الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94950 / تحميل: 7074
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

بكل شيء ، لهذا فإن العبارة السابعة والأخيرة في هذا البحث تقول :( وَهُوَ أَعْلَمُ بِما يَفْعَلُونَ ) .

إذن فلا حاجة حتى للشهود ، لأنّ الله هو أعلم من كلّ أولئك الشهود ، ولكن لطفه وعدله يقتضيان إحضار الشهود ، نعم فهذا هو مشهد يوم القيامة ، فليستعد الجميع لذلك اليوم.

* * *

١٦١

الآيتان

( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢) )

التّفسير

الذين يدخلون جهنم زمرا :

تواصل الآيات هنا بحث المعاد ، وتستعرض بالتفصيل ثواب وجزاء المؤمنين والكافرين الذي استعرض بصورة مختصرة في الآيات السابقة. وتبدأ بأهل جهنم ، إذ تقول :( وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً ) .

فمن الذي يسوقهم إلى جهنم؟

كما هو معروف فإن ملائكة العذاب هي التي تسوقهم حتى أبواب جهنم ، ونظير هذه العبارة ورد في الآية (٢١) من سورة (ق) ، إذ تقول :( وَجاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَشَهِيدٌ ) .

١٦٢

عبارة «زمر» تعني الجماعة الصغيرة من الناس ، وتوضح أن الكافرين يساقون إلى جهنم على شكل مجموعات مجموعات صغيرة ومتفرقة.

و «سيق» من مادة (سوق) وتعني (الحث على أسير).

ثم تضيف( حَتَّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقاءَ يَوْمِكُمْ هذا ) (١) .

يتّضح بصورة جيدة من خلال هذه العبارة ، أن أبواب جهنم كانت مغلقة قبل سوق أولئك الكفرة ، وهي كأبواب السجون المغلقة التي تفتح أمام المتهمين الذين يراد سجنهم ، وهذا الحدث المفاجئ يوجد رعبا ووحشة كبيرة في قلوب الكافرين ، وقبل دخولهم يتلقاهم خزنة جهنم باللوم والتوبيخ ، الذين يقولون استهجانا وتوبيخا لهم : لم كفرتم وقد هيئت لكم كافة أسباب الهداية ، ألم يرسل إليكم أنبياء منكم يتلون آيات الله عليكم باستمرار ، ومعهم معجزات من خالقكم ، وإنذار وإعلام بالأخطار التي ستصيبكم إن كفرتم بالله(٢) ؟ فكيف وصل بكم الحال إلى هذه الدرجة رغم إرسال الأنبياء إليكم؟

حقّا إنّ كلام خزنة جهنم يعد من أشد أنواع العذاب على الكافرين الذين يواجهون بمثل هذا اللوم فور دخولهم جهنم.

على أية حال ، فإنّ الكافرين يجيبون خزنة جهنم بعبارة قصيرة ملؤها الحسرات ، قائلين :( قالُوا بَلى وَلكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ عَلَى الْكافِرِينَ ) .

مجموعة من المفسّرين الكبار اعتبروا( كَلِمَةُ الْعَذابِ ) إشارة إلى قوله تعالى حين هبط آدم على الأرض ، أو حينما قرر الشيطان إغواء بني آدم ، كما ورد في الآية (٣٩) من سورة البقرة( وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النَّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ) .

__________________

(١) «خزنة» جمع (خازن) من مادة (خزن) على وزن (جزم) وتعني حافظ الشيء ، و (خازن) تطلق على المحافظ والحارس.

(٢) «يتلون» و «ينذرون» : كليهما فعل مضارع ودليل على الاستمرارية.

١٦٣

وحينما قال الشيطان : لأغوينهم جميع إلّا عبادك المخلصين ، فأجابه البارئعزوجل ( لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ ) (١) .

وبهذا الشكل اعترفوا بأنّهم كذبوا الأنبياء وأنكروا آيات الله ، وبالطبع فإن مصيرهم لن يكون أفضل من هذا.

كما يوجد احتمال في أنّ المراد من( حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذابِ ) هو ما تعنيه الآية السابعة في سورة (يس)( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلى أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ ) .

وهو إشارة إلى أن الإنسان يصل أحيانا ـ بسبب كثرة ذنوبه وعدائه ولجاجته وتعصبه أمام الحق ـ إلى درجة يختم معها على قلبه ولا يبقى أمامه أيّ طريق للعودة ، وفي هذه الحالة يصبح مستحقا تماما للعذاب.

وعلى أيّة حال ، فإن مصدر كلّ هذه الأمور هو عمل الإنسان ذاته ، وليس من الصحيح الاستدلال على معنى الجبر وفقدان حرية الإرادة.

هذا النقاش القصير ينتهي مع اقترابهم من عتبة جهنم( قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ ) .

فأبواب جهنم ـ كما أشرنا إليها من قبل ـ يمكن أن تكون قد نظمت حسب أعمال الإنسان ، وإن كلّ مجموعة كافرة تدخل جهنم من الباب الذي يتناسب مع أعمالها ، وذلك مثل أبواب الجنّة التي يطلق على أحد أبوابها اسم «باب المجاهدين» وقد جاء في كلام لأمير المؤمنين «إنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة»(٢) .

والذي يلفت النظر هو أن ملائكة العذاب تؤّكد على مسألة التكبر من بين بقية الصفات الرذيلة التي تؤدي بالإنسان إلى السقوط في نار جهنم ، وذلك إشارة إلى أن التكبر والغرور وعدم الانصياع والاستسلام أمام الحق هو المصدر الرئيسي

__________________

(١) الم السجدة ، ١٣.

(٢) نهج البلاغة ، الخطبة (٢٧).

١٦٤

للكفر والانحراف وارتكاب الذنب.

نعم ، فالتكبر ستار سميك يغطي عيني الإنسان ويحول دون رؤيته للحقائق الساطعة المضيئة ، ولهذا نقرأ في رواية عن الإمامين المعصومين الباقر والصادقعليهما‌السلام «لا يدخل الجنّة من في قلبه مثقال ذرة من كبر»(١) .

* * *

__________________

(١) الكافي ، المجلد الثّاني ، باب الكبر الحديث. ٦.

١٦٥

الآيات

( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ (٧٣) وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ (٧٤) وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٧٥) )

التّفسير

المتقون يدخلون الجنّة أفواجا!!

هذه الآيات ـ التي هي آخر آيات سورة (الزمر) ـ تواصل بحثها حول موضوع المعاد ، حيث تتحدث عن كيفية دخول المؤمنين المتقين الجنّة ، بعد أن كانت الآيات السابقة قد استعرضت كيفية دخول الكافرين جهنم ، لتتوضح الأمور أكثر من خلال هذه المقارنة.

في البداية تقول :( وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً ) .

استعمال عبارة (سيق) (والتي هي من مادة (سوق) على وزن (شوق) وتعني الحث على السير). أثار التساؤل ، كما لفت أنظار الكثير من المفسّرين ، لأنّ هذا

١٦٦

التعبير يستخدم في موارد يكون تنفيذ العمل فيها من دون أي اشتياق ورغبة في تنفيذه ، ولذلك فإنّ هذه العبارة صحيحة بالنسبة لأهل جهنم ، ولكن لم استعملت بشأن أهل الجنّة الذين يتوجهون إلى الجنّة بتلهف واشتياق؟

قال البعض : إنّ هذه العبارة استعملت هنا لأنّ الكثير من أهل الجنّة ينتظرون أصدقاءهم.

والبعض الآخر قال : إنّ تلهف وشوق المتقين للقاء البارئعزوجل يجعلهم يتحينون الفرصة لذلك اللقاء بحيث لا يقبلون حتّى بالجنّة.

فيما قال البعض : إنّ هناك وسيلة تنقلهم بسرعة إلى الجنّة.

مع أنّ هذه التّفسيرات جيدة ولا يوجد أي تعارض فيما بينهما ، إلّا أنّ هناك نقطة اخرى يمكن أن تكون هي التّفسير الأصح لهذه العبارة ، وهي مهما كان حجم عشق المتقين للجنّة ، فإن الجنّة وملائكة الرحمة مشتاقة أكثر لوفود أولئك عليهم ، كما هو الحال بالنسبة إلى المستضيف المشتاق لضيف والمتلهف لوفوده عليه إذ أنّه لا يجلس لانتظاره وإنّما يذهب لجلبه بسرعة قبل أن يأتي هو بنفسه إلى بيت المستضيف ، فملائكة الرحمة هي كذلك مشتاقة لوفود أهل الجنّة.

والملاحظة أن (زمر) تعني هنا المجموعات الصغيرة ، وتبيّن أن أهل الجنّة يساقون إلى الجنّة على شكل مجموعات مجموعات كلّ حسب مقامه.

ثم تضيف الآية( حَتَّى إِذا جاؤُها وَفُتِحَتْ أَبْوابُها وَقالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) (١) .

الملفت للنظر أن القرآن الكريم يقول بشأن أهل جهنم : إنّهم حينما يصلون إلى قرب جهنم تفتح لهم الأبواب ، ويقول بشأن أهل الجنّة ، إن أبواب الجنّة مفتحة لهم

__________________

(١) ما هو جواب الجملة الشرطية (إذا جاؤها)؟ ذكر المفسّرون آراء متعددة ، أنسبها الذي يقول : إن عبارة (قال لهم خزنتها) جوابها والواو زائدة. كما احتملوا أن جواب الجملة محذوف ، والتقدير (سلام من الله عليكم) ، أو أن حذف الجواب إشارة إلى أن سعة الموضوع وعلوه لا يمكن وصفها ، والبعض قال : (فتمت) هي الجواب و (الواو) زائدة.

١٦٧

من قبل ، وهذه إشارة إلى الاحترام والتبجيل الذي يستقبلون به من قبل ملائكة الرحمة ، كالمستضيف المحب الذي يفتح أبواب بيته للضيوف قبل وصولهم ، ويقف عند الباب بانتظارهم.

وقد قرأنا في الآيات السابقة أن ملائكة العذاب يستقبلون أهل جهنم باللوم والتوبيخ الشديدين ، عند ما يقولون لهم : قد هيئت لكم أسباب الهداية ، فلم تركتموها وانتهيتم إلى هذا المصير المشؤوم؟

أمّا ملائكة الرحمة فإنّها تبادر أهل الجنّة بالسلام المرافق للاحترام والتبجيل ، ومن ثمّ تدعوهم إلى دخول الجنّة.

