطلالة السريعة نقول لصاحب الشبهة بأنّ عدم ذكر اسم عليعليه‌السلام صريحاً في القرآن يرجع إلى الأسباب التالية :

أوّلاً : عدم ذكر الاسم لحكمة إلهيّة

إنّ عدم ذكر اسم علي في القرآن لعلّه لحكمة إلهية خفيت علينا ، إذ ما قيمة عقولنا كي تحيط بكل جوانب الحكم والمصالح الإلهية ، فكم من الأمور التي قد خفيت أو أُخفيت علينا مصالحها ، قال تعالى :( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا لاَ تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ) (٢) ، والاعتراض على حكم الله تعالى خلاف التسليم والخضوع لأمره عزّ وجلّ .

ثانياً : الرسول الأكرم نصّ على إمامة عليعليه‌السلام

إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد نصّ على إمامة علي أمير المؤمنينعليه‌السلام باسمه الصريح كما في حديث الغدير المتواتر ، وحديث الدار ، وحديث المنزلة ، وغيرها في مواطن كثيرة جداً ، فإذا ثبت هذا بشكل قاطع عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو القرآن الناطق الذي لا ينطق عن الهوى ، وقد أقام الحجّة علينا بأنّ الإمام بعده عليعليه‌السلام تثبت إمامته بلا ريب ، وإذا لم يذكر القرآن اسم عليّ

ـــــــــــــ

(١) صفة صلاة النبي ، الألباني : ص ١٧١ .

(٢) المائدة : ١٠١ .

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

حقوق المعاشرة والمواصلة للعامّة والله لا يحبّ الخائنين كان أمره بالجنوح المذكور مظنّة سؤال وهو أنّ من الجائز أن يكون جنوحهم للسلم خديعة منهم يضلّون بها المؤمنين ليغيروا عليهم في شرائط وأحوال مناسبة فأجاب سبحانه بأنّا أمرناك بالتوكّل فإن أرادوا بذلك أن يخدعوك فإنّ حسبك الله وقد قال تعالى:( ومن يتوكّل على الله فهو حسبه إنّ الله بالغ أمره ) .

وهذا ممّا يدلّ على أنّ هناك أسباباً وراء ما ينكشف لنا من الأسباب الطبيعيّـة العاديّـة تجرى على ما يوافق صلاح العبد المتوكّل إذا خانته الأسباب الطبيعيّـة العاديّـة ولم تساعده على مطلوبه الحقّ.

وقوله:( هو الّذى أيّدك بنصره وبالمؤمنين ) بمنزلة الاحتجاج على قوله:( فإنّ حسبك الله ) بذكر شواهد تدلّ على كفايته تعالى وهى أنّه أيّده بنصره وأيّده بالمؤمنين وألّف بين قلوبهم وهى شئ متباغضة.

قوله تعالى: ( وألّف بين قلوبهم لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم ) الخ، قال الراغب: الإلف اجتماع مع التيام يقال: ألّفت بينهم، ومنه الاُلفة ويقال: للمألوف إلف وآلف قال تعالى:( إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم ) انتهى.

أورد سبحانه في جملة ما استشهد على كفايته لمن توكّل عليه أنّه كفى نبيّـهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتأليف قلوب المؤمنين بعد ذكرتأييده بهم، والكلام مطلق والملاك المذكور فيه عامّ يشمل جميع المؤمنين وإن كانت الآية اظهر انطباقاً على الأنصار حيث أيّد الله بهم نبيّـهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فآووه ونصروه وألّف الله سبحانه بدينه بينهم أنفسهم وقد نشبت فيهم الحروب المبيدة وكانت قائمة على ساقها دهراً طويلاً وهى حرب( بغاث ) بين الأوس والخزرج حتّى اصطلحوا بنزول الإسلام في دارهم وأصبحوا بنعمته إخواناً.

وقد امتنّ الله بتأليفه بين قلوب المسلمين في مواضع من كلامه وبيّـن أهميّـة موقعه بمثل قوله:( لو أنفقت ما في الأرض جميعاً ما ألّفت بين قلوبهم ولكنّ الله ألّف بينهم إنّه عزيز حكيم ) .

١٢١

وذلك أنّ الإنسان مفطور على حبّ النعم الحيويّـة الّتى تتمّ بها حياته لا بغية له دونها ولا يريد في الحقيقة شيئاً ولا يقصده إلّا لينتفع به في نفسه وما ربّما يلوح أنّه يريد نفعاً عائداً إلى غيره فالتأمّل الدقيق يكشف عن اشتماله على نفع عائد إليه نفسه، وإذ كان يحبّ الوجدان فهو يبغض الفقدان.

وبهذين الوصفين الغريزيّـين أعنى الحبّ والبغض يتمّ له أمر الحياة ولو أنّه اُحبّ كلّ شئ ومنها الأضداد والمتناقضات لبطلت الحياة ولو أنّه أبغض كلّ شئ حتّى المتنافيات لبطلت الحياة، وقد فطره الله سبحانه على الحياة الاجتماعيّـة، لقصور ما عنده من القوى والأدوات عن القيام بجميع ما يحتاج إليه من ضروريّـات حياته ومن الضرورىّ أنّ الاجتماع لا يتمّ إلّا باختصاص كلّ فرد بما يحرم عنه آخرون من مال أو جاه أو زينة أو جمال أو كلّ ما يتنافس فيه الطباع الإنسانيّ أو يتعلّق به الهوى النفسانيّ على اختلاف فيه بالزيادة والنقيصة.

وهذا أوّل ما يودع أنواع العداوة والبغضاء في القلوب والشحّ في النفوس ثمّ ما ينبسط بينهم من وجوه الحرمان بالظلم والعدوان وبغى البعض على البعض في دم أو عرض أو مال أو غير ذلك ممّا يتنعّمون به ويتنافسون فيه ويعلمون لأجله، تثير في داخل نفوسهم كلّ بغضاء وشنآن.

وهذا كلّه أوصاف وغرائز باطنيّـة في الجماعة لا تلبث دون أن تظهر في أعمالهم وتتلاقى في أفعالهم ويماسّ بعضها بعضاً بينهم في مسير حياتهم وفيه البلوى الّتى تتعقّب الفتن والمصائب الاجتماعيّـة الّتى تبيد النفوس وتهلك الحرث والنسل، وقدشهدت بذلك الحوادث الجارية على توالى القرون والأجيال.

ومهما ظنّت الاُمم المجتمعة أنّ بغيتها في اجتماعها هي التمتّع من العيشة المادّيّـة المحدودة بالحياة الدنيويّـة فلا سبيل إلى قلع مادّة هذا الفساد من أصلها وقطع منابته فإنّ الدار دار التزاحم، والمجتمع قائم على قاعدة الاختصاص، والنفوس مختلفة في الاستعداد، والحوادث الواقعة والعوامل المؤثّرة والأحوال الخارجة دخيلة في معايشهم وحياتهم.

