الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94956 / تحميل: 7075
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

لم يكن جيش فرعون مانعا من العذاب الإلهي ، ولم تكن سعة مملكتهم وأموالهم وثراؤهم سببا لرفع هذا العذاب ، ففي النهاية أغرقوا في أمواج النيل المتلاطمة إذ أنّهم كانوا يتباهون بالنيل ، فبماذا تفكرون لأنفسكم وأنتم أقل عدّة وعددا من فرعون وأتباعه وأضعف؟! وكيف تغترون بأموالكم وأعدادكم القليلة؟!

«الوبيل» : من (الوبل) ويراد به المطر الشديد والثقيل ، وكذا يطلق على كل ما هو شديد وثقيل بالخصوص في العقوبات ، والآية تشير إلى شدّة العذاب النازل كالمطر.

ثمّ وجه الحديث إلى كفّار عصر بنيّ الإسلامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحذرهم بقوله :( فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً ) (١) (٢) .

بلى إنّ عذاب ذلك اليوم من الشدّة والثقيل بحيث يجعل الولدان شيبا ، وهذه كناية عن شدّة ذلك اليوم.

هذا بالنسبة لعذاب الآخرة ، وهناك من يقول : إنّ الإنسان يقع أحيانا في شدائد العذاب في الدنيا بحيث يشيب منها الرأس في لحظة واحدة.

على أي حال فإنّ الآية تشير إلى أنّكم على فرض أنّ العذاب الدنيوي لا ينزل عليكم كما حدث للفراعنة؟ فكيف بكم وعذاب يوم القيامة؟

في الآية الاخرى يبيّن وصفا أدقّ لذلك اليوم المهول فيضيف :( السَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ كانَ وَعْدُهُ مَفْعُولاً ) .

إنّ الكثير من الآيات الخاصّة بالقيامة وأشراط الساعة تتحدث عن

__________________

(١) يوما مفعول به لتتقون ، و «تتقون» ذلك اليوم يراد به تتقون عذاب ذلك اليوم ، وقيل (يوم) ظرف لـ (تتقون) أو مفعول به لـ (كفرتم) والاثنان بعيدان.

(٢) «شيب» جمع (أشيب) ويراد به المسن ، وهي من أصل مادة شيب ـ على وزن عيب ـ والمشيب يعني تغير لون الشعر إلى البياض.

١٤١

انفجارات عظيمة وزلازل شديدة ومتغيرات سريعة ، والآية أعلاه تشير إلى جانب منها.

فما حيلة الإنسان الضعيف العاجز عند ما يرى تفطر السموات بعظمتها لشدّة ذلك اليوم؟!(١)

وفي النّهاية يشير القرآن إلى جميع التحذيرات والإنذارات السابقة فيقول تعالى :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ ) .

إنّكم مخيرون في اختيار السبيل ، فمن شاء اتّخذ إلى ربّه سبيلا ، ولا فضيلة في اتّخاذ الطريق إلى الله بالإجبار والإكراه ، بل الفضيلة أن يختار الإنسان السبيل بنفسه وبمحض إرادته.

والخلاصة أنّ الله تعالى هدى الإنسان إلى النجدين ، وجعلهما واضحين كالشمس المضيئة في وضح النهار ، وترك الإختيار للإنسان نفسه حتى يدخل في طاعته سبحانه بمحض إرادته ، وقد احتملت احتمالات متعددة في سبب الإشارة إلى التذكرة ، فقد قيل أنّها إشارة إلى المواعظ التي وردت في الآيات السابقة ، وقيل هي إشارة إلى السورة بكاملها ، أو إشارة إلى القرآن المجيد.

ولعلها إشارة إلى إقامة الصلاة وقيام الليل كما جاء في الآيات من السورة ، والمخاطب هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والآية تدل على توسعة الخطاب وتعميمه لسائر المسلمين ، ولهذا فإنّ المراد من «السبيل» في الآية هو صلاة الليل ، والتي تعتبر سبيل خاصّ ومهمّة تهدي إلى الله تعالى ، كما ذكرت في الآية (٢٦) من سورة الدهر بعد أن أشير إلى صلاة الليل بقوله تعالى :( وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً ) .

ويقول بعد فاصلة قصيرة :( إِنَّ هذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شاءَ اتَّخَذَ إِلى رَبِّهِ سَبِيلاً )

__________________

(١) «المنفطر» : من الانفطار بمعنى الإنشقاق ، والضمير (به) يعود لليوم ، والمعنى السماء منشقة بسبب ذلك اليوم والسماء جائزة للوجهين أي أنّه تذكر وتؤنث.

١٤٢

وهي بعينها الآية التي نحن بصدد البحث فيها(١) .

وبالطبع هذا التّفسير مناسب ، والأنسب منه أن تكون الآية ذات مفهوم أوسع حيث تستوعب هذه السورة جميع مناهج صنع الإنسان وتربيته كما أشرنا إلى ذلك سابقا.

* * *

ملاحظة

المراحل الأربع للعذاب الإلهي

الآيات السابقة تهدد المكذبين المغرورين بأربعة أنواع من العذاب الأليم : النكال ، الجحيم ، الطعام ذو الغصّة ، والعذاب الأليم ، هذه العقوبات في الحقيقة هي تقع في مقابل أحوالهم في هذه الحياة الدنيا.

فمن جهة كانوا يتمتعون بالحرية المطلقة.

الحياة المرفهة ثانيا.

لما لهم من الأطعمة السائغة من جهة ثالثة.

والجهة الرابعة لما لهم من وسائل الراحة ، وهكذا سوف يجزون بهذه العقوبات لما قابلوا هذه النعم بالظلم وسلب الحقوق والكبر والغرور والغفلة عن الله تعالى.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٤٧.

١٤٣

الآية

( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (٢٠) )

التّفسير

فاقرؤوا ما تيسر من القرآن :

هذه الآية هي من أطول آيات هذه السورة وتشتمل على مسائل كثيرة ، وهي مكملة لمحتوى الآيات السابقة ، وهناك أقوال كثيرة للمفسّرين حول ما إذا كانت

١٤٤

هذه الآية ناسخة لحكم صدر السورة أم لا ، وكذلك في مكّيتها أو مدنيتها ، ويتّضح لنا جواب هذه الأسئلة بعد تفسير الآية.

فيقول تعالى :( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهارَ ) (١) .

الآية تشير إلى نفس الحكم الذي أمر به الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في صدر السورة من قيام الليل والصلاة فيه ، وما أضيف في هذه الآية هو اشتراك المؤمنين في العبادة مع النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم (بصيغة حكم استحبابي أو باحتمال حكم وجوبي لأنّ ظروف صدر الإسلام كانت تتجاوب مع بناء ذواتهم والاستعداد للتبليغ والدفاع عنه بالدروس العقائدية المقتبسة من القرآن المجيد ، وكذا بالعمل والأخلاق وقيام الليل ، ولكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ المؤمنين كانوا قد وقعوا في إشكالات ضبط الوقت للمدة المذكورة (الثلث والنصف والثلثين) ولذا كانوا يحتاطون في ذلك ، وكان ذلك يستدعي استيقاظهم طول الليل والقيام حتى تتورم أقدامهم ، ولذا بني هذا الحكم على التخفيف ، فقال :( عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) .

«لن تحصوه» : من (الإحصاء) وهو عد الشيء ، أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار الليل الذي أمرتم بقيامه والإحاطة بالمقادير الثلاثة.

وقال البعض : إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السنة ، ولا يتيسر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف الليالي طولا وقصرا ، مع وجود الوسائل التي توقظ الإنسان.

والمراد بـ( فَتابَ عَلَيْكُمْ ) خفف عليكم التكاليف ، وليس التوبة من الذنب ، ويحتمل أنّه في حال رفع الحكم الوجوبي لا يوجد ذنب من الأساس ، والنتيجة

__________________

(١) يجب الالتفات إلى أنّ (نصفه) و (ثلثه) معطوف على أدنى وليس على (ثلثي الليل) فيكون المعنى أنّه يعلم أنّك تقوم بعض الليالي أدنى من ثلثي الليل أو نصفه أو ثلثه ،. كذا الالتفات إلى أن أدنى تقال لما يقرب من الشيء ، وهنا إشارة إلى الزمن التقريبي.

١٤٥

تكون مثل المغفرة الإلهية.

وأمّا عن معنى الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) فقد قيل في تفسيرها أقوال ، فقال بعضهم : إنّها تعني صلاة الليل التي تتخللها قراءة الآيات القرآنية ، وقال الآخرون : إنّ المراد منها قراءة القرآن ، وإن لم تكن في أثناء الصلاة ، وفسّرها البعض بخمسين آية ، وقيل مائة آية ، وقيل مائتان ، ولا دليل على ذلك ، بل إنّ مفهوم الآية هو قراءة ما يتمكن عليه الإنسان.

