الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب19%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94966 / تحميل: 7081
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

وعنده حقة، أخذت منه، وأعطي معها شاتين أو عشرين درهما. فإن وجبت عليه حقة، وعنده جذعة، أخذت منه، وردّ عليه شاتان أو عشرون درهما.

فأمّا زكاة البقر، فليس في شي‌ء منها زكاة، الى أن تبلغ ثلاثين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها تبيع حولي. ثمَّ ليس فيما زاد عليها شي‌ء، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها مسنّة. وكلّ ما زاد على ذلك، كان هذا حكمه: في كلّ ثلاثين تبيع أو تبيعة، وفي كل أربعين مسنّة.

وأمّا الغنم، فليس فيها زكاة، الى أن تبلغ أربعين. فإذا بلغت ذلك، كان فيها شاة. ثمَّ ليس فيها شي‌ء، الى أن تبلغ مائة وعشرين. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها شاتان الى أن تبلغ مائتين. فإذا بلغت وزادت واحدة، كان فيها ثلاث شياه الى أن تبلغ ثلاثمائة. فإذا بلغت ذلك، وزادت واحدة، كان فيها أربع شياه. ثمَّ تترك هذه العبرة فيما زاد عليه، وأخذ من كلّ مائة شاة.

وأمّا الخيل إذا كانت عتاقا كان على كلّ واحدة منها في في كلّ سنة ديناران. وإن كانت براذين كان على كلّ واحدة منها دينار واحد. ومن حصل عنده من كلّ جنس تجب فيه الزّكاة أقلّ من النّصاب الذي فيه الزّكاة، وإن كان لو جمع لكان أكثر من النّصاب والنّصابين، لم يكن عليه شي‌ء، حتى

١٨١

يبلغ كلّ جنس منه، الحدّ الذي تجب فيه الزّكاة. ولو أنّ إنسانا ملك من المواشي ما تجب فيه الزّكاة، وإن كانت في مواضع متفرّقة، وجب عليه فيها الزّكاة. وإن وجد في موضع واحد من المواشي ما تجب فيه الزكاة لملّاك جماعة لم يكن عليهم فيها شي‌ء على حال. ولا بأس أن يخرج الإنسان ما يجب عليه من الزّكاة من غير الجنس الذي يجب عليه فيه بقيمته. وإن أخرج من الجنس، كان أفضل.

باب الوقت الذي تجب فيه الزكاة

لا زكاة في الذّهب والفضّة حتّى يحول عليهما الحول بعد حصولهما في الملك. فان كان مع إنسان مال أقلّ ممّا تجب فيه الزّكاة، ثمَّ أصاب تمام النّصاب في وسط السّنة، فليس عليه فيه الزّكاة حتّى يحول الحول على القدر الذي تجب فيه الزّكاة. وإذا استهلّ هلال الشّهر الثّاني عشر، فقد حال على المال الحول، ووجبت فيه الزّكاة. فإن أخرج الإنسان المال عن ملكه قبل استهلال الثّاني عشر، سقط عنه فرض الزّكاة. وإن أخرجه من ملكه بعد دخول الشّهر الثّاني عشر، وجبت عليه الزّكاة، وكانت في ذمّته الى أن يخرج منه.

وأمّا الحنطة والشّعير والتّمر والزّبيب، فوقت الزّكاة فيها حين حصولها بعد الحصاد والجذاذ والصّرام، ثمَّ ليس فيها

١٨٢

بعد ذلك شي‌ء، وإن حال عليها حول، إلّا أن تباع بذهب أو فضّة، وحال عليهما الحول، فتجب حينئذ فيه الزّكاة.

وأمّا الإبل والبقر والغنم، فليس في شي‌ء منها زكاة، حتّى يحول عليها الحول من يوم يملكها. وكلّ ما لم يحل عليه الحول من صغار الإبل والبقر والغنم، لا تجب فيه الزّكاة. ولا يجوز تقديم الزّكاة قبل حلول وقتها. فإن حضر مستحقّ لها قبل وجوب الزّكاة، جاز أن يعطى شيئا ويجعل قرضا عليه. فإذا جاء الوقت، وهو على تلك الصّفة من استحقاقه لها، احتسب له من الزّكاة. وإن كان قد استغنى، أو تغيّرت صفته التي يستحقّ بها الزّكاة، لم يجزئ ذلك عن الزّكاة، وكان على صاحب المال أن يخرجها من الرأس.

وإذا حال الحول فعلى الإنسان أن يخرج ما يجب عليه على الفور ولا يؤخّره. فإن عدم المستحقّ له، عزله عن ماله، وانتظر به المستحق. فإن حضرته الوفاة، وصى به أن يخرج عنه. وإذا عزل ما يجب عليه من الزّكاة، فلا بأس أن يفرّقه ما بينه وبين شهر وشهرين، ولا يجعل ذلك أكثر منه. وما روي عنهمعليهم‌السلام ، من الأخبار في جواز تقديم الزّكاة وتأخيرها، فالوجه فيه ما قدّمناه في أنّ ما يقدّم منه يجعل قرضا، ويعتبر فيه ما ذكرناه، وما يؤخّر منه إنّما يؤخّر انتظار المستحق، فأمّا مع وجوده، فالأفضل إخراجه إليه على البدار حسب ما قدّمناه.

١٨٣

باب مستحق الزكاة وأقل ما يعطى وأكثر

الذي يستحق الزّكاة هم الثّمانية أصناف الذين ذكرهم الله تعالى في القرآن: وهم الفقراء، والمساكين، والعاملون عليها، و( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقابِ ) ، والغارمون،( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وابن السّبيل.

فأمّا الفقير فهو الذي له بلغة من العيش. والمسكين الذي لا شي‌ء معه. وأمّا العاملون عليها فهم الذين يسعون في جباية الصّدقات.

وأمّا المؤلّفة فهم الذين يتألّفون ويستمالون إلى الجهاد.

(وَفِي الرِّقابِ ) وهم المكاتبون والمماليك الذين يكونون تحت الشّدة العظيمة. وقد روي أنّ من وجبت عليه كفّارة عتق رقبة في ظهار أو قتل خطإ وغير ذلك، ولا يكون عنده، يشترى عنه ويعتق.

والغارمون هم الذين ركبتهم الدّيون في غير معصية ولا فساد.

( وَفِي سَبِيلِ اللهِ ) وهو الجهاد.

وابن السّبيل وهو المنقطع به. وقيل أيضا: إنّه الضّيف الذي ينزل بالإنسان ويكون محتاجا في الحال، وإن كان له يسار في بلده وموطنه.

١٨٤

فإذا كان الإمام ظاهرا، أو من نصبه الإمام حاصلا، فتحمل الزّكاة إليه، ليفرّقها على هذه الثّمانية الأصناف. ويقسم بينهم على حسب ما يراه. ولا يلزمه أن يجعل لكل صنف جزءا من ثمانية، بل يجوز أن يفضّل بعضهم على بعض، إذا كثرت طائفة منهم وقلّت آخرون.

وإذا لم يكن الإمام ظاهرا، ولا من نصبه الإمام حاصلا، فرّقت الزّكاة في خمسة أصناف من الذين ذكرناهم، وهم الفقراء والمساكين( وَفِي الرِّقابِ وَالْغارِمِينَ ) وابن السّبيل. ويسقط سهم( الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ ) وسهم السّعاة وسهم الجهاد، لأنّ هؤلاء لا يوجدون إلّا مع ظهور الإمام. لأن الْمُؤَلَّفَةَ( قُلُوبُهُمْ ) إنّما يتألّفهم الإمام ليجاهدوا معه، والسّعاة أيضا إنّما يكونون من قبله في جميع الزّكوات، والجهاد أيضا إنّما يكون به أو بمن نصبه. فإذا لم يكن هو ظاهرا ولا من نصبه، فرّق فيمن عداهم.

والذين يفرّق فيهم الزّكاة ينبغي أن يحصل لهم مع الصّفات التي ذكرناها أن يكونوا عارفين بالحقّ معتقدين له. فإن لم يكونوا كذلك، فلا يجوز أن يعطوا الزّكاة. فمن أعطى زكاته لمن لا يعرف الحق، لم يجزئه، وكان عليه الإعادة. ولو أنّ مخالفا أخرج زكاته الى أهل نحلته، ثمَّ استبصر، كان عليه إعادة الزّكاة. ولا يجوز أن يعطى الزّكاة من أهل المعرفة إلّا أهل السّتر والصّلاح. فأمّا الفسّاق وشرّاب

١٨٥

الخمور فلا يجوز أن يعطوا منها شيئا. ولا بأس أن تعطي الزّكاة أطفال المؤمنين. ولا تعطى أطفال المشركين.

ولا يجوز أن يعطي الإنسان زكاته لمن تلزمه النّفقة عليه مثل الوالدين والولد والجدّ والجدة والزّوجة والمملوك. ولا بأس أن يعطي من عدا هؤلاء من الأهل والقرابات من الأخ والأخت وأولادهما والعمّ والخال والعمّة والخالة وأولادهم.

والأفضل أن لا يعدل بالزّكاة عن القريب مع حاجتهم الى ذلك الى البعيد. فإن جعل للقريب قسط، وللبعيد قسط، كان أفضل.

ومتى لم يجد من تجب عليه الزّكاة مستحقّا لها، عزلها من ماله، وانتظر بها مستحقّها، فإن لم يكن في بلده من يستحقّها فلا بأس أن يبعث بها إلى بلد آخر. فإن أصيبت الزّكاة في الطّريق أو هلكت، فقد أجزأ عنه. وإن كان قد وجد في بلده لها مستحقا، فلم يعطه، وآثر من يكون في بلد آخر، كان ضامنا لها، إن هلكت، ووجب عليه إعادتها.

ومن وصّي بإخراج زكاة، أو أعطي شيئا منها ليفرّقه على مستحقيه، فوجده، ولم يعطه. بل أخّره، ثمَّ هلك، كان ضامنا للمال.

ولا تحلّ الصّدقة الواجبة في الأموال لبني هاشم قاطبة. وهم الذين ينتسبون إلى أمير المؤمنين،عليه‌السلام ، وجعفر

١٨٦

ابن أبي طالب، وعقيل بن أبي طالب، وعبّاس بن عبد المطّلب. فامّا ما عدا صدقة الأموال، فلا بأس أن يعطوا إيّاها. ولا بأس أن تعطي صدقة الأموال مواليهم. ولا بأس أن يعطي بعضهم بعضا صدقة الأموال. وإنّما يحرم عليهم صدقة من ليس من نسبهم.

