الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94959 / تحميل: 7076
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

بعدي، وتخصم الناس بسبع ولا يُجاحدك فيه أحدٌ من قريش، أنت أوَّلهم إيماناً بالله، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله. الحديث. (حلية الأولياء ١ ص ٦٦).

٨ - أبو سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليٍ - وضرب بين كتفيه -: يا عليُّ لك سبع خصال لا يُحاجّك فيهنَّ أحدٌ يوم القيامة؛ أنت أوَّل المؤمنين بالله إيماناً، وأوفاهم بعهد الله، وأقومهم بأمر الله. الحديث. (حلية الأولياء ١ ص ٦٦).

٩ - من حديث أبي بكر الهذلي وداود بن أبي هند الشعبي عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنَّه قال لعليّ عليه السلام: هذا أوّل من آمن بي وصدَّقني وصلّى معي. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٦.

١٠ - إنَّ أبا بكر وعمر خطبا فاطمة فردَّهما رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: لم أُؤمر بذلك. فخطبها عليٌّ فزوَّجه إيّاها وقال لها: زوَّجتكِ أقدم الأُمَّة إسلاماً. روى هذا الحديث جماعةٌ من الصحابة منهم: أسماء بنت عميس. وأُمّ أيمن. وإبن عبّاس. وجابر بن عبد الله. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٧.

كلمات أمير المؤمنين عليه السلام

١ - قال عليه السلام: أنا عبد الله، وأخو رسول الله، وأنا الصِّديق الأكبر، لا يقولها بعدي إلّا كاذبٌ مفتري، ولقد صلّيت مع رسول الله قبل الناس بسبع سنين، وأنا أوَّل من صلّى معه.

إسناده من طريق إبن أبي شيبة والنسائي وإبن ماجة والحاكم والطبري(١) صحيحٌ رجاله ثقات، راجع الجزء الثاني من كتابنا ٣١٤.

٢ - قال عليه السلام: أنا أوَّل رجل أسلم مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

أخرجه أبو داود بإسناده الصحيح كما في شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٨.

٣ - قال عليه السلام: أنا أوَّل من أسلم مع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم.

أخرجه الخطيب البغدادي في تاريخه ٤ ص ٢٣٣].

٤ - قال عليه السلام أنا أوَّل من صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

_____________________

١ - في تاريخه ٢ ص ٢١٣.

٢٢١

أخرجه أحمد. والحافظ الهيثمي في «مجمع الزوائد» وقال: رجاله رجال الصحيح غير حبَّة العرني وقد وثق. وأخرجه أبو عمرو في الإستيعاب ٢ ص ٤٥٨. وإبن قتيبة في «المعارف» ص ٧٤ من طريق أبي داود عن شعبة عن سلمة بن كهيل عن حبّة عنه عليه السلام. والإسناد صحيحٌ رجاله ثقاتٌ.

٥ - قال عليه السلام أسلمت قبل أن يسلم النّاس بسبع سنين. «الرِّياض النضرة» ٢ ص ١٥٨.

٦ - قال عليه السلام: عبدت الله مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سبع سنين قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الأُمَّة. «مستدرك الحاكم» ٣ ص ١١٢.

٧ - قال عليه السلام: عن حكيم مولى زاذان قال: سمعت عليّاً يقول: صلّيت قبل النّاس سبع سنين، وكنّا نسجد ولا نركع، وأوَّل صلاة ركعنا فيها صلاة العصر. شرح (إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٨).

٨ - قال عليه السلام: عبدت الله قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الأُمَّة خمس سنين. الإستيعاب، ٢ ص ٤٤٨. الرِّياض النضرة ٢ ص ١٥٨. السيرة الحلبيَّة ١ ص ٢٨٨.

٩ - قال عليه السلام: آمنت قبل الناس سبع سنين. خصايص النسائي ص ٣.

١٠ - قال عليه السلام: ما أعرف أحداً من هذه الأُمَّة عبد الله بعد نبيِّنا غيري، عبدتُ الله قبل أن يعبده أحدٌ من هذه الأُمَّة تسع سنين. خصايص النسائي ص ٣.

١١ - من خطبة له عليه السلام يوم صفِّين: وابن عمِّ نبيِّكم بين أظهركم يدعوكم إلى طاعة ربِّكم، ويعمل بسنَّة نبيِّكم صلّى الله عليه، فلا سواء من صلّى قبل كلِّ ذَكَر لم يسبقني بصلاتي مع رسول الله. كتاب نصر ص ٣٥٥. شرح إبن أبي الحديد ١ ص ٥٠٣.

١٢ - قال عليه السلام: أللهمَّ لا أعرف عبداً من هذه الأُمَّة عبدك قبلي غير نبيِّك [قاله ثلاث مرّات] ثمَّ قال: لقد صلّيت قبل أن يُصلّي الناس. وفي لفظٍ: قبل أن يُصلّي أحدٌ. أخرجه أحمد. أبو يعلى. البزّار. الطبراني. الهيثمي في المجمع ٩ ص ١٠٢ وقال: إسناده حسنٌ. شيخ الإسلام الحمّويي في الفرايد الباب الـ ٤٨.

١٣ - من كتاب له عليه السلام كتبه إلى معاوية: إنَّ أولى النّاس بأمر هذه الأُمَّة

٢٢٢

قديماً وحديثاً أقربها من رسول الله، وأعلمها بالكتاب، وأفقهها في الدين، وأوَّلها إسلاماً، وأفضلها جهاداً. كتاب صفِّين لابن مزاحم ص ١٦٨ ط مصر.

١٤ - في حديث عنه عليه السلام: لا والله إن كنت أوَّل من صدَّق به فلا أكون أوَّل من كذب عليه. المحاسن والمساوي ١ ص ٣٦. تاريخ القرماني هامش الكامل لابن الأثير ١ ص ٢١٨.

١٥ - قال عليه السلام: بُعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الإثنين وأسلمت يوم الثلاثاء.

مجمع الزوائد ٩ ص ١٠٢. تاريخ القرماني ١ ص ٢١٥. الصواعق ٧٢. تاريخ الخلفاء للسيوطي ١١٢. إسعاف الراغبين ١٤٨.

١٦ - من كتاب كتبه عليه السلام إلى معاوية: إنَّ محمداً صلّى الله عليه وسلّم لَمّا دعا إلى الإيمان بالله والتوحيد كنّا أهل البيت أوَّل من آمن به؟ وصدَّق بما جاء به، فلبثنا أحوالاً مجرَّمة (أي كاملة) وما يعبد الله في ربع ساكن من العرب غيرنا. كتاب صفَّين لابن مزاحم ص ١٠٠.

١٧ - قال عليه السلام يوم صفِّين مخاطباً أصحاب معاوية: ويحكم أنا أوَّل مَن دعا إلى كتاب الله، وأوَّل من أجاب إليه. كتاب نصر ٥٦١.

١٨ - قالت معاذة بنت عبد الله العدويَّة: سمعت عليَّ بن أبي طالب على منبر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أنا الصدّيق الأكبر آمنت قبل أن يُؤمن أبو بكر، وأسلمت قبل أن يسلم أبو بكر. راجع الجزء الثاني ص ٣١٤.

١٩ - قال عليه السلام في خطبة خطبها في معسكر صفِّين: أتعلمون أنّ الله فضَّل في كتابه السابق على المسبوق، وأنه لم يسبقني الله ورسوله أحدٌ من الأُمَّة؟! قالوا: نعم راجع الجزء الأوَّل ص ١٩٥.

٢٠ - قال عليه السلام صلّيت مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ثلث سنين قبل أن يُصلّي معه أحدٌ من النّاس. أخرجه أحمد بإسنادين.

٢١ - قال عليه السلام يوم الشورى في حديث أسلفناه: أمنكم أحدٌ وحَّد الله قبلي؟ قالوا: لا. أمنكم أحدٌ صلّى القبلتين غيري؟ قالوا: لا. راجع ج ١ ص ١٥٩ - ١٦٣، وهذه الفقرة من الحديث عدَّها ابن أبي الحديد ممّا استفاضت به الرِّوايات.

٢٢٣

٢٢ مرَّ في الجزء الثاني ص ٢٥ في أبيات له عليه السلام كتبها إلى معاوية:

سبقتكمُ إلى الإسلام طرّاً

غلاماً ما بلغت أوان حلمي

٢٣ - ذكر إبن طلحة الشافعي في مطالب السئول ص ١١ له عليه السلام:

أنا أخو المصطفى لا شكَّ في نسبي

به رُبيت وسبطاه هما ولدي

صدَّقته وجميع النّاس في بُهمٍ

من الضَّلالة والإشراك والنكدِ

قال: قال جابر: سمعت عليّاً يُنشد بهذا ورسول الله يسمع: فتبسَّم رسول الله وقال: صدقت يا عليّ؟

كلمة الإمام السبط الحسن عليه السلام

٢٤ - من خطبة للإمام الحسن عليه السلام في مجلس معاوية قوله: أُنشدكم الله أيّها الرَّهط؟ أتعلمون أنَّ الذي شتمتموه منذ اليوم صلّى القبلتين كلتيهما؟ وأنت يا معاوية بهما كافرٌ، تراها ضلالة، وتعبد اللات والعزّى غواية، وأُنشدكم الله هل تعلمون أنَّه بايع البيعتين كلتيهما: بيعة الفتح وبيعة الرضوان؟ وأنت يا معاوية بإحداهما كافرٌ، و بأُخرى ناكثٌ. وأُنشدكم الله هل تعلمون أنَّه أوَّل الناس إيماناً؟! وإنَّك يا معاوية وأباك من المؤلفَّة قلوبهم.

شرح إبن أبي الحديد ٢ ص ١٠١.

٢٥ - وفي خطبة له عليه السلام مرَّت ج ١ ص ١٩٨: فلمّا بعث الله محمداً للنبوَّة، و اختاره للرِّسالة، وأنزل عليه كتابه ثمَّ أمره بالدعاء إلى الله، فكان أبي أوَّل من استجاب لله ولرسوله، وأوَّل من آمن وصدَّق الله ورسوله صلّى الله عليه وسلّم وقد قال الله في كتابه المنزل على نبيِّه المرسل: أفمن كان على بيِّنةٍ من ربِّه ويتلوه شاهدٌ منه. فجدّي الَّذي على بيِّنةٍ من ربِّه، وأبي الذي يتلوه وهو شاهدٌ منه.

رأي الصحابة والتابعين

في أوَّل من أسلم

١ - أنس بن مالك قال: نُبّئ (بُعث) النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الإثنين وأسلم عليٌّ يوم الثَّلاثاء: وفي لفظ له: بُعث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم الإثنين وصلّى عليٌّ يوم الثَّلاثاء.

أخرجه الترمذي في جامعه ٢ ص ٢١٤. الطبراني. الحاكم في المستدرك ٣ ص

٢٢٤

١١٢. إبن عبد البرّ في الإستيعاب ٣ ص ٣٢. إبن الأثير في جامع الأُصول كما في تلخيصه تيسير الوصول ٣ ص ٢٧١. الحمّويي في فرايد السمطين الباب الـ ٤٧. وأو عز إليه العراقي في التقريب ١ ص ٨٥. ويوجد في شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٨. تذكرة السبط ٦٣. السراج المنير شرح الجامع الصغير ٢ ص ٤٢٤. شرح المواهب ١ ص ٢٤١.

٢ - بُريدة الأسلمي قال: أوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يوم الإثنين وصلّى عليٌّ يوم الثَّلاثاء. أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ص ١١٢ وصحَّحه هو وأقرَّه الذهبي.

٣ - زيد بن أرقم قال: أوَّل من أسلم مع رسول الله عليّ بن أبي طالب.

تاريخ الطبري بإسنادين صحيحين رجالهما ثقات. مسند أحمد ٤ ص ٣٦٨. مستدرك الحاكم ٤ ص ٣٣٦ وصحَّحه هو وأقرَّه الذهبي. الكامل لابن الأثير ٢ ص ٢٢.

٤ - زيد بن أرقم قال: أوَّل من صلّى مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليٌّ.

أخرجه أحمد والطبراني كما في مجمع الهيثمي ٩ ص ١٠٣ وقال: رجال أحمد رجال الصحيحين. أبو عمرو في الإستيعاب ٢ ص ٤٥٩.

٥ - زيد بن أرقم قال: أوَّل من آمن بالله بعد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم عليُّ بن أبي طالب. الإستيعاب ٢ ص ٤٥٩.

٦ - عبد الله بن عبّاس قال: أوَّل من صلّى عليٌّ.

جامع الترمذي ٢ ص ٢١٥. تاريخ الطبري ٢ ص ٢٤١ بإسناد صحيح. الكامل لإبن الأثير ٢ ص ٢٢. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٦.

٧ - عبد الله بن عبّاس قال: لعليٍّ أربع خصال ليست لأحد: هو أوَّل عربيٍّ وأعجميٍّ صلّى مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. مستدرك الحاكم ٣ ص ١١١. الإستيعاب ٢ ص ٤٥٧.

