الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب19%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94961 / تحميل: 7077
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

أنّ جمهور المحدِّثين ثمَّ يذكروا أنَّ أبا بكر أسلم إلّا بعد عدَّة من الرِّجال منهم: عليّ بن أبي طالب، وجعفر أخوه، وزيد بن حارثة، وأبو ذرّ الغفاري، وعمرو بن عنبسة السلمي، وخالد بن سعيد بن العاص، وخباب بن الأرت، وإذا تأمَّلنا الرِّوايات الصحيحة والأسانيد القويَّة الوثيقة وجدناها كلّها ناطقةً بأنَّ عليّاً عليه السلام أوَّل من أسلم.

فأمّا الرِّواية عن إبن عباس: أنّ أبا بكر أوَّلهم إسلاماً. فقد روي عن إبن عبّاس خلاف ذلك بأكثر ممّا رووا وأشهر فمن ذلك ما رواه يحيى بن حمّاد (ثمَّ ذكر أحاديث صحيحة ممّا مرَّ عن إبن عبّاس) فقال: فهذا قول إبن عبّاس في سبق عليّ عليه السلام إلى الإسلام وهو أثبت من حديث الشعبي وأشهر، على أنَّه قد روي عن الشعبي خلاف ذلك من حديث أبي بكر الهذلي. ثمَّ ذكر حديثه وأحاديث أُخرى ممّا ذكر نقلاً عن الكتب الصحاح والأسانيد الموثوق بها(١) هذا. ومن أظلم ممَّن افترى على الله كذباً أو كذَّب بالحقِّ لما جاءه.

لفت نظر

لعلَّ الباحث يرى خلافاً بين كلمات أمير المؤمنين المذكورة ص ٢٢١ - ٢٢٤ في سني عبادته وصلاته مع رسول الله بين ثلث. وخمس. وسبع. وتسع سنين فنقول: أمّا ثلث سنين فلعلَّ المراد منه ما بين أوَّل البعثة إلى إظهار الدعوة من المدَّة وهي ثلث سنين(٢) فقد أقام صلّى الله عليه وآله وسلّم بمكَّة ثلاث سنين من أوَّل نبوَّته مستخفياً ثمَّ أعلن في الرابعة.

وأمّا خمس سنين فلعلَّ المراد منها سنتا(٣) فترة الوحي من يوم نزول إقرأ باسم ربِّك الذي خلق إلى نزول يا أيّها المدَّثِّر. وثلث سنين من أوَّل بعثته بعد الفترة إلى نزول قوله:( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) . وقوله:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) . سني الدعوة الخفيَّة التي لم يكن فيها معه صلّى الله عليه وآله إلّا خديجة وعليّ. و

_____________________

١ - مرّت بقية الكلام ج ٢ ص ٢٨٧. وللإسكافي في المقام كلمات ضافية نحيل الحيطة بها إلى رسالته في الردّ على الجاحظ.

٢ - تاريخ الطبري ٢ ص ٢١٦، ٢١٨. سيرة إبن هشام ١ ص ٢٧٤. طبقات إبن سعد ٢٠٠. الامتاع ١٥، ٢١.

٣ - عدهما المقريزي أحد الأقوال في أيّام فترة الوحي في الامتاع ص ١٤.

٢٤١

أحسب أنَّ هذا مراد من قال: إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله كان مُستخفياً أمره خمس سنين كما في الإمتاع ص ٤٤.

وأمّا سبع سنين فإنَّها مضافاً إلى كثرة طرقها وصحَّة أسانيدها معتضدةٌ بالنبويَّة المذكورة ص ٢٢٠ وبحديث أبي رافع المذكور ص ٢٢٧ وهي سني الدَّعوة النبويَّة من أوَّل بعثته صلى الله عليه وآله وسلم إلى فرض الصَّلاة المكتوبة.

وذلك أنَّ الصَّلاة فُرضت بلا خلاف ليلة الإسراء وكان الإسراء كما قال محمد ابن شهاب الزهري قبل الهجرة بثلاث سنين، وقد أقام صلّى الله عليه وآله في مكّة عشر سنين فكان أمير المؤمنين خلال هذه المدَّة السنين السبع يعبد الله ويُصلّي معه صلّى الله عليه وآله فكانا يخرجان ردحاً من الزَّمن إلى الشعب وإلى حِراء للعبادة ومكثا على هذا ما شاء الله أن يمكثا(١) حتّى نزل قوله تعالى:( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِينَ ) . وقوله:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) . وذلك بعد ثلاث سنين من مبعثه الشريف، فتظاهر عليه السلام بإجابة الدَّعوة في منتدى الهاشميِّين المعقود لها ولم يلبِّها غيره، ومن يوم ذاك إتَّخذه رسول الله صلّى الله عليه وآله أخاً ووصيّاً وخليفةً ووزيراً(٢) ثمَّ لم يُلبّ الدعوة إلى مدّة إلّا آحادهم بالنسبة إلى عامَّة قريش والناس المرتطمين في تمرُّدهم في حيِّز العدم.

على أنَّ إيمان من آمن وقتئذ لم يكن معرفةً تامَّةً بحدود العبادات حتّى تدرَّجوا في المعرفة والتهذيب، وإنَّما كان خضوعاً للإسلام وتلفّظاً بالشَّهادتين ورفضاً لعبادة الأوثان. لكن أمير المؤمنين خلال هذه المدَّة كان مقتصّاً أثر الرَّسول من أوَّل يومه فيشاهده كيف يتعبَّد، ويتعلّم منه حدود الفرايض ويقيمها على ما هي عليه، فمن الحقِّ الصحيح إذن توحيده في باب العبادة الكاملة، والقول بأنَّه عبد الله وصلّى قبل الناس بسبع سنين.

ويحتمل أن يراد السنين الواردة في حديث إبن عبّاس قال: إنَّ رسول الله صلّى الله عليه وآله أقام بمكّة خمس عشرة سنة سبع سنين يرى الضوء والنور ويسمع الصوت، و

_____________________

١ - تاريخ الطبري ٢ ص ٢١٣. سيرة إبن هشام ١ ص ٢٦٥. راجع ص ٢٣٥ من هذا الجزء.

٢ - راجع الجزء الثاني من كتابنا ص ٢٧٨ - ٢٨٤.

٢٤٢

ثماني سنين يوحى إليه(١) وأمير المؤمنين كان معه من أوَّل يومه يرى ما يراه صلى الله عليه وآله وسلم و يسمع ما يسمع إلّا أنَّه ليس بنبيٍّ كما مرَّ في ص ٢٤٠.

فإن تعجب فعجبٌ قول الذهبي في تلخيص المستدرك ٣ ص ١١٢: إنَّ النبيَّ من أوَّل ما أوحي إليه آمن به خديجة وأبو بكر وبلال وزيد مع عليّ قبله بساعات أو بعده بساعات وعبدوا الله مع نبيِّه فأين السبع السنين؟!

*(قال الأميني)*: هذه السنين السبع، ولكن أين تلك الساعات المزعومة عند الذهبي؟ ومَن ذا الذي يقولها؟ ومتى خُلق قائلها؟ وأين هو؟ وأيُّ مصدر ينصُّ عليها؟ وأيُّ راوٍ رواها؟ بل نتنازل معه ونرضى بقصِّيص يقصّها، غير ما في علبة مفكّرة الذهبي، أو عيبة أو هامه، ومتى كان أبو بكر من تلك الطبقة؟ وقد مرَّ في صحيحة الطبري ص ٢٤٠: إنَّه أسلم بعد أكثر من خمسين رجلاً. فكأنَّ الرَّجل قرويٌّ من البعداء عن تاريخ الإسلام، أو أنِّه عارفُ به غير أنَّه يروقه الإفك والزور. وأمّا تسع سنين فيمكن أن يُراد منها سنتا الفترة والسنين السبع من البعثة إلى فرض الصَّلوات المكتوبة. والمبنيُّ في هذه كلّها على التقريب لا على الدقَّة والتحقيق كما هو المطَّرد في المحاورات، فالكلُّ صحيحٌ لا خلاف بينها ولا تعارض هناك.

٥ - ذكر في ج ٧ ص ٣٥٧ حديث تصدُّق أمير المؤمنين خاتمه في الصَّلاة و هو راكعٌ ونزول آية:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا ) . الآية. من طريق أبي سعيد الأشجّ الذي أسلفناه ص ١٥٧ ثمَّ أردفه بقوله: وهذا لا يصحُّ بوجهٍ من الوجوه لضعف أسانيده، ولم ينزل في عليٍّ شيءٌ من القرآن بخصوصيَّته وكلّ ما يريدونه(٢) في قوله تعالى:( إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ ) . وقوله:( وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا ) . وقوله:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ) . وغير ذلك من الآيات والأحاديث الواردة في أنَّها نزلت في عليٍّ لا يصحُّ شيءٌ منها.

ج - كبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولوا إلّا كَذبا. كيف يحكم الرَّجل

_____________________

١ - طبقات إبن سعد ص ٢٠٩ ط مصر.

٢ - كذا في النسخة ولعله: يروونه.

٢٤٣

بعدم صحّة نزول آية( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ ) في عليّ عليه السلام ويستدلُّ بضعف أسانيده وهو بنفسه يرويه في تفسيره ٢ ص ٧١ من طريق إبن مردويه عن الكلبي ويقول: قال: هذا إسنادٌ لا يُقدح به؟! ونحن أوقفناك ص ١٥٧: على أنَّ حديث أبي سعيد الأشجّ الذي ذكره صحيحٌ رجاله ثقاتٌ.

ثمَّ إن كان ما ورد في هذه الآيات وغيرها من الآيات الكريمة المتكثِّرة من نزولها في مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، أنَّها مأوّلة به، أو أنَّه عليه السلام أحد المصاديق الظاهرة لعمومها كما حسبه المغفَّل ممّا لا يصحُّ شيءٌ منها؟ فمن واجب الباحث أن يشطب على هذه التفاسير المعتمدة عليها والصحاح والمسانيد ومدوَّنات الحديث المعتبرة بقلمٍ عريض يمحو ما سطروه فيها، وما تكون عندئذ قيمة هاتيك الكتب المشحونة بما لا يصحّ؟! وما غناء هؤلاء العلماء الذين يعتمدون على الأباطيل؟! وهم يقضون أعمارهم في جمعها، ويدَّخرونها للأُمَّة لتعمل بها وتخبت إلى مفادها، وإذا ذهب هذه ضحيَّة هوى إبن كثير فأيُّ كتاب يحقُّ أن يكون مرجعاً لرُوّاد العلم، وموئلاً يقصده الباحث؟!؟!.

نعم: هذه الكتب هي المصدر والموئل لا غيرها وإبن كثير نفسه لا يرد إلّا إليها، ولا يصدر إلّا منها في كلِّ مورد، إلّا في باب فضايل أمير المؤمنين فعندها تغلي مراجل حقده فيأمّها بلسانٍ بذيّ وقلم جريء.

ونحن قد أوقفناك على مصادر نزول هذه الآيات الكريمة في كتابنا هذا ج ٢ ص ٥٢ - ٥٥ وج ٣ ص ١٠٦ - ١١١ و١٥٦ - ١٦٣ وسنوقفك على حقِّ القول في قوله تعالى:( إِنّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلّ قَوْمٍ هَادٍ ) . فإلى الملتقى.

٦ - ذكر في ج ٧ ص ٣٥٦ عن الإمام أحمد عن وكيع عن إسرائيل عن أبي إسحاق عن زيد بن يُثيع عن أبي بكر حديث البراءة ثمَّ أردفه بقوله: وفيه نكارةٌ من جهة أمره بردِّ الصدِّيق فإنَّ الصدِّيق لم يرجع بل كان هو أمير الحجّ. إلخ.

ج - إقرأ واضحك من هذا الإجتهاد البارد في مقابل النصِّ الثابت الصحيح المجمع على صحَّته، وسيوافيك الحديث بطرقه المتكثِّرة.

٧ - ذكر في ج ٧ ص ٣٤٣ من طريق الإمام أحمد عن إبن نُمير عن الأجلح الكندي عن عبد الله بن بُريدة حديثاً فيه: فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا تقع في عليٍّ فإنَّه منّي و

٢٤٤

أنا منه وهو وليّكم بعدي. ثمَّ أردفه بقوله: هذه اللفظة منكرةٌ والأجلح شيعيٌّ، و مثله لا يُقبل إذا تفرَّد بمثلها. وقد تابعه فيها مَن هو أضعف منه والله أعلم، والمحفوظ في هذا رواية أحمد عن وكيع عن الأعمش عن سعد بن عُبيدة عن عبد الله بن بُريدة عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: مَن كنت مولاه فعليٌّ وليّه.

ج - هل يرى عربيٌّ غير أمويّ في هذه اللفظة نُكراً؟! وهو ذلك القول العربيُّ المبين السهل الممتنع. أو هل يرى عربيٌّ - لم يُشبِهُ عوامل العصبيَّة - في معناه شيئاً منكراً؟ وهو ذلك المعنى الصحيح الثابت الصادر عن مصدر الوحي بأسانيد صحيحة المدعوم بما في معناه من الأحاديث الكثيرة الصِّحاح(١) وهل النكر الَّذي حسبه إبن كثير في إسناده إلى قائله صلّى الله عليه وسلّم؟ وهو لا يفتأ يشيد بأمثال هذا الذِّكر الحكيم. أم في المقول فيه صلوات الله عليه؟ فيراه غير لائق بمثل هذه الكلمة، إذن فما ذا يصنع إبن كثير بأمثالها المتكثِّرة التي ملأت بين المشرق والمغرب؟! وهي لا تدافع بغمز في إسناد أو بوقيعةٍ في دلالة.

