الميزان في تفسير القرآن الجزء ٩

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 444
المشاهدات: 94144
تحميل: 6036


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94144 / تحميل: 6036
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 9

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ويسدّ طريق الحكومة الدينيّـة العادلة دون البلوغ إلى غرضها من إصلاح الناس وتكوين مجتمع حىّ فعّال بما يليق بالإنسان الفطريّ المتوجّه إلى سعادته الفطريّة.

ولذا خصّ بالذكر من مفاسد عدم تديّنهم بدين الحقّ ما هو العمدة في إفساد المجتمع الصالح، وهو صدّهم عن سبيل الله ومنعهم الناس عن أن يسلكوه بما قدروا عليه من طرقه الظاهرة والخفيّة، ولا يزالون مصرّين على هذه السليقة منذ عهد النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى اليوم.

قوله تعالى: ( والّذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم ) قال الراغب: الكنز جعل المال بعضه على بعض وحفظه، وأصله من كنزت التمر في الوعاء، وزمن الكناز وقت ما يكنز فيه التمر، وناقة كناز مكتنزة اللحم، وقوله:( والّذين يكنزون الذهب والفضّة ) أي يدّخرونها، انتهى.

ففى مفهوم الكنز حفظ المال المكنوز وادّخاره ومنعه من ان يجرى بين الناس في وجوه المعاملات فينمو نماءً حسناً، ويعمّ الانتفاع به في المجتمع فينتفع به هذا بالأخذ، وذاك بالردّ، وذلك بالعمل عليه وقد كان دأبهم قبل ظهور البنوك والمخازن العامّة أن يدفنوا الكنوز في الأرض ستراً عليها من أن تقصد بسوء.

والآية وإن اتّصلت في النظم اللفظىّ بما قبلها من الآيات الذمّة لأهل الكتاب والموبّخة لأحبارهم ورهبانهم في أكلهم أموال الناس بالباطل والصدّ عن سبيل الله إلّا أنّه لا دليل من جهة اللفظ على نزولها فيهم واختصاصها بهم البتّـة.

فلا سبيل إلى القول بأنّ الآية إنّما نزلت في أهل الكتاب وحرّمت الكنز عليهم، وأمّا المسلمون فهم وما يقتنون من ذهب وفضّة يصنعون بأموالهم ما يشاؤون من غير بأس عليهم.

والآية توعد الكانزين إيعاداً شديداً، ويهدّدهم بعذاب شديد غير أنّها تفسّر الكنز المدلول عليه بقوله:( الّذين يكنزون الذهب والفضّة ) بقوله:( ولا ينفقونها في سبيل الله ) فتدلّ بذلك على أنّ الّذى يبغضه الله من الكنز ما يلازم الكفّ عن إنفاقة في سبيل الله إذا كان هناك سبيل.

٢٦١

وسبيل الله على ما يستفاد من كلامه تعالى هو ما توقّف عليه قيام دين الله على ساقه وأن يسلم من انهدام بنيانه كالجهاد وجميع مصالح الدين الواجب حفظها، وشؤون مجتمع المسلمين الّتى ينفسخ عقد المجتمع لو انفسخت، والحقوق الماليّـة الواجبة التى أقام الدين بها صلب المجتمع الدينىّ، فمن كنز ذهباً أو فضّة والحاجة قائمة والضرورة عاكفة فقد كنز الذهب والفضّة ولم ينفقها في سبيل الله فليبشر بعذاب أليم فإنّه آثر نفسه على ربّه وقدّم حاجة نفسه أو ولده الاحتماليّـة على حاجة المجتمع الدينىّ القطعيّـة.

ويستفاد هذا ممّا في الآية التالية من قوله:( هذا ما كنزتم لأنفسكم ) فإنّه يدلّ على أنّ توجّه العتاب عليهم لكونهم خصّوه بأنفسهم وآثروها فيما خافوا حاجتها إليه على سبيل الله الّذى به حياة المجتمع الإنسانيّ في الدنيا والآخرة، وقد خانوا الله ورسوله في ذلك من جهة اُخرى وهى الستر والتغييب إذ لو كان ظاهراً جارياً على الأيدى كان من الممكن أن يامره ولىّ الأمر بإنفاقه في حاجة دينيّـة قائمة لكن إذا كنز كنزاً وأخفى عن الأنظار لم يلتفت إليه، وبقيت الحاجة الضروريّـة قائمة في جانب والمال المكنوز الّذى هو آلوسيلة الوحيدة لرفع الحاجة في جانب مع عدم حاجة من كنزه إليه.

فالآية إنّما تنهى عن الكنز لهذه الخصيصة الّتى هي إيثار الكانز نفسه بالمال من غير حاجة إليه على سبيل الله مع قيام الحاجة إليه، وناهيك أنّ الإسلام لا يحدّ أصل الملك من جهة الكمّـيّة بحدّ فلو كان لهذا الكانز أضعاف ما كنزه من الذهب والفضّة ولم يدّخرها كنزاً بل وضعها في معرض الجريان يستفيد به لنفسه اُلوفاً واُلوفاً، ويفيد غيره ببيع أو شراء أو عمل وغير ذلك لم يتوجّه إليه نهى دينىّ لأنّه حيث نصبها على أعين الناس وأجراها في مجرى النماء الصالح النافع لم يخفها ولم يمنعها من أن يصرف في سبيل الله فهو وإن لم ينفقها في سبيل الله إلّا أنّه بحيث لو أراد ولىّ أمر المسلمين لأمره بالإنفاق فيما يرى لزوم الإنفاق فيه فليس هو إذا لم ينفق وهو بمرأى ومسمع من ولىّ الأمر بخائن ظلوم.

فالآية ناظرة إلى الكنز الّذى يصاحبه الامتناع عن الإنفاق في الحقوق الماليّـة الواجبة لا بمعنى الزكاة الواجبة فقط بل بمعنى يعمّها وغيرها من كلّ ما يقوم عليه ضرورة

٢٦٢

المجتمع الدينىّ من الجهاد وحفظ النفوس من الهلكة ونحو ذلك.

