الميزان في تفسير القرآن الجزء ٩

الميزان في تفسير القرآن8%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 444

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 444 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 97211 / تحميل: 6781
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٩

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ان علق الامر بزوال علة النهى... إلى غير ذلك (والتحقيق) أنه لا مجال للتشبث بموارد الاستعمال فانه قل مورد منها يكون خاليا عن قرينة على الوجوب أو الاباحة أو التبعية، ومع فرض التجريد عنها لم يظهر بعد كون عقيب الحظر موجبا لظهورها في غير ما تكون ظاهرة فيه غاية الامر يكون موجبا لاجمالها غير ظاهرة في واحد منها الا بقرينة أخرى كما أشرنا (المبحث الثامن) الحق أن صيغة الامر مطلقا لا دلالة لها على المرة ولا التكرار، فان المنصرف عنها ليس الا طلب إيجاد الطبيعة المأمور بها فلا دلالة لها على أحدهما لا بهيئتها ولا بمادتها، والاكتفاء بالمرة فانما هو

______________________________

(قوله: إن علق النهي بزوال) كما في قوله تعالى: فإذا انسلخ الاشهر الحرم فاقتلوا المشركين، وقوله تعالى: فإذا تطهرن فأتوهن، وقوله تعالى: وإذا حللتم فاصطادوا (قوله: لا مجال للتشبث) اشارة إلى إبطال استدلال بعضهم على مدعاه ببعض موارد الاستعمال كالايات المتقدمة (وحاصله) أن الكلام في المقام في أن وقوع الامر عقيب الحظر هل هو من القرائن العامة التي لا يجوز العدول عن مقتضاها إلا بدليل الموجبة لظهور الصيغة في الاباحة مطلقا أو الوجوب أو رجوع الحكم السابق على النهي أو غير ذلك ؟ والاستعمال لا يدل على شئ من ذلك لامكان استناد الظهور فيه إلى قرينة خاصة غير الوقوع عقيب الحظر فلا يصح الاستناد إليه في اثبات الدعوى (قوله: ومع فرض) يعني لو فرض التجريد عن القرائن الخاصة لم يظهر أن الوقوع عقيب الحظر من القرائن الموجبة لظهور الصيغة في غير الوجوب الذي تكون ظاهرة فيه لولا الوقوع عقيب الحظر (قوله: لاجمالها) وعليه فلا تحمل على الوجوب بناء على وضعها له الا بناء على كون حجية أصالة عدم القرينة من باب التعبد لا من باب حجية الظهور

المرة والتكرار

(قوله: مطلقا) يعنى حيث لا يقيد بمرة أو تكرار (قوله: على المرة والتكرار) سيأتي منه شرحهما (قوله: لا بهيئتها ولا بمادتها) إذ

١٨١

لحصول الامتثال بها في الامر بالطبيعة كما لا يخفى (ثم) لا يذهب عليك أن الاتفاق على أن المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا يدل الا على الماهية - على ما حكاه السكاكي - لا يوجب كون النزاع ههنا في الهيئة - كما في الفصول - فانه غفلة وذهول عن أن كون المصدر كذلك لا يوجب الاتفاق على أن مادة الصيغة لا تدل إلا على الماهية، ضرورة أن المصدر ليس مادة لسائر المشتقات بل هو صيغة مثلها

______________________________

الهيئة موضوعة وضع الحروف للنسبة الخاصة والمادة موضوعة لصرف الماهية لا بشرط، وكل من المرة والتكرار خارج عن مدلولهما (قوله: لحصول الامتثال) إذ الامتثال يحصل بوجود المأمور به فإذا كان المأمور به صرف الطبيعة وكان يتحقق بالمرة كانت امتثالا للامر، ومنه يظهر بطلان استدلال القائل بالمرة بصدق الامتثال بها (قوله: لا يذهب عليك) قال في الفصول: الحق أن هيئة الامر لا دلالة لها على مرة ولا على تكرار... إلى أن قال: وانما حررنا النزاع في الهيئة لنص جماعة عليه، ولان الاكثر حرروا النزاع في الصيغة وهي ظاهرة بل صريحة فيها، ولانه لا كلام في أن المادة وهي المصدر المجرد عن اللام والتنوين لا تدل الا على الماهية من حيث هي على ما حكى السكاكي وفاقهم عليه... الخ فأشكل عليه المصنف (ره) بان الاتفاق على عدم دلالة المصدر المجرد الا على الماهية لا يدل على كون النزاع في المقام في الهيئة لا في المادة إذ المصدر ليس مادة للمشتقات التي منها صيغة الامر بل هو مشتق مثلها، والمادة هي الامر المشترك بينه وبينها حسبما حققه (أقول): ما في الفصول يرجع إلى أمرين أحدهما أن المصدر مادة للمشتقات وثانيهما ان الاتفاق على عدم دلالته على المرة والتكرار يقتضي الاتفاق على عدم دلالة مادة (افعل) عليه ويكون النزاع في مدلول الهيئة أما الاول فيمكن أن يكون جاريا على المشهور، وأما الثاني فلا غبار عليه لان المصدر إذا لم يدل على المرة والتكرار دل ذلك عدم دلالة مادته عليهما فيصح الاستدلال به على عدم دلالة مادة (افعل) عليهما فيلزم الاتفاق على الاول الاتفاق على الاخير (قوله: غفلة وذهول) قد عرفت أنه في محله (قوله: ضرورة أن)

١٨٢

كيف وقد عرفت في باب المشتق مباينة المصدر وسائر المشتقات بحسب المعنى ؟ فكيف بمعناه يكون مادة لها ؟ فعليه يمكن دعوى اعتبار المرة أو التكرار في مادتها كما لا يخفى (إن قلت): فما معنى ما اشتهر من كون المصدر أصلا في الكلام (قلت): - مع أنه محل الخلاف - معناه أن الذى وضع اولا بالوضع الشخصي ثم بملاحظته وضع نوعيا أو شخصيا ساير الصيغ التى تناسبه مما جمعه معه مادة لفظ متصورة في كل منها ومنه بصورة ومعنى كذلك، هو المصدر أو الفعل فافهم (ثم) المراد بالمرة والتكرار هل هو الدفعة والدفعات أو الفرد والافراد ؟ والتحقيق أن يقعا بكلا المعنيين محل النزاع

______________________________

هذا لا يثبت الاشكال على الفصول إلا من جهة ظهور كلامه في كون المصدر مادة للمشتقات، وقد عرفت إمكان حمله على الاصطلاح المشهوري (قوله: فعليه يمكن) قد عرفت أنه لا يمكن (قوله: مع أنه محل) هذا لا دخل له في دفع السؤال إذ قول الكوفيين: ان الفعل هو الاصل في الاشتقاق أءكد في توجه الاشكال فتأمل (قوله: معناه أن) إذا كان هذا معنى كلامهم فليكن هو معنى كلام الفصول (قوله: جمعه معه) الضمير الاول راجع إلى (ما) التي هي عبارة عن سائر الصيغ والثاني راجع إلى (الذي) ويمكن العكس (قوله: ومعنى) معطوف على قوله: لفظ، يعني ومادة معنى متصورة في كل منها ومنه (قوله: هو المصدر) خبر أن (قوله: أو الفعل فافهم) لعله اشارة إلى وجوب حمل كلامهم على ما ذكر بقرينة دعوى الكوفيين ان الفعل هو الاصل إذ لا يراد منه أن الفعل مادة للمشتقات بالمعنى الحقيقي " ثم " ان الموجود في بعض النسخ الضرب على لفظة: وهو أولى (قوله: الدفعة والدفعات) الفرق بين الدفعة والفرد أن الدفعة تصدق على الافراد المتعددة الموجودة في وقت واحد ولا يصدق عليها أنها فرد واحد، وأن الفرد الموجود تدريجا مثل الكلام الممتد المتصل فرد واحد وليس دفعة فبينهما عموم من وجه كما بين الافراد والدفعات ايضا (قوله: والتحقيق أن يقعا) الذي استظهره في الفصول أن النزاع

١٨٣

وان كان لفظهما ظاهرا في المعنى الاول (وتوهم) أنه لو أريد بالمرة الفرد لكان الانسب بل اللازم أن يجعل هذا المبحث تتمة للمبحث الآتي من أن الامر هل يتعلق بالطبيعة أو بالفرد ؟ فيقال عند ذلك: وعلى تقدير تعلقه بالفرد هل يقتضي التعلق بالفرد الواحد أو المتعدد أو لا يقتضي شيئا منهما ؟ ولم يحتج إلى إفراد كل منهما بالبحث - كما فعلوه - وأما لو أريد بها الدفعة فلا علقة بين المسألتين كما لا يخفى (فاسد) لعدم العلقة بينهما لو أريد بها الفرد أيضا فان الطلب - على القول بالطبيعة - إنما يتعلق بها باعتبار وجودها في الخارج ضرورة أن الطبيعة من حيث هي

______________________________

*

فيهما بالمعنى الاول، ونسب إلى القوانين كونه فيهما بالمعنى الثاني، والظاهر ان مراد المصنف (ره) امكان كون النزاع فيهما بالمعنيين لا تحقق النزاع فيهما بهما معا إذ ليس له وجه ظاهر (قوله: وان كان لفظهما) هذا من القرائن التي اعتمد عليها في الفصول لاثبات ما استظهره (قوله: وتوهم انه لو أريد) هذا التوهم للفصول والباعث له عليه ظهور لفظ الفرد المذكور في المسألتين بمعنى واحد وهو ما يقابل الطبيعة (قوله: فاسد لعدم العلقة) حاصله أن المراد بالفرد هنا غير المراد به في تلك المسألة إذ المراد به في تلك المسألة ما يتقوم بالخصوصية المميزة له عن بقية الافراد والمراد به هنا الوجود الواحد للمأمور به فان كان المأمور به هو الطبيعة يقع النزاع في أن صيغة الامر تدل على وجوب وجود واحد للطبيعة أو وجود متعدد لها أو مطلق وجودها فيتأتى النزاع على القول بتعلق الامر بالطبيعة بعين ما يتأتى به على القول بتعلقه بالفرد، والقرينة على إرادة هذا المعنى من الفرد جعله في قبال الدفعة (قوله: باعتبار وجودها) هذا ذكره المصنف (رحمه الله) تمهيدا لتأتي النزاع على القولين لا ردا على الفصول إذ لم يتوهم خلافه في الفصول كما يشهد به دعواه تأتي النزاع على القولين بناء على كون المراد الدفعة إذ لا يخفى أن القائل بالطبيعة لو كان مراده الطبيعة من حيث هي لا معنى لتأتى النزاع في المقام بكل معنى (قوله: ضرورة ان الطبيعة من) قد يقال: الماهية

١٨٤

ليست الا هي لا مطلوبة ولا غير مطلوبة، وبهذا الاعتبار كانت مرددة بين المرة والتكرار بكلا المعنيين فيصح النزاع في دلالة الصيغة على المرة والتكرار بالمعنيين وعدمها، أما بالمعنى الاول فواضح، وأما بالمعنى الثاني فلوضوح أن المراد من الفرد أو الافراد وجود واحد أو وجودات، وإنما عبر بالفرد لان وجود الطبيعة في الخارج هو الفرد غاية الامر خصوصيته وتشخصه - على القول بتعلق الامر بالطبايع - يلازم المطلوب وخارج عنه بخلاف القول بتعلقه بالافراد فانه مما يقومه (تنبيه) لا إشكال - بناء على القول بالمرة - في الامتثال وأنه لا مجال للاتيان بالمأمور به ثانيا على أن يكون أيضا به الامتثال فانه من الامتثال بعد الامتثال (وأما) على المختار من دلالته على طلب الطبيعة من دون دلالة على المرة ولا على التكرار فلا يخلو الحال إما أن لا يكون هناك إطلاق الصيغة في مقام البيان بل في مقام الاهمال أو الاجمال

______________________________

من حيث هي ليست الا هي، ويراد منه معنى أن كل ما هو خارج عنها فليس هو هي لا عينها ولا جزؤها، وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا موجودة ولا معدومة ولا واحد ولا كثير ولا غيرها، وقد يقال ذلك بمعنى أن الخارج عنها ليس عارضا لها بما هي هي بل بشرط الوجود، ويختص النفي بعوارض الوجود كالكتابة والحركة وبهذا المعنى يقال: الماهية من حيث هي لا كاتبة ولا متحركة ولا لا كاتبة ولا لا متحركة، فان الكتابة لما كانت في الرتبة اللاحقة للوجود كان نقيضها هو العدم في الرتبة اللاحقة له أيضا لوحدة رتبة النقيضين فجاز ارتفاع النقيضين في غير تلك الرتبة وحيث أن الطلب ليس من عوارض الماهية من حيث هي بل بشرط الوجود صح أن يقال: الماهية من حيث هي لا مطلوبة ولا لا مطلوبة فتأمل (قوله: وبهذا الاعتبار) أي اعتبار الوجود (قوله: في الامتثال) يعني يتحقق بالمرة (قوله: من الامتثال بعد الامتثال) يعني وهو ممتنع لان الامتثال فعل المأمور به وبالامتثال الاول يسقط الامر فلا يكون فعله ثانيا امتثالا وسيجئ له