عبارة «طبتم» من مادة (طيب) على وزن (صيد) وتعني الطهارة ، ولأنّها جاءت بعد السلام والتحية ، فمن الأرجح القول بأن لها مفهوما إنشائيا ، وتعني : لتكونوا طاهرين مطهرين ونتمنى لكم السعادة والسرور.

وبعبارة اخرى : طابت لكم هذه النعم الطاهرة ، يا أصحاب القلوب الطاهرة.

ولكن الكثير من المفسّرين ذكروا لهذه الجملة معنى خبريا عند تفسيرها ، وقالوا : إنّ الملائكة تخاطبهم بأنّكم تطهرتم من كلّ لوث وخبث ، وقد طهرتم بإيمانكم وبعملكم الصالح قلوبكم وأرواحكم ، وتطهرتم من الذنوب والمعاصي ، ونقل البعض رواية تقول : إنّ هناك شجرة عند باب الجنّة ، تفيض من تحتها عينا ماء صافيتان ، يشرب المؤمنون من إحداهما فيتطهر باطنهم ، ويغتسلون بماء العين الأخرى فيتطهر ظاهرهم ، و، هنا يقول خزنة الجنّة لهم :( سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ ) (١) .

الملاحظ أن «الخلود» استخدم بشأن كلّ من أهل الجنّة وأهل النّار ، وذلك لكي لا يخشى أهل الجنّة من زوال النعم الإلهية ، ولكي يعلم أهل النّار بأنّه لا سبيل لهم للنجاة من النّار.

__________________

(١) تفسير القرطبي المجلد (٨) الصفحة. ٥٧٣.

١٦٨

الآية التّالية تتكون من أربع عبارات قصار غزيرة المعاني تنقل عن لسان أهل الجنّة السعادة والفرح اللذين غمراهم ، حيث تقول :( وَقالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ ) .

وتضيف في العبارة التالية( وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ ) .

المراد من الأرض هنا أرض الجنّة. واستخدام عبارة (الإرث) هنا ، إنّما جاء لكونهم حصلوا على كلّ هذه النعم في مقابل جهد قليل بذلوه ، إذ ـ كما هو معروف ـ فإنّ الميراث هو الشيء الذي يحصل عليه الإنسان من دون أي عناء مبذول.

أو أنّها تعني أن لكل إنسان مكان في الجنّة وآخر في جهنم ، فإن ارتكب عملا استحق به جهنم فإن مكانه في الجنّة سوف يمنح لغيره ، وإن عمل عملا صالحا استحق به الجنّة ، فيمنح مكانا في الجنّة ويترك مكانه في جهنم لغيره.

أو تعني أنّهم يتمتعون بكامل الحرية في الاستفادة من ذلك الإرث ، كالميراث الذي يحصل عليه الإنسان إذ يكون حرا في استخدامه.

هذه العبارة ـ في الواقع ـ تحقق عيني للوعد الإلهي الذي ورد في الآية (٦٣) من سورة مريم( تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا ) .

العبارة الثّالثة تكشف عن الحرية الكاملة التي تمنح لأهل الجنّة في الاستفادة من كافة ما هو موجود في الجنّة الواسعة ، إذ تقول :( نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ ) .

يستشف من الآيات القرآنية أن في الجنّة الكثير من البساتين والحدائق وقد أطلقت عليها في الآية (٧٢) من سورة التوبة عبارة( جَنَّاتِ عَدْنٍ ) وأهل الجنّة وفقا لدرجاتهم المعنوية يسكنون فيها ، وأن لهم كامل الحرية في التحرك في تلك الحدائق والبساتين في الجنّة.

أمّا العبارة الأخيرة فتقول :( فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ ) .

وهذه إشارة إلى أن هذه النعم الواسعة إنّما تعطى في مقابل العمل الصالح (المتولد من الايمان طبعا) ليكون صاحبه لائقا ومستحقا لنيل مثل هذه النعم.

١٦٩

وهنا يطرح هذه السؤال وهو : هل أنّ هذا القول صادر عن أهل الجنّة ، أم أنّه كلام الله جاء بعد كلام أهل الجنّة؟

المفسّرون وافقوا الرأيين ، ولكنّهم رجحوا المعنى الأوّل الذي يقول : إنّه كلام أهل الجنّة ويرتبط بالعبارات الأخرى في الآية.

وفي النهاية تخاطب الآية ـ مورد بحثنا وهي آخر آية من سورة الزمر ـ الرّسول الأكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قائلة :( وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ ) يسبحون الله ويقدّسونه ويحمدونه.

إذ تشير إلى وضع الملائكة الحافين حول عرش الله ، أو أنّها تعبر عن استعداد أولئك الملائكة لتنفيذ الأوامر الإلهية ، أو أنّها إشارة إلى خفايا قيمة تمنح في ذلك اليوم للخواص والمقرّبين من العرش الإلهي ، مع أنّه لا يوجد أي تعارض بين المعاني الثلاثة ، إلا أن المعنى الأوّل أنسب.

ولهذا تقول العبارة التالية( وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِ ) .

وباعتبار هذه الأمور هي دلائل على ربوبية البارئعزوجل واستحقاق ذاته المقدسة والمنزّهة لكل أشكال الحمد والثناء ، فإنّ الجملة الأخيرة تقول :( وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ) .

وهنا يطرح هذا السؤال : هل أن هذا الخطاب صادر عن الملائكة ، أم عن أهل الجنّة المتقين ، أم أنّه صادر عن الاثنين؟

المعنى الأخير أنسب من غيره ، لأنّ الحمد والثناء على الله هو منهاج كلّ أولي الألباب ، ومنهاج كلّ الخواص والمقربين ، واستعمال كلمة (قيل) وهي فعل مبني للمجهول يؤيد ذلك.

نهاية سورة الزّمر

* * *

١٧٠
١٧١

سورة

المؤمن

مكيّة

وعدد آياتها خمس وثمانون آية

١٧٢

«سورة المؤمن»

نظرة مختصرة في محتوى السورة :

سورة المؤمن هي طليعة الحواميم ، والحواميم في القرآن الكريم سبع سور متتالية يلي بعضها بعضا ، نزلت جميعا في مكّة ، وهي تبدأ بـ «حم».

هذه السورة كسائر السور المكّية ، تثير في محتواها قضايا العقيدة و، تتحدث عن أصول الدين الإسلامي ومبانيه وفي ذلك تلبي حاجة المسلمين في تلك المرحلة إلى تشييد وإقامة قواعد الدين الجديد.

ومحتوى هذه السورة يضم بين دفتيه الشدة واللطف ، ويجمع في نسيجه بين الإنذار والبشارة السورة ـ إذا ـ مواجهة منطقية حادّة مع الطواغيت والمستكبرين ، كما هي نداء لطف ورحمة ومحبة بالمؤمنين وأهل الحق.

وتمتاز هذه السورة أيضا بخصوصية تنفرد بها دون سور القرآن الأخرى ، إذ تتحدّث عن «مؤمن آل فرعون» وهو مقطع من قصة موسىعليه‌السلام ، وقصد مؤمن آل فرعون لم ترد في كتاب الله سوى في سورة «المؤمن».

إنّ قصة «مؤمن آل فرعون» هي قصة ذلك الرجل المؤمن المخلص الذي كان يتحلى بالذكاء والمعرفة في الوقت الذي هو من بطانة فرعون ، ومحسوب ـ ظاهرا ـ من حاشيته ـ لقد كان هذا الرجل مؤمنا بما جاء به موسىعليه‌السلام ، وقد احتل وهو يعمل في حاشية فرعون ـ موقعا حساسا مميزا في الدفاع عن موسىعليه‌السلام وعن دينه ، حتى أنّه ـ في الوقت الذي تعرضت فيه حياة موسىعليه‌السلام

١٧٣

للخطر ـ تحرّك من موقعه بسلوك فطن وذكي وحكيم لكي يخلّص موسى من الموت المحقق الذي كان قد أحاط به.

إنّ اختصاص السورة باسم «المؤمن» يعود إلى قصة هذا الرجل الذي تحدّثت عشرون آية منها عن جهاده ، أي ما يقارب ربع السورة.

يكشف الأفق العام أنّ حديث السورة عن «مؤمن آل فرعون» ينطوي على أبعاد تربوية لمجتمع المسلمين في مكّة ، فقد كان بعض المسلمين ممّن آمن بالإسلام يحافظ على علاقات طيبة مع بعض المشركين والمعاندين ، وفي نفس الوقت فإن إسلامه وانقياده لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليس عليهما غبار.

لقد كان الهدف من هذه العلاقة مع المشركين هو توظيفها في أيّام الخطر لحماية الرسالة الجديدة ودفع الضر عن أتباعها ، وفي هذا الإطار يذكر التاريخ أنّ أبا طالبعليه‌السلام عمّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان من جملة هؤلاء ، كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات الإسلامية المروية عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالبعليه‌السلام (١) .

وبشكل عام يمكن النظر إلى محتوى السورة في إطار ما تثيره النقاط والأقسام الآتية :

القسم الأوّل : وهو يضم طليعة آيات السورة التي تتحدث عن بعض من أسماء الله الحسنى ، خصوصا تلك التي ترتبط ببعث معاني الخوف والرجاء في القلوب ، مثل قوله تعالى:( غافِرِ الذَّنْبِ ) و( شَدِيدِ الْعِقابِ ) .

القسم الثّاني : تهديد الكفّار والطواغيت بعذاب هذه الدنيا الذي سبق وأن نال أقواما اخرى في ماضي التأريخ ، بالإضافة إلى التعرّض لعذاب الآخرة ، وتتناول بعض الصور والمشاهد التفصيلية فيه.

القسم الثّالث : بعد أن وقفت السورة على قصة موسى وفرعون ، بدأت بالحديث ـ بشكل واسع ـ عن قصة ذلك الرجل المؤمن الواعي الشجاع الذي

__________________

(١) الغدير ، المجلد الثامن ، ص ٣٨٨.

١٧٤

اصطلح عليه بـ «مؤمن آل فرعون» وكيف واجه البطانة الفرعونية وخلّص موسىعليه‌السلام من كيدها.

