الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94809 / تحميل: 7025
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

وأين هو عن هدمها؟ وإنَّ شيعيّاً يعزو إليه ذلك لم يُخلق بعدُ.

وأمّا ما ذكره عن بلاد الشيعة فلا أدري هل طرق هو بلاد الشيعة؟ فكتب ما كتب، وكذب ما كذب، أو أنَّه كان رجماً منه بالغيب؟ أو استند كصاحب المنار إلى سائحٍ سنِّي مجهولٍ أو مُبشِّرٍ نصرانيّ لم يُخلقا بعدُ؟ وأيّاً ما كان فهو مأخوذٌ بإفكه الشائن، وقد عرف من جاس خلال ديار الشيعة، وحلّ في أوساطهم وحواضرهم وحتى البلاد الصغيرة والقرى والرساتيق، ما هنالك من مساجد مشيَّدة صغيرة أو كبيرة، وما في كثير منها من الفرش والأثاث والمصابيح، وما تُقام فيها من جمعةٍ وجماعةٍ، وليس من شأن الباحث أن يُنكر المحسوس، ويكذب في المشهود، وينصر المبدأ بالتافهات.

٩ - قال: قد استفتى أحد الشيعة إماماً من أئمَّتهم لا أدري أهو الصادق أم غيره؟ في مسئلة من المسائل فأفتاه فيها، ثمَّ جاءه من قابلٍ واستفتاه في المسئلة نفسها فأفتاه بخلاف ما أفتاه عام أوَّل، ولم يكن بينهما أحدٌ حينما استفتاه في المرَّتين فشكَّ ذلك المستفتي في إمامه وخرج من مذهب الشيعة وقال: إن كان الإمام إنّما أفتاني تقيَّة؟ فليس معنا مَن يُتَّقى في المرَّتين، وقد كنتُ مخلصاً لهم عاملاً بما يقولون، وأن كان مأتيُّ هذا هو الغلط والنسيان؟ فالأئمَّة ليسوا معصومين إذن والشيعة تدَّعي لهم العصمة، ففارقهم وانحاز إلى غير مذهبهم، وهذه الرِّواية مذكورةٌ في كتب القوم. ج ٢ ص ٣٨

ج - أنا لا أقول لهذا الرَّجل إلّا ما يقوله هو لمن نسب إلى إمام من أئمَّته لا يشخص هو أنّه أيٌّ منهم، مسئلةً فاضحةً مجهولةً لا يعرفها؛ عن سائل هو أحد النكرات، لا يُعرّف بسبعين (ألف لامٍ) وأسند ما يقول إلى كتب لم تؤلَّف بعدُ، ثمَّ طفق يشنُّ الغارة على ذلك الإمام وشيعته على هذا الأساس الرصين، فنحن لسنا نردُّ على القصيميِّ إلّا بما يردُّ هو على هذا الرَّجل، ولعمري لو كان المؤلِّف (القصيمي) يعرف الإمام أو السائل أو المسألة أو شيئاً من تلك الكتب لذكرها بهوس وهياج لكنّه، لا يعرف ذلك كلَّه، كما أنّا نعرف كذبه في ذلك كلِّه، ولا يخفى على القارئ همزه ولمزه.

١٠ - قال: من نظر في كتب القوم علم أنَّهم لا يرفعون بكتاب الله رأساً، وذلك أنّه يقلُّ جدّاً أن يستشهدوا بآية من القرآن فتأتي صحيحةً غير ملحونةٍ مغلوطةٍ، ولا يُصيب منهم في إيراد الآيات إلّا المخالطون لأهل السنَّة العائشون بين أظهرهم،

٣٠١

على أنَّ إصابة هؤلاء لا بدَّ أن تكون مصابة؛ أمّا البعيدون منهم عن أهل السنّة فلا يكاد أحدٌ منهم يورد آيةً فتسلم عن التحريف والغلط، وقد قال مَن طافوا في بلادهم: إنّه لا يوجد فيهم مَن يحفظون القرآن، وقالوا: إنّه يندر جدّاً أن توجد بينهم المصاحف.

ج -

بلاءٌ ليس يشبهه بلاء

عداوة غير ذي حسب ودينِ

يبيحك منه عِرضاً لم يصنه

ويرتع منك في عرض مصونِ

ليتني كنت أعلم أن هذه الكلمة متى كتبت؟ أفي حال السّكر أو الصحو؟ وأنَّها متى رُقمت أعند اعتوار الخبل أم الإفاقة؟ وهل كتبها متقوِّلها بعد أن تصفّح كتب الشيعة فوجدها خلاءً من ذكر آية صحيحةً غير ملحونة؟ أم أراد أن يصمهم فافتعل لذلك خبراً؟ وهل يجد المائن في الطليعة من أئمَّة الأدب العربيِّ إلّا رجالاً من الشيعة ألَّفوا في التفسير كُتباً ثمينة، وفي لغة الضّاد أسفاراً كريمةً هي مصادر اللغة، وفي الأدب زبراً قيِّمة هي المرجع للملأ العلميِّ والأدبيِّ، وفي النحو مدوَّنات لها وزنها العلميّ، وإنَّك لو راجعت كُتب الإماميّة لوجدتها مفعمةً بالإستشهاد بالآيات الكريمة كأنّها أفلاكٌ لتلك الأنجم الطوالع غير مُغشّاة بلحن أو غلط.

وما كنّا نعرف حتّى اليوم أنَّ مقياس التلاوة صحيحةً أو ملحونةً هو النزعات و المذاهب التي هي عقودٌ قلبيّة لا مدخل لها في اللسان وما يلهج به، ولا أنَّ لها مِساساً باللغة، وسرد الكلمات، وصياغة الكلام، وحكاية ما صيغ منها من قرآن أو غيره.

وليت شعري ما حاجة الشيعة في إصابة القرآن وتلاوته صحيحة إلى غيرهم؟ ألا عواز في العربيّة؟ أو لجهل بأساليب القرآن؟ لا ها الله ليس فيهم من يتَّسم بتلك الشية، أمّا العربيُّ منهم فالتشيّع لم ينتأ بهم عن لغتهم المقدَّسة، ولاعن جبلّيّات عنصرهم أو هل ترى أنَّ بلاد العراق وعاملة وما يشابههما وهي مفعمةٌ بالعلماء الفطاحل، والعباقرة والنوابغ، أقلُّ حظّاً في العربيّة من أعراب بادية نجدٍ والحجاز أكّالة الضبِّ، ومساورة الضباع؟! وأمّا غير العربيِّ منهم فما أكثر ما فيهم من أئمَّة العربيَّة والفطاحل والكتّاب والشعراء، ومن تصفَّح السير علم أن الأدب شيعيٌّ، والخطابة شيعيَّةٌ، والكتابة شيعيَّةٌ، والتجويد والتلاوة شيعيَّان. ومن هنا يقول إبن خلكان في تاريخه في ترجمة عليِّ بن الجهم ١ ص ٣٨: كان مع إنحرافه من عليِّ بن أبي طالب.

٣٠٢

عليه الصلاة والسّلام وإظهاره التسنّن مطبوعاً مقتدراً على الشعر عذب الألفاظ. فكأنَّه يرى أنَّ مطبوعيّة الشعر وقرضه بألفاظ عذبة خاصَّةٌ للشيعة وأنّه المطَّرد نوعاً.

وهذه المصاحف المطبوعة في ايران والعراق والهند منتشرةٌ في أرجاء العالم و المخطوطة منها التي كادت تُعدُّ علي عدد مَن كان يحسن الكتابة منهم قبل بروز الطبع، وفيهم من يكتبه اليوم تبرُّكاً به، ففي أيّ منها يجد ما يحسبه الزاعم من الغلط الفاشي؟ أو خلّة في الكتابة؟ أو ركّة في الأُسلوب؟ أو خروج عن الفنّ؟ غير طفائف يزيغ عنه بصر الكاتب الَّذي هو لازم كلِّ إنسان شيعيٍّ أو سنيٍّ عربيٍّ أو عجميٍّ.

وأحسب أنَّ الذي أخبر القصيميَّ بما أخبر من الطائفين في بلاد الشيعة لم يولد بعدُ لكنَّه صوَّره مثالاً وحسب أنّه يُحدَّثه، أو أنّه لَمّا جاس خلال ديارهم لم يزد على أن استطرق الأزقّة والجوادّ فلم يجد مصاحف ملقاةً فيما بينهم وفي أفنية الدور، ولو دخل البيوت لوجدها موضوعةً في عياب وعلب، وظاهرةً مرئيَّةً في كلِّ رفٍّ وكوَّة على عدد نفوس البيت في الغالب، ومنها ما يزيد على ذلك، وهي تُتلى آناء الليل وأطراف النّهار.

هذه غير ما تتحرَّز به الشيعة من مصاحف صغيرة الحجم في تمائم الصبيان و أحراز الرِّجال والنساء. غير ما يحمله المسافر للتلاوة والتحفظ عن نكبات السفر. غير ما يوضع منها على قبور الموتى للتلاوة بكرةً وأصيلا وإهداء ثوابها للميِّت. غير ما تحمله الأطفال إلى المكاتب لدارسته منذ نعومة الأظفار. غير ما يُحمل مع العروس قبل كلِّ شيء إلى دار زوجها، ومنهم من يجعل ذلك المصحف جزءً من صداقها تيمّناً به في حياتها الجديدة. غير ما يُؤخذ إلى المساكن الجديدة المتَّخذة لِلسكنى قبل الأثاث كلِّه. غير ما يوضع منها إلى جنب النساء لتحصينها عن عادية الجنِّ والشياطين الذين يوحون إلى أوليائهم (ومنهم القصيميُّ مخترع الأكاذيب) زخرف القول غرورا.

أفهؤلاء الذين لا يرفعون بالقرآن رأسا؟ أفهؤلاء الذين يندر جدّاً أن توجد بينهم المصاحف؟ وأمّا ما أخبر به الرَّجل شيطانه الطائف بلاد الشيعة من عدم وجود من يحفظ القرآن منهم فسل حديث هذه الأُكذوبة عن كتب التراجم ومعاجم السير، وراجع

٣٠٣

كتاب «كشف الاشتباه»(١) في ردِّ موسى جار الله ٤٤٤ - ٥٣٢ تجد هناك من حفّاظ الشيعة وقُرّائهم مائة وثلثة وأربعين.

١١ - قال: هل يستطيع أن يجيئ (الشيعيُّ) بحرف واحدٍ من القرآن؟ يدلُّ على قول الشيعة بتناسخ الأرواح، وحلول الله في أشخاص أئمَّتهم، وقولهم بالرجعة، وعصمة الأئمَّة، وتقديم عليٍّ على أبي بكر وعمر وعثمان، أو يدلُّ على وجود عليٍّ في السحاب وأنَّ البرق تبسّمه والرَّعد صوته كما تقول الشيعة الإماميَّة ج ١ ص ٧٢.

ج - إن تعجب فعجبٌ إنَّ الرجل ومن شاكله من المفترين بهتوا الشيعة الإماميَّة بأشياءهم بُراء منها على حين تداخل الفرق، وتداول المواصلات، وسهولة استطراق الممالك والمدن بالوسايل النقليّة البخاريّة في أيسر مدَّةٍ، ومن المستبعد جدّاً إن لم يكن من المتعذِّر جهل كلِّ فرقةٍ بمعتقدات الأُخرى، فمحاول الوقيعة اليوم والحالة هذه على أيِّ فرقة من الفرق قبل الفحص والتنقيب المتيسِّرين بسهولة مستعملٌ للوقاحة والصلافة، وهو الأفّاك الأثيم عند من يطالع كتابه، أو يُصيخ إلى قيله.

ولو كان الرَّجل يتدبّر في قوله تعالى: ما يلفظ من قول إلّا لديه رقيبٌ عتيدٌ. أو يصدِّق ما أوعد الله به كلَّ أفّاكٍ أثيمٍ همّاز مشَّاء بنميم، لكفَّ مدَّته عن البهت، وعرف صالحه، ولكان هو المجيب عن سؤال شيطانه بأنَّ الشيعة الإماميّة متى قالت بالتناسخ وحلول الله في أشخاص أئمّتهم؟ ومَن الذين ذهب منهم قديماً وحديثاً إلى وجود عليٍّ في السحاب... إلخ. حتّى توجد حرفٌ واحدٌ منها في القرآن.

م نعم: [عليُّ في السِّحاب ] كلمةٌ للشيعة تأسِّياً للنبيّ الأعظم صلّى الله عليه وآله بالمعنى الذي مرّ في الجزء الأوّل ص ٢٩٢(٢) غير أنّ قوّالة الإحنة حرَّفتها عن موضعها وأوّلتها بما يشوِّه الشيعة الإماميّة].