١٨٥

فالمرجع هو الاصل، وإما أن يكون اطلاقها في ذاك المقام فلا اشكال في الاكتفاء بالمرة في الامتثال، وإنما الاشكال في جواز ان لا يقتصر عليها فان لازم اطلاق الطبيعة المأمور بها هو الاتيان بها مرة أو مرارا لا لزوم الاقتصار على المرة كما لا يخفى (والتحقيق) أن قضية الاطلاق انما هو جواز الاتيان بها مرة في ضمن فرد أو افراد فيكون ايجادها في ضمنها نحوا من الامتثال كايجادها في ضمن الواحد لا جواز الاتيان بها مرة ومرات فانه مع الاتيان بها مرة لا محالة يحصل الامتثال ويسقط به الامر فيما إذا كان امتثال الامر علة تامة لحصول الغرض الاقصى بحيث يحصل بمجرده فلا يبقى معه مجال لاتيانه ثانيا بداعي امتثال آخر أو بداعي أن يكون الاتيانان امتثالا واحدا لما عرفت من حصول الموافقة باتيانها وسقوط الغرض معها وسقوط الامر بسقوطه فلا يبقى مجال لامتثاله أصلا، وأما إذا لم يكن الامتثال علة تامة لحصول الغرض

______________________________

تتمة (قوله: فالمرجع هو الاصل) يعني الاصل العملي فلو تردد الامر بين الطبيعة والتكرار فالاصل البراءة عن وجوب الزائد على المرة مع تعدد الوجود أما مع اتصاله - بناء على تحقق التكرار به - فاستصحاب الوجوب هو المرجع، ولو تردد بين الطبيعة والمرة فلا أثر للشك، ولو تردد بين المرة والتكرار والطبيعة فالحكم كما لو تردد بين الطبيعة والتكرار، وكذا لو تردد بين المرة والتكرار، وربما يختلف الاصل باختلاف تفسير المرة من حيث كونها لا بشرط أو بشرط لا فلاحظ (قوله: في ذاك المقام) أي في مقام البيان (قوله: في الاكتفاء بالمرة) لصدق الطبيعة على المرة (قوله: في جواز ان لا يقتصر) يعني في جواز الاتيان ثانيا بقصد امتثال الامر لا مجرد الاتيان ثانيا بلا قصد الامر فانه لا ريب في جوازه (قوله: أو مرارا) فيجوز الاتيان ثانيا وثالثا بقصد الامتثال (قوله: فرد أو أفراد) يعني افرادا دفعية (قوله: فانه مع الاتيان بها) هذا تعليل لعدم كون مقتضى الاطلاق جواز الاتيان زائدا على المرة، ومرجعه إلى ابداء المانع العقلي عن ثبوت

١٨٦

كما إذا أمر بالماء ليشرب أو يتوضأ فأتى به ولم يشرب أو لم يتوضأ فعلا فلا يبعد صحة تبديل الامتثال باتيان فرد آخر أحسن منه بل مطلقا كما كان له ذلك قبله على ما يأتي بيانه في الاجزاء (المبحث التاسع) الحق انه لا دلالة للصيغة

______________________________

اطلاق المذكور لان الوجود الاول إذا كان علة تامة لسقوط الغرض كان علة تامة لسقوط الامر ايضا فيمتنع كون الوجود اللاحق موضوعا للامر كي يجوز الاتيان به بقصد امتثال الامر، وإذا امتنع كون الاتيان الثاني موضوعا للامر امتنع ان يكون اطلاق الصيغة شاملا للمرة والمرات " أقول ": يمكن منع الاطلاق المذكور مع قطع النظر عن المانع العقلي وذلك لان اطلاق المادة يقتضي أن يكون المراد بها صرف الوجود الصادق على القليل والكثير وهو لا ينطبق على الوجود اللاحق فانه وجود بعد وجود لا صرف الوجود الذي هو بمعنى خرق العدم فتأمل، وأما المانع الذي ذكره فهو يتوقف على امتناع التخيير بين الاقل والاكثر بكل وجه، وسيأتي الكلام فيه (قوله: كما إذا امر بالماء ليشرب) الغرض من الامر باحضار الماء: تارة يكون مجرد تمكن الآمر من شربه ولا ريب في حصوله بمجرد احضاره، واخرى يكون هو الشرب الفعلي فيشكل الامتثال ثانيا من جهة امتناع بقاء الامر مع حصول موضوعه الذي هو صرف الاحضار، فلا بد اما من الالتزام بأن موضوع الامر ليس مطلق الاحضار بل الاحضار المترتب عليه الشرب، والباعث على هذا الالتزام لزوم المساواة عقلا بين الغرض وموضوع الامر سعة وضيقا لامتناع التفكيك بينهما، وعليه فلا يتعين الاحضار الحاصل لان يكون مأمورا به الا بعد ترتب الغرض عليه، ولازمه ان المكلف في مقام الامتثال انما يأتي بالاحضار الاول رجاء كونه مأمورا به لا بقصد ذلك، وحينئذ فللمكلف الاتيان ثانيا وثالثا بهذا القصد بعينه ولا يكون فرق بين الوجود الاول وبقية الوجودات اللاحقة في كيفية الامتثال لكن لازم ذلك القول بالمقدمة الموصلة، واما من الالتزام بأن الغرض كما يبعث إلى الامر اولا بالاحضار يبعث ثانيا إلى صرف الاحضار المنطبق على بقاء الفرد الاول واحضار فرد آخر إذ لا يتعين للدخل في

١٨٧

لا على الفور ولا على التراخي (نعم) قضية إطلاقها جواز التراخي والدليل عليه تبادر طلب ايجاد الطبيعة منها بلا دلالة على تقيدها باحدهما فلا بد في التقييد من دلالة أخرى كما ادعي دلالة غير واحد من الآيات على الفورية، وفيه منع الضرورة أن سياق آية: (وسارعوا إلى مغفرة من ربكم) وكذا آية: (واستبقوا الخيرات) انما هو البعث نحو المسارعة إلى المغفرة والاستباق إلى الخير من دون استتباع تركهما للغضب والشر ضرورة أن تركهما لو كان مستتبعا للغضب والشر كان البعث بالتحذير عنهما أنسب كما لا يخفى " فافهم " مع لزوم كثرة تخصيصه في المستحبات وكثير من الواجبات بل أكثرها فلا بد من حمل الصيغة فيهما على خصوص الندب أو مطلق الطلب ولا يبعد دعوى استقلال العقل بحسن المسارعة والاستباق وكان ما ورد من الآيات والروايات في مقام البعث نحوه ارشادا إلى ذلك كالآيات والروايات الواردة في البعث على اصل الاطاعة فيكون الامر فيها لما يترتب على المادة بنفسها ولو لم يكن

______________________________

الغرض الفرد الاول بخصوصه بمجرد وجوده بل كما لم يتعين أولا قبل وجوده لم يتعين بعد وجوده، ولازم ذلك الالتزام باوامر طولية بحسب الزمان مادام الغرض باقيا ويكون المراد من بقاء الامر هذا المعنى لا بقاء الامر الشخصي بحدوده لامتناع بقائه بحصول موضوعه فتأمل جيدا.

الفور والتراخى

(قوله: لا على الفور ولا على) كما هو المشهور وعن الشيخ (ره) وجماعة القول بالفور، وعن السيد (ره) الاشتراك بين الفور والتراخي، وعن آخرين التوقف، والتحقيق الاول ويظهر ذلك بملاحظة ما تقدم في المرة والتكرار (قوله: قضية اطلاقها) يعني اطلاق المادة بالاضافة إلى الزمان (قوله: تبادر طلب) يعني ولو كان الوجه في التبادر مقدمات الاطلاق (قوله: ضرورة ان تركهما) يعني أن ظاهر تعليق المسارعة والاستباق بالمغفرة والخير كون تركهما

١٨٨

هناك أمر بها كما هو الشأن في الاوامر الارشادية " فافهم " (تتمة) بناء على القول بالفور فهل قضية الامر الاتيان فورا ففورا بحيث لو عصى لوجب عليه الاتيان به فورا ايضا في الزمان الثاني أولا ؟ وجهان مبنيان على أن مفاد الصيغة - على هذا القول - هو وحدة المطلوب

______________________________

لا ينافي تحقق المغفرة والخير كما هو الحال في كل فعل متعلق بمفعوله، ولازم ذلك عدم وجوب المسارعة والاستباق والا كان تركهما موجبا للغضب والشر كما هو شأن ترك الواجب وهو خلف، بل كان الانسب حينئذ أن يقال: احذروا من الغضب والشر بالمسارعة والاستباق، لا التعبير بما في الآية، إلا أن يقال: ان الغضب الحاصل بترك المسارعة لا يضاد المغفرة التي هي موضوع المسارعة فوجوب المسارعة لا ينافي كون تركها لا يؤدي إلى الغضب بل إلى المغفرة، وكذا الحال في الآية الاخرى، ولكن هذا لو سلم لا ينافي ظهور السياق فيما ذكره المصنف (ره) فتأمل جيدا (والاولى) أن يقال: المغفرة في الآية الاولى يراد منها سببها وهو الاطاعة وكما يمتنع اخذ الاطاعة قيدا للواجب الشرعي يمتنع أخذ المسارعة إليها كذلك وكما أن الامر بالاطاعة ارشادي كذلك الامر بالمسارعة فيها، مع أن الآية على تقدير دلالتها على وجوب المسارعة لا تدل على تقييد الواجب بالفورية بل هي على خلاف ذلك أدل لان مادة المسارعة إلى الشئ إنما تكون فيما هو موسع كما لا يخفى، وكذا الحال في الآية الاخرى على تقدير كون المراد من الخيرات الخيرات الاخروية كما هو الظاهر، ولعله إلى بعض ما ذكرنا اشار بقوله: فافهم (قوله: الارشادية فافهم) لعله اشارة إلى لزوم الالتزام به لما عرفت، (قوله: فهل قضية الامر) ينبغي ان يجعل الاحتمال ثلاثي الاطراف فيقال: هل ظاهر الامر الاتيان به فورا فلو تركه عصى وسقط الامر أو الاتيان به فورا على نحو لو تركه في الزمان الاول عصى في ترك الفورية وبقي الامر بصرف الطبيعة أو الاتيان به فورا ففورا فلو تركه في الزمان الاول عصى ووجب الاتيان به بعد ذلك

١٨٩

أو تعدده ولا يخفى أنه لو قيل بدلالتها على الفورية لما كان لها دلالة على نحو المطلوب من وحدته أو تعدده فتدبر جيدا

الفصل الثالث

الاتيان بالمأمور به على وجهه يقتضى الاجزاء في الجملة بلا شبهة، وقبل الخوض في تفصيل المقام وبيان النقض والابرام ينبغي تقديم أمور (أحدها) الظاهر ان المراد من (وجهه) في العنوان هو النهج الذى ينبغي أن يؤتى به على ذاك النهج شرعا

______________________________

فورا أيضا... وهكذا، ومبنى الاحتمال الاول ان الفورية في الزمان الاول مقومة لاصل المصلحة فتفوت بفوتها وهذا هو المراد من وحدة المطلوب، ومبنى الثاني ان يكون مصلحتان احداهما قائمة بذات الفعل مطلقا والاخرى قائمة بالفورية في الزمان الاول لا غير، ومبنى الثالث كذلك الا ان مصلحة الفورية ذات مراتب مختلفة يكون ترك الفورية في كل زمان مفوتا لمرتبة من مصلحتها لا لاصلها كما هو مبنى الثاني (قوله: أو تعدده) قد عرفت ان تعدده على نحوين يكونان مبنيين لاحتمالين (قوله: لو قيل بدلالتها على) اما لو كان الدليل على الفورية غير الصيغة فيختلف باختلاف تلك الادلة، وفي المعالم بنى القول بالسقوط على الاستناد لغير الآيتين والقول بعدمه على الاستناد اليهما، ولا يخلو من تأمل ليس هذا محل ذكره والله سبحانه اعلم، ثم انه حيث كان اطلاق يعتمد عليه في نفي الفور والتراخي فلا اشكال واما إذا لم يكن اطلاق كذلك فالمرجع الاصل فلو كان التردد بين الفور والتراخي فالواجب الجمع بين الوظيفتين للعلم الاجمالي بالتكليف باحدهما، ولو كان بين الفور والطبيعة فالمرجع اصل البراءة لو كان وجوب الفورية على نحو تعدد المطلوب ولو كان بنحو وحدة المطلوب فالحكم هو الحكم مع الشك بين الاقل والاكثر، وكذا الحكم لو كان التردد بين الطبيعة والتراخي والله سبحانه أعلم