وهل سمعتْ أُذناك من محدِّث دينيٍّ ردَّ ما أخرجه أئمَّة الحديث في الصِّحاح والمسانيد وفي مقدَّمها الصحيحان إذا تفرَّد به شيعيٌّ؟ وما ذنب شيعيٍّ إذا كان ثقةً عند أئمَّة الحديث؟ كأجلح فقد وثَّقه مثل إبن معين.

والحديث أخرجه أحمد في المسند ٥ ص ٣٥٥ بالإسناد المذكور. والترمذي باختصار. والنسائي في الخصايص ٢٤. وإبن أبي شيبة كما في كنز العمّال ٦ ص ١٥٤. ومحبُّ الدين الطبري في الرِّياض النضرة ٢ ص ١٧١. والحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ ص ١٢٨ وغيرهم، وإسناد أحمد المذكور صحيحٌ رجاله رجال الصحيح إلّا الأجلح و هو ثقةٌ كما سمعت.

وقول الرَّجل: والمحفوظ في هذا رواية أحمد. إلخ. يكشف عن قصور باعه في الحديث، وحسبانه الحديثين واحد الانتهاء سندهما إلى بريدة، وإفادة كليها الولاية، وعدم معرفته بأنَّ حديث (لا تقع) قضيَّةٌ في واقعة شخصيَّة لدة قصَّة عمران بن الحصين المذكورة ص ٢١٥ وأمّا (مَن كنت مولاه) فهو لفظ حديث الغدير العامّ، وليس هو محفوظ

_____________________

١ - راجع حديث الغدير في الجزء الأوّل من كتابنا وفي هذا الجزء ص ٢١٥، ٢١٦.

٢٤٥

هذه القضيَّة كما لا يخفى على النابه البصير.

٨ - يعزو إلى الشيعة في ٢ ص ١٩٦ مشفوعاً ذلك بالتكذيب منه أنَّ منهم من زعم أنَّ الإبل البخاتي إنَّما نبتت لها الأسنمة من ذلك اليوم (يوم سبي عقايل بيت الوحي يوم كربلا) لتستّر عوراتهنَّ من قُبلهنَّ ودُبرهن.

ج - لا أحسب أنَّ في الشيعة معتوهاً يزعم أنَّ الأسنمة الموجودة في الإبل بخاتيّها وعرابيّها منذ كُوّنت حدثت بعد واقعة الطفّ، الشيعة لا يقول ذلك وإنَّما يأفك بهم من أفك، وهو يريد الوقيعة فيهم بإسناد التافهات إليهم، ولا يعتقد الشيعيُّ أنّ حرائر النبوَّة وإن سلبن الحليّ، والحلل، والأزر، والأخمرة، مضين في السبي عراة، و استقبلهنّ شيءٌ من مظاهر الخزي، فإنَّ عطف المولى لهنَّ كان يأبى ذلك كلّه.

نعم: إنتابتهنَّ محنٌ ونوائب وكوارث وشدايد في سبيل جهادهنَّ كما انتابت رجالهنَّ في سبيل جهادهم، وكلّما ينتاب المجاهد بعين الله وفي سبيله فهي مأثرةٌ له لا مخزاة فإنَّهن شاركن الرِّجال في تلك النهضة المقدَّسة التي أسفرت عن فضيحة الأمويِّين ومكائدهم ونواياهم السيِّئة على الدين والمسلمين، وإضمارهم إرجاع الملأ الدينيِّ إلى الجاهليَّة الأولى.

لكن حسين الدين والهدى، المفوَّض إليه كلائة دين جدِّه عن عادية أعدائه، الناظر إلى هاتيك الأحوال من أمم، وقف هو وآله وأصحابه ونساؤه ذلك الموقف الرَّهيب، فأنهوا إلى الجامعة الدينيَّة مقاصد القوم، وأبصروهم المعاول الهدّامة لتدمير الشريعة في أيدي آل أُميَّة، وإنَّ ذلك المقعي على أنقاض الخلافة الإسلاميَّة لا صلة له برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولا نصيب له من الخلافة عنه، ولم يزل عليه السلام يتلو هاتيك الصحيفة السوداء لبني صخر حتّى لفظ نفسه الأخير في مشهد يوم الطفّ؛ وحتّى انتهى السير بنساؤه وذراريه إلى الشام.

هنالك مجَّت النفوس آل حرب وأشياعهم، وتعاقبت عليهم الثورات، حتّى اكتسح الله سبحانه معرَّتهم عن أديم الأرض أيّام مروان الحمار، ذلك بما كَسَبتْ أيديهم وما الله بظلّامٍ لِلعبيد. وهذا مغزى ما يُقال: من أنَّ دين الإسلام كما أنَّه محمَّديُّ الحدوث فهو حسينيُّ البقاء.

٢٤٦

هذه حقيقةٌ راهنةٌ مدعمةٌ بالبراهين لكن إبن كثير ونظرائه من حملة الرّوح الأمويَّة لا ينقطعون عن تحاملهم على شيعة الحسين عليه السلام بنسبة الأكاذيب إليهم، وقذفهم بالقوارص.

هذه نماذج يسيرة من جنابات إبن كثير على العلم وودائع الإسلام، وتمويهه على الحقايق، ولا يسعنا استيعاب ما أودع في طيِّ كتابه من عُجره وبُجره، ولو أردنا أن نسرد كلَّ ما فيه أو جلَّه من المخاريق والتافهات والإضافات المفتعلة إلى الأبرياء، والسباب المقذع لرجال الشيعة عند ذكر تاريخهم من دون أيِّ مبرِّر، والتحامل عليهم بما يستقبحه الوجدان والعقل السليم، لجاء منه كتابٌ حافلٌ، لكنّا نمرُّ عليها كراما.

( وَمَن يُشَاقِقِ الرّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُ الْهُدَى‏ وَيَتّبِعْ

غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلّهِ مَا تَوَلّى‏ وَنُصْلِهِ جَهَنّمَ

وَسَاءَتْ مَصِيراً )

النساء ١١٥

٢٤٧

قال الأميني:

هذه نماذج ممّا في الكتب من التافهات ولم نقصد استقصاءها لأنه يكلفنا تأليف مجلدات ضخمة، وإنما أردنا إيقاظ شعور الأمة إلى عوامل الحقد والإحن الممتزجين بنفسيات ناصبي العداوة لأهل البيت عليهم السلام وأتباعهم، حتى لا تكبو بتلك المدونات المزخرفة تجاه هذه الطائفة الكبيرة (شيعة آل الله) مثل ما كبوا أولئك المهملجون إلى البهرجة والضلال.

وإذا عرف القارئ هذه النزعة منهم ففي وسعه أن يتفحص عن بقية ما هنالك من المخازي والطامات والقذائف، و يحرى بنا الآن أن نوعز إلى شيئ ممّا جاء به متأخروا القوم من مؤلفي اليوم ممن اقتصوا إثر قدمائهم في العصبية العمياء التي فرقت الكلم، وشتت جمع الأمم، وأحدثت في القلوب ضغاين، وأورثت في الأفئدة نار العداء، وأثمرت الفتن، و أوجدت الكوارث، وجرت على الأمة كل سوء، وفتحت عليها باب الضعة بمصراعيه، وألبستها شية العار، ووسمة الشنار، فأصبحت والأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلّا المتقين، إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء والله يدعو إلى دار السلام.

( يَا أيّهَا الّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السّلْمِ كَافّةً وَلاَ تَتّبِعُوا خُطُوَاتِ الشّيَطانِ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مُبِينٌ

إِنّ الّذِينَ اتّقَوْا إِذَا مَسّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشّيْطَانِ تَذَكّرُوا فَإِذَا هُم مُبْصِرُونَ )

٢٤٨

٨

محاضرات

تاريخ الأمم الإسلامية

تأليف الشيخ محمد الخضري

لقد أخرج الرجل هذا الكتاب بصفة التاريخ لكنه لم يجر على بساطته، وإنما أودع فيه نزعاته الأموية فترى في كل ثنية منه هملجة، وفي كل فجوة منه تركاضاً، فلا هو كتاب تاريخ يسكن إلى نقله، ولا كتاب عقيدة ينظر في نقده، وإنما هو هياج ولغط يعكر الصفو، ويقلق الطمأنينة، فكان الأحرى بنا الاعراض عنه و عن أغلاطه، لكن لم نجد بداً من لفت القارئ إلى نزر من سقطاته.

١ - قال في ج ٢ ص ٦٧: وممّا يُزيد الأسف أنّ هذه الحرب (صفِّين) لم يكن المراد منها الوصول إلى تقرير مبدأ دينيٍّ أو رفع حيفٍ حلَّ بالأُمَّة، وإنَّما كانت لنصرة شخص على شخصٍ، فشيعة عليٍّ تنصره لأنَّه إبن عمِّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وأحقُّ النّاس بولاية الأمر، وشيعة معاوية تنصره لأنَّه وليّ عثمان وأحقُّ النّاس بطلب دمه المسفوك ظلماً، ولا يرون أنَّه ينبغي لهم مبايعة من آوى إليه قتلته.

ج - ليت الرَّجل بيّن لنا المبادئ الدينيَّة عنده حتّى ننظر في إنطباقها على هذه الحرب، وحيث لم يبيِّن فنحن نقول: أيُّ مبدأ دينيٍّ هو أقوى من أن تكون الحرب والمناصرة لتنفيذ كلمة رسول الله يوم أمر أمير المؤمنين عليه السلام بقتال القاسطين - وهم أصحاب معاوية - وأمر أصحابه بمناصرته يومئذ(١) ورأى من واجبهم جهاد مقاتليه وقال: سيكون بعدي قومٌ يُقاتلون عليّاً على الله جهادهم، فمن لم يستطع جهادهم بيده فبلسانه، فمن لم يستطع بلسانه فبقلبه، ليس وراء ذلك شيءٌ(٢) .

وأيّ مبدأ دينيٍّ هو أقوى من نصرة الرَّجل مَن يراه أولى الناس بالأمر كما

_____________________

١ - راجع ص ١٨٨ - ١٩٥.

٢ - أخرجه الطبراني وإبن مردويه وأبو نعيم كما مرّ في ص ١٩٠.

٢٤٩

يلهج به الخضري نفسه؟! وأيّ مبدأٍ دينيٍّ هو أقوى من مناصرة أمير المؤمنين الذي قال رسول الله فيه وفي آله وذويه: حربكم حربي(١) ؟! وقال له: يا عليُّ ستقاتلك الفئة الباغية وأنت على الحقِّ، فمن لم ينصرك يومئذ فليس منّي(٢) وهل يسع المسلم التقاعد عن نصرته عليه السلام بعد ما سمع قول نبيِّه صلى الله عليه وآله؟!

وأيّ مبدأٍ دينيٍّ هو أقوى من مقاتلة الفئة الباغية بنصٍّ من الرَّسول الأمين يوم قال لعمّار: تقتلك الفئة الباغية(٣) ويوم قال: ويح عمّار تقتله الفئة الباغية يدعوهم إلى الجنَّة ويدعونه إلى النّار(٤)

وأيّ مبدأٍ دينيٍّ هو أقوى من المقاتلة تحت راية خليفة الوقت الذي إنعقدت له بيعة أهل الحلِّ والعقد، وتمَّت شروطها عند من يرى الخلافة بالإختيار، وثبت له النصُّ الجليُّ وتواتر عند من لا يختار إلّا المنصوص عليه، وبطبع الحال أنَّ الخارج عليه خارجٌ على إمام الوقت باغٍ عليه يجب مقاتلته بنصٍّ من الكتاب المبين حيث قال:( وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى‏ فَقَاتِلُوا الّتِي تَبْغِي حَتّى‏ تَفِي‏ءَ إِلَى‏ أَمْرِ اللّهِ ) (٥) .

وليت شعري أيّ حيف يحلّ بالأُمَّة أعظم من تغلّب مثل معاوية على بيضة الإسلام ورياسة أهله، واستحوازه الخلافة التي ليست له لا بنصٍّ ولا بيعة ممَّن تقرِّر بيعته الخليفة؟ فلم يعقد له إجماعٌ، ولا أثبتته شورى أو وصيَّة، ولا هو وليُّ دم عثمان حتّى ينهض بثاره إن لم نقل: هو المثبِّط جند الشام والمتثاقل عن نصره حتّى قُتل، و لم يكن له سابقةٌ في الإسلام تُشرِّفه، ولا علمٌ يُسدّده، ولا تقوى يكبحه عن مساقط

_____________________

١ - راجع الجزء الأوّل من كتابنا ص ٣٣٦.

٢ - راجع ص ١٩٣ من هذا الجزء.

٣ - راجع الجزء الأول ص ٣٢٩، ٣٣١، قال السيوطي في الخصايص ٢ ص ١٤٠: هذا الحديث متواتر رواه من الصحابة بضعة عشر كما بينت ذلك في الأحاديث المتواترة. وستوافيك في الجزء التاسع من كتابنا هذا ألفاظه وطرقه وهي خمسة وعشرون طريقاً.

٤ - قال العلامة الزرقاني في شرح المواهب ١ ص ٣٦٦: رواه البخاري في بعض نسخه و مسلم والترمذي وغيرهم. ويوجد في تاريخ الطبري ١١ ص ٣٥٧.

٥ - سورة الحجرات: ٨.