وأمّا الانفاق المستحبّ كالتوسعة على العيال، وإعطاء المال وبذله على الفقراء في الزائد على ضرورة حياتهم فهو وإن أمكن أن يطلق عليه فيما عندنا الإنفاق في سبيل الله إلّا أنّ نفس أدلّته المبيّنة لاستحبابه تكشف عن أنّه ليس من هذا الإنفاق في سبيل الله المذكور في هذه الآية فكنز المال وعدم إنفاقه إنفاقاً مندوباً مع عدم سبيل ضروريّ ينفق فيه ليس من الكنز المنهىّ عنه في هذه الآية فهذا ما تدلّ عليه الآية الكريمة، وقد طال فيها - لما يتعلّق بها من بعض الأبحاث الكلاميّـة - المشاجرة بين المفسّرين، وسنورد فيه كلاماً بعد الفراغ عن البحث الروائيّ المتعلّق بالآيات إن شاء الله تعالى.

وقوله في ذيل الآية:( فبشّرهم بعذاب أليم ) إيعاد بالعذاب يدلّ على تحريمه الشديد.

قوله تعالى: ( يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم ) إلى آخر الآية. إحماء الشئ جعله حارّاً في الإحساس، والإحماء عليه الإيقاد ليتسخّن والإحماء فوق التسخين، والكىّ إلصاق الشئ الحارّ بالبدن.

والمعنى: أنّ ذلك العذاب المبشّر به في يوم يوقد على تلك الكنوز في نار جهنّم فتكون محماة بالنار فتلصق بجباههم وجنوبهم وظهورهم، ويقال لهم عند ذلك:( هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) : فقد عاد عذاباً عليكم تعذّبون به.

ولعلّ تخصيص الجباه والجنوب والظهور لأنّهم خضعوا لها وهو السجدة الّتى تكون بالجباه ولاذوا إليها واللواذ بالجنوب، واتّكؤوا عليها والإتّكاء بالظهور، وقيل غير ذلك والله أعلم.

( بحث روائي)

في الكافي بإسناده عن حفص بن غياث عن أبى عبداللهعليه‌السلام - في حديث الأسياف الّذى ذكره عن أبيه قال: وأمّا السيوف الثلاثة المشهورة فسيف على مشركي العرب، قال الله

٢٦٣

عزّوجلّ:( اقتلوا المشركين حيث وجدتموهم ) .

قال: والسيف الثاني على أهل الذمّة قال الله عزّوجلّ:( وقولوا للناس حسناً ) نزلت هذه الآية في أهل الذمّة ثمّ نسخها قوله عزّوجلّ:( قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرّمون ما حرّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحقّ من الّذين اُوتوا الكتاب حتّى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون ) فمن كان منهم في دار الإسلام فلن يقبل منه إلا الجزية أو القتل وما لهم فئ وذراريهم سبى، وإذا قبلوا الجزية على انفسهم حرم علينا سبيهم، وحرمت أموالهم، وحلّت لنا مناكحتهم.

ومن كان منهم في دار الحرب حلّ لنا سبيهم وأموالهم ولم يحلّ مناكحتهم، ولم يقبل إلّا الدخول في دار الإسلام أو الجزية أو القتل.

وفيه بإسناده عن طلحة بن زيد عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: جرت السنّة أن لا تؤخذ الجزية من المعتوه ولا من المغلوب على عقله.

وفيه بإسناده عن أبى يحيى الواسطيّ عن بعض أصحابنا قال: سأل أبوعبداللهعليه‌السلام عن المجوس أكان لهم شئ؟ فقال: نعم أما بلغك كتاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى أهل مكّة: أن أسلموا و إلّا نابذتكم بحرب فكتبوا إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن خذ منّا الجزية ودعنا على عبادة الأوثان. فكتب إليهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّى لست آخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب.

فكتبوا إليه - يريدون بذلك تكذيبه -: زعمت أنّك لا تأخذ الجزية إلّا من أهل الكتاب ثمّ أخذت الجزية من مجوس هجر. فكتب إليهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إنّ لمجوس كان لهم نبىّ فقتلوه وكتاب أحرقوه. أتاهم نبيّهم بكتابهم في اثنى عشر ألف جلد ثور.

أقول: وفي هذه المعاني روايات اُخرى مودعة في جوامع الحديث واستيفاء الكلام في مسائل الجزية والخراج وغيرهما في الفقه.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن عساكر عن أبى اُمامة عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: القتال قتالان: قتال المشركين حتّى يؤمنوا أو يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون، وقتال الفئة الباغية حتّى تفئ إلى أمر الله فإذا فاءت اُعطيت العدل.

٢٦٤

وفيه أخرج ابن أبى شيبة وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبوالشيخ والبيهقيّ في سننه عن مجاهد في قوله:( قاتلوا الّذين لا يؤمنون بالله ) الآية قال: نزلت هذه حين اُمر محمّـدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه بغزوة تبوك.

أقول: وقد تقدّمت الروايات في ذيل آية المباهلة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أقرّ الجزية على نصارى نجران، وكان ذلك على ما دلّ عليه أمثل الروايات سنة ستّ من الهجرة قبل غزوة تبوك بسنين، وكذا دعوتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ملوك الروم ومصر والعجم وهم من أهل الكتاب كانت سنة ستّ.

وفيه أخرج ابن أبى شيبة عن الزهريّ قال: أخذ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الجزية من مجوس أهل هجر ومن يهود اليمن ونصاراهم من كلّ حالم دينار.

وفيه أخرج مالك والشافعيّ وأبوعبيد في كتاب الأموال وابن أبى شيبة عن جعفر عن أبيه أنّ عمر بن الخطّاب استشار الناس في المجوس في الجزية فقال عبد الرحمن ابن عوف سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب.

وفيه أخرج عبد الرزّاق في المصنف عن علىّ بن أبى طالب: أنّه سأل عن أخذ الجزية من المجوس فقال: والله ما على الأرض اليوم أحد أعلم بذلك منّى إنّ لمجوس كانوا أهل كتاب يعرفونه، وعلم يدرسونه فشرب أميرهم الخمر فسكر فوقع على اُخته فرآه نفر من المسلمين فلمّا أصبح قالت اُخته: إنّك قد صنعت بها كذا وكذا، وقد رآك نفر لا يسترون عليك فدعا أهل الطمع ثمّ قال لهم قد علمتم أنّ آدمعليه‌السلام قد أنكح بنيه بناته.

فجاء اُولئك الّذين رأوه فقالوا: ويل للأبعد إنّ في ظهرك حدّ الله فقتلهم اُولئك الّذين كانوا عنده ثمّ جاءت امرأة فقالت له: بلى قد رأيتك فقال لها: ويحاً لبغىّ بنى فلان قالت: أجل والله قد كانت بغيّة ثمّ تابت فقتلها، ثمّ أسرى على ما في قلوبهم وعلى كتبهم فلم يصبح عندهم شئ.