١٩٠

وعقلا مثل أن يؤتى به بقصد التقرب في العبادة، لا خصوص الكيفية المعتبرة في المأمور به شرعا فانه عليه يكون (على وجهه) قيدا - توضيحيا - وهو بعيد - مع أنه يلزم خروج التعبديات عن حريم النزاع بناء على المختار كما تقدم من ان قصد القربة من كيفيات الاطاعة عقلا لا من قيود المأمور به شرعا، ولا الوجه المعتبر عند بعض الاصحاب فانه - مع عدم اعتباره عند المعظم، وعدم اعتباره عند من اعتبره إلا في خصوص العبادات لا مطلق الواجبات، لا وجه لاختصاصه به بالذكر على تقدير الاعتبار فلا بد من ارادة ما يندرج فيه من المعنى وهو ما ذكرناه كما لا يخفى

______________________________

الكلام في الاجزاء

(قوله: مثل ان يؤتى به) بيان للنهج اللازم عقلا بناء على خروج قصد التقرب عن موضوع الامر (قوله: لا خصوص) معطوف على النهج وفيه تعريض بما قد يظهر من عبارة التقريرات فتأملها (قوله: قيدا توضيحيا) لان ذكر المأمور به يغني عنه ثم إن كون القيد توضيحيا لازم للقائلين بأن قصد التقرب داخل في المأمور به (قوله: مع انه يلزم خروج) إذ لا إشكال في عدم الاجزاء لو كان المأمور به في العبادات فاقدا لقصد التقرب وان كان واجدا لجميع ما يعتبر فيه شرعا (قوله: بناء على المختار) أما على القول بكون قصد التقرب قيدا للمأمور به فهي داخلة في محل النزاع لدخولها في العنوان ويكون عدم الاجزاء مع فقد التقرب لعدم الاتيان بالمأمور به شرعا (قوله: ولا الوجه المعتبر) يعني الوجوب والندب (قوله: عند المعظم) فلا وجه لذكره في العنوان في كلام المعظم إلا أن يكون المقصود من ذكره الاحتياط في ذكر القيود لكنه بعيد (قوله: لا مطلق الواجبات) فلا وجه لاخذه قيدا في دعوى الاجزاء مطلقا (قوله: لاختصاصه) يعني من دون سائر القيود المعتبرة في الاطاعة مثل التقرب والتمييز إلا أن يدعى الاكتفاء به عنهما على بعض

١٩١

(ثانيها) الظاهر ان المراد من الاقتضاء ههنا الاقتضاء بنحو العلية والتأثير لا بنحو الكشف والدلالة، ولذا نسب إلى الاتيان لا إلى الصيغة (ان قلت): هذا إنما يكون كذلك بالنسبة إلى أمره وأما بالنسبة إلى أمر آخر كالاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري أو الظاهرى بالنسبة إلى الامر الواقعي فالنزاع في الحقيقة في دلالة دليلهما على اعتباره بنحو يفيد الاجزاء أو بنحو آخر لا يفيده (قلت): نعم لكنه لا ينافى كون النزاع فيها كان في الاقتضاء بالمعنى المتقدم غايته ان العمدة في سبب الاختلاف فيهما انما هو الخلاف في دلالة دليلهما هل انه على نحو يستقل العقل بان الاتيان به موجب للاجزاء ويؤثر فيه وعدم دلالته، ويكون النزاع فيه صغرويا أيضا بخلافه في الاجزاء بالاضافة إلى أمره فانه لا يكون الا كبرويا لو كان هناك نزاع

______________________________

التقادير فتأمل (قوله: المراد من الاقتضاء ههنا) الواقع في القوانين والفصول وغيرهما في تحرير العنوان قولهم: الامر بالشئ هل يقتضي الاجزاء أولا ؟، وحيث أن ظاهر الاقتضاء فيه الكشف والدلالة كما في قولهم: الامر يقتضي الوجوب، والنهي يقتضي التحريم، نبه المصنف (ره) على ان الاقتضاء في العنوان المذكور في المتن ليس بمعنى الكشف والدلالة بل بمعنى العلية والتأثير كما في قولهم: الامر بالشئ يقتضي النهي عن ضده، والوجه في ذلك نسبة الاقتضاء في عنوان المتن إلى الاتيان وفي عنوان غيره إلى الامر وحيث أنه لا معنى لتأثير الامر في الاجزاء وجب حمله على الدلالة يعني يدل الامر على أن موضوعه واف بتمام المصلحة بخلاف الاتيان فان تأثيره في الاجزاء ظاهر إذ لولا كونه علة لحصول الغرض لما كان مامورا به (قوله: هذا إنما يكون) يعني أن حمل الاقتضاء على العلية إنما يصح بالاضافة إلى نفس الامر المتعلق بالماتي فان إجزاءه يلازم سقوط امره لا بالنسبة إلى الامر المتعلق بغيره إذ النزاع في الحقيقة يكون في دلالة الدليل فالاقتضاء فيه بمعنى الدلالة (قوله: نعم) يعني كما ذكرت من أن النزاع في دلالة الدليل (قوله: صغرويا) صورة القياس في المقام هكذا: المأمور به

١٩٢

كما نقل عن بعض (فافهم) (ثالثها) الظاهر ان الاجزاء ههنا بمعناه لغة وهو الكفاية وان كان يختلف ما يكفى عنه فان الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي يكفى فيسقط به التعبد به ثانيا، وبالامر الاضطراري أو الظاهرى الجعلي فيسقط به القضاء لا انه يكون ههنا اصطلاحا بمعنى اسقاط التعبد أو القضاء فانه بعيد جدا

______________________________

*

بالامر الاضطراري مأمور به بالامر الواقعي - ولو تنزيلا - والمامور به بالامر الواقعي يقتضي الاجزاء، ينتج: المأمور به بالامر الاضطراري يقتضي الاجزاء. والنزاع في هذه المسألة بالنسبة إلى الامر الواقعي في الكبرى وبالنسبة إلى الامر الاضطراري في الصغرى بالنسبة إلى الامر الواقعي، وفي الكبرى بالنسبة إلى أمر نفسه والمحكم في الكبرى مطلقا العقل والمحكم في الصغرى الدليل الشرعي فإذا كان الاقتضاء في الكبرى بمعنى العلية كان في النتيجة كذلك، ومنه يظهر أن إثبات الاجزاء في الفعل الاضطراري والظاهري بالنسبة إلى الامر الواقعي يتوقف على إثبات الصغرى والكبرى معا، وفي الفعل الواقعي على اثبات نفس الكبرى لانه عينها (قوله: فافهم) يمكن ان يكون اشارة إلى ان النزاع في مثل هذه الصغرى ليس نزاعا في المسألة الاصولية لان شأن المسائل الاصولية تنقيح الكبريات وأما الصغريات فوضيفة الفقيه، ولذا لم يتعرض في هذا المبحث لصغريات الافعال الاضطرارية والظاهرية تفصيلا فلاحظ (قوله: الظاهر ان الاجزاء) قد تضمنت جملة من العبارات كون الاجزاء له معنيان (احدهما) إسقاط التعبد بالفعل ثانيا (وثانيهما) إسقاط القضاء، وأن المراد هنا أي المعنيين ؟ وقد دفع المصنف (ره) ذلك - تبعا للتقريرات - بان لفظ الاجزاء لم يستعمل في المقام إلا بمعناه اللغوي وهو الكفاية غاية الامر أن ما يكفي عند الماتي به تارة يكون هو التعبد به ثانيا فيكون مسقطا للتعبد به واخرى الامر به قضاء فيكون مسقطا للقضاء لا أن له معنى اصطلاحيا ليتردد في أنه إسقاط التعبد أو إسقاط القضاء (قوله: يكفي فيسقط) يعنى يكفي في حصول الغرض فلا يحتاج إلى التعبد به ثانيا لتحصيله (قوله: فيسقط به) يعنى يكفي أيضا في حصول

١٩٣

(رابعها) الفرق بين هذه المسألة ومسألة المرة والتكرار لا يكاد يخفى، فان البحث ههنا في ان الاتيان بما هو المأمور به يجزئ عقلا بخلافه في تلك المسألة فانه في تعيين ما هو المأمور به شرعا بحسب دلالة الصيغة بنفسها أو بدلالة اخرى (نعم) كان التكرار عملا موافقا لعدم الاجزاء لكنه لا بملاكه، وهكذا الفرق بينها وبين مسألة تبعية القضاء للاداء فان البحث في تلك المسألة في دلالة الصيغة على التبعية وعدمها بخلاف هذه المسألة فانه كما عرفت في ان الاتيان بالمأمور يجزئ عقلا عن اتيانه ثانيا اداء أو

______________________________

*

الغرض فلا يثبت الامر بالقضاء ثم إن إجزاء المأمور به الواقعي لما كان بلحاظ الامر به ناسب التعبير باسقاط التعبد به ثانيا وإجزاء المأمور به بالامر الاضطراري والظاهري لما كان بلحاظ الامر به قضاء ناسب التعبير باسقاط القضاء (قوله: الفرق بين هذه) قد يتوهم أن القول بالمرة قول بالاجزاء والقول بالتكرار قول بعدم الاجزاء (قوله: بما هو المأمور به) يعني بعد الفراغ عن تعيين تمام المأمور به (قوله: فانه في تعيين) وحينئذ فيكون النزاع في الاجزاء مترتبا على النزاع في المرة والتكرار لا أن النزاع فيهما نزاع في الموضوع والنزاع فيه نزاع في الحكم (قوله: بحسب دلالة) يعني فيكون النزاع في أمر لفظي (قوله: عملا) متعلق بقوله: موافقا، يعني هما من حيث العمل سواء لكنه موقوف على أن المراد بالتكرار فعل كل فرد ممكن بعد آخر أما لو كان المراد ما يشمل تكرار الصلاة اليومية وصوم رمضان كما يقتضيه استدلال بعضهم فلا ملازمة بينهما عملا ثم إن هذا بالنسبة إلى أمره أما بالنسبة إلى أمر غيره فلا مجال للتوهم ولا للموافقة عملا (قوله: لا بملاكه) إذ ملاك عدم الاجزاء عدم وفاء المأمور به بالغرض المقصود منه وملاك التكرار عدم حصول تمام المأمور به (قوله: وهكذا الفرق) يعني قد يتوهم أن القول بعدم الاجزاء عين القول بتبعية القضاء للاداء، والقول بالاجزاء قول بعدم تبعية القضاء للاداء (قوله: فان البحث حينئذ) يعني أن البحث في تبعية القضاء للاداء بحث في ان الامر بشئ في وقت

١٩٤

قضاء أولا يجزئ فلا علقة بين المسألة والمسئلتين اصلا (إذا) عرفت هذه الامور فتحقيق المقام يستدعي البحث والكلام في موضعين (الاول) أن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي بل بالامر الاضطراري أو الظاهري أيضا يجزئ عن التعبد به ثانيا، لاستقلال العقل بانه لا مجال مع موافقة الامر باتيان المأمور به على وجهه لاقتضائه التعبد به ثانيا. نعم لا يبعد ان يقال بأنه يكون للعبد تبديل الامتثال والتعبد به ثانيا بدلا عن التعبد به أولا لا منضما إليه كما اشرنا إليه في المسألة السابقة، وذلك فيما علم ان مجرد امتثاله لا يكون علة تامة لحصول الغرض وان كان وافيا به لو اكتفى

______________________________

*

هل يدل على لزوم فعله في خارج الوقت على تقدير عدم الاتيان به في الوقت بحيث يرجع إلى الامر به مطلقا لكونه في الوقت أولا يدل ؟ فيكون النزاع في تعيين المأمور به من حيث دلالة الامر، وأين هو من النزاع في المسألة ؟ (قوله: فلا علقة بين) أولا من جهة أن إحداهما متضمنة لتعيين نفس المأمور به والاخرى متضمنة لتعيين مقتضاه (وثانيا) من جهة أن النزاع في إحداهما لفظي وفى الاخرى عقلي " وثالثا " من جهة ان القول بعدم الاجزاء انما في ظرف الاتيان بالمأمور به والقول بالتبعية انما هو في ظرف عدم الاتيان به (قوله: بالامر الاضطراري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: أو الظاهري) يعني بالاضافة إلى أمره (قوله: لاستقلال العقل بأنه) قد عرفت أن الامر الحقيقي لابد ان يكون حاكيا عن الارادة وأن الارادة حدوثا وبقاء تتوقف على العلم بالمصلحة المعبر عنها بالداعي تارة وبالغرض أخرى فالماتي به في الخارج إما أن لا يترتب عليه الغرض فلا يكون مامورا به فهو خلف أو يترتب عليه الغرض فبقاء الامر حينئذ إن كان بلا غرض فهو مستحيل كما عرفت وان كان عن غرض آخر غير الغرض الحاصل من الماتي به أولا فيلزمه أن يكون المأمور به فردين في الخارج يترتب على كل منهما غرض خاص فيكون الامر منحلا إلى أمرين يسقط كل منهما بالاتيان بمتعلقه وهو عين الاجزاء المدعى غاية الامر أنه لا يكون فعل أحدهما مسقطا لامر الآخر ومجزئا عنه ولكنه غير محل الكلام إذ الكلام - كما عرفت - في أن فعل المأمور به مجزئ عن الامر به ثانيا (قوله: لا منضما إليه)