وهذا كلّه إنّما يكون في حال توسّعهم ووصولهم إلى مستحقّهم من الأخماس. فإذا كانوا ممنوعين من ذلك ومحتاجين إلى ما يستعينون به على أحوالهم، فلا بأس أن يعطوا زكاة الأموال رخصة لهم في ذلك عند الاضطرار.

ولا يجوز أن تعطى الزّكاة لمحترف يقدر على اكتساب ما يقوم بأوده وأود عياله. فإن كانت حرفته لا تقوم به، جاز له أن يأخذ ما يتّسع به على أهله. ومن ملك خمسين درهما يقدر أن يتعيّش بها بقدر ما يحتاج إليه في نفقته، لم يجز له أن يأخذ الزكاة. وإن كان معه سبعمائة درهم، وهو لا يحسن أن يتعيّش بها، جاز له أن يقبل الزّكاة، ويخرج هو ما يجب عليه فيما يملكه من الزّكاة، فيتّسع به على عياله. ومن ملك دارا يسكنها وخادما يخدمه، جاز له أن يقبل الزّكاة. فإن كانت داره دار غلّة تكفيه ولعياله، لم يجز له أن يقبل الزّكاة فإن لم يكن له في غلّتها كفاية، جاز له أن يقبل الزّكاة.

وينبغي أن تعطي زكاة الذّهب والفضّة للفقراء والمساكين

١٨٧

المعروفين بذلك، وتعطي زكاة الإبل والبقر والغنم أهل التّجمّل.

فإن عرفت من يستحقّ الزّكاة، وهو يستحيي من التعرّض لذلك، ولا يؤثر إن تعرفه، جاز لك أن تعطيه الزّكاة وإن لم تعرفه أنّه منها، وقد أجزأت عنك.

وإذا كان على إنسان دين، ولا يقدر على قضائه، وهو مستحقّ لها، جاز لك أن تقاصّه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدّين على ميّت، جاز لك أن تقاصّه منها. وإن كان على أخيك المؤمن دين، وقد مات، جاز لك أن تقضي عنه من الزّكاة. وكذلك إن كان الدين على والدك أو والدتك أو ولدك، جاز لك أن تقضيه عنهم من الزّكاة.

فإذا لم تجد مستحقا للزّكاة، ووجدت مملوكا يباع، جاز لك أن تشتريه من الزّكاة وتعتقه. فإن أصاب بعد ذلك مالا، ولا وارث له، كان ميراثه لأرباب الزّكاة. وكذلك لا بأس مع وجود المستحقّ أن يشتري مملوكا ويعتقه، إذا كان مؤمنا، وكان في ضرّ وشدّة. فإن كان بخلاف ذلك، لم يجز ذلك على حال.

ومن أعطى غيره زكاة الأموال ليفرقها على مستحقها، وكان مستحقّا للزّكاة، جاز له أن يأخذ منها بقدر ما يعطي غيره. اللهمّ إلّا أن يعيّن له على أقوام بأعيانهم. فإنّه لا يجوز

١٨٨

له حينئذ أن يأخذ منها شيئا، ولا أن يعدل عنهم الى غيرهم.

وأقلّ ما يعطي الفقير من الزّكاة خمسة دراهم أو نصف دينار. وهو أوّل ما يجب في النّصاب الأوّل. فأمّا ما زاد على ذلك، فلا بأس أن يعطى كلّ واحد ما يجب في نصاب نصاب، وهو درهم إن كان من الدراهم، أو عشر دينار إن كان من الدّنانير، وليس لأكثره حد. ولا بأس أن يعطي الرّجل زكاته لواحد يغنيه بذلك.

باب وجوب زكاة الفطرة ومن تجب عليه

الفطرة واجبة على كلّ حر بالغ مالك لما تجب عليه فيه زكاة المال. ويلزمه أن يخرج عنه وعن جميع من يعوله من ولد ووالد وزوجة ومملوك ومملوكة، مسلما كان أو ذمّيّا، صغيرا كان أو كبيرا. فإن كان لزوجته مملوك في عياله، أو يكون عنده ضيف يفطر معه في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنهما الفطرة. وإن رزق ولدا في شهر رمضان، وجب عليه أيضا أن يخرج عنه. فإن ولد المولود ليلة الفطر أو يوم العيد قبل صلاة العيد، لم يجب عليه إخراج الفطرة عنه فرضا واجبا. ويستحبّ له أن يخرج ندبا واستحبابا.

وكذلك من أسلم ليلة الفطر قبل الصّلاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة، وليس ذلك بفرض. فإن كان إسلامه

١٨٩

قبل ذلك، وجب عليه إخراج الفطرة. ومن لا يملك ما يجب عليه فيه الزّكاة، يستحبّ له أن يخرج زكاة الفطرة أيضا عن نفسه وعن جميع من يعوله. فإن كان ممّن يحلّ له أخذ الفطرة أخذها ثمَّ أخرجها عن نفسه وعن عياله. فإن كان به إليها حاجة، فليدر ذلك على من يعوله. حتّى ينتهي إلى آخرهم، ثمَّ يخرج رأسا واحدا إلى غيرهم، وقد أجزأ عنهم كلّهم.

باب ما يجوز إخراجه في الفطرة ومقدار ما يجب منه

أفضل ما يخرجه الإنسان في زكاة الفطرة التّمر ثمَّ الزّبيب. ويجوز إخراج الحنطة والشّعير والأرزّ والأقط واللّبن. والأصل في ذلك أن يخرج كلّ أحد ممّا يغلب على قوته في أكثر الأحوال.

فأمّا أهل مكّة والمدينة وأطراف الشّام واليمامة والبحرين والعراقين وفارس والأهواز وكرمان، فينبغي لهم أن يخرجوا التّمر. وعلى أوساط الشّام ومرو من خراسان والريّ، أن يخرجوا الزّبيب. وعلى أهل الجزيرة والموصل والجبال كلّها وخراسان، أن يخرجوا الحنطة والشّعير، وعلى أهل طبرستان الأرز، وعلى أهل مصر البرّ. ومن سكن البوادي من الأعراب فعليهم الأقط، فإذا عدموه، كان عليهم اللّبن.

١٩٠

ومن عدم أحد هذه الأصناف التي ذكرناها، أو أراد أن يخرج ثمنها بقيمة الوقت ذهبا أو فضة، لم يكن به بأس. وقد روي رواية أنّه يجوز أن يخرج عن كلّ رأس درهما. وقد روي أيضا أربعة دوانيق. والأحوط ما قدّمناه من أنّه يخرج قيمته بسعر الوقت.

فأمّا القدر الذي يجب إخراجه عن كلّ رأس، فصاع من أحد الأشياء التي قدّمنا ذكرها. وقدره تسعة أرطال بالعراقيّ وستّة أرطال بالمدني. وهو أربعة أمداد. والمدّ مائتان واثنان وتسعون درهما ونصف. والدرهم ستّة دوانيق. والدّانق ثماني حبّات من أوسط حبّات الشّعير. فأمّا اللّبن فمن يريد إخراجه، أجزأه أربعة أرطال بالمدنيّ أو ستّة بالعراقي.

باب الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة ومن يستحقها

الوقت الذي يجب فيه إخراج الفطرة يوم الفطر قبل صلاة العيد. ولو أن إنسانا أخرجها قبل يوم العيد بيوم أو يومين أو من أوّل الشّهر الى آخره، لم يكن به بأس، غير أن الأفضل ما قدّمناه.

فإذا كان يوم الفطر، فليخرجها، ويسلّمها الى مستحقّيها فإن لم يجد لها مستحقّا، عزلها من ماله، ثمَّ يسلّمها بعد الصّلاة أو من غد يومه الى مستحقّيها. فإن وجد لها أهلا، وأخّرها،

١٩١

كان ضامنا لها، الى أن يسلّمها إلى أربابها. وإن لم يجد لها أهلا، وأخرجها من ماله، لم يكن عليه ضمان.

وينبغي أن تحمل الفطرة الى الإمام ليضعها حيث يراه. فإن لم يكن هناك إمام، حملت الى فقهاء شيعته ليفرقوها في في مواضعها. وإذا أراد الإنسان أن يتولّى ذلك بنفسه، جاز له له ذلك، غير أنّه لا يعطيها إلا لمستحقّيها.

والمستحقّ لها، هو كلّ من كان بالصّفة التي تحلّ له معها الزّكاة. وتحرم على كلّ من تحرم عليه زكاة الأموال.

ولا يجوز حمل الفطرة من بلد الى بلد. وان لم يوجد لها مستحقّ من أهل المعرفة، جاز أن تعطى المستضعفين من غيرهم.

ولا يجوز إعطاؤها لمن لا معرفة له، إلّا عند التقية أو عدم مستحقّيها من أهل المعرفة. والأفضل أن يعطي الإنسان من يخافه من غير الفطرة، ويضع الفطرة في مواضعها.

ولا يجوز أن يعطي أقلّ من زكاة رأس واحد لواحد مع الاختيار. فإن حضر جماعة محتاجون وليس هناك من الأصواع بقدر ما يصيب كلّ واحد منهم صاع، جاز أن يفرّق عليهم. ولا بأس أن يعطي الواحد صاعين أو أصواعا.

والأفضل أن لا يعدل الإنسان بالفطرة إلى الأباعد مع وجود القرابات ولا الى الأقاصي مع وجود الجيران. فإن فعل خلاف ذلك، كان تاركا فضلا، ولم يكن عليه بأس.

١٩٢

باب الجزية وأحكامها

الجزية واجبة على أهل الكتاب ممّن أبى منهم الإسلام وأذعن بها، وهم اليهود والنّصارى. والمجوس حكمهم حكم اليهود والنّصارى. وهي واجبة على جميع الأصناف المذكورة إذا كانوا بشرائط المكلّفين وتسقط عن الصّبيان والمجانين والبله والنّساء منهم. فأمّا ما عدا الأصناف المذكورة من الكفّار، فليس يجوز أن يقبل منهم إلّا الإسلام أو القتل. ومن وجبت عليه الجزية وحلّ الوقت، فأسلم قبل أن يعطيها، سقطت عنه، ولم يلزمه أداؤها.

وكلّ من وجبت عليه الجزية، فالإمام مخيّر بين أن يضعها على رءوسهم أو على أرضيهم. فإن وضعها على رءوسهم، فليس له أن يأخذ من أرضيهم شيئا. وإن وضعها على أرضيهم، فليس له أن يأخذ من رءوسهم شيئا.