قال تعالى:( إنّ الإنسان خلق هلوعاً إذا مسّه الشرّ جزوعاً وإذا مسّه الخير

١٢٢

منوعاً ) المعارج: ٢١، وقال:( إنّ النفس لأمّارة بالسوء ) يوسف: ٥٣، وقال:( ولا يزالون مختلفين إلّا من رحم ربّك ولذلك خلقهم ) هود: ١١٩، إلى غير ذلك من الآيات.

وغاية ما يمكن الإنسان في بسط الاُلفة وإرضاء القلوب المشحونة بالعداوة والبغضاء أن يقنعهم أو يسكتهم ببذل ما يحبّـون من مال أو جاه أو سائر النعم الدنيويّـة المحبوبة عندهم غير أنّه إنّما ينفع في موارد جزئيّـة خاصّـة، وأمّا العداوة والبغضاء العامّـتان فلا سبيل إلى إزالتهما عن القلوب ببذل النعمة فإنّه لا يبطل غريزة الاستزادة والشحّ الملتهب في كلّ نفس بما يشاهد من المزايا الحيويّـة عند غيره.

على أنّ من النعم ما لا يقبل إلّا الاختصاص والانفراد كالملك والرئاسة العالية و اُمور اُخرى تجرى مجراهما حتّى أنّ الاُمم الراقية ذوى المدنيّـة والحضارة لم يتمكّنوا من معالجة هذا الداء إلّا بما يزول به بعض شدّته، ويستريح جثمان المجتمع من بعض عذابه، وأمّا البغضاءات المتعلّقة بالاُمور الّتى تختصّ به بعض مجتمعهم كالرئاسة والملك فهى على حالها تتّـقد بشررها القلوب ولا يزال يأكل بعضها بعضاً.

على أنّ ذلك ينحصر فيما بينهم وأمّا المجتمعات الخارجة من مجتمعهم فلا يعبا بحالهم ولا يعتنى من منافعهم الحيويّـة إلّا بما يوافق منافع اُولئك وإن أعيتهم طوارق البلاء وعفاهم الدهر بالعناء.

وقد من الله على الاُمّـة الإسلاميّـة إذ أزال الشحّ عن نفوسهم وألّف بين قلوبهم بمعرفة إلهيّـة علّمه إيّـاهم وبثّه فيما بينهم ببيان أنّ الحياة الإنسانيّـة حياة خالدة غير محصورة في هذه الأيّـام القلائل الّتى ستفنى ويبقى الإنسان ولاخبر عنها، وأنّ سعادة هذه الحياة الدائمة غير التمتّع بلذائذ المادّة والرعى في كلإ الخسّـة بل هي حياة واقعيّـة وعيشة حقيقيّـة يحيى ويعيش بها الإنسان في كرامة عبوديّـة الله سبحانه، ويتنعّـم بنعم القرب والزلفى ثمّ يتمتّع بما تيسّر له من متاع الحياة الدنيا ممّا ساقه إليه الحظّ أو الاكتساب عارفاً بحقوق النعمة ثمّ ينتقل إلى جوار الله ويدخل دار رضوانه ويخالط هناك الصالحين من عباده، ويحيى حقّ الحياة قال تعالى:( وما الحياة الدنيا في الآخرة إلّا متاع )

١٢٣

الرعد: ٢٦، وقال تعالى:( وما هذه الحياة الدنيا إلّا لهو ولعب وإنّ الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون ) العنكبوت: ٦٤ وقال:( فأعرض عمّن تولّى عن ذكرنا ولم يرد إلّا الحياة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إنّ ربّك هو أعلم بمن ضلّ عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى ) النجم: ٣٠.

فعلى المسلم أن يؤمن بربّـه ويتربّى بتربيته، ويعزم عزمه ويجمع بغيته على ما عند ربّه فإنّما هو عبد مدبّر لا يملك ضرّاً ولا نفعاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً ومن كان هذا وصفه لم يكن له شغل إلّا بربّه الّذى بيده الخير والشرّ والنفع والضرّ والغنى والفقر والموت والحياة، وكان عليه أن يسير مسير الحياة بالعلم النافع والعمل الصالح فما سعد به من مزايا الحياة الدنيا فموهبة من عند ربّه، وما حرم منه احتسب عند ربّه أجره، وما عند الله خير وأبقى.

وليس هذا من الغاء الأسباب في شئ ولا إبطالاً للفطرة الإنسانيّـة الداعية إلى العمل والاكتساب، النادبة إلى التوسّل بالفكر والإرادة، المحرّضة إلى الاجتهاد في تنظيم العوامل والعلل، الموصلة إلى المقاصد الإنسانيّـة والأغراض الصحيحة الحيويّـة فقد فصّلنا القول في توضيح ذلك في موارد متفرّقة من هذا الكتاب.

وإذا تسنّن المسلمون بهذه السنّة الإلهيّـة، وحوّلوا هوى قلوبهم عن ذلك التمتّع المادّىّ الّذى ليس إلّا بغية حيوانيّـة وغرضاً مادّيّـاً إلى هذا التمتّع المعنويّ الّذى لا تزاحم فيه ولا حرمان عنده، ارتفعت عن قلوبهم العداوة والبغضاء، وخلصت نفوسهم من الشحّ والرين، وأصبحوا بنعمة الله إخواناً، وأفلحوا حقّ الفلاح، قال:( يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرّقوا واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخواناً ) آل عمران: ١٠٣ وقال:( ومن يوق شحّ نفسه فاُولئك هم المفلحون ) الحشر: ٩.

قوله تعالى: ( يا أيّها النبيّ حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ) تطييب لنفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد قال تعالى قبله:( فإنّ حسبك الله هو الّذى أيّدك بنصره وبالمؤمنين ) فالمراد - والله أعلم - يكفيك الله بنصره وبمن اتّبعك من المؤمنين، وليس المراد أنّ هناك

١٢٤

سببين كافيين أو سبباً كافياً ذا جزئين يتألّف منهما سبب واحد كاف فالتوحيد القرآنيّ يأبى ذلك.

وربّما قيل: إنّ المعنى حسبك الله وحسب من اتّبعك من المؤمنين بعطف قوله:( من اتّبعك ) على موضع الكاف من( حسبك ) .

والكلام على أيّ حال مسوق للتحريض على القتال على ما يفيده السياق والقرائن الخارجة فإنّ تأثير المؤمنين في كفايتهم لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّما هو في القتال على ما يسبق إلى الذهن.

وذكر بعضهم: أنّ الآية نزلت بالبيداء قبل غزوة بدر، وعلى هذا لا اتّصال لها بما بعدها، وأمّا اتّصالها بما قبلها فغير مقطوع به.