وبديهي أنّ المراد من قراءة القرآن هو تعلم الدروس لبناء الذات وتقوية الإيمان والتقوى.

ثمّ يبيّن دليلا آخرا للتخفيف فيضيف تعالى :( عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللهِ وَآخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) ، وهذا تخفيف آخر كما قلنا في الحكم ، ولذا يكرر قوله «فاقرؤوا ما تيسر منه» ، والواضح أنّ المرض والأسفار والجهاد في سبيل الله ذكرت بعنوان ثلاثة أمثلة للأعذار الموجهة ولا تعني الحصر ، والمعنى هو أنّ الله يعلم أنّكم سوف تلاقون ، كثيرا من المحن والمشاكل الحياتية ، وبالتالي تؤدي إلى قطع المنهج الذي أمرتم به ، فلذا خفف عليكم الحكم.

وهنا يطرح هذا السؤال ، وهو : هل أنّ هذا الحكم ناسخ للحكم الذي ورد في صدر السورة ، أم هو حكم استثنائي؟ طاهر الآيات يدل على النسخ ، وفي الحقيقة أنّ الغرض من الحكم الأوّل في صدر السورة هو إقامة المنهج العبادي ، وهذا ما حصل لمدّة معينة ثمّ نسخ بعد ذلك بهذه الآية ، وأصبح أخف من ذي قبل ، لأنّ ظاهر الآية يدل على وجود معذورين ، فلذا حفف الحكم على الجميع ، وليس للمعذورين فحسب ، ولذا لا يمكن أن يكون حكما استثنائيا بل هو حكم ناسخ.

ويرد سؤال آخر ، هو : هل أنّ الحكم المذكور بقراءة ما تيسّر من القرآن واجب أم مستحب؟ إنّه مستحب ، واحتمل البعض الآخر الوجوب ، لأنّ قراءة القرآن تبعث على معرفة دلائل التوحيد ، وإرسال الرسل ، وواجبات الدين ، وعلى

١٤٦

هذا الأساس تكون القراءة واجبة.

ولكن يجب الالتفات إلى أنّ الإنسان لا يلزم بقراءة القرآن ليلا أثناء صلاة الليل ، بل يجب على المكلّف أن يقرأ بمقدار ما يحتاجه للتعليم والتربية لمعرفة اصول وفروع الإسلام وحفظه وإيصاله إلى الأجيال المقبلة ، ولا يختص ذلك بزمان ومكان معينين ، والحقّ هو وجوب القراءة لما في ظاهر الأمر (فاقرؤا كما هو مبيّن في اصول الفقه) إلّا أن يقال بقيام الإجماع على عدم الوجوب ، فيكون حينها مستحبا ، والنتيجة هي وجوب القراءة في صدر الإسلام لوجود الظروف الخاصّة لذلك ، واعطي التخفيف بالنسبة للمقدار والحكم ، وظهر الاستحباب بالنسبة للمقدار الميسّر ، ولكن صلاة الليل بقيت واجبة على الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طيلة حياته (بقرينة سائر الآيات والرّوايات).

ونقرأ في حديث ورد عن الإمام الباقرعليه‌السلام حيث يقول : «... متى يكون النصف والثلث نسخت هذه الآية( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ ) واعلموا أنّه لم يأت نبيّ قط إلّا خلا بصلاة الليل ، ولا جاء نبي قط صلاة الليل في أوّل الليل»(١) .

والملاحظ في الآية ذكر ثلاثة نماذج من الأعذار ، أحدها يتعلق بالجسم (المرض) ، والآخر بالمال (السفر) ، والثالث بالدين (الجهاد في سبيل الله) ، ولذا قال البعض : إنّ المستفاد من الآية هو السعي للعيش بمثابة الجهاد في سبيل الله! وقالوا : إنّ هذه الآية مدنيّة بدليل سياقها في وجوب الجهاد ، إلّا أنّ الجهاد لم يكن في مكّة ، ولكن بالالتفات إلى قوله :( سَيَكُونُ ) يمكن أن تكون الآية مخبرة على تشريع الجهاد في المستقبل ، أي بسبب ما لديكم من الأعذار وما سيكون من الأعذار ، لم يكن هذا الحكم دائميا ، وبهذا الصورة يمكن أن تكون الآية مكّية ولا منافاة في ذلك.

ثمّ يشير إلى أربعة أحكام اخرى ، وبهذه الطريقة يكمل البناء الروحي للإنسان فيقول:( وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ وَأَقْرِضُوا اللهَ قَرْضاً حَسَناً وَما

__________________

(١) تفسير نور الثقلين ، ج ٥ ، ٤٥١.

١٤٧

تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللهِ هُوَ خَيْراً وَأَعْظَمَ أَجْراً وَاسْتَغْفِرُوا اللهَ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) .

هذه الأوامر الأربعة (الصلاة ، الزكاة ، القروض المستحبة ، الاستغفار) مع الأمر بالقراءة والتدبر في القران الذي ورد من قبل تشكّل بمجموعها منهجا للبناء الروحي ، وهذا مهم للغاية بالخصوص لمن كان في عصر صدر الإسلام.

والمراد من «الصلاة» هنا الصلوات الخمس المفروضة ، والمراد من «الزكاة» الزكاة المفروضة ومن إقراض الله تعالى هو إقراض الناس ، وهذه من أعظم العبارات المتصورة في هذا الباب ، فإنّ مالك الملك يستقرض بمن لا يملك لنفسه شيئا ، ليرغبهم بهذه الطريقة للإنفاق والإيثار واكتساب الفضائل منها وليتربى ويتكامل بهذه الطريقة.

وذكر «الاستغفار» في آخر هذه الأوامر يمكن أن يكون إشارة إلى هذا المعنى وإيّاكم والغرور إذا ما أنجزتم هذه الطاعات ، وبأنّ تتصوروا بأنّ لكم حقّا على الله ، بل اعتبروا أنفسكم مقصرين على الدوام واعتذروا لله.

ويرى البعض أنّ التأكيد على هذه الأوامر هو لئلا يتصور المسلّم أنّ التخفيف سار على جميع المناهج والأوامر الدينية كما هو الحال في التخفيف الذي امر به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأصحابه في قيام وقراءة القرآن ، بل إنّ المناهج والأوامر الدينية باقية على متانتها وقوّتها(١) .

وقيل إنّ ذكر الزكاة المفروضة في هذه الآية هو دليل آخر على مدنيّة هذه الآية ، لأنّ حكم الزكاة نزل بالمدينة وليس في مكّة ، ولكن البعض قال : إنّ حكم الزكاة نزل في مكّة من غير تعيين نصاب ومقدار لها ، والذي فرض بالمدينة تعيين الأنصاب والمقادير.

* * *

__________________

(١) تفسير الميزان ، ج ٢٠ ، ص ١٥٦.

١٤٨

ملاحظات

١ ـ ضرورة الاستعداد العقائدي والثقافي

لغرض إيجاد ثورة واسعة في جميع الشؤون الحياتية أو إنجاز عمل اجتماعي ذي أهمية لا بدّ من وجود قوّة عزم بشرية قبل كل شيء ، وذلك مع الإعتقاد الراسخ ، والمعرفة الكاملة ، والتوجيه والفكري والثقافي الضروري والتربوي ، والتربية الأخلاقية ، وهذا ما قام به النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مكّة في السنوات الاولى للبعثة ، بل في مدّة حياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولوجود هذا الأساس المتين للبناء أخذ الإسلام بالنمو السريع والرشد الواسع من جميع الجهات.

وما جاء في هذه السورة هو نموذج حي ومنطقي لهذا المنهج المدروس ، فقد خلّف القيام لثلثي الليل أو ثلثه وقراءة القرآن والتمعن فيه أثرا بالغا في أرواح المؤمنين ، وهيأهم لقبول القول الثقيل والسبح الطويل ، وتطبيق هذه الأوامر التي هي أشدّ وطأ وأقوم قيلا كما يعبّر عنه القرآن ، هي التي أعطتهم هذه الموفقية ، وجهزت هذه المجموعة المؤمنة القليلة ، والمستضعفة والمحرومة بحيث أهلتهم لإدارة مناطق واسعة من العالم ، وإذا ما أردنا نحن المسلمين إعادة هذه العظمة والقدرة القديمة علينا أن نسلك هذا الطريق وهذا المنهج ، ولا يجب علينا إزالة حكومة الصهاينة بالاعتماد على أناس عاجزين وضعفاء لم يحصلوا على ثقافة أخلاقية.