١٩٥

به كما إذا اتى بماء امر به مولاه ليشربه فلم يشربه بعد فان الامر بحقيقته وملاكه لم يسقط بعد ولذا لو اهرق الماء واطلع عليه العبد وجب عليه اتيانه ثانيا كما لم يأت به أولا ضرورة بقاء طلبه ما لم يحصل غرضه الداعي إليه والا لما اوجب حدوثه فحينئذ يكون له الاتيان بماء آخر موافق للامر كما كان له قبل اتيانه الاول بدلا عنه. نعم فيما كان الاتيان علة تامة لحصول الغرض فلا يبقى موقع التبديل كما إذا أمر باهراق الماء في فمه لرفع عطشه فاهرقه، بل لو لم يعلم أنه من أي القبيل فله التبديل باحتمال ان لا يكون علة فله إليه السبيل، ويؤيد ذلك بل يدل عليه ما ورد من الروايات في باب اعادة من صلى فرادى جماعة وان الله تعالى يختار احبهما إليه (الموضع الثاني) وفيه مقامان (المقام الاول) في ان الاتيان بالمأمور به بالامر الاضطراري هل يجزئ عن الاتيان بالمأمور به بالامر الواقعي ثانيا بعد رفع الاضطرار في الوقت اعادة وفى خارجه قضاء أولا يجزئ ؟ تحقيق الكلام فيه يستدعي التكلم فيه (تارة) في بيان ما يمكن ان يقع عليه الامر الاضطراري من الانحاء وبيان ما هو قضية كل منها من الاجزاء وعدمه (وأخرى) في تعيين ما وقع عليه فاعلم انه يمكن

______________________________

*

قد يمكن أن يكون منضما إليه كما في الافراد الدفعية التى تكون امتثالا واحدا لعدم المرجح. فتأمل (قوله: وجب عليه) يعني بعين وجوبه أولا كما تقدم الكلام فيه (قوله: بدلا عنه) قد عرفت أنه يمكن أن يكون منضما إليه (قوله: فلا يبقى موقع) إذ الثاني مما يعلم بعدم ترتب الاثر عليه (قوله: ما ورد من الروايات) كرواية أبي بصير قلت لابي عبد الله (عليه السلام): أصلي ثم أدخل المسجد فتقام الصلاة وقد صليت فقال (عليه السلام): صل معهم يختار الله أحبهما إليه، ورواية هشام عنه (عليه السلام): في الرجل يصلي الصلاة وحده ثم يجد جماعة قال (عليه السلام): يصلي معهم ويجعلها الفريضة انشاء الله، ونحوها رواية حفص، وفي مرسلة الصدوق: يحسب له أفضلهما وأتمهما

١٩٦

ان يكون التكليف الاضطراري في حال الاضطرار كالتكليف الاختياري في حال الاختيار وافيا بتمام المصلحة وكافيا فيما هو المهم والغرض ويمكن ان لا يكون وافيا به كذلك بل يبقى منه شئ امكن استيفاؤه أو لا يمكن، وما أمكن كان بمقدار يجب تداركه أو يكون بمقدار يستحب، ولا يخفى انه ان كان وافيا به فيجزئ فلا يبقى مجال اصلا للتدارك لا قضاء ولا اعادة، وكذا لو لم يكن وافيا ولكن لا يمكن تداركه ولا يكاد يسوغ له البدار في هذه الصورة الا لمصلحة كانت فيه لما فيه من نقض الغرض وتفويت مقدار من المصلحة لولا مراعاة ما هو فيه من الاهم فافهم

______________________________

الامر الاضطراري

(قوله: ان يكون التكليف) يعني موضوعه (قوله: كالتكليف الاختياري) يعني كموضوعه (قوله: وما أمكن كان) يعني أن المقدار الباقي من المصلحة الذي يمكن استيفاؤه قسمان فانه تارة يكون واجب التدارك وأخرى يكون مستحب التدارك (أقول): ما لا يمكن استيفاؤه ايضا قسمان تارة يكون محرم التفويت وأخرى لا يكون كذلك فالاقسام خمسة وإنما لم يتعرض للقسمين المذكورين لعدم اختلافهما في الاجزاء وإن كانا يختلفان في جواز البدار وعدمه (قوله: ولا يخفى) شروع في حكم الاقسام من حيث الاجزاء (قوله: اصلا للتدارك) لان التدارك إنما يكون في ظرف الفوت والمفروض عدمه (قوله: ولا يكاد يسوغ) يعني حيث يكون الفائت مما يحرم تفويته أما إذا لم يكن فلا تحريم للبدار كما أن نسبة التحريم إلى البدار لا تخلو من مسامحة إذ المحرم هو تفويت ذلك المقدار والبدار ليس تفويتا ولا مقدمة له وإنما هو ملازم له فلا ينسب إليه التحريم إلا بالعرض والمجاز ولذا لم تفسد العبادة، ولعله إلى هذا اشار بقوله: فافهم (قوله: إلا لمصلحة) يعني إذا كانت مصلحة في البدار تصلح لمزاحمة المقدار الفائت لم يحرم التفويت الملازم للبدار حينئذ (قوله: لما فيه من)

١٩٧

(لا يقال): عليه فلا مجال لتشريعه ولو بشرط الانتظار لامكان استيفاء الغرض بالقضاء (فانه يقال): هذا كذلك لولا المزاحمة بمصلحة الوقت، وأما تسويغ البدار أو ايجاب الانتظار في الصورة الاولى فيدور مدار كون العمل بمجرد الاضطرار مطلقا أو بشرط الانتظار أو مع اليأس عن طرؤ الاختيار ذا مصلحة ووافيا بالغرض، وان لم يكن وافيا وقد امكن تدارك الباقي في الوقت أو مطلقا ولو بالقضاء خارج

______________________________

تعليل لعدم جواز البدار لكن عرفت أن البدار لا تفويت فيه لغرض المولى وإنما هو يلازم التفويت (قوله: فلا مجال لتشريعه) يعني إذا كان البدل الاضطراري غير واف بمصلحة المبدل الاختياري كيف جاز تشريعه ولو في آخر الوقت ؟ لان في تشريعه تفويتا للمصلحة (قوله: هذا كذلك) (أقول): تشريع الاضطراري إنما جاز لاشتماله على المصلحة مع عدم كونه مقدمة للتفويت فالمنع عن تشريعه غير ظاهر الوجه الا ان يكون المراد من تشريعه الامر بفعله في الوقت أو الاذن كذلك الملازمين للاذن في التفويت (قوله: لولا المزاحمة) يعنى انما يكون تفويت التشريع ممنوعا عنه حيث يؤدي إلى تفويت المصلحة مع عدم مزاحمتها بمصلحة أخرى وإلا فلو فرض كون خصوصية الفعل في الوقت مشتملة على مصلحة تزاحم المقدار الفائت لم يكن مانع عن تشريعه كما تقدم مثل ذلك في جواز البدار ثم إنه حيث كان في خصوصية الوقت مصلحة يتدارك بها ما يفوت جاز البدار أول الوقت إذا علم الاضطرار في تمام الوقت ولا موجب للانتظار فتأمل (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما كان الاضطراري فيها وافيا بتمام المصلحة (قوله: الاضطرار مطلقا) وعليه يجوز البدار مطلقا (قوله: أو بشرط الانتظار) وعليه فلا يجوز البدار (قوله: أو مع اليأس) فلا يجوز البدار الا مع اليأس ثم إن هذه الاقسام لا تختص بالصورة الاولى بل تجري في الثانية أيضا إذ قد تكون خصوصية الوقت مطلقا ذات مصلحة تزاحم المقدار الفائت. وقد تكون بشرط الانتظار، وقد تكون بشرط اليأس وقد يكون بغير ذلك فيتبع كلا حكمه (قوله: وان لم يكن وافيا)

١٩٨

الوقت فان كان الباقي مما يجب تداركه فلا يجزئ فلا بد من ايجاب الاعادة أو القضاء وإلا فاستحبابه ولا مانع عن البدار في الصورتين غاية الامر يتخير في الصورة الاولى بين البدار والاتيان بعملين العمل الاضطراري في هذا الحال والعمل الاختياري بعد رفع الاضطرار أو الانتظار والاقتصار باتيان ما هو تكليف المختار، وفي الصورة الثانية يتعين عليه استحباب البدار واعادته بعد طروء الاختيار. هذا كله فيما يمكن أن يقع عليه الاضطراري من الانحاء، وأما ما وقع عليه فظاهر إطلاق دليله مثل قوله تعالى: (فان لم تجدوا ماء فتيمموا صعيدا طيبا) وقوله (عليه السلام): (التراب أحد الطهورين ويكفيك عشر سنين) هو الاجزاء وعدم وجوب الاعادة أو القضاء ولا بد في ايجاب الاتيان به ثانيا من دلالة دليل بالخصوص (وبالجملة):

______________________________

*

معطوف على قوله: إن كان وافيا (قوله: فلا بد من ايجاب) لاجل تدارك الباقي (قوله: والا فاستحبابه) الظاهر أن أصل العبارة: والا فيجزئ، بمعنى عدم وجوب الاعادة والقضاء وان كان يستحب (قوله: ولا مانع عن) إذ لا تفويت فيهما (قوله: في الصورة الاولى) وهي ما يكون الباقي فيها مما يجب تداركه (قوله: وفى الصورة الثانية) وهي ما كان الباقي فيها مما يستحب تداركه (قوله: استحباب البدار) هذا الاستحباب بنحو الكلية غير ظاهر الوجه إلا أن يستند فيه إلى مثل آيتي المسارعة والاستباق فتأمل (قوله: وأما ما وقع عليه) التعرض لذلك ينبغي أن يكون في الفقه لا هنا إذ ليس لدليله ضابطة كلية فقد يختلف الدليل باختلاف قرينة الحال أو المقال من حيث الدلالة على الوفاء وعدمه وكأن مقصود المصنف (ره) الاشارة إلى ما يكون كالانموذج لادلة البدل الاضطراري (قوله: هو الاجزاء) أما اقصاء ما كان بلسان البدلية مثل: أحد الطهورين، ونحوه فظاهر، فان اطلاق البدلية يقتضي قيام البدل مقام المبدل منه بلحاظ جميع الآثار والخواص فلا بد من أن يفى بما يفي به المبدل من المصلحة بمرتبتها ويترتب عليه الاجزاء " فان قوله ": هذا الاطلاق

١٩٩

وان كان ثابتا الا انه معارض باطلاق دليل المبدل منه فانه يقتضي تعينه في جميع الاحوال ولازمه وجوب حفظ القدرة عليه الكاشف عن عدم وفاء البدل بمصلحته والا جاز تفويت القدرة عليه، وكما يمكن الجمع بينهما برفع اليد عن اطلاق دليل المبدل فيحمل على تعينه في ظرف القدرة عليه جاز رفع اليد عن اطلاق دليل البدل فيحمل على وفائه ببعض مراتب المصلحة التي يفي بها المبدل واذ لا مرجح يرجع إلى الاصل ويسقط الاطلاق عن المرجعية " قلت ": نسبة دليل البدل إلى دليل المبدل منه نسبة الحاكم إلى المحكوم لانه ناظر إليه موسع لموضوعه فيجب تقديمه عليه وجوب تقديم الحاكم على المحكوم. هذا كله بالنظر إلى طبع الكلام نفسه أما بملاحظة كون البدلية في حال الاضطرار فلا يبعد كون مقتضى الجمع العرفي كون البدل من قبيل الميسور للتام ولاجل ذلك نقول: لا يجوز تعجيز النفس اختيارا لانه تفويت للتام، فتأمل جيدا. وأما ما كان بلسان الامر فقد يشكل اطلاقه المقتضي للاجزاء إذ الامر انما يدل على وفاء موضوعه بمصلحة مصححة للامر به أما أنها عين مصلحة المبدل أو بعضها فلا يدل عليه الامر ولا يصلح لنفي وجوب الاعادة أو القضاء. نعم لو كان المتكلم في مقام بيان تمام ما له دخل في حصول الغرض المترتب على الاختياري مع عدم الامر بالاعادة أو القضاء أمكن الحكم بالاجزاء حينئذ اعتمادا على هذا الاطلاق المقامي المقدم على اطلاق دليل المبدل للحكومة، أو كون الامر واردا مورد جعل البدل فيجري فيه ما تقدم، اللهم إلا أن يقال: دليل المبدل ظاهر في التعيين في حال التمكن وعدمه ودليل البدل ظاهر في تعينه في حال عدم التمكن من المبدل وهما متنافيان للعلم بعدم تعينهما معا فيدور الامر (بين) رفع اليد عن ظهور دليل البدل في التعيين ودليل المبدل فيه بالاضافة إلى بعض مراتب المصلحة ولازمه الحكم بتعين المبدل في تحصيل تمام مرتبة الغرض والتخيير بينه وبين البدل في تحصيل بعضها ويترتب عليه عدم الاجزاء (وبين) رفع اليد عن اطلاق دليل المبدل بالاضافة إلى حالتي التمكن وعدمه وحيث أن الثاني أقرب يكون هو المتعين ولازم ذلك اشتراط وجوب المبدل بحال التمكن فيترتب

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

على حذو إحاطة الفتنة بهم في الدنيا وسقوطهم فيها فقوله:( ألا في الفتنة سقطوا ) وقوله:( وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين ) كأنّهما معاً يفيدان معنى واحداً وهو أنّ هؤلاء واقعون في الفتنة والتهلكة أبداً في الدنيا والآخرة.