أليس عاراً على الرَّجل وقومه أن يكذب على أُمَّةٍ كبيرةٍ إسلاميّةٍ ولا يبالي بما يباهتهم؟ وينسبهم إلى الآراء المنكرة أو التافهة؟ ولا يتحاشى عن سوء صنيعه؟ أليست كتب الشيعة الإماميّة المؤلّفة في قرونها الماضية ويومها الحاضر وهي لسانهم المعرب عن

_____________________

١ - تأليف العلم الحجة شيخنا المحقّق الشيخ عبد الحسين الرشتي النجفي

٢ - من الطبعة الثانية.

٣٠٤

عقايدهم مشحونة بالبراءة من هذه النسب المختلقة بألسنة مناوئيهم؟!

فإن كان لا يدري فتلك مصيبةٌ

وإن كان يدري فالمصيبة أعظمُ

نعم: له أن يستند في أفائكه إلى شاكلته طه حسين وأحمد أمين وموسى جار الله رجال الفرية والبذاءة.

وقول الإماميّة بالرجعة نطق به القرآن غير أنَّ الجهل أعشى بصر الرَّجل كبصيرته فلم يره ولم يجده فيه، فعليه بمراجعة كتب الإماميّة، وأفردها بالتأليف جماهير من العلماء، فحبّذا لو كان الرَّجل يراجع شيئاً منها.

كما أنّ آية التطهير ناطقةٌ بعصمة جمعٍ ممّن تقول الإماميّة بعصمتهم وفي البقيّة بوحدة الملاك والنصوص الثابتة، وفيما أخرجه إمام مذهبه أحمد بن حنبل في الآية الشريفة في مسنده ج ١ ص ٣٣١، ج ٣ ص ٢٨٥، ج ٤ ص ١٠٧، ج ٦ ص ٢٩٦، ٢٩٨، ٣٠٤، ٣٢٣ مقنعٌ وكفايةٌ.

وكيف لم يقدِّم القرآن عليّاً على غيره؟ وقد قرن الله ولايته وولاية نبيِّه بقوله العزيز:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) . وقد مرَّ في هذا الجزء ص ١٥٦ - ١٦٢: إطباق الفقهاء و المحدِّثين والمتكلّمين على نزولها في عليٍّ أمير المؤمنين عليه السلام.

م - والباحث إن أعطى النصفة حقّها يجد في كتاب الله آيا تُعدُّ بالعشرات نزلت في عليّ أمير المؤمنين عليه السلام وهي تدلّ على تقديمه على غيره، ولا يدع وهو نفس النبيِّ صلّى الله عليه وآله بنصّ القرآن، وبولايته أكمل الله دينه، وأتمَّ علينا نعمه، ورضي لنا الإسلام دينا].

ونحن نُعيد السؤال هاهنا على «القصيميِّ» فنقول: هل يستطيع أن يجيئ هو و قومه بحرف واحدٍ من القرآن يدلُّ على تقديم أبي بكر وعمر وعثمان على وليِّ الله الطاهر أمير المؤمنين عليه السلام؟!.

١٢ - قال: والقوم (يعني الإماميّة) لا يعتمدون في دينهم على الأخبار النبويّة الصحيحة، وإنّما يعتمدون على الرُّقاع المزوَّرة المنسوبة كذباً إلى الأئمّة المعصومين في زعمهم وحدهم ج ١ ص ٨٣.

٣٠٥

ج - عرفت الحال في التوقيعات الصادرة عن الناحية المقدَّسة، والرَّجل قد أتى من شيطانه بوحيٍ جديد فيرى توقيعات بقيّة الأئمّة أيضاً مكذوبة على الأئمَّة، ويرى عصمتهم مزعومةً للشيعة فحسب، إذ لم يجدها في طامور أو هامه، فإن تنازعتم في شيئ فردّوه إلى الله والرّسول.

١٣ - المتعة التي تتعاطاها الرافضة أنواعٌ: صغرى وكبرى. فمن أنواعها: أن يتَّفق الرَّجل والمرأة المرغوب فيها على أن يدفع إليها شيئاً من المال أو من الطعام والمتاع وإن حقيراً جدّاً على أن يقضي وطره منها ويشبع شهوته يوماً أو أكثر حسب ما يتَّفقان عليه، ثمَّ يذهب كلٌّ منهما في سبيله كأنَّما لم يجتمعا ولم يتعارفا، وهذا من أسهل أنواع هذه المتعة.

وهناك نوعٌ آخر أخبث من هذا يُسمّى عندهم بالمتعة الدوريَّة وهي أن يحوز جماعةٌ إمرأةً فيتمتَّع بها واحدٌ من الصبح إلى الضحى، ثمَّ يتمتّع بها آخر من الضحى إلى الظهر، ثمَّ يتمتّع بها آخر من الظهر إلى العصر، ثمَّ آخر إلى المغرب، ثمَّ آخر إلى العشاء ثمَّ آخر إلى نصف الليل، ثمَّ آخر إلى الصبح، وهم يعدّون هذا النوع ديناً لله يُثابون عليه وهو من شرِّ أنواع المحرَّمات ج ١ ص ١١٩.

ج - إنّ المتعة عند الشيعة هي الّتي جاء بها نبيُّ الإسلام، وجعل لها حدوداً مقرَّرة، وثبتت في عصر النبيِّ الأعظم وبعده إلى تحريم الخليفة عمر بن الخطاب، وبعده عند مَن لم ير للرأي المحدث في الشرع تجاه القرآن الكريم وما جاء به نبيُّ الإسلام قيمةً ولا كرامةً، وقد أصفقت فِرَق الإسلام على أُصول المتعة وحدودها المفصَّلة في كتبها، ولم يختلف قطُّ إثنان فيها ألا وهي:

١: الأُجرة.

٢: الأجل.

٣: العقد المشتمل للايجاب والقبول.

٤: الافتراق بانقضاء المدَّة أو البذل.

٥: العدَّة أمةً وحرَّة حائلاً وحاملاً.

٦: عدم الميراث.

٣٠٦

وهذه الحدود هي الّتي نصَّ عليها أهل السنَّة والشيعة، راجع من تآليف الفريق الأوَّل. صحيح مسلم. سنن الدارمي. سنن البيهقي. تفسير الطبري. أحكام القرآن للجصّاص. تفسير البغوي. تفسير إبن كثير. تفسير الفخر الرّازي. تفسير الخازن. تفسير السيوطي. كنز العمّال(١) .

ومن تآليف الفريق الثاني مَن لا يحضره الفقيه الجزء الثالث ص ١٤٩. المقنع للصَّدوق كسابقه. الهداية له أيضاً. الكافي ٢ ص ٤٤. الإنتصار للشريف علم الهدى المرتضى. المراسم لأبي يعلى سلّار الديلمي. النهاية للشيخ الطوسي. المبسوط للشيخ أيضاً. التهذيب له أيضاً ج ٢ ص ١٨٩. الإستبصار له ٢ ص ٢٩. الغنية للسيد أبي المكارم. الوسيلة لعماد الدين أبي جعفر. نكت النهاية للمحقِّق الحلّي. تحرير العلّامة الحلّي ٢ ص ٢٧. شرح اللمعة ٢ ص ٨٢. المسالك ج ١. الحدائق ٦ ص ١٥٢. الجواهر ٥ ص ١٦٥.

والمتعة المعاطاة بين الأُمّة الشيعيَّة ليست إلّا ما ذكرناه، وليس إلّا نوعاً واحداً، والشيعة لم تر في المتعة رأياً غير هذا، ولم تسمع أُذن الدنيا أنواعاً لِلمتعة تقول بها فرقةٌ من فرق الشيعة، ولم تكن لأيِّ شيعيٍّ سابقة تعارف بانقسامها على الصغرى والكبرى، وليس لأيِّ فقيه من فقهاء الشيعة ولا لعوامهم من أوَّل يومها إلى هذا العصر، عصر الكذب والأخلاق، عصر الفرية والقذف (عصر القصيميِّ) إلماماً بهذا الفقه الجديد المحدَث، فقه القرن العشرين لا القرون الهجريَّة.

وأمَّا القصيميُّ [ومن يُشاكله في جهله المطبق] فلا أدري ممَّن سمع ما تخيَّله من الأنواع؟ وفي أيّ كتابٍ من كُتب الشيعة وجده؟ وإلى فتوى أيِّ عالمٍ من علمائها يستند؟ وعن أيِّ إمام من أئمَّتها يروي؟ وفي أيِّ بلدة من بلادها أو قرية من قراها أو بادية من بواديها وجد هذه المعاطاة المكذوبة عليها؟ أيم الله كلُّ ذلك لم يكن. لكنَّ الشياطين يوحون إلى أوليائهم زخرف القول غرورا.

١٤ - قال: إنَّ أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين من يأتون بشاة مسكينةٍ وينتفون شعرها ويعذِّبونها أفانين العذاب موحياً إليهم ضلالهم وجرمهم أنَّها السيِّدة عائشة زوج النبيِّ الكريم وأحبُّ أزواجه إليه.

_____________________

١ - يأتي تفصيل كلماتهم في هذا الجزء بعيد هذا.

٣٠٧

ومَن يأتون بكبشين وينتفون أشعارهما ويعذِّبونهما ألوان العذاب مشيرين بهما إلى الخليفتين: أبي بكر وعمر، وهذا ما تأتيه الشيعة الغالية.

وإنَّ أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين هم الَّذين غيَّبوا إمامهم في السرداب، وغيَّبوا معه قرآنهم ومصحفهم، ومَن يذهبون كلَّ ليلة بخيولهم وحميرهم إلى ذلك السرداب الذي غيَّبوا فيه إمامهم ينتظرونه ويُنادونه ليخرج إليهم، ولا يزال عندهم ذلك منذ أكثر من ألف عام.

وإنَّ أغبى الأغبياء وأجمد الجامدين هم الَّذين يزعمون أنَّ القرآن محرَّفٌ مزيدٌ فيه ومنقوصٌ منه ج ١ ص ٣٧٤.

ج - يكاد القلم أن يرتج عليه القول في دحض هذه المفتريات لأنَّها دعاوٍ شهوديَّة بأشياء لم تظلّ عليها الخضراء ولا أقلّتها الغبراء، فإنَّ الشيعة منذ تكوَّنت في العهد النبويِّ يوم كان صاحب الرِّسالة يلهج بذكر شيعة عليٍّ عليه السلام والصحابة تسمّي جمعاً منهم بشيعة عليٍّ إلى يومها هذا لم تسمع بحديث الشاة والكبشين، ولا أبصرت عيناها ما يُفعل بهاتيك البهائم البريئة من الظلم والقساوة، ولا مُدَّت إليها تلك الأيادي العادية، غير أنَّهم شاهدوا القصيميَّ متَّبعاً لإبن تيميَّة يُدنِّس برودهم النزيهة عن ذلك الدَرَن.

وليت الرَّجل يعرِّفنا بأحدٍ شاهد شيعيّاً يفعل ذلك، أو بحاضرةٍ من حواضر الشيعة اطَّردت فيها هذه العادة، أو بصقع وقعت فيه مرَّة واحدة ولو في العالم كلِّه.

وليتني أدري وقومي هل أفتى شيعيٌّ بجواز هذا العمل الشنيع؟ أو استحسن ذلك الفعل التافه؟ أو نوَّه به ولو قصِّيصٌ في مقاله؟ نعم يوجد هذا الإفك الشائن في كتاب القصيميِّ وشيخه إبن تيميَّة المشحون بأمثاله.

وفرية السرداب أشنع وإن سبقه إليها غيره من مؤلِّفي أهل السنَّة لكنَّه زاد في الطمّور نغمات بضمِّ الحمير إلى الخيول وادِّعائه اطِّراد العادة في كلِّ ليلة واتِّصالها منذ أكثر من ألف عام، والشيعة لا ترى أنَّ غيبة الإمام في السَّرداب، ولاهم غيَّبوه فيه ولا أنَّه يظهر منه، وإنَّما اعتقادهم المدعوم بأحاديثهم أنَّه يظهر بمكّة المعظمة تجاه البيت، ولم يقل أحدٌ في السرداب: إنَّه مغيب ذلك النور، وإنَّما هو سرداب

٣٠٨

دار الأئمَّة بسامرَّاء، وإنَّ من المطَّرد إيجاد السراديب في الدور وقايةً من قايظ الحرِّ، وإنَّما اكتسب هذا السرداب بخصوصه الشرف الباذخ لانتسابه إلى أئمَّة الدين، وإنّه كان مبوَّءً لثلاثة منهم كبقيَّة مساكن هذه الدار المباركة، وهذا هو الشأن في بيوت الأئمّة عليهم السَّلام ومشرِّفهم النبيُّ الأعظم في أيِّ حاضرة كانت، فقد أذن الله أن تُرفع ويُذكر فيها اسمه.