٢٥٠

الشهوات، وإنّما هي ملوكيّةٌ إرتادها ليملك الأزمّة، وتُلقى عنده الأعنّة، ويحتنك أمر الأُمّة، وفي الأخير تمَّ له ذلك تحت رواعد الإرهاب، ولوائح الأطماع في منتئىً عن الدين والإصلاح، فثبت عرش ملوكيّته بين مهراق الدِّماء ومنتهك الشرايع، ومضلّات الفتن، ولو لم يكن له بائقةٌ إلّا استخلاف يزيد الفجور على الأُمّة بالترهيب والإطماع لكفاه حيفاً يجب أن يكتسح عن مستوى الإسلام وبلاد المسلمين.

٢ - قال: أمّا معاوية فإنَّه بدون ريب يرى نفسه عظيماً من عظماء قريش لأنّه إبن شيخها أبي سفيان بن حرب وأكبر وُلد أُميَّة بن عبد شمس بن عبد مناف، كما أنَّ عليّاً أكبر ولد هاشم بن عبد مناف، فهما سيّان في الرفعة النسبيّة (ج ٢ ص ٦٧)

ج - ماذا أقول لمغفَّل؟! يرى عنصر النبوَّة، وآصرة القداسة المنتقلة بين أسلابٍ طاهرة، وأرحامٍ زكيَّة، من نبيّ إلى وصيٍّ إلى وليٍّ إلى حكيمٍ إلى عظيمٍ إلى شريفٍ إلى خاتم الرِّسالة إلى وصيِّه صاحب الولاية الكبرى، لدة العنصر الأبشميِّ، ويراهما في الرفعة والشرف سيّان، وشتّان بين الشجرتين:( شَجَرَةٍ طَيّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السّماءِ ) .( شَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثّتْ مِن فَوْقِ الْأَرْضِ مَالَهَا مِن قَرَارٍ ) . وما أبعد ما بين الشجرتين:( شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ ) ،( الشّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ ) (١) بتأويل من النبيِّ الأعظم(٢) بلا اختلاف بين إثنين في أنَّهم هم المراد من الشجرة الملعونة كما في تاريخ الطبري ١١ ص ٣٥٦.

وكيف يراهما الرَّجل سيّان؟! والنَّبيُّ الأعظم يقول: إنَّ الله اختار من بني آدم العرب، واختار من العرب مضر، واختار من مضر قريشاً، وأختار من قريش بني هاشم، واختارني من بني هاشم(٣) .

وكيف يراهما سيّان؟! وقد استاء رسول الله صلّى الله عليه وآله من ثمار هذه الشجرة الملعونة طيلة حياته فما رؤي ضاحكاً من يوم رأى في منامه أنَّهم ينزون على منبره نزو

_____________________

١ - سورة الإسراء: ٦٠.

٢ - تاريخ الطبري ١١ ص ٣٥٦، تاريخ الخطيب ٣ ص ٣٤٣، تفسير القرطبي ١٠ ص ٢٨٦، تفسير النيسابوري ١٥ ص ٥٥ هامش تفسير الطبري.

٣ - أخرجه البيهقي، إبن عدي، الحكيم، الطبراني، إبن عساكر، راجع كنز العمال ٦ ص ٢٠٤.

٢٥١

القردة والخنازير.(١) فأنزل الله:( وَمَا جَعَلْنَا الرّؤْيَا الّتِي أَرَيْنَاكَ إِلّا فِتْنَةً لّلنّاسِ ) .

وكيف يراهما سيّان؟! وبنو أُميَّة هم الذين اتَّخذوا عباد الله خولا، ومال الله نحلا، وكتاب الله دغلا. كما أخبر به النبيُّ الصّادق الأمين(٢) .

وكيف يرى أبا سفيان شيخ قريش؟! وهو عارها وشنارها وهو الملعون بنصِّ النبيِّ الأعظم بقوله: أللهمَّ؟ العن التابع والمتبوع، أللّهمَّ، عليك بالأُقيعس(٣) يوم رأى أبا سفيان ومعه معاوية. وبقوله: أللّهمّ العن القائد والسائق والراكب. يوم نظر إليه وهو راكبٌ ومعه معاوية وأخوه أحدهما قائدٌ والآخر سائق(٤) .

وكيف يراه شيخ قريش لدة شيخ الأبطح؟! وفيه قال علقمة:

إنَّ أبا سفيان من قبله

لم يك مثل العُصبة المسلمهْ

لكنَّه نافق في دينه

من خشية القتل على المرغمهْ

بُعداً لصخرٍ مع أشياعه

في جاحم النّار لدى المضرمهْ(٥)

وليت الخضري يقرأ كلمة المقريزي في النزاع والتخاصم ص ٢٨ وهي: أبو سفيان قائد الأحزاب الذي قاتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يوم أُحد، وقتل من خيار أصحابه سبعين ما بين مهاجريٍّ وأنصاريٍّ منهم: أسد الله حمزة بن عبد المطلب بن هاشم، وقاتل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في يوم الخندق أيضاً وكتب إليه:

باسمك اللهمّ أحلف باللّات والعزّى وساف ونائلة وهبَل، لقد سرت إليك أُريد استئصالكم. فأراك قد اعتصمت بالخندق فكرهت لقائي ولك منّي كيوم أُحد.

وبعث بالكتاب مع أبي سلمة الجشمي فقرأه النبيَّ صلّى الله عليه وسلّم أُبيّ بن كعب رضي الله عنه فكتب إليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (قد أتاني كتابك وقديماً غرَّك يا أحمق بني غالب وسفيههم

_____________________

١ - تفسير الطبري ١٥ ص ٧٧، تاريخ الطبري ١١ ص ٣٥٦، تاريخ الخطيب ٩ ص ٤٤ ج ٨ ص ٢٨٠، تفسير النيسابوري هامش الطبري ١٥ ص ٥٥، تفسير القرطبي ١٠ ص ٢٨٣، النزاع والتخاصم ص ٥٢، أسد الغابة ٣ ص ١٤ من طريق الترمذي، الخصايص الكبرى ٢ ص ١١٨ عن الترمذي والحاكم والبيهقي، تفسير الخازن ٣ ص ١٧٧.

٢ - النزاع والتخاصم ص ٥٢، ٥٤، الخصايص الكبرى ٢ ص ١١٨.

٣ - قال البراء بن عازب: يعني معاوية.

٤ - كتاب نصر بن مزاحم في حرب صفين ٢٤٤، ١٤٨، تاريخ الطبري ١١ ص ٣٥٧.

٥ - كتاب نصر ص ٢١٩.

٢٥٢

بالله الغرور وسيحول الله بينك وبين ما تُريد، ويجعل لنا العاقبة، وليأتينَّ عليك يومٌ أكسر فيه اللّات والعزّى وساف ونائلة وهبَل يا سفيه بني غالب).

ولم يزل يُحادُّ الله ورسوله حتّى سار رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لفتح مكّة فأتى به العبّاس إبن عبد المطلب رضي الله عنه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقد أردفه، وذلك أنَّه كان صديقه و نديمه في الجاهليَّة، فلمّا دخل به على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم سأله أن يؤمنه فلمّا رآه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال له: ويلك يا أبا سفيان؟ ألم يأن لك أن تعلمَ أن لا إله إلّا الله؟ فقال: بأبي أنت وأُمّي ما أوصلك وأجملك وأكرمك، والله لقد ظننت أنَّه لو كان مع الله غيره لقد أغنى عنّي شيئاً. فقال يا أبا سفيان؟ ألم يأن لك أن تعلم أنّي رسول الله؟ فقال: بأبي أنت وأُمّي ما أوصلك وأجملك وأكرمك، أمّا هذه ففي النفس منها شيءٌ. فقال له العبّاس: ويلك؟ إشهد لشهادة الحقّ قبل أن تُضرب عنقك. فشهد وأسلم. فهذا حديث إسلامه كما ترى، واختلف في حسن إسلامه فقيل: إنَّه شهد حُنيناً مع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وكانت الأزلام معه يستقسم بها، وكان كهفاً للمنافقين، وإنّه كان في الجاهليَّة زنديقاً، وفي خبر عبد الله بن زبير إنَّه رآه يوم اليرموك قال: فكانت الروم إذا ظهرت قال أبو سفيان: إيه بني الأصفر، فإذا كشفهم المسلمون قال أبو سفيان:

وبنو الأصفر الملوك ملوك الرّ

وم لم يبق منهمُ مذكورُ(١)

فحدَّث به الزبير أباه فلمّا فتح الله على المسلمين فقال الزبير: قاتله الله يأبى إلّا نفاقاً، أو لسنا خيراً من بني الأصفر؟.

وذكر المدايني عن أبي زكريّا العجلاني عن أبي حازم عن أبي هريرة قال: حجَّ أبو بكر رضي الله عنه ومعه أبو سفيان بن حرب فكلّم أبو بكر أبا سفيان فرفع صوته فقال: أبو قحافة اخفض صوتك يا أبا بكر عن ابن حرب. فقال: أبو بكر يا أبا قحافة إنَّ الله بنى بالإسلام بيوتاً كانت غير مبنيَّة، وهدم به بيوتاً كانت في الجاهليَّة مبنيَّة وبيت أبي سفيان ممّا هدم. اهـ.

وكان يوم بويع أبو بكر يثير الفتن ويقول: إنّي لأرى عجاجةً لا يطفئها إلّا دم، يا آل عبد مناف؟ فيمَ أبو بكر من أُموركم؟ أين المستضعفان؟ أين الأذّلان عليٌّ و

_____________________

١ - هذا البيت من جملة أبيات للنعمان بن امرئ القيس.

٢٥٣

عبّاسٌ؟ ما بال هذا الأمر في أقلِّ حيٍّ من قريش؟ ثمَّ قال لعليّ: أبسط يدك أُبايعك، فوالله لئن شئت لأملأنّها عليه خيلاً ورجلاً، فأبى عليٌّ عليه السلام عليه فتمثل بشعر المتلمس(١) :

ولن يُقيم على خسف يُراد به

إلّا الأذلّان غير الحيِّ والوتدُ

هذا على الخسف مربوطٌ برمَّته

وذا يشجُّ فلا يبكي له أحدُ

فزجره عليٌّ وقال: والله ما أردت بهذا إلّا الفتنة، وإنّك والله طالما بغيت للإسلام شرّاً، لا حاجة لنا في نصحك(٢) وجعل يطوف في أزقَّة المدينة ويقول:

بني هاشم لا تطمعوا الناس فيكمُ

ولا سيّما تيم بن مرَّة أو عدي

فما الأمر إلّا فيكمُ وإليكمُ

وليس لها إلّا أبو حسن علي

فقال عمر لأبي بكر: إنَّ هذا قد قدم وهو فاعلٌ شرّاً، وقد كان النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم يستألفه على الإسلام فدع له ما بيده من الصَّدقة. ففعل فرضي أبو سفيان وبايعه(٣)

وقد سبق الخضري في رأيه هذا معاوية فقال فيما كتب إلى عليٍّ أمير المؤمنين: نحن بنو عبد مناف ليس لبعضنا على بعض فضلٌ. فأجاب عنه أمير المؤمنين بقوله: لعمري إنّا بنو أبٍ واحدٍ ولكن ليس أُميَّة كهاشم. ولا حربٌ كعبد المطلب. ولا أبو سفيان كأبي طالب. ولا المهاجرُ كالطَّليق. ولا الصَّريح كاللصيق. ولا المحقُّ كالمبطل. ولا المؤمنُ كالمدغل. ولبئس الخلف خلَفٌ يتبع سلفاً هوى في نار جهنَّم، وفي أيدينا بعدُ فضل النبوَّة(٤) .

(قال الأميني) ألم يأتهم نبأ الَّذين من قبلهم؟! قل: هو نبأ عظيمٌ أنتم عنه معرضون.

٣ - قال: نقول إنَّ فكر معاوية في اختيار الخليفة بعده حسنٌ جميلٌ، وإنَّه

_____________________

م ١ - هو جرير بن عبد المسيح من بني ضبية، توجد ترجمته في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة، و«معجم الشعراء».

٢ - الكامل لابن الأثير ٢ ص ١٣٥.

٣ - العقد الفريد ٢ ص ٢٤٩.

٤ - كتاب صفين لابن مزاحم ٥٣٨، ٥٣٩، الإمامة والسياسة ١ ص ١٠٠، مروج الذهب ٢ ص ٦١، نهج البلاغة ٢ ص ١٢، شرح بن أبي الحديد ٣ ص ٤٢٤، م - ربيع الأبرار للزمخشري باب ٦٦).

٢٥٤

ما دام لم توضع قاعدةٌ لانتخاب الخلفاء، ولم يعيِّن أهل الحلِّ والعقد الَّذين يُرجع إليهم، فأحسن ما يُفعل هو أن يختار الخليفة وليّ عهد قبل أن يموت، لأنَّ ذلك يبعد الإختلاف الذي هو شرٌّ على الأُمّة من جور إمامها. ص ١١٩.

وقال: وممّا انتقد الناس معاوية أنّه اختار ابنه للخلافة وبذلك سنَّ في الإسلام سنَّة الملك المنحصر في أُسرةٍ معيَّنة بعد أن كان أساسه الشورى ويختار من عامّة قريش وقالوا: إنَّ هذه الطريقة التي سنّها معاوية تدعوا في الغالب إلى انتخاب غير الأفضل الأليق من الأُمّة، وتجعل في أُسرة الخلافة الترف والانغماس في الشهوات والملاذ والرفعة على سائر الناس.