قوله تعالى: ( يا أيّها النبيّ حرّض المؤمنين على القتال ) إلى آخر الآية. التحريض والتحضيض والترغيب والحضّ والحثّ بمعنى والفقه أبلغ وأغزر من الفهم، وقوله:( إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مأتين ) أي من الّذين كفروا كما قيّـد به الألف بعداً، وكذلك قوله:( وإن يكن منكم مائة ) أي مائة صابرة كما قيّـد بها( عشرون ) قبلاً.

وقوله:( بأنّهم قوم لا يفقهون ) الباء للسببيّـة أو الآلة، والجملة تعليليّـة متعلّقة بقوله:( يغلبوا ) أي عشرون صابرون منكم يغلبون مائتين من الّذين كفروا، ومائة صابرة منكم يغلبون ألفاً من الّذين كفروا كلّ ذلك بسبب أنّ الكفّـار قوم لا يفقهون.

وفقدان الفقه في الكفّـار وبالمقابلة ثبوته في المؤمنين هو الّذى أوجب أن يعدل الواحد من العشرين من المؤمنين أكثر من العشرة من المائتين من الّذين كفروا حتّى يغلب العشرون من هؤلاء المائتين من اُولئك على ما بنى عليه الحكم في الآية فإنّ المؤمنين إنّما يقدمون فيما يقدمون عن إيمان بالله وهو القوّة الّتى لا يعادله ولا يقاومه أيّ قوّة اُخرى لابتنائه على الفقه الصحيح الّذى يوصفهم بكلّ سجيّـة نفسانيّـة فاضلة كالشجاعة والشهامة والجرأة والاستقامة والوقار والطمأنينة والثقة بالله واليقين بأنّه على إحدى الحسنيين إن قتل ففى

١٢٥

الجنّـة وإن قتل ففى الجنّـة، وأنّ الموت بالمعنى الّذى يراه الكفّـار وهو الفناء لا مصداق له.

وأمّا الكفّـار فإنّما اتّكاؤهم على هوى النفس، واعتمادهم على ظاهر ما يسوّله لهم الشيطان، والنفوس المعتمدة على أهوائها لا تتّفق للغاية وإن اتّفقت أحياناً فإنّما تدوم عليه ما لم يلح لائح الموت الّذى تراه فناء، وما أندر ما تثبّت النفس على هواها حتّى حال ما تهدّد بالموت وهى على استقامة من الفكر بل تميل بأدنى ريح مخالف، وخاصّـة في المخاوف العامّـة والمهاول الشاملة كما أثبته التاريخ من انهزام المشركين يوم بدر وهم ألف بقتل سبعين منهم، ونسبة السبعين إلى الألف قريبة من نسبة الواحد إلى أربعة عشر فكان انهزامهم في معنى انهزام الأربعة عشر مقاتلاً من مقاتل واحد، وليس ذلك إلّا لفقه المؤمنين الّذى يستصحب العلم والإيمان، وجهل الكفّـار الّذى يلازمه الكفر والهوى.

قوله تعالى: ( الآن خفّف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن ) الخ أي إن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين من الّذين كفروا وإن يكن منكم ألف صابر يغلبوا ألفين من الّذين كفروا على وزان ما مرّ في الآية السابقة.

وقوله:( وعلم أنّ فيكم ضعفاً ) المراد به الضعف في الصفات الروحيّـة ولا محالة ينتهى إلى الإيمان فإنّ الإيقان بالحقّ هو الّذى ينبعث عنه جميع السجايا الحسنة الموجبة للفتح والظفر كالشجاعة والصبر والرأى المصيب وأمّا الضعف من حيث العدّة والقوّة فمن الضرورىّ أنّ المؤمنين لم يزالوا يزيدون عدّة وقوّة في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقوله:( بإذن الله ) تقييد لقوله:( يغلبوا ) أي إنّ الله لا يشاء خلافه والحال أنّكم مؤمنون صابرون، وبذلك يظهر أنّ قوله:( والله مع الصابرين ) يفيد فائدة التعليل بالنسبة إلى الإذن.

وقوله تعالى في الآية السابقة تعليلاً للحكم:( بأنّهم قوم لا يفقهون ) وكذا في هذه الآية:( وعلم أنّ فيكم ضعفاً ) ( والله مع الصابرين ) وعدم الفقه والضعف الروحيّ والصبر من العلل والأسباب الخارجيّـة المؤثّرة في الغلبة والظفر والفوز بلا شكّ يدلّ على أنّ الحكم في الآيتين مبنىّ على ما اعتبر من الأوصاف الروحيّـة في الفئتين: المؤمنين والكفّـار،

١٢٦

وأنّ القوى الداخلة الروحيّـة الّتى اعتبرت في الآية الاُولى ما في المؤمن الواحد منها غالبة على القوى الداخلة الروحيّـة في عشر من الكفّـار عادت بعد زمان يسير يشير إليه بقوله:( الآن خفّف الله عنكم ) لا يربو ما في المؤمن الواحد منها - من متوسّطي المؤمنين - إلّا على اثنين من الكفّـار فقد فقدت القوّة من أثرها بنسبة الثمانين في المائة وتبدّلت العشرون والمائتان في الآية الاُولى إلى المائة والمائتين في الآية الثانية، والمائة والألف في الاُولى إلى الألف والألفين في الثانية.

والبحث الدقيق في العوامل المولّدة للسجايا النفسانيّـة بحسب الأحوال الطارئة على الإنسان في المجتمعات يهدى إلى ذلك فإنّ المجتمعات المنزليّـة والأحزاب المنعقدة في سبيل غرض من الأغراض الحيويّـة دنيويّـة أو دينيّـة في أوّل تكوّنها ونشأتها تحسّ بالموانع المضادّة والمحن الهادمة لبنيانها من كلّ جانب فتتنبّـه قواها الدافعة للجهاد في سبيل هدفها المشروع عندها، ويستيقظ ما نامت من نفسانيّـاتها للتحذّر من المكاره والتفدية في طريق مطلوبها بالمال والنفس.

ولا تزال تجاهد وتفدى ليلها ونهارها، وتتقوّى وتتقدّم حتّى تمهّد لنفسها حياة فيها بعض الاستقلال، ويصفو لها الجوّ بعض الصفاء ويكثر جمعها ويضرب بجرّانها الأرض أخذت بالاستفادة من فوائد جهدها والتنعّم بنعمة الراحة، والتوسّع في متّسع الأمن، وشرعت القوى الروحيّـة الباسطة الباعثة للعمل في الخمود.

على أنّ المجتمع وإن قلت أفراده لا يخلو من اختلاف في الإيمان، والسجايا الروحيّـة الجميلة من قوىّ فيها وضعيف، وكلّما كثرت الأفراد ازداد ضعفاء الإيمان والّذين في قلوبهم مرض والمنافقون فتنزّلت القوى الروحيّـة في الفرد المتوسّط وارتفعت كفّة الميزان عمّا كانت عليه من الثقل.