القسم الرّابع : تعود السورة مرّة اخرى للحديث عن مشاهد القيامة ، لتبعث في القلوب الغافلة الروح واليقظة.

القسم الخامس : تتعرض السورة المباركة فيه إلى قضيتي التوحيد والشرك ، بوصفهما دعامتين لوجود الإنسان وحياته ، وفي ذلك تتناول جانبا من دلائل التوحيد ، بالإضافة إلى ما تقف عليه من مناقشة لبعض شبهات المشركين.

القسم السّادس : تنتهي السورة ـ في محتويات القسم الأخير هذا ـ بدعوة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للتحمل والصبر ، ثمّ تختم بالتعرض إلى خلاصات سريعة ممّا تناولته مفصلا من قضايا ترتبط بالمبدأ والمعاد ، وكسب العبرة من هلاك الأقوام الماضية ، وما تعرضت له من أنواع العذاب الإلهي في هذه الدنيا ، ليكون ذلك تهديدا للمشركين. ثمّ تخلص السورة في خاتمتها إلى ذكر بعض النعم الإلهية.

لقد أشرنا فيما مضى إلى أنّ تسمية السورة بـ «المؤمن» يعود إلى اختصاص قسم منها بالحديث عن «مؤمن آل فرعون». أما تسميتها بـ «غافر» فيعود إلى كون هذه الكلمة هي بداية الآية الثّالثة من آيات السورة المباركة.

فضيلة تلاوة السورة :

في سلسلة الرّوايات الإسلامية المروية عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ، نرى كلاما واسعا من فضل تلاوة سور «الحواميم» وبالأخص سورة «غافر» منها.

ففي بعض هذه الأحاديث نقرأ عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله : «الحواميم تاج

١٧٥

القرآن»(١) .

وعن ابن عباس ممّا يحتمل نقله عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أو عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام قال : «لكل شيء لباب ولباب القرآن الحواميم»(٢) .

وفي حديث عن الإمام الصادق نقرأ قولهعليه‌السلام : «الحواميم ريحان القرآن ، فحمدوا الله واشكروه بحفظها وتلاوتها ، وإنّ العبد ليقوم يقرأ الحواميم فيخرج من فيه أطيب من المسك الأذفر والعنبر ، وإنّ الله ليرحم تاليها وقارئها ، ويرحم جيرانه وأصدقاءه ومعارفه وكلّ حميم أو قريب له ، وإنّه في القيامة يستغفر له العرش والكرسي وملائكة الله المقربون»(٣) .

وفي حديث آخر عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحواميم سبع ، وأبواب جهنّم سبع ، تجيء كلّ «حاميم» منها فتقف على باب من هذه الأبواب تقول : الّلهم لا تدخل من هذا الباب من كان يؤمن بي ويقرأني»(٤) .

وفي قسم من حديث مروي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من قرأ «حاميم المؤمن» لم يبق روح نبيّ ولا صديق ولا مؤمن إلّا صلّوا عليه واستغفروا له»(٥) .

ومن الواضح أنّ هذه الفضائل الجزيلة ترتبط بالمحتوى الثمين للحواميم ، هذا المحتوى الذي إذا واظب الإنسان على تطبيقه في حياته والعمل به ، والالتزام بما يستلزمه من مواقف وسلوك ، فإنّه سيكون مستحقا للثواب العظيم والفضائل الكريمة التي قرأناها.

وإذا كانت الرّوايات تتحدث عن فضل التلاوة ، فإنّ التلاوة المعنية هي التي

__________________

(١) هذه الأحاديث في مجمع البيان في بداية تفسير سورة المؤمن.

(٢) المصدر السابق

(٣) مجمع البيان أثناء تفسير السورة

(٤) البيهقي طبقا لما نقله عنه الآلوسي في روح المعاني ، المجلد ٢٤ ، صفحة ٣٦.

(٥) مجمع البيان في مقدمة تفسير السورة.

١٧٦

تكون مقدمة للاعتقاد الصحيح ، فيما يكون الإعتقاد الصحيح مقدمة للعمل الصحيح. إذا التلاوة المعنية هي تلاوة الإيمان والعمل ، وقد رأينا في واحد من الأحاديث ـ الآنفة الذكر – المنقولة عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تعبير «من كان يؤمن بي ويقرأني».

* * *

١٧٧

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( حم (١) تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (٢) غافِرِ الذَّنْبِ وَقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقابِ ذِي الطَّوْلِ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ (٣) )

التّفسير

صفات تبعث الأمل في النفوس :

تواجهنا في مطلع السورة الحروف المقطعة وهي هنا من نوع جديد لم نعهده في السور السابقة ، حيث افتتحت السورة بـ «جاء» و «ميم».

وبالنسبة للحروف المقطعة في مطلع السور كانت لنا بحوث كثيرة في معانيها ودلالاتها ، تعرضنا إليها أثناء الحديث عن بداية سورة «البقرة» ، وسورة «آل عمران» و «الأعراف» وسور اخرى.

الشيء الذي تضيفه هنا ، هو أنّ الحروف التي تبدأ به سورة المؤمن التي نحن الآن بصددها ، تشير ـ كما يستفاد ذلك من بعض الرّوايات ومن آراء المفسّرين ـ إلى أسماء الله التي تبدأ بحروف هذه السورة ، أي «حميد» و «مجيد» كما ورد ذلك

١٧٨

عن الامام الصادقعليه‌السلام (١) .

البعض الآخر ذهب إلى أنّ «ح» إشارة إلى أسمائه تعالى مثل «حميد» و «حليم» و «حنان» ، بينما «م» إشارة إلى «ملك» و «مالك» و «مجيد».

وهناك احتمال في أن حرف «الحاء» يشير إلى الحاكمية ، فيما يشير حرف «الميم» إلى المالكية الإلهية.

عن ابن عباس ، نقل القرطبي «في تفسيره» أن «حم» من أسماء الله العظمى(٢) .

ويتّضح في نهاية الفقرة أنّ ليس ثمّة من تناقض بين الآراء والتفاسير الآنفة الذكر ، بل هي تعمد جميعا إلى تفسير الحروف المقطعة بمعنى واحد.

في الآية الثّانية ـ كما جرى على ذلك الأسلوب القرآني ـ حديث عن عظمة القرآن ، وإشارة إلى أنّ هذا القرآن بكل ما ينطوي عليه من عظمة وإعجاز وتحدّ ، إنّما يتشكّل في مادته الخام من حروف الألف باء وهنا يمكن معنى الإعجاز.

يقول تعالى :( تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) .

إنّ قدرته تعالى تعجز الأشياء الأخرى عن الوقوف إزاءه ، فقدرته ماضية في كل شيء ، وعزته مبسوطة ، أمّا علمه تعالى فهو في أعلى درجات الكمال ، بحيث يستوعب كلّ احتياجات الإنسان ويدفعه نحو التكامل.

والآية التي بعدها تعدّد خمسا من صفاته تعالى ، يبعث بعضها الأمل والرجاء ، بينما يبعث البعض الآخر منها على الخوف والحذر.

ويقول تعالى :( غافِرِ الذَّنْبِ ) .

( قابِلِ التَّوْبِ ) (٣) .

__________________

(١) يلاحظ «معاني الأخبار» للشيخ الصدوق ، صفحة ٢٢ ، باب معنى الحروف المقطعة في أوائل السور.

(٢) تفسير القرطبي أثناء تفسير الآية.

(٣) «توب» يمكن أن تكون جمع «توبة» وأن تكون مصدرا (يلاحظ مجمع البيان).

١٧٩

( شَدِيدِ الْعِقابِ ) .

( ذِي الطَّوْلِ ) (١) .

( لا إِلهَ إِلَّا هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) .

أجل إنّ من له هذه الصفات هو المستحق للعبادة وهو الذي يملك الجزاء في العقاب والثواب.

* * *

ملاحظات

تنطوي الآيات الثلاث الآنفة الذكر على مجموعة من الملاحظات ، نقف عليها من خلال النقاط الآتية :

أولا : في الآيات أعلاه (آية ٢ و ٣) بعد ذكر الله وقبل ذكر المعاد( إِلَيْهِ الْمَصِيرُ ) اشتملت الآيتان على ذكر سبع صفات للذات الإلهية ، بعضها من «صفات الذات» والبعض الآخر منها من «صفات الفعل» التي انطوت على إشارات للتوحيد والقدرة والرحمة والغضب ، ثمّ ذكرت «عزيز» و «عليم» وجعلتهما بمثابة القاعدة التي نزل الكتاب الإلهي (القرآن) على أساسهما.

أمّا صفات «غافر الذنب» و «قابل التوب» و «شديد العقاب» و «ذي الطول» فهي بمثابة المقدمات اللازمة لتربية النفوس وتطويعها لعبادة الواحدة الأحد.

ثانيا : ابتدأت الصفات الآنفة الذكر بصفة «غافر الذنب» أوّلا و «ذي الطول» أخيرا ، أي صاحب النعمة والفضل كصفة أخيرة. وفي موقع وسط جاءت صفة «شديد العقاب» وهكذا ذكرت الآية الغضب الإلهي بين رحمتين. ثمّ إنّنا نلاحظ أنّ

__________________

(١) «طول» على وزن «قول» بمعنى النعمة والفضل ، وبمعنى القدرة والقوة والمكنة وما يشبه ذلك. بعض المفسّرين يقول : إنّ «ذي الطول» هو الذي يبذل النعم الطويلة والجزيلة للآخرين ، ولذلك فإن معناها أخص من معنى «المنعم» كما يقول صاحب مجمع البيان.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ذلك سبباً في حدوث إنقسامٍ كبير بين الشيعة كما أشار إلى ذلك إبن خلدون.