أمّا رأينا في ذلك فإنَّ هذا الإنحصار كان أمراً حتماً لا بدَّ منه لصلاح أمر المسلمين وأُلفتهم ولمِّ شعثهم، فإنّه كلّما اتَّسعت الدائرة التي منها يُختار الخليفة كثر الذين يرشِّحون أنفسهم لنيل الخلافة، وإذا انضمَّ إلى ذلك اتِّساع المملكة الإسلاميَّة، وصعوبة المواصلات بين أطرافها، وعدم وجود قوم معيَّنين يرجع إليهم الإنتخاب، فإنَّ الإنتخاب واقع، ونحن نشاهد أنّه مع تفوُّق بني عبد مناف على سائر قريش؛ واعتراف الناس لهم بذلك وهم جزءٌ صغيرٌ من قريش فإنَّهم تنافسوا الأمر وأهلكوا الأُمّة بينهم، فلو رضي الناس عن أُسرةٍ ودانوا لها بالطاعة واعترفوا باستحقاق الولاية لكان هذا خير ما يُفعل لضمِّ شعث المسلمين ص ١٢٤.

إنَّ أعظمٍ مَن ينتقد معاوية في تولية إبنه هم الشيعة مع أنَّهم يرون إنحصار ولاية الأمر في آل عليّ، ويسوقون الخلافة في بنيه، بتركها الأب منهم للإبن، وبنو العبّاس أنفسهم ساروا على هذه الخطّة.

ج - لم ينتقد معاوية مَن ينتقده لمحض اختياره وإنّما انتقده من ناحيتين: الأولى عدم لياقته للتفرُّد وهو كما قال أمير المؤمنين في كلام له: لم يجعل الله عزَّ وجلَّ له سابقة في الدين، ولا سلف صدق في الإسلام، طليق إبن طليق، حزبٌ من هذه الأحزاب لم يزل لله عزَّ وجلَّ ولرسوله صلّى الله عليه وسلّم وللمسلمين عدوّاً هو وأبوه حتّى دخلا في الإسلام كارهين(١) وفي الأُمّة أهل الحلِّ والعقد الذين اختاروا خلافة أبي بكر، ثمَّ وافقوا

_____________________

١ - تاريخ الطبري ٦ ص ٤.

٢٥٥

على الوصيَّة إلى عمر وأقرّوها، وأصفقوا مع أهل الشورى على خلافة عثمان، وأطبقوا على البيعة طوعاً ورغبةً لمولانا أمير المؤمنين فثبتت خلافته، ووجبت طاعته، ولزمت معاوية بيعته، فكان هؤلاء موجودين بأعيانهم أو بنظرائهم وهم الَّذين نقموا على معاوية ذلك العقد المشوم.

الثانية: عدم لياقة من عيَّنه من بعده وهو ذلك الماجن المتخلّع المتظاهر بالفجور إن لم نقل بالكفر والإلحاد.

أمّا عدم تعيين أهل الإختيار فإن أراد عدم تعيّنهم فذلك بهتانٌ عظيمٌ لإنَّ الموجودين في الصدر الأوّل في عاصمة الإسلام المدينة المنوَّرة الذين تصدَّوا لتعيين الخليفة هم أهل الحلِّ والعقد، وكان أكثرهم موجودين إلى ذلك العهد، وأمّا من توفي منهم فقد قيَّضت الظروف من بعدهم مَن يسدُّ مسدَّهم، فإن يكن هؤلاء مفوَّضاً إليهم أمر الخلافة بادء بدء فهم المفوَّض إليهم أمرها مهما تناقلت الخلافة، فليس لأحد أن يختار من دون رضاً منهم، وإنَّ هؤلاء القوم تُعيِّنهم الظروف والأحوال والمقتضيات المكتنفة بهم، ولا يُعيِّنهم نصٌّ من الكتاب أو السنَّة.

وإن أراد عدم تعيين هؤلاء الخليفة من بعد معاوية فإنَّ ظرف التعيين ساعة موت الخليفة لا قبله. نعم: قد تنعقد الضمائر على انتخاب من يرون له الأهليَّة في أبّان الإنتخاب، وما أدرى معاوية أنَّهم سوف يهملون أمر الأُمَّة ساعة هلاكه؟ ولماذا تفرَّد بالإنتخاب من دون رضىً منهم؟ ولماذا خضَّع أفراداً من القوم بالتخويف وآخرين بالتطميع؟ ومتى أبعد إنتخابه الإختلاف الذي هو شرٌّ على الأُمَّة؟ وفي الملأ الدينيِّ أُممٌ ينقمون منه ذلك، وجموعٌ ينتقدونه، وشراذم يضمرون السخط ويتظاهرون به حذار بادرته. نعم: هناك زعانفةٌ اشتروا رضى المخلوق بسخط الخالق، وأعمتهم الصرر والبدر، فأبدوا الرضا.

ولو كانت هذه الفكرة حسنةً جميلةً فلماذا فاتت رسول الله صلّى الله عليه وآله حين دنت منه الوفاة؟ فلم يرحض عن أُمَّته معرَّة الخلاف، وترك المراجل تغلي حتّى اليوم. وهل ترى لو كان أوصى إلى معيَّن من أُمَّته بالخلافة يوجد هناك لأحد مطمع غير المنصوص عليه؟ ودعى سعد بن عبادة إلى نفسه؟ وقال قائل الأنصار منّا أميرٌ، ومنكم أميرٌ؟ وهتف

٢٥٦

هاتفٌ أنا جُذيلها المحكّك وعُذيقها المرجَّب؟ وازدلف المهاجرون إلى أبي بكر؟ واجتمع ناسٌ إلى العبّاس؟ وبنو هاشم ومن يمتُّ بهم وينتمي إليهم يقولون: إنَّها لأمير المؤمنين صلوات الله عليه؟ هذه أسئلةٌ حافلةٌ ليس للخضري عنها جوابٌ إلّا أن يدَّعي أنَّ معاوية كان أشفق بالأُمَّة من رسول الله صلى الله عليه وآله.

وأيّ خلاف رفعه تعيين يزيد وعلى عهده كانت واقعة الطفِّ، وتلاها فاجعةُ الحرّة، وأعقبهما أمر ابن الزبير، وقصّة البيت المعظّم؟! كلُّ ذلك من جرّاء ذلك الإختيار، وثمرة تلك الفكرة الفاسدة، وفي الناقمين سبط النبوّة حسين العظمة صلوات الله. عليه وبقيَّة بني عبد مناف وعامّة المهاجرين والأنصار في المدينة المنوَّرة.

ثمَّ إن كان معاوية لم يجد بُدّاً من الإختيار فلماذا لم يختر صالحاً من صلحاء الصِّحابة؟ وفي مقدَّمهم سبط رسول الله الإمام الطاهر، ولا معدل عنه في حنكة أو علم أو تقوى أو شرف.

وكيف راق «الخضري» أن يرى هذا الإختيار حسناً جميلاً صالح الأمّة ولم يره حيفاً وجنايةً عليها وعلى إسلامها ورسولها وكتابها وسنّتها؟! ورسول الله صلّى الله عليه وآله يوقظ شعور أُمّته قبل ذلك بأعوام بقوله: إنَّ أوّل من يُبدِّل سنّتي رجلٌ من بني أُميّة(١) وقوله: لا يزال هذا الأمر معتدلاً قائماً بالقسط حتّى يثلمه رجلٌ من بني أُميّة يقال له يزيد(٢) .

م - وأخرج إبن أبي شيبة وأبو يعلى: إنَّ يزيد لما كان أبوه أمير الشام غزا المسلمون فحصل لرجل جارية نفيسة فأخذها منه يزيد فاستعان الرجل بأبي ذرّ فمشى معه إليه وأمره بردِّها ثلاث مرّات وهو يتلكّأ فقال: أما والله لئن فعلت فقد سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: أوَّل من يُبدِّل سنَّتي لرجل من بني أُميّة: ثمَّ ولّى، فتبعه يزيد فقال: أذكرك بالله أنا هو؟ فقال: لا أدري، وردَّها يزيد.

قال إبن حجر في تطهير الجنان هامش الصواعق ص ١٤٥: لا يُنافي هذا الحديث

_____________________

١ - الخصايص الكبرى ٢ ص ١٣٩، تطهير الجنان في هامش الصواعق ص ١٤٥

٢ - الخصايص الكبرى ٢ ص ١٣٩، تطهير الجنان في هامش الصواعق ص ١٤٥ وقال: مسند؟ رجاله رجال الصحيح إلّا أن فيه انقطاعاً.

٢٥٧

المذكور المصرِّح بيزيد إمّا لأنّه بفرض كلام أبي ذر على حقيقته لكون أبي ذر لم يعلم بذلك المبهم، فقوله: لا أدري. أي في علمي وقد بيّن إبهامه في الرِّواية الأولى، و المفسِّر يقضي على المبهم. وإمّا لأنَّ أبا ذر علم أنَّه يزيد ولكنه لم يصرِّح له بذلك خشية الفتنة، لا سيّما وأبو ذر كان بينه وبين بني أميَّة أُمورٌ تحملهم على أنَّهم ينسبونه إلى التحامل عليهم].

وأمّا رأيه في حصر الخلافة باُسرة فإنّا لا نناقشه إلّا من عدم جدارة الأُسرة التي يجنح إليها «الخضري» للخلافة. نعم: لا بأس به إذا حصرت باُسرةٍ كريمةٍ تتحلّى باللباقة والحذق من النّاحية الدينيَّة والسياسيَّة، ونحن لا نقول بلزوم الحصر المذكور مع عدم اللياقة، فإنَّه غير وافٍ لقمِّ جذور الفساد، وقمع حذوم الإختلاف، فالأُمَّة متى وجدت من خليفتها الحيف والجنف تثور عليه وتخلعه، وبطبع الحال يطمع في الخلافة عندئذ من هو أزكى منه نفساً، وأطيب أُرومةً، وأكرم خلقاً، وحتّى مَن يُساويه في الغرائز، فأيّ مفسدةٍ اكتسحها حصر الخلافة والحالة هذه؟!

جير: إذا حصرت بمن ذكرناه وشاهدت الأُمَّة منهم التأهّل، فإنَّ فيه منقطع أطماع الخارجين عن الأُسرة من ناحية خروجهم عن البيت المعيَّن لها، ودحض معاذير الثوّار والمشاغبين من ناحية عدم وجود أحداث توجب الثورة والخروج، وعندئذ تتأكّد خضوع الأُمَّة لخليفة شأنه ما ذكرناه، فتعظم شوكته، وتتَّسق أُموره، وتمتثل أوامره، فلا يدع معرَّة إلّا اكتسحها، ولا صلاحاً إلّا بثّه، والشيعة لا تقول بحصر الخلافة في آل عليٍّ عليهم السلام إلّا بعد إخباتها إلى سريان ناموس العصمة في رجالات بيتهم المعيّنين للخلافة المدعومة بالنصوص النبويَّة المتواترة راجع ص ٧٩ - ٨٢ من هذا الجزء.

٤ - قال: وعلى الجملة فإنَّ الحسين أخطأ خطأً في خروجه هذا الذي جرَّ على الأُمَّة وبال الفرقة والإختلاف، وزعزع عماد أُلفتها إلى يومنا هذا، وقد أكثر الناس من الكتابة في هذه الحادثة لا يُريدون بذلك إلّا أن تشتعل النيران في القلوب فيشتدُّ تباعدها، غاية ما في الأمر أنَّ الرجل طلب أمراً لم يُهيَّأ له، ولم يعدّ له عدَّته، فحيل بينه وبين ما يشتهي وقُتل دونه، وقبل ذلك قُتل أبوه، فلم يجد من

٢٥٨

أقلام الكاتبين ومن يبشع أمر قتله ويزيد به نار العداوة تأجيجاً، وقد ذهب الجميع إلى ربِّهم يُحاسبهم على ما فعلوا؟ والتاريخ يأخذ من ذلك عبرةً وهي: أنَّه لا ينبغي لمن يُريد عظائم الأُمور أن يسير إليها بغير عدَّتها الطبيعيَّة، فلا يرفع سيفه إلّا إذا كان معه من القوَّة ما يكفل النجاح أو يقرب من ذلك، كما أنَّه لا بدَّ أن تكون هناك أسباب حقيقيَّة لمصلحة الأُمَّة، بأن يكون جورٌ ظاهرٌ لا يحتمل، وعسفٌ شديدٌ ينوء الناس بحمله، أمّا الحسين فإنَّه خالف يزيد وقد بايعه الناس، ولم يظهر منه ذلك الجور ولا العسف عند إظهار هذا الخلاف ١٢٩ - ١٣٠. وقبل هذه الجمل يبرِّر ساحة يزيد عن الظلم والجور ويراه قرَّب عليَّ بن الحسين إليه وأكرمه ونعَّمه.