والجماعات الدينيّـة والأحزاب الدنيويّـة في ذلك على السواء والسنّة الطبيعيّـة الجارية في النظام الإنسانيّ تجرى على الجميع على نسق واحد، وقد أثبتت التجربة القطعيّـة أنّ المجتمعات المؤتلفة لغرض هامّ كلّما قلّت أفرادها وقويت رقباؤها ومزاحموها، وأحاطت بها المحن والفتن كانت أكثر نشاطاً للعمل وأحدّ في الأثر وكلّما كثرت أفرادها وقلّت مزاحماتها

١٢٧

والموانع الحائلة بينها وبين مقاصدها ومطالبها كانت أكثر خموداً وأقلّ تيقّظاً وأسفه حلماً.

والتدبّر الكافي في مغازى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينوّر ذلك فهذه غزوة بدر غلب فيها المسلمون وهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلاً على ما بهم من رثاثة الحال وقلّة العدّة وفقد السلاح والقوّة كفّـار قريش وهم يعدلون ثلاثة أمثال المسلمين أو يزيدون على ما لهم من العزّة والشوكة والقوّة ثمّ ما جرى على المسلمين في غزوة أحد ثمّ في غزوة الخندق ثمّ في غزوة خيبر ثمّ في غزوة حنين وهى أعجبها وقد ذكرها الله سبحانه بما لا يبقى لباحث ريباً في ذلك إذ قال:( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغن عنكم شيئاً وضاقت عليكم الأرض بما رحبت ثمّ ولّيتم مدبرين ) إلى آخر الآيات.

فالآية تدلّ أوّلاً على أنّ الإسلام كان كلّما زاد في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عزّة وشوكة ظاهراً زادت نقصاً وخموداً في قوى المسلمين الروحيّـة العامّـة ودرجة إيمانهم وسجاياهم الجميلة النفسانيّـة المعنويّـة باطناً حتّى استقرّت بعد غزوه بدر - بقليل أو كثير - على خمس ما كانت عليه قبلها كما يشير إليه بعض الإشارة قوله تعالى في الآيات التالية:( ما كان لنبىّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة والله عزيز حكيم لولا كتاب من الله سبق لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) الآيات.

وثانياً: أنّ الظاهر أنّ الآيتين نزلتا دفعة واحدة فإنّهما وإن كانتا تخبران عن حال المؤمنين في زمانين مختلفين كما يشير إليه قوله في الآية الثانية:( الآن خفّف الله عنكم ) لكنّ الآيتين تقيسان كما مرّ طبع قوى المؤمنين الروحيّـة في زمانين مختلفين، وسياق الثانية بالنظر إلى هذا القياس بحيث لا يستقلّ عن الاُولى، ووجود حكمين مختلفين في زمانين لا يوجب أن ينزل الآية المتضمّنة لأحدهما في زمان غير زمان نزول الاُخرى المتضمّنة للآخر.

نعم لو كانت الآيتان مقصورتين في بيان الحكم التكليفىّ فحسب كان الظاهر نزول الثانية بعد زمان نزلت فيه الاُولى.

وثالثاً: أنّ ظاهر قوله تعالى:( الآن خفّف الله عنكم ) كما قيل كون الآيتين مسوقتين لبيان الحكم التكليفىّ لأنّ التخفيف لا يكون إلّا بعد التكليف فاللفظ لفظ الخبر

١٢٨

والمراد به الأمر ومحصّل المراد في الآية الاُولى: ليثبت الواحد منكم للعشرة من الكفّـار وفي الآية الثانية: الآن خفّف الله في أمره فليثبت الواحد منكم للاثنين من الكفّـار.

واختصاص التخفيف بباب التكاليف - كما قيل - وإن أمكنت المناقشة فيه لكن ظهور الآيتين في وجود حكمين مختلفين مترتّـبين بحسب الزمان أحدهما أخفّ من الآخر لا ينبغى الارتياب فيه.

ورابعاً: أنّ ظاهر التعليل في الآية الاُولى بالفقه، وفي الآية الثانية بالصبر مع تقييد المقاتل من المؤمنين في الآيتين جميعاً بالصبر يدلّ على أنّ الصبر يرجّح الواحد في قوّة الروح على مثليه، والفقه يرجّحه فيها على خمسة أمثاله فإذا اجتمعا في واحد يرجّح على عشرة أمثال نفسه، والصبر لا يفارق الفقه وإن جاز العكس.

وخامساً: أنّ الصبر واجب في القتال على أيّ حال.

( بحث روائي)

في تفسير البيضاوىّ في قوله تعالى:( الّذين عاهدت منهم ثمّ ينقضون عهدهم في كلّ مرّة ) هم يهود بنى قريظة عاهدهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يمالؤوا عليه فأعانوا المشركين بالسلاح وقالوا: نسينا، ثمّ عاهدهم فنكثوا ومالؤوهم عليه يوم الخندق، وركب كعب بن الأشرف إلى مكّة فحالفهم.

أقول: وروى ذلك عن ابن عبّـاس ومجاهد، وروى عن سعيد بن جبير أنّ الآية نزلت في ستّة رهط من اليهود منهم ابن تابوت. وإيضاح ما تشير إليه الآية من نقض اليهود ميثاق النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرّة بعد مرّة وما قاساه من المحن من ناحيتهم يحتاج إلى سير إجماليّ فيما جرى بينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبينهم من الأمر بعد هجرتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة إلى سبع سنين من الهجرة.

وقد كانت طوائف من اليهود هاجرت من بلادها إلى الحجاز وتوطّنوا بها وبنوا فيها الحصون والقلاع، وزادت نفوسهم وكثرت أموالهم وعظم أمرهم وقد مرّت في ذيل قوله

١٢٩

تعالى:( ولمّا جاءهم كتاب من عند الله مصدّق لما معهم وكانوا من قبل يستفتحون على الّذين كفروا فلمّا جاءهم ما عرفوا كفروا به فلعنة الله على الكافرين ) البقره: ٨٩ في الجزء الأوّل من الكتاب روايات في بدء مهاجرتهم إلى الحجاز وكيفيّـة نزولهم حول المدينة وبشارتهم الناس بالنبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ولمّا هاجر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المدينة ودعاهم إلى الإسلام استنكفوا عن الإيمان به فصالح يهود المدينة وعاهدهم بكتاب كتب بينه وبينهم وهم ثلاثة رهط حول المدينة: بنو قينقاع، وبنو النضير، وبنو قريظة أمّا بنو قينقاع فنكثوا العهد في غزوة بدر فسار إليهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في منتصف شوّال في السنة الثانية من الهجرة بعد بضعة وعشرين يوماً من وقعة بدر فتحصّنوا في حصونهم فحاصرهم أشدّ الحصار، وبقوا على ذلك خمسة عشر يوماً.