وليت هؤلاء المتقوِّلون في أمر السرداب إتَّفقوا على رأي واحد في الأُكذوبة حتّى لا تلوح عليها لوائح الإفتعال فتفضحهم، فلا يقول إبن بطوطة(١) في رحلته ٢ ص ١٩٨: إنَّ هذا السرداب المنوَّه به في الحلّة. ولا يقول القرماني في «أخبار الدُّول» إنّه في بغداد. ولا يقول الآخرون: إنّه بسامراء. ويأتي القصيميُّ مِن بعدهم فلا يدري أين هو فيطلق لفظ السرداب ليستر سوءته.

وإنّي كنت أتمنّى للقصيميِّ أن يحدِّد هذه العادة بأقصر من (أكثر من ألف عام) حتّى لا يشمل العصر الحاضر والأعوام المتَّصلة به، لأنَّ انتفائها فيه وفيها بمشهدٍ ومرئي ومسمع من جميع المسلمين، وكان خيراً له لو عزاها إلى بعض القرون الوسطى حتّى يجوِّز السامع وجودها في الجملة، لكنَّ المائن غير مُتحفِّظ على هذه الجهات.

وأمّا تحريف القرآن فقد مرّ حقُّ القول فيه ص ٨٥ وغيرها.

هذه نبذٌ من طامّات «القصيميِّ» وله مئاتٌ من أمثالها، ومَن راجع كتابه عرف موقفه من الصِّدق، ومبوَّئه من الأمانة، ومقيله من العلم، ومحلّه من الدين، ومستواه من الأدب.

( الّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ كَبُرَ

مَقْتاً عِندَ اللّهِ وَعِندَ الّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ

اللّهُ عَلَى‏ كُلّ قَلْبِ مُتَكَبّرٍ جَبّارٍ )

سورة غافر ٣٥

_____________________

١ - وهكذا إبن خلدون في مقدمة تأريخه ج ١ ص ٣٥٩، وإبن خلكان في تاريخه ص ٥٨١.

٣٠٩

١١، ١٢، ١٣

فجر الإسلام. ضحى الإسلام. ظهر الإسلام

هذه الكتب ألَّفها الأُستاذ أحمد أمين المصريّ لغايةٍ هو أدرى بها، ونحن أيضاً لا يفوتنا عرفانها، وهذه الأسماء الفخمة لا تغرُّ الباحث النابه مهما وقف على ما في طيِّها من التافهات والمخازي، فهي كاسمه [الأمين] لا تُطابق المسمّى، وأيم الله إنَّه لو كان أميناً لكان يتحفَّظ على ناموس العلم والدين والكتاب والسنَّة، وكفَّ القلم عن تسويد تلك الصحائف السوداء، ولم يكن يُشوِّه سمعة الإسلام المقدَّس قبل سمعة مصره العزيزة بلسانه اللسّابة السَّلاقة، وكان لم يتَّبع الهوى فيُضلَّ عن السبيل، ولم يُطمس الحقايق ولم يُظهرها للناس بغير صورها الحقيقيَّة المبهجة، ولم يُحرِّف الكلم عن مواضعها، ولم يقذف أُمَّةً كبيرةً بنسبٍ مفتعلة؛ ولم يتقوَّل عليهم بما يُدنِّس ذيل قدسهم.

كما أنّ تآليفه هذه لو كانت إسلاميَّة [كما توهمها أسمائها] لما كانت مشحونةً بالضَّلال والإفك وقول الزّور، ولما بعدت عن أدب الإسلام، عن أدب العلم، عن أدب العفَّة، عن أدب الإخاء الذي جاء به القرآن، فالإسلام الذي جاء به أمين القرن العشرين (لا القرن الرابع عشر) يضادُّ نداء القرآن البليغ، نداء الإسلام الذي صدع به أمين وحي الله في القرن الأوَّل الهجريِّ، فإن كان الإسلام هذا كتابه وهذا أمينه؟ فعلى الإسلام السَّلام، وإن كان الجامع المصريُّ الأزهر هذا علمه وهذا عالمه؟ فعليه العفا.

وقد نوَّه غير واحد من محقِّقي الإماميّة(١) بما فيها من البهرجة والباطل في تآليفهم القيِّمة، وفي [تحت راية الحقِّ(٢) ] غنىً وكفاية لمريد الحقّ، وإلى الله المشتكى.

( بَلْ كَذّبُوا بِالْحَقّ لَمّا جَاءَهُمْ فَهُمْ فِي أَمْرٍ مَرِيجٍ )

ق ٥

_____________________

١ - كالحجج الفطاحل السيِّد شرف الدين، والسيِّد الأمين، وشيخنا كاشف الغطاء.

٢ - تأليف العلامة الشيخ عبد الله السبيتي.

٣١٠

١٤

الجولة

في ربوع الشرق الأدنى

تأليف محمد ثابت المصري مدرس أول العلوم

الاجتماعية بمدرسة القبة الثانوية

الناموس المطَّرد في السيّاح أنَّ أكثر ما يتحرّى مشاهدته في البلاد والأصقاع يكون ملائماً لما انطبعت عليه نفسيَّته، ولذلك تراهم مختلفين في النزعات، فصاحب رحلةٍ يكاد أن لا يذكر فيها سوى ما تلقّاه من العلماء والأُدباء، وآخر تجد فيه نزوعاً إلى السّاسة ونظريّاتهم، وثالث يبغي وصف البقاع من ناحية المعيشة والإقتصاد و الهواء الطلق والماء العذب النمير وفواكه ممّا يشتهون، وعارف يذكر بدايع الصّنع وإتقان حكمة الباري سبحانه من مشهوداته، وهناك ماجنٌ لا يروقه إلّا الشهوات والمخازي، فيصف المواخير؛ ويلمُّ بحانات الخمور، ويحدِّث عن المومسات، وأفّاكٌ أثيمٌ يمين في أكثر ما يحدِّث، ويدنِّس بفاحش القول ساحة قدس مَن لم يُحسن قِراه، وإنَّ صاحب هذه الرِّحلة [الجولة] من القسمين الأخيرين، وكان الحريّ بنا أن نشطب على اسمه وعلى رحلته بقلمٍ عريضٍ لكنّا نُلمس القارئ ما ادَّعيناه فيه بطفيفٍ ممّا شوَّه به سمعة الرِّحلة والتاريخ.

١ - قال: يقول العلماء هناك [في النجف]: إنَّ المدافن فيها عشرة آلاف لا تزيد ولا تنقص لأنَّ سيِّدنا عليّاً يُرسل ما زاد من الجثث بعيداً فلا يعرف أحدٌ مقرَّها ص ١٠٥

كم مِن جثثٍ كانت تحملها السيّارات وافدة من كلِّ فجٍّ، وبعد الغسل يُطاف بها حول الحرم وبعد الصَّلاة عليها تُدفن وتظلُّ كذلك حتّى يتراءى لسيِّدنا عليٍّ أن يكشف عن مكنونها فتختفي ويُدفن في مكانها غيرها ص ١٠٦.

ج - لقد فتَّشنا علب العطارين، وأوعية أهل الحرف، وجوالق المكارين، ومدوَّنات

٣١١

القصص الروائيّة، فلم تُعطنا خُبراً بشيءٍ من هذه المفتريات، ولا دلَّنا أصحابنا إلى شيء من ذلك، وإنَّما قدَّمناها وإيّاهم بالتفتيش والسؤال بعد اليأس عن العلماء و كتبهم، فإنَّهم يُجلّون كما أنَّ كتبهم تجلُّ عن الإشادة بالمخازي والأكاذيب، وليت [السائح] ذكر عالماً من أولئك العلماء الذين شافهوه بذلك الخيال، أو ذكر طرقهم إلى آرائهم، أو ذكر الليلة التي أوحاه إليه شيطانه فيها، لكنَّه لم يفعل كلّ ذلك تحفّظاً على ناموس شيطانه؛ فقال ولم يخجل.

من أين تخجل أوجهٌ أمويَّةٌ

سكبت بلذّات الفجور حيائها؟!

٢ - قال: هي [النجف] مقرُّ أوَّل خليفةٍ للنبيِّ صلّى الله عليه وسلّم، وفي زعم بعضهم (يعني الشيعة) هي مقرُّ مَن كان أحقُّ بالرِّسالة من النبيِّ نفسه ١٠٤.

ج - ليس في الشيعة قديماً وحديثاً مَن يزعم أنَّ أمير المؤمنين أحقُّ بالرِّسالة من النبيِّ وإنَّما هو إفكٌ مفترى إختلقه أضداد الشيعة تشويهاً لسمعتها، ولذلك لا تجد في أيٍّ من كتبهم، ولا يُؤثر عن أيٍّ منهم إيعازاً إلى هذه الشائنة فضلاً عن التَّصريح.

٣ - قال: قُتل عليٌّ بيد إبن ملجم - بايع الناس الحسن بن عليّ وكان معاوية قد بويع في الشام فزحف لقتال الحسن، وتأهَّب الحسن، للقتال في العراق، ولكن ثار عليه جنوده وانفضّوا من حوله، فهادن معاوية وتنازل عن الخلافة وفرَّ وقُتل، ثمَّ بايع الجميع معاوية إلّا الخوارج والشيعة [شيعة آل البيت أو آل عليّ] وقد إجتمعوا حول الحسين بن عليّ في مكّة فقتله جنودُ معاوية في كربلا هو وأفراد أُسرته وأتباعه جميعاً إلّا ابنٌ واحدٌ للحسين أمكنه الهرب ص ١١٠.

ج - هذا معرفة الرَّجل بالتاريخ الإسلامي وهو أُستاذ العلوم الإجتماعيّة في مدرسة القبَّة الثانويَّة بالقاهرة، ولا أحسب أنَّ المقام يستدعي ترسّلاً في تصحيح أغلاطه التاريخيَّة، وإنَّما أثبتناه في هذا المقام لإيقاف القارئ على مقدار علمه، ولكنَّني أتمنّى أنَّ سائلاً يُسائله عن الموجب للكتابة فيما لا يعلم، أهو بترجيح من طبيب؟ أم تحبيذ من مهندس؟ أم إشارة من سياسيّ، أم أنّ الرعونة حدته إلى ذلك؟ وهو يحسب أنَّه يحسن صنعاً، ونحن لا نُقابله هنا إلّا بالسَّلام كما قال سبحانه تعالى:( وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ) .

٣١٢

وما أشبه أساطير رحّالة مصر هذا في كتابه أساطير الرَّحالة الأفرنسيَّة المنشورة في مجلّة الأحرار البيروتيّة ٢٧ تشرين الثاني سنة ١٩٣٠ م ملخَّصها: إنَّ على أساس ذبحٍ عليٍّ وأولاده في كربلاء قرب بغداد قامت الشيعة في الإسلام، ذلك لأنَّ أقرباء عليٍّ وحلفائه وتلاميذه وعلماء الشيعة وفلاسفتها لم يطيقوا خلافة عمر؟ الّذي بسببه أُريق دم عليٍّ وأولاده؟ فافترقوا عن السنَّة واجتازوا جزيرة العرب إلى العجم؟ تسير في طليعتهم أرملة عليٍّ فاطمة؟.

اقرأ واضحك

هكذا فليكن رحّالة مصر وفرانسة، ولِلذَّكَر مثل حظِّ الأُنثيين.

٤ - قال: من فرق الشيعة من يقول: بأنَّ الصحابة كلّهم كفروا بعد موت النبيِّ إذ جحدوا إمامة عليٍّ، وإنَّ عليّاً نفسه كفر لتنازله لأبي بكر، لكنَّه عاد له إيمانه لَمّا تولّى الإمامة وهذه فرقة الإماميَّة. ومن الشيعة قسمٌ أوجب النبوَّة بعد النبيِّ فقالوا بأنَّ الشَبه بين محمَّد وعليٍّ كان قريباً لدرجة أنَّ جبرئيل أخطأ، وتلك فئة [الغالية أو الغلاة] ومنهم مَن قال بأنَّ جبريل تعمَّد ذلك فهو إذن ملعونٌ كافرٌ ص ١١٠.