وفي تفسير العيّـاشيّ في قوله تعالى:( وقالت اليهود عزير ابن الله ) الآية عن عطيّـة العوفىّ عن أبى سعيد الخدرىّ قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اشتدّ غضب الله على اليهود حين قالوا: عزير ابن الله، واشتدّ غضب الله على النصارى حين قالوا: المسيح ابن الله: واشتدّ

٢٦٥

غضب الله على من أراق دمى وآذاني في عترتي.

وفي الدرّ المنثور أخرج البخاريّ في تاريخه عن أبى سعيد الخدرىّ قال: لمّا كان يوم اُحد شجّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في وجهه وكسرت رباعيّـته فقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يومئذ رافعاً يديه يقول: إنّ الله عزّوجلّ اشتدّ غضبه على اليهود أن قالوا: عزير ابن الله، واشتدّ غضبه على النصارى أن قالوا المسيح ابن الله وإنّ الله اشتدّ غضبه على من أراق دمى وآذاني في عترتي.

أقول: وقد روى في الدرّ المنثورو غيره عن ابن عبّـاس وكعب الأحبار والسدّىّ وغيرهم روايات في قصّة عزير هي أشبه بالإسرائيليّـات، والظاهر أنّ الجميع تنتهى إلى كعب.

وفي الاحتجاج للطبرسيّ عن علىّعليه‌السلام قال:( قاتلهم الله أنّى يؤفكون ) أي لعنهم الله أنّى يؤفكون فسمّى اللعنة قتالاً، وكذلك:( قتل الإنسان ما أكفره ) أي لعن الإنسان.

أقول: وروى ذلك من طرق أهل السنّة عن ابن عبّـاس وهو على أيّ حال تفسير يلازم المعنى لا بالمراد اللفظىّ.

وفي الكافي بإسناده عن أبى بصير، عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: قلت له:( اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) فقال: أما والله ما دعوهم إلى عبادة أنفسهم، ولو دعوهم إلى عبادة أنفسهم ما أجابوهم، ولكن أحلّوا لهم حراماً وحرّموا عليهم حلالاً فعبدوهم من حيث لا يشعرون.

أقول: وروى هذا المعنى البرقىّ في المحاسن ورواه العيّـاشيّ في تفسيره عن أبى بصير وعن جابر جميعاً عن أبى عبداللهعليه‌السلام وعن حذيفة، ورواه في الدرّ المنثور عن عدّة من أصحاب الطرق عن حذيفة.

وفي تفسير القمّىّ قال: وفي رواية أبى الجارود عن أبى جعفرعليه‌السلام في قوله:( اتّخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) قال: أمّا المسيح فبعض عظّموه

٢٦٦

في أنفسهم حتّى زعموا أنّه إله وأنّه ابن الله، وطائفة منهم قالوا: ثالث ثلاثة، وطائفة منهم قالوا: هو الله.

وأمّا قوله:( أحبارهم ورهبانهم ) فإنّهم أطاعوا وأخذوا بقولهم، واتّبعوا ما أمروهم به، ودانوا بما دعوهم إليه فاتّخذوهم أرباباً بطاعتهم لهم وتركهم أمر الله وكتبه ورسله فنبذوه وراء ظهورهم، وما أمرهم به الأحبار والرهبان اتّبعوهم وأطاعوهم وعصوا الله. الحديث.

وفي تفسير البرهان عن المجمع قال: وروى الثعلبيّ بإسناده عن عدىّ بن حاتم قال: أتيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفي عنقي صليب من ذهب فقال لى: يا عدىّ اطرح هذا الربق.

وفي تفسير البرهان عن الصدوق بإسناده عن أبى بصير قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام في قوله عزّوجلّ:( هو الّذى أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ) الآية والله ما نزل تأويلها بعد ولا ينزل تأويلها حتّى يخرج القائم فإذا خرج القائم لم يبق كافر بالله ولا مشرك بالإمام إلّا كره خروجه حتّى لو كان الكافر في بطن صخرة قالت: يا مؤمن في بطني كافر فاكسرني واقتله.

أقول: وروى ما في معناه العيّـاشيّ عن أبى المقدام عن أبى جعفرعليه‌السلام وعن سماعة عن أبى عبداللهعليه‌السلام ، وكذا الطبرسيّ مثله عن أبى جعفرعليه‌السلام ، وفي تفسير القمّىّ أنّها نزلت في القائم من آل محمّـد (عليه السلام )، ومعنى نزولها فيه كونه تأويلها كما يدلّ عليه روايه الصدوق.

وفي الدرّ المنثور أخرج سعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقيّ في سننه عن جابر في قوله:( ليظهره على الدين كلّه ) قال: لا يكون ذلك حتّى لا يبقى يهودىّ ولا نصرانيّ صاحب ملّة إلّا الإسلام حتّى تأمن الشاة الذئب، والبقرة الأسد، والإنسان الحيّة، وحتّى لا تقرض فأرة جراباً، وحتّى يوضع الجزية ويكسر الصليب ويقتل الخنزير، وذلك إذا نزل عيسى بن مريمعليه‌السلام .

أقول: والمراد بوضع الجزية أن تصير متروكة لا حاجة إليها لعدم الموضوع بقرينة

٢٦٧

صدر الحديث، وما دلّت عليه هذه الروايات من عدم بقاء كفر ولا شرك يومئذ يؤيّدها روايات اُخرى، وهناك روايات اُخرى تدلّ على وضع المهدىّعليه‌السلام الجزية على أهل الكتاب بعد ظهوره.

وربّما أيّده قوله تعالى في أهل الكتاب:( وألقينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) المائدة: ٦٤،( فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة ) المائدة: ١٤، وما في معناه من الآيات فإنّها لا تخلو من ظهور مّا في بقائهم إلى يوم القيامة إن لم تكن كناية عن ارتفاع المودّة بينهم ارتفاعاً أبديّـاً، وقد تقدّم في ذيل الآيات بعض الكلام في هذا المعنى.

وفي الدرّ المنثور أيضاً أخرج ابن الضريس عن علباء بن أحمر أنّ عثمان بن عفّان لمّا أراد أن يكتب المصاحف أرادوا أن يلقوا الواو الّتى في براءة:( والّذين يكنزون الذهب والفضّة ) قال اُبىّ: لتلحقنّها أو لأضعنّ سيفى على عاتقي فألحقوها.