وليس للجزية حدّ محدود ولا قدر موقّت. بل يأخذ الإمام منهم على قدر ما يراه من أحوالهم من الغنى والفقر بقدر ما يكونون به صاغرين.

وكان المستحقّ للجزية في عهد رسول الله،صلى‌الله‌عليه‌وآله ، المهاجرين دون غيرهم. وهي اليوم لمن قام مقامهم في نصرة الإسلام والذبّ من سائر المسلمين.

١٩٣

ولا بأس أن تؤخذ الجزية من أهل الكتاب ممّا أخذوه من ثمن الخمور والخنازير والأشياء التي لا يحلّ للمسلمين بيعها والتّصرف فيها.

باب أحكام الأرضين وما يصح التصرف فيه منها بالبيع والشرى والتملك وما لا يصح

الأرضون على أربعة أقسام:

ضرب منها يسلم أهلها عليها طوعا من قبل نفوسهم من غير قتال، فتترك في أيديهم، ويؤخذ منهم العشر أو نصف العشر، وكانت ملكا لهم، يصحّ لهم التّصرّف فيها بالبيع والشّرى والوقف وسائر أنواع التّصرف.

وهذا حكم أرضيهم إذا عمروها وقاموا بعمارتها. فإن تركوا عمارتها، وتركوها خرابا، كانت للمسلمين قاطبة. وعلى الإمام أن يقبّلها ممّن يعمّرها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل بعد إخراج حقّ القبالة ومئونة الأرض، العشر أو نصف العشر فيما يبقى في حصّته، إذا بلغ الى الحدّ الذي يجب فيه ذلك. وهو خمسة أوسق فصاعدا حسب ما قدّمناه.

والضّرب الآخر من الأرضين، ما أخذ عنوة بالسّيف، فإنّها تكون للمسلمين بأجمعهم. وكان على الإمام أن يقبّلها

١٩٤

لمن يقوم بعمارتها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع. وكان على المتقبّل إخراج ما قد قبل به من حقّ الرّقبة، وفيما يبقى في يده وخاصّه العشر أو نصف العشر.

وهذا الضّرب من الأرضين لا يصحّ التّصرف فيه بالبيع والشرى والتملّك والوقف والصّدقات. وللإمام أن ينقله من متقبّل إلى غيره عند انقضاء مدّة ضمانه، وله التّصرّف فيه بحسب ما يراه من مصلحة المسلمين. وهذه الأرضون للمسلمين قاطبة، وارتفاعها يقسم فيهم كلّهم: المقاتلة، وغيرهم. فإن المقاتلة ليس لهم على جهة الخصوص إلّا ما تحويه العسكر من الغنائم.

والضّرب الثّالث كلّ أرض صالح أهلها عليها، وهي أرض الجزية، يلزمهم ما يصالحهم الإمام عليه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وليس عليهم غير ذلك.

فإذا أسلم أربابها، كان حكم أرضيهم حكم أرض من أسلم طوعا ابتداء، ويسقط عنهم الصّلح، لأنه جزية بدل من جزية رءوسهم وأموالهم، وقد سقطت عنهم بالإسلام. وهذا الضّرب من الأرضين يصحّ التّصرّف فيه بالبيع والشّرى والهبة وغير ذلك من أنواع التّصرف، وكان للإمام أن يزيد وينقض ما صالحهم عليه بعد انقضاء مدّة الصّلح حسب ما يراه من زيادة الجزية ونقصانها

١٩٥

والضّرب الرّابع، كلّ أرض انجلى أهلها عنها، أو كانت مواتا فأحييت، أو كانت آجاما وغيرها ممّا لا يزرع فيها، فاستحدثت مزارع.

فإن هذه الأرضين كلّها للإمام خاصة، ليس لأحد معه فيها نصيب، وكان له التّصرّف فيها بالقبض والهبة والبيع والشّرى حسب ما يراه، وكان له أن يقبّلها بما يراه من النّصف أو الثّلث أو الرّبع، وجاز له أيضا بعد انقضاء مدّة القبالة نزعها من يد من قبّله إيّاها وتقبيلها لغيره، إلّا الأرضين التي أحييت بعد مواتها، فإن الذي أحياها أولى بالتّصرف فيها ما دام يقبلها بما يقبلها غيره. فإن أبى ذلك، كان للإمام أيضا نزعها من يده وتقبيلها لمن يراه. وعلى المتقبّل بعد إخراجه مال القبالة والمؤن فيما يحصل في حصتّه، العشر أو نصف العشر.

باب الخمس والغنائم

الخمس واجب في جميع ما يغنمه الإنسان.

والغنائم كلّ ما أخذ بالسّيف من أهل الحرب الذين أمر الله تعالى بقتالهم من الأموال والسّلاح والكراع والثّياب والمماليك وغيرها ممّا يحويه العسكر وممّا لم يحوه.

ويجب الخمس أيضا في جميع ما يغنمه الإنسان من أرباح

١٩٦

التّجارات والزّراعات وغير ذلك بعد إخراج مئونته ومئونة عياله.

ويجب الخمس أيضا في جميع المعادن من الذّهب والفضّة والحديد والصّفر والملح والرّصاص والنّفط والكبريت وسائر ما يتناوله اسم المعدن على اختلافها.

ويجب أيضا الخمس من الكنوز المذخورة على من وجدها، وفي العنبر وفي الغوص.

وإذا حصل مع الإنسان مال قد اختلط الحلال بالحرام، ولا يتميّز له، وأراد تطهيره، أخرج منه الخمس، وحلّ له التّصرف في الباقي. وإن تميّز له الحرام، وجب عليه إخراجه وردّه الى أربابه. ومن ورث مالا ممّن يعلم أنّه كان يجمعه من وجوه محظورة مثل الرّبا والغضب وما يجري مجراهما، ولم يتميّز له المغصوب منه ولا الرّبا، أخرج منه الخمس، واستعمل الباقي، وحلّ له التّصرف فيه.

والذمّي إذا اشترى من مسلم أرضا، وجب عليه فيها الخمس.

وجميع ما قدّمناه ذكره من الأنواع، يجب فيه الخمس قليلا كان أو كثيرا، إلّا الكنوز ومعادن الذّهب والفضّة، فإنّه لا يجب فيها الخمس إلّا إذا بلغت إلى القدر الذي يجب فيه الزّكاة.

١٩٧

والغوص لا يجب فيه الخمس إلّا إذا بلغ قيمته دينارا.

وأمّا الغلّات والأرباح فإنّه يجب فيها الخمس بعد إخراج حق السّلطان ومئونة الرّجل ومئونة عياله بقدر ما يحتاج اليه على الاقتصاد.

والكنوز إذا كانت دراهم أو دنانير، يجب فيها الخمس فيما وجد منها، إذا بلغ إلى الحدّ الّذي قدّمناه ذكره. وإن كان ممّا يحتاج الى المؤنة والنّفقة عليه، يجب فيه الخمس بعد إخراج المؤنة منه.

باب قسمة الغنائم والأخماس

كلّ ما يغنمه المسلمون من دار الحرب من جميع الأصناف التي قدّمناه ذكرها، ممّا حواه العسكر يخرج منه الخمس. وأربعة أخماس ما يبقى يقسم بين المقاتلة. وما لم يحوه العسكر من الأرضين والعقارات وغيرها من أنواع الغنائم يخرج منه الخمس، والباقي تكون للمسلمين قاطبة: مقاتليهم وغير مقاتليهم، يقسمه الامام بينهم على قدر ما يراه من مئونتهم.

والخمس يأخذه الإمام فيقسمه ستّة أقسام:

قسما لله، وقسما لرسوله، وقسما لذي القربى. فقسم الله وقسم الرّسول وقسم ذي القربى للإمام خاصّة، يصرفه في أمور نفسه وما يلزمه من مئونة غيره.

١٩٨

وسهم ليتامى آل محمّد، وسهم لمساكينهم، وسهم لأبناء سبيلهم. وليس لغيرهم شي‌ء من الأخماس. وعلى الإمام أن يقسم سهامهم فيهم على قدر كفايتهم ومئونتهم في السّنة على الاقتصاد. فإن فضل من ذلك شي‌ء، كان له خاصّة. وإن نقص كان عليه أن يتمّ من خاصّته.

وهؤلاء الذين يستحقّون الخمس، هم الذين قدّمنا ذكرهم ممّن تحرم عليهم الزّكاة، ذكرا كان أو أنثى. فإن كان هناك من أمّه من غير أولاد المذكورين، وكان أبوه منهم، حلّ له الخمس، ولم تحلّ له الزّكاة. وإن كان ممّن أبوه من غير أولادهم، وأمّه منهم، لم يحلّ له الخمس، وحلّت له الزّكاة.

باب الأنفال

الأنفال كانت لرسول الله خاصّة في حياته، وهي لمن قام مقامه بعده في أمور المسلمين. وهي كلّ أرض خربة قد باد أهلها عنها. وكلّ أرض لم يوجف عليها بخيل ولا ركاب أو يسلّمونها هم بغير قتال، ورءوس الجبال وبطون الأودية والآجام والأرضون الموات التي لا أرباب لها، وصوافي الملوك وقطائعهم ممّا كان في أيديهم من غير وجه الغصب، وميراث من لا وارث له.

وله أيضا من الغنائم قبل أن تقسم: الجارية الحسناء،

١٩٩

والفرس الفاره، والثّوب المرتفع، وما أشبه ذلك ممّا لا نظير له من رقيق أو متاع.

وإذا قاتل قوم أهل حرب من غير أمر الإمام، فغنموا، كانت غنيمتهم للإمام خاصّة دون غيره.

وليس لأحد أن يتصرف فيما يستحقّه الإمام من الأنفال والأخماس إلّا بإذنه. فمن تصرّف في شي‌ء من ذلك بغير إذنه، كان عاصيا، وارتفاع ما يتصرّف فيه مردود على الإمام. وإذا تصرّف فيه بأمر الإمام، كان عليه أن يؤدي ما يصالحه الإمام عليه من نصف أو ثلث أو ربع.

هذا في حال ظهور الإمام. فأمّا في حال الغيبة، فقد رخّصوا لشيعتهم التصرّف في حقوقهم ممّا يتعلّق بالأخماس وغيرها فيما لا بدّ لهم منه من المناكح والمتاجر والمساكن. فأمّا ما عدا ذلك، فلا يجوز له التصرّف فيه على حال.

وما يستحقّونه من الأخماس في الكنوز وغيرها في حال الغيبة فقد اختلف قول أصحابنا فيه، وليس فيه نصّ معيّن إلا أنّ كلّ واحد منهم قال قولا يقتضيه الاحتياط.