٨ - عبد الله بن عبّاس قال مجاهد: إنَّه قال: أوَّل من ركع مع النبيِّ صلّى الله عليه وآله عليُّ بن أبي طالب فنزلت فيه هذه الآية: أقيموا الصَّلاة وآتوا الزّكوة واركعوا مع الراكعين. تذكرة السبط ٨.

٩ - عبد الله بن عبّاس قال في خطبة له: إنَّ ابن آكلة الأكباد قد وجد من طغام أهل الشام أعواناً على عليِّ بن أبي طالب إبن عمّ رسول الله وصهره وأوَّل ذكر صلّى معه.

٢٢٥

كتاب صفِّين لابن مزاحم ٣٦٠. شرح إبن أبي. الحديد ١ ص ٥٠٤. جمهرة الخطب ١ ص ١٧٥.

١٠ - عبد الله بن عبّاس قال: فرض الله تعالى الإستغفار لعليّ في القرآن على كلّ مسلم بقوله تعالى: ربَّنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان. فكلُّ من أسلم بعد عليٍّ فهو يستغفر لعليٍّ. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٦.

١١ - عبد الله بن عبّاس قال: أوّل من أسلم عليُّ بن أبي طالب.

الإستيعاب ٢ ص ٤٥٨. مجمع الزوائد ٩ ص ١٠٢.

١٢ - عبد الله بن عبّاس قال: كان عليٌّ أوَّل من آمن من الناس بعد خديجة رضي الله عنهما.

الإستيعاب ٢ ص ٤٥٧ وقال: قال أبو عمرو رضي الله عنه: هذا إسنادٌ لا مطعن فيه لأحد لصحَّته وثقة نقلته. وصحَّحه الزرقاني في شرح المواهب ١ ص ٢٤٢.

١٣ - كان إبن عبّاس بمكَّة يُحدِّث على شفير زمزم ونحن عنده فلمّا قضى حديثه قام إليه رجلٌ فقال: يا بن عبّاس؟ إنّي امرؤٌ من أهل الشام من أهل حمص إنَّهم يتبرَّؤن من عليّ بن أبي طالب رضوان الله عليه ويلعنونه. فقال: بل لعنهم الله في الدّنيا والآخرة وأعدَّ لهم عذاباً مهيناً. الِبُعد قرابته من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟ وإنَّه لم يكن أوّل ذكران العالمين إيماناً بالله ورسوله؟ وأوَّل من صلّى وركع وعمل بأعمال البرّ؟ قال الشامي: إنَّهم والله ما يُنكرون قرابته وسابقته غير أنَّهم يزعمون أنَّه قتل الناس. الحديث. المحاسن والمساوي للبيهقي ١ ص ٣٠.

١٤ - عفيف قال: جئت في الجاهليَّة إلى مكّة وأنا أُريد أن أبتاع لأهلي من ثيابها وعطرها فأتيت العبّاس بن عبد المطلب وكان رجلاً تاجراً فأنا عنده جالسٌ حيث أنظر إلى الكعبة وقد حلقت الشمس في السَّماء فارتفعت وذهبت إذ جاء شابٌّ فرمى ببصره إلى السَّماء ثمَّ قام مستقبل الكعبة ثمَّ لم ألبث إلّا يسيراً حتّى جاء غلامٌ فقام على يمينه، ثمَّ لم يلبث إلّا يسيراً حتّى جاءت امرأةٌ فقامت خلفهما، فركع الشابُّ فركع الغلام والمرأة، فرفع الشابُّ فرفع الغلام والمرأة، فسجد الشابُّ فسجد الغلام والمرأة فقلت: يا عبّاس؟ أمرٌ عظيمٌ. قال العبّاس: أمرٌ عظيمٌ، أتدري مَن هذا الشابُّ؟

٢٢٦

قلت: لا. قال: هذا محمد بن عبد الله إبن أخي. أتدري مَن هذا الغلام؟ هذا عليٌّ إبن أخي. أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته، إنَّ إبن أخي هذه أخبرني أنَّ ربَّه ربّ السمآء والأرض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، ولا والله ما على الأرض كلّها أحدٌ على هذا الدين غير هؤلآء الثلاثة.

خصايص النسائي ٣. تاريخ الطبري ٢ ص ٢١. الرِّياض النضرة ٢ ص ١٥٨ الإستيعاب ٢ ص ٤٥٩. عيون الأثر ١ ص ٩٣. الكامل لإبن الأثير ٢ ص ٢٢. السيرة الحلبيَّة ١ ص ٢٨٨.

١٥ - سلمان الفارسي قال: أوَّل هذه الأُمَّة وروداً على نبيِّها الحوض أوَّلها إسلاماً عليُّ بن أبي طالب رضي الله عنه.

الإستيعاب ٢ ص ٤٥٧. مجمع الزوائد ٩ ص ١٠٢ وقال: رجاله ثقاتٌ. وعدَّه الإسكافي في رسالته على العثمانيَّة. وأبو عمر وفي الإستيعاب. والعراقيُّ في شرح التقريب ١ ص ٨٥. والقسطلاني في المواهب ١ ص ٤٥ ممَّن روى أنَّ عليّاً أوَّل من أسلم.

١٦ - أبو رافع قال: صلّى النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم أوَّل يوم الاثنين وصلّت خديجة آخره وصلّى عليٌّ يوم الثَّلاثاء من الغد.

أخرجه الطبراني كما في شرح المواهب ١ ص ٢٤٠. عيون الأثر ١ ص ٩٢. و تجده وسابقه في الرِّياض النضرة ٢ ص ١٥٨. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٨.

١٧ - أبو رافع قال: مكث عليٌّ يصلّي مستخفياً سبع سنين وأشهراً قبل أن يصلّي أحدٌ. وأخرجه الطبراني. الهيثمي في المجمع ٩ ص ١٠٣. الحمّويي في الفرايد ب ٤٧.

١٨ - أبو ذرّ الغفاري، عدَّ ممَّن روى أنَّ عليَّ بن أبي طالب أوَّل من أسلم. الإستيعاب ٢ ص ٤٥٦. التقريب وشرحه ١ ص ٨٥. المواهب اللدنيَّة ١ ص ٤٥.

١٩ - خباب بن الأرت قال: رأيت عليّاً يُصلّي قبل الناس مع النبيِّ وهو يومئذ بالغٌ مستحكم البلوغ. رسالة الإسكافي. وعُدَّ ممَّن روى أنَّ عليّاً أوَّل مَن أسلم في الإستيعاب ٢ ص ٤٥٦. والمواهب اللدنيَّة ١ ص ٤٥.

٢٠ - المقداد بن عمر والكندي، ممَّن روى أنَّ عليّاً أوّل من أسلم كما في الإستيعاب ٢ ص ٤٥٦. والتقريب وشرحه ١ ص ٨٥. والمواهب اللدنيَّة ١ ص ٤٥.

٢٢٧

٢١ - جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: بُعث النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يوم الإثنين وصلّى عليٌّ يوم الثَّلاثاء. الطبري ٢ ص ٢١١. الكامل لابن الأثير ٢ ص ٢٢. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٨. وعدَّه أبو عمرو والعراقيُّ والقسطلاني ممَّن روى أنَّ عليّاً أوَّل من أسلم.

٢٢ - أبو سعيد الخدري روى إنَّ عليَّ بن أبي طالب أوَّل من أسلم.

الإستيعاب ٢ ص ٤٥٦. شرح التقريب ١ ص ٨٥. المواهب اللدنيَّة ١ ص ٤٥.

٢٣ - حذيفة بن اليمان قال: كنّا نعبد الحجارة ونشرب الخمر وعليٌّ من أبناء أربع عشرة سنة قائمٌ يصلّي مع النبيِّ ليلاً ونهاراً، وقريش يومئذ تسافه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما يذبُّ عنه إلّا عليٌّ. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٦٠.

٢٤ - عمر بن الخطّاب قال عبد الله بن عبّاس: سمعت عمر وعنده جماعةٌ فتذاكروا السابقين إلى الإسلام فقال عمر: أمّا علي فسمعت رسول الله: يقول فيه ثلاث خصال. لوددت أن تكون لي واحدة منهنَّ، وكانت أحبّ إليَّ ممّا طلعت عليه الشمس، كنت أنا وأبو عبيدة وأبو بكر وجماعة من أصحابه إذ ضرب النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم على منكب عليٍّ رضي الله عنه فقال له: يا عليُّ؟ أنت أوَّل المؤمنين إيماناً، وأوَّل المسلمين إسلاماً. و أنت منّي بمنزلة هارون من موسى.

رسالة الإسكافي. مناقب الخوارزمي. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٨.

٢٥ - عبد الله بن مسعود قال: أوَّل حديث علمته من أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّي قدمت مكّة مع عمومة لي (وذكر مثل حديث عفيف المذكور ص ٢٢٦) رسالة الإسكافي.

٢٦ - أبو أيّوب الأنصاري، أخرج الطبراني عنه أنَّه قال: أوَّل الناس إسلاماً عليُّ بن أبي طالب. شرح التقريب ١ ص ٨٥. شرح الزرقاني ١ ص ٢٤٢.

٢٧ - أبو مرازم يعلى بن مرَّة، عدَّه الزرقاني في شرح المواهب ١ ص ٢٤٢ ممَّن قال: إنَّ عليّاً أوَّل الناس إسلاماً.

٢٨ هاشم بن عُتبة المرقال قال: أنت يا أمير المؤمنين؟ أقرب الناس من رسول الله رحماً، وأفضل الناس سابقة وقِدماً. كتاب نصر ١٢٥. جمهرة الخطب ١ ص ١٥١.

٢٩ - في كلام لهاشم بن عُتبة يوم صفِّين: إنَّ صاحبنا هو أوَّل من صلّى مع رسول الله، وأفقهه في دين الله، وأولاه برسول الله.

٢٢٨

كتاب نصر ٤٠٣. تاريخ الطبري ٦ ص ٢٤. الكامل لابن الأثير ٣ ص ١٣٥. وقال هاشم يوم صفِّين:

مع ابن عمّ أحمد المعلّى

فيه الرَّسول بالهدى استهلّا

أوّل من صدَّقه وصلّا

فجاهد الكفّار حتّى أبلى(١)

٣٠ - مالك بن الحارث الأشتر قال في خطبة له: معنا إبن عمّ نبيِّنا وسيفٌ من سيوف الله عليٌّ بن أبي طالب، صلّى مع رسول الله لم يسبقه إلى الصلاة ذَكَر، حتّى كان شيخاً لم يكن له صبوةٌ ولا نبوةٌ ولا هفوةٌ، فقيهٌ في دين الله، عالمٌ بحدود الله.

كتاب نصر ٢٦٨. شرح إبن أبي الحديد ١ ص ٤٨٤. جمهرة الخطب ١ ص ١٨٣.

٣١ - عديّ بن حاتم قال في خطبة له مخاطباً معاوية: ندعوك إلى أفضل الأُمّة سابقة، وأحسنها في الإسلام آثاراً.

كتاب نصر ٢٢١. تاريخ الطبري ٦ ص ٢. شرح إبن أبي الحديد ١ ص ٣٤٤. وفي لفظ إبن الأثير في الكامل ٣ ص ١٢٤: إنَّ ابن عمِّك سيِّد المسلمين أفضلها سابقةً.

٣٢ - عديّ بن حاتم قال في خطبة أُخرى له: إن كان له (لعليٍّ) عليكم فضلٌ فليس لكم مثله فسلّموا وإلّا فنازعوا عليه، والله لئن كان إلى العلم بالكتاب والسنَّة؟ إنَّه لأعلم الناس بهما. ولئن كان إلى الإسلام؟ إنَّه لأخو نبيِّ الله والرأس في الإسلام. الإمامة والسياسة ١ ص ١٠٣.

٣٣ - محمد بن الحنفيَّة قال سالم بن أبي الجعد قلت له: أبو بكر كان أوَّلهم إسلاماً؟! قال: لا. الإستيعاب ٢ ص ٤٥٨. إذا ثبت أنَّ أبا بكر لم يكن أوَّل الناس إسلاماً فعليٌّ عليه السلام هو المتعيَّن سبق إسلامه.

٣٤ - طارق بن شهاب الأحمسي في كلام له: ثمَّ قلت: ادع عليّاً وهو أوَّل المؤمنين إيماناً بالله وابن عمّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ووصيّه، هذا أعظم، الحديث. شرح إبن أبي الحديد ١ ص ٧٦.

٣٥ - عبد الله بن هاشم المرقال قال في خطبة له: يا أيّها النّاس؟ إنَّ هاشماً جاهد في طاعة إبن عمّ رسول الله، وأوَّل من آمن به؛ وأفقههم في دين الله. كتاب نصر ٤٠٥.