ج - الإماميّة لا تقول في الصحابة إلّا بما قدَّمناه في هذا الجزء ص ٢٩٦، ٢٩٧ عن صحيح البخاري وغيره، وهي لا تزال تُوالي أمير المؤمنين عليّاً صلوات الله عليه وتقول بعصمته وتحقّق الإيمان بولائه منذ بدء خلقته إلى أن لفظ نفسه الأخير، وإلى أن يرث الله الأرض ومَن عليها، وإلى أمدٍ لا مُنتهى له، وتقول بإمامته منذ قبض الله نبيَّه الأمين إليه، سواءٌ سُلّم إليه الأمر أو اُبتزَّ منه. وتقول أيضاً بشمول آية التطهير له منذ نزلت إلى آخر الأبد، ولا يتزحزح الشيعيُّ عن هذه العقايد آناً ما في أدوار الخلافة العلويَّة سواءٌ تصدّى لها أو مُنع عنها، وقد اتَّفق على ذلك علماء الشيعة ومؤلّفاتها، وتطامنت عليه الأفئدة، وانحنت عليه الأضالع، وأخبتت إليه القلوب، فإن كانت هناك نسبةٌ غير هذا إليهم فعزوٌ مُختلقٌ من جاهلٍ بعقائدهم، أو متحرٍّ بالوقيعة فيهم، ولدة هذا نسبة خطأ جبرئيل إلى بعضهم أو تعمّده إلى بعض آخر وما إليها من المخازي

٥ - قد استرعى نظري في النَّجف كثيرٌ من الأطفال الذين يلبسون آذانهم حلقات

٣١٣

خاصَّة هي علامة أنَّهم من ذريَّة زواج المتعة المنتشر بين الشيعة جميعاً وبخاصَّة في بلاد فارس، ففي موسم الحجّ(١) إذا ما حلَّ زائرٌ فُندقاً لاقاه وسيطٌ يعرض عليه أمر المتعة مقابل أجرٍ معيّن، فإن قبل أحضر له الرَّجل جمعاً من الفتيات لينتقي منهنَّ، وعندئذٍ يقصد معها إلى عالم لقراءة صيغة عقد الزَّواج وتحديد مدّته، وهي تختلف بين ساعاتٍ وشهورٍ وسنواتٍ؛ وللفتاة أن تتزوّج مرّات في الليلة الواحدة، والعادة أن يدفع الزَّوج نحو خمسة عشر قرشاً للساعة، وخمسة وسبعين قرشاً لليوم، ونحو أربع جنيهات للشهر، ولا عيب على الجميع في ذلك العمل لأنَّه مشروعٌ، ولا يلحق الذريَّة أيّ عارِ مطلقاً؛ وعند انتهاء مدَّة الزّواج يفترق الزَّوجان ولا تنتظر المرأة أن تعتدّ بل تتزوَّج بعد ذلك بيومٍ واحدٍ، فإن ظهر حملٌ فللوالد أن يدّعي الطفل له ويأخذه من أُمِّه إذا بلغ السابعة. إلخ ص ١١١، ١١٢.

ج - ليتني كنت أُشافه الرَّجل فأُسائله عن أنَّه هل تفرَّد هو بالهبوط إلى النجف الأشرف في أجيالها المتطاولة؟ أو شاركه في ذلك غيره من سوّاح وزوّار وسابلة؟ نعم هذه النجف الأعلى مهبط القداسة ومرقد سيِّد الوصيِّين أمير المؤمنين صلوات الله عليه تأتيها في كلِّ سنة آلاف مؤلَّفة من أقطار الدنيا للتزوُّد من زورة ذلك المشهد المقدَّس فيمكثون فيها أيّاماً وليالي وأسابيع وأشهراً وفيهم البحّاثة والمنقِّبون، فلِمَ لم يحدِّث أحدهم عن أولئك الأطفال الكثيرين في مخيَّلة هذا الزاعم؟ وعن الحَلقات الخاصَّة في آذانهم؟ وعن هاتيك الفنادق المخترقة(٢) وعن ذلك الوسيط الموهوم؟ وهاتيك الفتيات المعروضة على الوافد؟ وعن تلك العادة المفتراة الشائنة؟ والأسعار المختلقة؟ وعن تواصل المتع من دون تخلّل عدَّة؟ وجلُّ أولئك الوافدون يتحرَّون غرائب ما في النجف من العادات والأطوار شأن كلِّ باحثٍ يرد حاضرةً من الحواضر المهمَّة، ولِمَ لم يشهد هذه الأحوال أحدٌ من أهل النجف الَّذين وُلدوا فيها، وفيها ينشأون، وفيها يموتون وهي وفنادقها وأطفالها وزوّارها بمرأى منهم ومسمع؟! ولعلَّ [الرائد الكذّاب] يحسب أنَّ مشهوداته هذه لا تُدرك بعين البصر وإنَّما أدركها بعين البصيرة فهلمَّ واضحك.

_____________________

١ - يعني أيّام زيارة أمير المؤمنين عليه السلام المخصوصة به.

٢ - لم يكن يوم ورود الرجل النجف الأشرف أي فندق فيها وإنَّما أسست الفنادق بعد يومه.

٣١٤

٦ - قال: فهم «يعني الإيرانيِّين» يبغضون أهل العراق ويطمحون إلى تملّك بلادهم يوماً، وهم جميعاً يمقتون العرب المقت كلّه، ويتبرَّأون منهم ويقولون بأنَّ العرب رغم أنَّهم أدخلوا الإسلام في بلادهم واحتلّوها طويلاً فإنّ فارس حافظت على شخصيَّتها ولغتها، وهم ينظرون إلى العرب نظرة احتقارٍ ويفاخرون بأنَّهم من أصل آري لا سامي ص ١٣٦.

ج - لا أحسب وأيمن الله إلّا أنَّ هذا الرَّجل يُريد تفريق كلمة المسلمين، وتفخيذ أُمَّةٍ عن أُمَّةٍ بأباطيله، والواقف على ما بين العراقيّين والإيرانيّين - من الجوار وحقوقه المتبادلة بين الأُمَّتين، واختلاف كلٍّ منهما إلى بلاد الأُخرى، ونزول الايرانيِّ ضيفاً عند العراقيِّ وعكسه كالنازل في أهله، وما يجري هنالك من الحفاوة والتبجيل، وما جمع بينهما من الوحدة الدينيّة والجامعة المذهبيّة إلى غيرهما من أواصر الأُلفة والوداد، و نظر الايرانيِّ إلى كلِّ عراقيٍّ يرد بلاده من المشاهد المقدَّسة نظر تقديس وإكبار، فلا يستقبله إلّا بالمصافحة والمعانقة والتقبيل، وما يقدِّسه كلُّ مسلم وفيهم الإيرانيّون من لغة الضاد بما أنَّها لغة كتابهم العزيز - جِدُّ عليم بأنَّ الرَّجل أكذب ناهضٍ لشقِّ عصى المسلمين، ولعمري لم تسمع أُذني ولا أُذن أحدٍ غيري تلك المفاخرة التافهة من أيِّ إيرانيٍّ عاقلٍ.

٧ - قال: السيّارات الكبيرة تمرُّ تباعا (بين طهران وخراسان) ذهاباً ورجعةً في كثرةٍ هائلةٍ كلّها تحمل جماهير الحجّاج، ويقولون: بأنَّ هذا الخطّ على وعورته أكثر البلاد حركةً في نقل المسافرين لأنَّ مشهد خيرٌ لديهم من مكّة المكرَّمة تُغنيهم عن بيت الله الحرام في زعمهم ١٥٢.

وقال ص ١٦٢: والّذي شجّع الفرس على اتِّخاذ مشهد كعبةً مقدَّسةً الشاه عبّاس أكبر الصفويّين، هناك صرف قومَه عن زيارة مكّة المكرَّمة لكراهتهم للعرب. ولكي يوفِّر على قومه ما كانوا يُنفقون من أموال طائلة في بلاد يكرهونها، وكثيرٌ من الحجّاج كانوا من السّراة، فاتَّخذ مشهد كعبةً وجّه إليها الشعب، ولكي يزيدها قدسيّة حجَّ إليها بنفسه ماشياً على قدميه مسافة تفوق ١٢٠٠ كيلو متر فتحوّل إليها الناس جميعاً، ويندر من يزور الحجاز اليوم، وهم يحترمون كلمة (مشهدي) عن كلمة [حجي]

٣١٥

لأنَّ من زار مشهد لا شكَّ أكثر قدسيّةً واحتراماً ممّن زار مكّة.

ج - أللّهمَّ ما أجرأ هذا (الكَذْبان) على المفتريات التي لم تطرق سمع أحد من الشيعة ولا وقع عليها نظر أيٍّ منهم ولو في أُسطورة كاذبةٍ حتّى وجدها في كتاب هذا المائن، وليس في الشيعة أحدٌ يعتقد في خراسان غير أنّه مرقد خليفةٍ من خلفاء رسول الله، ومثوى إمام من أئمّتهم، ولذلك عاد مهبطاً للفيوض الإلهيّة، وأمّا القول بإغنائه عن البيت الحرام وإنَّ زيارته مسقطةٌ للحجِّ فبهتانٌ عظيمٌ، والشاه الصفويُّ المغفور له لم يتّخذه كعبةً ولا قصد زيارته ماشياً إلّا للتزلّف إلى المولى سبحانه بزيارة وليٍّ من أوليائه، والتوسّل إليه بخليفةٍ من خلفائه، ولم يصرف قومه عن الحجِّ لذلك، ولم يأت برأيٍ جديد يُضادّ رأي الشيعة من أوَّل يومهم، والشيعة إنَّما تقصد زيارته بداعي الولاء للعترة الطاهرة الذي هو أجر الرِّسالة، ورغبة في المثوبات الجزيلة المأثورة عن أئمّتهم عليهم السّلام.

ولم يكن الشاه ولا شعبه الإيرانيّون بالّذين يشحّون على الأموال دون الفرايض الّتي من أعظمها الحجُّ إلى الكعبة المعظّمة، ولا يرون لهذه الفريضة أيَّ بدل من زيارةٍ أو عبادةٍ، وهذه الحقب والأعوام تشهد لآلاف مؤلّفة من الايرانيّين الذين كانوا يحجّون البيت في كلِّ عام.

نعم: في السنين الأخيرة قلَّ عددهم لما هنالك من عدم الطمأنينة على الأحكام والدماء، فالشيعيُّ يرى أن أغلب الحجّاج غير متمكِّنين من أداء المناسك كما ينبغي، وغير آمنين على دمائهم بأدنى فريةٍ يفتريها عدوٌّ من أعداء الله، ويشهد عليها آخرون أمثاله، فيحكم على إراقة دمه قاض بالجور.

وإن ننس لا ننسى ما جرى في سنة ١٣٦٢ هـ من إزهاق حاجّ مسلمٍ ايرانيّ (يُسمّى طالب) بين الصَّفى والمروة ببهتان عظيم، وهو يتشهَّد الشهادتين وقد حجَّ البيت واعتمر وأتى بالفرايض كلّها، فقُتل مظلوماً ولا مانع ولا وازع ولا زاجر ولا مدافع، ودع عنك ما يُلاقي الشيعة بأسرها عراقيِّين وإيرانيِّين من هتكٍ وهوان والخطاب بمثل قول الحجازيِّ إيّاهم: يا كافر، يا مشرك. وأمثالهما من الكلم القارصة، وتحرّي الحجج التافهة لهذه المخازي كلِّها ولإراقة دمائهم، فمن هنا خارت العزائم، وقلّت الرغبات، ومنعت الحكومة الايرانيَّة

٣١٦

شعبها عن السفر إلى الحجاز كلائةً لأُمَّتها، مستندةً على حكم دينيٍّ لعدم التمكّن من أداء الفريضة غالباً، لا لِما أفرغه السايح المتحذلق في بوتقة إفكه ممّا سطره من إتِّخاذ المشهد كعبةً، ومن الكراهة المحتدمة بين الايرانيِّين والعرب، ذينك الفريقين المتواخيين على الدين والمذهب، إلى جوامع كثيرة يعرفها مَن جاس خلال ديارهما بقلب طاهر متجرِّداً عن النَّعرات الطائفيَّة غير متحيِّز إلى فئة (لا كسايحنا الثابت على غيِّه) وقد قدَّمنا ما بين العرب والعجم المسلمين من التحابب والموادَّة.

٨ - قال: في نيسابور قبَّةٌ أنيقةٌ عني بإقامتها ونقشها العناية كلّها، فدخلتها و إذا هي مدفن محمّد المحروق من سلالة الحسين، وقد أسموه بالمحروق لأنَّه نزل ضيفاً على أحد سراة القرية ولَمّا أن خيم الليل اعتدى على بنت مضيفه فأحرقه الناس في مكانه هذا، ورغم جرمه هذا شيد قبره وقدَّسه الناس لأنَّه من سلالة طاهرةٍ ١٥٥.