فقال بعضهم: إنّه جار في حال الاستتار مجرى ما أبيح لنا من المناكح والمتاجر.

وقال قوم: إنّه يجب حفظه ما دام الإنسان حيا. فإذا حضرته الوفاة، وصّى به الى من يثق به من إخوانه المؤمنين

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ذلك سبباً في حدوث إنقسامٍ كبير بين الشيعة كما أشار إلى ذلك إبن خلدون.

وبمثل قوله في ص ١٢٨: إدَّعى عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن الحسين(١) الإمامة، ويُروى أن وفداً مؤلَّفا من إثنين وسبعين رجلاً جاء إلى المدينة من خراسان، ومعهم أموال يحملونها إلى الإمام وهم لا يعرفونه، فذهبوا إلى عبد الله أوَّلاً فأخرج لهم درع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وخاتمه وعصاه وعمامته، فلمّا خرجوا من عنده على أن يرجعوا غداً لقيهم رجلٌ من أتباع محمّد الباقر فخاطبهم بأسمائهم ودعاهم إلى دار سيِّده فلمّا حضروا كلّهم طلب الإمام محمّد الباقر من إبنه جعفر أن يأتيه بخاتمه فأخذه بيده وحرَّكه قليلاً وتكلّم بكلمات فإذا بدرع الرَّسول وعمامته وعصاه تسقط من الخاتم، فلبس الدرع ووضع العمامة على رأسه وأخذ العصا بيده فاندهش النّاس، فلمّا رأوها نزع العمامة والدرع وحرَّك شفتيه فعادت كلّها إلى الخاتم، ثمَّ التفت إلى زوّاره وأخبرهم أنّه لا إمام إلّا وعنده مال قارون فاعترفوا بحقِّه في الإمامة ودفعوا له الأموال. وقال في تعليقه: اُنظر دائرة المعارف(٢) الإسلاميَّة. مادة قارون.

سبحانك اللّهمَّ ما كنّا نحسب أنَّ رجلاً يسعه أن يكتب عن أُمَّة كبيرة ويأخذ معتقداتها عمَّن يُضادُّها في المبدء، ويتقوَّل عليها بمثل هذه التّرهات من دون أيِّ مصدر، وينسب إليها بمثل هذه المخازي من دون أيِّ مبرِّر، فما عساني أن أكتب عن مؤلِّف حائر بائر ساح بلاد الشيعة، وجاس خلال ديارهم، وحضر في حواضرهم وعاش بينهم (كما يقول في مقدِّمة كتابه) ستّ عشر سنة، ولم ير منهم في طيلة هذه المدَّة أثراً ممّا تقوَّل عليهم، ولم يسمع منه ركزاً، ولم يقرأه في تآليف أيِّ شيعيٍّ ولو لم يكن فيهم وسيطاً(٣) . ولم يجد في طامور قصّاص، فجاء يفصم عرى الأُخوَّة الإسلاميَّة، ويُفرِّق صفوف أهل القرآن، بما لفَّقته يد الإفك والزور من شاكلته،

_____________________

١ - ليته دلنا على مدعي الإمامة هذا من ولد الحسين من هو؟ ومتى ولد؟ وأين ولد؟ وأين عاش؟ وأين مات؟ وأين دفن؟ ومتى كان دعواه؟ لم يكن ممّن عاصر الإمام الباقر من ولد جدّه الحسين غير أخيه عبد الله بن علي بن الحسين، وكان فقيهاً فاضلاً مخبتاً إلى إمامة أخيه الباقر فالقضية بهذا الإسم سالبة بانتفاء الموضوع، وفيها ما ينافي أصول الشيعة وقد خفى على الواضع.

٢ - هذا الكتاب فيه من البهرجة والباطل شيء هائل يحتاج جدّاً إلى نظارة التنقيب.

٣ - وسيط القوم: أرفعهم مقاماً وأشرفهم نسباً. ومن هنا يقال: الحكمة الوسطى.

٣٢١

ويبهت أرقى الأُمم بما هم بُعداء منه، ويعزو إليهم بما يُكذِّبه به أدب الشيعة وتُحرِّمه مبادئهم الصحيحة، ويقذفهم بما وضعته يد الإحن والشحنا من أمثال هذه الأفائك الشائنة، فكأنَّ في أُذنيه وقراً لم تسمع ذكراً ممّا ألَّفه أعلام الشيعة قديماً وحديثاً في أُصول عقائدهم، وكأنَّ في بصره غشاوة لم ير شيئاً من تلك التآليف التي ملأت مكتبات الدنيا. نعم: إنَّ( الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) .فأتعس الله حظَّ مؤلِّف هذا شأنه، وجَدع أنفه ويُريه وبال أمره في الدنيا قبل عذاب الآخرة.

والخطب الفظيع إنَّ هذا الكيذبان [وليد عالم التمدُّن] مهما ينقل عن تأليف شيعيٍّ تجده تارةً يمين في نقله كقوله في ترجمة الكليني ص ٢٨٤: يقال إنَّ قبره فتح فوُجد في ثيابه وعلى هيئته لم يتغيَّر وإلى جانبه طفلٌ كان قد دفن معه فبني على قبره مُصلّى. ويذكر في التعليق أنَّه كذلك ص ٢٠٧ فهرست الطوسي رقم ٧٠٩. ولم يوجد في فهرست الطوسي من هذه القيلة أثرٌ.

وتارةً تراه يحرِّف الكلم عن مواضعها ويشوِّه صورتها كما فعل فيما ذكره من زيارة مولانا أميرالمؤمنين ص ٨٠ ناقلاً عن الكافي للكليني ج ٢(١) ص ٣٢١ فإنَّه أدخل فيها من عند نفسه ألفاظاً لم توجد قطُّ فيها لا فيه ولا في غيره من كتب الشيعة.

أضف إلى هذه فظيعة جهله برجال الشيعة وتاريخهم قال في ترجمة الصحابيِّ الشيعيِّ العظيم سلمان الفارسيّ: يزور كثيرٌ من الشيعة قبره عند عودتهم من كربلاء وهو في قرية اسبندور من المدائن ويقول بعضهم(٢) : إنّه دُفن في جوار إصفهان. وقال ص ٢٦٨: والمقداد الذي تُوفّي في مصر ودفن بالمدينة. وحذيفة بن اليمان الذي قُتل مع أبيه وأخيه في غزوة أُحد ودُفن في المدينة. وقال ص ٢٦٨: إنَّ الكليني مات في بغداد ودفن بالكوفة(٣) وأكثر النقل عن تبصرة العوام للسيِّد المرتضى الرازي أحد أعلام القرن السابع ونسبه في ذلك كلِّه إلى السيِّد الشريف علم الهدى المرتضى مؤرِّخا وفاته ٤٣٦.

_____________________

١ - والصحيح: ج ١.

٢ - ليته دلتا على ذلك البعض.

٣ - خفى عليه أنه (باب الكوفة) وهو من محلات بغداد.

٣٢٢

ولعلَّنا نبسط القول حول ما في طيِّه من أباطيل ومخاريق بتأليف مفرد ونبرهن فساد ما هنالك في ص ٢٠، ٢١، ٢٤، ٣٤، ٣٦، ٤٣، ٤٧، ٥٩، ٦٠، ٦٣، ٧٢، ٧٧، ٨٠، ٨٣، ٩١، ٩٢، ١٠٠، ١٠١، ١١٠، ١١١، ١١٤، ١١٥، ١٢٢، ١٢٦، ١٢٨، ١٥١، ١٥٨، ١٦١، ١٧٠، ١٧٤، ١٨٥، ١٩٢، ٢٠٨، ٢١١، ٢٣٥، ٢٥٣، ٢٦٨، ٢٨٠، ٢٨٢، ٢٨٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٠٤، ٣٢٠، ٣٢٩، وغيرها.

ولا يفوت المترجم عرفاننا بأنَّ يده الأمينة على ودايع العلم لعبت بهذا الكتاب وإنَّه زاد شوهاً في شوهه، وبذل كلّه في تحريفه، وأخنى عليه ورمَّجه، وقلَّب له ظهر المجن، وأدخل فيه ما حبَّذته نفسيَّته الضئيلة، فتعساً لمترجم راقه ما في الكتاب من التحامل على الشيعة والوقيعة فيهم، فجاء يحمل أثقال أوزار الغرب وينشرها في الملأ ولم يُهمّه التحفّظ على ناموس الإسلام، وعصمة الشرق، وكيان العرب ودينه.

( وَلَيَحْمِلُنّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )

سورة العنكبوت: ١٣

٣٢٣

١٦

الوشيعة

في نقد عقائد الشيعة

تأليف موسى جار الله

كنت أودُّ أن لا أحدث لهذا الكتاب ذكرا، وأن لا يسمع أحد منه ركزا، فإنَّه في الفضائح أكثر منه في عداد المؤلَّفات، لكن طبع الكتاب وانتشاره حداني إلى أن أوقف المجتمع على مقدار الرَّجل، وعلى أُنموذج ممّا سوَّد به صحائفه، وكلُّ صحيفةٍ منه عارٌ على الأُمّة وعلى قومه أشدُّ شنارا.

لست أدري ما أكتب عن كتاب رجل نبذ كتاب الله وسنَّة نبيِّه وراءه ظهريّا، فجاء يحكم وينقد، ويتحكّم ويُفنِّد، وينبر وينبز، ويبعث بكتاب الله ويفسِّره برأيه الضئيل؛ وعقليَّته السقيمة كيف شاء وأراد، فكأنّ القرآن قد نزل اليوم ولم يسبقه إلى معرفته أحدٌ، ولم يأت في آية قولٌ، ولم يُدوَّن في تفسيره كتابٌ، ولم يرد في بيانه حديثٌ، وكأنَّ الرجل قد أتى بشرعٍ جديد، ورأي حديث، ودين مخترعٍ، ومذهبٍ مبتدعٍ، لا يُساعده أيُّ مبدء من مبادئ الإسلام، ولا شيءٌ من الكتاب أو السنَّة.

ما قيمة مغفَّل وكتابه وهو يرى الأُمَّة شريكةً لنبيِّها في كلِّ ما كان له، وفي كلِّ فضيلة وكمال تستوجبها الرِّسالة، وشريكة لنبيِّها في أخصّ خصايص النبوَّة، ويرى رسالة الأُمَّة متَّصلةً بسورة رسالة النبيِّ من غير فصل، ويستدلُّ على رسالة الأُمَّة بقوله تعالى( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) (١) . وبقوله:( مُحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (٢)

_____________________

١ - سورة التوبة آية ١٢٨.