_____________________

١ - كتاب صفين لابن مزاحم ٣٧١ ط مصر

٢٢٩

٣٦ - عبد الله بن حجل قال: يا أمير المؤمنين؟ أنت أوَّلنا إيماناً، وآخرنا بنبيِّ الله عهداً. الإمامة والسياسة ١ ص ١٠٣، كتاب نصر.

٣٧ - أبو عمرة بشير بن محصن قال في جمع من أصحاب عليٍّ ومعاوية: إنَّ صاحبي أحقّ البريَّة كلّها بهذا الأمر في الفضل والدين والسابقة في الإسلام والقرابة من رسول الله. كتاب نصر ٢١٠.

٣٨ - عبد الله بن خباب بن الأرت قال إبن قتيبة: إنّ الخارجة الَّتي خرجت على عليٍّ بينما هم يسيرون فإذا هم برجل يسوق إمرأته على حمار له فعبروا إليه الفرات فقالوا له: من أنت؟ قال: أنا رجلٌ مؤمنٌ، قالوا: فما تقول في عليِّ بن أبي طالب؟ قال: أقول: إنَّه أمير المؤمنين وأوَّل المسلمين إيماناً بالله ورسوله. قالوا: فما اسمك؟ قال: وأنا عبد الله بن خباب بن الأرت صاحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.

الإمامة والسياسة ١ ص ١٢٢.

٣٩ - عبد الله بن بُريدة قال؟ أوَّل الرِّجال إسلاماً عليُّ بن أبي طالب ثمَّ الرهط الثلاث: أبو ذر وبُريدة وابن عمّ لأبي ذرّ. أخرجه محمد بن إسحق المدني في الجزء الأوَّل من المغازي.

٤٠ - محمد بن أبي بكر كتب إلى معاوية كتاباً منه: فكان أوّل من أجاب و أناب، وصّدق ووافق، وأسلم وسلم أخوه وابن عمِّه عليُّ بن أبي طالب - إلى أن قال -: أوَّل الناس إسلاماً، وأصدق الناس نيَّة - إلى قوله - يا لك الويل؟ تعدل نفسك بعليٍّ وهو وارث رسول الله ووصيّه وأبو ولده، وأوّل الناس له اتِّباعا، وآخرهم به عهداً، يُخبره بسرِّه، ويشركه في أمره. نصر في كتاب صفِّين ١٣٣.

٤١ - عمرو بن الحمق قال لعليٍ: أحببتك لخصال خمس: إنَّك إبن عمّ رسول الله، وأوَّل من آمن به. وفي لفظ: وأسبق النّاس إلى الإسلام، أبو الذريَّة التي بقيت فينا من رسول الله، وأعظم رجل من المهاجرين سهماً في الجهاد. كتاب صفِّين ١١٥. جمهرة الخطب ١ ص ١٤٩.

٤٢ - سعيد بن قيس الهمداني يرتجز في صفِّين بقوله(١) :

_____________________

١ - رسالة الإسكافي كما في شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٩، وذكره غيره لقيس بن سعد بن عبادة.

٢٣٠

هذا عليٌّ وابن عمِّ المصطفى

أوَّل من أجابه ممَّن دعا

هذا الإمام لا يُبالي من غوى

٤٣ - عبد الله بن أبي سفيان قال مجيباً الوليد:

وإنَّ وليَّ الأمر بعد محمّدٍ

عليٌّ وفي كلِّ المواطن صاحبه

وصيُّ رسول الله حقّاً وصنوه

وأوَّل من صلّى ومن لان جانبه

رسالة الإسكافي، وذكرهما الحافظ الكنجي في الكفاية ص ٤٨ للفضل بن العبّاس.

٤٤ - خزيمة بن ثابت الأنصاري عدَّه العراقي في شرح التقريب ١ ص ٨٥، و الزرقاني في شرح المواهب ١ ص ٢٤٢ ممَّن قال بأنَّ عليّاً أوَّل الناس إسلاماً. وقالا: أنشد المرزبان له في عليٍّ:

أليس أوَّل من صلّى لقبلتكم

وأعلم النّاس بالقران والسننِ؟

وذكر له الإسكافي في رسالته كما في شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٩:

وصيُّ رسول الله من دون أهله

وفارسه مذ كان في سالف الزمنْ

وأوَّل من صلّى من الناس كلّهم

سوى خيرة النسوان والله ذو المننْ

وذكرهما له الحاكم في المستدرك ٣ ص ١١٤، وذكر قبلهما:

إذا نحن بايعنا عليّاً فحسبنا

أبو حسن ممّا نخاف من الفتنْ

وجدناه أولى النّاس بالنّاس أنَّه

أطبّ قريش بالكتاب وبالسننْ(١)

٤٥ - كعب بن زهير، ذكر الزرقاني في شرح المواهب ١ ص ٢٤٢ له من قصيدة يمدح بها أمير المؤمنين عليه السلام:

إنَّ عليّاً لميمون نقيبته

بالصّالحات من الأفعال مشهورُ

صهر النبيِّ وخير الناس كلّهمُ

فكلّ من رامه بالفخر مفخورُ

صلّى الصلاة مع الأُمِّي أوَّلهم

قبل العباد وربُّ الناس مكفورُ(٢)

٤٦ - ربيعة بن الحرث بن عبد المطلب، ذكر جمعٌ من الأعلام له أبيات وذكرها آخرون لغيره وهي:

_____________________

١ - ولهذه الأبيات بقية توجد في الفصول المختارة ٢ ص ٦٧.

٢ - في النسخة تصحيف ذكرناها صحيحة.

٢٣١

ما كنت أحسب أنَّ الأمر منصرفٌ

عن هاشم ثمَّ منها عن أبي حسنِ

أليس أوَّل من صلّى لقبلتهم؟!

وأعلم النّاس بالآيات والسننِ؟!

وآخر الناس عهداً بالنبيِّ؟، ومَن

جبريل عون له في الغسل والكفنِ؟!

مَن فيه ما فيهمُ ما تمترون به؟!

وليس في القوم ما فيه من الحسنِ

ماذا الذي ردَّكم عنه؟! فنعلمه

ها إنَّ بيعتكم من أوَّل الفتنِ

وذكر الإسكافي في رسالته البيتين الأوَّلين منها ونسبهما إلى أبي سليمان بن حرب بن أُميَّة بن عبد شمس حين بويع أبو بكر. شرح ابن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٩.

٤٧ - الفضل بن أبي لهب قال ردّاً على قصيدة الوليد بن عقبة:

ألا إنَّ خير النّاس بعد محمّدٍ

مهيمنه التاليه في العرف والنكرِ

وخيرته في خيبر ورسوله

بنبذ عهود الشرك فوق أبي بكرِ

وأوَّل من صلّى وصنو نبيِّه

وأوَّل من أردى الغواة لدى بدرِ

فذاك عليُّ الخير من ذا يفوقه؟!

أبو حسن حلف القرابة والصهرِ

٤٨ - مالك بن عبادة الغافقي حليف حمزة بن عبد المطلب قال:

رأيت عليّاً لا يلبّث قرنه

إذا ما دعاه حاسراً أو مسربلا

فهذا وفي الإسلام أوَّل مسلم

وأوَّل من صلّى وصام وهلّلا

٤٩ - أبو الأسود الدؤلي يهدِّد طلحة والزبير بقوله:

وإنَّ عليّاً لكم مصحرٌ

يماثله الأسد الأسودُ

أما إنَّه أوَّل العابدين

بمكّة والله لا يُعبدُ(١)

٥٠ - جندب بن زهير كان يرتجز يوم صفِّين بقوله:

هذا عليٌّ والهدى حقّاً معه

يا ربّ فاحفظه ولا تضيِّعه

فإنَّه يخشاك ربّي فارفعه

نحن نصرناه على مَن نازعه

صهر النبيِّ المصطفى قد طاوعه

أوَّل من بايعه وتابعه(٢)

٥١ - زفر بن يزيد(٣) بن حُذيفة الأسدي قال:

_____________________

١ - رسالة الإسكافي كما شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٩.

٢ - كتاب نصر بن مزاحم ٤٥٣.

٣ - في بعض المصادر: زفير بن زيد.

٢٣٢

فحوطوا عليّاً فانصروه فإنَّه

وصيٌّ وفي الإسلام أوَّل أوَّلُ

وإن تخذلوه والحوادث جمَّة

فليس لكم عن أرضكم متحوّلُ(١)

٥٢ - النجاشي بن الحارث بن كعب قال:

فقل للمضلّل من وائل

ومن جعل الغثَّ يوماً سمينا

جعلتَ ابن هند وأشياعه

نظير عليٍّ أما تستحونا؟!

إلى أوَّل النّاس بعد الرسول

أجاب النبيَّ من العالمينا

وصهر الرَّسول ومن مثله

إذا كان يوم يشيب القرونا؟!(٢)

٥٣ - جرير بن عبد الله البجلي قال:

فصلّى الإله على أحمد

رسول المليك تمام النعمْ

وصلّى على الطهر من بعده

خليفتنا القائم المدَّعمْ

عليّاً عنيت وصيَّ النبيِّ

يجالد عنه غواة الأُممْ

له الفضل والسبق والمكرما

ت وبيت النبوَّة لا المهتضمْ

٥٤ - عبد الله بن حكيم التميمي قال:

دعانا الزبير إلى بيعة

وطلحة من بعد أن أثقلا

فقلنا: صفقنا بأيماننا

فإن شيء تما فخذا الأشملا

نكثتم عليّاً على بيعة

وإسلامه فيكمُ أوَّلا

٥٥ - عبد الرحمن بن حنبل [جعل] الجمحي حليف بني الجمح قال:

لعمري لئن بايعتمُ ذا حفيظة

على الدين معروف العفاف موفَّقا

عفيفاً عن الفحشاء أبيض ماجداً

صدوقاً وللجبّار قِدماً مصدِّقا

أبا حسن فارضوا به وتبايعوا

فليس كمن فيه يرى العيب منطقا

عليٌّ وصيُّ المصطفى ووزيره

وأوَّل من صلّى لذي العرش واتَّقى(٣)

٥٦ - أبو عمرو عامر الشعبي الكوفي قال: أوَّل من أسلم من الرِّجال عليُّ

_____________________

١ - رسالة الإسكافي كما في شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٩.

٢ - كتاب صفين لنصر بن مزاحم ٦٦.

٣ - كفاية الطالب للحافظ الكنجي ص ٤٨.

٢٣٣

ابن أبي طالب وهو إبن تسع سنين. رسالة الإسكافي كما في شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٦٠.

٥٧ - أبو سعيد الحسن البصري قال: عليٌّ أوَّل من أسلم بعد خديجة. أخرجه أحمد عن عبد الرَّزاق عن معمر عن قتادة عنه. ورواه الإسكافي في رسالته عن عبد الرَّزاق كما في شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٦٠.

وقال الحجّاج للحسن وعنده جماعةٌ من التابعين وذكر عليّ بن أبي طالب: ما تقول أنت يا حسن؟ فقال: ما أقول؟ هو: أوَّل من صلّى إلى القبلة، وأجاب دعوة رسول الله. وإنَّ لعليٍّ منزلة من ربِّه وقرابة من رسوله، وقد سبقت له سوابق لا يستطيع ردَّها أحدٌ فغضب الحجّاج غضباً شديداً وقام عن سريره فدخل بعض البيوت.

وقال رجل للحسن: مالنا لا نراك تثني على عليٍّ وتقرّظه؟ قال كيف؟! وسيف الحجّاج يقطر دماً، إنَّه أوَّل من أسلم، وحسبكم بذلك. رسالة الإسكافي كما في شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٥٨.

٥٨ - الإمام محمد بن عليِّ الباقر قال: أوَّل من آمن بالله عليُّ بن أبي طالب و هو إبن إحدى عشرة سنة. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٦٠.

٥٩ - قتادة بن دعامة الأكمه البصري قال: عليٌّ أوَّل من أسلم بعد خديجة. أخرجه أحمد كما سمعت، والقسطلاني عدّه ممّن قال به في المواهب ١ ص ٤٥، وأقرّه الزرقاني في شرحه ١ ص ٢٤٢.

٦٠ - محمد بن مسلم المعروف بابن شهاب(١) عدَّه القسطلاني في المواهب ١ ص ٤٥، وأقرّه الزرقاني في شرحه ١ ص ٢٤٢ من القائلين بأنَّ عليّاً أوَّل مَن أسلم.

٦١ - أبو عبد الله محمد بن المكندر المدني قال: عليٌّ أوَّل من أسلم.

تاريخ الطبري ٢ ص ٢١٣. الكامل لابن الأثير ٢ ص ٢٢.

٦٢ - أبو حازم سلمة بن دينار المدني قال: عليٌّ أوَّل من أسلم.

تاريخ الطبري ١ ص ٢١٣. الكامل لابن الأثير ٢ ص ٢٢.

٦٣ - أبو عثمان ربيعة بن أبي عبد الرَّحمن المدني قال: عليٌّ أوَّل من أسلم.