ج - ليت الرَّجل كتب ما كتب بعد الحيطة بشئون الخلافة الإسلاميَّة و شروطها، وما يجب أن يكتنفه الخليفة من حنكةٍ لتدبير الشئون، وملكةٍ لتهذيب النفوس، ونزاهةٍ عن الرذائل ليكون قدوةً للأُمَّة، ولا ينقض ما يدعو إليه ببوائقه، إلى أمثالها من غرائز يجب أن يكون حامل ذلك العبء الثقيل متحلّياً بها، لكنَّه كتب وهو يجهل ذلك كلّه، وكتبه على حين أنه لم يحمل إلّا نفساً ضئيلة تقتنع بما يحسبه دعةً تحت نير الإضطهاد، وعلى حين أنَّ ضعف الرأي ودقَّة الخطر يُحبِّذان له راحةً مزعومةً في ظلِّ الإستعباد، فلا نفس كبيرة تدفعه إلى الهرَب من حياة الذلِّ، ولا عقلٌ سليمٌ يُعرِّفه مناخ الضِّعة، ولا إحاطة بتعاليم الإسلام تُلقِّنه دروس الآباء والشهامة، ولا معرفة بعناصر الرِّجال ليعلم من نفسيّاتهم الكمَّ والكيف، فلا عرف يزيد الطاغية حتّى يعلم أنّه لا مقيل له في مستوى الخلافة. ولاعرف حسين السؤدد والشرف والإباء و والشهامة، حسين المجد والإمامة، حسين الدين واليقين، حسين الفضل والعظمة، حسين الحقِّ والحقيقة، حتّى يخبت إلى أنَّ مَن يحمل نفساً كنفسه لا يمكنه البخوع ليزيد الخلاعة والمجون، يزيد الإستهتار والفسوق، يزيد النهمة والشره، يزيد الكفر والإلحاد.

لم ينهض بضعة المصطفى إلّا بواجبه الدينيِّ، فإنَّ كلّ معتنقٍ للحنيفيّة البيضاء يرى في أوَّل فرايضه أن يُدافع عن الدين بجهاد مَن يريد أن يعبث بنواميسه، ويعيث في طقوسه، ويُبدِّل تعاليمه، ويُعطِّل أحكامه، وإنَّ أظهر مصاديق كلّي ينطبق عليه هذه الجمل هو: يزيد الجور والفجور والخمور، الذي كان يُعرف بها على عهد أبيه كما قال مولانا الحسين

٢٥٩

عليه السلام لمعاوية لما أراد أخذ البيعة له: تريد أن توهم الناس؟! كأنَّك تصف محجوباً، أو تنعت غائباً، أو تُخبر عمّا كان ممّا أحتويته بعلم خاصّ، وقد دلَّ يزيد من نفسه على موقع رأيه فخذ يزيد فيما أخذ به من إستقرائه الكلاب المهارشة(١) عند التحارش، والحمام السبّق لأترابهنَّ، والقينات ذوات المعازف(٢) وضروب الملاهي، تجده ناصراً، دع عنك ما تُحاول، فما أغناك أن تلقى الله بوزر هذا الخلق بأكثر ممّا أنت لاقيه(٣)

وقال عليه السلام لمعاوية أيضاً: حسبك جهلك آثرت العاجل على الآجل. فقال معاوية: وأمّا ما ذكرت من: أنَّك خيرٌ من يزيد نفساً. فيزيد والله خيرٌ لأُمَّة محمَّد منك. فقال الحسين: هذا هو الإفك والزور، يزيد شارب الخمر ومشتري اللهو خيرٌ منّي؟(٤)

وفي كتاب المعتضد الذي تُلي على رؤوس الأشهاد في أيّامه ما نصّه: ومنه: إيثاره (يعني معاوية) بدين الله، ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المتكبِّر الخمِّير صاحب الديوك والفهود والقرود، وأخذه البيعة له على خيار المسلمين بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهدّد والرهبة، وهو يعلم سفهه، ويطَّلع على خبثه ورهقه، ويُعاين سكرانه وفجوره وكفره، فلمّا تمكّن منه ما مكّنه منه ووطَّأه له وعصى الله ورسوله فيه، طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل الحرَّة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها ولا أفحش ممّا ارتكب من الصالحين فيها، وشفى بذلك عَبد نفسه وغليله، وظنَّ أن قد انتقم من أولياء الله، وبلغ النوى لأعداء الله فقال مجاهراً بكفره ومظهراً لشركه:

ليت أشياخي ببدر شهدوا

جزع الخزرج من وقع الأسلْ

قد قتلنا القرم من ساداتهم

وعدلنا ميل بدرٍ فاعتدلْ

فأهلًوا واستهلّوا فرحاً

ثمَّ قالوا: يا يزيدُ لا تشلْ

لستُ من خندف إن لم أنتقم

من بني أحمد ما كان فعلْ

_____________________

١ - المهارشة، تحريش بعضها على بعض.

٢ - المعازف ج معزف: آلات يضرب بها كالعود.

٣ - الإمامة والسياسة ١ ص ١٥٣.

٤ - الإمامة والسياسة ١ ص ١٥٥.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

هل كان صعباً تطبيق قواعد الإسلام في الحياة اليومية؟

كنت أتقصّد التفريق بين الممارسات الإسلامية والثقافة الإسلامية وذلك ما كان يختلط على الناس. «كوني أوروبية، اعتناقي الإسلام لا يعني بالضرورة ارتدائي العباءة في لندن» فالعباءة هي زي ثقافي ولكن اللباس الفضفاض هو المطلوب في الإسلام وليس الأمر محصوراً بارتداء العباءة. فأنا أصلّي، أدفع الصدقات والخمس، أمتنع كلياً عن شرب الكحول والمحرّمات ولكن ليس المطلوب مني أن ألبس العباءة مع أنني أمتلك واحدة أستمتع بارتدائها في المنزل. ولكن بطبيعة الحال، أثناء تواجدي في أوروبا - أرتدي الزي الأوروبي مع مراعاة الحجاب.

فأنا أرى الكثير من الممارسات والقيم الإسلامية في أوروبا كاحترام حقوق الإنسان والحفاظ على النظافة والبيئة وهذه القيم الإسلامية وللأسف مفقودة اليوم عند أغلبية المجتمعات الإسلامية. وهذا بالذات ما عناه المستشرق محمد أسد عندما قال: «تستطيع أن ترى الكثير من الإسلام في أوروبا والقليل من المسلمين، والكثير من المسلمين في الشرق ولكن القليل من الإسلام الحقيقي».

ما هي التحديات التي يفرضها تخلي المرء عن ديانته الأولى واعتناقه لديانة أخرى؟

إنّ التحول إلى الإسلام له تحدياته، خصوصاً على صعيد وجود بيئة مماثلة للتعايش معها. فمثلاً من الصعوبات التي تطرح: وجود زوج لائق لامرأة اعتنقت الإسلام، حيث تصبح الواحدة منا عالقة بين عالمين. فأنا شخصياً امرأة مطلَّقة وأعاني أحياناً من لسعة الوحدة.كذلك المسلمون يتحمسون كثيراً لاعتناق الآخرين لديانتهم ولكنني دائماً أقول، ماذا عن البيئة الحاضنة فيما بعد؟ حيث يبدأ العمل الحقيقي عندها. فهم يشجعون الناس على اعتناق الإسلام ومن ثم يتركونهم وحدهم لمصيرهم. أنا محظوظة ربما بإنشاء شبكة من الصداقات. ولكن كم مرّ علي من الأعياد لم أستطع الإحتفال بها كوني كنت وحيدة. فالعيد كان بالنسبة إليّ أداء الصلاة ومن ثم متابعة اليوم بشكل عادي للأسف.

ولكنني أجد إيجابية في ذلك أحياناً، عندما ينتهي بي الأمر في الأعياد بالعشاء مع أحد الذين اعتنقوا الإسلام كذلك ولا يجد من يعيّد معه.

٣٠١

فالعزلة هي ما يترتب علينا عند اعتناقنا مذهباً ما وتخلينا عن مذهب آخر، ففي عيد الميلاد، لا أكون فرداً مرحّباً به في عائلتي كوني اخترت سلوك طريق آخر. وفي شهر رمضان أجد نفسي وحيدة حيث لا يوجد من يتسحّر معي أو يتناول معي الإفطار إلا إن دعاني أحدهم. ولكنّ العزاء دائماً أنّ الله بصحبتي وهو خير صاحب.

وإن كان الإيمان بالله هو الذي يجعلني أقاوم تلك التحديات ولكنني سمعت عن كثيرين اعتنقوا الإسلام حديثاً قد عادوا وانكفؤوا عن ذلك بسبب عدم وجود الدعم المعنوي الكافي من المجتمع الإسلامي المحيط. ومنذ فترة التقيت بامرأة كانت قد اعتنقت الإسلام لفترة عشر سنوات ولكنها عادت لتصبح اليوم وزيرة مسيحية مجدداً.

أخيراً ما الرسالة التي وجهتها إلى الناس من خلال كتابك؟

لقد وجهت رسالة من خلال كتابي إلى الناس الذين يتعلقون اليوم بالمظاهر المادية للحياة. الكثير من الشبان يحلمون بما كنت أمتلكه في الـ «أم تي ڤي» من تسلية ومعارف وشهرة وثقافة.. كنت أمتلك كل ذلك ويمكنني القول بأنّني لم أكن أشعر بالسعادة ولا أفكّر أبداً باسترجاع حياتي السابقة. ذلك الفراغ الذي كنت أحسّ به قبل اعتناقي للإسلام امتلأ اليوم من خلال وجود هدف لحياتي وعلاقة مميزة مع الله وحلم بالجنة.

وتختم بايكر بالقول: أكثر ما يقلقني اليوم هو أنّ غالبية سكان بريطانيا يبنون معارفهم عن الإسلام من خلال ما تمليه عليهم وسائل الإعلام. فالناس هنا لا يذهبون إلى المكتبات ويشترون الكتب ليتعرفوا على الإسلام، بل يكتفون بقراءة الدايلي مايل أو مشاهدة التلفاز لتكوين رأيهم عن الإسلام. كل ما ينقصنا هو التعليم والتثقيف. ولذلك أنا دائماً جاهزة لإجراء المقابلات، لكي أتكلم وأشرح أكثر عن الإسلام. فمثلاً عندما تتصل صحيفة الصن بأحدهم لإجراء حوار، يمتنع عن القبول، ولكنني أفعل لأنّ إلقاء قطرة واحدة من الحقيقة في ذلك المحيط الشاسع يمكن أن يكون له أثر».

٣٠٢

بايكر اليوم تبقي نفسها منشغلة بتحسين صورة الإسلام في بريطانيا. وكانت واحدة من الذين نظموا حملة «ألهمني الرسول محمد (ص)» في لندن التي هدفت إلى تقديم صورة مشرقة عن الإسلام من خلال ملصقات يتم وضعها في مواقف الحافلات وعلى سيارات الأجرة وكانت صورتها ظهرت على إحدى الملصقات وقد كتب تحتها «أؤمن بحماية البيئة وكذلك الرسول محمد (ص)». وقد تلقّت وسائل الإعلام تلك الحملة بالقبول. وفي الآونة الأخيرة أجرت معها شبكة البي بي سي لقاءً حول الفيلم المسيء للإسلام «براءة المسلمين».

الأخ يحيى

انطباعات من مسلم جديد

القرآن: الوحي الأخير

استدركت ضرورة وحتمية بعث نبي جديد بعد النبي عيسى (ع) نتيجة الابتكارات المنسوبة إلى الوحي الإلهي فكانت الحاجة لنبي آخر بعد عيسى (ع) مع وحي آخر بعد الإنجيل. لهذا بعث الله محمداً (ص) مع آخر رسالة، (أي القرآن)، لإعادة كل البشرية إلى الإيمان وعبادة إله واحد هو الله، دون شركاء أو وسطاء. وفقاً للمسلمين، القرآن الكريم، مصدر دائم لهداية الناس، وقد قدم توضيحاً عقلانياً للدور التاريخي الرائع للنبي عيسى (ع)، فقد ورد اسم (عيسى) خمساً وعشرين مرة في القرآن الكريم الذي يتضمن سورة اسمها مريم تيمناً باسم والدة نبي الله عيسى: السيدة مريم بنت عمران (عليها السلام).

فالحتمية الإلهية لنزول وحي جديد، وجدتها في الآيات القرآنية التالية التي أقنعتني جدا:) وَمَا کَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ یُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَکِنْ تَصْدِیقَ الَّذِی بَیْنَ یَدَیْهِ وَتَفْصِیلَ الْکِتَابِ لا رَیْبَ فِیهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِینَ ﴿37﴾﴾ [يونس: 37]، و﴿ وَإِنَّهُ لَحَقُّ الْیَقِینِ ﴿51﴾ ﴾ [الحاقة: 51]. تزامناً، كنت أشعر بالقلق خوفاً من حصول تحريف في القرآن الكريم لأنها كانت مشكلة كبيرة مع الكتب السماوية السابقة. فقرأت بأن القرآن لن يتغير أو لن يتم إلغاؤه:﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّکْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ﴿9﴾ ﴾ [الحجر: 9].

٣٠٣

وعرفت لاحقاً أن بعض الظواهر العلمية مذكورة في القرآن، وهذا ما يؤكد مصداقية الاعتقاد بأن القرآن هو كلام الله. فهناك آيات تصف تكوين الجنين داخل رحم أمه، وتكوين الجبال، وأصل الكون، والمخ، والبحار، والأمواج والسحب. إنه فوق استيعاب أي شخص أن يتصور أنّ هذه الحقائق كانت مكتشفة منذ أكثر من أربعة عشر قرناً، ذلك أنه تم الكشف عن هذه الحقائق وتم تأكيدها في الآونة الأخيرة بواسطة علميات أُجريت بآليات متطورة.