٢ - سورة الفتح آية ٢٩.

٣٢٤

والكلام معه في هذه الأساطير كلّها يستدعي فراغاً أوسع من هذا، ولعلّه يُتاح لنا في المستقبل الكشّاف إنشاء الله تعالى، وقد أغرق نزعاً في تفنيد أباطيله العلّامة المبرور الشيخ مهدي الحجّار النجفي نزيل المعقل(١) .

ولو لم يكن للرَّجل في طيِّ كتابه إلّا أساطيره الراجعة إلى الأُمَّة لكفاه جهلاً وسوءة وإليك نماذج منها قال:

١ - الأُمَّة معصومةٌ عصمة نبيِّها. معصومةٌ في تحمّلها وحفظها. وفي تبليغها وأدائها. حفظت كلَّ ما بلّغه النبيُّ مئل حفظ النبيِّ. وبلّغت كلَّ ما بلّغه النبيُّ مثل تبليغ النبيِّ. حفظت كلّيات الدين وجزئيّات الدين أصلاً وفرعاً. وبلّغت كلّيات الدين وجزئيّات الدين أصلاً وفرعاً.

لم يضع من أُصول الدين ومن فروع الدين شييءٌ. ١ - حفظه الله ٢ - حفظه نبيّه محمَّد ، ٣-حفظته الأُمَّة: كافَّة عن كافَّة، عصراً بعد عصر، ولا يمكن أن يوجد شيئٌ من الدين غفل عنه أو نسيه الأُمّة.

فالأُمّة بالقرآن والسنّة أعلم من جميع الأئمّة، وأقرب من إهتداء الأئمّة، وعلم الأُمَّة بالقرآن وسنن النبيِّ اليوم أكثر وأكمل من علم عليٍّ ومن علوم كلِّ أولاد عليٍّ.

ومن عظيم فضل الله على نبيِّه، ثمَّ من عموم وعميم فضل الله على الأُمّة أن جعل في الأُمّة من أبناء الأُمّة كثيراً هم أعلم بكثير من الأئمّة ومن صحابة النبيِّ صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم. لز.

وكلُّ حادثة إذا وقعت فالأُمَّة لا تخلو من حكم حقٍّ وصواب وجواب يُريه الله الواحدَ من الأُمَّة الّتي ورثت نبيَّها وصارت رشيدةً ببركة الرِّسالة وختمها أرشد إلى الهداية وإلى الحق من كلِّ إمام، والأُمَّة مثل نبيِّها معصومةٌ ببركة الرِّسالة و كتابها، ومعصومةٌ بعقلها العاصم.

الأُمَّة بلغت وصارت رشيدةً لا تحتاج إلى الإمام، رشدها وعقلها يُغنيها عن كلِّ إمام. لح.

أنا لا أنكر على الشيعة عقيدتها أنَّ الأئمَّة معصومةٌ، وإنَّما أنكر عليها عقيدتها

_____________________

١ - أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر يأتي هناك شعره وترجمته.

٣٢٥

أنّ أُمَّة محمَّد لم تزل قاصرةً ولن تزال قاصرةً، تحتاج إلى وصاية إمام معصوم إلى يوم القيامة، والأُمَّة أقرب إلى العصمة والإهتداء من كلِّ إمام معصوم، وأهدى إلى الصواب والحقِّ من كلّ إمام معصوم، لأنَّ عصمة الإمام دعوى، أمّا عصمة الأُمَّة فبداهة وضرورة بشهادة القرآن. لط.

ليس يُمكن في العالم نازلة حادثة ليس لها جوابٌ عند الأُمَّة: وعقلنا لا يتصوَّر إحتياج الأُمَّة إلى إمام معصومٍ، وقد بلغت رشدها، ولها عقلها العاصم، وعندها كتابها المعصوم، وقد حازت بالعصوبة كلَّ مواريث نبيِّها، وفازت بكلِّ ما كان للنبيِّ بالنبوَّة.

الأُمَّة بعقلها وكمالها ورشدها بعد ختم النبوَّة أكرم وأعزّ وأرفع من أن تكون تحت وصاية وصيٍّ تبقى قاصرةً إلى الأبد. ما

ج - هذه سلسلة أوهام، وحلقة خرافات تبعد عن ساحة أيِّ متعلّمٍ متفقِّه فضلاً عمَّن يرى نفسه فقيهاً، فكأنَّ الرجل يتكلّم في الطيف في عالم الأضغاث والأحلام.

ألا مَن يُسائله عن أنَّ الأُمَّة إذا كانت معصومةً حافظةً لكلّيات الدين وجزئيّاته أصلاً وفرعاً، ومبلّغةً جميع ذلك كافَّة عن كافَّة وعصراً بعد عصر، ولم يوجد هناك شيئٌ منسيٌّ أو مغفولٌ عنه، فما معنى أعلميَّتها من جميع الأئمَّة؟ وأقربيّة إهتدائها من إهتدائهم؟ أيراهم خارجين عن الأُمَّة غير حافظين ولا مهتدين، في جانب عن الدين الذي حفظته الأُمَّة، لا تشملهم عصمتها ولا حفظها ولا اهتدائها ولا تبليغها؟.

وعلى ما يهم الرَّجل يجب أن لا يوجد في الأُمَّة جاهلٌ، ولا يقع بينها خلافٌ في أمر دينيّ أو حكم شرعيّ، وهؤلاء جهلاء الأُمَّة الذين سدّوا كلَّ فراغ بين المشرق والمغرب، وتشهد عليهم أعمالهم وأقوالهم بأنَّهم جاهلون - وفي مقدَّمهم هو نفسه - وما شجر بين الأُمَّة من الخلاف منذ عهد الصحابة وإلى يومنا الحاضر ممّا لا يكاد يخفى على عاقل، وهل يُتصوَّر الخلاف إلّا بجهل أحد الفريقين بالحقيقة الناصعة؟ لأنَّها وحدانيَّةٌ لا تقبل التجزية، أيرى من الدين الذي حفظته الأُمَّة وبلّغته جهل عليٍّ وأولاده من بينهم بالقرآن والسنن؟ أم يراهم أنَّهم ليسوا من الأُمَّة؟ فيقول: إنَّ علم الأُمَّة بالقرآن وسنن النبيِّ اليوم أكثر وأكمل من علم عليّ ومن علوم كلِّ أولاد عليّ. ومتى أحاط هو بعلم عليّ وأولاده عليهم السَّلام وبعلم الأُمَّة جمعاء؟ حتى يسعه

٣٢٦

هذا التحكّم الباتّ والفتوى المجرَّدة.

والعجب أنَّه يرى أنَّ الأُمَّة إذا وقعت حادثةٌ يُري الله لواحد منها الحكم وصواب الجواب، وأنها ورثت نبيَّها، ورشدت ببركة الرِّسالة وبها وبكتابها ما تلت نبيَّها في العصمة، وإنَّها معصومةٌ بعقلها العاصم، فما بال الأئمَّة [عليٍّ وأولاد عليّ] لا يكون من أولئك الآحاد الذين يُريهم الله الحق والصواب؟! وما بالهم قصروا عن الوراثة المزعومة؟! وليس لهم شركة في علم الأُمَّة؟ ولم تشملهم بركة الرِّسالة وكتابها؟ ولا يُماثلون النبيَّ في العصمة؟ ولا يوجد عندهم عقلٌ عاصم؟ وأعجب من هذه كلّها هتافُ الله بعصمتهم في كتابه العزيز، ألا يعلم مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير؟ أم على قلوب أقفالها؟.

ولعلّي يسعني أن أقول بأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله كان أبصر وأعرف بأُمَّته من صاحب هذه الفتاوى المجرَّدة، وأعلم بمقادير علومهم وبصائرهم، فهو بعد ذلك كلّه خلّف لهداية أمَّته من بعده الثقلين: كتاب الله وعترته [ويريد الأئمَّة منهم] وقال: ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي وإنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فحصر الهداية بالتمسّك بهما واقتصاص آثارهما إلى غاية الأمد يُفيدنا أنَّ عندهما من العلوم والمعارف ما تقصر عنها الأمَّة، وإنَّه ليس في حيّز الإمكان أن تبلغ الأُمَّة وهي غير معصومة من الخطأ ولم تكشف لها حجب الغيب مبلغاً يستغنى به عمَّن يرشدها في مواقف الحيرة.

فأئمَّة العترة أعدال الكتاب في العلم والهداية بهذا النصِّ الأغرّ، وهم مفسِّروه والواقفون على مغازيه ورموزه، ولو كانت الأُمَّة أو أنَّ فيها مَن يُضاهيهم في العلم والبصيرة فضلاً عن أن يكون أعلم بكثير منهم لكان هذا النصُّ الصريح مجازفة في القول

لا سيّما وأنَّ الهتاف به كان له مشاهد ومواقف منها مشهد «يوم الغدير» وقد ألقاه صاحب الرِّسالة على مائة ألف أو يزيدون، وهو أكبر مجتمع للمسلمين على العهد النبويِّ، هنالك نعى نفسه وهو يرى أُمَّته [وحقّاً ما يرى] قاصرةً (ولن تزل قاصرةً) عن درك مغازي الشريعة فيجبره ذلك بتعيين الخليفة من بعده.

وهذا الحديث من الثابت المتواتر الذي لا يعترض صدوره أيّ ريب، وللعلّامة السمهودي كلامٌ حول هذا الحديث أسلفناه ص ٨٠. وكان يرى صلّى الله عليه وآله مسيس حاجة

٣٢٧

أُمَّته إلى الخليفة من يوم بدء دعوته يوم أمر بإنذار عشيرته كما مرَّ حديثه ج ٢ ص ٢٧٨(١) وممّا يُماثل هذا النصّ حديث سفينة نوح حيث شبّه فيه نفسه وأهل بيته (ويريد الأئمَّة منهم) بسفينة نوح التي من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، فحصر النجاة باتِّباعهم المستعار له ركوب السفينة، ولولا أنَّ لهم علوماً وافيةً بإرشاد الأُمَّة وأنَّها لا تهتدي إليها إلّا بالأخذ منهم لما استقام هذا التشبيه ولا اتَّسق ذلك الكلام.

ومثله حديث تشبيهه صلّى الله عليه وآله أهل بيته بالنجوم، فأهل بيته أعلامٌ وصوى للهداية يُهتدى بهم في ظلمات الغيِّ والخلاف، كما أنَّ النجوم يُهتدى بها في غياهب الليل البهم، ولولا أنَّهم أركان العلم والهداية لما يتمّ التمثيل.