وبمثل قوله في ص ١٢٨: إدَّعى عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن الحسين(١) الإمامة، ويُروى أن وفداً مؤلَّفا من إثنين وسبعين رجلاً جاء إلى المدينة من خراسان، ومعهم أموال يحملونها إلى الإمام وهم لا يعرفونه، فذهبوا إلى عبد الله أوَّلاً فأخرج لهم درع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وخاتمه وعصاه وعمامته، فلمّا خرجوا من عنده على أن يرجعوا غداً لقيهم رجلٌ من أتباع محمّد الباقر فخاطبهم بأسمائهم ودعاهم إلى دار سيِّده فلمّا حضروا كلّهم طلب الإمام محمّد الباقر من إبنه جعفر أن يأتيه بخاتمه فأخذه بيده وحرَّكه قليلاً وتكلّم بكلمات فإذا بدرع الرَّسول وعمامته وعصاه تسقط من الخاتم، فلبس الدرع ووضع العمامة على رأسه وأخذ العصا بيده فاندهش النّاس، فلمّا رأوها نزع العمامة والدرع وحرَّك شفتيه فعادت كلّها إلى الخاتم، ثمَّ التفت إلى زوّاره وأخبرهم أنّه لا إمام إلّا وعنده مال قارون فاعترفوا بحقِّه في الإمامة ودفعوا له الأموال. وقال في تعليقه: اُنظر دائرة المعارف(٢) الإسلاميَّة. مادة قارون.

سبحانك اللّهمَّ ما كنّا نحسب أنَّ رجلاً يسعه أن يكتب عن أُمَّة كبيرة ويأخذ معتقداتها عمَّن يُضادُّها في المبدء، ويتقوَّل عليها بمثل هذه التّرهات من دون أيِّ مصدر، وينسب إليها بمثل هذه المخازي من دون أيِّ مبرِّر، فما عساني أن أكتب عن مؤلِّف حائر بائر ساح بلاد الشيعة، وجاس خلال ديارهم، وحضر في حواضرهم وعاش بينهم (كما يقول في مقدِّمة كتابه) ستّ عشر سنة، ولم ير منهم في طيلة هذه المدَّة أثراً ممّا تقوَّل عليهم، ولم يسمع منه ركزاً، ولم يقرأه في تآليف أيِّ شيعيٍّ ولو لم يكن فيهم وسيطاً(٣) . ولم يجد في طامور قصّاص، فجاء يفصم عرى الأُخوَّة الإسلاميَّة، ويُفرِّق صفوف أهل القرآن، بما لفَّقته يد الإفك والزور من شاكلته،

_____________________

١ - ليته دلنا على مدعي الإمامة هذا من ولد الحسين من هو؟ ومتى ولد؟ وأين ولد؟ وأين عاش؟ وأين مات؟ وأين دفن؟ ومتى كان دعواه؟ لم يكن ممّن عاصر الإمام الباقر من ولد جدّه الحسين غير أخيه عبد الله بن علي بن الحسين، وكان فقيهاً فاضلاً مخبتاً إلى إمامة أخيه الباقر فالقضية بهذا الإسم سالبة بانتفاء الموضوع، وفيها ما ينافي أصول الشيعة وقد خفى على الواضع.

٢ - هذا الكتاب فيه من البهرجة والباطل شيء هائل يحتاج جدّاً إلى نظارة التنقيب.

٣ - وسيط القوم: أرفعهم مقاماً وأشرفهم نسباً. ومن هنا يقال: الحكمة الوسطى.

٣٢١

ويبهت أرقى الأُمم بما هم بُعداء منه، ويعزو إليهم بما يُكذِّبه به أدب الشيعة وتُحرِّمه مبادئهم الصحيحة، ويقذفهم بما وضعته يد الإحن والشحنا من أمثال هذه الأفائك الشائنة، فكأنَّ في أُذنيه وقراً لم تسمع ذكراً ممّا ألَّفه أعلام الشيعة قديماً وحديثاً في أُصول عقائدهم، وكأنَّ في بصره غشاوة لم ير شيئاً من تلك التآليف التي ملأت مكتبات الدنيا. نعم: إنَّ( الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) .فأتعس الله حظَّ مؤلِّف هذا شأنه، وجَدع أنفه ويُريه وبال أمره في الدنيا قبل عذاب الآخرة.

والخطب الفظيع إنَّ هذا الكيذبان [وليد عالم التمدُّن] مهما ينقل عن تأليف شيعيٍّ تجده تارةً يمين في نقله كقوله في ترجمة الكليني ص ٢٨٤: يقال إنَّ قبره فتح فوُجد في ثيابه وعلى هيئته لم يتغيَّر وإلى جانبه طفلٌ كان قد دفن معه فبني على قبره مُصلّى. ويذكر في التعليق أنَّه كذلك ص ٢٠٧ فهرست الطوسي رقم ٧٠٩. ولم يوجد في فهرست الطوسي من هذه القيلة أثرٌ.

وتارةً تراه يحرِّف الكلم عن مواضعها ويشوِّه صورتها كما فعل فيما ذكره من زيارة مولانا أميرالمؤمنين ص ٨٠ ناقلاً عن الكافي للكليني ج ٢(١) ص ٣٢١ فإنَّه أدخل فيها من عند نفسه ألفاظاً لم توجد قطُّ فيها لا فيه ولا في غيره من كتب الشيعة.

أضف إلى هذه فظيعة جهله برجال الشيعة وتاريخهم قال في ترجمة الصحابيِّ الشيعيِّ العظيم سلمان الفارسيّ: يزور كثيرٌ من الشيعة قبره عند عودتهم من كربلاء وهو في قرية اسبندور من المدائن ويقول بعضهم(٢) : إنّه دُفن في جوار إصفهان. وقال ص ٢٦٨: والمقداد الذي تُوفّي في مصر ودفن بالمدينة. وحذيفة بن اليمان الذي قُتل مع أبيه وأخيه في غزوة أُحد ودُفن في المدينة. وقال ص ٢٦٨: إنَّ الكليني مات في بغداد ودفن بالكوفة(٣) وأكثر النقل عن تبصرة العوام للسيِّد المرتضى الرازي أحد أعلام القرن السابع ونسبه في ذلك كلِّه إلى السيِّد الشريف علم الهدى المرتضى مؤرِّخا وفاته ٤٣٦.

_____________________

١ - والصحيح: ج ١.

٢ - ليته دلتا على ذلك البعض.

٣ - خفى عليه أنه (باب الكوفة) وهو من محلات بغداد.

٣٢٢

ولعلَّنا نبسط القول حول ما في طيِّه من أباطيل ومخاريق بتأليف مفرد ونبرهن فساد ما هنالك في ص ٢٠، ٢١، ٢٤، ٣٤، ٣٦، ٤٣، ٤٧، ٥٩، ٦٠، ٦٣، ٧٢، ٧٧، ٨٠، ٨٣، ٩١، ٩٢، ١٠٠، ١٠١، ١١٠، ١١١، ١١٤، ١١٥، ١٢٢، ١٢٦، ١٢٨، ١٥١، ١٥٨، ١٦١، ١٧٠، ١٧٤، ١٨٥، ١٩٢، ٢٠٨، ٢١١، ٢٣٥، ٢٥٣، ٢٦٨، ٢٨٠، ٢٨٢، ٢٨٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٠٤، ٣٢٠، ٣٢٩، وغيرها.

ولا يفوت المترجم عرفاننا بأنَّ يده الأمينة على ودايع العلم لعبت بهذا الكتاب وإنَّه زاد شوهاً في شوهه، وبذل كلّه في تحريفه، وأخنى عليه ورمَّجه، وقلَّب له ظهر المجن، وأدخل فيه ما حبَّذته نفسيَّته الضئيلة، فتعساً لمترجم راقه ما في الكتاب من التحامل على الشيعة والوقيعة فيهم، فجاء يحمل أثقال أوزار الغرب وينشرها في الملأ ولم يُهمّه التحفّظ على ناموس الإسلام، وعصمة الشرق، وكيان العرب ودينه.

( وَلَيَحْمِلُنّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )

سورة العنكبوت: ١٣

٣٢٣

١٦

الوشيعة

في نقد عقائد الشيعة

تأليف موسى جار الله

كنت أودُّ أن لا أحدث لهذا الكتاب ذكرا، وأن لا يسمع أحد منه ركزا، فإنَّه في الفضائح أكثر منه في عداد المؤلَّفات، لكن طبع الكتاب وانتشاره حداني إلى أن أوقف المجتمع على مقدار الرَّجل، وعلى أُنموذج ممّا سوَّد به صحائفه، وكلُّ صحيفةٍ منه عارٌ على الأُمّة وعلى قومه أشدُّ شنارا.

لست أدري ما أكتب عن كتاب رجل نبذ كتاب الله وسنَّة نبيِّه وراءه ظهريّا، فجاء يحكم وينقد، ويتحكّم ويُفنِّد، وينبر وينبز، ويبعث بكتاب الله ويفسِّره برأيه الضئيل؛ وعقليَّته السقيمة كيف شاء وأراد، فكأنّ القرآن قد نزل اليوم ولم يسبقه إلى معرفته أحدٌ، ولم يأت في آية قولٌ، ولم يُدوَّن في تفسيره كتابٌ، ولم يرد في بيانه حديثٌ، وكأنَّ الرجل قد أتى بشرعٍ جديد، ورأي حديث، ودين مخترعٍ، ومذهبٍ مبتدعٍ، لا يُساعده أيُّ مبدء من مبادئ الإسلام، ولا شيءٌ من الكتاب أو السنَّة.

ما قيمة مغفَّل وكتابه وهو يرى الأُمَّة شريكةً لنبيِّها في كلِّ ما كان له، وفي كلِّ فضيلة وكمال تستوجبها الرِّسالة، وشريكة لنبيِّها في أخصّ خصايص النبوَّة، ويرى رسالة الأُمَّة متَّصلةً بسورة رسالة النبيِّ من غير فصل، ويستدلُّ على رسالة الأُمَّة بقوله تعالى( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) (١) . وبقوله:( مُحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (٢)

_____________________

١ - سورة التوبة آية ١٢٨.

٢ - سورة الفتح آية ٢٩.

٣٢٤

والكلام معه في هذه الأساطير كلّها يستدعي فراغاً أوسع من هذا، ولعلّه يُتاح لنا في المستقبل الكشّاف إنشاء الله تعالى، وقد أغرق نزعاً في تفنيد أباطيله العلّامة المبرور الشيخ مهدي الحجّار النجفي نزيل المعقل(١) .

ولو لم يكن للرَّجل في طيِّ كتابه إلّا أساطيره الراجعة إلى الأُمَّة لكفاه جهلاً وسوءة وإليك نماذج منها قال:

١ - الأُمَّة معصومةٌ عصمة نبيِّها. معصومةٌ في تحمّلها وحفظها. وفي تبليغها وأدائها. حفظت كلَّ ما بلّغه النبيُّ مئل حفظ النبيِّ. وبلّغت كلَّ ما بلّغه النبيُّ مثل تبليغ النبيِّ. حفظت كلّيات الدين وجزئيّات الدين أصلاً وفرعاً. وبلّغت كلّيات الدين وجزئيّات الدين أصلاً وفرعاً.