ويمكن أن يفهم من قوله:( وإنّ جهنّم لمحيطة بالكافرين) الإحاطة بالفعل دون الإحاطة اللإستقباليّة كما تهدى إليه الآيات الدالّة على تجسّم الأعمال.

قوله تعالى: ( إن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ) المراد بالحسنة والسيّـئة بقرينة السياق ما تتعقّبه الحروب والمغازى لأهلها من حسنة الفتح والظفر والغنيمة والسبي، ومن مصيبة القتل والجرح والهزيمة.

وقوله:( يقولوا قد أخذنا أمرنا من قبل ) كناية عن الاحتراز عن الشرّ قبل وقوعه كأنّ أمرهم كان خارجاً من أيديهم فأخذوه وقبضوا وتسلّطوا عليه فلم يدعوه يفسد ويضيع.

فمعنى الآية أنّ هؤلاء المنافقين هواهم عليك: إن غنمت وظفرت في وجهك هذا ساءهم ذلك، وإن قتلت أو جرحت أو اُصبت بأىّ مصيبة اُخرى قالوا قد احترزنا عن الشرّ من قبل وتولّوا وهم فرحون.

وقد أجاب الله سبحانه عن ذلك بجوابين اثنين في آيتين: قوله:( قل لن يصيبنا ) الخ وقوله:( قل هل تربّصون ) الخ.

قوله تعالى: ( قل لن يصيبنا إلّا ما كتب الله لنا هو مولانا وعلى الله فليتوكّل المؤمنون ) محصّله أنّ ولاية أمرنا إنّما هي لله سبحانه فحسب - على ما يدلّ عليه قوله:( هو مولانا ) من الحصر - لا إلى أنفسنا ولا إلى شئ من هذه الأسباب الظاهرة، بل حقيقة الأمر لله وحده وقد كتب كتابة حتم ما سيصيبنا من خير أو شرّ أو حسنة أو مصيبة، وإذا كان كذلك فعلينا امتثال أمره والسعى لإحياء أمره والجهاد في سبيله ولله المشيّـة فيما يصيبنا في ذلك من حسنة أو مصيبة فما على العبيد إلّا ترك التدبير وامتثال الأمر وهو التوكّل.

وبذلك يظهر: أنّ المراد بقوله:( وعلى الله فليتوكّل المؤمنون ) ليس كلاماً مستأنفاً

٣٢١

بل معطوف على ما قبله متمّم له، والمعنى أنّ ولاية أمرنا لله ونحن مؤمنون به، ولازمه أن نتوكّل عليه ونرجع الأمر إليه من غير أن نختار لأنفسنا شيئاً من الحسنة ومصيبة فلو أصابتنا حسنة كان المنّ له وإن أصابتنا مصيبة كانت المشيّـة والخيرة له، ولا لوم علينا ولا شماتة تتعلّق بنا، ولا حزن ولا مساءة يطرء على قلوبنا.

وقد قال تعالى:( ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلّا في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على الله يسير* لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم ) الحديد: ٢٣، وقال:( ما أصاب من مصيبة إلّا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه ) التغابن: ١١ وقال:( ذلك بأنّ الله مولى الّذين آمنوا ) سورة محمّـد: ١١، وقال:( والله ولىّ المؤمنين ) آل عمران: ٦٨، وقال:( فالله هو الولىّ ) الشورى: ٩.

والآيات - كما ترى - تتضمّن اُصول هذه الحقيقة الّتى تنبئ عنه الآية الّتى نتكلّم فيها جواباً عن وهم المنافقين، وهى أنّ حقيقة الولاية لله سبحانه ليس إلى أحد من دونه من الأمر شئ فإذا آمن الإنسان به وعرف مقام ربّه علم ذلك وكان عليه أن يتوكّل على ربّه ويرجع إليه حقيقة المشيّـة والخيرة فلا يفرح بحسنة أصابته، ولا يحزن لمصيبة أصابته.

ومن الجهل أن يسوء الإنسان ما أصابت عدوّه من حسنة أو يسرّه ما أصابته من مصيبة فليس له من الأمر شئ، وهذا هو الجواب الأوّل عن مساءتهم بما أصاب المؤمنين من الحسنة وفرحهم بما أصابتهم من المصيبة.

وظاهر كلام بعض المفسّرين أنّ المولى في الآية بمعنى الناصر، وكذا ظاهر كلام بعضهم: أنّ قوله:( وعلى الله فليتوكّل المؤمنون ) جملة مستأنفة أمر الله فيها المؤمنين بالتوكّل عليه، والسياق المشهود من الآيتين لا يساعد عليه.

قوله تعالى:( قل هل تربّصون بنا إلّا إحدى الحسنيين ونحن نتربّص بكم ) الآية الحسنيان هما الحسنة والمصيبة على ما يدلّ عليه الآية الاُولى الحاكية أنّهم يسوؤهم ما أصاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حسنة، وتسرّهم ما أصابه من مصيبة فيقولون قد أخذنا أمرنا من قبل فهم على حال تربّص ينتظرون ما يقع به وبالمؤمنين من الحسنة أو المصيبة.

٣٢٢

والحسنة والمصيبة كلتاهما حسنيان كبحسب النظر الدينىّ فإنّ في الحسنة حسنة الدنيا وعظيم الأجر عند الله، وفي المصيبة الّتى هي الشهادة أو أيّ تعب وعناء أصابهم مرضاة الله وثواب خالد دائم.

ومعنى الآية أنّا نحن وأنتم كلّ يتربّص بصاحبه غير أنّكم تتربّصون بنا إحدى خصلتين كلّ واحدة منهما خصلة حسنى وهما: الغلبة على العدوّ مع الغنيمة، والشهادة في سبيل الله، ونحن نتربّص بكم أن يعذّبكم الله بعذاب من عنده كالعذاب السماويّ أو بعذاب يجرى بأيدينا كأن يأمرنا بقتالكم وتطهير الأرض من قذارة وجودكم فنحن فائزون على أيّ حال، إن وقع شئ ممّا تربّصتم سعدنا، وإن وقع ما تربّصنا سعدنا فتربّصوا إنّا معكم متربّصون، وهذا جواب ثان عن المنافقين.

وقد ذكر في الآية الاُولى إصابة الحسنة والمصيبة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وفي مقام الجواب في الآيتين الثانية والثالثة إصابتهما النبيّ والمؤمنين جميعاً لملازمتهم إيّاه ومشاركتهم إيّاه فيما أصابه من حسنة أو مصيبة.

قوله تعالى: ( قل أنفقوا طوعاً أو كرهاً لن يتقبّل منكم إنّكم كنتم قوماً فاسقين ) لفظ أمر في معنى الشرط. والترديد للتعميم ولفظ الأمر في هذه الموارد كناية عن عدم النهى وسدّ السبيل إيماء إلى أنّ الفعل لغو لا يترتّب عليه أثر، وقوله:( لن يتقبّل منكم ) تعليل للأمر كما أنّ قوله تعالى:( إنّكم كنتم قوماً فاسقين ) تعليل لعدم القبول.

ومعنى الآية: لا نمنعكم عن الإنفاق في حال من طوع أو كره فإنّه لغو غير مقبول لأنّكم فاسقون، ولا يقبل عمل الفاسقين، قال تعالى:( إنّما يتقبّل الله من المتّقين ) المائدة: ٢٧ والتقبّل أبلغ من القبول.

قوله تعالى: ( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلّا أنّهم كفروا بالله وبرسوله ) الخ الآية تعليل تفصيليّ لعدم تقبّل نفقاتهم، وبعبارة اُخرى بمنزلة الشرح لفسقهم، وقد عدّت الكفر بالله تعالى ورسوله والكسل في إقامة الصلاة والكره في الإنفاق أركاناً لنفاقهم.

٣٢٣

قوله تعالى: ( فلا تعجّبك أموالهم ولا أولادهم إنّما يريد الله ليعذّبهم بها ) إلى آخر الآية، الإعجاب بالشئ السرور بما يشاهد فيه من جمال أو كمال أو نحوهما، والزهوق خروج الشئ بصعوبة وأصله الهلاك على ما قيل.

وقد نهى الله سبحانه نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الإعجاب بأموال المنافقين وأولادهم أي بكثرتها على ما يعطيه السياق، وعلّل ذلك بأنّ هذه الأموال والأولاد - وهى شاغلة للإنسان لا محالة - ليست من النعمة الّتى تهتف لهم بالسعادة بل من النقمة الّتى تجرّهم إلى الشقاء فإنّ الله وهو الّذى خوّلهم إيّـاها إنّما أراد بها تعذيبهم في الحياة الدنيا، وتوفيهم وهم كافرون.

فإنّ الحياة الّتى يعدّها الموجود الحىّ سعادة لنفسه وراحة لذاته إنّما تكون سعادة فيها الراحة والبهجة إذا جرت على حقيقة مجراها وهو أن يتلبّس الإنسان بواقع آثارها من العلم النافع والعمل الصالح من غير أن يشتغل بغير ما فيه خيره ونفعه، فهذه هي الحياة الّتى لا موت فيها، والراحة الّتى لا تعب معها، واللّذة الّتى لا ألم دونها، وهى الحياة في ولاية الله، قال تعالى:( ألا إنّ أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) يونس: ٦٢.

وأمّا من اشتغل بالدنيا وجذبته زيناتها من مال وبنين إلى نفسها وغرّته الآمال والأمانيّ الكاذبة الّتى تتراءى له منها واستهوته الشياطين فقد وقع في تناقضات القوى البدنيّـة وتزاحمات اللّذائذ المادّيّة، وعذب أشدّ العذاب بنفس ما يرى فيه سعادته ولذّته فمن المشاهد المعاين أنّ الدنيا كلّما زادت إقبالاً على الإنسان، ومتّعته بكثرة الأموال والأولاد أبعدته عن موقف العبوديّـة وقرّبته إلى الهلاكة وعذاب الروح فلا يزال يتقلّب بين هذه الأسباب الموافقة والمخالفة، والأوضاع والأحوال الملائمة والمزاحمة، فالّذي يسمّيه هؤلاء المغفّلون سعة العيش هو بالحقيقة ضنك كما قال تعالى:( ومن أعرض عن ذكرى فإنّ له معيشه ضنكاً ونحشره يوم القيامة أعمى* قال ربّ لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً* قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ) طه: ١٢٦.

فغايه إعراض الإنسان عن ذكر ربّه، وانكبابه على الدنيا يبتغى به سعادة الحياة

٣٢٤

وراحة النفس ولذّة الروح أن يعذّب بين أطباق هذه الفتن الّتى يراها نعماً، ويكفر بربّه بالخروج عن زىّ العبوديّـة كما قال:( إنّما يريد الله ليعذّبهم بها وتزهق أنفسهم وهم كافرون ) وهو الإملاء والاستدراج الّذين يذكرهما في قوله:( سنستدرجهم من حيث لا يعلمون واُملى لهم إنّ كيدى متين ) الأعراف: ١٨٣.

قوله تعالى: ( ويحلفون بالله إنّهم لمنكم وما هم منكم ) إلى آخر الآيتين، الفرق انزعاج النفس من ضرر متوقّع، والملجأ الموضع الّذى يلتجأ إليه ويتحصّن فيه، والمغار المحلّ الّذى يغور فيه الإنسان فيستره عن الأنظار، ويطلق على الغار وهو الثقب الّذى يكون في الجبال، والمدّخل من الافتعال الطريق الّذى يتدسّس بالدخول فيه، والجماح مضىّ المارّ مسرعاً على وجهه لا يصرفه عنه شئ، والمعنى ظاهر.

قوله تعالى: ( ومنهم من يلمزك في الصدقات فإن اُعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) اللمز العيب، وإنّما كانوا يعيبونه فيها إذا لم يعطهم منها لعدم استحقاقهم ذلك أو لأسباب اُخر كما يدلّ عليه ذيل الآية.