ولو كان علم الأُمَّة اليوم بالقرآن والسنن أكثر وأكمل من علم عليٍّ ومن علوم كلِّ أولاد عليٍّ (كما زعمه المسكين) فكيف خفي ذلك على رسوله الله فقال و كأنَّه لم يعرف أُمَّته: أعلم أُمَّتي من بعدي عليُّ بن أبي طالب؟

وكيف اتَّخذه وعاء علمه وبابه الَّذي يُؤتى منه؟

وكيف رآه باب علمه ومبيِّن أُمَّته بما أُرسل به من بعده؟

وكيف أخبر أُمَّته بأنَّه خازن علمه وعيبته؟

وكيف خصَّه بين أُمَّته بالوصيَّة والوارثة لعلمه؟

وكيف صحَّ عن أمير المؤمنين قوله: والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمِّه و وارث علمه، فمن أحقُّ به منّي؟

وكيف حكم الحافظ النيسابوري بإجماع الأُمَّة على أنَّ عليّاً ورث العلم من النبيِّ دون الناس؟

وعلى هذه كلّها فلازم كون الأُمَّة أعلم من عليٍّ كونها أعلم من رسول الله صلّى الله عليه وآله لأنَّه ورث علمه كلّه.

ثمَّ كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يرى أنَّ الله جعل الحكمة في أهل بيته وفي الأُمَّة مَن هو أعلم منهم؟ وقد صحّ عنه صلّى الله عليه وآله قوله: أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها.

وكيف يأمر أُمَّته بالإقتداء بأهل بيته من بعده ويعرِّفهم بأنَّهم خُلقوا من طينتي

_____________________

١ - في الطبعة الثانية. وص ٢٥١ من الأولى.

٣٢٨

ورُزقوا فهمي وعلمي؟

وكيف يراهم أئمَّة أُمَّته ويقول: في كلِّ خلوف من أُمَّتي عدول من أهل بيتي ينفون من هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطين، وتأويل الجاهلين، ألا إنَّ أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا بمن توفدون(١) .

م - والأُمَّة إن كانت غير قاصرة لا تحتاج إلى وصاية إمام معصوم إلى يوم القيامة كما زعمه المغفَّل ولا يتصوّر عقله إحتياجها إلى إمام معصوم فلماذا أخَّرت الأُمَّة تجهيز نبيِّها صلّى الله عليه وآله ودفنه ثلاثة أيّام؟ وهذه كتب القوم تنصُّ على أنّ ذلك إنّما كان لاشتغالهم بالواجب الأهمّ ألا وهو. أمر الخلافة وتعيين الخليفة.

قال ابن حجر في الصواعق ص ٥: إعلم أنّ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا علي أنَّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوَّة واجبٌ، بل جعلوه أهمَّ الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع المذكور.

والباحث يجد نظير هذه الكلمة في غضون الكتب كثيراً، فكيف يتصوّر عندئذ عقل الرَّجل مسيس حاجة الأُمَّة يوم ذلك إلى إمام غير معصوم وهي لا تحتاج إلى إمام معصوم قطُّ إلى يوم القيامة؟؟].

٢ - بسط القول في المتعة ومُلخَّصه: إنَّها من بقايا الأنكحة الجاهليَّة، ولم تكن حكماً شرعيّاً، ولم تكن مباحةً في شرع الإسلام، ونسخها لم يكن نسخ حكم شرعيٍّ وإنَّما كان نسخ أمر جاهليٍّ، ووقع الإجماع على تحريمها، ولم ينزل فيها قرآن، ولا يوجد في غير كتب الشيعة قولٌ لأحد أنَّ فما استَمتعتم به مِنهنَّ فآتوهُنَّ أُجورَهُنَّ نزل فيها، ولا يقول به لا جاهلٌ يدّعي ولا يعي، وكتب الشيعة ترفع القول به إلى الباقر والصّادق وأحسن الإحتمالين أنّ السند موضوعٌ وإلّا فالباقر والصّادق جاهلٌ ٣٢ - ١٦٦.

ج - هذه سلسلة جنايات على الإسلام وكتابه وحكمه، وتكذيبٌ على ما جاء به نبيّه وأقرَّ به السلف من الصحابة والتابعين والعلماء من فرق المسلمين بأسرهم. وقد فصَّلنا القول فيها في رسالة تحت نواحي خمس نأخذ منها فهرستها ألا وهو:

_____________________

١ - راجع في هذه الأحاديث المذكورة ص ٨٠، ٨١، ٩٥، ١٠١، ١٢٣ من هذا الجزء

٣٢٩

( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) [سورة النساء ٢٤] ذُكر نزولها في المتعة في أوثق مصادر التفسير منها:

١ - صحيح البخاري ٢ - صحيح مسلم ٣ - مسند أحمد ٤ ص ٤٣٦، بإسنادهم عن عمران بن حصين. وتجده في تفسير الرازي ٣ ص ٢٠٠، ٢٠٢. وتفسير أبي حيان ٣ ص ٢١٨.

٤ - تفسير الطبري ٥ ص ٩ عن إبن عبّاس وأُبيِّ بن كعب والحَكَم وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وشعبة وأبي ثابت.

٥ - أحكام القرآن للجصّاص ٢ ص ١٧٨ حكاه عن عدَّة.

٦ - سنن البيهقي ٧ ص ٢٠٥ رواه عن إبن عبّاس.

٧ - تفسير البغوي ١ ص ٤٢٣ عن جمع، وحكى عن عامَّة أهل العلم أنّها منسوخةٌ.

٨ - تفسير الزمخشري ١ ص ٣٦٠.

٩ - أحكام القرآن للقاضي ١ ص ١٦٢ رواه عن جمع.

١٠ - تفسير القرطبي ٥ ص ١٣٠ قال: قال الجمهور: إنّها في المتعة.

١١ - تفسير الرازي ٣ ص ٢٠٠ ذكر عن الصحيحين حديث عمران أنّها في المتعة.

١٢ - شرح صحيح مسلم للنووي ٩ ص ١٨١ عن ابن مسعود.

١٣ - تفسير الخازن ١ ص ٣٥٧ عن قوم وقال: ذهب الجمهور أنّها منسوخةٌ.

١٤ - تفسير البيضاوي ١ ص ٢٦٩. يروم إثبات نسخها بالسنّة.

١٥ - تفسير أبي حيّان ٣ ص ٢١٨ عن جمعٍ من الصحابة والتابعين.

١٦ - تفسير إبن كثير ١ ص ٤٧٤ عن جمع من الصحابة والتابعين.

١٧ - تفسير السيوطي ٢ ص ١٤٠ رواه عن جمعٍ من الصحابة والتابعين بطريق الطبراني. وعبد الرزاق. والبيهقي. وابن جرير. وعبد بن حميد. وأبي داود. و إبن الأنباري.

١٨ - تفسير أبي السعود ٣ ص ٢٥١.

قال الأميني: أليست [أيّها الباحث] هذه الكتب مراجع علم القرآن عند أهل

٣٣٠

السنّة؟ أم ليسوا هؤلاء أعلامهم وأئمّتهم في التفسير؟ فأين مقيل قول الرَّجل: لم ينزل فيها قرآنٌ ولا يوجد في غير كتب الشيعة؟ وهل يسع الرَّجل أن يقل في هؤلاء الصحابة والتابعين والأئمّة بما قاله في الباقر والصّادق عليهما السّلام ويسلقهم بذلك اللسان البذيّ؟.

٢ - حدود المتعة في الإسلام.

أسلفنا في ص ٣٠٦ للمتعة حدوداً جاء بها الإسلام، ولم يكن قطُّ نكاحٌ في الجاهليّة معروفاً بتلك الحدود، ولم ير أحدٌ من السلف والخلف حتى اليوم أنَّ المتعة من أنكحة الجاهليّة، ولا يمكن القول بذلك مع تلك الحدود، ولا قيمة لفتوى الرَّجل عندئذ، وهي مفصّلةٌ في كتب كثيرة منها:

١ - سنن الدارمي ٢ ص ١٤٠.

٢ - صحيح مسلم ج ١ في باب المتعة.

٣ - تفسير الطبري ٥ ص ٩ ذكر من حدودها: النكاح. الأجل. الفراق بعد انقضاء الأجل. الإستبراء. عدم الميراث.

٤ - أحكام القرآن للجصّاص ٢ ص ١٧٨ ذكر من حدودها: العقد. الأُجرة. الأجل. العدَّة. عدم الميراث.

٥ - سنن البيهقي ٧ ص ٢٠٠ أخرج أحاديث فيها بعض الحدود.

٦ - تفسير البغوي ١ ص ٤١٣ ذكر عدَّة من الحدود.

٧ - تفسير القرطبي ٥ ص ١٣٢ ذكر عدَّة من الحدود.

٨ - تفسير الرازي ٣ ص ٢٠٠ ذكر عدَّة من الحدود.

٩ - شرح صحيح مسلم للنووي ٩ ص ١٨١، إدَّعى إتِّفاق العلماء على الحدود.

١٠ - تفسير الخازن ١ ص ٢٥٧ ذكر الحدود الستّ.

١١ - تفسير إبن كثير ١ ص ٤٧٤ ذكر الحدود الستّ.

١٢ - تفسير السيوطي ٢ ص ١٤٠ ذكر من حدودها خمسةً.

١٣ - الجامع الكبير للسيوطي ٨ ص ٢٩٥ ذكر من حدودها خمسةً

وفي غير واحد من كتب المذاهب الأربعة في الفقه.

٣٣١

٣ - (أوَّل من نهى عن المتعة):

وقفنا على خمسة وعشرين حديثاً في الصّحاح والمسانيد يدرسنا بأنَّ المتعة كانت مباحةً في شرع الإسلام، وكان الناس تعمل بها في عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبي بكر وردحاً من خلافة عمر، فنهى عنها عمر في آخر أيّامه وعرف بأنَّه أوَّل مَن نهى عنها فعلى الباحث أن يُراجع:

صحيح البخاري باب التمتّع. صحيح مسلم ١ ص ٣٩٥، ٣٩٦. مسند أحمد ٤ ص ٤٣٦، ج ٣ ص ٣٥٦. الموطّأ لمالك ٢ ص ٣٠. سنن البيهقي ٧ ص ٢٠٦. تفسير الطبري ٥ ص ٩. أحكام القرآن للجصّاص ٢ ص ١٧٨. النهاية لإبن الأثير ٢ ص ٢٤٩. الغريبين للهروي. الفائق للزمخشري ١ ص ٣٣١. تفسير القرطبي ٥ ص ١٣٠. تاريخ ابن خلكان ١ ص ٣٥٩. المحاضرات للراغب ٢ ص ٩٤. تفسير الرازي ٣ ص ٢٠١، ٢٠٢. فتح الباري لابن حجر ٩ ص ١٤١. تفسير السيوطي ٢ ص ١٤٠. الجامع الكبير للسيوطي ٨ ص ٢٩٣. تاريخ الخلفاء له ص ٩٣. شرح التجريد للقوشجي في مبحث الإمامة.