ثمّ نزلوا على حكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في نفوسهم وأموالهم ونسائهم وذراريهم فأمر بهم فكتّفوا، وكلّم عبدالله بن أبىّ بن سلول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهم وألحّ عليه وكانوا حلفاءه فوهبهم له، وأمرهم أن يخرجوا من المدينة ولا يجاوروه بها فخرجوا إلى أذرعات الشام ومعهم نسائهم وذراريهم، وقبض منهم أموالهم غنيمة الحرب، وكانوا ستّمائة مقاتل من أشجع اليهود.

وأمّا بنو النضير فإنّهم كادوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ خرج إليهم في نفر من أصحابه بعد أشهر من غزوة بدر، وكلّمهم أن يعينوه في دية نفر أو رجلين من الكلابيّـين قتلهم عمرو بن اُميّـة الضمرى فقالوا: نفعل يا أباالقاسم اجلس هنا حتّى نقضى حاجتك، وخلا بعضهم ببعض فتأمّروا بقتله واختاروا من بينهم عمرو بن جحاش أن يأخذ حجر رحى فيصعد فيلقيه على رأسه ويشدخه به وحذّرهم سلّام بن مشكم وقال لهم: لا تفعلوا ذلك فو الله ليخبرنّ بما هممتم به، وإنّه لنقض العهد الّذى بيننا وبينه.

فجاءه الوحى وأخبره ربّه بما همّوا به فقامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من مجلسه مسرعاً وتوجّه إلى المدينة ولحقه أصحابه واستفسروه عن قيامه وتوجّهه فأخبرهم بما همّت به بنو النضير، وبعث إليهم من المدينة أن اخرجوا من المدينة ولا تساكنونى بها، وقد أجّلتكم فمن وجدته بعد ذلك بها، منكم ضربت عنقه فأقاموا أيّـاماً يتجهّزون للخروج.

وأرسل إليهم المنافق عبدالله بن اُبىّ أن لا تخرجوا من دياركم فإنّ معى ألفين يدخلون

١٣٠

معكم حصنكم ويموتون دونكم، وينصركم بنو قريظة وحلفاؤكم من غطفان، وأرضاهم بذلك.

فبعث رئيسهم حُيىّ بن أخطب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّا لا نخرج من ديارنا فاصنع ما بدا لك فكبّر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكبّر أصحابه، وأمر عليّـاًعليه‌السلام بحمل الراية والسير إليهم فساروا وأحاطوا بديارهم، وغدر بهم عبدالله بن اُبىّ، ولم ينصرهم بنو قريظة ولا حلفاؤهم من غطفان.

وقد كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أمر بقطع نخيلهم وإحراقها فجزعوا من ذلك وقالوا: يا محمّـد لا تقطع فإن كان لك فخذه، وإن كان لنا فاتركه لنا. ثمّ قالوا له بعد أيّـام: يا محمّـد نخرج من بلادك فأعطنا أموالنا قال: لا ولكن تخرجون ولكم ما حملت الإبل فلم يقبلوا ذلك وبقوا أيّـاماً على ذلك ثمّ رضوا وسألوه ذلك قال: لا ولكن تخرجون ولا يحمل أحد منكم شيئاً، ومن وجدنا معه شيئاً من ذلك قتلناه فخرجوا فوقع قوم منهم إلى فدك ووادى القرى، وقوم إلى أرض الشام، وكان مالهم فيئاً لله ورسوله من غير أن ينال شيئاً من ذلك جيش الإسلام، وقصّـتهم مذكورة في سورة الحشر، ومن كيد بنى النضير للنبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تخريب الأحزاب من قريش وغطفان وغيرهم عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وأمّا بنو قريظة فقد كانوا على الصلح والسلم حتّى وقعت غزوة الخندق وقد كان حُيىّ بن أخطب رئيس بنى النضير ركب إلى مكّة وحثّ قريشاً على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وحزّب الأحزاب، وفي ذلك ركب إلى بنى قريظة وجاءهم في ديارهم فلم يزل يوسوس إليهم ويعزّهم ويلحّ عليهم ويكلّم رئيسهم كعب بن أسد في ذلك ونقض العهد ومناجزة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى أرضاهم بذلك واشترطوا عليه أن يدخل في حصنهم فيصيبه ما أصابهم فقبل ودخل.

فنقضوا العهد ومالوا إلى الأحزاب الّذين حاصروا المدينة وأظهروا سبّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأحدثوا ثلمة اُخرى.

فلمّا فرغ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمر الأحزاب أتاه جبرئيل بوحى من الله يأمره بالمسير إليهم فسار إليهم ويحمل رايته علىّعليه‌السلام ونازل حصون بنى قريظة، وحصرهم خمسة وعشرين يوماً.

١٣١

فلمّا اشتدّ عليهم الحصار عرض عليهم رئيسهم كعب بن أسد أن يختاروا أحد ثلاث خصال: إمّا أن يسلموا ويدخلوا في دين محمّـد، وإمّا أن يقتلوا زراريهم ويخرجوا إليه بسيوفهم مصلتة يناجزونه حتّى يظفروا به أو يقتلوا عن آخرهم، وإمّا أن يهجموا عليه ويكسبوه يوم السبت لأنّهم - يعنى المسلمين - قد أمنوا أن يقاتلوهم فيه !

فأبوا عليه أن يجيبوه إلى واحدة منهنّ فبعثوا إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن أرسل إلينا أبالبابة بن عبد المنذر نستشيره في الأمر، وكان أبولبابة مناصحاً لهم لأنّ عياله وذرّيّـته وماله كانت عندهم.

فأرسله إليهم فلمّا رأوه قاموا إليه يبكون، وقالوا له: كيف ترى أن ننزل على حكم محمّـد؟ قال: نعم، وأشار بيده إلى حلقه: أنّه الذبح، قال أبولبابة: فو الله ما زلّت قدماى حتّى علمت أنّى خنت الله ورسوله، وأوحى الله إلى نبيّـهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في أمر أبى لبابة.

فندم أبولبابة ومضى على وجهه حتّى أتى المسجد وربط نفسه على سارية من سوارى المسجد تائباً لله، وحلف ألّا يحلّه إلّا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو يموت، فبلغ ذلك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: دعوه حتّى يتوب الله عليه، ثمّ إنّ الله تاب عليه وأنزل توبته وحلّه النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ثمّ إنّ بنى قريظة نزلوا على حكم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وكانوا موالى أوس فكلّمته أوس في أمرهم مستشفعين وآل الأمر إلى تحكيم سعد بن معاذ الآلوسيّ في أمرهم ورضوا ورضى به النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاُحضر سعد وكان جريحاً.

ولمّا كلّم سعد رحمه الله في أمرهم قال: لقد آن لسعد أن لا يأخذه في الله لومة لائم ثمّ حكم فيهم بقتل الرجال وسبى النساء والذراري وأخذ الأموال فاُجرى عليهم ما حكم به سعد فضربت أعناقهم عن آخرهم، وكانوا ستّمائة مقاتل أو سبعمائة، وقيل أكثر، ولم ينج منهم إلّا نفر يسير آمنوا قبل تقتيلهم، وهرب عمرو بن سُعدى منهم ولم يكن داخلاً معهم في نقض العهد، وسبيت النساء إلّا امرأة واحدة ضربت عنقها وهى الّتى طرحت على رأس خلّاد بن السويد بن الصامت رحى فقتلته.