وفى أمالى الشيخ قال: أخبرنا جماعة عن أبى المفضّل وساق إسناده قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لمّا نزلت هذه الآية:( والّذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم ) كلّ ما يؤدّى زكاته فليس بكنز وإن كان تحت سبع أرضين، وكلّ مال لا يؤدّى زكاته فهو كنز وإن كان فوق الأرض.

أقول: وروى ما في معناه في الدرّ المنثورعن ابن عدىّ والخطيب عن جابر عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكذا بطرق اُخرى عن ابن عبّـاس وغيره.

وفيه أيضاً بإسناده عن أبى عبداللهعليه‌السلام عن أبيه أبى جعفرعليه‌السلام أنّه سأل عن الدنانير والدراهم وما على الناس.

فقال أبوجعفرعليه‌السلام : هي خواتيم الله في أرضه جعلها الله مصلحة لخلقه، وبها يستقيم شؤونهم ومطالبهم فمن أكثر له منها فقام بحقّ الله تعالى فيها أدّى زكاتها فذاك الّذى طلبه، وخلص له، ومن أكثر له منها فبخل بها ولم يؤدّ حقّ الله فيها واتّخذ منها الأبنية فذاك الّذى حقّ عليه وعيد الله عزّوجلّ في كتابه يقول الله تعالى( يوم يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون ) .

٢٦٨

أقول: والرواية تؤيّد ما استفدناه سابقاً من الآية.

وفي تفسير القمّىّ قال: كان أبوذرّ الغفاريّ يغدو كلّ يوم وهو في الشام فينادى بأعلى صوته: بشّر أهل الكنوز بكىّ في الجباه، وكىّ في الجنوب، وكىّ في الظهور حتّى يتردّد الحرّ في أجوافهم.

أقول: وقد استفاد الطبرسيّ في المجمع من الرواية الوجه في تخصيص الجباه والجنوب والظهور من بين أعضاء الإنسان بالذكر في الآية، وأنّ الغرض من تعذيبهم بهذا الوجه إيراد حرّ النار في أجوافهم وهى داخل الرؤوس فتكوى جباههم وداخل الصدور والبطون فتكوى جنوبهم وظهورهم.

ويمكن تتميم ما ذكره بأنّهم يكبّون على وجوههم ورؤوسهم منكوسة على ما يشعر به الأخبار وبعض الآيات ثمّ تكوى أعضاؤهم من فوق فينتج ذلك كىّ الجباه والجنوب والظهور.

وفي الدرّ المنثور أخرج عبد الرزّاق في المصنّف عن أبى ذرّ قال: بشّر أصحاب الكنوز بكىّ في الجباه وفي الجنوب وفي الظهور.

وفيه أخرج ابن سعد وابن أبى شيبة والبخاريّ وابن أبى حاتم وأبوالشيخ وابن مردويه عن زيد بن وهب قال: مررت على أبى ذرّ بالربذة فقلت: ما أنزلك بهذه الأرض؟ قال: كنّا بالشام فقرأت:( والّذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم ) فقال معاوية: ما هذه فينا هذه في أهل الكتاب. قلت أنا: إنّها لفينا وفيهم.

وفيه أخرج مسلم وابن مردويه عن الأحنف بن قيس قال: جاء أبوذرّ فقال: بشّر الكانزين بكىّ من قبل ظهورهم يخرج من جنوبهم، وكىّ من جباههم يخرج من أقفائهم، فقلت: ماذا؟ قال: ما قلت إلّا ما سمعت من نبيّهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفيه أخرج أحمد في الزهد عن أبى بكر المنكدر قال: بعث حبيب بن سلمة إلى أبى ذرّ وهو أمير الشام بثلاثمائة دينار، وقال: استعن بها على حاجتك، فقال أبوذرّ: ارجع بها إليه أما وجد أحداً أغرّ بالله منّا ما لنا إلّا الظلّ نتوارى به، وثلاثة من غنم

٢٦٩

تروح علينا، ومولاة لنا تصدّق علينا بخدمتها ثمّ إنّى لأنا أتخوّف الفضل.

وفيه أخرج البخاريّ ومسلم عن الأحنف بن قيس قال: جلست إلى ملإ من قريش فجاء رجل خشن الشعر والثياب والهيئة حتّى قام عليهم فسلّم ثمّ قال: بشّر الكانزين برضف يحمى عليه في نار جهنّم ثمّ يوضع على حلمة ثدى أحدهم حتّى يخرج من نغض كتفه، ويوضع على نغض كتفه حتّى يخرج من حلمة ثديه فيتدلدل.

ثمّ ولّى وجلس إلى سارية فتبعته وجلست إليه وأنا لا أدرى من هو؟ فقلت: لا أرى القوم إلّا قد كرهوا ما قلت، قال: إنّهم لا يعقلون شيئاً قال لى خليلي. قلت: من خليلك؟ قال: النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أتبصر اُحداً؟ قلت: نعم. قال: ما اُحبّ أن يكون لى مثل اُحد ذهباً اُنفقه كلّه إلّا ثلاثة دنانير وإنّ هؤلاء لا يعقلون إنّما يجمعون للدنيا والله لا أسألهم دنيا، ولا أستفتيهم عن دين حتّى ألقى الله عزّوجلّ.

وفي تاريخ الطبريّ عن شعيب عن سيف عن محمّـد بن عوف عن عكرمة عن ابن عبّـاس أنّ أباذرّ دخل على عثمان وعنده كعب الأحبار فقال لعثمان: لا ترضوا من النّاس بكفّ الّذى حتّى يبذلوا المعروف، وقد ينبغى لمؤدّى الزكاة أن لا يقتصر عليها حتّى يحسن إلى الجيران والإخوان ويصل القرابات.

فقال: كعب من أدّى الفريضة فقد قضى ما عليه، فرفع أبوذرّ محجنه فضربه فشجّه فاستوهبه عثمان فوهبه له، وقال: يا أباذرّ اتّق الله واكفف يدك ولسانك، وقد كان قال له: يابن اليهوديّة ما أنت وما ههنا؟

أقول: وقصص أبى ذرّ واختلافه مع عثمان ومعاوية معروفة مضبوطة في كتب التاريخ والتدبّر فيما مرّ من أحاديثه وما قاله لمعاوية إنّ الآية لا تختصّ بأهل الكتاب وما خاطب به عثمان وواجه به كعباً يدلّ على أنّه إنّما فهم من الآية ما قدّمناه أنّها توعد على الكفّ عن الإنفاق في السبيل الواجب.