٢ ـ قراءة القرآن والتفكر

يستفاد من الرّوايات الإسلامية أنّ فضائل قراءة القرآن ليس بكثرة القراءة ، بل في حسن القراءة والتدبر والتفكر فيها ، ومن الطريف أنّ هناك رواية

وردت عن الإمام الرضاعليه‌السلام في تفسير ذيل الآية :( فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنْهُ ) رواها عن

١٤٩

جدّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «ما تيسّر منه لكم فيه خشوع القلب وصفاء السر»(١) ، لم لا يكون كذلك والهدف الأساس للقراءة هو التعليم والتربية.

والرّوايات في هذا المعنى كثيرة.

٣ ـ السعي للعيش كالجهاد في سبيل الله

كما عرفنا من الآية السابقة فإنّ السعي لطلب الرزق جعل مرادفا للجهاد في سبيل الله ، وهذا يشير إلى أنّ الإسلام يعير أهمية بالغه لهذا الأمر ، ولم لا يكون كذلك فلأمّة الفقيرة والجائعة المحتاجة للأجنبي لا يمكن لها أن تحصل على الاستقلال والرفاه ، والمعروف أنّ الجهاد الاقتصادي هو قسم من الجهاد مع الأعداء ، وقد نقل في هذا الصدد قول عن الصحابي المشهور عبد الله بن مسعود : «أيما رجل جلب شيئا إلى مدينة من مدائن المسلمين صابرا محتسبا فباعه بسعر يومه كان عند الله بمنزلة الشهداء» ثمّ قرأ :( وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ ) (٢) .

اللهم! وفقنا للجهاد بكلّ أبعاده.

ربّنا! وفقنا لقيام الليل وقراءة القرآن الكريم وتهذيب أنفسنا بواسطة هذا النور السماوي.

ربّنا! منّ على مجتمعنا الإسلامي بمقام الرفعة والعظمة بالإلهام من هذه السورة العظيمة.

آمين ربّ العالمين

نهاية سورة المزّمل

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٢.

(٢) مجمع البيان ، وتفسير أبي الفتوح ، وتفسير القرطبي ، ذيل الآية مورد البحث وقد نقل القرطبي حديثا عن الرّسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يشابه هذه الحديث ، فيستفاد من ذلك أنّ عبد الله بن مسعود قد ذكر الحديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس هو من قوله.

١٥٠
١٥١

سورة

المدّثّر

مكيّة

وعدد آياتها ستّ وخمسون آية

١٥٢

«سورة المدّثّر»

محتوى السورة :

لا شك أنّ هذه السورة هي من السور المكّية ولكن هناك تساؤل عن أنّ هذه السورة هل هي الاولى النازلة على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أم نزلت بعد سورة العلق؟

يتّضح من التمعن في محتوى سورة العلق والمدثر أنّ سورة العلق نزلت في بدء الدعوة ، وأنّ سورة المدثر نزلت في زمن قد امر النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيه بالدعوة العلنية ، وانتهاء فترة الدعوة السرّية ، لذا قال البعض أنّ سورة العلق هي أوّل سورة نزلت في صدر البعثة ، والمدثر هي السورة الاولى التي نزلت بعد الدعوة العلنية ، وهذا الجمع هو الصحيح.

ومهما يكن فإنّ سياق السور المكّية التي تشير إلى الدعوة وإلى المبدأ والمعاد ومقارعة الشرك وتهديد المخالفين وإنذارهم بالعذاب الإلهي واضح الوضوح في هذه السورة.

يدور البحث في هذه السورة حول سبعة محاور وهي :

١ ـ يأمر الله تعالى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بإعلان الدعوة العلنية ، ويأمر أن ينذر المشركين ، وتمسك بالصبر والاستقامة في هذا الطريق والاستعداد الكامل لخوض هذا الطريق.

٢ ـ تشير إلى المعاد وأوصاف أهل النّار الذين واجهوا القرآن بالتكذيب والإعراض عنه.

١٥٣

٣ ـ الإشارة إلى بعض خصوصيات النّار مع إنذار الكافرين.

٤ ـ التأكيد على المعاد بالأقسام المكررة.

٥ ـ ارتباط عاقبة الإنسان بعمله ، ونفي كل أنواع التفكر غير المنطقي في هذا الإطار.

٦ ـ الإشارة إلى قسم من خصوصيات أهل النّار وأهل الجنّة وعواقبهما.

٧ ـ كيفية فرار الجهلة والمغرورين من الحقّ.

فضيلة السورة :

ورد في حديث عن النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من قرأ سورة المدثر اعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمّد وكذب به بمكّة»(١) .

وورد في حديث آخر عن الإمام الباقرعليه‌السلام قال : «من قرأ في الفريضة سورة المدثر كان حقّا على الله أن يجعله مع مجمّد في درجته ، ولا يدركه في حياة الدنيا شقاء أبدا»(٢)

وبديهي أنّ هذه النتائج العظيمة لا تتحقق بمجرّد قراءة الألفاظ فحسب ، بل لا بدّ من التمعن في معانيها وتطبيقها حرفيا.

* * *

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٣.

(٢) المصدر السابق.

١٥٤

الآيات

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧) فَإِذا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (٨) فَذلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠) )

التّفسير

قم وانذر النّاس :

لا شك من أنّ المخاطب في هذه الآيات هو النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإن لم يصرح باسمه ، ولكن القرائن تشير إلى ذلك ، فيقول أوّلا :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ ) فلقد ولى زمن النوم الاستراحة ، وحان زمن النهوض والتبليغ ، وورد التصريح هنا بالإنذار مع أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مبشر ونذير ، لأنّ الإنذار له أثره العميق في إيقاظ الأرواح النائمة خصوصا في بداية العمل.

وأورد المفسّرون احتمالات كثيرة عن سبب تدثرهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودعوته إلى القيام والنهوض.

١ ـ اجتمع المشركون من قريش في موسم الحج وتشاور الرؤساء منهم

١٥٥

كأبي جهل وأبي سفيان والوليد بن المغيرة والنضر بن الحارث وغيرهم في ما يجيبون به عن أسئلة القادمين من خارج مكّة وهم يناقشون أمر النّبي الذي قد ظهر بمكّة ، وفكروا في وأن يسمّي كلّ واحد منهم النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم باسم ، ليصدوا الناس عنه ، لكنّهم رأوا في ذلك فساد الأمر لتشتت أقوالهم ، فاتفقوا في أن يسمّوه ساحرا ، لأنّ أحد آثار السحرة الظاهرة هي التفريق بين الحبيب وحبيبه ، وكانت دعوة النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد أثّرت هذا الأثر بين الناس! فبلغ ذلك النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فتأثر واغتم لذلك ، فأمر بالدثار وتدثر ، فأتاه جبرئيل بهذه الآيات ودعاه إلى النهوض ومقابلة الأعداء.

٢ ـ إنّ هذه الآيات هي الآيات الأولى التي نزلت على النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لما نقله جابر بن عبد الله قال : جاوزت بحراء فلمّا قضيت جواري نوديت يا محمّد ، أنت رسول الله ، فنظرت عن يميني فلم أر شيئا ، ونظرت عن شمالي فلم أر شيئا ، ونظرت خلفي فلم أر شيئا ، فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض ، فملئت منه رعبا ، فرجعت إلى خديجة وقلت : «دثروني دثروني ، واسكبوا عليّ الماء البارد» ، فنزل جبرئيل بسورة :( يا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ ) .

ولكن بلحاظ أن آيات هذه السورة نظرت للدعوة العلنية ، فمن المؤكّد أنّها نزلت بعد ثلاث سنوات من الدعوة الخفية ، وهذا لا ينسجم والروية المذكورة ، إلّا أن يقال بأنّ بعض الآيات التي في صدر السورة قد نزلت في بدء الدعوة ، والآيات الأخرى مرتبطة بالسنوات التي تلت الدعوة.

٣ ـ إنّ النّبي كان نائما وهو متدثر بثيابه فنزل عليه جبرائيلعليه‌السلام موقظا إيّاه ، ثمّ قرأ عليه الآيات أن قم واترك النوم واستعد لإبلاغ الرسالة.

٤ ـ ليس المراد بالتدثر التدثر بالثياب الظاهرية ، بل تلبسهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالنبوّة والرسالة كما قيل في لباس التقوى.

١٥٦

٥ ـ المراد به اعتزالهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وانزواؤه واستعد لإنذار الخلق وهداية العباد(١) والمعني الأوّل هو الأنسب ظاهرا.