قوله تعالى: ( ولو أنّهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله ) إلى آخر الآية،( لو ) للتمنّي وقوله:( رضوا ما آتاهم الله ) كأنّ الرضى ضمّن معنى الأخذ ولذا عدّي بنفسه أي أخذوا ذلك راضين به أو رضوا آخذين ذلك، والإيتاء الإعطاء وحسبنا الله أي كفانا فيما نرغب إليه ونأمله.

وقوله:( سيؤتينا الله من فضله ورسوله ) بيان لما يرغب إليه ويطمع فيه وليس إخباراً عمّا سيكون، وقوله:( إنّا إلى الله راغبون ) كالتعليل لقوله:( سيؤتينا الله ) إلى آخر الآية.

والمعنى وكان ممّا يتمنّى لهم أن يكونوا أخذوا ما أعطاهم الله ورسوله بأمر منه من مال الصدقات أو غيره، وقالوا كفانا الله سبحانه من سائر الأسباب ونحن راغبون في فضله ونطمع أن يؤتينا من فضله ويؤتينا رسوله.

وفي الآية ما لا يخفى من لطيف البيان حيث نسب الإيتاء إلى الله وإلى رسوله وخصّ الكفاية والفضل والرغبة بالله على ما هو لازم دين التوحيد.

٣٢٥

قوله تعالى: ( إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) الآية، بيان لموارد تصرف إليها الصدقات الواجبة وهى الزكوات بدليل قوله في آخر الآية:( فريضة من الله ) وهى ثمانية. وارد على ظاهر ما يعطيه سياق الآية ولازمه أن يكون الفقير والمسكين موردين أحدهما غير الآخر.

وقد اختلفوا في الفقير والمسكين أنّهما صنف واحد أو صنفان، ثمّ على الثاني في معناهما على أقوال كثيرة لا ينتهى أكثرها إلى حجّة بيّنة، والّذى يعطيه ظاهر لفظهما أنّ الفقير هو الّذى اتّصف بالعدم وفقدان ما يرفع حوائجه الحيويّـة من المال قبال الغنىّ الّذى اتّصف بالغنى وهو الجدة واليسار.

وأمّا المسكين فهو الّذى حلّت به المسكنة والذلّة مضافة إلى فقدان المال وذلك إنّما يكون بأن يصل فقره إلى حدّ يستذلّه بذلك كمن لا يجد بدّاً من أن يبذل ماء وجهه ويسأل كلّ كريم ولئيم من شدّة الفقر وكالأعمى والأعرج فالمسكين أسوء حالاً من الفقير.

والفقير والمسكين وإن كانا بحسب النسبة أعمّ وأخصّ فكلّ مسكين من جهة الحاجة الماليّـة فقير ولا عكس غير أنّ العرف يراهما صنفين متقابلين لمكان مغايرة الوصفين في نفسهما فلا يرد أنّ ذكر الفقير على هذا المعنى مغن عن ذكر المسكين لمكان أعمّـيّته وذلك أنّ المسكنة هي وصف الذلّة كالزمانة والعرج والعمى وإن كان بعض مصاديقه نهاية الذلّة من جهة فقد المال.

وأمّا العاملون عليها أي على الصدقات فهم الساعون لجمع الزكوات وجباتها.

وأمّا المؤلّفة قلوبهم فهم الّذين يؤلّف قلوبهم بإعطاء سهم من الزكاة ليسلموا أو يدفع بهم العدوّ أو يستعان بهم على حوائج الدين.

وأمّا قوله:( وفي الرقاب ) فهو متعلّق بمقدّر والتقدير: والمصرف في الرقاب أى في فكّها كما في المكاتب الّذى لا يقدر على تأدية ما شرطه لمولاه على نفسه لعتقه أو الرقّ الّذى كان في شدّة.

٣٢٦

وقوله:( والغارمين ) أي وللصرف في الغارمين الّذين ركبتهم الديون فيقضى ديونهم بسهم من الزكاة.

وقوله:( وفي سبيل الله ) أي وللصرف في سبيل الله، وهو كلّ عمل عامّ يعود عائدته إلى الإسلام والمسلمين وتحفظ به مصلحة الدين ومن أظهر مصاديقه الجهاد في سبيل الله، ويلحق به سائر الأعمال الّتى تعمّ نفعه وتشمل فائدته كإصلاح الطرق وبناء القناطر ونظائر ذلك.

وقوله:( وابن السبيل ) أي وللصرف في ابن السبيل وهو المنقطع عن وطنه الفاقد لما يعيش به وإن كان غنيّاً ذا يسار في بلده فيرفع حاجته بسهم من الزكاة.

وقد اختلف سياق العدّ فيما ذكر في الآية من الأصناف الثمانية فذكرت الأربعة الاُول باللام:( للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم ) ثمّ غيّر السياق في الأربعة الباقية فقيل:( وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) فإنّ ظاهر السياق الخاصّ بهذه الأربعة أنّ التقدير: وفي الرقاب وفي الغارمين وفي سبيل الله وفي ابن السبيل.

أمّا الأربعة الاُول:( للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم ) فاللام فيها للملك بمعنى الاختصاص في التصرّف فإنّ الآية بحسب السياق كالجواب عن المنافقين الّذين كانوا يطمعون في الصدقات وهم غير مستحقّين لها وكانوا يلمزون النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حرمانهم منها فاُجيبوا بالآية أنّ للصدقات مواضع خاصّـة تصرف فيها ولا تتعدّاها، والآية ليست بظاهرة في أزيد من هذا المقدار من الاختصاص.

وأمّا كون ملكهم للصدقات هو الملك بمعناه المعروف فقهاً؟ وكذا حقيقة هذا الملك مع كون المالكين أصنافاً بعناوينهم الصنفيّة لا ذوات شخصيّة؟ ونسبة سهم كلّ صنف إلى بقيّة السهام؟ فإنّما هي مسائل فقهيّـة خارجة عن غرضنا، وقد اختلفت أقوال الفقهاء فيها اختلافاً شديداً فليرجع إلى الفقه.

وأمّا الأربعة الباقية:( وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل ) فقد قيل في تغيير السياق فيها وفي تأخيرها عن الأربعة الاُول وجوه:

٣٢٧

منها: أنّ الترتيب لبيان الأحقّ فالأحقّ من الأصناف، فأحقّ الأصناف بها الفقراء ثمّ المساكين وهكذا على الترتيب، ولكون الأربعة الأخيرة بحسب ترتيب الأحقّـيّـة واقعة في المراتب الأربع الأخيرة وضع كلّ في موضعه الخاصّ، ولو لا هذا الترتيب لكان الأنسب أن يذكر الأصناف ثمّ تذكر موارد المصالح فيقال: للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم والغارمين وابن السبيل ثمّ يقال: وفي الرقاب وسبيل الله.

والحقّ أنّ دلالة الترتيب بما فيه من التقديم والتأخير على أهمّيّة الملاك وقوّة المصلحة في أجزاء الترتيب لا ريب فيه فإن كان مراده بالأحقّ فالأحقّ الأهمّ ملاكاً فالأهمّ فهو، ولو كان المراد التقدّم والتأخّر من حيث الإعطاء والصرف وما يشبه ذلك فلا دلالة من جهة اللفظ عليه البتّـة كما لا يخفى والّذى أيّده به من الوجه لا جدوى فيه.

ومنها: أنّ العدول عن اللام في الأربعة الأخيرة إلى( في ) للإيذان بأنّهم أرسخ في استحقاق التصدّق عليهم ممّن سبق ذكره لأنّ( في ) للوعاء فنبّه على أنّهم أحقّاء بأن توضع فيهم الصدقات ويجعلوا مظنّة لها ومصبّاً، وذلك لما في فكّ الرقاب من الكتابة أو الرقّ والأسر، وفي فكّ الغارمين من الغرم والتخليص والانقاذ، ولجمع الغازى الفقير أو المنقطع في الحجّ بين الفقر والعبادة، وكذلك ابن السبيل جامع بين الفقر والغربة عن الأهل والمال.

وتكرير( في ) في قوله:( وفي سبيل الله وابن السبيل ) فيه فضل ترجيح لهذين على الرقاب والغارمين. كذا ذكره في الكشّاف.

وفيه: أنّه معأرض بكون الأربعة الاُول مدخولة للام الملك فإنّ المملوك أشدّ لزوماً واتّصالاً بالنسبة إلى مالكه من المظروف بالنسبة إلى ظرفه، وهو ظاهر.

ومنها: أنّ الأصناف الأربعة الأوائل ملّاك لما عساه يدفع إليهم، وإنّما يأخذونه ملكاً فكان دخول اللّام لائقاً بهم، وأمّا الأربعة الأواخر فلا يملكون ما يصرف نحوهم بل ولا يصرف إليهم ولكن في مصالح تتعلّق بهم.

فالمال الّذى يصرف في الرقاب إنّما يتناوله السادة المكاتبون والبائعون فليس نصيبهم مصروفاً إلى أيديهم حتّى يعبّر عن ذلك باللّام المشعرة بتملّكهم لما يصرف نحوهم، وإنّما

٣٢٨

هم محالّ لهذا الصرف والمصلحة المتعلّقة به، وكذلك الغارمون إنّما يصرف نصيبهم لأرباب ديونهم تخليصاً لذممهم لا لهم، وأمّا سبيل الله فواضح ذلك فيه، وأمّا ابن السبيل فكأنّه كان مندرجاً في سبيل(١) الله، وإنّما اُفرد بالذكر تنبيهاً على خصوصيّته مع أنّه مجرّد من الحرفين جميعاً وعطفه على المجرور باللّام ممكن ولكنّه على القريب منه أقرب.

وهذا الوجه لا يخلو عن وجه غير أنّ إجراءه في ابن السبيل لا يخلو عن تكلّف، وما ذكر من دخوله في سبيل الله هو وجه مشترك بينه وبين غيره.

ولو قال قائل بكون الغارمين وابن السبيل معطوفين على المجرور باللام ثمّ ذكر الوجه الأوّل بالمعنى الّذى ذكرناه وجهاً للترتيب والوجه الأخير وجهاً لاختصاص الرقاب وسبيل الله بدخول( في ) لم يكن بعيداً عن الصواب.

وقوله في ذيل الآية:( فريضة من الله والله عليم حكيم ) إشارة إلى كون الزكاة فريضة واجبة مشرّعة على العلم والحكمة لا تقبل تغيير المغيّر، ولا يبعد أن يتعلّق الفرض بتقسّمها إلى الأصناف الثمانية كما ربّما يؤيّده السياق فإنّ الغرض في الآية إنّما تعلّق ببيان مصارف الصدقات لا بفرض أصلها فالأنسب أن يكون قوله:( فريضة من الله ) إشارة إلى أنّ تقسّمها إلى الأصناف الثمانية أمر مفروض من الله لا يتعدّى عنه على خلاف ما كان يطمع فيه المنافقون في لمزهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

ومن هنا يظهر أنّ الآية لا تخلو عن إشعار بكون الأصناف الثمانية على سهمها من غير اختصاص بزمان دون زمان خلافاً لما ذكره بعضهم: أنّ المؤلّفة قلوبهم كانوا جماعة من الأشراف في زمن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ألّف قلوبهم بإعطاء سهم من الصدقات إيّاهم، وأمّا بعدهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد ظهر الإسلام على غيره، وارتفعت الحاجة إلى هذا النوع من التأليفات، وهو وجه فاسد وارتفاع الحاجة ممنوع.

قوله تعالى: ( ومنهم الّذين يؤذون النبيّ ويقولون هو اُذن قل اُذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ورحمة للّذين آمنوا منكم ) الاُذن جارحة السمع المعروفة، وقد أطلقوا

____________________

(١) بل أيضاً كالغارمين والرقاب لا يدفع إليه نصيبه وإنّما يصرف في المصلحة المتعلّقة به من الزاد واكتراء الراحلة حتّى يصل إلى وطنه (ب).

٣٢٩

عليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الاُذن وسمّوه بها إشارة إلى أنّه يصغى لكلّ ما قيل له ويستمع إلى كلّ ما يذكر له فهو اُذن.

وقوله:( قل اُذن خير لكم ) من الإضافة الحقيقيّـة أي سمّاع يسمع ما فيه خيركم حيث يسمع من الله سبحانه الوحى وفيه خير لكم، ويسمع من المؤمنين النصيحة وفيها خير لكم ويمكن أن يكون من إضافة الموصوف إلى الصفة أي اُذن هي خير لكم لأنّه لا يسمع إلّا ما ينفعكم ولا يضرّكم.

والفرق بين الوجهين أنّ اللازم على الأوّل أن يكون مسموعه خيراً لهم كالوحي من الله والنصيحة من المؤمنين، واللازم على الثاني أن يكون استماعه استماع خير وإن لم يكن مسموعه خيراً كأن يستمع إلى بعض ما ليس خيراً لهم لكنّه يستمع إليه فيحترم بذلك قائله ثمّ يحمل ذلك القول منه على الصحّة فلا يهتك حرمته ولا يسئ الظنّ به ثمّ لا يرتّب أثر الخبر الصادق المطابق للواقع عليه فلا يؤاخذ من قيل فيه بما قيل فيه فيكون قد احترم إيمانه كما احترم إيمان القائل الّذى جاءه بالخبر.