ج - لا ينقطع الرَّجل يُريد الوقيعة على أهل البيت الطاهر فيختلق لهم قصصاً لا يوجد لها مصدرٌ ولو من أضعف المصادر، ويُلفِّق لهم تاريخاً من عند نفسه لا يعلمه إلّا شيطانه، فإنّ ذلك المدفن قد يُنسب إلى محمّد بن محمّد بن زيد بن عليّ الإمام زين العابدين عليه السلام ترجمه أبوالفرج في مقاتل الطالبيين وقال: بايعه أبو السرايا بالكوفة بعد موت محمّد بن إبراهيم بن إسماعيل طباطبا واستولى على العراقين وفرَّق فيهما عمّاله من بني هاشم إلى أن جهَّز الحسن بن سهل ذوالرَّياستين له جيشاً مع هرثمة بن أعين فأُسر وحُمل إلى خراسان إلى المأمون فحبسه أربعين يوماً في دار جعل له فيها فرشاً وخادماً فكان فيها على سبيل الإعتقال، دسّ إليه شربة سمٍّ فجعل يختلف كبده وحشوته حتّى مات.

لكنَّ الرجل لم يستسهل أن يمرَّ على هذا العلويِّ المظلوم ولا يخزه بشيء من وخزاته، فجاء يقذفه بعد قرون من شهادته بهذه الشائنة والبهتان العظيم، وسيعلم الذين ظلموا أيَّ منقلب ينقلبون.

٩ - قال: إنَّ الحسين تزوَّج (شهر بانو) بنت آخر الملوك الساسانيِّين، وبذلك ورث الحسين العظمة الإلهيَّة التي ورثها من قِبل الساسانيِّين ٢٠٨.

ج - حسين العظمة ورث ما ورثه من جدِّه النبيِّ الأعظم، وإن كان فارس خيرة

٣١٧

العجم والعائلة المالكة أشرف عائلات فارس، وقد إزدادت شرفاً ومنزلةً بمصاهرة بيت الرِّسالة، فإنَّ شرف النبوَّة تندكُّ عنده الفضايل كلّها.

وليت شعري ما الصِّلة بين مصاهرة الفرس والعظمة الإلهيَّة ومؤسِّسها نبيُّ العظمة، وقد ورثها منه آله العظماء، وملوك الفرس إن تمكَّنوا بشيء من المنزلة والمكانة فعن قهر وتغلّب من دون دخل لها في النفسيّات الراقية والمنازل الإلهيَّة والعظمة الروحيَّة القدسيَّة.

نعم: هذا شأن كلِّ جاهلٍ فإنَّه لما لم يعرف قدره، ويتعدّ طوره، هكذا يكثر لغبه، ويطول لسانه، ويُبتلي بفضول الكلام، وهو يخبط خبط عشواء.

هنا نختم البحث عن عورات الرَّجل غير أنَّها لا تنتهي، وإنّا نضنُّ بالورق واليراع بعد الوقت الثمين عن إتلافها بذكر سقطاته التي تندى منها جبهة الإنسانيَّة، راجع من كتابه ص ١٢٥، ١٣٠، ١٣٢، ١٣٤، ١٤١، ١٤٢، ١٥٠، ١٥٦، ١٥٧، ١٦٠، ١٦٢، ١٦٣، ١٦٦، ١٨٣، ٢٠٦، ٢١٠.

والرَّجل قد تعلَّم في بلاد فارس ألفاظاً من لغتهم فجاء يذكرها في كتابه مع ترجمة بعضها بالعربيَّة إثباتاً لثقافته غير أنَّ كلَّ ما تعلّمه كآرائه ومعتقداته غلطٌ بعد غلط و إليك نماذج منها مع ذكر صحيحها:

مدر:

امّ.

مادر

دِر:

باب.

دَر

باد:

ردئ.

بَد

جرم:

دافي

كرم

فاردا:

غداً.

فردا

بسيتون:

ألصواب.

بي ستون

دوك:

ألصواب.

دوغ

الانجور:

ألصواب.

انگور

جوهرشاه:

ألصواب.

گوهرشاد

الداشت:

ألصواب.

دشت

ناخير:

ألصواب.

نه خير

الجوشت:

ألصواب.

گوشت

الروغان:

ألصواب.

روغن

الملاه:

ألصواب.

ملاّ

المولاه:

ألصواب.

ملّا

صبركون:

ألصواب.

صبركون

ياخ:

ألصواب.

يخ

صمورا:

ألصواب.

سماور

آلي قاپو:

ألصواب.

عالي قاپور

البازار:

ألصواب.

بازار

٣١٨

شربت باشا

شربت الأطفال

شربت بچه

بردن

يحمل

بردَن بفتح الدال مصدر

كرافان سراي (في عدَّة مواضع) كاروان سراي

زنده رود

ص

زاينده رود

أنزبلي

ص

أنزلي

شارود

ص

شاهرود

سابزوار

ص

سبزوار

هيرات

ص

هرات

بوشهر

ص

أبوشهر

الفولجة

ص

الفلوجة

تشهل ستون

ص

چهل ستون

تشهل منار: أي ذات العماد. ص: چهل منار. اربعون منارة

شهل ستون

ص

چهل ستون

راحات

ص

راحت

حظرة عبدالعظيم (في غير موضع) حضرت عبد العظيم. انظر إلى ثقافته العربيَّة.

وهذه الجمل تُعطينا صورةً من تضلّعه بالعربيَّة بإكثاره لإدخال اللام في الألفاظ الفارسيَّة.

( مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللّهِ )

سورة الحديد: ٢٧

٣١٩

١٥

عقيدة الشيعة

تأليف المستشرق روايت م. رونلدسن

قد يحسب الباحث رمزاً من النزاهة في هذا الكتاب، وخلاءً من القذف والسباب المقذع، غير أنَّه مهما أمعن النظر فيه يراه معرباً عن جهل مؤلِّفه المطبق، وقصر باعه في آراء الشيعة ومعتقداتهم، وعدم عرفانه برجالهم وتراجمهم وتآليفهم؛ و يجده مع ذلك: ذلك الأفّاك الأثيم، ذلك الهمّاز المائن، يخبط خبط عشواء، أو كحاطب ليل لا يدري ما يجمع في حزمته، فجاء يكتب عن أُمَّة عظيمة كهذه ويبحث عن عقائدهم ويستند فيها كثيراً إلى كتب قومه المشحونة بالطامّات والآراء الساقطة والمخازي التافهة، والمشوَّهة بأساطيرهم المائنة، أو إلى تآليف أهل السنَّة المؤلَّفة بيد أُناس دجّالين محدَثين الذين كتبوا بأقلامهم المسمومة ما شاءت لهم أهوائهم وأغراضهم الإستعماريَّة. فكشف عن سوأته بمثل قوله في ص ٢٥:

يذكر Hl ghes في كتابه (قاموس الإسلام) ص ١٢٨ قضيّةً طريفةً عن عيد الغدير قال: وللشيعة عيدٌ في الثامن عشر من ذي الحجّة يصنعون به ثلاثة تماثيل من العجين يملئون بطونها بالعسل، وهي تمثِّل أبا بكر وعمر وعثمان ثمَّ يطعنونها بالمدى فيسيل العسل تمثيلاً لدم الخلفاء الغاصبين؛ ويُسمّى هذا العيد بعيد الغدير.

وبمثل قوله في ص ١٥٨: يذكر برتن Burton إنَّ الفرس تمكّنوا في بعض الأحيان أن يُنجِّسوا المكان الكائن قرب قبري أبي بكر وعمر بقذف النجاسة الملفوفة بقطعة من الشّال، يدلُّ ظاهرها على أنَّها هديّةٌ من الشبّاك.

وبمثل قوله في ص ١٦١: أمّا الشيعة الإثنى عشريَّة فيؤكّدون أنَّ الإمام جعفر الصّادق نصَّ على إمامة إبنه الأكبر إسماعيل بعده، غير أنَّ إسماعيل كان سكّيراً، فنقلت الإمامة إلى موسى، وهو الوليد الرابع من بين سبعة أولاد، وكان الخلاف الناجم عن

٣٢٠

وما ورد من الآيات الناهية عن الحكم بغير ما أنزل الله ووصف الحاكم بغير ما أنزل الله بالكفر والفسق والظلم(١) ومن المعلوم لزوم مكافحة الكفر والفسق والظلم وهو غير خفيّ على من له أدنى إلمام بالكتاب والسنّة.

كما أنّها مدفوعة بما صح عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله من الروايات الناهية عن التعاون مع الظالم وإعانته ومساعدته، منها ما ورد عن كعب بن عجرة عن النبيّ أنّه قال: « اسمعُوا سيكُونُ بعدي اُمراءُ فمن دخل عليهم فصدّقهُم بكذبهم وأعانهُم على ظُلمهم فليس منّي ولستُ منهُ وليس بوارد عليّ [ الحوض ] »(٢) .

وعن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « ألا ومن علّق سوطاً بين يدي سُلطان جعل الله ذلك السّوط يوم القيامة ثُعباناً من النّار طولُهُ سبعون ذراعاً يُسلّطهُ الله عليه في نار جهنّم وبئس المصير »(٣) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أيضاً أنّه قال: « إذا كان يوم القيامة نادى مناد أين أعوانُ الظلمة ومن لاق لهُم دواة، أو ربط لهُم كيساً، أو مدّ لهُم مدّة قلم، فاحشُرُوهُم معهُم »(٤) .

وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « من خفّ لسُلطان جائر في حاجة كان قرينهُ في النّار »(٥) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « ما اقترب عبد من سُلطان جائر إلّا تباعد من الله »(٦) .

وعن الإمام جعفر بن محمّد الصادقعليه‌السلام أنّه قال: « من أحبّ بقاء الظالمين فقد أحبّ أن يُعصي الله »(٧) .

__________________

(١) المائدة: ٤٤ و ٤٥ و ٤٧.

(٢) جامع الأصول ٤: ٧٥، نقلاً عن الترمذيّ والنسائيّ.

(٣) وسائل الشيعة ١٢: ١٣٠، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به حديث ١٠.

(٤) وسائل الشيعة ١٢: ١٣٠، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به، حديث ١١.

(٥) وسائل الشيعة ١٢: ١٣٠، الباب ٤٢ من أبواب ما يكتسب به، حديث ١٤.

(٦) وسائل الشيعة ١٢: ١٣٠ حديث ١٢.

(٧) وسائل الشيعة ١٢: ١٣٤، حديث ٥.

٣٢١

وعنهعليه‌السلام أنّه قال: « من سُوّد اسمهُ في ديوان الجبّارين حشرهُ الله يوم القيامة حيراناً »(١) .

وعنهعليه‌السلام أنّه قال: « من مشى إلى ظالم ليُعينهُ وهو يعلمُ أنّهُ ظالم فقد خرج عن الإسلام »(٢) .

وعن الإمام الصادق جعفر بن محمّدعليه‌السلام أنّه قال: « ما أحبُّ أنّي عقدت لهم عقدةً أو وكيت لهم وكاء وأنّ لي ما بين لابتيها لا ولا مدّة بقلم، إنّ أعوان الظلمة يوم القيامة في سرادق من نار حتّى يفرغ الله من الحساب »(٣) .

وغيرها من عشرات الأحاديث والروايات الواردة من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته المعصومين ممّا وردت في كتب الحديث، الناهية عن السكوت على الحاكم الجائر، والحاثّة على زجره ودفعه، والإنكار عليه بكل الوسائل الممكنة المتاحة ممّا يدلّ على أنّ الأحاديث التي تحثّ على السكوت عن الحاكم الظالم، والانصياع لحكمه والتسليم لظلمه والرضا بجوره ممّا أوعزت السلطات الحاكمة به في تلك العصور المظلمة، فلفّق البعض هذه الروايات والأحاديث ونسبوها إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وهو منها براء لمعارضتها الصريحة لمبادئ الكتاب والسّنة.

ولو لم يكن في المقام إلّا قول الإمام عليّعليه‌السلام في خطبته: « وما أخذ الله على العُلماء أن لا يُقارُّوا على كظّة ظالم ولا سغب مظلوم الخ »(٤) .

لكفى في وهن تلك الروايات المفتعلة على لسان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وبما أنّ هذا البحث واضح لكلّ مسلم يحمل بين جنبيه الحريّة ويفكّر في العدل الإسلاميّ طوينا البحث عن بعض ما ورد في هذا المجال.

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٢: ١٣٤ حديث ٦.

(٢) وسائل الشيعة ١٢: ١٣١ حديث ١٥.

(٣) وسائل الشيعة ١٢: ١٢٩ حديث ٦.

(٤) نهج البلاغة: الخطبة ٣.

٣٢٢

٣

السلطة القضائيّة

دور القضاء والسلطة القضائيّة :

يحتلّ القضاء، وفصل الخصومات بين الناس دوراً عظيماً، ومكانة حسّاسة في أي مجتمع بشريّ، لأنّ عليه وعلى كيفيّته تتوقّف سلامة المجتمع، واستتباب الأمن، واستقرار العدل، وصيانة الحقوق والحريّات، والحرمات وبالتالي يقوم التوازن الاجتماعيّ.