ويؤيّده تحليل الحال الحاضر يومئذ فقد كان الناس يومئذ انقسموا قسمين وتبعّضوا شطرين عامّة لا يقدرون على قوت اليوم، ولا يجدون ما يستر عورتهم وما لهم إلى

٢٧٠

أوجب حوائجهم سبيل، وخاصّـة أسكرتهم الدنيا بجماع ما فيها من مال ومنال يكنزون مآت الاُلوف واُلوف الاُلوف من عطايا الخلافة وغنائم الحروب ومال الخراج. ويكفيك في التبّصر فيه أن تراجع ما ضبطته التواريخ من أموال الصحابة من نقد ورقيق وضيعة وشامخات القصور وناجمات الدور، وما أحدثه معاوية وسائر بنى اُميّة بالشام وغيره من أزياء قيصرانيّة وكسروانيّة.

والإسلام لا يرتضى شيئاً من ذلك ولا ينفذ هذا الاختلاف لفاحش دون أن تتقارب الطبقات بالإنفاق، وتصلح عامّة الأوضاع بانعطاف الأغنياء على الفقراء، والأقوياء على الضعفاء.

وربّما قيل: إنّ أباذرّ كان يرى باجتهاد منه أنّ الزائد على القدر الواجب من المال الّذى ينفق لسدّ الجوع وستر العورة كنز يجب إنفاقه في سبيل الله أو أنّه كان يدعو إلى الزهد في الدنيا.

لكنّ الّذى يوجد من بعض كلامه في الروايات يكذّبه فإنّه لا يستند في شئ ممّا قاله إلى اجتهاده ورأى نفسه بل بقوله: ما قلت لهم إلّا ما سمعت من نبيّهم، وقال خليلي كذا وكذا، وقد صحّت الرواية واستفاضت من طرق الفريقين عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: (ما أظلّت الخضراء ولا أقلّت الغبراء ذا لهجة أصدق من أبىّ ذرّ).

وبذلك يظهر فساد ما ذكره شدّاد بن أوس فيما روى عنه أحمد والطبرانيّ قال: (كان أبوذرّ يسمع عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثمّ يخرج إلى باديته ثمّ يرخّص فيه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بعد ذلك فيحفظ من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الرخصة فلا يسمعها أبوذرّ فيأخذ أبوذرّ بالأمر الأوّل الّذى سمع قبل ذلك).

وذلك أنّ الّذى ذكر من أبى ذرّ إنّما هو قوله: إنّ آية الكنز لا تختصّ بأهل الكتاب بل يعمّهم والمسلمين، وليس هذا مصداقاً لما ذكره في الرواية من العزيمة والرخصة، وكذا قوله: إنّ تأدية الزكاة فحسب لا يكفى في جواز الكنز وعدم إنفاقه في الواجب من سبيل الله، وكيف يتصوّر في حقّه أن لا يكون يسمع أنّ الإنفاق منه

٢٧١

مستحبّ كما أنّ منه واجباً وأن لا يعلم أن أدلّة الإنفاق المندوب أحسن مبيّن لآية الكنز.

وأوهن من ذلك ما تعلّق به الطبريّ في تاريخه فقد روى عن شعيب عن سيف عن عطيّـة عن يزيد الفقعسىّ قال: لمّا ورد ابن السوداء الشام لقى أباذرّ فقال: يا أباذرّ ألا تعجّب إلى معاوية يقول: المال مال الله ألا إنّ كلّ شئ لله؟ كأنّه يريد أن يحتجبه دون المسلمين، ويمحو اسم المسلمين.

فأتاه أبوذرّ فقال: ما يدعوك إلى أن تسمّى مال المسلمين مال الله؟ قال: يرحمك الله يا أباذرّ ألسنا عبدالله والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره؟ قال: فلا تقله، قال: فإنّى لا أقول: إنّه ليس لله، ولكن سأقول: مال المسلمين.

قال: وأتى ابن السوداء أبا الدرداء فقال له: من أنت؟ أظنّك والله يهوديّاً؟ فأتى عبادة بن الصامت فتعلّق به فأتى به معاوية فقال: هذا والله الّذى بعث عليك أباذرّ.

وقام أبوذرّ بالشام وجعل يقول: يا معشر الأغنياء وأسوأ الفقراء بشّر الّذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها في سبيل الله بمكان من نار تكوى بها جباههم وجنوبهم وظهورهم. الحديث.

ومحصّله أنّ أباذرّ إنّما بادر إلى ما بادر وألحّ عليه بتسويل من ابن السوداء وهذان الّذان روى عنهما الحديث وعنهما يروى جلّ قصص عثمان أعني شعيباً وسيفاً هما من الكذّابين الوضّاعين المشهورين ذكرهما علماء الرجال وقدحوا فيهما.

والّذى اختلقاه من حديث ابن السوداء وهو الّذى سمّوه عبدالله بن سبا، وإليهما ينتهى حديثه، من الأحاديث الموضوعة، وقد قطع المحقّقون من أصحاب البحث أخيراً أنّ ابن السوداء هذا من الموضوعات الخرافيّـة الّتى لا أصل لها.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن مردويه عن جابر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما من ذى كنز لا يؤدّى حقّه إلّا جئ به يوم القيامة تكوى به جبينه وجبهته، وقيل له: هذا كنزك الّذى بخلت به.

وفيه أخرج الطبرانيّ في الأوسط وأبوبكر الشافعيّ في الغيلانيّات عن علىّ قال:

٢٧٢

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّ الله فرض على أغنياء المسلمين في أموالهم القدر الّذى يسع فقراءهم، ولن يجهد الفقراء إذا جاعوا أو عروا إلّا بما يمنع أغنياؤهم. ألا وإنّ الله يحاسبهم حساباً شديداً أو يعذّبهم عذاباً أليماً.

وفيه أخرج الحاكم وصحّحه وضعّفه الذهبيّ عن أبى سعيد الخدرىّ عن بلال قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بلال الق الله فقيراً ولا تلقه غنيّاً. قلت: وكيف لى بذلك؟ قال: إذا رزقت فلا تخبأ، وإذا سئلت فلا تمنع، قلت: وكيف لى بذلك؟ قال: هو ذاك وإلّا فالنار.