لم يضع من أُصول الدين ومن فروع الدين شييءٌ. ١ - حفظه الله ٢ - حفظه نبيّه محمَّد ، ٣-حفظته الأُمَّة: كافَّة عن كافَّة، عصراً بعد عصر، ولا يمكن أن يوجد شيئٌ من الدين غفل عنه أو نسيه الأُمّة.

فالأُمّة بالقرآن والسنّة أعلم من جميع الأئمّة، وأقرب من إهتداء الأئمّة، وعلم الأُمَّة بالقرآن وسنن النبيِّ اليوم أكثر وأكمل من علم عليٍّ ومن علوم كلِّ أولاد عليٍّ.

ومن عظيم فضل الله على نبيِّه، ثمَّ من عموم وعميم فضل الله على الأُمّة أن جعل في الأُمّة من أبناء الأُمّة كثيراً هم أعلم بكثير من الأئمّة ومن صحابة النبيِّ صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم. لز.

وكلُّ حادثة إذا وقعت فالأُمَّة لا تخلو من حكم حقٍّ وصواب وجواب يُريه الله الواحدَ من الأُمَّة الّتي ورثت نبيَّها وصارت رشيدةً ببركة الرِّسالة وختمها أرشد إلى الهداية وإلى الحق من كلِّ إمام، والأُمَّة مثل نبيِّها معصومةٌ ببركة الرِّسالة و كتابها، ومعصومةٌ بعقلها العاصم.

الأُمَّة بلغت وصارت رشيدةً لا تحتاج إلى الإمام، رشدها وعقلها يُغنيها عن كلِّ إمام. لح.

أنا لا أنكر على الشيعة عقيدتها أنَّ الأئمَّة معصومةٌ، وإنَّما أنكر عليها عقيدتها

_____________________

١ - أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر يأتي هناك شعره وترجمته.

٣٢٥

أنّ أُمَّة محمَّد لم تزل قاصرةً ولن تزال قاصرةً، تحتاج إلى وصاية إمام معصوم إلى يوم القيامة، والأُمَّة أقرب إلى العصمة والإهتداء من كلِّ إمام معصوم، وأهدى إلى الصواب والحقِّ من كلّ إمام معصوم، لأنَّ عصمة الإمام دعوى، أمّا عصمة الأُمَّة فبداهة وضرورة بشهادة القرآن. لط.

ليس يُمكن في العالم نازلة حادثة ليس لها جوابٌ عند الأُمَّة: وعقلنا لا يتصوَّر إحتياج الأُمَّة إلى إمام معصومٍ، وقد بلغت رشدها، ولها عقلها العاصم، وعندها كتابها المعصوم، وقد حازت بالعصوبة كلَّ مواريث نبيِّها، وفازت بكلِّ ما كان للنبيِّ بالنبوَّة.

الأُمَّة بعقلها وكمالها ورشدها بعد ختم النبوَّة أكرم وأعزّ وأرفع من أن تكون تحت وصاية وصيٍّ تبقى قاصرةً إلى الأبد. ما

ج - هذه سلسلة أوهام، وحلقة خرافات تبعد عن ساحة أيِّ متعلّمٍ متفقِّه فضلاً عمَّن يرى نفسه فقيهاً، فكأنَّ الرجل يتكلّم في الطيف في عالم الأضغاث والأحلام.

ألا مَن يُسائله عن أنَّ الأُمَّة إذا كانت معصومةً حافظةً لكلّيات الدين وجزئيّاته أصلاً وفرعاً، ومبلّغةً جميع ذلك كافَّة عن كافَّة وعصراً بعد عصر، ولم يوجد هناك شيئٌ منسيٌّ أو مغفولٌ عنه، فما معنى أعلميَّتها من جميع الأئمَّة؟ وأقربيّة إهتدائها من إهتدائهم؟ أيراهم خارجين عن الأُمَّة غير حافظين ولا مهتدين، في جانب عن الدين الذي حفظته الأُمَّة، لا تشملهم عصمتها ولا حفظها ولا اهتدائها ولا تبليغها؟.

وعلى ما يهم الرَّجل يجب أن لا يوجد في الأُمَّة جاهلٌ، ولا يقع بينها خلافٌ في أمر دينيّ أو حكم شرعيّ، وهؤلاء جهلاء الأُمَّة الذين سدّوا كلَّ فراغ بين المشرق والمغرب، وتشهد عليهم أعمالهم وأقوالهم بأنَّهم جاهلون - وفي مقدَّمهم هو نفسه - وما شجر بين الأُمَّة من الخلاف منذ عهد الصحابة وإلى يومنا الحاضر ممّا لا يكاد يخفى على عاقل، وهل يُتصوَّر الخلاف إلّا بجهل أحد الفريقين بالحقيقة الناصعة؟ لأنَّها وحدانيَّةٌ لا تقبل التجزية، أيرى من الدين الذي حفظته الأُمَّة وبلّغته جهل عليٍّ وأولاده من بينهم بالقرآن والسنن؟ أم يراهم أنَّهم ليسوا من الأُمَّة؟ فيقول: إنَّ علم الأُمَّة بالقرآن وسنن النبيِّ اليوم أكثر وأكمل من علم عليّ ومن علوم كلِّ أولاد عليّ. ومتى أحاط هو بعلم عليّ وأولاده عليهم السَّلام وبعلم الأُمَّة جمعاء؟ حتى يسعه

٣٢٦

هذا التحكّم الباتّ والفتوى المجرَّدة.

والعجب أنَّه يرى أنَّ الأُمَّة إذا وقعت حادثةٌ يُري الله لواحد منها الحكم وصواب الجواب، وأنها ورثت نبيَّها، ورشدت ببركة الرِّسالة وبها وبكتابها ما تلت نبيَّها في العصمة، وإنَّها معصومةٌ بعقلها العاصم، فما بال الأئمَّة [عليٍّ وأولاد عليّ] لا يكون من أولئك الآحاد الذين يُريهم الله الحق والصواب؟! وما بالهم قصروا عن الوراثة المزعومة؟! وليس لهم شركة في علم الأُمَّة؟ ولم تشملهم بركة الرِّسالة وكتابها؟ ولا يُماثلون النبيَّ في العصمة؟ ولا يوجد عندهم عقلٌ عاصم؟ وأعجب من هذه كلّها هتافُ الله بعصمتهم في كتابه العزيز، ألا يعلم مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير؟ أم على قلوب أقفالها؟.

ولعلّي يسعني أن أقول بأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله كان أبصر وأعرف بأُمَّته من صاحب هذه الفتاوى المجرَّدة، وأعلم بمقادير علومهم وبصائرهم، فهو بعد ذلك كلّه خلّف لهداية أمَّته من بعده الثقلين: كتاب الله وعترته [ويريد الأئمَّة منهم] وقال: ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي وإنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فحصر الهداية بالتمسّك بهما واقتصاص آثارهما إلى غاية الأمد يُفيدنا أنَّ عندهما من العلوم والمعارف ما تقصر عنها الأمَّة، وإنَّه ليس في حيّز الإمكان أن تبلغ الأُمَّة وهي غير معصومة من الخطأ ولم تكشف لها حجب الغيب مبلغاً يستغنى به عمَّن يرشدها في مواقف الحيرة.

فأئمَّة العترة أعدال الكتاب في العلم والهداية بهذا النصِّ الأغرّ، وهم مفسِّروه والواقفون على مغازيه ورموزه، ولو كانت الأُمَّة أو أنَّ فيها مَن يُضاهيهم في العلم والبصيرة فضلاً عن أن يكون أعلم بكثير منهم لكان هذا النصُّ الصريح مجازفة في القول

لا سيّما وأنَّ الهتاف به كان له مشاهد ومواقف منها مشهد «يوم الغدير» وقد ألقاه صاحب الرِّسالة على مائة ألف أو يزيدون، وهو أكبر مجتمع للمسلمين على العهد النبويِّ، هنالك نعى نفسه وهو يرى أُمَّته [وحقّاً ما يرى] قاصرةً (ولن تزل قاصرةً) عن درك مغازي الشريعة فيجبره ذلك بتعيين الخليفة من بعده.

وهذا الحديث من الثابت المتواتر الذي لا يعترض صدوره أيّ ريب، وللعلّامة السمهودي كلامٌ حول هذا الحديث أسلفناه ص ٨٠. وكان يرى صلّى الله عليه وآله مسيس حاجة

٣٢٧

أُمَّته إلى الخليفة من يوم بدء دعوته يوم أمر بإنذار عشيرته كما مرَّ حديثه ج ٢ ص ٢٧٨(١) وممّا يُماثل هذا النصّ حديث سفينة نوح حيث شبّه فيه نفسه وأهل بيته (ويريد الأئمَّة منهم) بسفينة نوح التي من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، فحصر النجاة باتِّباعهم المستعار له ركوب السفينة، ولولا أنَّ لهم علوماً وافيةً بإرشاد الأُمَّة وأنَّها لا تهتدي إليها إلّا بالأخذ منهم لما استقام هذا التشبيه ولا اتَّسق ذلك الكلام.

ومثله حديث تشبيهه صلّى الله عليه وآله أهل بيته بالنجوم، فأهل بيته أعلامٌ وصوى للهداية يُهتدى بهم في ظلمات الغيِّ والخلاف، كما أنَّ النجوم يُهتدى بها في غياهب الليل البهم، ولولا أنَّهم أركان العلم والهداية لما يتمّ التمثيل.

ولو كان علم الأُمَّة اليوم بالقرآن والسنن أكثر وأكمل من علم عليٍّ ومن علوم كلِّ أولاد عليٍّ (كما زعمه المسكين) فكيف خفي ذلك على رسوله الله فقال و كأنَّه لم يعرف أُمَّته: أعلم أُمَّتي من بعدي عليُّ بن أبي طالب؟

وكيف اتَّخذه وعاء علمه وبابه الَّذي يُؤتى منه؟

وكيف رآه باب علمه ومبيِّن أُمَّته بما أُرسل به من بعده؟

وكيف أخبر أُمَّته بأنَّه خازن علمه وعيبته؟

وكيف خصَّه بين أُمَّته بالوصيَّة والوارثة لعلمه؟

وكيف صحَّ عن أمير المؤمنين قوله: والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمِّه و وارث علمه، فمن أحقُّ به منّي؟

وكيف حكم الحافظ النيسابوري بإجماع الأُمَّة على أنَّ عليّاً ورث العلم من النبيِّ دون الناس؟

وعلى هذه كلّها فلازم كون الأُمَّة أعلم من عليٍّ كونها أعلم من رسول الله صلّى الله عليه وآله لأنَّه ورث علمه كلّه.