إنّ القضاء مرتبط بالعدالة، فإن صلح شاعت العدالة وانتعشت، وأمن الناس على أرواحهم وأموالهم وأعراضهم، وصلح أمر الدولة، والناس جميعاً. وإن فسد القضاء اختفت العدالة وباختفائها تعم الفوضى وينتشر الفساد، ولا يأمن الناس على أنفسهم، فتضيع هيبة الدولة، ويتقلّص سلطانها، إنذاراً لها بالنزوال والاندحار.

إنّ القضاء يلعب دوراً كبيراً في تبديل الاختلاف إلى الوئام، وفي تحويل التنازع والتصارع إلى التوافق والتقارب الذي يحتاج إليه كلّ مجتمع إنسانيّ ينشد السعادة والطمأنينة والأمن.

٣٢٣

عوامل التنازع وأسبابه :

لم يزل المجتمع البشريّ ـ منذ تكوّنه وانضمام فرد إلى فرد آخر ـ تلازم حياته التشاجر والاختلاف والتنازع بين أفراده، وقد شهد بذلك التاريخ، وبرهنت عليه الوقائع المحسوسة، ثمّ إنّ هذا الاختلاف لا ينشأ ـ غالباً ـ إلّا من أمرين :

١. الحرص الشديد على جلب الأموال والمنافع والحقوق، الذي يلازم البعد عن المعنويّات والمثل الإنسانيّة، فإنّ حرص كلّ واحد من أفراد النوع الإنسانيّ على أن يجلب المنافع العاجلة العابرة لنفسه ينسيه الجوانب المعنويّة والمثل النبيلة وذلك بدوره يجرّ إلى التعدّي على مصالح الآخرين وحقوقهم ومنافعهم حيث لا إيمان يردع عن ذلك، ولا مكارم أخلاق تحدّ من تلك النزعة الجامحة.

٢. الاختلاف في تشخيص الحقّ، فربّما يتنازع فردان لا للحرص الشديد بل للاختلاف في تشخيص ( الحقّ ) فكلّ واحد منهما يعتقد ـ اعتقاداً جازماً ـ بأنّ الحقّ هو ما يراه دون غيره.

وربّما يبلغ الطرفان المختلفان المتنازعان ـ مع ذلك ـ أقصى درجات التقوى وحسن النية والفضيلة، ولكن جهلهما بالحقّ دفعهما إلى ذلك الاختلاف والتنازع، ولا ريب أنّ بقاء الاختلاف في المجتمع يشكّل خطراً كبيراً على أمنه واستقراره وسلامته ؛ إذ قد يؤدي إلى العدوان، وتأجّج نيران البغضاء والضغينة بين المتخاصمين المختلفين، وربما اُريقت ـ في هذا السبيل ـ دماء كثيرة. واُهدرت أموال طائلة، وضاعت أغراض شريفة ليس إلّا لاُمور حقيرة لا تستأهل كل تلك التبعات والعواقب. ومن أجل ذلك حثّ القرآن الكريم على سدّ باب الاختلاف وقطع دابره من الجذور وحثّ المسلمين على الإصلاح بين المتنازعين إذ قال:( وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ ) ( الأنفال: ١ ).

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام نقلاً عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يقول :

٣٢٤

« صلاحُ ذات البين أفضلُ من عامّة الصّلاة والصّيام »(١) .

بيد أنّ حلّ الاختلاف يتصوّر بوجوه هي :

إمّا بإخضاع القضيّة لسلاح القوّة، ومنطق الغلبة الذي عبّر عنه المثل السائر بقوله: ( الحقُ لمن غلب ) فيكون الغالب هو المحقّ ولكن هذا ممّا لا يقبله ذو وجدان سليم ولا يرضاه عقل ولا دين.

أو بإخضاع القضيّة لعامل الدعاية والتبليغ الكاذب، وإرغام الطرف الآخر على القبول بما يخالفه انخداعاً وتضليلاً، وهو كذلك أمر يرفضه الدين.

أو يترك الأمر لعامل الزمن ليتجلّى الحقّ بمرور الأيام وتوالي الشهور ومضي السنين والأعوام وهو أمر لا تحتمله الحياة الاجتماعيّة التي تتطلّب الحلول العاجلة لمشكلاتها والمعالجة السريعة لآلامها

أو يترك الأمر حتّى يتعب المتنازعان فيكفّا عن المطالبة، أو يخلّي أحدهما الآخر، ليبطل الحقّ، ويعود باطلاً، ويعود الباطل حقّاً. وهو أمر يرفضه الإسلام كذلك إذ يقول الإمام عليّعليه‌السلام : « الحقُّ القديم لا يبطله شيء ».

ولقد اتّخذ الإسلام طريقاً خامساً، وهو الذي ندبت إليه الشرائع السماويّة السابقة وتقتضيه سنّة الحياة وضرورات المجتمع ألا وهو حثّ المتنازعين على الرجوع إلى أهل الصلاح والتحاكم إليهم، والخضوع لقضائهم وحكمهم ليرتفع التنازع ويعود المتخاصمون اخوة متحابّين، ويتخلّص المجتمع من أخطار الاختلاف والتنازع. ولأجل مثل هذا الدور كانت السلطة القضائيّة الركن الثالث والأساسيّ من أركان الحكومات قديماً وحديثاً، وكان لها من الأهميّة والمكانة ما ليس لغيرها من أركان الحكومة.

ولأجل ذلك أيضاً كان للقضاء والسلطة القضائية مكانة مرموقة في النظام

__________________

(١) نهج البلاغة: ـ قسم الكتب ـ ٤٧.

٣٢٥

الإسلاميّ لم يسبق لها مثيل في العهود والأنظمة السابقة واللاحقة ؛ حيث سنّ له ولها اُصولاً وقواعد واُسساً وبرامج فريدة في نوعها، وعظيمة في محتوياتها.

فلقد وضع القرآن الكريما اُسس القضاء وشيّد الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إركانه وبنيانه وبين خلفاؤه المعصومون تفاصيله، وجزئياته، وحدوده وأحكامه.

القضاء والحكومة لله خاصّة

ولمّا كان القضاء ملازماً للتصرّف في أموال الناس وأنفسهم وأعراضهم احتاج إلى ولاية حقيقيّة وحيث لم تكن الولاية الحقيقيّة إلّا لله تعالى خاصّة ؛ كان القضاء أحد الحقوق المختصة به سبحانه دون سواه، فلا ولاية لأحد على أحد في هذه الشؤون، ولهذا قال سبحانه:( إِنِ الحُكْمُ إلّا للهِ يَقُصُّ الحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ ) ( الأنعام: ٥٧ ).

وقال:( إِنِ الحُكْمُ إلّا للهِ ) ( يوسف: ٤٠ )(١) .

إلى غير ذلك من الآيات التي تحصر حقّ الحكومة ( الشاملة للقضاء وغيره ) بالله سبحانه وحده لانحصار الولاية الحقيقيّة فيه دون سواه.

وقد عهد الله سبحانه بممارسة هذا الحق إلى أنبيائه وأوصيائهم سواء أكانوا أوصياء بالاسم والشخص، أم بالرسم والوصف.

فالقضاة المنصوبون من ناحية النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أو أوصيائهم قضاة منصوبون بالاسم والشخص وأمّا الذين يتعاهدون القضاء ـ زمن عدم التمكّن من الأوصياء والأئمّة ـ قضاة منصوبون بالرسم والوصف. كما نرى ذلك من رواية مقبولة لعمر بن حنظلة حيث قال الصادق الإمام جعفر بن محمّدعليه‌السلام له: « من تحاكم إليهم(٢) في حقّ أو باطل فإنّما تحاكم إلى الطّاغُوت، وما يحكُمُ لهُ فإنّما يأخُذُ سُحتاً وإن كان حقّاً ثابتاً لهُ ،

__________________

(١) ولم نذكر الآية المشابهة (٦٧) في تلك السورة لأنّها ناظرة إلى معنى تكوينيّ.

(٢) المراد قضاة الجور.

٣٢٦

لأنّهُ أخذهُ بحُكم الطّاغُوت وما أمر الله أن يُكفر به. قال الله تعالى:( يُرِيدُونَ أَن يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَن يَكْفُرُوا بِهِ ) ( النساء: ٦٠ ) ».

ولـمـّا قال: فكيف يصنعان ؟ قالعليه‌السلام : « ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثناً ونظر في حلالنا وحرامنا وعرف أحكامنا فليرضوا به حكماً فإنّي قد جعلته عليكم حاكماً فإذا حكم بحكمنا فلم يقبل منه فإنّما استخفّ بحكم الله، وعلينا ردّ، والرادّ علينا كالرّادّ على الله وهو على حدّ الشّرك بالله الحديث »(١) .

وما ورد عن الإمام الصادقعليه‌السلام نفسه برواية أبي خديجة سالم بن مكرم الجمّال أنّه قال: « إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه »(٢) .

هذا وقد كان طبيعياً أن يحكم هؤلاء القضاة العدول ويقضوا ويفصلوا في الخصومات وفق منهج الله تعالى وتعاليمه وأحكامه في مجال القضاء، لا بما تهواه أنفسهم أو ما يشاؤه المتخاصمون المتحاكمون.

ولذلك أنزل الله الشرائع والكتب والرسالات على الأنبياء وأمرهم أن يحكموا بين الناس بما فيها من الحقّ والقسط فقال تعالى:( لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ) ( الحديد: ٢٥ ).

وقال سبحانه:( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا ) ( المائدة: ٤٤ ).

وقال تعالى ـ وهو يوصي داود نبيّه ـ أن يحكم بالحق:( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُم بَيْنَ النَّاسِ (٣) بِالحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الهَوَىٰ فَيُضِلَّكَ عَن سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: باب ١١ من أبواب صفات القاضي / الحديث (١).

(٢) وسائل الشيعة ١٨: باب ١ من أبواب صفات القاضي / الحديث (٥) ويقرب منه ما نقل عنه في الباب ١١ / الحديث (٦).

(٣) المراد من الحكومة أعمّ من الولاية والقضاء.

٣٢٧

يَضِلُّونَ عَن سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الحِسَابِ ) ( ص: ٢٦ ).

كما أمر الله تعالى المقتفين أثر المسيح أن يحكموا بما في الانجيل إذ قال:( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ( المائدة: ٤٧ ).

وبيّن سبحانه أثر الحكم بما في التوراة والانجيل وثمرته بقوله:( وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأَكَلُوا مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ) ( المائدة: ٦٦ ).

وقد أمر الله سبحانه نبيّه الأكرم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله بالقضاء بالقسط والعدل إذ قال:( وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِالْقِسْطِ إِنَّ اللهَ يُحِبُّ المُقْسِطِينَ ) ( المائدة: ٤٢ ).

وقال سبحانه:( وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) ( المائدة: ٤٨ ).

ولم يكتف سبحانه بذلك بل أمر الاُمّة الإسلاميّة ودعاها إلى أن تقضي بالحق والعدل والقسط إذ قال:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَىٰ أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا ) ( النساء: ٥٨ ).

وأمرها بأن لا يحملها شنآن قوم على التخلّي عن العدل، والتقاعس عن إجرائه إذ قال:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ للهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ إلّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) ( المائدة: ٨ ).

بل وأمر المسلمين باتّخاذ جانب العدل ليس في مجالات القضاء وحدها بل في كلّ مجالات الحياة، حتّى في النطق والكلام إذ قال:( وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ ) ( الانعام: ١٥٢ ).

وصفوة الكلام أنّ الآيات التي مرّت عليك تثبت ـ بجلاء ودون إبهام ـ أنّ

٣٢٨

القضاء حقّ خاصّ بالله سبحانه، وقد عهد به إلى الأنبياء، وأوصيائهم، ومن أقاموه لذلك المنصب، وجعل كتبه ورسالاته مناهج لهم، ليحكموا بما فيها، ويقضوا بين المتنازعين والمتخاصمين على ضوء تعاليمها وأحكامها.

النبيّ صلى‌الله‌عليه‌وآله يمارس القضاء

ولقد عهد الله بالقضاء إلى النبيّ محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله فيما عهد إليه، كما عرفت ذلك من خلال الآيات التي مرّت عليك آنفاً، وقد تولّىصلى‌الله‌عليه‌وآله بنفسه حلّ الخصومات والحكم بين الناس على ضوء ما أُنزل إليه من القرآن وأحكامه، بل وعيّن ـ في زمنه ـ رجالاً صالحين للقضاء وفصل الخصومات، قال الإمام عليّعليه‌السلام : « بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله إلى اليمن قاضياً، فقُلتُ يا رسول الله: تُرسلُني وأنا حديثُ السّنّ ولا علم لي بالقضاء ؟

فقال: إنّ الله سيهدي قلبك ويُثبتُ لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان، فلاتقضي حتّى تسمع من الآخر كما سمعت من الأوّل فإنّه أحرى أن يتبيّن لك القضاء.