( كلام في معنى الكنز)

لا ريب أنّ المجتمع الّذى أوجده الإنسان بحسب طبعه الأوّلىّ إنّما يقوم بمبادلة المال والعمل، ولو لا ذلك لم يعش المجتمع الإنسانيّ ولا طرفة عين فإنّما يتزوّد الإنسان من مجتمعه بأن يحرز اُموراً من أوّليّات المادّة الأرضيّـة ويعمل عليها ما يسعه من العمل ثمّ يقتنى من ذلك لنفسه ما يحتاج إليه، ويعوض ما يزيد على حاجته من سائر ما يحتاج إليه ممّا عند غيره من أفراد المجتمع كالخبّاز يأخذ لنفسه من الخبز ما يقتات به ويعوّض الزائد عليه من الثوب الّذى نسجه النسّاج وهكذا فإنّما أعمال المجتمعين في ظرف اجتماعهم بيع وشرى ومبادلة ومعاوضة.

والّذى يتحصّل من الأبحاث الاقتصاديّة أنّ الإنسان الأوّلىّ كان يعوّض في معاملاته العين بالعين من غير أن يكونوا متنبّهين لأزيد من ذلك غير أنّ النسب بين الأعيان كانت تختلف عندهم باشتداد الحاجة وعدمه، وبوفور الأعيان المحتاج إليها وإعوازها فكلّما كانت العين أمسّ بحاجة الإنسان أو قلّ وجودها توفّرت الرغبات إلى تحصيلها، وارتفعت نسبتها إلى غيرها، وكلّما بعدت عن مسيس الحاجة أو ابتذلت بالكثرة ه والوفور انصرفت النفوس عنها وانخفضت نسبتها إلى غيرها، وهذا هو أصل القيمة.

ثمّ إنّهم عمدوا إلى بعض الأعيان العزيزة الوجود عندهم فجعلوها أصلا في القيمة

٢٧٣

تقاس إليه سائر الأعيان الماليّـة بمالها من مختلف النسب كالحنطة والبيضة والملح فصارت مداراً تدور عليها المبادلات السوقيّة، وهذه السليقة دائرة بينهم في بعض المجتمعات الصغيرة في القرى وبين القبائل البدويّة حتّى اليوم.

ولم يزالوا على ذلك حتّى ظفروا ببعض الفلزّات كالذهب والفضّة والنحاس ونحوها فجعلوها أصلاً إليه يعود نسب سائر الأعيان من جهه قيمها، ومقياساً واحداً يقاس إليها غيرها فهى النقود القائمة بنفسها وغيرها يقوم بها.

ثمّ آل الأمر إلى أن يحوز الذهب المقام الأوّل والفضّة تتلوه، ويتلوها غيرهما، وسكّت الجميع بالسكك الملوكيّه أو الدوليّة فصارت ديناراً ودرهماً وفلساً وغير ذلك بما يطول شرحه على خروجه من غرض البحث.

فلم يلبث النقدان حتّى عاداً أصلاً في القيمة بهما يقوّم كلّ شئ، وإليهما يقاس ما عند الإنسان من مال أو عمل، وفيهما يرتكز ارتفاع كلّ حاجة حيويّـة، وهما ملاك الثروة والوجد كالمتعلّق بهما روح المجتمع في حياته يختلّ أمره باختلال أمرهما، إذا جريا في سوق المعاملات جرت المعاملات بجريانهما، وإذا وقفا وقفت.

وقد أوضحت ما عليهما من الوظيفة المحوّلة إليهما في المجتمعات الإنسانيّـة من حفظ قيم الأمتعة والأعمال، وتشخيص نسب بعضها إلى بعض، الأوراق الرسميّة الدائرة اليوم فيما بين الناس كالبوند والدولار وغيرهما والصكوك البنجيّة المنتشرة فإنّها تمثّل قيم الأشياء من غير أن تتضمّن عينيّة لها قيمة في نفسها فهى قيم خالصة مجرّدة تقريباً.

فالتأمّل في مكانة الذهب والفضّة الاجتماعيّـة بما هما نقدان حافظان للقيم ومقياسان يقاس إليهما الأمتعة والأموال بما لها من النسب الدائرة بينها تنوّر أنّهما ممثّلان لنسب الأشياء بعضها إلى بعض، وإذ كانت بحسب الاعتبار ممثّلات للنسب - وإن شئت فقل: نفس النسب - تبطل النسب ببطلان اعتبارها، وتحبس بحبسها ومنع جريانها، وتقف بوقوفها.

وقد شاهدنا في الحربين العالميّين الأخيرين ماذا أوجده بطلان اعتبار نقود بعض الدول؟ كالمنات في الدولة التزاريّة والمارك في الجرمن من البلوى وسقوط الثروة واختلال

٢٧٤

أمر الناس في حياتهم، والحال في كنزهما ومنع جريانهما بين الناس هذا الحال.

وإلى ذلك يشير قول أبى جعفرعليه‌السلام في رواية الأمالى المتقدّمة: (جعلها الله مصلحة لخلقه وبها يستقيم شئونهم ومطالبهم).

ومن هنا يظهر أنّ كنزهما إبطال لقيم الأشياء وإماتة لما في وسع المكنوز منهما من إحياء المعاملات الدائرة وقيام السوق في المجتمع على ساقه، وببطلإن لمعاملات وتعطّل الأسواق تبطل حياة المجتمع، وبنسبة ما لها من الركود والوقوف تقف وتضعف.

لست اُريد خزنهما في مخازن تختصّ بهما فإنّ حفظ نفاس الأموال وكرائم الأمتعة من الضيعة من الواجبات الّتى تهدى إليه الغريزة الإنسانيّـة ويستحسنه العقل السليم فكلّما جرت وجوه النقد في سبيل المعاملات كيفما كان فهو وإذا رجعت فمن الواجب أن تختزن وتحفظ من الضيعة وما يهدّدها من أيادى الغصب والسرقة والغيلة والخيانة.

وإنّما أعنى به كنزهما وجعلهما في معزل عن الجريان في المعاملات السوقيّة والدوران لإصلاح أيّ شأن من شؤون الحياة ورفع الحوائج العاكفة على المجتمع كإشباع جائع وإرواء عطشان وكسوة عريان وربح كاسب وانتفاع عامل ونماء مال وعلاج مريض وفكّ أسير وإنجاء غريم والكشف عن مكروب والتفريج عن مهموم وإجابه مضطرّ والدفع عن بيضة المجتمع الصالح وإصلاح ما فسد من الجوّ الإجتماعيّ.