ثمَّ كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يرى أنَّ الله جعل الحكمة في أهل بيته وفي الأُمَّة مَن هو أعلم منهم؟ وقد صحّ عنه صلّى الله عليه وآله قوله: أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها.

وكيف يأمر أُمَّته بالإقتداء بأهل بيته من بعده ويعرِّفهم بأنَّهم خُلقوا من طينتي

_____________________

١ - في الطبعة الثانية. وص ٢٥١ من الأولى.

٣٢٨

ورُزقوا فهمي وعلمي؟

وكيف يراهم أئمَّة أُمَّته ويقول: في كلِّ خلوف من أُمَّتي عدول من أهل بيتي ينفون من هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطين، وتأويل الجاهلين، ألا إنَّ أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا بمن توفدون(١) .

م - والأُمَّة إن كانت غير قاصرة لا تحتاج إلى وصاية إمام معصوم إلى يوم القيامة كما زعمه المغفَّل ولا يتصوّر عقله إحتياجها إلى إمام معصوم فلماذا أخَّرت الأُمَّة تجهيز نبيِّها صلّى الله عليه وآله ودفنه ثلاثة أيّام؟ وهذه كتب القوم تنصُّ على أنّ ذلك إنّما كان لاشتغالهم بالواجب الأهمّ ألا وهو. أمر الخلافة وتعيين الخليفة.

قال ابن حجر في الصواعق ص ٥: إعلم أنّ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا علي أنَّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوَّة واجبٌ، بل جعلوه أهمَّ الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع المذكور.

والباحث يجد نظير هذه الكلمة في غضون الكتب كثيراً، فكيف يتصوّر عندئذ عقل الرَّجل مسيس حاجة الأُمَّة يوم ذلك إلى إمام غير معصوم وهي لا تحتاج إلى إمام معصوم قطُّ إلى يوم القيامة؟؟].

٢ - بسط القول في المتعة ومُلخَّصه: إنَّها من بقايا الأنكحة الجاهليَّة، ولم تكن حكماً شرعيّاً، ولم تكن مباحةً في شرع الإسلام، ونسخها لم يكن نسخ حكم شرعيٍّ وإنَّما كان نسخ أمر جاهليٍّ، ووقع الإجماع على تحريمها، ولم ينزل فيها قرآن، ولا يوجد في غير كتب الشيعة قولٌ لأحد أنَّ فما استَمتعتم به مِنهنَّ فآتوهُنَّ أُجورَهُنَّ نزل فيها، ولا يقول به لا جاهلٌ يدّعي ولا يعي، وكتب الشيعة ترفع القول به إلى الباقر والصّادق وأحسن الإحتمالين أنّ السند موضوعٌ وإلّا فالباقر والصّادق جاهلٌ ٣٢ - ١٦٦.

ج - هذه سلسلة جنايات على الإسلام وكتابه وحكمه، وتكذيبٌ على ما جاء به نبيّه وأقرَّ به السلف من الصحابة والتابعين والعلماء من فرق المسلمين بأسرهم. وقد فصَّلنا القول فيها في رسالة تحت نواحي خمس نأخذ منها فهرستها ألا وهو:

_____________________

١ - راجع في هذه الأحاديث المذكورة ص ٨٠، ٨١، ٩٥، ١٠١، ١٢٣ من هذا الجزء

٣٢٩

( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) [سورة النساء ٢٤] ذُكر نزولها في المتعة في أوثق مصادر التفسير منها:

١ - صحيح البخاري ٢ - صحيح مسلم ٣ - مسند أحمد ٤ ص ٤٣٦، بإسنادهم عن عمران بن حصين. وتجده في تفسير الرازي ٣ ص ٢٠٠، ٢٠٢. وتفسير أبي حيان ٣ ص ٢١٨.

٤ - تفسير الطبري ٥ ص ٩ عن إبن عبّاس وأُبيِّ بن كعب والحَكَم وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وشعبة وأبي ثابت.

٥ - أحكام القرآن للجصّاص ٢ ص ١٧٨ حكاه عن عدَّة.

٦ - سنن البيهقي ٧ ص ٢٠٥ رواه عن إبن عبّاس.

٧ - تفسير البغوي ١ ص ٤٢٣ عن جمع، وحكى عن عامَّة أهل العلم أنّها منسوخةٌ.

٨ - تفسير الزمخشري ١ ص ٣٦٠.

٩ - أحكام القرآن للقاضي ١ ص ١٦٢ رواه عن جمع.

١٠ - تفسير القرطبي ٥ ص ١٣٠ قال: قال الجمهور: إنّها في المتعة.

١١ - تفسير الرازي ٣ ص ٢٠٠ ذكر عن الصحيحين حديث عمران أنّها في المتعة.

١٢ - شرح صحيح مسلم للنووي ٩ ص ١٨١ عن ابن مسعود.

١٣ - تفسير الخازن ١ ص ٣٥٧ عن قوم وقال: ذهب الجمهور أنّها منسوخةٌ.

١٤ - تفسير البيضاوي ١ ص ٢٦٩. يروم إثبات نسخها بالسنّة.

١٥ - تفسير أبي حيّان ٣ ص ٢١٨ عن جمعٍ من الصحابة والتابعين.

١٦ - تفسير إبن كثير ١ ص ٤٧٤ عن جمع من الصحابة والتابعين.

١٧ - تفسير السيوطي ٢ ص ١٤٠ رواه عن جمعٍ من الصحابة والتابعين بطريق الطبراني. وعبد الرزاق. والبيهقي. وابن جرير. وعبد بن حميد. وأبي داود. و إبن الأنباري.

١٨ - تفسير أبي السعود ٣ ص ٢٥١.

قال الأميني: أليست [أيّها الباحث] هذه الكتب مراجع علم القرآن عند أهل

٣٣٠

السنّة؟ أم ليسوا هؤلاء أعلامهم وأئمّتهم في التفسير؟ فأين مقيل قول الرَّجل: لم ينزل فيها قرآنٌ ولا يوجد في غير كتب الشيعة؟ وهل يسع الرَّجل أن يقل في هؤلاء الصحابة والتابعين والأئمّة بما قاله في الباقر والصّادق عليهما السّلام ويسلقهم بذلك اللسان البذيّ؟.

٢ - حدود المتعة في الإسلام.

أسلفنا في ص ٣٠٦ للمتعة حدوداً جاء بها الإسلام، ولم يكن قطُّ نكاحٌ في الجاهليّة معروفاً بتلك الحدود، ولم ير أحدٌ من السلف والخلف حتى اليوم أنَّ المتعة من أنكحة الجاهليّة، ولا يمكن القول بذلك مع تلك الحدود، ولا قيمة لفتوى الرَّجل عندئذ، وهي مفصّلةٌ في كتب كثيرة منها:

١ - سنن الدارمي ٢ ص ١٤٠.

٢ - صحيح مسلم ج ١ في باب المتعة.

٣ - تفسير الطبري ٥ ص ٩ ذكر من حدودها: النكاح. الأجل. الفراق بعد انقضاء الأجل. الإستبراء. عدم الميراث.

٤ - أحكام القرآن للجصّاص ٢ ص ١٧٨ ذكر من حدودها: العقد. الأُجرة. الأجل. العدَّة. عدم الميراث.

٥ - سنن البيهقي ٧ ص ٢٠٠ أخرج أحاديث فيها بعض الحدود.

٦ - تفسير البغوي ١ ص ٤١٣ ذكر عدَّة من الحدود.

٧ - تفسير القرطبي ٥ ص ١٣٢ ذكر عدَّة من الحدود.

٨ - تفسير الرازي ٣ ص ٢٠٠ ذكر عدَّة من الحدود.

٩ - شرح صحيح مسلم للنووي ٩ ص ١٨١، إدَّعى إتِّفاق العلماء على الحدود.

١٠ - تفسير الخازن ١ ص ٢٥٧ ذكر الحدود الستّ.

١١ - تفسير إبن كثير ١ ص ٤٧٤ ذكر الحدود الستّ.

١٢ - تفسير السيوطي ٢ ص ١٤٠ ذكر من حدودها خمسةً.

١٣ - الجامع الكبير للسيوطي ٨ ص ٢٩٥ ذكر من حدودها خمسةً

وفي غير واحد من كتب المذاهب الأربعة في الفقه.

٣٣١

٣ - (أوَّل من نهى عن المتعة):

وقفنا على خمسة وعشرين حديثاً في الصّحاح والمسانيد يدرسنا بأنَّ المتعة كانت مباحةً في شرع الإسلام، وكان الناس تعمل بها في عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبي بكر وردحاً من خلافة عمر، فنهى عنها عمر في آخر أيّامه وعرف بأنَّه أوَّل مَن نهى عنها فعلى الباحث أن يُراجع:

صحيح البخاري باب التمتّع. صحيح مسلم ١ ص ٣٩٥، ٣٩٦. مسند أحمد ٤ ص ٤٣٦، ج ٣ ص ٣٥٦. الموطّأ لمالك ٢ ص ٣٠. سنن البيهقي ٧ ص ٢٠٦. تفسير الطبري ٥ ص ٩. أحكام القرآن للجصّاص ٢ ص ١٧٨. النهاية لإبن الأثير ٢ ص ٢٤٩. الغريبين للهروي. الفائق للزمخشري ١ ص ٣٣١. تفسير القرطبي ٥ ص ١٣٠. تاريخ ابن خلكان ١ ص ٣٥٩. المحاضرات للراغب ٢ ص ٩٤. تفسير الرازي ٣ ص ٢٠١، ٢٠٢. فتح الباري لابن حجر ٩ ص ١٤١. تفسير السيوطي ٢ ص ١٤٠. الجامع الكبير للسيوطي ٨ ص ٢٩٣. تاريخ الخلفاء له ص ٩٣. شرح التجريد للقوشجي في مبحث الإمامة.