قال: فما زلت قاضياً. ( أو ) ما شككت في قضاء بعد »(١) .

كما قد بعثصلى‌الله‌عليه‌وآله معاذاً إلى اليمن وقال له: « كيف تقضي إذا عرض لك قضاء ؟ »، قال: أقضي بكتاب الله الى آخر الحديث(٢) .

وبذلك نعلم أنّ ما كتبه بعض المتأخّرين من أنّه لم يعرف القضاء في العهد النبويّ ولا في عهد الخلفاء، بل هو شيء جديد أسّسه الأمويون في الشام، أمّا قبل ذلك فإنّ العرب كانت في خلافاتها ترجع إلى طريقة التحكيم(٣) ، فهو إمّا جهل بتاريخ الإسلام، أو افتراء واضح البطلان يقف عليه كلّ من له أقلّ إلمام بالكتاب والسنّة، وما

__________________

(١) جامع الاُصول ١: ٥٤٩، أخرجه أبو داود والترمذيّ.

(٢) جامع الاُصول ١٠: ٥٥١

(٣) النظام السياسيّ: ١٢٩، نقلاً عن كتاب عبقريّة الإسلام في اُصول الحكم.

٣٢٩

ورد فيهما من الآيات والأحاديث في مختلف أبواب القضاء بحيث يصعب لنا نقل فهرستها، فضلاً عن ذكر نصوصها(١) .

ثمّ إنّ نظرة واحدة إلى القرآن الكريم تفنّد هذا الزعم الباطل فلاحظ الآيات ٤٠ إلى ٦٠ من سورة المائدة فهي في معرض ذكر الأحكام المتعلّقة بالقضاء والفصل في الخصومات وأحكام القصص والحدود.

كيف يحقّق القضاء أهدافه ؟

إنّ أهمّ أمر في القضاء والسلطة القضائيّة هو أن تحقّق هذه السلطة غرضها وهدفها الأساسيّ في إشاعة العدل وإقامة القسط في المجتمع، بحيث يحسّ كلّ فرد من أفراد المجتمع بالأمن على نفسه وماله وعرضه في ظلّ ما توفّره السلطة القضائيّة له من عدالة شاملة لا يشوبها ظلم ولا عدوان ولا يتخلّلها حيف ولا تجاوز.

إنّ وصول السلطة القضائيّة إلى هذا الهدف الأساسيّ يتحقّق بأربعة اُمور :

١. صلاحيّة القاضي وأهليّته للقضاء.

٢. استقلاله الماليّ والسياسيّ.

٣. رعايته لآداب القضاء.

٤. أن تكون لديه برامج حقوقيّة وجزائيّة عادلة للقضاء وفقها، وهي بأجمعها متوفّرة في النظام الإسلاميّ وإليك تفصيل ذلك :

١. صلاحيّة القاضي وأهليّته للقضاء

إنّ أهمّ عامل يمكّن السلطة القضائيّة من أداء دورها الخطير في المجتمع هو

__________________

(١) وقد جمع أحمد بن حنبل في مسنده قضايا النبيّ ٥: ٣٢٦، ونقل جملة منها الجزريّ في كتابه جامع الاُصول ١٠: ٥٦٥.

٣٣٠

صلاحيّة القاضي، وتوفّر الشروط المؤهّلة للقضاء فيه.

ولقد اشترط الإسلام في القاضي شروطاً وأوصافاً لم يسبق لها مثيل في تاريخ القضاء وهذه الصفات هي :

١. البلوغ.

٢. العقل.

٣. الإيمان.

٤. العدالة.

٥. طهارة المولد.

٦. العلم بالقانون.

٧. الذكورة.

٨. أن يكون ظابطاً سليم الذاكرة فلو غلب عليه النسيان لم يجز نصبه للقضاء(١) .

ولقد شدّد الإسلام على خطورة منصب القضاء، وجسامة مسؤوليّة القاضي ومقامه فقد ورد عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « القضاة ثلاثة: واحد في الجنّة واثنان في النّار

فأمّا الذّي في الجنّة فرجل عرف الحقّ وقضى به.

ورجل عرف الحقّ فجار في الحكم فهو في النّار.

ورجل قضى للنّاس على جهله فهو في النّار »(٢) .

ورفع إلى أبي عبد الله الإمام الصادقعليه‌السلام قوله: « القضاة أربعة، ثلاثة في النّار وواحد في الجنّة :

رجل قضى بجور وهو يعلم فهو في النّار.

__________________

(١) راجع شرائع الإسلام للمحقّق الحليّ كتاب القضاء في الصفات.

(٢) جامع الاُصول ١٠: ٥٤٥ نقلاً عن أبي داود.

٣٣١

ورجل قضى بجور وهو لا يعلم فهو في النّار.

ورجل قضى بالحقّ وهو لا يعلم فهو في النّار.

ورجل قضى بالحقّ وهو يعلم فهو في الجنّة »(١) .

وقال الإمام عليّعليه‌السلام عن من يتصدّى لمقام القضاء وليس له أهل: « ورجل قمش جهلاً، موضع في جهال الاُمّة، غار في أغباش الفتنة، عمّ بما في عقد الهدنة، قد سمّاه أشباه النّاس عالماً وليس به، بكر فاستكثر من جمع ما قلّ منه خير ممّا كثر جلس بين النّاس قاضياً ضامناً لتخليص ما التبس على غيره فإن نزلت به إحدى المبهمات هيّأ لها حشواً رثّاً من رأيه ثمّ قطع به فهو من لبس الشُّبهات في مثل نسج العنكبوت لا يدري أصاب أم أخطأ »(٢) .

وقال الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام مشيراً إلى حراجة موقف القاضي، وصعوبة إجراء الحق والعدل الذي هو هدف القضاء الإساسيّ: « الحقُّ أوسع الأشياء في التّواصف وأضيقها في التناصف »(٣) .

إنّ القضاء ليس شيئاً بسيطاً عادياً بل هو أمر مهمّ حتّى في أبسط الأشياء فقد روي أنّ صبيّين تحاكما إلى الإمام الحسن بن عليّعليه‌السلام في خطّ كتباه وحكّماه في ذلك ليحكم أي الخطّين أجود فبصر به عليّعليه‌السلام فقال: « يا بنيّ انظر كيف تحكم فإنّ هذا حكم، والله سائلك عنه يوم القيامة »(٤) .

وقد وقع نظير هذه القضية للإمام عليّعليه‌السلام نفسه فقد روى الإمام أبو عبد الله الصادقعليه‌السلام أنّ أمير المؤمنينعليه‌السلام ألقى صبيان الكتاب ألواحهم بين يديه ليخيّر بينهم فقال: « أما إنّها حكومة والجور فيها كالجور في الحكم، أبلغوا معلّمكم إن ضربكم فوق ثلاث ضربات في الأدب اقتصّ منه »(٥) .

__________________

(١ و ٥) وسائل الشيعة ١٨: ١١ و ٥٨٢.

(٢ و ٣) نهج البلاغة: الخطبة ١٧، ٢١٦.

(٤) مجمع البيان٣: ٦٤ في تفسير قوله:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ ) .

٣٣٢

ولذلك قال النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « لسانُ القاضي بين جمرتين من نار حتّى يقضي بين الناس فإمّا إلى الجنّة وإمّا إلى النّار »(١) .

كما لذلك أيضاً اشترط الإمام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام على القاضي شُريح أن لا ينفذ قضاء حتّى يعرضه عليه قال الإمام الصادقعليه‌السلام : « لـمّا ولّى أمير المؤمنينعليه‌السلام شريحاً القضاء اشترط عليه أن لا يُنفذ القضاء حتّى يعرضهُ عليه »(٢) .

ومن هنا أكد الإمام عليّعليه‌السلام على الأشتر واليه على مصر، في عهده المعروف، أن يختار من يريدهم لمنصب القضاء، اختياراً دقيقاً بقوله: « ثمّ اختر للحكم بين الناس أفضل رعيّتك في نفسك ممّن لا تضيق به الاُمور، ولا تمحكه الخصوم ولا يتمادى في الزّلّة ولا يحصر من الفيء إلى الحقّ إذا عرفه، ولا تشرف نفسه على طمع، ولا يكتفي بأدنى فهم دون أقصاه، وأوقفهم في الشّبهات، وآخذهم بالحجج وأقلّهم تبرُّماً بمراجعة الخصم وأصبرهم على تكشّف الاُمور، وأصرمهم عند اتّضاح الحكم، ممّن لا يزدهيه إطراء، ولا يستميله إغراء، واُولئك قليل، ثمّ أكثر تعاهد قضائه »(٣) .

ولخطورة مقام القضاء لا يجوز إلّا للنبيّ أو وصيّه، كما قال الإمام عليّعليه‌السلام لشريح: « يا شريح قد جلست مجلساً لا يجلسه ( ما جلسه ) إلّا نبيّ أو وصيّ نبيّ، أو شقيّ »(٤) .

وورد عن الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام قوله: « اتّقوا الحُكومة ( أي القضاء ) إنّما هي للإمام العادل العالم بالقضاء العادل في المسلمين لنبيٍّ ( كنبيّ ) أو وصيّ(٥) نبيّ »(٦) .

* * *

٢. إستقلال القاضي الماليّ والسياسيّ

إنّ القاضي بما أنّه يتحمّل مسؤوليّة كبيرة وخطيرة لا مشابه لها بين أقرانها من

__________________

(١ و ٢ و ٤) وسائل الشيعة ١٨: ١١، ٦، ٧.

(٣) نهج البلاغة: قسم الكتب ٥٣.

(٥) المراد بالوصيّ هو الأعم من الوصيّ المنصوص عليه بالاسم فيشمل المنصوص عليه بالوصف، أي الذي جمع صفات القاضي المعتبرة في الإسلام.

(٦) وسائل الشيعة ١٨: ٧.

٣٣٣

المسؤوليّات والمناصب الاُخرى، يجب أن يكون مستقلاًّ في عمله غاية الاستقلال، لكي لا يخضع لما يميل به عن العمل بمسؤوليّته ويقتضي ذلك أن يكون مستقلاًّ في اقتصاده عن الآخرين كيلا يقع فريسة الأطماع، ولقد أدرك الإسلام هذه الناحية الحسّاسة فأمر الحكومة الإسلاميّة بالإغداق على القاضي إغداقاً يقطع طمعه عمّا في أيدي الآخرين، يقول الإمام عليّعليه‌السلام في عهده للأشتر النخعيّ في هذا الصدد: « وافسح لهُ ( أي للقاضي ) في البذل ما يزيل علّته، وتقلُّ معه حاجته إلى الناس »(١) .

ولكنّ هذا الاستقلال لا يكفي إذا لم ينضمّ إليه استقلال القاضي من أي تأثير خارجيّ سياسيّ عليه، ومن أيّة تدخّلات صادرة عن السلطات الاُخرى في عمله القضائي فإنّ القاضي يجب أن يُترك وشأنه حتّى يستجلّي الحقّ بنفسه دون مؤثرات خارجيّة ولا تدخلات في عمله ولذلك قال الإمام عليّعليه‌السلام في عهده للأشتر النخعيّ، في هذا الصدد: « واعطه من المنزلة لديك ملا يطمعُ فيه غيرهُ من خاصّتك ليأمن بذلك اغتيال الرجال لهُ عندك فانظر في ذلك نظراً بليغاً »(٢) .

والمقصود هو أن يكون للقاضي موضعاً غير متأثّر بأحد ليقضي بالحقّ، ويفصل في الخصومات، ويصدر الأحكام غير متهيّب ولا متأثّر وهذا هو ما يصطلح عليه السياسيّون اليوم باستقلال السلطة القضائيّة، وتفكيكها عن بقية السلطات.

ولقد نبّه إلى هذا فقهاؤنا العظام استلهاماً ممّا لديهم من تعاليم الشريعة المقدّسة في هذا المجال، قال المحقّق النائينيّ ( المتوفّى عام ١٣٥٥ ه‍ ) :

( إنّ ولاية الحاكم ترجع إلى قسمين: الأوّل الاُمور السياسيّة، التي ترجع إلى نظم البلاد وانتظام اُمور العباد، والثاني الإفتاء والقضاء، وكان هذان المنصبان في عصر النبيّ والأميرعليه‌السلام بل في عصر الخلفاء الثلاثة لطائفتين وفي كل بلد أو صقع كان الوالي غير القاضي فصنف كان منصوباً لخصوص القضاء والإفتاء وصنف كان منصوباً لإجراء الحدود ونظم البلاد والنظر في مصالح المسلمين، نعم اتّفق إعطاء كلتا الوظيفتين

__________________

(١) نهج البلاغة: قسم الكتب الرقم ٥٣.