وهى موارد لا تحصى واجبة أو مندوبة أو مباحة لا يتعدّى فيها حدّ الاعتدال إلى جانبى الإفراط والتفريط والبخل والتبذير، والمندوب من الإنفاق وإن لم يكن في تركه مأثم ولا إجرام شرعاً ولا عقلاً غير أنّ التسبّب إلى إبطال المندوبات من رأس والاحتيال لرفع موضوعها من أشدّ الجرم والمعصية.

اعتبر ذلك فيما بين يديك من الحياة اليوميّة بما يتعلّق به من شؤون المسكن والمنكح والمأكل والمشرب والملبس تجد أنّ ترك النفل المستحبّ من شؤون الحياة والمعاش والاقتصار دقيقاً على الضرورىّ منها - الّذى هو بمنزلة الواجب الشرعيّ - يوجب اختلال أمر الحياة اختلالاً لا يجبره جابر ولا يسدّ طريق الفساد فيه سادّ.

وبهذا البيان يظهر أنّ قوله تعالى:( والّذين يكنزون الذهب والفضّة ولا ينفقونها

٢٧٥

في سبيل الله فبشّرهم بعذاب أليم ) ليس من البعيد أن يكون مطلقاً يشمل الإنفاق المندوب بالعناية الّتى مرّت فإنّ في كنز الأموال رفعاً لموضوع الإنفاق المندوب كالإنفاق الواجب لا مجرّد عدم الإنفاق مع صلاحية الموضوع لذلك.

وبذلك يتبيّن أيضاً معنى ما خاطب به أبوذرّ عثمان بن عفّان لما دخل عليه على ما تقدّم في رواية الطبريّ حيث قال له:( لا ترضوا من الناس بكفّ الأذى حتّى يبذلوا المعروف، وقد ينبغى لمؤدّى الزكاة أن لا يقتصر عليها حتّى يحسن إلى الجيران والإخوان ويصل القرابات ) .

فإنّ لفظه كالصريح أو هو صريح في أنّه لا يرى كلّ إنفاق فيما يفضل من المؤنة بعد الزكاة واجباً، وأنّه يقسّم الإنفاق في سبيل الله إلى ما يجب وما ينبغى غير أنّه يعترض بانقطاع سبيل الإنفاق من غير جهة الزكاة وانسداد باب الخيرات بالكلّـيّة وفي ذلك إبطال غرض التشريع وإفساد المصلحة العامّة المشرّعة.

يقول: ليست هي حكومة استبداديّة قيصرانيّة أو كسروانيّة، لا وظيفة لها إلّا بسط الأمن وكفّ الّذى بالمنع عن إيذاء بعض الناس بعضاً ثمّ الناس أحرار فيما فعلوا غير ممنوعين عن ما اشتهوا من عمل أفرطوا أو فرّطوا، أصلحوا أو أفسدوا، اهتدوا أو ضلّوا وتاهوا، والمتقلّد لحكومتهم حرّ فيما عمل ولا يسأل عمّا يفعل.

وإنّما هي حكومة اجتماعيّـة دينيّـة لا ترضى عن الناس بمجرّد كفّ الأذى بل تسوق الناس في جميع شؤون معيشتهم إلى ما يصلح لهم ويهيّئ لكلّ من طبقات المجتمع من أميرهم ومأمورهم ورئيسهم ومرؤوسهم ومخدومهم وخادمهم وغنيّهم وفقيرهم وقويّهم وضعيفهم ما يسع له من سعادة حياتهم فترفع حاجة الغنىّ بإمداد الفقير وحاجة الفقير بمال الغنىّ وتحفظ مكانة القوىّ باحترام الضعيف وحياة الضعيف برأفة القوىّ ومراقبته، ومصدريّة العالي بطاعة الدانى وطاعة الدانى بنصفة العالي وعدله، ولا يتمّ هذا كلّه إلّا بنشر المبرّات وفتح باب الخيرات، والعمل بالواجبات على ما يليق بها والمندوبات على ما يليق بها وأمّا القصر على القدر الواجب، وترك الإنفاق المندوب من رأس فإنّ فيه هدماً لأساس الحياة الدينيّـة، وإبطالاً لغرض الشارع، وسيراً حثيثاً إلى نظام مختلّ وهرج ومرج

٢٧٦

وفساد عريق لا يصلحه شئ كلّ ذلك عن المسامحة في إحياء غرض الدين، والمداهنة مع الظالمين إلّا تفعلوه تكن فتنه في الأرض وفساد كبير.

وكذلك قول أبى ذرّ لمعاوية فيما تقدّم من رواية الطبريّ: (ما يدعوك إلى أن تسمّى مال المسلمين مال الله؟ قال: يرحمك الله يا أباذرّ ألسنا عبدالله والمال ماله والخلق خلقه والأمر أمره قال: فلا تقله).

فإنّ الكلمة الّتى كان يقولها معاوية وعمّاله ومن بعده من خلفاء بنى اُميّة وإن كانت كلمة حقّ وقد رويت عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويدلّ عليها كتاب الله لكنّهم كانوا يستنتجون منه خلاف ما يريده الله سبحانه فإنّ المراد به أنّ المال لا يختصّ به أحد بعزّة أو قوّة أو سيطرة وإنّما هو لله ينفق في سبيله على حسب ما عيّنه من موارد إنفاقه فإن كان ممّا اقتناه الفرد بكسب أو إرث أو نحوهما فله حكمه، وإن كان ممّا حصّلته الحكومة الإسلاميّـة من غنيمة أو جزيه أو خراج أو صدقات أو نحو ذلك فله أيضاً موارد إنفاق معيّـنة في الدين، وليس في شئ من ذلك لوالى الأمر أن يخصّ نفسه أو واحداً من أهل بيته بشئ يزيد على لازم مؤنته فضلاً أن يكنز الكنوز ويرفع به القصور ويتّخذ الحجاب ويعيش عيشه قيصر وكسرى.

وأمّا هؤلاء فإنّما كانوا يقولونه دفعاً لاعتراض الناس عليهم في صرف مال المسلمين في سبيل شهواتهم وبذله فيما لا يرضى الله، ومنعه أهليه ومستحقّيه إنّ المال للمسلمين تصرّفونه في غير سبيلهم ! فيقولون: إنّ المال مال الله ونحن اُمناؤه نعمل فيه بما نراه فيستبيحون بذلك اللّعب بمال الله كيف شاؤوا ويستنتجون به صحّة عملهم فيه بما أرادوا وهو لا ينتج إلّا خلافه، ومال الله ومال المسلمين بمعنى واحد، وقد أخذوهما لمعنيين اثنين يدفع أحدهما الآخر.