الإسلام: جوهر وذروة الأديان السماوية

يعتقد المسلمون أن الغرض الأساسي لخلق الجنس البشري هو عبادة الله. كما قال في القرآن الكريم،﴿ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِیَعْبُدُونِ ﴿56﴾ ﴾ [الذاريات: 56] وبحسب عالم إسلامي معروف في الغرب فإن «النظام الأكثر اكتمالا من العبادة المتاحة للإنسان اليوم هو النظام الموجود في دين الإسلام، وكلمة «الإسلام» تعني «التسليم والخضوع لإرادة الله (عزّ وجل)»، على الرغم من أنه يشارالى الإسلام عادة باسم ثالث الديانات التوحيدية الثلاث، فإنه ليس ديناً جديداً على الإطلاق. إنه دين جاء به جميع أنبياء الله للبشرية. فالإسلام هو دين آدم وإبراهيم وموسى وعيسى (عليهم السلام).

ويضيف العالم «بما أن الله واحد، والبشر هو نوع واحد، فبالنتيجة الدين الذي سيبعثه الله للناس هو دين موحد، فالحاجات الروحية والاجتماعية البشرية هي ذاتها والطبيعة البشرية لم تتغير منذ تم إنشاء أول رجل وامرأة

وبما أن رسالة الله كانت دائما هي نفسها، أدركت أنه من واجب جميع البشر البحث عن الحقيقة في التدين وليس مجرد القبول والاتباع الأعمى للدين الذي يتولاه مجتمعهم أو الوالدين، وفقاً للقرآن،﴿ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّیْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُکُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُکْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِیَّاهُ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿40﴾ ﴾ [يوسف: 40].

٣٠٤

وفيما يتعلق بالفطرة، قال النبي محمد (ص)، ما معناه كل مولود يولد على الفطرة لكن والديه يحولانه إلى اليهودية أو المسيحية أو المجوسية. وعلاوة على ذلك، قال الله تعالى:﴿ فَأَقِمْ وَجْهَکَ لِلدِّینِ حَنِیفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِی فَطَرَ النَّاسَ عَلَیْهَا لا تَبْدِیلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِکَ الدِّینُ الْقَیِّمُ وَلَکِنَّ أَکْثَرَ النَّاسِ لا یَعْلَمُونَ ﴿30﴾ ﴾ [الروم: 30].

كذلك، تعلمت أنه لا يوجد دين آخر مقبول عند الله الى جانب الإسلام، كما قال بوضوح في القرآن الكريم:﴿ وَمَنْ یَبْتَغِ غَیْرَ الإسْلامِ دِینًا فَلَنْ یُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِی الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِینَ ﴿85﴾ ﴾ [آل عمران: 85].

فاستنتجت أن الانسان قد يهمل هدى الله ويقيم لنفسه معايير خاصة للمعيشة. ولكن في نهاية المطاف، سوف يكتشف أنه لم يكن يتبع إلا سراباً.

عابر

واصلت قراءة القرآن والتعرف على أقوال وأفعال النبي محمد (ص)، فلاحظت أن الإسلام يرى الإنسان (العبد) كرجل عابر لهذه الحياة، والآخرة هي الدار المقر.

فنحن هنا لفترة قصيرة، ولا يمكن أن نأخذ أي شيء معنا من هذه الحياة إلا إيماننا بالله وأفعالنا الحسنة. وبالتالي، ينبغي أن نكون مثل المسافر الذي يمر عبر الأراضي فقط ولا يأخذ أي شيء منها.يجب علينا أن نفهم أن معنى أن نكون على قيد الحياة هو أن نكون تحت اختبارات متواصلة. فهناك المعاناة والفرح والألم والغبطة. هذه الاختبارات من الخير والشر هدفها بلورة الصفات الروحية العليا فينا. نحن غير قادرين على الاستفادة من هذه التجارب إلا إذا بذلنا قصارى جهدنا، بحيث يكون لدينا ثقة كاملة بالله وتقبل ما يقدر الله لنا بصبر.

٣٠٥

الطريق إلى الجنة

كان لا بد من معرفة المزيد عن الجنة إذ إنها بالتأكيد الهدف النهائي الذي يسعى إليه كل فرد، يقول الله،﴿إِنَّمَا یُؤْمِنُ بِآیَاتِنَا الَّذِینَ إِذَا ذُکِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لا یَسْتَکْبِرُونَ ﴿15﴾ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ یَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ یُنْفِقُونَ ﴿16﴾ فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِیَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْیُنٍ جَزَاءً بِمَا کَانُوا یَعْمَلُونَ ﴿17﴾ ﴾ [السجدة: 17] فصرت على بينة أن سروري غداً هو أبعد من كل خيال، إذ سأعيش هذا الفرح العارم في ظل الخالق.

كنت أتساءل أي النفوس تستحق هذه المكافأة؟ هذا الثواب أعظم من أن يكون له ثمن. قيل لي أن الثمن هو الايمان الحقيقي بالله والطاعة له ولنبيه محمد (ص) وآل بيته (عليهم السلام).

أدركت أن البشرية يجب أن تعبد الله لتحقيق البر والوضع الروحي اللازم لدخول الجنة.هذا يعني أنه على البشر الفهم أن العبادة لا غنى عنها كما الأكل والتنفس وليست مجرد معروف يقومون به تجاه الله.لذلك نحن بحاجة لقراءة القرآن لمعرفة أي نوع من الناس يريدنا الله أن نكون ونحاول أن نصبح على هذا النحو. إذاً هذا هو الطريق إلى الجنة.

التغلب على عقبة:

في هذه المرحلة، شعرت بأنني 80٪ أريد أن أصبح مسلماً، ولكن ما كان يدفعني إلى الخلف أنني كنت قلقاً من ردّة فعل عائلتي وأصدقائي لو علموا بأنني أصبحت مسلماً.

فأعربت عن قلقي لأخ مسلم فقال لي أنه في يوم القيامة، لا أحد سيكون قادراً على مساعدتك، لا والدك، ولا والدتك أو أي من أصدقائك. لذلك، إذا كنت تعتقد أن الإسلام هو الدين الحق، يجب أن تتقبله وتعيش حياتك لإرضاء واحد أحد هو الذي خلقك، وهو الله.

وهكذا، أصبح جلياً بالنسبة لي أننا جميعا في قارب واحد؛ وأن كل نفس ذائقة الموت ثم سنكون جميعاً مسؤولين عن معتقداتنا وعن أفعالنا أمام الله.

٣٠٦

شريط فيديو ذو مغزى:

في هذه المرحلة من بحثي عن الحقيقة، كنت على وشك اعتناق الاسلام. شاهدت محاضرة إسلامية على شريط فيديو حول الغرض من الحياة. وكان الموضوع الرئيسي لهذه المحاضرة أن الغرض من الحياة يمكن تلخيصه في كلمة واحدة، هي الإسلام (التسليم لإرادة الله).

على عكس الأديان أو المعتقدات الأخرى، فإن مصطلح «الإسلام» لا يرتبط بأي شخص أو مكان معين. قد أسمى الله الدين في الآية القرآنية التالية:﴿ إِنَّ الدِّینَ عِنْدَ اللَّهِ الإسْلامُ ﴾ [آل عمران: 19] فأي شخص يعتنق الإسلام يسمى مسلماً بغض النظر عن عرق ذلك الشخص أو جنسه أو جنسيته. هذا هو واحد من الأسباب التي تجعل الإسلام دينآً عالمياً.

قبل بحثي عن الحقيقة، لم أنظر بجدية إلى الإسلام كخيار بسبب الصورة السلبية المستمرة عن المسلمين في وسائل الإعلام. وقد أظهر مقطع من شريط الفيديو كيف أن المسلمين وعلى الرغم من تميز الإسلام بالمعاييرالأخلاقية العالية، ليسوا جميعاً متمسكين بهذه المعايير.و يمكن قول الشيء نفسه عن أتباع الديانات الأخرى.

فهمت أخيراً أننا لا نستطيع أن نحكم على الديانات من خلال تصرفات أتباعها وحدها، كما فعلت، لأن عامة البشر غير معصومين. على هذا الحساب، لا ينبغي لنا أن نحكم على الإسلام من تصرفات أنصاره، ولكن عن طريق الوحي (القرآن الكريم) وسنة النبي محمد (ص) وأهل بيته (عليهم السلام).

النقطة الأخيرة التي التقطتها هي أهمية الامتنان لله. فالله يذكر في القرآن أنه ينبغي لنا أن نكون ممتنين لحقيقة أنه خلقنا:﴿ وَاللَّهُ أَخْرَجَکُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِکُمْ لا تَعْلَمُونَ شَیْئًا وَجَعَلَ لَکُمُ السَّمْعَ وَالأبْصَارَ وَالأفْئِدَةَ لَعَلَّکُمْ تَشْکُرُونَ ﴿78﴾ ﴾ [النحل: 78].

٣٠٧

الحقيقة تكشف عن نفسها:

بمجرد انتهاء العرض،اختبرت كشف النقاب عن روحي، شعرت أنّ عبئاً كبيراً من الخطايا زال عن كتفي. وعلاوة على ذلك، شعرت بنفسي كأنني أرتفع عن الأرض وأحلّق، رافضاً المسرات المؤقتة في هذا العالم من أجل الأفراح الأبدية في الآخرة.

هذه التجربة، إلى جانب عملية طويلة من التفكير، حلت أحجية «الغرض من الحياة». وكشفت أن الإسلام هو الحقيقة، وبالتالي كان علي تحديد هدفي من الحياة، ومعتقدي، اتجاهي وأفعالي.

فدخلت بوابة الإسلام بالإعلان عن نية الإيمان بالقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.

أُبلغت بأن هذه الشهادة تؤكد الاعتقاد بجميع الأنبياء والمرسلين من الله، جنباً إلى جنب وبالتالي فإن كل رسول ونبي هو تحديث واستكمال لدين واحد حتى وصلنا إلى آخر الأنبياء محمد (ص) وإلى الوحي النهائي من الله [القرآن].

انطباعات من مسلم جديد:

أثناء بحثي عن الحقيقة، الدرس الذي تخطى جميع الدروس، هو أن كل المعبودات الأخرى ما عدا الله هي مجرد أوهام.

فالإذعان لإرادة الله أشعرني بالسلام مع الخالق، مع الآخرين، وأخيراً، مع نفسي. ونتيجة لذلك، بت أشعر بالامتنان جداً، وهذا من رحمة الله، الذي أنقذني من أعماق الجهل وصعد بي إلى نور الحقيقة.

الإسلام، الدين الحق في جميع الأوقات والأماكن ولكل الشعوب، هو رمز كامل للحياة إذ يوجّه الإنسان لتحقيق الغرض من وجوده على الأرض، ويعد له اليوم الذي سيعود فيه الى خالقه.

اتباع هذا المسار بطريقة ورعة تمكن الواحد منا من اكتساب رضوان الله فنكون أقرب إليه وسط المسرات التي لا نهاية لها من الجنة والخلاص من عذاب جهنم. مكافأة إضافية بأن تكون حياتنا الحالية أسعد بكثير عندما نتخذ مثل هذا الخيار.

٣٠٨

التمتع بالضلالة:

وقد أعطى اعتناق الاسلام لي أكثر من نظرة ثاقبة في الطبيعة الوهمية لهذه الحياة. على سبيل المثال، إحدى الركائز الأساسية للإسلام هي تحرير الإنسان. فعندما يطلق مسلم على نفسه اسم «عبد الله»، ذلك إن دل على شيء فإنما يدل على التحرر من العبودية لجميع الأشكال الأخرى، وعلى الرغم من أن الإنسان المعاصر قد يظن أنه متحرر، وهو في الحقيقة عبد لرغباته. مخدوع ومضلل من هذه الحياة الدنيوية. يقول الله تعالى:﴿ أَرَ‌أَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَـٰهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلًا ﴿43﴾ أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَ‌هُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ [الفرقان: 43، 44].

لذلك يجب علينا ألا ندع حماسنا للاستمتاع بمتع هذه الحياة الزائلة يعرِّض فرصة الاستمتاع بملذات الجنة للخطر. كما يقول الله في القرآن:﴿ زُیِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِینَ وَالْقَنَاطِیرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَیْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِکَ مَتَاعُ الْحَیَاةِ الدُّنْیَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ﴿14﴾ قُلْ أَؤُنَبِّئُکُمْ بِخَیْرٍ مِنْ ذَلِکُمْ لِلَّذِینَ اتَّقَوْا عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِی مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِینَ فِیهَا وَأَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِیرٌ بِالْعِبَادِ ﴿15﴾ ﴾ [آل عمران: 14، 15].

ولذلك، فإن المنافسة الحقيقية في هذه الحياة ليست على تراكم الثروة أو الرغبة في الشهرة، بل بالقيام بالاعمال الصالحة لإرضاء الله، مع الاحتفاظ بالجزء القانوني من التمتع في هذه الحياة.

الطريق الصحيح إلى الله:

هناك العديد من البدائل الدينية المتاحة للإنسان، والأمر متروك له لاختيار أي ديانة يرغب في اتباعها. إنَّه أشبه بالتاجر مع العديد من السلع أمامه، وهو الذي يختار أي سلعة ليتاجر بها. من الواضح أنّه سوف يختار ما يعتقد أنّه الأكثر ربحاً. ومع ذلك، فإن التاجر يبقى غير متأكد وغير ضامن للربح؛ حيث يمكن أن يكسب اليوم ويمكن أن يخسر غداً كل شيء.

في المقابل، فإن المؤمن في وحدانية تسليمه لله، يكون متأكداً تماماً أنّه إذا كان يتبع طريق الهداية [القرآن وسنة النبي محمد (ص)، وآل بيته (عليهم السلام)] سيكون بلا شك مصيره النجاح والثواب في نهاية هذا الطريق، ولحسن الحظ، يبدأ هذا النجاح أيضاً في بداية اختيار هذا المسار.