تاريخ الطبري ٢ ص ٢١٣. الكامل لابن الأثير ٢ ص ٢٢.

_____________________

١ - نسبة إلى جد جده.

٢٣٤

٦٤ - أبو النضر محمد بن السائب الكلبي قال: عليّ أوَّل من أسلم، أسلم وهو إبن تسع سنين. تاريخ الطبري ٢ ص ٢١٣. الكامل لابن الأثير ٢ ص ٢٢.

٦٥ - محمد بن إسحاق قال: كان أوّل ذَكر آمن برسول الله صلّى الله عليه وسلّم وصلّى معه وصدَّقه بما جاءه من عند الله عليُّ بن أبي طالب وهو يومئذ إبن عشر سنين(١) وكان ممّا أنعم الله به على عليِّ بن أبي طالب إنَّه كان في حجر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قبل الإسلام.

وقال: وذكر بعض أهل العلم أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان إذا حضرت الصَّلاة خرج إلى شعاب مكَّة وخرج معه عليُّ بن أبي طالب، مستخفياً من عمِّه أبي طالب وجميع أعمامه وسائر قومه فيصليّان الصَّلوات فيها، فإذا أمسيا رجعا فمكثا كذلك ما شاء الله أن يمكثا، ثمَّ إنَّ أبا طالب عثر عليهما يوماً وهما يصلِّيان فقال لرسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا بن أخي ما هذا الدين؟ الحديث.

تاريخ الطبري ٢ ص ٢١٣. سيرة إبن هشام ١ ص ٢٦٤، ٢٦٥. سيرة إبن سيِّد الناس ١ ص ٩٣. الكامل لابن الأثير ٤ ص ٢٢. شرح إبن أبي الحديد ٣ ص ٢٦٠. السيرة الحلبيَّة ١ ص ٢٨٧.

٦٦ - جُنيد بن عبد الرَّحمن قال: أتيت من حوران إلى دمشق لآخذ عطائي فصلَّيت الجمعة ثمَّ خرجت من باب الدرج فإذا عليه شيخٌ يقال له: أبو شيبة القاصّ يقصُّ على الناس، فرغَّب فرغبنا، وخوَّف فبكينا، فلمّا انقضى حديثه قال: اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب. فلعنوا أبا تراب عليه السلام فالتفت إليَّ من على يميني فقلت له: فمن أبو تراب؟ فقال: عليُّ بن أبي طالب إبن عمِّ رسول الله، وزوج إبنته، وأوَّل النّاس إسلاماً، وأبو الحسن والحسين. فقلت: ما أصاب هذا القاصّ؟! فقمت إليه وكان ذا وفرة فأخذت وفرته بيدي وجعلت ألطم وجهه وأبطح برأسه الحائط، فصاح فاجتمع أعوان المسجد فوضعوا ردائي في رقبتي وساقوني حتّى دخلوني على هشام بن عبد الملك وأبو شيبة يقدمني فصاح يا أمير المؤمنين؟ قاصّك وقاصّ آبائك وأجدادك أتي إليه اليوم أمرٌ عظيمٌ. قال: من فعل لك؟ فقال: هذا. فالتفت إليَّ هشام وعنده أشراف النّاس فقال: يا أبا يحيى؟ متى قدمت؟ فقلت: أمس وأنا على المصير إلى أمير المؤمنين

_____________________

١ - في الكامل لابن الأثير ٢ ص ٣٢: إحدى عشرة سنة. نقلاً عن إبن إسحاق.

٢٣٥

فأدركتني صلاة الجمعة فصلَّيت وخرجت إلى باب الدرج فإذا هذا الشيخ قائمٌ يقصُّ فجلست إليه فقرأ فسمعنا، فرغَّب مَن رغَّب، وخوّف مَن خوّف، ودعا فأمّنا، وقال في آخر كلامه: اختموا مجلسنا بلعن أبي تراب، فسألت مَن أبو تراب؟ فقيل: عليُّ بن أبي طالب، أوَّل الناس إسلاما، وإبن عمِّ رسول الله، وأبو الحسن والحسين، وزوج بنت رسول الله. فوالله يا أمير المؤمنين؟ لو ذكر هذا قرابة لك بمثل هذا الذكر ولعنه بمثل هذا اللعن لأحللت به الذي أحللت، فكيف لا أغضب لصهر رسول الله وزوج إبنته؟! فقال هشام: بئس ما صنع.

(تاريخ إبن عساكر ٣ ص ٤٠٧)

هذه جملةٌ من النصوص النبويَّة، والكلم المأثورة عن أمير المؤمنين والصحابة والتابعين في أنَّ عليّاً أوَّل مَن أسلم: وهي تربو على مائة كلمة، أضف إليها ما مرَّج ٢ ص ٢٧٦ من أنَّ أمير المؤمنين سبّاق هذه الأُمَّة. واشفع الجميع بما أسلفناه ج ٢ ص ٣٠٦ من أنَّه صلوات الله عليه صدِّيق هذه الأُمَّة، وهو الصدِّيق الأكبر.

فهل تجد عندئذ مساغاً لمكابرة إبن كثير تجاه هذه الحقيقة الراهنة وقوله: و قد ورد في أنَّه أوَّل من أسلم. إلخ؟! فإذا لا يصحُّ مثل هذه فما الَّذي يصحّ؟ وإن كان لا يصحّ شييءٌ منها فما قيمة تلك الكتب المشحونة بها؟! كلّا، إنَّها كلمة هو قائلها ومن ورائهم برزخٌ إلى يوم يبعثون.

وأنت ترى الرجل يزيَف هذه الكلم والنصوص الكثيرة الصحيحة بحكم الحفّاظ الأثبات بكلمة واحدة قارصة، ويعتمد في إثبات أيِّ أمر يروقه في تاريخه على المراسيل والمقاطيع والآحاد، ونقل المجاهيل وأفناء الناس.

*(تذييل)* قال المأمون في حديث إحتجاجه على أربعين فقيهاً ومناظرته إيّاهم في أنّ أمير المؤمنين أولى بالناس بالخلافة: يا إسحاق أيُّ الأعمال كان أفضل يوم بعث الله رسوله؟ قلت: الإخلاص بالشهادة. قال: أليس السبق إلى الإسلام؟ قلت: نعم قال: إقرأ ذلك في كتاب الله يقول: والسابقون السابقون أولئك المقرَّبون إنَّما عُني من سبق إلى الإسلام، فهل علمت أحداً سبق عليّاً إلى الإسلام؟ قلت: يا أمير المؤمنين؟ إنَّ عليّاً أسلم وهو حديث السنِّ لا يجوز عليه الحكم، وأبو بكر أسلم وهو مستكملٌ يجوز عليه الحكم. قال: أخبرني أيّهما أسلم قبلُ؟ ثمَّ أُناظرك من بعده في الحداثة

٢٣٦

والكمال. قلت: عليٌّ أسلم قبل أبي بكر على هذه الشريطة. فقال: نعم فأخبرني عن إسلام عليٍّ حين أسلم؟ لا يخلو من أن يكون رسول الله صلّى الله عليه وسلّم دعاه إلى الإسلام أو يكون إلهاماً من الله. قال فأطرقت فقال لي: يا إسحاق؟ لا تقل إلهاماً فتقدِّمه على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لأنَّ رسول الله لم يعرف الإسلام حتى أتاه جبريل عن الله تعالى. قلت: أجل بل دعاه رسول الله إلى الإسلام. قال: يا إسحاق؟ فهل يخلو رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حين دعاه إلى الإسلام من أن يكون دعاه بأمر الله أو تكلّف ذلك من نفسه؟ قال: فأطرقت. فقال: يا إسحاق لا تنسب رسول الله إلى تكلّف فإنَّ الله يقول: وما أنا من المتكلّفين. قلت: أجل، يا أمير المؤمنين؟ بل دعاه بأمر الله. قال: فهل من صفة الجبّار جلَّ ذكره أن يكلّف رسله دعاء مَن لا يجوز عليه حكمٌ؟ قلت: أعوذ بالله. فقال: أفتراه في قياس قولك يا إسحاق؟ إنَّ عليّاً أسلم صبيّاً لا يجوز عليه الحكم قد تكلّف رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من دعاء الصبيان ما لا يطيقون، فهل يدعوهم الساعة ويرتدّون بعد ساعة، فلا يجب عليهم في ارتدادهم شييءٌ ولا يجوز عليهم حكم الرَّسول عليه السلام؟ أترى هذا جائزاً عندك أن تنسبه إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟! قلت أعوذ بالله. الحديث. العقد الفريد ٣ ص ٤٣.

وقال أبو جعفر الإسكافي المعتزلي المتوفّى ٢٤٠ في رسالته: قد روى الناس كافّة إفتخار عليٍّ عليه السلام بالسبق إلى الإسلام، وإنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله استنبئ يوم الإثنين وأسلم عليٌّ يوم الثَّلاثاء. وإنَّه كان يقول: صلّيت قبل النَّاس سبع سنين وإنَّه ما زال يقول: أنا أوَّل من أسلم. ويفتخر بذلك ويفتخر له به أولياؤه ومادحوه وشيعته في عصره وبعد وفاته، والأمر في ذلك أشهر من كلِّ شهير، وقد قدَّمنا منه طرفاً وما علمنا أحداً من النّاس فيما خلا إستخفَّ بإسلام عليٍّ عليه السلام ولا تهاون به، ولا زعم أنَّه أسلم إسلام حدث غرير وطفل صغير، ومن العجب أن يكون مثل العبّاس وحمزة ينتظران أبا طالب وفعله ليصدّوا عن رأيه، ثمَّ يخالفه عليٌّ إبنه لغير رغبة ولا رهبة يؤثر القلّة على الكثرة، والذلَّ على العزَّة من غير علم ولا معرفة بالعاقبة، وكيف ينكر الجاحظ والعثمانيَّة أنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله دعاه إلى الإسلام وكلّفه التصديق؟!

ورُوي في الخبر الصحيح(١) أنَّه كلّفه في مبدأ الدعوة قبل ظهور كلمة الإسلام

_____________________

١ - مرّ هذا الحديث لصحيح بألفاظه وطرقه في ج ٢ ص ٢٧٨ - ٢٧٤.

٢٣٧

وانتشارها بمكّة: أن يصنع له طعاماً وأن يدعو له بني عبد المطلب. فصنع له الطعام ودعاهم له فخرجوا ذلك اليوم ولم ينذرهم صلى الله عليه وآله وسلم لكلمة قالها عمّه أبو لهب فكلّفه اليوم الثاني: أن يصنع مثل ذلك الطعام وأن يدعوهم ثانية. فصنعه ودعاهم فأكلوا ثمَّ كلّمهم صلّى الله عليه وآله فدعاهم إلى الدين ودعاه معهم لأنَّه من بني عبد المطلب، ثمَّ ضمن لمن يُوازره منهم وينصره على قوله أن يجعله أخاه في الدين ووصيَّه بعد موته وخليفته من بعده، فأمسكوا كلّهم وأجابه هو وحده وقال: أنا أنصرك على ما جئت به و أُوازرك وأُبايعك. فقال لهم لما رأى منهم الخذلان ومنه النصر، وشاهد منهم المعصية ومنه الطاعة، وعاين منهم الآباء ومنه الإجابة: هذا أخي ووصيّي وخليفتي من بعدي. فقاموا يسخرون ويضحكون ويقولون لأبي طالب: أطع ابنك فقد أمَّره عليك.

فهل يكلّف عمل الطعام ودعاء القوم صغيرٌ غير مميِّز؟ وغرٌّ غير عاقل؟ وهل يؤتمن على سرِّ النبوَّة طفلٌ إبن خمس سنين أو إبن سبع؟ وهل يُدعى في جملة الشيوخ و الكهول إلّا عاقلٌ لبيبٌ؟ وهل يضع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يده في يده ويُعطيه صفقة يمينه بالأُخوَّة والوصيَّة والخلافة إلّا وهو أهلٌ لذلك، بالغٌ حدَّ التكليف، محتملٌ لولاية الله وعداوة أعدائه؟(١) .

وقال الحاكم النيسابوري صاحب «المستدرك» على الصحيحين في كتاب «المعرفة» ص ٢٢: ولا أعلم خلافاً بين أصحاب التواريخ أنَّ عليَّ بن أبي طالب رضي الله عنه أوَّلهم إسلاماً وإنّما اختلفوا في بلوغه.

وقال إبن عبد البرّ في الإستيعاب ٢ ص ٤٥٧: إتَّفقوا على أنَّ خديجة أوَّل من آمن بالله ورسوله وصدَّقه فيما جاء به ثمَّ عليٌّ بعدها.