ومن الملاحظ أنّ جملة (فانذر) لم يتعين فيها الموضوع الذي ينذر فيه ، وهذا يدل على العمومية ، يعني إنذار الناس من الشرك وعبادة الأصنام والكفر والظلم والفساد ، وحول العذاب الإلهي والحساب المحشر إلخ (ويصطلح على ذلك بأن حذف المتعلق يدل على العموم). ويشمل ضمن ذلك العذاب الدنيوي والعذاب الاخروي والنتائج السيئة لأعمال الإنسان التي سيبتلى بها في المستقبل.

ثم يعطي للنّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خمسة أوامر مهمّة بعد الدعوة إلى القيام والإنذار ، تعتبر منهاجا يحتذي به الآخرون ، والأمر الأوّل هو في التوحيد ، فيقول :( وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ ) (٢) .

ذلك الربّ الذي هو مالكك مربيك ، وجميع ما عندك فمنه تعالى ، فعليك أن تضع غيره في زاوية النسيان وتشجب على كلّ الآلهة المصطنعة ، وامح كلّ آثار الشرك وعبادة الأصنام.

ذكر كلمة (ربّ) وتقديمها على (كبّر) الذي هو يدل على الحصر ، فليس المراد من جملة «فكبر» هو (الله أكبر) فقط ، مع أنّ هذا القول هو من مصاديق التكبير كما ورد من الرّوايات ، بل المراد منه أنسب ربّك إلى الكبرياء والعظمة اعتقادا وعملا ، قولا فعلا وهو تنزيهه تعالى من كلّ نقص وعيب ، ووصفه

__________________

(١) أورد الفخر الرازي هذه التفاسير الخمسة بالإضافة إلى احتمالات أخرى في تفسيره الكبير ، واقتبس منه البعض الآخر من المفسّرين (تفسير الفخر الرازي ، ج ٣٠ ، ص ١٨٩ ـ ١٩٠).

(٢) الفاء من (فكبر) زائدة للتأكيد بقول البعض ، وقيل لمعنى الشرط ، والمعنى هو : لا تدع التكبير عند كلّ حادثة تقع ، (يتعلق هذا القول بالآيات الاخرى الآتية أيضا).

١٥٧

بأوصاف الجمال ، بل هو أكبر من أن يوصف ، ولذا ورد في الرّوايات عن أئمّة أهل البيت عليهم‌السلام في معنى الله أكبر : «الله أكبر من أن يوصف» ، ولذا فإنّ التكبير له مفهوم أوسع من التسبيح الذي هو تنزيهه من كل عيب ونقص.

ثمّ صدر الأمر الثّاني بعد مسألة التوحيد ، ويدور حول الطهارة من الدنس فيضيف :( وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ ) ، التعبير بالثوب قد يكون كناية عن عمل الإنسان ، لأنّ عمل الإنسان بمنزلة لباسه ، وظاهره مبين لباطنه ، وقيل المراد منه القلب والروح ، أي طهر قلبك وروحك من كلّ الأدران ، فإذا وجب تطهير الثوب فصاحبه اولى بالتطهير.

وقيل هو اللباس الظاهر ، لأنّ نظافة اللباس دليل على حسن التربية والثقافة ، خصوصا في عصر الجاهلية حيث كان الاجتناب من النجاسة قليلا وإن ملابسهم وسخة غالبا ، وكان الشائع عندهم تطويل أطراف الملابس (كما هو شائع في هذا العصر أيضا) بحيث كان يسحل على الأرض ، وما ورد عن الإمام الصّادقعليه‌السلام في معنى أنّه : «ثيابك فقصر»(١) ، ناظر إلى هذا المعنى.

وقيل المراد بها الأزواج لقوله تعالى :( هُنَّ لِباسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِباسٌ لَهُنَ ) (٢) ، والجمع بين هذه المعاني ممكن ، والحقيقة أنّ الآية تشير إلى أنّ القادة الإلهيين يمكنهم إبلاغ الرسالة عند طهارة جوانبهم من الأدران وسلامة تقواهم ، ولذا يستتبع أمر إبلاغ الرسالة ولقيام بها أمر آخر ، هو النقاء والطهارة.

ويبيّن تعالى الأمر الثّالث بقوله :( وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ ) المفهوم الواسع للرجز كان سببا لأن تذكر في تفسيره أقوال مختلفة ، فقيل : هو الأصنام ، وقيل : المعاصي ، وقيل : الأخلاق الرّذيلة الذميمة ، وقيل : حبّ الدنيا الذي هو رأس كلّ خطيئة ، وقيل هو العذاب الإلهي النازل بسبب الترك والمعصية ، وقيل : كل ما يلهي

__________________

(١) مجمع البيان ، ج ١٠ ، ص ٣٨٥.

(٢) البقرة ، ١٨٧.

١٥٨

عن ذكر الله.

والأصل أنّ معنى «الرجز» يطلق على الاضطراب والتزلزل(١) ثمّ اطلق على كل أنواع الشرك ، عبادة الأصنام ، والوساوس الشيطانية والأخلاق الذميمة والعذاب الإلهي التي تسبب اضطراب الإنسان ، فسّره البعض بالعذاب(٢) ، وقد اطلق على الشرك والمعصية والأخلاق السيئة وحبّ الدّنيا تجلبه من العذاب.

وما تجدر الإشارة إليه أنّ القرآن الكريم غالبا ما استعمل لفظ «الرجز» بمعنى العذاب(٣) ، ويعتقد البعض أنّ كلمتي الرجز والرجس مرادفان(٤) .

وهذه المعاني الثلاثة ، وإن كانت متفاوتة ، ولكنّها مرتبطة بعضها بالآخر ، وبالتالي فإنّ للآية مفهوما جامعا ، وهو الانحراف والعمل السيء ، وتشمل الأعمال التي لا ترضي اللهعزوجل ، والباعثة على سخر الله في الدنيا والآخرة ، ومن المؤكّد أنّ النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قد هجر واتقى ذلك حتى قبل البعثة ، وتاريخه الذي يعترف به العدو والصديق شاهد على ذلك ، وقد جاء هذا الأمر هنا ليكون العنوان الأساس في مسير الدعوة إلى الله ، وليكون للناس أسوة حسنة.

ويقول تعالى في الأمر الرّابع :( وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ ) .

هنا التعلق محذوف أيضا ، ويدل على سعة المفهوم كليته ، ويشمل المنّة على الله والخلائق ، أي فلا تمنن على الله بسعيك واجتهادك ، لأنّ الله تعالى هو الذي منّ عليك بهذا المقام المنيع.

ولا تستكثر عبادتك وطاعتك وأعمالك الصالحة ، بل عليك أن تعتبر نفسك مقصرا وقاصرا ، واستعظم ما وفقت إليه من العبادة.

__________________

(١) مفردات الراغب.

(٢) الميزان ، في ظلال القرآن.

(٣) راجع الآيات ، ١٣٤ ـ ١٣٥ من سورة الأعراف ، والآية ٥ من سورة سبأ ، والآية ١١ من سورة الجاثية ، والآية ٥٩ من سورة البقرة ، والآية ١٦٢ من سورة الأعراف ، والآية ٣٤ من سورة العنكبوت.

(٤) وذكر ذلك في تفسير الفخر الرازي بصورة احتمال ، ج ٣٠ ، ص ١٩٣.

١٥٩

وبعبارة أخرى : لا تمنن على الله بقيامك بالإنذار ودعوتك إلى التوحيد وتعظيمك لله وتطهيرك ثيابك وهجرك الرجز ، ولا تستعظم كل ذلك ، بل أعلم أنّه لو قدمت خدمة للناس سواء في الجوانب المعنوية كالإرشاد والهداية ، أم في الجوانب المادية كالإنفاق والعطاء فلا ينبغي أن تقدمها مقابل منّة ، أو توقع عوض أكبر ممّا أعطيت ، لأنّ المنّة تحبط الأعمال الصالحة :( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى ) (١) .

«لا تمنن» من مادة «المنّة» وتعني في هذه الموارد الحديث عن تبيان أهمية النعم المعطاة للغير ، وهنا يتّضح لنا العلاقة بينه وبين الاستكثار ، لأنّ من يستصغر عمله لا ينتظر المكافأة ، فكيف إذن بالاستكثار ، فإنّ الامتنان يؤدي دائما إلى الاستكثار ، وهذا ممّا يزيل قيمة النعم ، وما جاء من الرّوايات يشير لهذا المعنى : «لا تعط تلتمس أكثر منها»(٢) كما جاء في حديث آخر عن الإمام الصادقعليه‌السلام في تفسير الآية : «لا تستكثر ما عملت من خير لله»(٣) وهذا فرع من ذلك المفهوم.