٤ - (الصحابة والتابعون):

ذهب جمعٌ من الصحابة والتابعين إلى إباحة المتعة وعدم نسخها مع وقوفهم على نهي عمر عنها، ولهم ولرأيهم شأنٌ في الأُمَّة، وفيهم مَن يجب عليها إتباعه.

١ - أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ٢ - إبن عبّاس حبر الأُمَّة

٣ - عمران بن الحصين الخزاعي ٤ - جابر بن عبد الله الأنصاري

٥ - عبد الله بن مسعود الهذلي ٦ - عبد الله بن عمر العدوي

٧ - معاوية بن أبي سفيان ٨ - أبو سعيد الخدري الأنصاري

٩ - سلمة بن أُميَّة الجمحي ١٠ - معبد بن أُميَّة الجمحي

١١ - الزبير بن العوام القرشي ١٢ الحكم

١٣ - خالد بن المهاجر المخزومي ١٤ - عمرو بن حُريث القرشي

١٥ - أُبيّ بن كعب الأنصاري ١٦ - ربيعة بن أُميَّة الثقفي

١٧ - سعيد بن جبير ١٨ - طاووس اليماني

١٩ - عطاء أبو محمّد اليمانيّ ٢٠ - السديّ

٣٣٢

قال إبن حزم بعد عدَّ جمع من الصحابة القائلين بالمتعة: ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وساير فقهاء مكّة.

قال أبو عمر: أصحاب إبن عبّاس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً. قال القرطبي في تفسيره ٥ ص ١٣٢: أهل مكّة كانوا يستمتعونها كثيراً.

قال الرازي في تفسيره ٣ ص ٢٠٠ في آية المتعة: إختلفوا في أنَّها هل نسخت أُم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأُمَّة إلى أنَّها صارت منسوخة، وقال السواد منهم: إنَّها بقيت مُباحةً كما كانت. قال أبو حيّان بعد نقل حديث إباحة المتعة: وعلى هذا جماعةٌ من أهل البيت والتابعين.

قال الأميني: فأين دعوى إجماع الأُمَّة علي حرمة المتعة ونسخ آيتها؟ وأين عزو القول بإباحتها إلى الباقر والصّادق عليها السَّلام فحسب؟ وهناك ناحيةٌ خامسةٌ فيها بيان أقوال أهل السنَّة في المتعة ونسخها وهي ٢٢ قولاً يُعرب هذا التضارب في الآراء عن فوائد جمَّة نُحيل الوقوف عليها إلى دراية الباحث(١) .

ونحن لا يسعنا بسط المقال في طامّات هذا الكتاب إذ كلُّ صحيفة منه أهلك من ترّهات البسابس، تُعرب عن أنَّ مؤلِّفه بعيدٌ عن أدب الإسلام، بعيدٌ عن فقه القرآن والحديث، قصيرُ الباع عن كلِّ علم، قصيرُ الخُطا عن كلِّ ملكة فاضلة، بذيُّ اللسان لسّابة، وهو يعدُّ نفسه مع ذلك في كتابه من فقهاء الإسلام، فإن كان الإسلام هذا فقهه وهذا فقيهه؟ وهذا علمه وهذا عالمه؟ وهذا كتابه وهذا كاتبه؟ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

[هذه غاية البحث عن الكتب المزوَّرة].

_____________________

م ١ - ولنا القول الفصل في البحث عن المتعة في الجزء السادس من كتابنا هذا).

٣٣٣

الآن حصحص الحق

الآن حقَّ علينا أن نُميط الستر عن خبيئة أسرارنا، ونُعرب عن غايتنا المتوخّاة من هذا البحث الضافي حول الكتب، الآن آن لنا أن ننوِّه بأنَّ ضالَّتنا المنشودة هي إيقاظ شعور الأُمّة الإسلاميَّة إلى جانب مهمّ فيه الصالح العام والوئام والسَّلام والوحدة الإجتماعيَّة، وحفظ ثغور الإسلام عن تهجّم سيل الفساد الجارف.

يا قوم؟ إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكَّلتُ. أُنشدكم بالله أيّها المسلمون هل دعايةٌ أقوى من هذه الكتب إلى تفريق صفوف المسلمين؟ وتمزيق شملهم؟ وفساد نظام المجتمع؟ وذهاب ريح الوحدة العربيَّة؟ وفصم عرى الأُخوة الإسلاميَّة؟ وإثارة الأحقاد الخامدة؟ وحشِّ نيران الضغاين في نفوس الشعب الإسلاميِّ؟ ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين؟.

يا قوم؟ اتَّبعوني أهدكم سبيل الرَّشاد. هذه الكتب يُضادُّ صراخها نداء القرآن البليغ. هذه النعرات المشمرجة(١) تُشيع الفحشاء والمنكر في الملأ الدينيِّ. هذه الكلم الطائشة معاول هدّامة لأُسِّ مكارم الأخلاق التي بُعث لتتميمها نبيُّ الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الألسنة السَّلاقة اللسّابة البذّاءة مدرِّسات الأمّة بفاحش القول، وسوء الأدب، وقبح العشرة، وضدِّ المداراة، وبالشراسة والقحَّة والشياص. هذه التعاليم الفاسدة فيها دَحْسٌ لنظام المجتمع، ودحلٌ بين الفرق الإسلاميَّة، وهتكٌ لناموس الشرع المقدَّس وعبثٌ بسياسة البلاد، وصدعٌ لتوحيد العباد، هذه الأقلام المسمومة تمنع الأُمَّة عن سعادتها ورُقيِّها، وتولد العراقيل في مسيرها ومسربها، وتمحو ما خطَّته يدُ الإصلاح في صحائف القلوب، وتُحيي في النفوس ما عقمته داعية الدين.

يا أيّها النّاس قدْ جاءتكم موعظةٌ مِنْ ربِّكم وشفاءٌ لِما فِي الصّدور. إنَّ الآراء الدينيَّة الإسلاميَّة إجتماعيَّةٌ يشترك فيها كلُّ معتنق بالإسلام، إذ لا تمثَّل في

_____________________

١ - الشمراج: المخلط من الكلام بالكذب. والشمرج: الباطل.

٣٣٤

الملأ إلّا باسم الدين الإجتماعيِّ، فيهمُّ كلَّ إسلاميّ يحمل بين جنبيه عاطفةً دينيَّةً أن يدافع عن شرف نحلته، وكيان ملّته، مهما وجد هناك زلَّةً في رأي، أو خطأً في فكرةٍ، ولا يسعه أن يُفرِّق بين باءةٍ وأُخرى، أو يخصَّ نفسه بحكومة دون غيرها [إن هي إلّا أسماءٌ سمَّيتموها أنتم وآبائكم] بل الأرض كلّها بيئة المسلم الصّادق والإسلام حكومته، وهو يعيش تحت راية الحق، وتوحيد الكلمة ضالَّته، وصدق الإخاء شعاره أينما كان وحيثما كان.

هذا شأن الأفراد وكيف بالحكومات العزيزة الإسلاميَّة؟ التي هي شعبُ تلك الحكومة العالميَّة الكبرى، ومفرداتُ ذلك الجمع الصحيح، ومقطَّعات حروف تلك الكلمة الواحدة، كلمة الصدق والعدل، كلمة الإخلاص والتوحيد، كلمة العزِّ والشرف، كلمة الرُقيِّ والتقدُّم.

فأنّى يسوغ لحكومة مصر العزيزة أن تُرخِّص لنشر هذه الكتب في بلادها؟ وتُشوِّه سمعتها في أرجاء الدنيا؟ وهي ثغر الإسلام المستحكم من أوَّل يومه، وهي مدرسة الشرق المؤسَّسة تحت راية الحقِّ بيد رجال العلم والدين.

أليس عاراً على مصر بعد ما مضت عليها قرونٌ متطاولةٌ بحسن السمعة أن تُعرَّف في العالم بأُناسٍ دجّالين، وكتّابٍ مستأجرين، وأقلامٍ مسمومةٍ، وأن يُقال: إنَّ فقيهها موسى جار الله، وعالمها القصيميُّ، ومصلحها أحمد أمين، وعضو مؤتمرها محمّد رشيد رضا، ودكتورها طه حسين، ومؤرِّخها الخضري، وأُستاذ علوم إجتماعها محمّد ثابت، وشاعرها عبد الظاهر أبو السَّمح.

أليس عاراً على مصر أن يتملّج ويتلمَّظ بشرفها الدُّخلاء من إبن نجدٍ ودمشق فيؤلِّف أحدهم كتاباً في الرَّدِّ على الإماميَّة ويسمِّيه [الصراع بين الإسلام والوثنيَّة] ويأتي آخر يُقرِّظه بشعره لا بشعوره ويُعرِّف الشيعة الإماميَّة بقوله:

ويحمل قلبهم بغضاً شنيعاً

لخير الخلق ليس له دفاعُ

يقولون: الأمين حبا بوحي

وخان. وما لهم عن ذا ارتداعُ

فهل في الأرض كفرٌ بعد هذا؟

ولمن يهوى متاعُ

فما للقوم دينٌ أو حياءٌ

بحسبهم من الخزي [الصراعُ]

٣٣٥

ألم يأنِ للَّذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟ أيحسب امرئٌ مصريٌّ أنَّ إشاعة هذه الكتب، وبثَّ هذه المخاريق والنسب المفتعلة، ونشر هذه التآليف التافهة حياةٌ للأُمَّة المصريَّة، وإيقاظٌ لشعور شعبها المثقَّف، وإبقاءٌ لكيان تلك الحكومة العربيَّة العزيزة، وتقدُّمٌ ورقيٌّ في حركاتها العلميَّة. الأدبيَّة. الأخلاقيَّة. الدينيَّة. الإجتماعيَّة؟.

أسفاً على أقلام مصر النزيهة، وأعلامها المحنّكين، ومؤلِّفيها المصلحين، وكُتّابها الصادقين، وعباقرتها البارعين، وأساتذتها المثقّفين، ورجالها الأمناء على ودايع العلم والدين.

أسفاً على مصر وعلمها المتدفِّق، وأدبها الجمِّ، وروحها الصحيحة، ورأيها الناضج، وعقلها السليم، وحياتها الدينيّة، وإسلامها القديم، وولائها الخالص، وتعاليمها القيّمة، ودروسها العالية، وخلايقها الكريمة، وملكاتها الفاضلة.