٤ - (الصحابة والتابعون):

ذهب جمعٌ من الصحابة والتابعين إلى إباحة المتعة وعدم نسخها مع وقوفهم على نهي عمر عنها، ولهم ولرأيهم شأنٌ في الأُمَّة، وفيهم مَن يجب عليها إتباعه.

١ - أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ٢ - إبن عبّاس حبر الأُمَّة

٣ - عمران بن الحصين الخزاعي ٤ - جابر بن عبد الله الأنصاري

٥ - عبد الله بن مسعود الهذلي ٦ - عبد الله بن عمر العدوي

٧ - معاوية بن أبي سفيان ٨ - أبو سعيد الخدري الأنصاري

٩ - سلمة بن أُميَّة الجمحي ١٠ - معبد بن أُميَّة الجمحي

١١ - الزبير بن العوام القرشي ١٢ الحكم

١٣ - خالد بن المهاجر المخزومي ١٤ - عمرو بن حُريث القرشي

١٥ - أُبيّ بن كعب الأنصاري ١٦ - ربيعة بن أُميَّة الثقفي

١٧ - سعيد بن جبير ١٨ - طاووس اليماني

١٩ - عطاء أبو محمّد اليمانيّ ٢٠ - السديّ

٣٣٢

قال إبن حزم بعد عدَّ جمع من الصحابة القائلين بالمتعة: ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وساير فقهاء مكّة.

قال أبو عمر: أصحاب إبن عبّاس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً. قال القرطبي في تفسيره ٥ ص ١٣٢: أهل مكّة كانوا يستمتعونها كثيراً.

قال الرازي في تفسيره ٣ ص ٢٠٠ في آية المتعة: إختلفوا في أنَّها هل نسخت أُم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأُمَّة إلى أنَّها صارت منسوخة، وقال السواد منهم: إنَّها بقيت مُباحةً كما كانت. قال أبو حيّان بعد نقل حديث إباحة المتعة: وعلى هذا جماعةٌ من أهل البيت والتابعين.

قال الأميني: فأين دعوى إجماع الأُمَّة علي حرمة المتعة ونسخ آيتها؟ وأين عزو القول بإباحتها إلى الباقر والصّادق عليها السَّلام فحسب؟ وهناك ناحيةٌ خامسةٌ فيها بيان أقوال أهل السنَّة في المتعة ونسخها وهي ٢٢ قولاً يُعرب هذا التضارب في الآراء عن فوائد جمَّة نُحيل الوقوف عليها إلى دراية الباحث(١) .

ونحن لا يسعنا بسط المقال في طامّات هذا الكتاب إذ كلُّ صحيفة منه أهلك من ترّهات البسابس، تُعرب عن أنَّ مؤلِّفه بعيدٌ عن أدب الإسلام، بعيدٌ عن فقه القرآن والحديث، قصيرُ الباع عن كلِّ علم، قصيرُ الخُطا عن كلِّ ملكة فاضلة، بذيُّ اللسان لسّابة، وهو يعدُّ نفسه مع ذلك في كتابه من فقهاء الإسلام، فإن كان الإسلام هذا فقهه وهذا فقيهه؟ وهذا علمه وهذا عالمه؟ وهذا كتابه وهذا كاتبه؟ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

[هذه غاية البحث عن الكتب المزوَّرة].

_____________________

م ١ - ولنا القول الفصل في البحث عن المتعة في الجزء السادس من كتابنا هذا).

٣٣٣

الآن حصحص الحق

الآن حقَّ علينا أن نُميط الستر عن خبيئة أسرارنا، ونُعرب عن غايتنا المتوخّاة من هذا البحث الضافي حول الكتب، الآن آن لنا أن ننوِّه بأنَّ ضالَّتنا المنشودة هي إيقاظ شعور الأُمّة الإسلاميَّة إلى جانب مهمّ فيه الصالح العام والوئام والسَّلام والوحدة الإجتماعيَّة، وحفظ ثغور الإسلام عن تهجّم سيل الفساد الجارف.

يا قوم؟ إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكَّلتُ. أُنشدكم بالله أيّها المسلمون هل دعايةٌ أقوى من هذه الكتب إلى تفريق صفوف المسلمين؟ وتمزيق شملهم؟ وفساد نظام المجتمع؟ وذهاب ريح الوحدة العربيَّة؟ وفصم عرى الأُخوة الإسلاميَّة؟ وإثارة الأحقاد الخامدة؟ وحشِّ نيران الضغاين في نفوس الشعب الإسلاميِّ؟ ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين؟.

يا قوم؟ اتَّبعوني أهدكم سبيل الرَّشاد. هذه الكتب يُضادُّ صراخها نداء القرآن البليغ. هذه النعرات المشمرجة(١) تُشيع الفحشاء والمنكر في الملأ الدينيِّ. هذه الكلم الطائشة معاول هدّامة لأُسِّ مكارم الأخلاق التي بُعث لتتميمها نبيُّ الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الألسنة السَّلاقة اللسّابة البذّاءة مدرِّسات الأمّة بفاحش القول، وسوء الأدب، وقبح العشرة، وضدِّ المداراة، وبالشراسة والقحَّة والشياص. هذه التعاليم الفاسدة فيها دَحْسٌ لنظام المجتمع، ودحلٌ بين الفرق الإسلاميَّة، وهتكٌ لناموس الشرع المقدَّس وعبثٌ بسياسة البلاد، وصدعٌ لتوحيد العباد، هذه الأقلام المسمومة تمنع الأُمَّة عن سعادتها ورُقيِّها، وتولد العراقيل في مسيرها ومسربها، وتمحو ما خطَّته يدُ الإصلاح في صحائف القلوب، وتُحيي في النفوس ما عقمته داعية الدين.

يا أيّها النّاس قدْ جاءتكم موعظةٌ مِنْ ربِّكم وشفاءٌ لِما فِي الصّدور. إنَّ الآراء الدينيَّة الإسلاميَّة إجتماعيَّةٌ يشترك فيها كلُّ معتنق بالإسلام، إذ لا تمثَّل في

_____________________

١ - الشمراج: المخلط من الكلام بالكذب. والشمرج: الباطل.

٣٣٤

الملأ إلّا باسم الدين الإجتماعيِّ، فيهمُّ كلَّ إسلاميّ يحمل بين جنبيه عاطفةً دينيَّةً أن يدافع عن شرف نحلته، وكيان ملّته، مهما وجد هناك زلَّةً في رأي، أو خطأً في فكرةٍ، ولا يسعه أن يُفرِّق بين باءةٍ وأُخرى، أو يخصَّ نفسه بحكومة دون غيرها [إن هي إلّا أسماءٌ سمَّيتموها أنتم وآبائكم] بل الأرض كلّها بيئة المسلم الصّادق والإسلام حكومته، وهو يعيش تحت راية الحق، وتوحيد الكلمة ضالَّته، وصدق الإخاء شعاره أينما كان وحيثما كان.

هذا شأن الأفراد وكيف بالحكومات العزيزة الإسلاميَّة؟ التي هي شعبُ تلك الحكومة العالميَّة الكبرى، ومفرداتُ ذلك الجمع الصحيح، ومقطَّعات حروف تلك الكلمة الواحدة، كلمة الصدق والعدل، كلمة الإخلاص والتوحيد، كلمة العزِّ والشرف، كلمة الرُقيِّ والتقدُّم.

فأنّى يسوغ لحكومة مصر العزيزة أن تُرخِّص لنشر هذه الكتب في بلادها؟ وتُشوِّه سمعتها في أرجاء الدنيا؟ وهي ثغر الإسلام المستحكم من أوَّل يومه، وهي مدرسة الشرق المؤسَّسة تحت راية الحقِّ بيد رجال العلم والدين.

أليس عاراً على مصر بعد ما مضت عليها قرونٌ متطاولةٌ بحسن السمعة أن تُعرَّف في العالم بأُناسٍ دجّالين، وكتّابٍ مستأجرين، وأقلامٍ مسمومةٍ، وأن يُقال: إنَّ فقيهها موسى جار الله، وعالمها القصيميُّ، ومصلحها أحمد أمين، وعضو مؤتمرها محمّد رشيد رضا، ودكتورها طه حسين، ومؤرِّخها الخضري، وأُستاذ علوم إجتماعها محمّد ثابت، وشاعرها عبد الظاهر أبو السَّمح.

أليس عاراً على مصر أن يتملّج ويتلمَّظ بشرفها الدُّخلاء من إبن نجدٍ ودمشق فيؤلِّف أحدهم كتاباً في الرَّدِّ على الإماميَّة ويسمِّيه [الصراع بين الإسلام والوثنيَّة] ويأتي آخر يُقرِّظه بشعره لا بشعوره ويُعرِّف الشيعة الإماميَّة بقوله:

ويحمل قلبهم بغضاً شنيعاً

لخير الخلق ليس له دفاعُ

يقولون: الأمين حبا بوحي

وخان. وما لهم عن ذا ارتداعُ

فهل في الأرض كفرٌ بعد هذا؟

ولمن يهوى متاعُ

فما للقوم دينٌ أو حياءٌ

بحسبهم من الخزي [الصراعُ]

٣٣٥

ألم يأنِ للَّذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟ أيحسب امرئٌ مصريٌّ أنَّ إشاعة هذه الكتب، وبثَّ هذه المخاريق والنسب المفتعلة، ونشر هذه التآليف التافهة حياةٌ للأُمَّة المصريَّة، وإيقاظٌ لشعور شعبها المثقَّف، وإبقاءٌ لكيان تلك الحكومة العربيَّة العزيزة، وتقدُّمٌ ورقيٌّ في حركاتها العلميَّة. الأدبيَّة. الأخلاقيَّة. الدينيَّة. الإجتماعيَّة؟.

أسفاً على أقلام مصر النزيهة، وأعلامها المحنّكين، ومؤلِّفيها المصلحين، وكُتّابها الصادقين، وعباقرتها البارعين، وأساتذتها المثقّفين، ورجالها الأمناء على ودايع العلم والدين.