٣٠٩

أنا مسلمة جديدة...

رقية وارث مقصود

ليس من أمر أسهل من اعتناق الإِسلام - لحظة يدرك الإنسان أن الله حق وأن الله موجود حقاً ويقر بأن النبي العربي محمد (ص) هو حقاً خاتم رسل الله ضمن سلسلة الأنبياء الآخرين المذكورين في الإنجيل يكون قد خطى فعلياً الخطوة الأولى.

تسمى لحظة الإشراق هذه التقوى والإحسان. فجأة تدرك أن الله يراك ويعرفك وإن كنت لا تعرفه ولا تراه.

الخطوة الثانية في مسيرة اعتناق الإِسلام هي التعبير وبوضوح عن لحظة الإيمان هذه - أي نطق الشهادة: «أشهد» لتتوالى الخطوات طوال حياتك.

كيف أعيش كمسلمة:

أن تصبح جزءاً من الجالية المسلمة المحلية وتلج في نمط الحياة هذا أمر يختلف تماماً عن مجرد أن تصبح مسلماً على مستوى العقل.

فهذا يتطلب من الكثيرات من معتنقات الإِسلام درجة عالية من العزم والثقة. فأنتِ لن تواجهي عائلتك وأصدقائك الذين يعتقدون أنك قد أصبت بالجنون فقط، ولكن كامرأة عليك أيضاً أن تستجمعي قواك للدخول إلى عالم المسجد حيث الرجال العابسو الوجوه ذوو اللحى الطويلة لن يكلموك.

فإن كنت واحدة من معتنقات الإِسلام في بعض نواحي إنكلترا الشمالية حيث يغلب على المساجد الطابع الآسيوي، يجدر بك أن تعلمي الكثير عن الثقافات الآسيوية بالإضافة إلى تعلّم الإِسلام.

تنجلي تلك العبسات عن حياء ورقة وتقوى وصداقة صادقة وضيافة وكرم؛ ولكن يعتبر من الفظاظة أن يبدو الرجل وكأنه متحمس للتحدث مع النساء أو للنظر إليهن أكثر من نظرة واحدة.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الكثير من المساجد لا تحوي بعد على مصلّى للنساء.

٣١٠

اكتساب الثقة:

لكننا نحن الذين نعتنق الإِسلام نكتسب الثقة شيئاً فشيئاً، فلم نعد نشعر بأنه علينا أن نتظاهر بأننا عرب أو باكستانيون لنشعر بالانتماء.

فنحن نعلم الآن أن المسلمين متواجدون في كل مكان حول العالم من الأسكيمو إلى أستراليا.

يمكننا أن نختار أسماء عربية، كما يمكننا أن نبقى على أسمائنا القديمة فهذا الأمر ليس ذا قيمة حقاً.

على النساء اختيار ملابس معينة كالبنطال الفضفاض والسترة الطويلة أو التنورة الطويلة. وإن كنا لا نشعر بالانسجام في المساجد المحلية لأننا لا نتقن اللغة العربية، فنحن بدأنا بتنظيم مساجد داخل البيوت ونشكل جماعات فيما بيننا وندعو الآسيويين أيضاً ليكونوا ضيوفنا.

أطياف متعددة من المسلمين.... عائلة واحدة:

بدأنا نحن - معتنقو الإِسلام الجدد - بالقراءة بما فيه الكفاية وبتحصيل العلم بما يمكِّننا من التعبير عن آرائنا حول الأمور من حولنا. فنحن عندنا النضج الكافي لندرك أن ليس كل المسلمين قديسين. فالبشر بشر وجلّنا بعيد عن الكمال.

هكذا نتغلب على الشعور بالخيبة عندما نكتشف أن ليس كل مسلم يحيا كما ينبغي على المسلم أن يحيا للوصول إلى الكمال وبالتالي لا نستسلم أو نتهمهم بالنفاق؛ بل على العكس نبذل أقصى جهدنا لنحيا حياتنا بأفضل طريقة ممكنة.

شيئاً فشيئاً يدرك كافة معتنقي الإِسلام وجود الكثير من أنواع المسلمين.

بعض المسلمين روحانيون في حين أن آخرين يهتمون بظاهر العبادات.

لكن شعورنا يزداد بأنه بإمكاننا أن نجد مكاناً لأنفسنا إلى جانب الآخرين في هذه الأمة الواسعة والعائلة الممتدة، وطالما أننا نقوم بأقصى جهدنا فإن الله سيثيبنا على نوايانا الحسنة.

٣١١

جيمي بور

من عارضة أزياء إلى امرأة مسلمة

السلام عليكم، إسمي جيمي

وُلدت وترعرعت على المسيحية الحديثة غير الطائفية ولم أجد فيها أجوبة لما كنت أبحث عنه، ولمدة 31 عاماً كمسيحية، لم أشعر يوماً بالله. حاولت وبكل ما بوسعي ولكني لم أشعر به على الإطلاق. كنت عارضة لبلادي ولمدة خمس سنوات، تعاطيتُ الكثير من المخدرات خلال تلك الفترة كنت أستخدمها كمساعد لفقدان الوزن وكنت أستخدمها لمرة واحدة لأُبعد نفسي عن الإكثار من تناول الطعام. كنت أعتقد بأنني قوية لأتجنب الإدمان على المخدرات التي تحوّل كل من يستخدمها إلى مدمن. بدأتُ أفكر بأني سآخذها لأسبوعين إلّا أنني أصبحتُ مدمنة ليل نهار. أخذتني المخدرات إلى الحضيض والدمار الكامل، فقد كان زوجي يتعاطى المخدرات كذلك. ما دفعه ليكون عنيفاً معي، حتى أني كنت خائفة على حياتي.

قررت أن أتوقف عن تعاطيها، فليس هذا ما أريده لحياتي. فقلت له أنني سأتوقف عنها، ضحك وقال: «لن تستطيعي التوقف». فقلت: «سأتوقف عنها». وتوقفت عن تناولها ذلك اليوم ولم أنظر إلى الخلف مرة أخرى، ولم يكن لديَّ أي برنامج لإعادة التأهيل أو أي مساعدة خارجية أو نظام دعم. كان زوجي يضحك، محاولاً أن يثنيني عن عزمي حتى أعود لتناولها من جديد، وبعد ذلك رُزقت بولدي الصغير. تغيّرت نظرتي إلى الحياة بأكملها. فقد أحببتُ ذلك الطفل الصغير الرائع والذي يحتاج إلى أم صالحة، أحببته كثيراً. فأردت تغيير كل شيء كنت قد ركزت عليه سابقاً، لأجله.

كنت في السابق قادرة على فعل أي شيء أريد أن أقوم به، فقد كنت جزءاً من مشاهد هوليوود التي يرغب الجميع بأن يكون جزءاً منها. لم أكن شخصاً جيداً، كنت في السابق، أشرب الكحول وأتعاطى المخدرات. ولكنني لم أعد أريد القيام بهذه الأمور بعد الآن.

٣١٢

قمتُ بالبحث عن الإِسلام لفترة قبل أن أصبح مسلمة، أردتُ أن أعرف وبشكلٍ أساسي سبب كراهية العالم للمسلمين بهذا القدر، لأنني رأيت ما رأيتُ في نشرات الأخبار، ورأيتُ الظلم والعنف وهذا ما دفعني للبحث عن الحقيقة ولمعرفة ما إذا كان الإِسلام كذلك. بدأتُ البحث عن الموضوع، وكلما بحثت أكثر كلما غصت أعمق في الموضوع. فوجدتُ الحقيقة.

تفاجأ الكثير من الناس عندما تخليتُ عن كل الملذات السابقة لأجل أن أكون مسلمة. والغريب هو أنني عندما نطقت الشهادتين أسست بتلاشي الرغبات للقيام بتلك الأمور وبشكل كامل. إنه لشيء رائع أن أستمتع وأشعر بالسلام في قلبي كوني مسلمة.

أعتقد أن الشيء الأساسي الذي أثار إعجابي بالإِسلام هو احترام المرأة. فهناك الكثير من الاحترام للمرأة والأمور التي تقوم بها النساء، حياتنا نحن النساء ليست سهلة، فلدينا الكثير لنفكر فيه ونقلق بشأنه، كعائلاتنا وأزواجنا وأطفالنا. فتربية الأطفال هو أمر صعب جداً، بالإضافة إلى الأعمال المنزلية والطبخ والاعتناء بأزواجنا.. إنها وظيفة صعبة.

وفي الواقع فإن الإِسلام يحترم المرأة لتلك الأسباب. كان سبباً لفصلنا عن الرجال في المساجد حتى لا يتشتت الرجال. يفهم الإِسلام القوة الكامنة في جاذبيتنا ومظهرنا وهو ما يتأثر به الرجال، والإِسلام يحترم هذا الأمر. ما إن أدركتُ هذا حتى تمكنت الفكرة مني وأردتُ أن أصبح مسلمة. اعتناقي للإِسلام أشعرني بالاختلاف فقد جعلني أشعر بالسلام المطلق. كنت في السابق أشعر بعدم الاستقرار، فالكثير من الأشياء كانت في حالة عدم استقرار، والسبب في هذا هو عدم اتخاذ قرار بشأنها. لم يكن لديَّ أيَّ هدف في ذهني ولم يكن هناك سبب لوجودي، لكن اعتناقي للإِسلام أعطاني السلام والأمان والتوازن وهو ما احتجت إليه في حياتي، إسلامي جعل من الأشياء حقيقة، وتستحق أن أكون هنا من أجلها، فأخيراً صار هناك هدف لحياتي وأنا أفهم الآن ما هو الغرض منها. لا نملك الفرصة دوماً للالتقاء بالناس الذين نحتاجهم بصورة جوهرية لنفهمهم. هذا ما جعلني أتردد على المسجد لأتقرب إلى الناس وأفهمهم. وكلما زاد ترددي إلى المسجد، كلما ازداد عدد النساء اللواتي أحطن بي واعتنين بي ومنحنني العطف الموجود في الإِسلام.

٣١٣

لم أفكر أبداً ولو لمرة واحدة في حياتي بأني سأصبح مسلمة على الإطلاق. فقناعاتي تجاه المسلمين كانت مغلوطة للغاية فأنا لم أحبهم، فقد كنت أعتقد بأنهم سيئون ولم أكن لأفكر ولو لمرة بأني سأكون واحدة منهم. ولكن اليوم أنا فخورة وسعيدة جداً، وأريد أن أرتدي الحجاب ليعرف الناس أني مسلمة، حتى لو كرهوني فأنا لا أهتم. أنا أريد أن أبيِّن لهم أن الله موجود في أي شخص وليس فقط في الشرق أوسطيين.

٣١٤

راكيل: مسلمة أميركية...

ضابطة شرطة سابقة

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

إسمي راكيل، وقد اعتنقت الإسلام.

لقد كنت ضابطة شرطة في مدينة ديترويت وعملت هناك منذ عام 1996 وحتى عام 2004 وقد أُطلق علَيّ النار عام 2002، وكان ذلك أثناء تأدية وظيفتي وكدت أفارق الحياة.

لم أكن أذهب إلى الكنيسة في واقع الأمر، لقد نشأت في منزل مسيحي، فأبواي قسين مسيحيين، وقرأت الكثير عن الكاثوليكية.

لقد لاحظت أن الإسلام منطقي من الناحية الفكرية، أنا لم أحلل الأديان الأخرى وأدرسها، إلّا أنها تبدو وكأنها تحمل الكثير من صنع الإنسان، وأفكاره بدلاً من شريعة الله الأصلية، وهذا كان يزعجني كثيراً. ثم وجدت الإسلام، أكثر دقة تاريخياً ومن حيث أصالة النصوص، ولم يتم تشويهه من خلال الكثير من الترجمات المختلفة.

أعتقد أنه في عام 2002، تم إنقاذ حياتي لسبب، وأعتقد أن هذا السبب هو أن أتمكن من اعتناق الإسلام وأن أصبح مسلمة. لم أكن أعرف كيف أعبد الله، لم أعرف ما هو الدين الذي ينبغي أن أؤمن به، حتى التقيت ببعض الأصدقاء المسلمين، وقد حدثوني باستفاضة، وفسَّروا لي الكثير. لقد كنت أشعر بالقلق حيال إعلان الشهادة لأنني لا أعرف الكثير من الكلمات الإسلامية حتى الآن، فساندتني إحدى الأخوات التي كانت ترعاني في المسجد، وساعدتني حتى أعلن شهادتي وكان الأمر رائعاً فعلاً. لقد استمتعت بمجرد الإعلان أني أشهد أن لا لا إله إلّا الله أمام كل من في المسجد وكان ذلك أبرز الأحداث بالنسبة لي. لم أعد أخاف الموت فيجب أن لا نخشى إلّا الله، ونتحلى بالإيمان، لأنَّ الله واحد وأنا أعرف ذلك لأنني كنت على شفير الموت ولو كنت قد توفيت ذلك اليوم، لا أعرف إن كنت في هذه الحالة سيكون مصيري إلى نار جهنم أم لا، أما الآن فتملأني الثقة والطمأنينة والسعادة لأنني أعرف مصيري إن حدث لي شيء اليوم.

٣١٥

كان سيصيبني الجنون إن تابعت عملي كضابطة شرطة، لأن الناس يهاجمون المسلمين في ديترويت دون سبب على الإطلاق، لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من أيلول، كان الأمر فظيعاً وقد أزعجني، وكنت أردّ بأن كونهم مسلمين لا يعني أنهم متطرفون حيث أزعجني ما رأيت - كضابطة شرطة - في الشوارع والأسلوب الذي كانت تتم به معاملتهم فقد كان في ذلك انعدام للضمير.