أسفاً على مصر وعلى تلكم الفضائل وهي راحت ضحيَّة تلك الكتب المزخرفة، ضحيَّة تلك الأقلام المستأجرة، ضحيَّة تلك النزعات الفاسدة، ضحيَّة تلك الصحائف السوداء، ضحيَّة تلك النعرات الحمقاء، ضحيَّة تلك المطابع المأسوف عليها، ضحيَّة أفكار أولئك المحدَثين المتسرِّعين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنَّما نحن مُصلحون، ألا إنَّهم هم المفسدون ولكن لا يَشعرون.

أليست هذه الكتب بين يدي أعلام مصر ومشايخها المثقَّفين؟ أم لم يوجد هناك مَن يحمل عاطفةً دينيَّة، وشعوراً حيّاً، وفكرةً صالحة يُدافع عن ناموس مصره المحبوبة قبل ناموس الشرق كلّها؟

والعجب كلُّ العجب أنَّ علّامة مصر(١) يُرى للمجتمع أنَّه الناقد البصير فيقرِّظ كتاباً(٢) قيّما لعربيٍّ صميم عراقيٍّ يُعدُّ من أعلام العصر ومن عظماء العالم ويُناقش دون ما في طيِّه من الأغلاط المطبعيّة ممّا لا يترتَّب به على الأُمَّة ولا على

_____________________

١ - الأستاذ أحمد زكي.

٢ - أصل الشيعة وأصولها. لشيخنا العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء.

٣٣٦

فردٍ منها أيّ ضرر وخسارة بمثل قوله: كلّما. صوابه: كلّ ما. شرع. صوابه: شرح. شيخنا. صوابه: شيخا.

مرحباً بهذا الحرص والإستكناه في الإصلاح والتغاضي عن تلكم الكوارث، مرحباً بكلاءة ناموس لغة العرب والصفح عن دينه وصالح ملّته، مرحباً بهذه العاطفة المصلحة لتأليف مشايخ الشيعة، والتحامل عليهم بذلك السباب المقذع، مرحباً مرحباً مرحباً.

لِمَ لم يرق أمثال هذا النابه النيقد أن يأخذ بميزان القسط، وقانون العدل، وناموس النصفة، وشرعة الحقّ، وواجب الخدمة للمجتمع، ويُلفت مؤلِّف مصره العزيزة إلى تلكم الهفوات المخزية في تلكم التآليف التي هي سلسلة بلاء، وحلقات شقاء تنتهي إلى هلاك الأُمَّة ودمارها، وتجرُّ عليها كلّ سوءة، وتُسفّها إلى حضيض التَّعاسة؟.

وإن تعجب فعجبٌ نشر هذه الكتب في العراق وهي تمسُّ بكرامة ناموسها بعد ناموس الإسلام المقدَّس ورجالها بعدُ أحياء، وشعبها بعدُ نابغ، وشعورها بعدُ حيٌّ، ودينها بعدُ مستقرّ، وغيرة العرب بعدُ هي هي، وشهامة الشبيبة بعدُ لم تهرم، وجلادة الشيوخ بعدُ لم تضعف، وأزمَّة حكومتها بعدُ بيد آل هاشم.

يعزُّ على أُمِّ العراق أن تسمع أُذنها واعية أنَّ في فنادق النجف وسيطٌ يعرض جمعاً من فتياتها إلى الوافد لينتقي منهنَّ وفتاتها تتزوّج مرّات في الليلة الواحدة(١)

كيف تسمع أُذن العراق نداء أنَّ النجفيِّين هم الدَّجالون والضّالّون المضلّون قد تزيّوا بزيِّ المسلمين وشاركوهم في كثير من الشعاير؟ - إلى آخر ما لا يصلح ذكره - وقبل هذه كلّها تلك الصرخة التي تمسُّ بكرامة رجالات البيت الهاشمي(٢)

أيحسب عراقيٌّ حاسّ أنَّ في طيِّ هذه الكتب صلاحاً لمجتمع العراق؟ أو حياةً لروح أبناءها؟ أو درس أخلاق لأُمَّتها؟ أو رقيّاً وتقدُّماً لشعبها؟ أو ثقافةً رجالها؟ أو علماً لطلّابها؟ أو أدباً لكتّابها؟ أو ديناً لمسلميها؟ أو مادَّة لمثريها؟ أو لها دخلٌ في سياسة حكومتها الإسلاميَّة المحبوبة؟.

_____________________

١ - راجع الجولة في ربوع الشرق الأدنى ص ١١٢.

٢ - راجع السنة والشيعة ص ٤٨.

٣٣٧

فواجب المسلم الصّادق في دعواه الحافظ على شرفه وعزِّ نحلته، رفض أمثال هذه الكتب المبهرجة، ولفظها بلسان الحقيقة، والكفُّ عن اقتنائها وقرائتها، والتجنّب عن الإعتقاد والتصديق بما فيها، والبعد عن الأخذ والبخوع بما بين دفوفه، والإخبات إلى ما فيها قبل أن يعرضها إلى نظّارة التنقيب، وصيارفة النقد والإصلاح، أو النظر إليها بعين التنقيب وإردافها بالردِّ والمناقشة فيها إن كان من أهلها. وإن فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً وأشدُّ تثبيتاً.

وواجب رجال الدعاية والنشر في الحكومات الإسلاميَّة عرض كلِّ تأليفٍ مذهبيٍّ حول أيِّ فرقة من فرق الإسلام إلى أصولها ومبادئها الصحيحة المؤلّفة بيد رجالها ومشايخها، والمنع عمّا يُضادُّها ويُخالفها، إذ هم عيون الأُمَّة على ودايع العلم والدين، وحفظة ناموس الإسلام، وحرسة عُرى العروبة، إن عقلوا صالحهم، وعليهم قطع جذوم الفساد قبل أن يُؤجِّج المفسد نار الشحناء في الملأ ثمَّ يعتذر بعدم الإطِّلاع وقلّة المصادر عنده كما فعل أحمد أمين [بعد نشر كتابه فجر الإسلام] في ملأ من قومه، والإنسان على نفسه بصيرةٌ ولو ألقى معاذيره، ولا عذر لأيِّ أحد في القعود عن واجبه الدينيِّ الإجتماعيِّ.( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

ونحن نُرحِّب بكتاب كلِّ مذهب وتأليف كلِّ ملّة أُلِّف بيد الصِّدق والأمانة، بيد الثقة والرزانة، بيد التحقيق والتنقيب، بيد العدل والإنصاف، بيد الحبِّ والإخاء بيد أدب العلم والدين،( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) .

( ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكَى‏ لَكُمْ وَأَطْهَرُ )

سورة البقرة: ٢٣٢

٣٣٨

فهرست شعراء الغدير

في القرن الرابع

١ - أبو الحسن ابن طباطبا الاصبهانى ألمتوفى ٣٢٢

٢ - أبو جعفر أحمد بن علوية الاصبهاني ألمتوفى ٣٢٠

٣ - أبو عبدالله محمَّد المفجع البصرى ألمتوفى نيف و٣٢٧

٤ - أبو القاسم أحمد بن محمّد الصنوبرى ألمتوفى ٣٣٤

٥ - أبو القاسم على بن محمّد التنوخى ألمتوفى ٣٤٢

٦ - أبو القاسم على بن اسحاق الزاهى ألمتوفى ٣٥٢

٧ - أبو فراس أمير الشعراء الحمدانى ألمتوفى ٣٥٧

٨ - أبو الفتح محمود بن محمّد كشاجم ألمتوفى ٣٦٠

٩ - أبو عبدالله الحسين البشنوى ألمتوفى بعد ٣٨٠

١٠ - أبو القاسم الوزير الصاحب بن عباد ألمتوفى ٣٨٥

١١ - أبو عبدالله ابن الحجاج البغدادى ألمتوفى ٣٩١

١٢ - أبو العبّاس الوزير أحمد الضبى ألمتوفى ٣٩٨

١٣ - أبو حامد أحمد بن محمّد الانطاكى ألمتوفى ٣٩٩

١٤ - أبو النجيب شداد الظاهر الجزرى ألمتوفى ٤٠١

١٥ - أبو محمّد طلحة الغسَّانى العونى

١٦ - أبو العلاء محمَّد بن ابراهيم السرورى

١٧ - أبو الحسن على الجوهرى الجرجانى

١٨ - أبو الحسن على بن حماد العبدى

١٩ - أبو الفرج ابن هندو الرازى

٣٣٩

شعراء الغدير

في القرن الرّابع

١٥

ابن طباطبا الاصبهاني

المتوفّى ٣٢٢

يا مَن يُسرُّ ليَ العداوة أبدها

واعمد لمكروهي بجهدك أو ذرِ

لله عندي عادةٌ مشكورةٌ

فيمن يعاديني فلا تتحيَّرِ

أنا واثقٌ بدعاء جدّي المصطفى

لأبي غداة «غدير خمّ» فاحذرِ

والله أسعدنا بإرث دعائه

فيمن يُعادي أو يُوالي فاصبرِ(١)

(الشاعر)

أبو الحسن محمَّد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ابن الإمام السبط الحسن بن الإمام عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم، الشهير بإبن طباطبا.

عالمٌ ضليعٌ، وشاعرٌ مفلقٌ، وشيخٌ من شيوخ الأدب، ذكر المرزباني في «معجم الشعراء» ص ٤٦٣: إنَّ له كتباً ألَّفها في الأشعار والآداب، وذكر منها أصحاب المعاجم(٢) .

١ - كتاب سنام المعالي.

٢ - كتاب عيار الشعر. وفي فهرست إبن النديم ص ٢٢١: معاير الشعر. وقال الحموي في «معجم الأدباء» ٣ ص ٥٨: ألَّف الآمدي الحسن بن بشز كتاباً في إصلاح ما فيه.

٣ - كتاب الشعر والشعراء.

٤ - كتاب نقد الشعر.

_____________________

١ - خاطب بها أبا علي الرستمي كما في «ثمار القلوب» للثعالبي ٥١١.

٢ - راجع ثمار القلوب ٥٠٧، فهرست ابن النديم ١٩٦، معجم الأدباء ١٧ ص ١٤٣. عمدة الطالب ١٦٢

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418