أسفاً على مصر وعلمها المتدفِّق، وأدبها الجمِّ، وروحها الصحيحة، ورأيها الناضج، وعقلها السليم، وحياتها الدينيّة، وإسلامها القديم، وولائها الخالص، وتعاليمها القيّمة، ودروسها العالية، وخلايقها الكريمة، وملكاتها الفاضلة.

أسفاً على مصر وعلى تلكم الفضائل وهي راحت ضحيَّة تلك الكتب المزخرفة، ضحيَّة تلك الأقلام المستأجرة، ضحيَّة تلك النزعات الفاسدة، ضحيَّة تلك الصحائف السوداء، ضحيَّة تلك النعرات الحمقاء، ضحيَّة تلك المطابع المأسوف عليها، ضحيَّة أفكار أولئك المحدَثين المتسرِّعين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنَّما نحن مُصلحون، ألا إنَّهم هم المفسدون ولكن لا يَشعرون.

أليست هذه الكتب بين يدي أعلام مصر ومشايخها المثقَّفين؟ أم لم يوجد هناك مَن يحمل عاطفةً دينيَّة، وشعوراً حيّاً، وفكرةً صالحة يُدافع عن ناموس مصره المحبوبة قبل ناموس الشرق كلّها؟

والعجب كلُّ العجب أنَّ علّامة مصر(١) يُرى للمجتمع أنَّه الناقد البصير فيقرِّظ كتاباً(٢) قيّما لعربيٍّ صميم عراقيٍّ يُعدُّ من أعلام العصر ومن عظماء العالم ويُناقش دون ما في طيِّه من الأغلاط المطبعيّة ممّا لا يترتَّب به على الأُمَّة ولا على

_____________________

١ - الأستاذ أحمد زكي.

٢ - أصل الشيعة وأصولها. لشيخنا العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء.

٣٣٦

فردٍ منها أيّ ضرر وخسارة بمثل قوله: كلّما. صوابه: كلّ ما. شرع. صوابه: شرح. شيخنا. صوابه: شيخا.

مرحباً بهذا الحرص والإستكناه في الإصلاح والتغاضي عن تلكم الكوارث، مرحباً بكلاءة ناموس لغة العرب والصفح عن دينه وصالح ملّته، مرحباً بهذه العاطفة المصلحة لتأليف مشايخ الشيعة، والتحامل عليهم بذلك السباب المقذع، مرحباً مرحباً مرحباً.

لِمَ لم يرق أمثال هذا النابه النيقد أن يأخذ بميزان القسط، وقانون العدل، وناموس النصفة، وشرعة الحقّ، وواجب الخدمة للمجتمع، ويُلفت مؤلِّف مصره العزيزة إلى تلكم الهفوات المخزية في تلكم التآليف التي هي سلسلة بلاء، وحلقات شقاء تنتهي إلى هلاك الأُمَّة ودمارها، وتجرُّ عليها كلّ سوءة، وتُسفّها إلى حضيض التَّعاسة؟.

وإن تعجب فعجبٌ نشر هذه الكتب في العراق وهي تمسُّ بكرامة ناموسها بعد ناموس الإسلام المقدَّس ورجالها بعدُ أحياء، وشعبها بعدُ نابغ، وشعورها بعدُ حيٌّ، ودينها بعدُ مستقرّ، وغيرة العرب بعدُ هي هي، وشهامة الشبيبة بعدُ لم تهرم، وجلادة الشيوخ بعدُ لم تضعف، وأزمَّة حكومتها بعدُ بيد آل هاشم.

يعزُّ على أُمِّ العراق أن تسمع أُذنها واعية أنَّ في فنادق النجف وسيطٌ يعرض جمعاً من فتياتها إلى الوافد لينتقي منهنَّ وفتاتها تتزوّج مرّات في الليلة الواحدة(١)

كيف تسمع أُذن العراق نداء أنَّ النجفيِّين هم الدَّجالون والضّالّون المضلّون قد تزيّوا بزيِّ المسلمين وشاركوهم في كثير من الشعاير؟ - إلى آخر ما لا يصلح ذكره - وقبل هذه كلّها تلك الصرخة التي تمسُّ بكرامة رجالات البيت الهاشمي(٢)

أيحسب عراقيٌّ حاسّ أنَّ في طيِّ هذه الكتب صلاحاً لمجتمع العراق؟ أو حياةً لروح أبناءها؟ أو درس أخلاق لأُمَّتها؟ أو رقيّاً وتقدُّماً لشعبها؟ أو ثقافةً رجالها؟ أو علماً لطلّابها؟ أو أدباً لكتّابها؟ أو ديناً لمسلميها؟ أو مادَّة لمثريها؟ أو لها دخلٌ في سياسة حكومتها الإسلاميَّة المحبوبة؟.

_____________________

١ - راجع الجولة في ربوع الشرق الأدنى ص ١١٢.

٢ - راجع السنة والشيعة ص ٤٨.

٣٣٧

فواجب المسلم الصّادق في دعواه الحافظ على شرفه وعزِّ نحلته، رفض أمثال هذه الكتب المبهرجة، ولفظها بلسان الحقيقة، والكفُّ عن اقتنائها وقرائتها، والتجنّب عن الإعتقاد والتصديق بما فيها، والبعد عن الأخذ والبخوع بما بين دفوفه، والإخبات إلى ما فيها قبل أن يعرضها إلى نظّارة التنقيب، وصيارفة النقد والإصلاح، أو النظر إليها بعين التنقيب وإردافها بالردِّ والمناقشة فيها إن كان من أهلها. وإن فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً وأشدُّ تثبيتاً.

وواجب رجال الدعاية والنشر في الحكومات الإسلاميَّة عرض كلِّ تأليفٍ مذهبيٍّ حول أيِّ فرقة من فرق الإسلام إلى أصولها ومبادئها الصحيحة المؤلّفة بيد رجالها ومشايخها، والمنع عمّا يُضادُّها ويُخالفها، إذ هم عيون الأُمَّة على ودايع العلم والدين، وحفظة ناموس الإسلام، وحرسة عُرى العروبة، إن عقلوا صالحهم، وعليهم قطع جذوم الفساد قبل أن يُؤجِّج المفسد نار الشحناء في الملأ ثمَّ يعتذر بعدم الإطِّلاع وقلّة المصادر عنده كما فعل أحمد أمين [بعد نشر كتابه فجر الإسلام] في ملأ من قومه، والإنسان على نفسه بصيرةٌ ولو ألقى معاذيره، ولا عذر لأيِّ أحد في القعود عن واجبه الدينيِّ الإجتماعيِّ.( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

ونحن نُرحِّب بكتاب كلِّ مذهب وتأليف كلِّ ملّة أُلِّف بيد الصِّدق والأمانة، بيد الثقة والرزانة، بيد التحقيق والتنقيب، بيد العدل والإنصاف، بيد الحبِّ والإخاء بيد أدب العلم والدين،( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) .

( ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكَى‏ لَكُمْ وَأَطْهَرُ )

سورة البقرة: ٢٣٢

٣٣٨

فهرست شعراء الغدير

في القرن الرابع

١ - أبو الحسن ابن طباطبا الاصبهانى ألمتوفى ٣٢٢

٢ - أبو جعفر أحمد بن علوية الاصبهاني ألمتوفى ٣٢٠

٣ - أبو عبدالله محمَّد المفجع البصرى ألمتوفى نيف و٣٢٧

٤ - أبو القاسم أحمد بن محمّد الصنوبرى ألمتوفى ٣٣٤

٥ - أبو القاسم على بن محمّد التنوخى ألمتوفى ٣٤٢

٦ - أبو القاسم على بن اسحاق الزاهى ألمتوفى ٣٥٢

٧ - أبو فراس أمير الشعراء الحمدانى ألمتوفى ٣٥٧

٨ - أبو الفتح محمود بن محمّد كشاجم ألمتوفى ٣٦٠

٩ - أبو عبدالله الحسين البشنوى ألمتوفى بعد ٣٨٠

١٠ - أبو القاسم الوزير الصاحب بن عباد ألمتوفى ٣٨٥

١١ - أبو عبدالله ابن الحجاج البغدادى ألمتوفى ٣٩١

١٢ - أبو العبّاس الوزير أحمد الضبى ألمتوفى ٣٩٨

١٣ - أبو حامد أحمد بن محمّد الانطاكى ألمتوفى ٣٩٩

١٤ - أبو النجيب شداد الظاهر الجزرى ألمتوفى ٤٠١

١٥ - أبو محمّد طلحة الغسَّانى العونى

١٦ - أبو العلاء محمَّد بن ابراهيم السرورى

١٧ - أبو الحسن على الجوهرى الجرجانى

١٨ - أبو الحسن على بن حماد العبدى

١٩ - أبو الفرج ابن هندو الرازى

٣٣٩

شعراء الغدير

في القرن الرّابع

١٥

ابن طباطبا الاصبهاني

المتوفّى ٣٢٢

يا مَن يُسرُّ ليَ العداوة أبدها

واعمد لمكروهي بجهدك أو ذرِ

لله عندي عادةٌ مشكورةٌ

فيمن يعاديني فلا تتحيَّرِ

أنا واثقٌ بدعاء جدّي المصطفى

لأبي غداة «غدير خمّ» فاحذرِ

والله أسعدنا بإرث دعائه

فيمن يُعادي أو يُوالي فاصبرِ(١)

(الشاعر)

أبو الحسن محمَّد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ابن الإمام السبط الحسن بن الإمام عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم، الشهير بإبن طباطبا.

عالمٌ ضليعٌ، وشاعرٌ مفلقٌ، وشيخٌ من شيوخ الأدب، ذكر المرزباني في «معجم الشعراء» ص ٤٦٣: إنَّ له كتباً ألَّفها في الأشعار والآداب، وذكر منها أصحاب المعاجم(٢) .

١ - كتاب سنام المعالي.

٢ - كتاب عيار الشعر. وفي فهرست إبن النديم ص ٢٢١: معاير الشعر. وقال الحموي في «معجم الأدباء» ٣ ص ٥٨: ألَّف الآمدي الحسن بن بشز كتاباً في إصلاح ما فيه.

٣ - كتاب الشعر والشعراء.

٤ - كتاب نقد الشعر.

_____________________

١ - خاطب بها أبا علي الرستمي كما في «ثمار القلوب» للثعالبي ٥١١.

٢ - راجع ثمار القلوب ٥٠٧، فهرست ابن النديم ١٩٦، معجم الأدباء ١٧ ص ١٤٣. عمدة الطالب ١٦٢

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418