وقال المقريزي في الإمتاع ص ١٦ ما ملخَّصه: وأمّا عليُّ بن أبي طالب: فلم يُشرك بالله قطُّ، وذلك أنَّ الله تعالى أراد به الخير فجعله في كفالة إبن عمّه سيِّد المرسلين محمَّد صلّى الله عليه وسلّم فعند ما أتى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم الوحيُ وأخبر خديجة وصدَّقت، كانت هي وعليّ بن أبي طالب وزيد بن حارثة يُصلّون معه، «إلى أن قال:» فلم يحتج عليٌّ رضي الله عنه أن يُدعى، ولا كان مشركاً حتّى يُوحِّد فيقال: أسلم، بل كان عندما

_____________________

١ - مرت جملة من بقية الكلام ج ٢ ص ٢٨٧.

٢٣٨

أوحى الله إلى رسوله صلّى الله عليه وسلّم عمره ثماني سنين، وقيل: سبع. وقيل: إحدى عشرة سنة، و كان مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في منزله بين أهله كأحد أولاده يتبعه في جميع أحواله. إلخ.

م - وأنت تجد أوّليّة أمير المؤمنين في الإسلام في شعر كثير من السلف مثل قول مسلم بن الوليد الأنصاري.

أذكرت سيف رسول الله سنّته

وسيف أوّل من صلّى ومن صاما؟!

قال أبو الفلاح الحنبلي في شذراته ج ١ ص ٣٠٨: يعني عليّاً رضي الله عنه إذ كان هو الضرّاب به [بسيف النبيِّ].

هذا ما اقتضته المسالمة مع القوم في تحديد مبدء إسلامه عليه السلام، وأمّا نحن فلا نقول: إنَّه أوَّل من أسلم بالمعنى الذي يُحاوله إبن كثير وقومه لأنَّ البدئة به تستدعي سبقاً من الكفر ومتى كفر أمير المؤمنين حتّى يسلم؟ ومتى أشرك بالله حتّى يؤمن؟ وقد انعقدت نطفته على الحنيفيَّة البيضاء، واحتضنه حجر الرِّسالة، وغذَّته يد النبوَّة، وهذَّبه الخلق النبويُّ العظيم، فلم يزل مقتصّاً أثر الرَّسول قبل أن يصدع بالدين الحنيف وبعده، فلم يكن له هوى غير هواه، ولا نزعة غير نزعته، وكيف يمكن الخصم أن يقذفه بكفر قبل الدَّعوة؟! وهو يقول (وإن لم نر صحَّة ما يقول): إنَّه كان يمنع أُمَّه من السّجود للصنم وهو حملٌ(١) أيكون إمام الأُمَّة هكذا في عالم الأجنَّة ثمَّ يُدنِّسه درن الكفر في عالم التكليف؟ فلقد كان صلوات الله عليه مؤمناً جنيناً ورضيعاً و فطيماً ويافعاً وغلاماً وكهلاً وخليفةً.

ولولا أبو طالب وابنه

لما مثل الدين شخصاً وقاما

بل نحن نقول: إنَّ المراد من إسلامه وإيمانه وأوَّليَّته فيهما وسبقه إلى النبيِّ في الإسلام هو المعنى المراد من قوله تعالى عن إبراهيم الخليل عليه السلام: وأنا أوّل المسلمين. وفيما قال سبحانه عنه: إذ قال ربّه أسلم قال أسلمت لربِّ العالمين. وفيما قال سبحانه عن موسى عليه السلام: وأنا أوَّل المؤمنين. وفيما قال تعالى عن نبيِّه الأعظم: آمن الرَّسول بما أُنزل إليه من ربِّه. وفيما قال: قل إنّي أُمرت أن أكون أوَّل من أسلم. وفي قوله: وأُمرت أن أُسلم لربِّ العالمين.

_____________________

١ - ذكر حديثه في السيرة الحلبية ١ ص ٢٨٥، سيرة زيني دحلان، نور الأبصار ٧٦، نزهة المجالس ٢ ص ٢١٠.

٢٣٩

وفي وسع الباحث أن يتَّخذ دروساً راقية حول ما نرتأيه من خطبةٍ لأمير المؤمنين عليه السلام وقد ذكرها الشريف الرضي في نهج البلاغة ج ١ ص ٣٩٢ ألا وهي:

أنا وضعت في الصغر بكلاكل العرب؟ وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول الله صلّى الله عليه وآله بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره وأنا وليد يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه، ويُمسّني جسدَه، ويُشمّني عرفه، وكان يمضغ الشيئ ثمَّ يُلقمنيه، وما وجد لي كذبةً في قول، ولا خَطلةً في فعل، ولقد قرن الله به صلّى الله عليه وآله من لدن أن كان فطيماً أعظمَ مَلَكٍ من ملائكته يسلك به طريق المكارم، ومحاسنَ أخلاق العالَم، ليله ونهاره، ولقد كنتُ أتَّبعه اتّباع الفصيل أثر أُمِّه، يرفع لي في كلِّ يوم من أخلاقه عَلَماً ويأمرني بالإقتداء به، ولقد كان يجاور في كلِّ سنة بحِراء فأراهُ ولا يَراه غيري، ولم يجمعِ بيتٌ واحدٌ يومئذ في الإسلام غير رسول الله صلّى الله عليه وآله وخديجة وأنا ثالثهما، أرى نور الوحي والرِّسالة، و أشمُّ ريحَ النبوَّة، ولقد سمعت رنَّة الشيطان حين نزل الوحي عليه صلّى الله عليه وآله فقلت: يا رسول الله؟ ما هذه الرنَّة؟ وقال: هذا الشيطان قد أيس من عبادته، إنَّك تسمع ما أسمع، وترى ما أرى، إلّا أنَّكَ لستَ بنبيٍّ، ولكنَّك وزيرٌ؛ وإنَّك لعلى خيرٍ.

وأمّا الكلام في إسلام أبي بكر فلا يسعنا أن أحوم حول هذا الموضوع وبين يديَّ صحيحة محمَّد بن سعد بن أبي وقاص التي أخرجها الطبري في تاريخه ٢ ص ٢١٥ بإسناد صحيح رجاله ثقات قال إبن سعد: قلت لأبي: أكان أبو بكر أوَّلكم إسلاماً؟! فقال: لا. ولقد أسلم قبله أكثر من خمسين، ولكن كان أفضلنا إسلاماً.

وما عساني أن أقول وأبو جعفر الإسكافي المعتزلي البعيد عن عالم التشيّع يقول: أمّا ما احتجَّ به الجاحظ بإمامة أبي بكر بكونه أوَّل الناس. فلو كان هذا إحتجاجاً صحيحاً؟ لأحتجَّ به أبو بكر يوم السقيفة وما رأيناه صنع ذلك لأنَّه أخذ بيد عمر ويد أبي عبيدة بن الجرّاح، وقال للناس: قد رضيت لكم أحد هذين الرَّجلين فبايعوا منهما مَن شئتم. ولو كان هذا إحتجاجاً صحيحاً؟ لما قال عمر: كانت بيعة أبي بكر فلتةً وقى الله شرَّها. ولو كان احتجاجاً صحيحاً؟ لادَّعى واحدٌ من النّاس لأبي بكر الإمامة في عصره أو بعد عصره بكونه سبق إلى الإسلام، وما عرفنا أحداً ادَّعى له ذلك، على

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

من طرق أهل السنّة عن ابن عبّاس.

قوله: إنّ إبراهيم نظر إلى جيفة إلى قوله فقال: يا ربّ أرني الخ، بيان للشبهة الّتي دعته إلى السؤال وهى تفرّق أجزاء الجسد بعد الموت تفرّقاً يؤدّي إلى تغيّرها وانتقالها إلى أمكنة وحالات متنوّعة لا يبقى معها من الأصل شئ.

فإن قلت: ظاهر الرواية: أنّ الشبهة كانت هي شبهة الآكل والمأكول، حيث اشتملت على وثوب بعضها على بعض، وأكل بعضها بعضاً، ثمّ فرّعت على ذلك تعجّب إبراهيم وسؤاله.

قلت: الشبهة شبهتان - إحداهما - تفرّق أجزاء الجسد وفناء أصلها من الصور والأعراض وبالجملة عدم بقائها حتّى تتميّز وتركبها الحياة - وثانيتهما - صيرورة أجزاء بعض الحيوان جزء من بدن بعض آخر فيؤدّي إلى استحالة إحياء الحيوانين ببدنيهما تامّين معاً لأنّ المفروض أنّ بعض بدن أحدهما بعينه بعض لبدن الآخر، فكلّ واحد منهما اُعيد تامّاً بقي الآخر ناقصاً لا يقبل الإعادة، وهذه هي شبهة الآكل والمأكول.

وما أجاب الله سبحانه به - وهو تبعيّة البدن للروح - وإن كان وافياً لدفع الشبهتين جميعاً، إلّا أنّ الّذي أمر به إبراهيم على ما تحكيه الآية لا يتضمّن مادّة شبهة الآكل والمأكول، وهو أكل بعض الحيوان بعضاً، بل إنّما تشتمل على تفرّق الأجزاء واختلاطها وتغيّر صورها وحالاتها، وهذه مادّة الشبهة الاُولى، فالآية إنّما تتعرّض لدفعها وإن كانت الشبهتان مشتركتين في الاندفاع بما اُجيب به في الآية كما مرّ، وما اشتملت عليه الرواية من أكل البعض للبعض غير مقصود في تفسير الآية.

قولهعليه‌السلام فأخذ إبراهيم الطاووس والديك والحمام والغراب، وفي بعض الروايات أنّ الطيور كانت هي النسر والبطّ والطاووس والديك، رواه الصدوق في العيون عن الرضاعليه‌السلام ونقل عن مجاهد وابن جريح وعطاء وابن زيد، وفي بعضها أنّها الهدهد والصرد والطاووس والغراب، رواه العيّاشيّ عن صالح بن سهل عن الصادقعليه‌السلام وفي بعضها: أنّها النعامة والطاووس والوزّة والديك، رواه العيّاشيّ عن معروف بن خرّبوذ

٤٠١

عن الباقرعليه‌السلام ونقل عن ابن عبّاس، وروي من طرق أهل السنّة عن ابن عبّاس أيضاً: أنّها الغرنوق والطاووس والديك والحمامة، والّذي تشترك فيه جميع الروايات والأقوال: الطاووس.

قولهعليه‌السلام : وفرّقهن على عشرة جبال، كون الجبال عشرة ممّا اتّفقت عليه الأخبار المأثورة عن أئمّة أهل البيت وقيل إنّها كانت أربعة وقيل سبعة.

وفي العيون مسنداً عن عليّ بن محمّد بن الجهم قال حضرت مجلس المأمون وعنده الرضا عليّ بن موسى فقال له المأمون: يا بن رسول الله أليس من قولك: إنّ الأنبياء معصومون؟ قال: بلى فسأله عن آيات من القرآن، فكان فيما سأله أن قال له فأخبرني عن قول الله: ربّ أرني كيف تحيي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي، قال الرضا: إنّ الله تبارك وتعالى كان أوحى إلى إبراهيم: أنّي متّخذ من عبادي خليلاً إن سألني إحياء الموتى أجبته فوقع في قلب إبراهيم أنّه ذلك الخليل فقال: ربّ أرني كيف تحيي الموتى؟ قال أو لم تؤمن؟ قال بلى ولكن ليطمئنّ قلبي بالخلّة، الحديث.

اقول: وقد تقدّم في أخبار جنّة آدم كلام في عليّ بن محمّد بن الجهم وفي هذه الرواية الّتي رواها عن الرضاعليه‌السلام فارجع.

واعلم: أنّ الرواية لا تخلو عن دلالة ما على أنّ مقام الخلّة يستلزم استجابة الدعاء، واللفظ يساعد عليه فإنّ الخلّة هي الحاجة، والخليل إنّما يسمّى خليلاً لأنّ الصداقة إذا كملت رفع الصديق حوائجة إلى صديقه، ولا معنى لرفعها مع عدم الكفاية والقضاء.

٤٠٢

( سورة البقرة آية ٢٦١ - ٢٧٤)

مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( ٢٦١ ) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( ٢٦٢ ) قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ ( ٢٦٣ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم بِالْمَنِّ وَالْأَذَىٰ كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ فَتَرَكَهُ صَلْدًا لَّا يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ ( ٢٦٤ ) وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ٢٦٥ ) أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ لَهُ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ( ٢٦٦ ) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ( ٢٦٧ ) الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ وَاللَّهُ يَعِدُكُم مَّغْفِرَةً مِّنْهُ وَفَضْلًا وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ( ٢٦٨ ) يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو

٤٠٣

الْأَلْبَابِ ( ٢٦٩ ) وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ ( ٢٧٠ ) إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ٢٧١ ) لَّيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاءُ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلَّا ابْتِغَاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لَا تُظْلَمُونَ ( ٢٧٢ ) لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( ٢٧٣ ) الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ ( ٢٧٤ )

( بيان)

سياق الآيات من حيث اتّحادها في بيان أمر الإنفاق، ورجوع مضامينها وأغراضها بعضها إلى بعض يعطي أنّها نزلت دفعة واحدة، وهي تحثّ المؤمنين على الإنفاق في سبيل الله تعالى، فتضرب أوّلاً مثلاً لزيادته ونموّه عند الله سبحانه: واحد بسبعمائة، وربّما زاد على ذلك بإذن الله، وثانياً مثلاً لكونه لا يتخلّف عن شأنه على أيّ حال وتنهى عن الرياء في الإنفاق وتضرب مثلاً للإنفاق ريائاً لا لوجه الله، وأنّه لا ينمو نمائاً ولا يثمر أثراً، وتنهي عن الإنفاق بالمنّ والأذى إذ يبطلان أثره ويحبطان عظيم أجره، ثمّ تأمر بأن يكون الإنفاق من طيّب المال لامن خبيثه بخلاً وشحّاً، ثمّ تعيّن المورد الّذي توضع فيه هذه الصنيعة وهو الفقراء المحضرون في سبيل الله، ثمّ تذكر ما لهذا الإنفاق من عظيم الأجر عند الله.