ثمّ أجلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من كان بالمدينة من اليهود ثمّ سارصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى يهود خيبر لما كان من كيدهم وسعيهم في حثّ الأحزاب عليه وتأليفهم من جميع القبائل العربيّـة لحربه فنازل

١٣٢

حصونهم وحصرهم أيّـاماً، وأرسل النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى قتالهم أبابكر في جمع يوماً فانهزم، ثمّ عمر بن الخطّاب في جمع يوماّ فانهزم.

وعند ذلك قال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( لاُعطينّ الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله كرّار غير فرّارلا يرجع حتّى يفتح الله على يديه ) ولمّا كان من غد أعطى الراية عليّـاًعليه‌السلام وأرسله إلى قتال القوم فتقدّم إليهم وقتل مرحباً الفارس المعروف منهم، وهزمهم وقلع بيده باب حصنهم وفتح الله على يده الحصن، وكان ذلك بعد صلح الحديبيّـة في المحرّم سنة سبع من الهجرة.

ثمّ أجلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بقى من اليهود وقد نصح لهم قبل ذلك أن يبيعوا أموالهم ويأخذوا أثمانها. انتهى ما أردنا تلخيصه من قصّة اليهود مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي تفسير العيّـاشيّ عن جابر في قوله تعالى:( إنّ شرّ الدوابّ عند الله ) الآية نزلت في بنى اُميّـة هم شرّ خلق الله هم( الّذين كفروا ) في باطن القرآن، وهم( الّذين لا يؤمنون ) .

أقول: وروى مثله القمّىّ عن أبى حمزة عنهعليه‌السلام ، وهو من باطن القرآن كما صرّح به في الرواية ليس بالظاهر.

وفي الكافي بإسناده عن سهل بن زياد عن بعض أصحابه عن عبدالله بن سنان عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ثلاث من كنّ فيه كان منافقاً وإن صام وصلّى وزعم أنّه مسلم: من إذا ائتمن خان، وإن حدّث كذب، وإذا وعد أخلف إنّ الله عزّوجلّ قال في كتابه:( إنّ الله لا يحبّ الخائنين ) وقال:( أن لعنة الله على الكاذبين ) وفي قوله عزّوجلّ:( واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد وكان رسولاً نبيّـاً ) .

وفي تفسير القمّىّ في قوله تعالى:( وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ) الآية قال: قال: السلاح.

وفي التفسير العيّـاشيّ عن محمّـد بن عيسى عمّن ذكره عن أبى عبداللهعليه‌السلام في الآية قال: سيف وترس.

وفي الفقيه عن الصادقعليه‌السلام مرسلاً في الآية قال: منه الخضاب بالسواد.

وفي الكافي بإسناده عن جابر عن أبى جعفرعليه‌السلام : دخل قوم على الحسين بن علىّعليه‌السلام

١٣٣

فرأوه مختضباً بالسواد فسألوه عن ذلك فمدّ يده إلى لحيته ثمّ قال: أمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في غزاة غزاها أن يختضبوا بالسواد ليقووا به على المشركين.

وفي تفسير العيّـاشيّ عن جابر الأنصاريّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وأعدّوا لهم ما استطعتم من قوّة ) قال: الرمى.

أقول: ورواه في الكافي بإسناده عن عبدالله بن المغيرة رفعه عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والزمخشريّ في ربيع الأبرارعن عقبة بن عامر عنه، والسيوطيّ في الدرّ المنثورعن أحمد ومسلم وأبى داود وابن ماجه وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبى الشيخ وأبى يعقوب إسحاق بن ابراهيم والبيهقيّ عن عقبة بن عامر الجهنىّ عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي الدرّ المنثور أخرج أبوداود والترمذيّ وابن ماجه والحاكم وصحّحه والبيهقيّ عن عقبة بن عامر الجهنىّ رضى الله عنه قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّ الله يدخل بالسهم الواحد ثلاثة نفر الجنّـة: صانعه الّذى يحتسب في صنعته الخير والّذى يجهّز به في سبيل الله والّذى يرمى به في سبيل الله.

وقال: ارموا واركبوا، وأن ترموا خير من أن تركبوا، وقال: كلّ شئ يلهو به ابن آدم فهو باطل إلّا ثلاثة: رميه عن قوسه، وتأديبه فرسه، وملاعبته اهله فإنّهنّ من الحقّ ومن علّم الرمى ثمّ تركه فهى نعمة كفرها.

أقول: وفي هذه المعاني روايات اُخر، وخاصّـة في الخيل والرمى والروايات على أيّ حال من باب عدّ المصاديق.

وفي الدرّ المنثور أخرج سعد والحارث بن أبى اُسامة وأبويعلى وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن قانع في معجمه والطبرانيّ وأبوالشيخ وابن منده والرويانىّ في مسنده وابن مردويه وابن عساكر عن يزيد بن عبدالله بن غريب عن أبيه عن جدّه عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: في قوله:( وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) قال: هم الجنّ، ولا تخبل الشيطان إنساناً في داره فرس عتيق.

أقول: وفي معناها روايات اُخر، ومحصّل الروايات ربط قوله:( وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم ) بقوله:( ومن رباط الخيل ) وهى من قبيل الجرى وليس من التفسير في

١٣٤

شئ، والمراد من الآية بظاهرها العدوّ من الإنسان كالكفّـار والمنافقين.

وفيه أخرج ابن مردويه عن عبد الرحمن بن أبزى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يقرأ: وإن جنحوا للسلم.

وفيه أخرج أبوعبيد وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن ابن عبّـاس في قوله:( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) قال: نسختها هذه الآية:( قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر - إلى قوله -صاغرون ) .

أقول: وروى نسخها بآية البراءة:( اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) والآية لا تخلو عن إيماء إلى كون الحكم مؤجّلاً حيث قال:( وان جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكّل على الله إنّه هو السميع العليم ) .

وفي الكافي بإسناده عن الحلبيّ عن أبى عبداللهعليه‌السلام في قوله تعالى:( وإن جنحوا للسلم فاجنح لها ) قلت: ما السلم؟ قال: الدخول في أمرنا، وفي رواية اُخرى: الدخول في أمرك.

أقول: وهو من الجرى.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن عساكر عن أبى هريرة قال: مكتوب على العرش: لا إله إلّا أنا وحدي لا شريك لى محمّـد عبدى ورسولي أيّـدته بعلىّ، وذلك قوله:( هو الّذى أيّدك بنصره وبالمؤمنين ) .