ويشير في الآية الأخرى إلى الأمر الأخير في هذا المجال فيقول :( وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ ) ، ونواجه هنا مفهوما واسعا عن الصبر الذي يشمل كلّ شيء ، أي اصبر في طريق أداء الرسالة ، واصبر على أذى المشركين الجهلاء ، واستقم في طريق عبودية الله وطاعته ، واصبر في جهاد النفس وميدان الحرب مع الأعداء.

ومن المؤكّد أنّ الصبر هو ضمان لإجراء المناهج السابقة ، والمعروف أنّ الصبر هو الثروة الحقيقية لطريق الإبلاغ والهداية ، وهذا ما اعتمده القرآن الكريم

__________________

(١) البقرة ، ٢٦٤.

(٢) نور الثقلين ، ج ٥ ، ص ٤٥٤ ، وتفسير البرهان ، ج ٤ ، ص ٤٠٠.

(٣) المصدر السابق.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

ذلك سبباً في حدوث إنقسامٍ كبير بين الشيعة كما أشار إلى ذلك إبن خلدون.

وبمثل قوله في ص ١٢٨: إدَّعى عبد الله بن عليّ بن عبد الله بن الحسين(١) الإمامة، ويُروى أن وفداً مؤلَّفا من إثنين وسبعين رجلاً جاء إلى المدينة من خراسان، ومعهم أموال يحملونها إلى الإمام وهم لا يعرفونه، فذهبوا إلى عبد الله أوَّلاً فأخرج لهم درع النبيِّ صلّى الله عليه وسلّم وخاتمه وعصاه وعمامته، فلمّا خرجوا من عنده على أن يرجعوا غداً لقيهم رجلٌ من أتباع محمّد الباقر فخاطبهم بأسمائهم ودعاهم إلى دار سيِّده فلمّا حضروا كلّهم طلب الإمام محمّد الباقر من إبنه جعفر أن يأتيه بخاتمه فأخذه بيده وحرَّكه قليلاً وتكلّم بكلمات فإذا بدرع الرَّسول وعمامته وعصاه تسقط من الخاتم، فلبس الدرع ووضع العمامة على رأسه وأخذ العصا بيده فاندهش النّاس، فلمّا رأوها نزع العمامة والدرع وحرَّك شفتيه فعادت كلّها إلى الخاتم، ثمَّ التفت إلى زوّاره وأخبرهم أنّه لا إمام إلّا وعنده مال قارون فاعترفوا بحقِّه في الإمامة ودفعوا له الأموال. وقال في تعليقه: اُنظر دائرة المعارف(٢) الإسلاميَّة. مادة قارون.

سبحانك اللّهمَّ ما كنّا نحسب أنَّ رجلاً يسعه أن يكتب عن أُمَّة كبيرة ويأخذ معتقداتها عمَّن يُضادُّها في المبدء، ويتقوَّل عليها بمثل هذه التّرهات من دون أيِّ مصدر، وينسب إليها بمثل هذه المخازي من دون أيِّ مبرِّر، فما عساني أن أكتب عن مؤلِّف حائر بائر ساح بلاد الشيعة، وجاس خلال ديارهم، وحضر في حواضرهم وعاش بينهم (كما يقول في مقدِّمة كتابه) ستّ عشر سنة، ولم ير منهم في طيلة هذه المدَّة أثراً ممّا تقوَّل عليهم، ولم يسمع منه ركزاً، ولم يقرأه في تآليف أيِّ شيعيٍّ ولو لم يكن فيهم وسيطاً(٣) . ولم يجد في طامور قصّاص، فجاء يفصم عرى الأُخوَّة الإسلاميَّة، ويُفرِّق صفوف أهل القرآن، بما لفَّقته يد الإفك والزور من شاكلته،

_____________________

١ - ليته دلنا على مدعي الإمامة هذا من ولد الحسين من هو؟ ومتى ولد؟ وأين ولد؟ وأين عاش؟ وأين مات؟ وأين دفن؟ ومتى كان دعواه؟ لم يكن ممّن عاصر الإمام الباقر من ولد جدّه الحسين غير أخيه عبد الله بن علي بن الحسين، وكان فقيهاً فاضلاً مخبتاً إلى إمامة أخيه الباقر فالقضية بهذا الإسم سالبة بانتفاء الموضوع، وفيها ما ينافي أصول الشيعة وقد خفى على الواضع.

٢ - هذا الكتاب فيه من البهرجة والباطل شيء هائل يحتاج جدّاً إلى نظارة التنقيب.

٣ - وسيط القوم: أرفعهم مقاماً وأشرفهم نسباً. ومن هنا يقال: الحكمة الوسطى.

٣٢١

ويبهت أرقى الأُمم بما هم بُعداء منه، ويعزو إليهم بما يُكذِّبه به أدب الشيعة وتُحرِّمه مبادئهم الصحيحة، ويقذفهم بما وضعته يد الإحن والشحنا من أمثال هذه الأفائك الشائنة، فكأنَّ في أُذنيه وقراً لم تسمع ذكراً ممّا ألَّفه أعلام الشيعة قديماً وحديثاً في أُصول عقائدهم، وكأنَّ في بصره غشاوة لم ير شيئاً من تلك التآليف التي ملأت مكتبات الدنيا. نعم: إنَّ( الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى ) .فأتعس الله حظَّ مؤلِّف هذا شأنه، وجَدع أنفه ويُريه وبال أمره في الدنيا قبل عذاب الآخرة.

والخطب الفظيع إنَّ هذا الكيذبان [وليد عالم التمدُّن] مهما ينقل عن تأليف شيعيٍّ تجده تارةً يمين في نقله كقوله في ترجمة الكليني ص ٢٨٤: يقال إنَّ قبره فتح فوُجد في ثيابه وعلى هيئته لم يتغيَّر وإلى جانبه طفلٌ كان قد دفن معه فبني على قبره مُصلّى. ويذكر في التعليق أنَّه كذلك ص ٢٠٧ فهرست الطوسي رقم ٧٠٩. ولم يوجد في فهرست الطوسي من هذه القيلة أثرٌ.

وتارةً تراه يحرِّف الكلم عن مواضعها ويشوِّه صورتها كما فعل فيما ذكره من زيارة مولانا أميرالمؤمنين ص ٨٠ ناقلاً عن الكافي للكليني ج ٢(١) ص ٣٢١ فإنَّه أدخل فيها من عند نفسه ألفاظاً لم توجد قطُّ فيها لا فيه ولا في غيره من كتب الشيعة.

أضف إلى هذه فظيعة جهله برجال الشيعة وتاريخهم قال في ترجمة الصحابيِّ الشيعيِّ العظيم سلمان الفارسيّ: يزور كثيرٌ من الشيعة قبره عند عودتهم من كربلاء وهو في قرية اسبندور من المدائن ويقول بعضهم(٢) : إنّه دُفن في جوار إصفهان. وقال ص ٢٦٨: والمقداد الذي تُوفّي في مصر ودفن بالمدينة. وحذيفة بن اليمان الذي قُتل مع أبيه وأخيه في غزوة أُحد ودُفن في المدينة. وقال ص ٢٦٨: إنَّ الكليني مات في بغداد ودفن بالكوفة(٣) وأكثر النقل عن تبصرة العوام للسيِّد المرتضى الرازي أحد أعلام القرن السابع ونسبه في ذلك كلِّه إلى السيِّد الشريف علم الهدى المرتضى مؤرِّخا وفاته ٤٣٦.

_____________________

١ - والصحيح: ج ١.

٢ - ليته دلتا على ذلك البعض.

٣ - خفى عليه أنه (باب الكوفة) وهو من محلات بغداد.

٣٢٢

ولعلَّنا نبسط القول حول ما في طيِّه من أباطيل ومخاريق بتأليف مفرد ونبرهن فساد ما هنالك في ص ٢٠، ٢١، ٢٤، ٣٤، ٣٦، ٤٣، ٤٧، ٥٩، ٦٠، ٦٣، ٧٢، ٧٧، ٨٠، ٨٣، ٩١، ٩٢، ١٠٠، ١٠١، ١١٠، ١١١، ١١٤، ١١٥، ١٢٢، ١٢٦، ١٢٨، ١٥١، ١٥٨، ١٦١، ١٧٠، ١٧٤، ١٨٥، ١٩٢، ٢٠٨، ٢١١، ٢٣٥، ٢٥٣، ٢٦٨، ٢٨٠، ٢٨٢، ٢٨٤، ٢٩٥، ٢٩٦، ٣٠٤، ٣٢٠، ٣٢٩، وغيرها.