٤٠٤

وبالجملة الآيات تدعو إلى الإنفاق، وتبيّن أوّلاً وجهه وغرضه وهو أن يكون لله لا للناس، وثانياً صورة عمله وكيفيّته وهو أن لا يتعقّبه المنّ والأذى، وثالثاً وصف مال الإنفاق وهو أن يكون طيّباً لا خبيثاً، ورابعاً نعت مورد الإنفاق وهو أن يكون فقيراً اُحصر في سبيل الله، وخامساً ما له من عظيم الأجر عاجلاً وآجلاً.

( كلام في الإنفاق)

الإنفاق من أعظم ما يهتمّ بأمره الإسلام في أحد ركنيه وهو حقوق الناس وقد توسّل إليه بأنحاء التوسّل إيجاباً وندباً من طريق الزكاة والخمس والكفّارات الماليّة وأقسام الفدية والإنفاقات الواجبة والصدقات المندوبة، ومن طريق الوقف والسكنى والعمرى والوصايا والهبة وغير ذلك.

وإنّما يريد بذلك ارتفاع سطح معيشة الطبقة السافلة الّتي لا تستطيع رفع حوائج الحياة من غير إمداد ماليّ من غيرهم، ليقرب اُفقهم من اًفق أهل النعمة والثروة، ومن جانب آخر قد منع من تظاهر أهل الطبقة العالية بالجمال والزينة في مظاهر الحياة بما لا يقرب من المعروف ولا تناله أيدي النمط الأوسط من الناس، بالنهي عن الإسراف والتبذير ونحو ذلك.

وكان الغرض من ذلك كلّه ايجاد حياة نوعيّة متوسّطة متقرّبة الأجزاء متشابهة الأبعاض، تحيى ناموس الوحدة والمعاضدة، وتميت الإرادات المتضادّة وأضغان القلوب ومنابت الأحقاد، فإنّ القرآن يرى أنّ شأن الدين الحقّ هو تنظيم الحياة بشؤونها، وترتيبها ترتيباً يتضمّن سعادة الإنسان في العاجل والآجل، ويعيش به الإنسان في معارف حقّة، وأخلاق فاضلة، وعيشة طيّبة يتنعّم فيها بما أنعم الله عليه من النعم في الدنيا، ويدفع بها عن نفسه المكاره والنوائب ونواقص المادّة.

ولا يتمّ ذلك إلّا بالحياة الطيّبة النوعيّة المتشابهة في طيبها وصفائها، ولا يكون ذلك إلّا بإصلاح حال النوع برفع حوائجها في الحياة، ولا يكمل ذلك إلّا بالجهات

٤٠٥

الماليّة والثروة والقنية، والطريق إلى ذلك إنفاق الأفراد ممّا اقتنوه بكدّ اليمين وعرق الجبين، فإنّما المؤمنون إخوة، والأرض لله، والمال ماله.

وهذه حقيقة أثبتت السيرة النبويّة على سائرها أفضل التحيّة صحّتها واستقامتها في القرار والنماء والنتيجة في برهة من الزمان وهي زمان حياتهعليه‌السلام ونفوذ أمره.

وهي الّتي يتأسّف عليها ويشكو انحراف مجراها أميرالمؤمنين عليّعليه‌السلام إذ يقول: وقد أصبحتم في زمن لا يزداد الخير فيه إلّا إدباراً، والشرّ فيه إلّا إقبالاً، والشيطان في هلاك الناس إلّا طمعاً، فهذا أو ان قويت عدّته وعمّت مكيدته - وأمكنت فريسته، اضرب بطرفك حيث شئت هل تبصر إلّا فقيراً يكايد فقراً؟ أو غنيّاً بدّل نعمة الله كفراً؟ أو بخيلاً اتّخذ البخل بحقّ الله وفراً أو متمرّداً كأنّ باذنه عن سمع المواعظ وقراً؟ (نهج البلاغة).

وقد كشف توالي الأيّام عن صدق القرآن في نظريّته هذه - وهي تقريب الطبقات بإمداد الدانية بالإنفاق ومنع العالية عن الإتراف والتظاهر بالجمال - حيث إنّ الناس بعد ظهور المدنيّة الغربيّة استرسلوا في الإخلاد إلى الأرض، والإفراط في استقصاء المشتهيات الحيوانيّة واستيفاء الهوسات النفسانيّة، وأعدّوا له ما استطاعوا من قوّة، فأوجب ذلك عكوف الثروة وصفوة لذائذ الحياة على أبواب اُولي القوّة والثروة، ولم يبق بأيدي النمط الأسفل إلّا الحرمان، ولم يزل النمط الأعلى يأكل بعضه بعضاً حتّى تفرّد بسعادة الحياة المادّيّة نزر قليل من الناس وسلب حقّ الحياة من الأكثرين وهم سواد الناس، وأثار ذلك جميع الرذائل الخلقيّة من الطرفين، كلّ يعمل على شاكلته لا يبقي ولا يذر، فأنتج ذلك التقابل بين الطائفتين، واشتباك النزاع والنزال بين الفريقين، والتفاني بين الغنيّ والفقير والمنعم والمحروم والواجد والفاقد، ونشبت الحرب العالميّة الكبرى، وظهرت الشيوعيّة، وهجرت الحقيقة والفضيلة وارتحلت السكن والطمأنينة وطيب الحياة من بين النوع وهذا ما نشاهده اليوم من فساد العالم الإنسانيّ، وما يهدّد النوع بما يستقبله أعظم وأفظع.

ومن أعظم العوامل في هذا الفساد انسداد باب الإنفاق وانفتاح أبواب الرباء الّذي

٤٠٦

سيشرح الله تعالى أمره الفظيع في سبع آيات تالية لهذه الآيات أعني آيات الإنفاق ويذكر أنّ في رواجه فساد الدنيا وهو من ملاحم القرآن الكريم، وقد كان جنيناً أيّام نزول القرآن فوضعته حامل الدنيا في هذه الأيّام.

وإن شئت تصديق ما ذكرناه فتدبّر فيما ذكره سبحانه في سورة الروم إذ قال:( فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَٰلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَاتَّقُوهُ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُم مُّنِيبِينَ إِلَيْهِ ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُم مِّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِّنْهُم بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ لِيَكْفُرُوا بِمَا آتَيْنَاهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ - إلى ان قال -فَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ وَالْمِسْكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ لِّلَّذِينَ يُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ - إلى أن قال -ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلُ كَانَ أَكْثَرُهُم مُّشْرِكِينَ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لَّا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُونَ ) الآيات الروم - ٣٠ - ٤٣، وللآيات نظائر في سور هود ويونس والإسراء والأنبياء وغيرها تنبئ عن هذا الشأن، سيأتي بيانها إنشاء الله.

وبالجملة هذا هو السبب فيما يترآئى من هذه الآيات أعني آيات الإنفاق من الحثّ الشديد والتأكيد البالغ في أمره.

قوله تعالى: ( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ ) الخ، المراد بسبيل الله كلّ أمر ينتهي إلى مرضاته سبحانه لغرض دينيّ فعل الفعل لأجله، فإنّ الكلمة في الآية مطلقة، وإن كانت الآية مسبوقة بآيات ذكر فيها القتال في سبيل الله، وكانت كلمة، في سبيل الله، مقارنة للجهاد في غير واحد من الآيات، فإنّ ذلك لا يوجب التخصيص وهو ظاهر.

وقد ذكروا أنّ قوله تعالى: كمثل حبّة أنبتت الخ، على تقدير قولنا كمثل من

٤٠٧

زرع حبّة أنبتت الخ فإنّ الحبّة المنبتة لسبع سنابل مثل المال الّذي اُنفق في سبيل الله لا مثل من أنفق وهو ظاهر.

وهذا الكلام وإن كان وجيهاً في نفسه لكنّ التدبّر يعطي خلاف ذلك فإنّ جلّ الأمثال المضروبة في القرآن حالها هذا الحال فهو صناعة شائعه في القرآن كقوله تعالى:( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ) البقرة - ١٧١، فإنّه مثل من يدعو الكفّار لامثل الكفّار، وقوله تعالى:( نَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ ) الآية يونس - ٢٤، وقوله تعالى:( مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ ) النور - ٣٥، وقوله تعالى في الآيات التالية لهذه الآية: فمثله كمثل صفوان الآية: وقوله تعالى: مثل الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضاة الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنّة بربوة الآية إلى غير ذلك من الموارد الكثيرة.

وهذه الأمثال المضروبة في الآيات تشترك جميعاً في أنّها اقتصر فيها على مادّة التمثيل الّذي يتقوّم بها المثل مع الإعراض عن باقي أجزاء الكلام للإيجاز.

توضيحه: أنّ المثل في الحقيقة قصّة محقّقة أو مفروضة مشابهة لاُخرى في جهاتها يؤتي بها لينتقل ذهن المخاطب من تصوّرها إلى كمال تصوّر الممثّل كقولهم: لا ناقة لي ولا جمل، وقولهم: في الصيف ضيّعت اللبن من الأمثال الّتي لها قصص محقّقة يقصد بالتمثيل تذكّر السامع لها وتطبيقها لمورد الكلام للاستيضاح، ولذا قيل: إنّ الأمثال لا تتغيّر، وكقولنا: مثل الّذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل من زرع حبّة أنبتت سبع سنابل في كلّ سنبلة مأة حبّة، وهي قصّة مفروضة خياليّة.

والمعنى الّذي يشتمل عليه المثل ويكون هو الميزان الّذي يوزن به حال الممثّل ربّما كان تمام القصّة الّتي هي المثل كما في قوله تعالى:( وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ ) الآية إبراهيم - ٢٦، وقوله تعالى:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) الجمعة - ٥، وربّما كان بعض القصّة ممّا يتقوّم به غرض التمثيل وهو الّذي نسمّيه مادّة التمثيل، وإنّما جئ بالبعض الآخر لتتميم القصّة كما في المثال الأخير (مثال الإنفاق والحبّة) فإنّ مادّة التمثيل إنّما هي

٤٠٨

الحبة المنبتة لسبعمأة حبّة وإنّما ضممنا إليها الّذي زرع لتتميم القصّة.

وما كان من أمثال القرآن مادّة التمثيل فيه تمام المثل فإنّه وضع على ما هو عليه، وما كان منها مادّة التمثيل فيه بعض القصّة فإنّه اقتصر على مادّة التمثيل فوضعت موضع تمام القصّة لأنّ الغرض من التمثيل حاصل بذلك، على ما فيه من تنشيط ذهن السامع بفقده أمراً و وجدانه أمراً آخر مقامه يفي بالغرض منه، فهو هو بوجه وليس به بوجه، فهذا من الإيجاز بالقلب على وجه لطيف يستعمله القرآن.

قوله تعالى: ( أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّائَةُ حَبَّةٍ ) ، السنبل معروف وهو على فنعل، قيل الأصل في معنى مادّته الستر سمّي به لأنّه يستر الحبّات الّتي تشتمل عليها في الأغلفة.

ومن أسخف الإشكال ما اُورد على الآية أنّه تمثيل بما لا تحقّق له في الخارج وهو اشتمال السنبلة على مأة حبّة، وفيه أنّ المثل كما عرفت لا يشترط فيه تحقّق مضمونة في الخارج فالأمثال التخيّليّة أكثر من أن تعدّ وتحصى، على أنّ اشتمال السنبلة على مأة حبّة وإنبات الحبّة الواحدة سبعمأة حبّة ليس بعزيز الوجود.

قوله تعالى: ( وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) ، أي يزيد على سبعمأة لمن يشاء فهو الواسع لا مانع من جوده ولا محدّد لفضله كما قال تعالى:( مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ) البقرة - ٢٤٥، فأطلق الكثرة ولم يقيّدها بعدد معيّن.