ومن هنا يظهر أنّ الأنسب بسياق الآية هو الوجه الثاني لما عقّبه بقوله:( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) الآية.

وذلك أنّ الإيمان هو التصديق، وقد ذكر متعلّق الإيمان في قوله:( يؤمن بالله ) وأمّا قوله:( ويؤمن للمؤمنين ) فلم يذكر متعلّقه وإنّما ذكر أنّ هذا التصديق لنفع المؤمنين لمكان اللّام، والتصديق الّذى يكون فيه نفع المؤمنين حتّى في الخبر الّذى يتضمّن ما يضرّهم إنّما هو التصديق بمعنى إعطاء الصدق المخبرىّ دون الخبرىّ أي فرض أنّ المخبر صادق بمعنى أنّه معتقد بصدق خبره وإن كان كاذباً لا يطابق الواقع.

وهذا كما في قوله تعالى:( إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنّك لرسول الله والله يعلم إنّك لرسوله والله يشهد إنّ لمنافقين لكاذبون ) المنافقون: ١ فالله سبحانه يكذّب المنافقين لا من حيث خبرهم برسالة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بل من حيث إخبارهم بخلاف ما يعتقدونه وهذا بخلاف قول المؤمنين فيما حكى الله سبحانه:( ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله ) الأحزاب: ٢٢ فهم يصدّقون الله ورسوله في

٣٣٠

الخبر لا في الاعتقاد.

وبالجملة ظاهر قوله:( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) أنّه يصدّق الله فيما أخبره به من الوحى، ويصدّق لنفع المؤمنين كلّ من ألقى إليه منهم خبراً بحمل فعله على الصحّة وعدم رميه بالكذب وسوء النيّة من غير أن يرتّب أثراً على كلّ ما يسمعه ويستمع إليه وإلّا لم يكن تصديقه لنفع المؤمنين واختلّ الأمر، وهذا المعنى كما ترى يؤيّد الوجه الثاني المذكور.

وكأنّ المراد بالمؤمنين المجتمع المنسوب إليهم وإن اشتمل على أفراد من غيرهم كالمنافقين وعلى هذا كان المراد بالّذين آمنوا منهم المؤمنون من قومهم حقّاً فمعنى الكلام أنّه يصدّق ربّه ويصدّق كلّ فرد من أفراد مجتمعكم احتراماً لظاهر حاله من الانتساب إلى المؤمنين وهو رحمة للذين آمنوا منكم حقّاً لأنّه يهديهم إلى مستقيم الصراط.

وإن كان لمراد من الّذين آمنوا هم الّذين آمنوا في أوّل البعثة قبل الفتح - كما تقدّم سابقاً أنّ( الّذين آمنوا ) اسم تشريفيّ في القرآن للمؤمنين الأوّلين في الإسلام - كانّ المراد بالمؤمنين في قوله:( ويؤمن للمؤمنين ) المؤمنون منهم حقّاً كما اُطلق بهذا المعنى في قوله:( ولمّا رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما وعدنا الله ورسوله ) الأحزاب: ٢٢.

وربّما قيل: إنّ اللام في قوله:( ويؤمن للمؤمنين ) للتعدية كما في قوله:( يؤمن بالله ) فالإيمان يتعدّى بالحرفين جميعاً كما في قوله:( فآمن له لوط ) العنكبوت: ٢٦ وقوله:( فما آمن لموسى إلّا ذرّيّة من قومه ) يونس: ٨٣ وقوله:( أنؤمن لك واتّبعك الأرذلون ) الشعراء: ١١١.

وربّما قيل: إنّ اللّفظ جار على طريقة التضمين بتضمين الإيمان معنى الجنوح المتعدّى باللّام والمعنى يجنح للمؤمنين مؤمناً بهم أو يؤمن جانحاً لهم.

والوجهان وإن كانا لا بأس بهما في نفسهما لكن يبعّد ذلك لزوم التفكيك في قوله:( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) بين( يؤمن ) الأوّل والثانى من غير نكتة ظاهرة إلّا أن يحمل على التفنّن في التعبير ومع ذلك فالنتيجة هي النتيجة السابقة فإنّ إيمانه بالمؤمنين

٣٣١

لا يختصّ بالمخبرين خاصّـة حتّى يصدّق خبرهم ويؤاخذ آخرين إذا اُخبر بما يضرّهم بل إيمان يعمّ جميع المؤمنين فيصدّق المخبر في خبره بمعنى إعطاء الصدق المخبرىّ ويصدّق المخبر عنه بحمل فعله على الصحّة فافهم ذلك.

وعدّه تعالى نبيّه في قوله:( ورحمة للذين آمنوا منكم ) رحمة لقوم خاصّ في هذه الآية مع عدّه رحمة للناس كلّهم في قوله عزّوجلّ:( وما أرسلناك إلّا رحمة للعالمين ) الأنبياء: ١٠٧ إنّما هو لاختلاف المراد بالرحمة في الآيتين فالمراد بها ههنا الرحمة الفعليّـة وهناك الرحمة الشأنيّة.

وبعبارة اُخرى هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رحمةٌ لمن آمن به حقّاً بمعنى أنّ الله سبحانه أنقذه به من الضلالة وختم له بالسعادة والكرامة، ورحمةٌ للناس كلّهم مؤمنهم وكافرهم، من معاصريه وممّن يأتي بعده بمعنى أنّ الله بعثهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بملّة بيضاء وسنّة طيّـبة فحوّل المجتمع البشرىّ وصرفه عن مسيره المنحرف عن الاستقامة إلى طريق الشقاوة والهلاك، وأنار بمشعلته صراط الفطرة الإلهيّـة فمن راكب على السبيل فائز بالغاية المطلوبة، ومن خارج عن مسير الردى والهلكة ولمّا يركب متن الصراط الفطريّ، ومن قاصد للخروج والورود ولمّا يخرج وهذا حال المجتمع العامّ البشرىّ بعد طلوع الإسلام وبسطه معارفه بين الناس وإيصاله إلى سمع كلّ سامع وتأثيره في كلّ من السنن الاجتماعيّـة بما في وسعه أن يتأثّر به، وهذا ممّا لا يرتاب فيه باحث عن طبيعه المجتمع الإنسانيّ، وهذا الوجه قريب المأخذ من الوجه السابق أو راجع إليه بالحقيقة.

قوله تعالى: ( يحلفون بالله لكم ليرضوكم والله ورسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) قال في المجمع: (الفرق بين الأحقّ والأصلح أنّ الأحقّ قد يكون من غير صفات الفعل كقولك: زيد أحقّ بالمال، والأصلح لا يقع هذا الموقع لأنّه من صفات الفعل وتقول: الله أحقّ بأن يطاع ولا تقول أصلح).انتهى.

والسبب الأصلىّ فيه أنّ الصلاحية والصلوح يحمل معنى الاستعداد والتهيّؤ، والحقّ يحمل معنى الثبوت واللّزوم، والله سبحانه لا يتّصف بشئ من معنى الاستعداد والقبول المستلزم لتأثير الغير فيه وتأثّره عنه.

٣٣٢

وقد حوّل الله الخطاب في الآية عن نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى المؤمنين التفاتاً وكأنّ الوجه فيه التلويح لهم بما يشتمل عليه قوله:( والله ورسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين ) من الحكم وهو أنّ من الواجب على كلّ مؤمن أن يرضى الله ورسوله، ولا يحادّ الله ورسوله فإنّ فيه خزياً عظيماً نار جهنّم خالداً فيها.

ومن أدب التوحيد في الآية ما في قوله:( أحقّ أن يرضوه ) من إفراد الضمير ولم يقل: أحقّ أن يرضوهما صوناً لمقامه تعالى من أن يعدل به أحد فإنّ أمثال هذه الحقوق وكذا الأوصاف الّتى يشاركه تعالى غيره من حيث الإطلاق والإجراء، له تعالى بالذات ولنفسه ولغيره بالتبع أو بالعرض ومن جهته كوجوب الإرضاء والتعظيم والطاعة وغيرها، وكالاتّصاف بالعلم والحياة والإحياء والإماتة وغيرها.

وقد روعى نظير هذا الأدب في القرآن في موارد كثيرة فيما يشارك النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم غيره من الاُمّة من الشؤون فأخرج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بينهم وأفرد بالذكر كما في قوله:( يوم لا يخزى الله النبيّ والّذين آمنوا ) التحريم: ٨ وقوله:( فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين ) الفتح: ٢٦ وقوله:( آمن الرسول بما اُنزل إليه من ربّه والمؤمنون ) البقرة: ٢٨٥ وغير ذلك.

قوله تعالى: ( ألم يعلموا أنّه من يحادد الله ورسوله فأنّ له نار جهنّم ) إلى آخر الآية قال في المجمع: المحادّة مجاوزة الحدّ بالمشاقّة، وهى والمخالفة والمجانبة والمعاداة نظائر، وأصله المنع والمحادّة ما يلحق الإنسان من النزق لأنّه يمنعه من الواجب وقال: والخزى الهوان وما يستحيى منه. انتهى.

والاستفهام في الآية للتعجيب، والكلام مسوق لبيان كونه تعالى وكون رسوله أحقّ بالإرضاء ومحصّله أنّهم يعلمون أن محادّة الله ورسوله والمشاقّة والمعاداة مع الله ورسوله والإسخاط يوجب خلود النار، وإذا حرم إسخاط الله ورسوله وجب إرضاؤه وإرضاء رسوله على من كان مؤمناً بالله ورسوله.

٣٣٣

( بحث روائي)

في تفسير القمّىّ عن أبى الجارود عن أبى جعفرعليه‌السلام في قوله تعالى:( وإن تصبك حسنة تسؤهم وإن تصبك مصيبة ) الآية أمّا الحسنة فهى الغنيمة والعافية، وأمّا المصيبة فالبلاء والشدّة.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن أبى حاتم عن جابر بن عبدالله قال: جعل المنافقون الّذين تخلّفوا بالمدينة يخبرون عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخبار السوء، ويقولون: إنّ محمّـداً وأصحابه قد جهدوا في سفرهم وهلكوا فبلغهم تكذيب حديثهم وعافية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه فساءهم ذلك فأنزل الله تعالى:( إن تصبك حسنة تسؤهم ) الآية.

وفي الكافي بإسناده عن أبى حمزة عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: قلت له: قول الله عزّوجلّ( هل تربّصون بنا إلّا إحدى الحسنيين ) قال: إمّا موت في طاعة الإمام أو إدراك ظهور إمام( ونحن نتربّص بكم ) مع ما نحن فيه من المشقّة( أن يصيبكم الله بعذاب من عنده ) قال: هو المسخ( أو بأيدينا ) وهو القتل، قال الله عزّوجلّ لنبيّه:( فتربّصوا إنّا معكم متربّصون ) .

أقول: وهو من الجرى دون التفسير.

في المحاسن بإسناده عن يوسف بن ثابت عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: لا يضرّ مع الإيمان عمل، ولا ينفع مع الكفر عمل.

ثمّ قال: ألا ترى أنّ الله تبارك وتعالى قال:( وما منعهم أن تقبل منهم نفقاتهم إلّا أنّهم كفروا بالله وبرسوله ) .

أقول: ورواه العيّـاشيّ والقمّىّ عنه وكذا الكلينيّ في الكافي عنه في حديث مفصّل والرواية تبيّنها آيات وروايات اُخرى فالإيمان مادام باقياً لا يضرّه معصية بإيجاب خلود النار، والكفر ما دام كفراً لا ينفع معه حسنة.

وفي المجمع في قوله تعالى:( مدّخلاً ) الآية قال: سرباً عن أبى جعفرعليه‌السلام .

وفي الكافي بإسناده عن إسحاق بن غالب قال: قال أبوعبداللهعليه‌السلام يا إسحاق كم ترى أهل هذه الآية:( فإن اُعطوا منها رضوا وإن لم يعطوا منها إذا هم يسخطون ) قال:

٣٣٤

هم أكثر من ثلثى الناس.

أقول: ورواه العيّـاشيّ في تفسيره و الحسين بن سعيد في كتاب الزهد عن إسحاق عنهعليه‌السلام .

وفي الدرّ المنثور أخرج البخاريّ والنسائيّ وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبوالشيخ وابن مردويه عن أبى سعيد الخدرىّ قال: بينما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقسم قسماً إذ جاءه ذو الخويصرة التميميّ فقال: اعدل يا رسول الله فقال: ويلك ومن يعدل إذا لم أعدل.