(٢) نهج البلاغة: قسم الكتب الرقم ٥٣.

٣٣٤

لشخص واحد لأهليّته لهما إلّا أنّ الغالب اختلاف الوالي والقاضي )(١) .

ولقد أعطى الإمام عليّعليه‌السلام وهو إمام المسلمين على الإطلاق، والحاكم الأعلى للاُمّة الإسلاميّة مثلاً عمليّاً على هذا الاستقلال القضائيّ السياسيّ حيث مكّن القاضيّ ـ بفضل هذا السلوك الإسلاميّ ـ من محاكمة حاكم المسلمين وأحد رعاياه في محكمة واحدة وذلك في قضيّة اليهودي مع الإمام عليّعليه‌السلام :

فقد نقل المؤرّخون أنّهعليه‌السلام لـمّا وجد درعه عند يهودي من عامّة الناس فأقبل به إلى أحد القضاة وهو شريح ليخاصمه ويقاضيه، ولـمّا كان الرجلان أمام القاضي قال عليّ: « إنّها درعي ولم أبع ولم أهب ». فسأل القاضي الرجل اليهوديّ ما تقول ؟ فقال اليهوديّ: ما الدرع إلّا درعي، وما أمير المؤمنين عندي بكاذب وهنا التفت القاضي شريح إلى عليّ يسأله: هل من بيّنة تشهد أنّ هذه الدرع لك ؟ فضحك عليّ وقال « مالي بيّنة » فقضى شريح بالدرع لليهوديّ، فأخذها ومشى وأمير المؤمنين ينظر إليه ! إلّا أنّ الرجل لم يخط خطوات قلائل حتّى عاد يقول :

إمّا أنا فأشهد أنّ هذا أحكام أنبياء، أمير المؤمنين يدينني إلى قاض يقضي عليه ثمّ قال: الدرع والله درعك يا أمير المؤمنين وقد كنت كاذباً فيما ادّعيت(٢) .

* * *

٣. رعاية آداب القضاء وكيفيّته

إنّ الإسلام لم يكتف بالتشديد على أهميّة القضاء، واعتبار صفات معيّنة في القاضي، بل سنّ للعمل القضائيّ آداباً وسنناً أكّد على القاضي الأخذ بها في قضائه ليسلم من شوائب الظلم والحيف، ويكون أقرب إلى الإنصاف والحقّ والعدل، وقد لخّص فقهاؤنا هذه الآداب التي ذكرتها الأحاديث المتواترة، في كتبهم الفقهيّة نشير إليها.

__________________

(١) راجع منية الطالب ١: ٣٢٥.

(٢) بحار الأنوار ٤١: ٥٦، عليّ وحقوق الإنسان: ٨٧، ٨٨ لجورج جرداق مع اختلاف يسير.

٣٣٥

قال المحقّق في شرائع الإسلام كتاب القضاء :

في الآداب [ أي آداب القضاء ] وهي قسمان مستحبّة ومكروهة، فالمستحبّة :

١. أن يطلب من أهل ولايته من يسأله عمّا يحتاج إليه في اُمور بلده.

٢. أن يسكن عند وصوله في وسط البلد لترد الخصوم عليّه وروداً متساوياً.

٣. أن يجلس للقضاء في موضع بارز مثل رحبة أو فضاء ليسهل الوصول إليه.

٤. أن يحضر من أهل العلم من يشهد حكمه فإن أخطأ نهوه لأنّ المصيب عندنا واحد ويخاوضهم [ أي يطرح عليهم القضايا ويتبادل معهم الرأي ] فيما يستبهم من المسائل النظريّة لتقع الفتوى مقرّرة، ولو أخطأ فأتلف لم يضمن وكان على بيت المال.

٥. وإذا تعدّى أحد الغريمين سنن الشرع عرّفه خطأه بالرفق.

والآداب المكروهة :

١. أن يتخذ حاجباً وقت القضاء.

٢. أن يقضي وهو غضبان.

٣. وكذا يكره مع كلّ وصف يساوي الغضب في شغل النفس كالجوع والعطش والغمّ والفرح والوجع، ومدافعة الأخبثين، وغلبة النعاس

٤. أن يستعمل الانقباض [ والتقطيب في الوجه ] المانع من الإعلان عن الحجّة، وكذا يكره إظهار اللين الذي لا يؤمن معه من جرأة الخصوم.

ثمّ ذكر مسائل من شأنها حصول الدقة في العمل القضائيّ كقوله :

إذا أفتقر الحاكم إلى مترجم لم يقبل إلّا شاهدان عدلان ولا يقتنع بالواحد عملاً بالمتّفق عليه.

وإذا اتخذ القاضي كاتباً وجب أن يكون بالغاً عاقلاً مسلماً عدلاً بصيراً ليؤمن انخداعه، وإن كان فقيهاً كان حسناً.

٣٣٦

ويكره للحاكم أن يعنّت الشهود إذا كانوا من ذوي البصائر والأديان القويمة ؛ مثل أن يفرق بينهم لأنّ في ذلك غضّاً منهم، ويستحب ذلك في وضع الريبة.

ولا يجوز للحاكم أن يتعتع الشاهد وهو أن يداخله في التلفّظ بالشهادة أو يتعقّبه بل يكفّ عنه حتّى ينهي ما عنده.

ويكره أن يضيف القاضي أحد الخصمين دون صاحبه، لأنّ ذلك يكسب الخصم الضيف شيئاً من القوة.

ثمّ قال عن الرشوة: الرشوة حرام على آخذها، ويأثم الدافع إن توصّل بها إلى الحكم له بالباطل، ولو كان إلى حقّ لم يأثم ويجب على المرتشي إعادة الرشوة إلى صاحبها ولو تلفت قبل وصولها إليه ضمنها له.

ثمّ ذكر المحقّق الحليّ اُموراً في وظائف القاضي فقال: في وظائف القاضي وهي سبع :

الاُولى: التسوية بين الخصمين في السلام والجلوس والنظر والكلام والإنصات والعدل في الحكم.

الثانية: لا يجوز أن يلقّن أحد الخصمين ما فيه ضرر على خصمه.

الثالثة: يكره أن يواجه بالخطاب أحدهما لما يتضمّن من إيحاش الآخر.

الرابعة: إذا ترافع الخصمان وكان الحكم واضحاً لزمه القضاء، ويستحبّ ترغيبهما في الصلح، فإن أبيا حكم بينهما وإن أشكل أخّر الحكم حتّى يتّضح ولا حدّ للتأخير إلّا الوضوح.

الخامسة: إذا ورد الخصوم [ في المحكمة ] مترتّبين بدأ بالأوّل فالأوّل فإن وردوا جميعاً قيل يقرع بينهم.

السادسة: إذا قطع المدّعى عليه دعوى المدّعي بدعوى، لم تسمع حتّى يجيب عن الدعوى وينهي الحكومة ثمّ يستأنف هو.

٣٣٧

السابعة: إذا بدر أحد الخصمين بالدعوى فهو أولى.

وهناك اُمور ذكرها على صعيد عمل القاضي جديرة بالمطالعة نترك ذكرها رعاية للإختصار.

وما ذكره هذا المحقّق وغيره من الفقهاء في آداب القضاء ووظائف القاضي ؛ خلاصة نصوص صريحة وردت في هذه المجالات عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله وأهل بيته وقد اكتفينا بنقل ما ذكره الفقهاء في كتبهم تاركين نقل النصوص رعاية للإيجاز لكنّنا تيمّناً نذكر بعض هذه الأحاديث :

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من ابتُلي بالقضاء فلا يقضي وهو غضبان »(١) .

وقال أمير المؤمنين عليّعليه‌السلام لشريح: « لا تُشاور [ أو لا تسار ] أحداً في مجلسك، وإن غضبت فقم ولا تقضينّ وأنت غضبان »(٢) .

وقالعليه‌السلام : « من ابتلي بالقضاء فليواس بينهم في الإشارة وفي النّظر وفي المجلس »(٣) .

وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إذا تقاضى إليك رجلان فلا تقض للأوّل حتّى تسمع من الآخر فإنّك إذا فعلت ذلك تبيّن لك القضاء »(٤) .

وعن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّه قال: « الرشا في الحكم هو الكفر بالله »(٥) .

إلى غير ذلك من الأحاديث المتواترة على هذا الصعيد.

* * *

٤. وجود البرامج الحقوقيّة والجزائيّة الصالحة

إنّ الأمر الرابع الذي يمكّن السلطة القضائيّة من أداء دورها الحسّاس والخطير في المجتمع هو وجود البرامج الحقوقيّة والجزائيّة الصالحة للقضاء لكي يقضي القاضي

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: ١٥٦ ومثله في جامع الاُصول ١٠: ٥٤٩.

(٢ و ٣ و ٤ و ٥) الوسائل ١٨: أبواب آداب القضاء.

٣٣٨

وفقها.

وقد وفّر الإسلام هذه البرامج والقوانين العادلة الصالحة للقاضي وذلك بالتعاليم التي زخر بها الكتاب والسنّة وسيرة الأئمّة الطاهرين، ودوّنها الفقهاء في كتبهم الفقهيّة المفصّلة بدقّة وعناية وتفصيل. فإنّ القاضي يجد في هذه المصادر والبرامج أدقّ الحقوق والحدود وأعدلها، ولو أخذ العالم في مجال القضاء بهذه البرامج والحقوق والحدود لعمّت العدالة كلّ أرجاء الأرض، ولساد السلام والأمن ولاختفى الظلم والجور والشر.

ولقد أكّد الإسلام على القضاة أن يقضوا على ضوء الكتاب والسنّة، وحرّم عليهم القضاء وفق أهوائهم وآرائهم الخاصّة.

هذا كلّه بالنسبة إلى البرامج الكليّة في صعيد العمل القضائيّ.

وأمّا تمييز الحق عن الباطل والمحق عن المبطل والمظلوم عن الظالم ومن له الحقّ ومن عليه، فقد اعتمد الإسلام في تشخيصه وتمييزه على أوثق السبل وأكثر الوسائل اطمئناناً، وهو الاستشهاد بالبيّنات والأيمان فقال النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّما أقضي بينكُم بالبّينات والأيمان »(١) .

نعم إنّ الاعتماد على هذا الأصل في إثبات الحقّ لا يمنع عن الاعتماد على غيرهما ممّا يفيد للقاضي علماً عاديّاً، ولأجل ذلمك قال الفقهاء: ويجوز للقاضي العمل بعلمه.

قال صاحب شرائع الإسلام: « الإمامعليه‌السلام يقضي بعلمه مطلقاً، وغيره من القضاة يقضي بعلمه في حقوق الناس وفي حقوق الله سبحانه على قولين أصحّهما القضاء »(٢) .

الشهادة والشهود

ولقد اشترط الإسلام في الشهود شروطاً من شأنها أن تمنعهم من شهادة الزور

__________________

(١) وسائل الشيعة ١٨: أبواب كيفيّة الحكم، الإيمان جمع اليمين أي الحلف والقسم.

(٢) شرائع الإسلام في آداب القضاء.

٣٣٩

والإدلاء بما هو باطل وهذه هي الشروط :

١. البلوغ.

٢. كمال العقل.

٣. الإيمان.

٤. العدالة.

٥. إرتفاع التهمة فلا تقبل شهادة من يجرّ بشهادته نفعاً لنفسه.

وإليك نبذة عن الأحاديث في أهميّة وخطورة الشهادة وشروط الشاهد، فقد روي حول أهميّة الشهادة وخطورتها وعظيم مسؤوليّتها أحاديث تفوق الحصر وكلّها تشدّد على أمر الشهادة بالإجماع، ومن ذلك ما عن الرسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله إذ قال :

« من كتم شهادةً، أو شهد بها ليهدر بها دم امرئ مسلم أو ليزوي بها مال امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه ظلمة مدّ البصر، وفي وجهه كدوح تعرفه الخلائق باسمه ونسبه.

ومن شهد شهادةً حقّ ليحيي بها حقّ امرئ مسلم أتى يوم القيامة ولوجهه نور مدّ البصر تعرفه الخلائق باسمه ونسبه »(١) .

ثمّ قال أبو جعفر الباقرعليه‌السلام : « ألا ترى أنّ الله عزّ وجلّ يقولُ:( وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ للهِ ) »(٢) .

وما روي عن الإمام الصادقعليه‌السلام : « شاهد الزور لا تزولُ قدماهُ حتّى تجبُ لهُ النّارُ »(٣) .

وما روي عن النبيّ الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله : « من شهد شهادة زُور على أحد من النّاس عُلّق بلسانه مع المنافقين في الدّرك الأسفل من النّار، ومن حبس عن أخيه المسلم شيئاً من

__________________

(١ و ٢ و ٣) وسائل الشيعة ١٨: أبواب الشهادات.

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418