وقيل: إنّ معناه أنّ الله يضاعف هذه المضاعفة لمن يشاء فالمضاعفة إلى سبعمأة ضعف غاية ما تدلّ عليه الآية، وفيه أنّ الجملة على هذا يقع موقع التعليل، وحقّ الكلام فيه حينئذ أن يصدّر بإنّ كقوله تعالى:( اللَّهُ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ ) المؤمن - ٦١، وأمثال ذلك.

ولم يقيّد ما ضربه الله من المثل بالآخرة بل الكلام مطلق يشمل الدنيا كالآخرة وهو كذلك والاعتبار يساعده، فالمنفق بشئ من ماله وإن كان يخطر بباله ابتدائاً أنّ المال قد فات عنه ولم يخلّف بدلاً، لكنّه لو تأمّل قليلاً وجد أنّ المجتمع الإنسانيّ

٤٠٩

بمنزلة شخص واحد ذو أعضاء مختلفة بحسب الأسماء والأشكال لكنّها جميعاً متّحدة في غرض الحياة، مرتبطة من حيث الأثر والفائدة، فإذا فقد واحد منها نعمة الصحّة والاستقامة، وعىّ في فعله أوجب ذلك كلال الجميع في فعلها، وخسرانها في أغراضها فالعين واليد وإن كانا عضوين اثنين من حيث الاسم والفعل ظاهراً، لكنّ الخلقة إنّما جهّز الإنسان بالبصر ليميّز به الأشياء ضوئاً ولوناً وقرباً وبعداً فتتناول اليد ما يجب أن يجلبه الإنسان لنفسه، وتدفع ما يجب أن يدفعه عن نفسه، فإذا سقطت اليد عن التأثير وجب أن يتدارك الإنسان ما يفوته من عامّة فوائدها بسائر أعضائه فيقاسي أوّلاً كدّاً وتعباً لا يتحمّل عادة، وينقص من أفعال سائر الأعضاء بمقدار ما يستعملها في موضع العضو الساقط عن التأثير، وأمّا لو أصلح حال يده الفاسدة بفضل ما ادّخره لبعض الأعضاء الاُخر كان في ذلك إصلاح حال الجميع، وعاد إليه من الفائدة الحقيقيّة أضعاف ما فاته من الفضل المفيد أضعافاً ربّما زاد على المآت والاُلوف بما يورث من إصلاح حال الغير، ودفع الرذائل الّتي يمكّنها الفقر والحاجة في نفسه، وإيجاد المحبّة في قلبه، وحسن الذكر في لسانه، والنشاط في عمله، والمجتمع يربط جميع ذلك ويرجعه إلى المنفق لا محالة، ولا سيّما إذا كان الإنفاق لدفع الحوائج النوعيّة كالتعليم والتربية ونحو ذلك، فهذا حال الإنفاق.

وإذا كان الإنفاق في سبيل الله وابتغاء مرضات الله كان النماء والزيادة من لوازمه من غير تخلّف، فإنّ الإنفاق لو لم يكن لوجه الله لم يكن إلّا لفائدة عائدة إلى نفس المنفق كإنفاق الغنيّ للفقير لدفع شرّه، أو إنفاق المثري الموسر للمعسر ليدفع حاجته ويعتدل حال المجتمع فيصفو للمثري المنفق عيشه، وهذا نوع استخدام للفقير واستثمار منه لنفع نفسه، ربّما أورث في نفس الفقير أثراً سيّئاً، وربّما تراكمت الآثار وظهرت فكانت بلوى، لكنّ الإنفاق الّذي لايراد به إلّا وجه الله ولا يبتغي فيه إلّا مرضاته خال عن هذه النواقص لا يؤثّر إلّا الجميل ولا يتعقّبه إلّا الخير.

قوله تعالى: ( الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ) الخ الإتباع اللحوق والإلحاق، قال تعالى:( فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ ) الشعراء - ٦١،

٤١٠

أي لحقوهم، وقال تعالى:( وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً ) القصص - ٤٢، أي ألحقناهم. والمنّ هو ذكر ما ينغّص المعروف كقول المنعم للمنعم عليه: أنعمت عليك بكذا وكذا ونحو ذلك، والأصل في معناه على ما قيل القطع، ومنه قوله تعالى:( لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ ) فصّلت - ٨، أي غير مقطوع، والأذى الضرر العاجل أو الضرر اليسير، والخوف توقّع الضرر، والحزن الغمّ الّذي يغلظ على النفس من مكروه واقع أو كالواقع.

قوله تعالى: ( قَوْلٌ مَّعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِّن صَدَقَةٍ ) الخ المعروف من القول ما لا ينكره الناس بحسب العادة، ويختلف باختلاف الموارد، والأصل في معنى المغفرة هو الستر، والغنى مقابل الحاجة والفقر، والحلم السكوت عند المكروه من قول أو فعل.

وترجيح القول المعروف والمغفرة على صدقة يتبعها أذى ثمّ المقابلة يشهد بأنّ المراد بالقول المعروف الدعاء أو لفظ آخر جميل عند ردّ السائل إذا لم يتكلّم بما يسوء المسؤول عنه، والستر والصفح إذا شفّع سؤاله بما يسوئه وهما خير من صدقة يتبعها أذى، فإنّ أذى المنفق للمنفق عليه يدلّ على عظم إنفاقه والمال الّذي أنفقه في عينه، وتأثّره عمّا يسوئه من السؤال، وهما علّتان يجب أن تزاحا عن نفس المؤمن، فإنّ المؤمن متخلّق بأخلاق الله، والله سبحانه غنيّ لا يكبر عنده ما أنعم وجاد به، حليم لا يتعجّل في المؤاخذة على السيّئة، ولا يغضب عند كلّ جهالة، وهذا معنى ختم الآية بقوله: والله غنيّ حليم.

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُم ) الخ تدلّ الآية على حبط الصدقة بلحوق المنّ والأذى، وربّما يستدلّ بها على حبط كلّ معصية أو الكبيرة خاصّة لما يسبقها من الطاعات، ولا دلالة في الآية على غير المنّ والأذى بالنسبة إلى الصدقة وقد تقدّم إشباع الكلام في الحبط.

قوله تعالى: ( كَالَّذِي يُنفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ وَلَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) ، لمّا كان الخطاب للمؤمنين، والمرائي غير مؤمن كما ذكره الله سبحانه لأنّه لا يقصد بأعماله وجه الله لم يعلّق النهي بالرئاء كما علّقه على المنّ والأذى، بل إنّما شبّه المتصدّق الّذي يتبع صدقته بالمنّ والأذى بالمرائي في بطلان الصدقة، مع أنّ عمل المرائي

٤١١

باطل من رأس وعمل المانّ والمؤذي وقع أوّلاً صحيحاً ثمّ عرضه البطلان.

واتّحاد سياق الأفعال في قوله: ينفق ماله، وقوله: ولا يؤمن من دون أن يقال: ولم يؤمن يدلّ على أنّ المراد من عدم إيمان المرائي في الإنفاق بالله واليوم الآخر عدم إيمانه بدعوة الإنفاق الّذي يدعو إليها الله سبحانه، ويعد عليه جزيل الثواب، إذ لو كان يؤمن بالداعي في دعوته هذه، وبيوم القيامة الظاهر فيه الجزاء لقصد في فعله وجه الله، وأحبّ واختار جزيل الثواب، ولم يقصد به رئاء الناس، فليس المراد من عدم إيمان المرائي عدم إيمانه بالله سبحانه رأساً.

ويظهر من الآية: أنّ الرياء في عمل يستلزم عدم الإيمان بالله واليوم الآخر فيه.

قوله تعالى: ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ صَفْوَانٍ عَلَيْهِ تُرَابٌ ) إلى آخر الآية، الضمير في قوله: فمثله راجع إلى الّذي ينفق ماله رئاء الناس والمثل له، والصفوان والصفا الحجر الأملس وكذا الصلد، والوابل: المطر الغزير الشديد الوقع.

والضمير في قوله: لا يقدرون راجع إلى الّذي ينفق رئائاً لأنّه في معنى الجمع، والجملة تبيّن وجه الشبه وهو الجامع بين المشبّه والمشبّه به، وقوله تعالى: والله لا يهدي القوم الكافرين بيان للحكم بوجه عامّ وهو أنّ المرائي في ريائه من مصاديق الكافر، والله لا يهدي القوم الكافرين، ولذلك أفاد معنى التعليل.

وخلاصة معنى المثل: أنّ حال المرائي في إنفاقه رئائاً وفي ترتّب الثواب عليه كحال الحجر الأملس الّذي عليه شئ من التراب إذا اُنزل عليه وابل المطر، فإنّ المطر وخاصّة وابله هو السبب البارز لحياة الأرض واخضرارها وتزيّنها بزينة النبات، إلّا أنّ التراب إذا وقع على الصفوان الصلد لا يستقرّ في مكانه عند نزول الوابل بل يغسله الوابل ويبقى الصلد الّذي لا يجذب الماء، ولا يتربّى فيه بذر لنبات، فالوابل وإن كان من أظهر أسباب الحياة والنمو وكذا التراب لكن كون المحلّ صلداً يبطل عمل هذين السببين من غير أن يكون النقص والقصور من جانبهما فهذا حال الصلد.

وهذا حال المرائي فإنّه لمّا لم يقصد من عمله وجه الله لم يترتّب على عمله ثواب

٤١٢

وإن كان العمل كالإنفاق في سبيل الله من الأسباب البارزة لترتّب الثواب، فإنّه مسلوب الاستعداد لا يقبل قلبه الرحمة والكرامة.

وقد ظهر من الآية: أنّ قبول العمل يحتاج إلى نيّة الإخلاص وقصد وجه الله، وقد روى الفريقان عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنّه قال: إنّما الأعمال بالنيّات.

قوله تعالى: ( وَمَثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ وَتَثْبِيتًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ ) ، ابتغاء المرضاة هو طلب الرضاء، ويعود إلى إرادة وجه الله، فإنّ وجه الشئ هو ما يواجهك ويستقبلك به، ووجهه تعالى بالنسبه إلى عبده الّذي أمره بشئ وأراده منه هو رضائه عن فعله وامتثاله، فإنّ الآمر يستقبل المأمور أوّلاً بالأمر فإذا امتثل استقبله بالرضاء عنه، فمرضات الله عن العبد المكلّف بتكليف هو وجهه إليه، فابتغاء مرضاة الله هو إرادة وجهه عزّوجلّ.

وأمّا قوله: وتثبيتاً من أنفسهم فقد قيل: إنّ المراد التصديق واليقين. وقيل: هو التثبّت أي يتثبّتون أين يضعون أموالهم، وقيل: هو التثبّت في الإنفاق فإن كان لله أمضى، وإن كان خالطه شئ من الرياء أمسك، وقيل: التثبيت توطين النفس على طاعة الله تعالى، وقيل: هو تمكين النفس في منازل الإيمان بتعويدها على بذل المال لوجه الله. وأنت خبير بأنّ شيئاً من الأقوال لا ينطبق على الآية إلّا بتكلّف.

والّذي ينبغي أن يقال - والله العالم - في المقام: هو أنّ الله سبحانه لمّا أطلق القول أوّلاً في مدح الإنفاق في سبيل الله، وأنّ له عند الله عظيم الأجر اعترضه أن استثنى منه نوعين من الإنفاق لا يرتضيهما الله سبحانه، ولا يترتّب عليهما الثواب، وهما الإنفاق ريائاً الموجب لعدم صحّة العمل من رأس والإنفاق الّذي يتبعه منّ أو أذى فإنّه يبطل بهما وإن انعقد أوّلاً صحيحاً، وليس يعرض البطلان. لهذين النوعين إلّا من جهة عدم ابتغاء مرضاة الله فيه من رأس، أو لزوال النفس عن هذه النيّة أعني ابتغاء المرضات ثانياً بعد ما كانت عليها أوّلاً، فأراد في هذه الآية بيان حال الخاصّة من أهل الإنفاق الخالصة بعد استثناء المرائين وأهل المنّ والأذى، وهم الّذين ينفقون أموالهم

٤١٣

ابتغاء وجه الله ثمّ يقرّون أنفسهم على الثبات على هذه النيّة الطاهرة النامية من غير أن يتبعوها بما يبطل العمل ويفسده.

ومن هنا يظهر أنّ المراد بابتغاء مرضاة الله أن لا يقصد بالعمل رئاء ونحوه ممّا يجعل النيّة غير خالصة لوجه الله، وبقوله تثبيتاً من أنفسهم تثبيت الإنسان نفسه على ما نواه من النيّة الخالصة، وهو تثبيت ناش من النفس واقع على النفس. فقوله تثبيتاً تميز وكلمة من نشويّة وقوله أنفسهم في معنى الفاعل، وما في معنى المفعول مقدّر. والتقدير تثبيتاً من أنفسهم لأنفسهم، أو مفعول مطلق لفعل من مادّته.

قوله تعالى: ( كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ ) إلى آخر الآية، الأصل في مادّة ربا الزيادة، والربوة بالحركات الثلاث في الراء الأرض الجيّدة الّتي تزيد وتعلو في نموّها، والاُكّل بضمّتين ما يؤكل من الشئ والواحدة أكلة، والطلّ أضعف المطر القليل الأثر.