فقال عمر بن الخطّاب: يا رسول الله ائذن لى فأضرب عنقه فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دعه فإنّ له أصحاباً يحقّر أحدكم صلاته مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية فينظر في قذذه فلا يوجد فيه شئ، ثمّ ينظر في نضيه فلا يرى فيه شئ ثمّ ينظر في رصافه فلا يرى فيه شئ، ثمّ ينظر في نصله فلا يوجد فيه شئ، قد سبق الفرث والدم آيتهم رجل أسود إحدى ثديه - أو قال: ثدييه - مثل ثدى المرأة أو مثل البضعة تدر در يخرجون على حين فرقة من الناس قال: فنزلت فيهم:( ومنهم من يلمزك في الصدقات ) الآية.

قال أبو سعيد: أشهد أنّى سمعت هذا من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأشهد أن عليّـاً حين قتلهم وأنا معه جئ بالرّجل على النعت الّذى نعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي تفسير القمّىّ في الآية: أنّها نزلت لمّا جاءت الصدقات وجاء الأغنياء وظنّوا أنّ الرسول يقسمها بينهم فلمّا وضعها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الفقراء تغامزوا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولمزوه، وقالوا: نحن الّذين نقوم في الحرب ونغزو معه ونقوّى أمره ثمّ يدفع الصدقات إلى هؤلاء الّذين لا يعينونه ولا يغنون عنه شيئاً فأنزل الله:( ولو أنّهم رضوا ما آتاهم الله ورسوله وقالوا حسبنا الله سيؤتينا الله من فضله ورسوله إنّا إلى الله راغبون ) .

ثمّ فسّر الله عزّوجلّ الصدقات لمن هي وعلى من يجب؟ فقال:( إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم ) فأخرج الله من الصدقات جميع الناس إلّا هذه الثمانية الأصناف الّذين سمّاهم.

٣٣٥

وبيّن الصادقعليه‌السلام من هم؟ فقال: الفقراء هم الّذين لا يسألون وعليهم مؤونات من عيالهم، والدليل على أنّهم لا يسألون قول الله تعالى في سورة البقرة:( للفقراء الّذين اُحصروا في سبيل الله لا يستطيعون ضرباً في الأرض يحسبهم الجاهل أغنياء من التعفّف تعرفهم بسيماهم لا يسألون الناس إلحافاً ) .

والمساكين هم أهل الزمانة من العميان والعرجان والمجذومين وجميع أصناف الزمنى من الرجال والنساء والصبيان.

والعاملين عليها هم السعاة والجباة في أخذها وجمعها وحفظها حتّى يؤدّيها إلى من يقسمها.

والمؤلّفة قلوبهم قوم وحّدوا الله ولم يدخل المعرفة قلوبهم أنّ محمّـداً رسول الله فكان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يتألّفهم ويعلّمهم كيما يعرفوا فجعل الله لهم نصيباً في الصدقات كى يعرفوا ويرغبوا.

أقول: وقد وردت في تأييد هذا الّذى أرسله من الرواية روايات كثيرة مسندة من طرق أهل البيتعليهم‌السلام . وفي بعض الروايات تعارض مّا، وليرجع في تفصيل الروايات على كثرتها وتنقيح المطلب إلى جوامع الحديث وكتب الفقه.

وفي الدرّ المنثور أخرج البخاريّ وابن أبى حاتم وابن مردويه عن أبى سعيد الخدرىّ قال: بعث علىّ بن أبى طالب من اليمن إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بذهبية فيها تربتها فقسمها بين أربعة من المؤلّفة: الأقرع بن حابس الحنظليّ وعلقمة بن علاثة العامريّ وعيينة بن بدر الفزارىّ وزيد الخيل الطائىّ، فقالت قريش والأنصار: أتقسم بين صناديد أهل نجد وتدعنا؟ فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنّما تألّفهم.

وفي الدرّ المنثور أخرج عبد الرزّاق وابن المنذر وابن أبى حاتم وابن مردويه عن يحيى بن أبى كثير قال: المؤلّفة قلوبهم من بنى هاشم أبوسفيان بن الحارث بن عبدالمطّلب، ومن بنى اُميّة أبوسفيان بن حرب، ومن بنى مخزوم الحارث بن هشام وعبد الرحمن بن يربوع ومن بنى أسد حكيم بن حزام، ومن بنى عامر سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزّى، ومن بنى جمح صفوان بن اُميّة، ومن بنى سهم عدىّ بن قيس، ومن ثقيف العلاء بن

٣٣٦

جارية أو حارثة، ومن بنى فزارة عيينة بن حصن، ومن بنى تميم الأقرع بن حابس، ومن بنى نصر مالك بن عوف، ومن بنى سليم العبّـاس بن مرداس.

أعطى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كلّ رجل منهم مائة ناقة إلّا عبد الرحمان بن يربوع وحويطب بن عبد العزّى فإنّه أعطى كلّ واحد منهما خمسين.

وفي تفسير القمّىّ في رواية أبى الجارود عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: المؤلّفة قلوبهم: أبوسفيان بن حرب بن اُميّة، وسهيل بن عمرو وهو من بنى عامر بن لؤىّ، وهشام ابن عمرو أخوه: - أخو بنى عامر بن لؤىّ - وصفوان بن اُميّة بن خلف القرشىّ ثمّ الجمحىّ، والأقرع بن حابس التميميّ أحد بنى حازم وعيينة بن حصن الفزارىّ ومالك بن عوف وعلقمة بن علاثة.

بلغني أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان يعطى الرجل منهم مائة من الإبل ورعاتها وأكثر من ذلك وأقلّ.

أقول: وهؤلاء هم المؤلّفة قلوبهم الّذين أعطاهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تأليفاً لقلوبهم، وليس المراد حصر المؤلّفة قلوبهم وهم صنف من الأصناف الثمانية المذكور في الآية في هؤلاء الأشخاص بأعيانهم.

وفي تفسير العيّـاشيّ عن ابن إسحاق عن بعض أصحابنا عن الصادقعليه‌السلام قال: سأل عن مكاتب عجز عن مكاتبتة وقد أدّى بعضها، قال: يؤدّى من مال الصدقة إنّ الله يقول في كتابه:( وفي الرقاب ) .

وفيه عن زرارة قال: قلت لأبي عبداللهعليه‌السلام : عبد زنى؟ قال: يجلّد نصف الحدّ، قال: قلت: فإن هو عاد؟ قال: يضرب مثل ذلك، قال: قلت: فإن هو عاد؟ قال: لا يزاد على نصف الحد. قال: قلت: فهل يجب عليه الرجم في شئ من فعله؟ قال: نعم يقتل في الثامنة إن فعل ذلك ثمان مرّات.

قال: قلت: فما الفرق بينه وبين الحرّ وإنّما فعلهما واحد؟ فقال له: إنّ الله رحمه أن يجمع عليه ربق الرقّ وحدّ الحرّ. قال: ثمّ قال: وعلى إمام المسلمين أن يدفع ثمنه إلى مولاه من سهم الرقاب.

وفيه عن الصباح بن سيابة قال: أيّما مسلم مات وترك ديناً لم يكن في فساد وعلى

٣٣٧

إسراف فعلى الإمام أن يقضيه فإن لم يقض فعليه إثم ذلك إنّ الله يقول:( إنّما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلّفة قلوبهم والغارمين ) فهو من الغارمين وله سهم عند الإمام فإن حبسه فإثمه عليه.

وفيه عن محمّـد بن القسرىّ عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن الصدقة فقال: اقسمها فيمن قال الله، ولا يعطى من سهم الغارمين الّذين يغرمون في مهور النساء ولا الّذين ينادون نداء الجاهليّـة قال: قلت: وما نداء الجاهليّـة؟ قال: الرجل يقول: يا آل بنى فلان فيقع بينهم القتل ولا يؤدّى ذلك من سهم الغارمين، ولا الّذين لا يبالون ما صنعوا بأموال الناس.

وفيه عن الحسن بن محمّـد قال: قلت: لأبي عبداللهعليه‌السلام إنّ رجلاً أوصى لى في السبيل قال: فقال لى: اصرف في الحجّ قال: قلت: إنّه أوصى في السبيل ! قال: اصرفه في الحجّ فإنّى لا أعلم سبيلاً من سبله أفضل من الحجّ.

أقول: والروايات في الباب أكثر من أن تحصى، وإنّما أوردنا منها ما يجرى مجرى الاُنموذج.

وفي الدرّ المنثور في قوله تعالى:( ومنهم الّذين يؤذون النبيّ ) الآية، أخرج ابن إسحاق وابن المنذر وابن أبى حاتم عن ابن عبّـاس قال: كان نبتل بن الحارث يأتي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيجلس إليه فيسمع ثمّ ينقل حديثه إلى المنافقين، وهو الّذى قال لهم: إنّما محمّـد اُذن من حدّثه شيئاً صدّقه، فأنزل الله فيه:( ومنهم الّذين يؤذون النبيّ ويقولون هو اُذن ) الآية.

وفي تفسير القمّىّ في الآية قال: سبب نزولها أنّ عبدالله بن نبتل كان منافقاً وكان يقعد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيسمع كلامه وينقله إلى المنافقين فينمّ عليه فنزل جبرئيل على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: يا محمّـد إنّ رجلاً من المنافقين ينمّ وينقل حديثك إلى المنافقين، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من هو؟ قال: الرجل الأسود الوجه الكثير شعر الرأس ينظر بعينين كأنّهما قدران، وينطق بلسان شيطان.

فدعاه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأخبره فحلف أنّه لم يفعل فقال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: قد قبلت

٣٣٨

منك فلا تفعل فرجع إلى أصحابه فقال: إنّ محمّـداً اُذن. أخبره الله أنّى أنمّ عليه وأنقل أخباره فقبله، وأخبرته أنّى لم أقل ولم أفعل فقبله !

فأنزل الله على نبيّه:( ومنهم الّذين يؤذون النبيّ ويقولون هو اُذن قل اُذن خير لكم يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) أي يصدّق الله فيما يقول له، ويصدّقكم فيما تعتذرون إليه ولا يصدّقكم في الباطن، ويؤمن للمؤمنين يعنى المقرّين بالإيمان من غير اعتقاد.

أقول: وروى ما يقرب منه في نهج البيان عن الصادقعليه‌السلام .

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن أبى حاتم عن السدّىّ قال: اجتمع ناس من المنافقين فيهم جُلاس بن سويد بن صامت وجحش بن حمير ووديعة بن ثابت فأرادوا أن يقعوا في النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فنهى بعضهم بعضاً، وقالوا: إنّا نخاف أن يبلغ محمّـداً فيقع بكم، وقال بعضهم: إنّ محمّـداً اُذن نحلف له فيصدّقنا فنزل:( ومنهم الّذين يؤذون النبيّ ويقولون هو اُذن ) الآية.

وفي تفسير العيّـاشيّ عن حمّاد بن سنان عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: إنّى أردت أن أستبضع فلاناً بضاعة إلى اليمن فأتيت إلى أبى جعفرعليه‌السلام فقلت: إنّى اُريد اأن أستبضع فلاناً فقال لى: أمّا علمت أنّه يشرب الخمر؟ فقلت: قد بلغني من المؤمنين أنّهم يقولون ذلك، فقال: صدّقهم إنّ الله عزّوجلّ يقول:( يؤمن بالله ويؤمن للمؤمنين ) فقال: يعنى يصدّق الله ويصدّق للمؤمنين لأنّه كان رؤوفاً رحيماً بالمؤمنين.

٣٣٩

( سورة التوبة آيه ٦٤ - ٧٤)  

يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَن تُنَزّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبّئُهُم بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِءُوا إِنّ اللّهَ مُخْرِجٌ مَاتَحْذَرُونَ ( ٦٤ ) وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنّ إِنّمَا كُنّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِءُونَ ( ٦٥ ) لاَتَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِن نَعْفُ عَن طَائِفَةٍ مِنكُمْ نُعَذّبْ طَائِفَةً بِأَنّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ ( ٦٦ ) الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضَهُم مِن بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ( ٦٧ ) وَعَدَ اللّهُ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْكُفّارَ نَارَ جَهَنّمَ خَالِدِينَ فِيهَا هِيَ حَسْبُهُمْ وَلَعَنَهُمْ اللّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ ( ٦٨ ) كَالّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ كَانُوا أَشَدّ مِنكُمْ قُوّةً وَأَكْثَرَ أَمْوَالاً وَأَوْلاَداً فَاسْتَمْتَعُوا بِخَلاقِهِمْ فَاسْتَمْتَعْتُمْ بِخَلاَقِكُمْ كَمَا اسْتَمْتَعَ الّذِينَ مِن قَبْلِكُم بِخَلاَقِهِمْ وَخُضْتُمْ كَالّذِي خَاضُوا أُوْلئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُولئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ ( ٦٩ ) أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَقَوْمِ إِبْرَاهِيمَ وَأَصْحَابِ مَدْيَنَ وَالْمُؤْتَفِكَاتِ أَتَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيّنَاتِ فَمَا كَانَ اللّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلكِن كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ ( ٧٠ ) وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللّهُ إِنّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( ٧١ ) وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444