ولا يفوت المترجم عرفاننا بأنَّ يده الأمينة على ودايع العلم لعبت بهذا الكتاب وإنَّه زاد شوهاً في شوهه، وبذل كلّه في تحريفه، وأخنى عليه ورمَّجه، وقلَّب له ظهر المجن، وأدخل فيه ما حبَّذته نفسيَّته الضئيلة، فتعساً لمترجم راقه ما في الكتاب من التحامل على الشيعة والوقيعة فيهم، فجاء يحمل أثقال أوزار الغرب وينشرها في الملأ ولم يُهمّه التحفّظ على ناموس الإسلام، وعصمة الشرق، وكيان العرب ودينه.

( وَلَيَحْمِلُنّ أَثْقَالَهُمْ وَأَثْقَالاً مَعَ أَثْقَالِهِمْ وَلَيُسْأَلُنّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَمّا كَانُوا يَفْتَرُونَ )

سورة العنكبوت: ١٣

٣٢٣

١٦

الوشيعة

في نقد عقائد الشيعة

تأليف موسى جار الله

كنت أودُّ أن لا أحدث لهذا الكتاب ذكرا، وأن لا يسمع أحد منه ركزا، فإنَّه في الفضائح أكثر منه في عداد المؤلَّفات، لكن طبع الكتاب وانتشاره حداني إلى أن أوقف المجتمع على مقدار الرَّجل، وعلى أُنموذج ممّا سوَّد به صحائفه، وكلُّ صحيفةٍ منه عارٌ على الأُمّة وعلى قومه أشدُّ شنارا.

لست أدري ما أكتب عن كتاب رجل نبذ كتاب الله وسنَّة نبيِّه وراءه ظهريّا، فجاء يحكم وينقد، ويتحكّم ويُفنِّد، وينبر وينبز، ويبعث بكتاب الله ويفسِّره برأيه الضئيل؛ وعقليَّته السقيمة كيف شاء وأراد، فكأنّ القرآن قد نزل اليوم ولم يسبقه إلى معرفته أحدٌ، ولم يأت في آية قولٌ، ولم يُدوَّن في تفسيره كتابٌ، ولم يرد في بيانه حديثٌ، وكأنَّ الرجل قد أتى بشرعٍ جديد، ورأي حديث، ودين مخترعٍ، ومذهبٍ مبتدعٍ، لا يُساعده أيُّ مبدء من مبادئ الإسلام، ولا شيءٌ من الكتاب أو السنَّة.

ما قيمة مغفَّل وكتابه وهو يرى الأُمَّة شريكةً لنبيِّها في كلِّ ما كان له، وفي كلِّ فضيلة وكمال تستوجبها الرِّسالة، وشريكة لنبيِّها في أخصّ خصايص النبوَّة، ويرى رسالة الأُمَّة متَّصلةً بسورة رسالة النبيِّ من غير فصل، ويستدلُّ على رسالة الأُمَّة بقوله تعالى( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ ) (١) . وبقوله:( مُحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) (٢)

_____________________

١ - سورة التوبة آية ١٢٨.

٢ - سورة الفتح آية ٢٩.

٣٢٤

والكلام معه في هذه الأساطير كلّها يستدعي فراغاً أوسع من هذا، ولعلّه يُتاح لنا في المستقبل الكشّاف إنشاء الله تعالى، وقد أغرق نزعاً في تفنيد أباطيله العلّامة المبرور الشيخ مهدي الحجّار النجفي نزيل المعقل(١) .

ولو لم يكن للرَّجل في طيِّ كتابه إلّا أساطيره الراجعة إلى الأُمَّة لكفاه جهلاً وسوءة وإليك نماذج منها قال:

١ - الأُمَّة معصومةٌ عصمة نبيِّها. معصومةٌ في تحمّلها وحفظها. وفي تبليغها وأدائها. حفظت كلَّ ما بلّغه النبيُّ مئل حفظ النبيِّ. وبلّغت كلَّ ما بلّغه النبيُّ مثل تبليغ النبيِّ. حفظت كلّيات الدين وجزئيّات الدين أصلاً وفرعاً. وبلّغت كلّيات الدين وجزئيّات الدين أصلاً وفرعاً.

لم يضع من أُصول الدين ومن فروع الدين شييءٌ. ١ - حفظه الله ٢ - حفظه نبيّه محمَّد ، ٣-حفظته الأُمَّة: كافَّة عن كافَّة، عصراً بعد عصر، ولا يمكن أن يوجد شيئٌ من الدين غفل عنه أو نسيه الأُمّة.

فالأُمّة بالقرآن والسنّة أعلم من جميع الأئمّة، وأقرب من إهتداء الأئمّة، وعلم الأُمَّة بالقرآن وسنن النبيِّ اليوم أكثر وأكمل من علم عليٍّ ومن علوم كلِّ أولاد عليٍّ.

ومن عظيم فضل الله على نبيِّه، ثمَّ من عموم وعميم فضل الله على الأُمّة أن جعل في الأُمّة من أبناء الأُمّة كثيراً هم أعلم بكثير من الأئمّة ومن صحابة النبيِّ صلّى الله عليه وآله وصحبه وسلّم. لز.

وكلُّ حادثة إذا وقعت فالأُمَّة لا تخلو من حكم حقٍّ وصواب وجواب يُريه الله الواحدَ من الأُمَّة الّتي ورثت نبيَّها وصارت رشيدةً ببركة الرِّسالة وختمها أرشد إلى الهداية وإلى الحق من كلِّ إمام، والأُمَّة مثل نبيِّها معصومةٌ ببركة الرِّسالة و كتابها، ومعصومةٌ بعقلها العاصم.

الأُمَّة بلغت وصارت رشيدةً لا تحتاج إلى الإمام، رشدها وعقلها يُغنيها عن كلِّ إمام. لح.

أنا لا أنكر على الشيعة عقيدتها أنَّ الأئمَّة معصومةٌ، وإنَّما أنكر عليها عقيدتها

_____________________

١ - أحد شعراء الغدير في القرن الرابع عشر يأتي هناك شعره وترجمته.

٣٢٥

أنّ أُمَّة محمَّد لم تزل قاصرةً ولن تزال قاصرةً، تحتاج إلى وصاية إمام معصوم إلى يوم القيامة، والأُمَّة أقرب إلى العصمة والإهتداء من كلِّ إمام معصوم، وأهدى إلى الصواب والحقِّ من كلّ إمام معصوم، لأنَّ عصمة الإمام دعوى، أمّا عصمة الأُمَّة فبداهة وضرورة بشهادة القرآن. لط.

ليس يُمكن في العالم نازلة حادثة ليس لها جوابٌ عند الأُمَّة: وعقلنا لا يتصوَّر إحتياج الأُمَّة إلى إمام معصومٍ، وقد بلغت رشدها، ولها عقلها العاصم، وعندها كتابها المعصوم، وقد حازت بالعصوبة كلَّ مواريث نبيِّها، وفازت بكلِّ ما كان للنبيِّ بالنبوَّة.

الأُمَّة بعقلها وكمالها ورشدها بعد ختم النبوَّة أكرم وأعزّ وأرفع من أن تكون تحت وصاية وصيٍّ تبقى قاصرةً إلى الأبد. ما

ج - هذه سلسلة أوهام، وحلقة خرافات تبعد عن ساحة أيِّ متعلّمٍ متفقِّه فضلاً عمَّن يرى نفسه فقيهاً، فكأنَّ الرجل يتكلّم في الطيف في عالم الأضغاث والأحلام.

ألا مَن يُسائله عن أنَّ الأُمَّة إذا كانت معصومةً حافظةً لكلّيات الدين وجزئيّاته أصلاً وفرعاً، ومبلّغةً جميع ذلك كافَّة عن كافَّة وعصراً بعد عصر، ولم يوجد هناك شيئٌ منسيٌّ أو مغفولٌ عنه، فما معنى أعلميَّتها من جميع الأئمَّة؟ وأقربيّة إهتدائها من إهتدائهم؟ أيراهم خارجين عن الأُمَّة غير حافظين ولا مهتدين، في جانب عن الدين الذي حفظته الأُمَّة، لا تشملهم عصمتها ولا حفظها ولا اهتدائها ولا تبليغها؟.