والغرض من المثل أنّ الإنفاق الّذي اُريد به وجه الله لا يتخلّف عن أثرها الحسن البتّة، فإنّ العناية الإلهيّة واقعة عليه متعلّقة به لانحفاظ اتّصاله بالله سبحانه وإن كانت مراتب العناية مختلفة لاختلاف درجات النيّة في الخلوص، واختلاف وزن الأعمال باختلافها، كما أنّ الجنّة الّتي في الربوة إذا أصابها المطر لم تلبث دون أن تؤتي اُكلها إيتائاً جيّداً البتّة وإن كان إيتائها مختلفاً في الجودة باختلاف المطر النازل عليه من وابل وطلّ.

ولوجود هذا الاختلاف ذيّل الكلام بقوله: والله بما تعملون بصير أي لا يشتبه عليه أمر الثواب، ولا يختلط عليه ثواب الأعمال المختلفة فيعطي ثواب هذا لذاك وثواب ذاك لهذا.

قوله تعالى: ( أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَابٍ ) الخ، الودّ هو الحبّ وفيه معنى التمنّي، والجنّة: الشجر الكثير الملتفّ كالبستان سمّيت بذلك لأنّها تجنّ الأرض وتسترها وتقيها من ضوء الشمس ونحوه، ولذلك صحّ أن يقال: تجري من تحتها الأنهار، ولو كانت هي الأرض بما لها من الشجر مثلاً لم يصحّ ذلك

٤١٤

لإفادته خلاف المقصود، ولذلك قال تعالى في مثل الربوة وهي الأرض المعمورة:( رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ ) المؤمنون - ٥٠، وكرّر في كلامه قوله: جنّات تجري من تحتها الأنهار فجعل المعين (وهو الماء) فيها لاجارياً تحتها.

ومن في قوله: من نخيل وأعناب للتبيين ويفيد معنى الغلبة دون الاستيعاب، فإنّ الجنّة والبستان وما هو من هذا القبيل إنّما يضاف إلى الجنس الغالب فيقال جنّة العنب أو جنّة من أعناب إذا كان الغالب فيها الكرم وهي لا تخلو مع ذلك من شجر شتّى، ولذلك قال تعالى ثانياً: له فيها من كلّ الثمرات.

والكبر كبر السنّ وهو الشيخوخة، والذرّيّة الأولاد، والضعفاء جمع الضعيف، وقد جمع تعالى في المثل بين إصابة الكبر ووجود الذرّيّة الضعفاء لتثبيت مسيس الحاجة القطعيّة إلى الجنّة المذكورة مع فقدان باقي الأسباب الّتي يتوصّل إليها في حفظ سعادة الحياة وتأمين المعيشة، فإنّ صاحب الجنّة لو فرض شابّاً قويّاً لأمكنه أن يستريح إلى قوّة يمينه لو اُصيبت جنّته بمصيبة، ولو فرض شيخاً هرماً من غير ذرّيّة ضعفاء لم يسوء حاله تلك المسائة لأنّه لا يرى لنفسه إلّا أيّاماً قلائل لا يبطئ عليه زوالها وانقضائها، ولو فرض ذا كبر وله أولاد أقوياء يقدرون على العمل واكتساب المعيشة أمكنهم أن يقتاتوا بما يكتسبونه، وأن يستغنوا عنها بوجه! لكن إذا اجتمع هناك الكبر والذرّيّة الضعفاء، واحترقت الجنّة انقطعت الأسباب عنهم عند ذلك، فلا صاحب الجنّة يمكنه أن يعيد لنفسه الشباب والقوّة أو الأيّام الخالية حتّى يهيّئ لنفسه نظير ما كان قد هيّأها، ولا لذرّيّته قوّة على ذلك، ولا لهم رجاء أن ترجع الجنّة بعد الاحتراق إلى ما كانت عليه من النضارة والإثمار.

والإعصار الغبار الّذي يلتفّ على نفسه بين السماء والأرض كما يلتفّ الثوب على نفسه عند العصر.

وهذا مثل ضربه الله للّذين ينفقون أموالهم ثمّ يتبعونه منّاً وأذى فيحبط عملهم ولا سبيل لهم إلى إعادة العمل الباطل إلى حال صحّته واستقامته، وانطباق المثل على الممثّل ظاهر، ورجا منهم التفكّر لأنّ أمثال هذه الأفاعيل المفسدة للأعمال إنّما تصدر

٤١٥

من الناس ومعهم حالات نفسانيّة كحبّ المال والجاه والكبر والعجب والشحّ، لا تدع للإنسان مجال التثبّت والتفكّر وتميّز النافع من الضارّ، ولو تفكّروا لتبصّروا.

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ ) الخ، التيمّم هو القصد والتعمّد، والخبيث ضدّ الطيّب، وقوله: منه، متعلّق بالخبيث، وقوله: تنفقون حال من فاعل لاتيمّموا، وقوله: ولستم بآخذيه حال من فاعل تنفقون، وعامله الفعل، وقوله أن تغمضوا فيه في تأويل المصدر، واللام مقدّر على ما قيل والتقدير إلّا لإغماضكم فيه، أو المقدّر باء المصاحبة والتقدير إلّا بمصاحبة الإغماض.

ومعنى الآية ظاهر، وإنّما بيّن تعالى كيفيّة مال الإنفاق، وأنّه ينبغي أن يكون من طيّب المال لا من خبيثه الّذي لا يأخذه المنفق إلّا بإغماض، فإنّه لا يتّصف بوصف الجود والسخاء، بل يتصوّر بصورة التخلّص، فلا يفيد حبّاً للصنيعة والمعروف ولا كمالاً للنفس، ولذلك ختمها بقوله: واعلموا أنّ الله غنيّ حميد أي راقبوا في إنفاقكم غناه وحمده فهو في عين غناه يحمد إنفاقكم الحسن فأنفقوا من طيّب المال، أو أنّه غنيّ محمود لا ينبغي أن تواجهوه بما لا يليق بجلاله جلّ جلاله.

قوله تعالى: ( الشَّيْطَانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُم بِالْفَحْشَاءِ ) إقامة للحجّة على أنّ اختيار خبيث المال للإنفاق ليس بخير للمنفقين بخلاف اختيار طيّبه فإنّه خير لهم، ففي النهى مصلحة أمرهم كما أنّ في المنهىّ عنه مفسدة لهم، وليس إمساكهم عن إنفاق طيّب المال وبذله إلّا لما يرونه مؤثّراً في قوام المال والثروة فتنقبض نفوسهم عن الإقدام إلى بذله بخلاف خبيثه فإنّه لا قيمة له يعنى بها فلا بأس بإنفاقه، وهذا من تسويل الشيطان يخوّف أوليائه من الفقر، مع أنّ البذل وذهاب المال والإنفاق في سبيل الله وابتغاء مرضاته مثل البذل في المعاملات لا يخلو عن العوض والربح كما مرّ، مع أنّ الّذي يغني ويقني هو الله سبحانه دون المال، قال تعالى:( وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَىٰ وَأَقْنَىٰ ) النجم - ٤٨.

وبالجملة لمّا كان إمساكهم عن بذل طيّب المال خوفاً من الفقر خطاء نبّه عليه بقوله: الشيطان يعدكم الفقر، غير أنّه وضع السبب موضع المسبّب، أعني أنّه وضع وعد الشيطان موضع خوف أنفسهم ليدلّ على أنّه خوف مضرّ لهم فإنّ الشيطان لا

٤١٦

يأمر إلّا بالباطل والضلال إمّا ابتدائاً ومن غير واسطة، وإمّا بالآخرة وبواسطة ما يظهر منه أنّه حقّ.

ولمّا كان من الممكن أن يتوهّم أنّ هذا الخوف حقّ وإن كان من ناحية الشيطان دفع ذلك بإتباع قوله: الشيطان يعدكم الفقر بقوله: ويأمركم بالفحشاءأوّلا ، فإنّ هذا الإمساك والتثاقل منهم يهيّئ في نفوسهم ملكة الإمساك وسجيّة البخل، فيؤدّي إلى ردّ أوامر الله المتعلّقة بأموالهم وهو الكفر بالله العظيم، ويؤدّي إلى إلقاء أرباب الحاجة في تهلكة الإعسار والفقر والمسكنة الّتي فيه تلف النفوس وانهتاك الأعراض وكلّ جناية وفحشاء، قال تعالى:( وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَىٰ يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ - إلى ان قال -الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لَا يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) التوبة - ٧٩.

ثمّ بإتباعه بقوله: والله يعدكم مغفرة منه وفضلاً والله واسع عليمثانياً ، فإنّ الله قد بيّن للمؤمنين: أنّ هناك حقّاً وضلالاً لا ثالث لهما، وأنّ الحقّ وهو الطريق المستقيم هو من الله سبحانه، وأنّ الضلال من الشيطان، قال تعالى:( فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ ) يونس - ٣٢، وقال تعالى:( قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ ) يونس - ٣٥، وقال تعالى في الشيطان:( إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ ) القصص - ١٥، والآيات جميعاً مكّيّة، وبالجملة نبّه تعالى بقوله: والله يعدكم، بأنّ هذا الخاطر الّذي يخطر ببالكم من جهة الخوف ضلال من الفكر فإنّ مغفرة الله والزيادة الّتي ذكرها في الآيات السابقة إنّما هما في البذل من طيّبات المال.

فقوله تعالى: والله يعدكم الخ، نظير قوله: الشيطان يعدكم الخ، من قبيل وضع السبب موضع المسبّب، وفيه إلقاء المقابلة بين وعد الله سبحانه الواسع العليم ووعد الشيطان، لينظر المنفقون في أمر الوعدين ويختاروا ما هو أصلح لبالهم منهما.

فحاصل حجّة الآية: أنّ اختياركم الخبيث على الطيّب إنّما هو لخوف الفقر،

٤١٧

والجهل بما يستتبعه هذا الإنفاق، أمّا خوف الفقر فهو إلقاء، شيطانيّ، ولا يريد الشيطان بكم إلّا الضلال والفحشاء فلا يجوز أن تتّبعوه، وأمّا مايستتبعه هذا الإنفاق فهو الزيادة والمغفرة اللّتان ذكرتا لكم في الآيات السابقة، وهو استتباع بالحقّ لأنّ الّذي يعدكم استتباع الإنفاق لهذه المغفرة والزيادة هو الله سبحانه ووعده حقّ، وهو واسع يسعه أن يعطي ما وعده من المغفرة والزيادة وعليم لا يجهل شيئاً ولا حالاً من شئ فوعده وعد عن علم.

قوله تعالى: ( يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ ) ، الإيتاء هو الإعطاء، والحكمة بكسر الحاء على فعلة بناء نوع يدلّ على نوع المعنى فمعناه النوع من الإحكام والإتقان أو نوع من الأمر المحكم المتقن الّذي لا يوجد فيه ثلمة ولا فتور، وغلب استعماله في المعلومات العقليّة الحقّة الصادقة الّتي لا تقبل البطلان والكذب البتّة.

والجملة تدلّ على أنّ البيان الّذي بيّن الله به حال الإنفاق بجمع علله وأسبابه وما يستتبعه من الأثر الصالح في حقيقة حياة الإنسان هو من الحكمة، فالحكمة هي القضايا الحقّة المطابقة للواقع من حيث اشتمالها بنحو على سعادة الإنسان كالمعارف الحقّة الإلهيّة في المبدأ والمعاد، والمعارف الّتي تشرح حقائق العالم الطبيعيّ من جهة مساسها بسعادة الإنسان كالحقائق الفطريّة الّتي هي أساس التشريعات الدينيّة.

قوله تعالى: ( وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ) ، المعنى ظاهر، وقد اُبهم فاعل الإيتاء مع أنّ الجملة السابقة عليه تدلّ على أنّه الله تبارك وتعالى ليدلّ الكلام على أنّ الحكمة بنفسها منشأ الخير الكثير فالتلبّس بها يتضمّن الخير الكثير، لامن جهة انتساب إتيانه إليه تعالى، فإنّ مجرّد انتساب الإتيان لا يوجب ذلك كإيتاء المال، قال تعالى في قارون( وَآتَيْنَاهُ مِنَ الْكُنُوزِ مَا إِنَّ مَفَاتِحَهُ لَتَنُوءُ بِالْعُصْبَةِ أُولِي الْقُوَّة ِ ) إلى آخرالآيات القصص - ٧٦، وإنّما نسب إليها الخير الكثير دون الخير مطلقاً، مع ما عليه الحكمة من ارتفاع الشأن ونفاسة الأمر لأنّ الأمر مختوم بعناية الله وتوفيقه، وأمر السعادة مراعيّ بالعاقبة والخاتمة.

قوله تعالى: ( وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ) ، اللبّ هو العقل لأنّه في الإنسان

٤١٨