أعرف أن تعلُّم لغة جديدة قد يكون محبطاً للبعض، فهي في الأساس ثقافة جديدة، وليست ديناً فحسب، بل أسلوب حياة. وبالنسبة لي لم يكن ذلك محبطاً، كل ما في الأمر هو رغبتي في تعلمها بسرعة أكبر، وأريد أن أتقنها بمفردي، لكن هذا ليس سهلاً وعلَيَّ أن أتعلم كل شيء تقريباً عبر الإنترنت حتى كيفية ارتداء الحجاب، إنها تجربة مذهلة. بدأت أمتنع عن الكثير من المحرمات كشرب الكحول ولم أعد أتناول لحم الخنزير، وبالطبع أشتري الآن لحماً حلالاً. أصبحت في الأربعين وكنت أعرف أنني أرغب في إدخال هذه التغييرات إلى حياتي، وآن الأوان لأنعم بالسلام والهدوء في حياتي وأتقرب إلى الله، وكنت مستعدة تماماً لهذا التغيير وكنت أعرف أن هذا ما تفتقده حياتي. عندما أصلي، أشعر أنَّ الصلاة مؤثرة جداً وأشعر بقدر هائل من الحماية.

أقرأ القرآن الكريم كل يوم، وأجد فيه آداب الإسلام وأتعلم شيئاً جديداً، والناس يقدمون الكثير من المساعدة، فبالرغم من اختلاف العرق، لا يصدر الناس عليك أحكاماً إذا دخلت وأنت أمريكي. بل يقدمون الكثير من الدعم، فالكل يعاملك بكل لطف ويساعد في تعليمك وتوجيهك.

أكثر ما يعجبني في الإسلام هو الحجاب، فأنا أستمتع به، لأكون صادقة تماماً، لا سيما هنا في لاس فيغاس حيث ينظر الرجال إلى النساء بشكل غريب وهذا يثير الخوف. وهكذا أشعر بمزيد من الراحة والأمان. أما في ما يتعلق بإخبار أصدقائي عن اعتناقي الإسلام، لست متأكدة من ردود أفعالهم فمثلاً أفضل صديقاتي من الطفولة تعمل في الواقع في الكنيسة الكاثوليكية، وأعرف أن رد فعلها لهذا سيكون سيئاً، وقد لا نكون أصدقاء بعد الآن. والبعض أظهروا لي الكثير من الدعم أو طرحوا أسئلة مثيرة للاهتمام كذلك، فكان من اللطيف أن أتمكن من أن أنقل أفكاري لهم. من أبرز الأسئلة التي طرحها أصدقائي بصفة خاصة، سواء من الرجال أو النساء، لماذا تغطين رأسك؟ ولماذا تغطين ذراعيك؟

٣١٦

لا سيما عندنا في لاس فيغاس، لأن المجتمع هنا مختلف للغاية مقارنة حتى بالمجتمعات الأمريكية العادية، الناس هنا يرتدون ألبسة مكشوفة خاصة النساء، فقلت بكل بساطة، الأمر يتعلق بالاحتشام، وقد لاحظت أن الناس ينظرون إليّ بشكل مختلف، حتى أن بعض أصدقائي ذكروا أن بعض الناس ينظرون إليّ بمزيد من الإحترام لأنّ الرجال لا ينظرون إليّ كشيء، بل ينظرون إلى وجهي. في ما يتعلق بأفراد أسرتي فهو سيف ذو حدين، إنني أفتقدهم كأشخاص، لكنني لا أفتقد دينهم على الإطلاق. وقد كانوا في غاية القسوة معي، فقد كانت لديّ تجارب رهيبة ومخيفة للغاية، كان والداي يصطحبانني منذ صغري لحضور ممارسات طرد الأرواح الشريرة. فكان لذلك أثر عاطفي هائل على نفسي طوال الوقت. والداي لا يعرفان أنني اعتنقت الإسلام، لم يكن أمامي سوى خيار واحد في رأيهما، وكان إما اختيار أن أكون مسيحية ذات شخصية جذابة مثلهما أو لا يحترمانني مطلقاً وقد أقصياني من العائلة وكان ذلك قبل أن أعتنق الإسلام.

أفضِّل أن تكون لي أسرة مسلمة وأن يكون الله في حياتي، الله الحق، وليس مجموعة من القواعد والقوانين التي أرساها البشر، لقد تسبب دينهما بالكثير من الألم لي، لكن هذا الدين ليس كذلك.

أنا أريد أن أنشر هذا الدين، وأنشر الحب وأنشر السعادة وأنشر السلام، وأوضح للناس أنه يلزم القضاء على كل هذه النماذج النمطية، وأن الإسلام ليس إرهاباً، وأنه رائع للغاية وهذا ما أرغب أنا شخصياً في أن أوضحه للناس.

٣١٧

أسلم بعد جنازة صديقه

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

وُلِدتُ وترعرعت في مدينة هاليفاكس في نوفا سكوتيا، أبي رجل أبيض من منطقة برنس إدوارد في كندا وأمي امرأة سوداء من مجتمع يُدعى لوكاس فيل في نوفا سكوتيا.

أمي كانت مسيحية ولقد اعتدت الذهاب معها إلى الكنيسة، وحتى عندما توقفت هي كنت أنا الوحيد من أفراد عائلتي الذي يذهب إلى هناك، عندما كبرت وأصبحت في مرحلة آخر المراهقة، توقفت عن الذهاب إلى الكنيسة، فلم أكن مهتمّاً بمفهوم الدين.

لا زلت أؤمن بالله والعديد من المعتقدات الدينية المسيحية لكنني لم أؤمن بهذا التنظيم الديني.

لقد كنت أعيش في منطقة دارتموت، هي تقع على ميناء مدينة هاليفاكس، ترعرعت هناك حيث كان يوجد عائلة باكستانية كبيرة مسلمة، كنت صديقاً لهم وتعلّمت منهم عن الإسلام بعض الأشياء، فقد كان أحد أفرادها متديّناً، فقد كنت أراه دائماً يذهب إلى المسجد ويصلّي، كان عمري 16 سنة تقريباً عندما أصبحتُ مهتمّاً بالدين الإسلامي وبدأت بالاستفسار عنه، من أصدقائي. وحين بلغت السابعة عشرة - وفي الصيف الذي ما بين الأول الثانوي والثاني الثانوي - انتقلت مع أبي وزوجته من دارتموت للعيش في هاليفاكس، حيث كان هناك العديد من العرب المسلمين، وكانت هذه النقلة بمثابة الصدمة الثقافية بالنسبة لي، لأنني كنت أعيش في كول هاربور، حيث المسلمون قلّة لا تراهم في كل مكان، وبالتالي لا ترى الحجاب أو أيّ شيء من هذا القبيل، بينما في بدفورد يوجد العديد من المسلمين العرب الذين يمكنك معرفتهم بسيماهم. بعد فترة من وصولي إلى هناك، عرف أحد الإخوة العراقيين أنني مهتم بالإسلام فجاء وقال لي بأنهم يقيمون صلاة الجمعة كل أسبوع في المدرسة الثانوية التي كنت أرتادها في وقت استراحة الغداء، فدعاني.

ذهبنا إلى هناك يوم الجمعة والحمد لله كانت تجربة جيدة جداً. كان الخطيب شاباً يافعاً مرحِّباً ومضيافاً وصلّيت معهم على الرغم من أنني لم أعِ ما أفعل، فلقد كنت أقلّدهم. بعد الصلاة تحدّثت إلى الخطيب ورجل آخر كان يأتي للصلاة كل جمعة.

٣١٨

وفي أحد الأيام وبعد انتهائنا من الصلاة سألني ذلك الرجل: «ما رأيك بالإسلام؟» فقلت له: «أنا أؤمن بالدين الإسلامي وأعتقد أنه الدين الصحيح والطريقة المُثلى للحياة» فأجابني: «إذاً يجب أن تصبح مسلماً!» تفاجأت حينها لأنني كنت صغيراً ولا زال أمامي الكثير لأتعلّمه. قال لي: «يجب أن تُسلم لأنك لا تعلم متى ستموت» عندها ضحكت لأنني كنت أبلغ من العمر السابعة عشرة فقط وما زلت صغيراً على الموت، سأموت عندما أصبح جَدَّاً في الثمانينات ويمتلئ شعري شيباً وأحفادي من حولي، فلم أكترث لما كان يقوله.

ذهبت إلى هناك 4 أو 5 مرات بعدها، إلى أن جاءت إجازة الصيف فلم أعد أذهب إلى المدرسة. لكن في يوم من أيام الإجازة الصيفية، كنت أعمل في مطعم، حيث تلقّينا اتصالاً مفاجئاً في وقت الإغلاق من المديرة، التي أخبرتنا فيما بعد أنَّ خالد توفي في حادث اصطدام سيارة. من هو خالد؟ خالد هو أحد الإخوة الفلسطينيين كان يعمل معنا في المطعم لمدة قصيرة وكان صديقي أيضاً فلقد كنا نرتاد نفس المدرسة وتخرجّنا منها معاً. عندما سمعت الخبر لم أصدّقه لأوّل وهلة. هاتفتُ المديرة التي نقلت إلينا الخبر وعندما سمعت صوتها تبكي عرفت حينها بأنه قد مات فعلاً.

لم أستوعب ما الذي يحدث في ذلك الوقت، لكنني في طريقي إلى البيت ماشياً، انهرت باكياً. كانت المرة الأولى التي عرفت فيها أنَّ أحداً توفي في نفس عمري، فكلانا كنا نبلغ الثامنة عشرة من العمر، فقد صدمتني هذه الفاجعة في الصميم..

يوم دفن الجثّة، تعلّمت كيفية الوضوء حيث هاتفت صديقي وعلّمني كيف أتوضأ. وذهبنا أنا وصديقي إلى المسجد في دارتموت لصلاة الجنازة ثم بعد ذلك توجهنا إلى مقبرة المسلمين.

كان الجو مفعماً بالحزن فإخوته وأبوه كانوا هناك والجميع منخرط في البكاء.

عندما وضعوا التراب فوق جثمانه بدأت أنا بالبكاء الشديد، أثناء ذلك شاهدت الشيخ الذي قال لي يجب أن تسلم لأنك لا تعلم متى ستموت. كان هذا بمثابة إشارة لي من عند الله أني قد أموت قريباً وأنَّ كلام الشيخ كان صحيحاً وأنني يجب أن أسلم.

٣١٩

ذهبت إليه مباشرة وأخبرته أنني أريد أن أسلم فقال لي: «أهلاً أليكس، كيف حالك؟ من الرائع رؤيتك مرة أخرى، أتمنى أنك ما زلت مهتمّاً بالإسلام». وسبحان الله في تلك اللحظة، وفي ذلك المكان عند المسجد بجانب المقبرة قلت: «أشهد أن لا إله إلّا الله وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله».

بعد ذلك مباشرةً حان وقت صلاة المغرب، وسألني أحد الإخوة إذا كنت أعرف كيفية الوضوء، فقلت نعم. ثم ذهبت إلى دورة المياه لأتوضأ لكنني نسيت مراحل الوضوء فمكثت هناك وقتاً طويلاً محاولاً التذكر. وعندما فرغت من الوضوء كانوا قد انتهوا من صلاة المغرب لكن الشيخ لم يصلِّ بعد وكان بانتظاري ثم صلّينا معاً والحمد لله نشأت بيننا صداقة طيبة من بعد ذلك، فقد استمريت في مقابلته يومياً بعد ذلك لمدة أسبوع حيث علمني سورة الفاتحة وأركان الإسلام.

قبل الإسلام لم أكن أعرف ما الذي يجب أن أفعله وما الذي أريده وما الطريقة المُثلى للعيش.

كنت أعيش وفقاً لفلسفتي الخاصة منجرفاً إلى العديد من العادات السيئة ولكن الحمد لله هداني ربي إلى الطريق الصحيح قبل الوقوع في الطريق السيء.

الكثير قد يجادل بأنَّ السبب وراء اعتناقي الدين الإسلامي هو عاطفتي. ولكن لم تكن الأسباب كذلك، لأنني كنت مقتنعاً أصلاً بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الحق لكنني كنت بحاجة إلى دفعة في الاتجاه الصحيح. فهذه الحادثة جعلتني أعي أنني قد أموت في أي دقيقة وكانت الحادثة إشارة لي بما أنني كنت مقتنعاً بالإسلام فلماذا أنتظر حتى أبلغ العشرين أو الثلاثين أو الأربعين من عمري؟ ولهذا أسلمت وبذلت جهداً في تعلّم الإسلام وأركانه ومبادئه.

أتوق إلى شهر رمضان هذا العام، وأستمتع باختباره مجدداً. نؤدي الشعائر الدينية بشكل أفضل كقراءة الأدعية والذهاب إلى المسجد دوماً وتلاوة القرآن الكريم.

أنا الآن أكثر اقتناعاً من قبل بأنَّ الدين الإسلامي هو الدين الصحيح لأنني رأيت براهين القرآن الكريم ومعجزاته.

حياتي بعد الإسلام تحسّنت كثيراً، فالإسلام هداني إلى الاتجاه الصحيح للحياة وهو أن أعيش حياة مستقيمة ومتديّنة بعد أن كنت متخبطاً قبل ذلك.

٣٢٠

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418