وعلى ما يهم الرَّجل يجب أن لا يوجد في الأُمَّة جاهلٌ، ولا يقع بينها خلافٌ في أمر دينيّ أو حكم شرعيّ، وهؤلاء جهلاء الأُمَّة الذين سدّوا كلَّ فراغ بين المشرق والمغرب، وتشهد عليهم أعمالهم وأقوالهم بأنَّهم جاهلون - وفي مقدَّمهم هو نفسه - وما شجر بين الأُمَّة من الخلاف منذ عهد الصحابة وإلى يومنا الحاضر ممّا لا يكاد يخفى على عاقل، وهل يُتصوَّر الخلاف إلّا بجهل أحد الفريقين بالحقيقة الناصعة؟ لأنَّها وحدانيَّةٌ لا تقبل التجزية، أيرى من الدين الذي حفظته الأُمَّة وبلّغته جهل عليٍّ وأولاده من بينهم بالقرآن والسنن؟ أم يراهم أنَّهم ليسوا من الأُمَّة؟ فيقول: إنَّ علم الأُمَّة بالقرآن وسنن النبيِّ اليوم أكثر وأكمل من علم عليّ ومن علوم كلِّ أولاد عليّ. ومتى أحاط هو بعلم عليّ وأولاده عليهم السَّلام وبعلم الأُمَّة جمعاء؟ حتى يسعه

٣٢٦

هذا التحكّم الباتّ والفتوى المجرَّدة.

والعجب أنَّه يرى أنَّ الأُمَّة إذا وقعت حادثةٌ يُري الله لواحد منها الحكم وصواب الجواب، وأنها ورثت نبيَّها، ورشدت ببركة الرِّسالة وبها وبكتابها ما تلت نبيَّها في العصمة، وإنَّها معصومةٌ بعقلها العاصم، فما بال الأئمَّة [عليٍّ وأولاد عليّ] لا يكون من أولئك الآحاد الذين يُريهم الله الحق والصواب؟! وما بالهم قصروا عن الوراثة المزعومة؟! وليس لهم شركة في علم الأُمَّة؟ ولم تشملهم بركة الرِّسالة وكتابها؟ ولا يُماثلون النبيَّ في العصمة؟ ولا يوجد عندهم عقلٌ عاصم؟ وأعجب من هذه كلّها هتافُ الله بعصمتهم في كتابه العزيز، ألا يعلم مَنْ خلق وهو اللطيف الخبير؟ أم على قلوب أقفالها؟.

ولعلّي يسعني أن أقول بأنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله كان أبصر وأعرف بأُمَّته من صاحب هذه الفتاوى المجرَّدة، وأعلم بمقادير علومهم وبصائرهم، فهو بعد ذلك كلّه خلّف لهداية أمَّته من بعده الثقلين: كتاب الله وعترته [ويريد الأئمَّة منهم] وقال: ما إن تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي وإنَّهما لن يفترقا حتّى يردا عليَّ الحوض، فحصر الهداية بالتمسّك بهما واقتصاص آثارهما إلى غاية الأمد يُفيدنا أنَّ عندهما من العلوم والمعارف ما تقصر عنها الأمَّة، وإنَّه ليس في حيّز الإمكان أن تبلغ الأُمَّة وهي غير معصومة من الخطأ ولم تكشف لها حجب الغيب مبلغاً يستغنى به عمَّن يرشدها في مواقف الحيرة.

فأئمَّة العترة أعدال الكتاب في العلم والهداية بهذا النصِّ الأغرّ، وهم مفسِّروه والواقفون على مغازيه ورموزه، ولو كانت الأُمَّة أو أنَّ فيها مَن يُضاهيهم في العلم والبصيرة فضلاً عن أن يكون أعلم بكثير منهم لكان هذا النصُّ الصريح مجازفة في القول

لا سيّما وأنَّ الهتاف به كان له مشاهد ومواقف منها مشهد «يوم الغدير» وقد ألقاه صاحب الرِّسالة على مائة ألف أو يزيدون، وهو أكبر مجتمع للمسلمين على العهد النبويِّ، هنالك نعى نفسه وهو يرى أُمَّته [وحقّاً ما يرى] قاصرةً (ولن تزل قاصرةً) عن درك مغازي الشريعة فيجبره ذلك بتعيين الخليفة من بعده.

وهذا الحديث من الثابت المتواتر الذي لا يعترض صدوره أيّ ريب، وللعلّامة السمهودي كلامٌ حول هذا الحديث أسلفناه ص ٨٠. وكان يرى صلّى الله عليه وآله مسيس حاجة

٣٢٧

أُمَّته إلى الخليفة من يوم بدء دعوته يوم أمر بإنذار عشيرته كما مرَّ حديثه ج ٢ ص ٢٧٨(١) وممّا يُماثل هذا النصّ حديث سفينة نوح حيث شبّه فيه نفسه وأهل بيته (ويريد الأئمَّة منهم) بسفينة نوح التي من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق، فحصر النجاة باتِّباعهم المستعار له ركوب السفينة، ولولا أنَّ لهم علوماً وافيةً بإرشاد الأُمَّة وأنَّها لا تهتدي إليها إلّا بالأخذ منهم لما استقام هذا التشبيه ولا اتَّسق ذلك الكلام.

ومثله حديث تشبيهه صلّى الله عليه وآله أهل بيته بالنجوم، فأهل بيته أعلامٌ وصوى للهداية يُهتدى بهم في ظلمات الغيِّ والخلاف، كما أنَّ النجوم يُهتدى بها في غياهب الليل البهم، ولولا أنَّهم أركان العلم والهداية لما يتمّ التمثيل.

ولو كان علم الأُمَّة اليوم بالقرآن والسنن أكثر وأكمل من علم عليٍّ ومن علوم كلِّ أولاد عليٍّ (كما زعمه المسكين) فكيف خفي ذلك على رسوله الله فقال و كأنَّه لم يعرف أُمَّته: أعلم أُمَّتي من بعدي عليُّ بن أبي طالب؟

وكيف اتَّخذه وعاء علمه وبابه الَّذي يُؤتى منه؟

وكيف رآه باب علمه ومبيِّن أُمَّته بما أُرسل به من بعده؟

وكيف أخبر أُمَّته بأنَّه خازن علمه وعيبته؟

وكيف خصَّه بين أُمَّته بالوصيَّة والوارثة لعلمه؟

وكيف صحَّ عن أمير المؤمنين قوله: والله إنّي لأخوه ووليّه وابن عمِّه و وارث علمه، فمن أحقُّ به منّي؟

وكيف حكم الحافظ النيسابوري بإجماع الأُمَّة على أنَّ عليّاً ورث العلم من النبيِّ دون الناس؟

وعلى هذه كلّها فلازم كون الأُمَّة أعلم من عليٍّ كونها أعلم من رسول الله صلّى الله عليه وآله لأنَّه ورث علمه كلّه.

ثمَّ كيف كان رسول الله صلّى الله عليه وآله يرى أنَّ الله جعل الحكمة في أهل بيته وفي الأُمَّة مَن هو أعلم منهم؟ وقد صحّ عنه صلّى الله عليه وآله قوله: أنا دار الحكمة وعليٌّ بابها.

وكيف يأمر أُمَّته بالإقتداء بأهل بيته من بعده ويعرِّفهم بأنَّهم خُلقوا من طينتي

_____________________

١ - في الطبعة الثانية. وص ٢٥١ من الأولى.

٣٢٨

ورُزقوا فهمي وعلمي؟

وكيف يراهم أئمَّة أُمَّته ويقول: في كلِّ خلوف من أُمَّتي عدول من أهل بيتي ينفون من هذا الدين تحريف الغالين، وانتحال المبطين، وتأويل الجاهلين، ألا إنَّ أئمتكم وفدكم إلى الله فانظروا بمن توفدون(١) .

م - والأُمَّة إن كانت غير قاصرة لا تحتاج إلى وصاية إمام معصوم إلى يوم القيامة كما زعمه المغفَّل ولا يتصوّر عقله إحتياجها إلى إمام معصوم فلماذا أخَّرت الأُمَّة تجهيز نبيِّها صلّى الله عليه وآله ودفنه ثلاثة أيّام؟ وهذه كتب القوم تنصُّ على أنّ ذلك إنّما كان لاشتغالهم بالواجب الأهمّ ألا وهو. أمر الخلافة وتعيين الخليفة.

قال ابن حجر في الصواعق ص ٥: إعلم أنّ الصحابة رضوان الله عليهم أجمعوا علي أنَّ نصب الإمام بعد انقراض زمن النبوَّة واجبٌ، بل جعلوه أهمَّ الواجبات حيث اشتغلوا به عن دفن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واختلافهم في التعيين لا يقدح في الإجماع المذكور.

والباحث يجد نظير هذه الكلمة في غضون الكتب كثيراً، فكيف يتصوّر عندئذ عقل الرَّجل مسيس حاجة الأُمَّة يوم ذلك إلى إمام غير معصوم وهي لا تحتاج إلى إمام معصوم قطُّ إلى يوم القيامة؟؟].