أقول: ورواه الصدوق في المعاني بإسناده عن أبى هريرة، وأبونعيم في حلية الأولياء بإسناده عنه، وكذا ابن شهر آشوب مسنداً عن أنس عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي تفسير البرهان عن شرف الدين النجفيّ قال: تأويله ذكره أبونعيم في حلية الأولياء بطريقه عن أبى هريرة قال: نزلت هذه الآية في علىّ بن أبى طالب، وهو المعنى بقوله: المؤمنين.

أقول: ولفظ الآية لا يساعد على ذلك اللّهمّ إلّا أن يكون المراد بالاتّباع تمام الاتّباع الّذى لا يشذّ عنه شأن من الشؤون، ومن للتبعيض دون البيان إن ساعد عليه السياق.

وفي الدرّ المنثور أخرج البزّار عن ابن عبّـاس قال: لمّا أسلم عمر قال المشركون:

١٣٥

قد انتصف القوم منّا اليوم، وأنزل الله:( يا أيّها النبيّ حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ) .

أقول: وروى هذا المعنى في روايات اُخر، والاعتبار لا يساعد عليه فإنّ الزمان الّذى أسلم فيه لم يكن على نعت يصحّح الخطاب بمثل قوله:( يا أيّها النبيّ حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ) واليوم يوم الفتنة والعسرة، وقد دام الحال على ذلك بعده سنين متمادية، وما كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ يحتاج إلى شئ يعينه العدّة، وفي هذه الروايات أنّه كان تمام الأربعين أو رابع أربعين. على أنّ الظاهر أنّ الآية مدنيّـة من جملة آيات سورة الأنفال.

وفيه أخرج ابن إسحاق وابن أبى حاتم عن الزهريّ في قوله:( يا أيّها النبيّ حسبك الله ومن اتّبعك من المؤمنين ) قال: نزلت في الأنصار.

أقول: وسياق الآية في عدم المساعدة عليه كالروايتين السابقتين اللّهمّ إلّا أن يكون المراد نزولها يوم آمن به الأنصار أو يوم تابعوه، والظاهر أنّ الآية نزلت في تطييب نفس النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بجميع من كان معه من المؤمنين: مهاجريهم وأنصارهم، وهى توطئة وتمهيد لما في الآية التالية من الأمر بتحريض المؤمنين على القتال.

وفي تفسير القمّىّ قال: قال: كان الحكم في أوّل النبوّة في أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّ الرجل الواحد وجب عليه أن يقاتل عشرة من الكفّـار فإن هرب منهم فهو الفارّ من الزحف، والمائة يقاتلون ألفاً.

ثمّ علم الله أنّ فيهم ضعفاً لا يقدرون على ذلك فأنزل الله:( الآن خفّف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين ) ففرض عليهم أن يقاتل أقلّ رجل من المؤمنين رجلين من الكفّـار فإن فرّ منهما فهو الفارّ من الزحف فإن كانوا ثلاثة من الكفّـار و واحداً من المسلمين ففرّ المسلم منهم فليس هو الفارّ من الزحف.

أقول: وفي تفسير العيّـاشيّ عن الحسين بن صالح عن الصادق عن علىّعليهم‌السلام ما يقرب منه، وروى ما في معناها في الدرّ المنثور بطرق عديدة عن ابن عبّـاس وغيره.

وفي الدرّ المنثور أخرج الشيرازيّ في الألقاب وابن عدىّ والحاكم وصحّحه عن ابن عمر أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرأ:( الآن خفّف الله عنكم وعلم أنّ فيكم ضُعفاً ) رفع.

١٣٦

( سورة الانفال آيه ٦٧ - ٧١)

مَا كَانَ لِنَبِيّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى‏ حَتّى‏ يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( ٦٧ ) لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسّكُمْ فِيَما أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ( ٦٨ ) فَكُلُوا مِمّا غَنِمْتُمْ حَلاَلاً طَيّباً وَاتّقُوا اللّهَ إِنّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( ٦٩ ) يَا أَيّهَا النّبِيّ قُل لِمَن فِي أَيْدِيكُم مِنَ الْأَسْرَى‏ إِن يَعْلَمِ اللّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرَاً يُؤْتِكُمْ خَيْراً مِمّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِر لَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ( ٧٠ ) وَإِن يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللّهَ مِن قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ ( ٧١ )

( بيان)

عتاب من الله سبحانه لأهل بدر حين أخذوا الأسرى من المشركين ثمّ اقترحوا على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يقتلهم ويأخذ منهم الفداء ليصلح به حالهم ويتقوّوا بذلك على أعداء الدين، وقد شدّد سبحانه في العتاب إلّا أنّه أجابهم إلى مقترحهم وأباح لهم التصرّف من الغنائم. وهى تشتمل الفداء.

وفي آخر الآيات ما هو بمنزلة التطميع والوعد الجميل للأسرى إن أسلموا والاستغناء عنهم إن أرادوا خيانة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى: ( وما كان لنبىّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض ) إلى آخر الآيات الثلاث، الأسر: الشدّ على المحارب بما يصير به في قبضة الآخذ له كما قيل والأسير هو المشدود عليه، وجمعه الأسرى والاُسراء والاُسارى والأسارى، وقيل الأسارى جمع جمع وعلى هذا فالسبي أعمّ مورداً من الأسر لصدقه على أخذ من لا يحتاج إلى شدّ كالذرارى.

والثخن بالكسر فالفتح الغلظ، ومنه قولهم: أثخنته الجراح وأثخنه المرض قال

١٣٧

الراغب في المفردات: يقال: ثخن الشئ فهو ثخين إذا غلظ فلم يسل ولم يستمرّ في ذهابه، ومنه استعير قولهم: أثخنته ضرباً واستخفافاً قال الله تعالى:( ما كان لنبىّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض ) ( حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق ) فالمراد بإثخان النبيّ في الأرض استقرار دينه بين الناس كأنّه شئ غليظ انجمد فثبت، بعد ما كان رقيقاً سائلاً مخشىّ الزوال بالسيلان.

والعرض ما يطرأ على الشئ ويسرع فيه الزوال، ولذلك سمّى به متاع الدنيا لدثوره وزواله عمّا قليل، والحلال وصف من الحلّ مقابل العقد والحرمة كأنّ الشئ الحلال كان معقوداً عليه محروماً منه فحلّ بعد ذلك، وقد مرّ معنى الطيب وهو الملائمة للطبع.

وقد اختلف المفسّرون في تفسير الآيات بعد اتّفاقهم على أنّها إنّما نزلت بعد وقعة بدر تعاتب أهل بدر وتبيح لهم الغنائم.

والسبب في اختلاف ما ورد في سبب نزولها ومعانى جملها من الأخبار المختلفة،ولو صحّت الروايات لكان التأمّل فيها قاضياً بتوسّع عجيب في نقل الحديث بالمعنى حتّى ربّما اختلفت الروايات كالأخبار المتعارضة.