ولو كان مراد معاوية بقوله: (المال مال الله) هو الصحيح من معناه لم يكن معنى لخروج أبى ذرّ من عنده وندائه في الملإ من الناس: بشّر الكانزين بكىّ في الجباه وكىّ في الجنوب وكىّ في الظهور.

على أنّ معاوية قد قال لأبي ذرّ إنّه يرى أنّ آية الكنز خاصّـة بأهل الكتاب و

٢٧٧

ربّما كان من أسباب سوء ظنّه بهم إصرارهم عند كتابة مصحف عثمان أن يحذفوا الواو من قوله:( والّذين يكنزون الذهب ) الخ حتّى هدّدهم اُبىّ بالقتال إن لم يلحقوا الواو فألحقوها وقد مرّت الرواية.

فالقصّة في حديث الطبريّ عن سيف عن شعيب وإن سيقت بحيث تقضى على أبى ذرّ بأنّه كان مخطئاً في ما اجتهد به كما اعترف به الطبريّ في أوّل كلامه غير أنّ أطراف القصّة تقضى بإصابته.

وبالجملة فالآية تدلّ على حرمة كنز الذهب والفضّة فيما كان هناك سبيل لله يجب إنفاقه فيه وضرورة داعية إليه لمستحقّي الزكاة مع الامتناع من تأديتها، والدفاع الواجب مع عدم النفقة وانقطاع سبيل البرّ والإحسان بين الناس.

ولا فرق في تعلّق وجوب الإنفاق بين المال الظاهر الجارى في الأسواق وبين الكنز المدفون في الأرض غير أنّ الكنز يختصّ بشئ زائد وهو خيانة ولىّ الأمر في ستر المال وغروره كما تقدّم ذكره في البيان لمتقدّم.

٢٧٨

( سورة التوبة آيه ٣٦ - ٣٧)  

إِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السّماوَاتِ وَالْأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافّةً وَاعْلَمُوا أَنّ اللّهَ مَعَ الْمُتّقِينَ ( ٣٦ ) إِنّمَا النّسِي‏ءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلّ بِهِ الّذِينَ كَفَرُوا يُحِلّونَهُ عَاماً وَيُحَرّمُونَهُ عَاماً لِيُوَاطِئُوا عِدّةَ مَاحَرّمَ اللّهُ فَيُحِلّوا مَا حَرّمَ اللّهُ زُيّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللّهُ لاَيَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ( ٣٧ )

( بيان)

في الآيتين بيان حرمة الأشهر الحرم ذى القعدة وذى الحجّة والمحرّم ورجب الفرد وتثبيت حرمتها وإلغاء نسئ الجاهليّـة، وفيها الأمر بقتال المشركين كافّة.

قوله تعالى: ( إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض ) الشهر كالسنة والاُسبوع ممّا يعرفه عامّة الناس منذ أقدم أعصار الإنسانيّـة، وكأنّ لبعضها تأثيراً في تنبّههم للبعض فقد كان الإنسان يشاهد تحوّل السنين ومرورها بمضيّ الصيف والشتاء والربيع والخريف وتكرّرها بالعود ثمّ العود ثمّ تنبّهوا لانقسامها إلى أقسام هي أقصر منها مدّة حسب ما ساقهم إليه مشاهدة اختلاف أشكال القمر من الهلال إلى الهلال، وينطبق على ما يقرب من ثلاثين يوماً وتنقسم بذلك السنة إلى اثنى عشر شهراً.

والسنة الّتى ينالها الحسّ شمسيّة تتألّف من ثلاثمائة وخمسة وستّين يوماً وبعض يوم لا تنطبق على اثنى عشر شهراً قمريّاً هي ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوماً تقريباً إلّا

٢٧٩

برعاية حساب الكبيسة غير أنّ ذلك هو الّذى يناله الحسّ وينتفع به عامّة الناس من الحاضر والبادى والصغير والكبير والعالم والجاهل.

ثمّ قسموا الشهر إلى الأسابيع وإن كان هو أيضاً لا ينطبق عليها تمام الانطباق لكن الحسّ غلب هناك أيضاً الحساب الدقيق، وهو الّذى أثبت اعتبار الاُسبوع وأبقاه على حاله من غير تغيير مع ما طرء على حساب السنة من الدقّة من جهة الأرصاد، وعلى حساب الشهور من التغيير فبدّلت الشهور القمريّة شمسيّة تنطبق عليها السنة الشمسيّة تمام الانطباق.

وهذا بالنسبة إلى النقاط الاستوائيّة وما يليها من النقاط المعتدلة أو ما يتّصل بها من الأرض إلى عرض سبع وستّين الشماليّ والجنوبىّ تقريباً، وفيها معظم المعمورة وأمّا ما وراء ذلك إلى القطبين الشماليّ والجنوبىّ فيختلّ فيها حساب السنة والشهر والاُسبوع، والسنة في القطبين يوم وليلة، وقد اضطرّ ارتباط بعض أجزاء المجتمع الإنسانيّ ببعض سكّان هذه النقاط - وهم شرذمة قليلون - أن يراعوا في حساب السنة والشهر والاُسبوع واليوم ما يعتبره عامّة سكّان المعمورة فحساب الزمان الدائر بيننا إنّما هو بالنسبة إلى جلّ سكّان المعمورة من الأرض.

على أنّ هذا إنّما هو بالنسبة إلى أرضنا الّتى نحن عليها، وأمّا سائر الكواكب فالسنة - وهى زمان الحركة الانتقاليّة من الكوكب حول الشمس دورة واحدة كاملة - فيها تختلف وتتخلّف عن سنتنا نحن، وكذلك الشهر القمرىّ فيما كان له قمر أو أقمار منها على ما فصّلوه في فنّ الهيئة.

فقوله تعالى:( إنّ عدّة الشهور عند الله اثنا عشر شهراً ) الخ ناظر إلى الشهور القمريّة الّتى تتألّف منها السنون وهى الّتى لها أصل ثابت في الحسّ وهو التشكّلات القمريّة بالنسبة إلى أهل الأرض.

والدليل على كون المراد بها الشهور القمريّة - أوّلاً - قوله بعد:( منها أربعة حرم ) لقيام الضرورة على أنّ الإسلام لم يحرّم إلّا أربعة من الشهور القمريّة الّتى هي ذو القعدة وذو الحجّة والمحرّم ورجب، والأربعة من القمريّة دون الشمسيّة.

٢٨٠