فاختلفت التفاسير بحسب اختلافها فمن ظاهر في أنّ العتاب والتهديد متوجّه إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين جميعاً، أو إلى النبيّ والمؤمنين ما عدا عمر، أو ما عدا عمر وسعد بن معاذ، أو إلى المؤمنين دون النبيّ أو إلى شخص أو أشخاص أشاروا إليه بالفداء بعد ما استشارهم.

ومن قال: إنّ العتاب إنّما هو على أخذهم الفداء، أو على استحلالهم الغنيمة قبل الإباحة من جانب الله، والنبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشاركهم في ذلك لما أنّه بدأ باستشارتهم مع أنّ القوم إنّما أخذوا الفداء بعد نزول الآيات لا قبله حتّى يعاتبوا عليه، والنبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أجلّ من أن يجوّز في حقّه استحلال شئ قبل أن يأذن الله له فيه ويوحى بذلك إليه، وحاشا ساحة الحقّ سبحانه أن يهدّد نبيّـه بعذاب عظيم ليس من شأنه أن ينزل عليه من غير جرم أجرمه وقد عصمه من المعاصي، والعذاب العظيم ليس ينزل إلّا على جرم عظيم لا كما

١٣٨

قيل: إنّ المراد به الصغائر.

فالّذي ينبغى أن يقال: إنّ قوله تعالى:( ما كان لنبىّ أن يكون له أسرى حتّى يثخن في الأرض ) أنّ السنّة الجارية في الأنبياء الماضينعليهم‌السلام أنّهم كانوا إذا حاربوا أعداءهم وظفروا بهم ينكلونهم بالقتل ليعتبر به من وراءهم فيكفّوا عن محادّة الله ورسوله، وكانوا يأخذون أسرى حتّى يثخنوا في الأرض، ويستقرّ دينهم بين الناس فلا مانع بعد ذلك من الأسر ثمّ المنّ أو الفداء كما قال تعالى فيما يوحى إلى نبيّـهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ما علا أمرالإسلام واستقرّ في الحجاز واليمن:( فإذا لقيتم الّذين كفروا فضرب الرقاب حتّى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق فإمّا منّاً بعد وإمّا فداء ) سورة محمّـد: ٤.

والعتاب على ما يهدى إليه سياق الكلام في الآية الاُولى إنّما هو على أخذهم الأسرى كما يشهد به أيضاً قوله في الآية الثانية:( لمسّكم فيما أخذتم عذاب عظيم ) أي في أخذكم وإنّما كانوا أخذوا عند نزول الآيات الأسرى دون الفداء وليس العتاب على استباحة الفداء أو أخذه كما احتمل.

بل يشهد قوله في الآية التالية:( فكلوا ممّا غنمتم حلالاً طيّـباً واتّقوا الله إنّ الله غفور رحيم ) - حيث افتتحت بفاء التفريع الّتى تفرّع معناها على ما تقدّمها -: على أنّ المراد بالغنيمة ما يعمّ الفداء، وأنّهم اقترحوا على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن لا يقتل الأسرى ويأخذ منهم الفداء كما سألوه عن الأنفال أو سألوه أن يعطيهموها كما في آية صدر السورة وكيف يتصوّر أن يسألوه الأنفال، ولا يسألوه أن يأخذ الفداء وقد كان الفداء المأخوذ - على ما في الروايات - يقرب من مائتين وثمانين ألف درهم؟

فقد كانوا سألوا النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يعطيهم الغنائم، ويأخذ لهم منهم الفداء فعاتبهم الله من رأس على أخذهم الأسرى ثمّ أباح لهم ما أخذوا الأسرى لاجله وهو الفداء لا لأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شاركهم في استباحة الفداء واستشارهم في الفداء والقتل حتّى يشاركهم في العتاب المتوجّه إليهم.

ومن الدليل من لفظ الآية على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يشاركهم في العتاب أنّ العتاب

١٣٩

في الآية متعلّق بأخذ الأسرى وليس فيها ما يشعر بأنّه استشارهم فيه أو رضى بذلك ولم يرد في شئ من الآثار أنّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصّاهم بأخذ الأسرى ولا قال قولاً يشعر بالرضا بذلك بل كان ذلك ممّا أقدمت عليه عامّة المهاجرين والأنصار على قاعدتهم في الحروب إذا ظفروا بعدوّهم أخذوا الأسرى للاسترقاق أو الفداء فقد ورد في الآثار أنّهم بالغوا في الأسر وكان الرجل يقى أسيره أن يناله الناس بسوء إلّا علىّعليه‌السلام فقد أكثر من قتل الرجال ولم يأخذ أسيراً.

فمعنى الآيات:( ما كان لنبىّ ) ولم يعهد في سنّة الله في أنبيائه( أن يكون له أسرى ) ويحقّ له أن يأخذهم ويستدرّ على ذلك شيئاً( حتّى يثخن ) ويغلظ( في الأرض ) ويستقرّ دينه بين الناس( تريدون ) أنتم معاشر أهل بدر - وخطاب الجميع بهذا العموم المشتمل على عتاب الجميع لكون أكثرهم متلبّسين باقتراح الفداء على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم -( عرض الدنيا ) ومتاعها السريع الزوال( والله يريد الآخرة ) بتشريع الدين والأمر بقتال الكفّـار، ثمّ في هذه السنّة الّتى أخبر بها في كلامه،( والله عزيز ) لا يغلب( حكيم ) لا يلغو في أحكامه المتقنة.

( ولو لا كتاب من الله سبق ) يقتضى أن لا يعذّبكم ولا يهلككم، وإنّما أبهم لأنّ الإبهام أنسب في مقام المعاتبة ليذهب ذهن السامع كلّ مذهب ممكن، ولا يتعيّـن له فيهون عنده أمره( لمسّكم فيما أخذتم ) أي في أخذكم الأسرى فإنّ الفداء والغنيمة لم يؤخذا قبل نزول الآيات وإخبارهم بحلّـيّـتها وطيبها( عذاب عظيم ) وهو كما تقدّم يدلّ على عظم المعصية لأنّ العذاب العظيم إنّما يستحقّ بالمعصية العظيمة( فكلوا ممّا غنمتم ) وتصرّفوا فيما أحرزتم من الفائدة سواء كان ممّا تسلّطتم عليه من أموال المشركين أو ممّا أخذتم منهم من الفداء( حلالاً طيّـباً ) أي حالكونه حلالاً طيّـباً بإباحة الله سبحانه( واتّقوا الله إنّ الله غفور رحيم ) وهو تعليل لقوله:( فكلوا ممّا غنمتم ) الخ أي غفرنا لكم ورحمناكم فكلوا ممّا غنمتم أو تعليل لجميع ما تقدّم أي لم يعذّبكم الله بل أباحه لكم لأنّه غفور رحيم.

قوله تعالى: ( يا أيّها النبيّ قل لمن في أيديكم من الأسرى ) إلى آخر الآية

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444