٢ - بسط القول في المتعة ومُلخَّصه: إنَّها من بقايا الأنكحة الجاهليَّة، ولم تكن حكماً شرعيّاً، ولم تكن مباحةً في شرع الإسلام، ونسخها لم يكن نسخ حكم شرعيٍّ وإنَّما كان نسخ أمر جاهليٍّ، ووقع الإجماع على تحريمها، ولم ينزل فيها قرآن، ولا يوجد في غير كتب الشيعة قولٌ لأحد أنَّ فما استَمتعتم به مِنهنَّ فآتوهُنَّ أُجورَهُنَّ نزل فيها، ولا يقول به لا جاهلٌ يدّعي ولا يعي، وكتب الشيعة ترفع القول به إلى الباقر والصّادق وأحسن الإحتمالين أنّ السند موضوعٌ وإلّا فالباقر والصّادق جاهلٌ ٣٢ - ١٦٦.

ج - هذه سلسلة جنايات على الإسلام وكتابه وحكمه، وتكذيبٌ على ما جاء به نبيّه وأقرَّ به السلف من الصحابة والتابعين والعلماء من فرق المسلمين بأسرهم. وقد فصَّلنا القول فيها في رسالة تحت نواحي خمس نأخذ منها فهرستها ألا وهو:

_____________________

١ - راجع في هذه الأحاديث المذكورة ص ٨٠، ٨١، ٩٥، ١٠١، ١٢٣ من هذا الجزء

٣٢٩

( فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنّ فَآتُوهُنّ أُجُورَهُنّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيَما تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً حَكِيماً ) [سورة النساء ٢٤] ذُكر نزولها في المتعة في أوثق مصادر التفسير منها:

١ - صحيح البخاري ٢ - صحيح مسلم ٣ - مسند أحمد ٤ ص ٤٣٦، بإسنادهم عن عمران بن حصين. وتجده في تفسير الرازي ٣ ص ٢٠٠، ٢٠٢. وتفسير أبي حيان ٣ ص ٢١٨.

٤ - تفسير الطبري ٥ ص ٩ عن إبن عبّاس وأُبيِّ بن كعب والحَكَم وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة وشعبة وأبي ثابت.

٥ - أحكام القرآن للجصّاص ٢ ص ١٧٨ حكاه عن عدَّة.

٦ - سنن البيهقي ٧ ص ٢٠٥ رواه عن إبن عبّاس.

٧ - تفسير البغوي ١ ص ٤٢٣ عن جمع، وحكى عن عامَّة أهل العلم أنّها منسوخةٌ.

٨ - تفسير الزمخشري ١ ص ٣٦٠.

٩ - أحكام القرآن للقاضي ١ ص ١٦٢ رواه عن جمع.

١٠ - تفسير القرطبي ٥ ص ١٣٠ قال: قال الجمهور: إنّها في المتعة.

١١ - تفسير الرازي ٣ ص ٢٠٠ ذكر عن الصحيحين حديث عمران أنّها في المتعة.

١٢ - شرح صحيح مسلم للنووي ٩ ص ١٨١ عن ابن مسعود.

١٣ - تفسير الخازن ١ ص ٣٥٧ عن قوم وقال: ذهب الجمهور أنّها منسوخةٌ.

١٤ - تفسير البيضاوي ١ ص ٢٦٩. يروم إثبات نسخها بالسنّة.

١٥ - تفسير أبي حيّان ٣ ص ٢١٨ عن جمعٍ من الصحابة والتابعين.

١٦ - تفسير إبن كثير ١ ص ٤٧٤ عن جمع من الصحابة والتابعين.

١٧ - تفسير السيوطي ٢ ص ١٤٠ رواه عن جمعٍ من الصحابة والتابعين بطريق الطبراني. وعبد الرزاق. والبيهقي. وابن جرير. وعبد بن حميد. وأبي داود. و إبن الأنباري.

١٨ - تفسير أبي السعود ٣ ص ٢٥١.

قال الأميني: أليست [أيّها الباحث] هذه الكتب مراجع علم القرآن عند أهل

٣٣٠

السنّة؟ أم ليسوا هؤلاء أعلامهم وأئمّتهم في التفسير؟ فأين مقيل قول الرَّجل: لم ينزل فيها قرآنٌ ولا يوجد في غير كتب الشيعة؟ وهل يسع الرَّجل أن يقل في هؤلاء الصحابة والتابعين والأئمّة بما قاله في الباقر والصّادق عليهما السّلام ويسلقهم بذلك اللسان البذيّ؟.

٢ - حدود المتعة في الإسلام.

أسلفنا في ص ٣٠٦ للمتعة حدوداً جاء بها الإسلام، ولم يكن قطُّ نكاحٌ في الجاهليّة معروفاً بتلك الحدود، ولم ير أحدٌ من السلف والخلف حتى اليوم أنَّ المتعة من أنكحة الجاهليّة، ولا يمكن القول بذلك مع تلك الحدود، ولا قيمة لفتوى الرَّجل عندئذ، وهي مفصّلةٌ في كتب كثيرة منها:

١ - سنن الدارمي ٢ ص ١٤٠.

٢ - صحيح مسلم ج ١ في باب المتعة.

٣ - تفسير الطبري ٥ ص ٩ ذكر من حدودها: النكاح. الأجل. الفراق بعد انقضاء الأجل. الإستبراء. عدم الميراث.

٤ - أحكام القرآن للجصّاص ٢ ص ١٧٨ ذكر من حدودها: العقد. الأُجرة. الأجل. العدَّة. عدم الميراث.

٥ - سنن البيهقي ٧ ص ٢٠٠ أخرج أحاديث فيها بعض الحدود.

٦ - تفسير البغوي ١ ص ٤١٣ ذكر عدَّة من الحدود.

٧ - تفسير القرطبي ٥ ص ١٣٢ ذكر عدَّة من الحدود.

٨ - تفسير الرازي ٣ ص ٢٠٠ ذكر عدَّة من الحدود.

٩ - شرح صحيح مسلم للنووي ٩ ص ١٨١، إدَّعى إتِّفاق العلماء على الحدود.

١٠ - تفسير الخازن ١ ص ٢٥٧ ذكر الحدود الستّ.

١١ - تفسير إبن كثير ١ ص ٤٧٤ ذكر الحدود الستّ.

١٢ - تفسير السيوطي ٢ ص ١٤٠ ذكر من حدودها خمسةً.

١٣ - الجامع الكبير للسيوطي ٨ ص ٢٩٥ ذكر من حدودها خمسةً

وفي غير واحد من كتب المذاهب الأربعة في الفقه.

٣٣١

٣ - (أوَّل من نهى عن المتعة):

وقفنا على خمسة وعشرين حديثاً في الصّحاح والمسانيد يدرسنا بأنَّ المتعة كانت مباحةً في شرع الإسلام، وكان الناس تعمل بها في عصر النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم وأبي بكر وردحاً من خلافة عمر، فنهى عنها عمر في آخر أيّامه وعرف بأنَّه أوَّل مَن نهى عنها فعلى الباحث أن يُراجع:

صحيح البخاري باب التمتّع. صحيح مسلم ١ ص ٣٩٥، ٣٩٦. مسند أحمد ٤ ص ٤٣٦، ج ٣ ص ٣٥٦. الموطّأ لمالك ٢ ص ٣٠. سنن البيهقي ٧ ص ٢٠٦. تفسير الطبري ٥ ص ٩. أحكام القرآن للجصّاص ٢ ص ١٧٨. النهاية لإبن الأثير ٢ ص ٢٤٩. الغريبين للهروي. الفائق للزمخشري ١ ص ٣٣١. تفسير القرطبي ٥ ص ١٣٠. تاريخ ابن خلكان ١ ص ٣٥٩. المحاضرات للراغب ٢ ص ٩٤. تفسير الرازي ٣ ص ٢٠١، ٢٠٢. فتح الباري لابن حجر ٩ ص ١٤١. تفسير السيوطي ٢ ص ١٤٠. الجامع الكبير للسيوطي ٨ ص ٢٩٣. تاريخ الخلفاء له ص ٩٣. شرح التجريد للقوشجي في مبحث الإمامة.

٤ - (الصحابة والتابعون):

ذهب جمعٌ من الصحابة والتابعين إلى إباحة المتعة وعدم نسخها مع وقوفهم على نهي عمر عنها، ولهم ولرأيهم شأنٌ في الأُمَّة، وفيهم مَن يجب عليها إتباعه.

١ - أمير المؤمنين عليّ عليه السلام ٢ - إبن عبّاس حبر الأُمَّة

٣ - عمران بن الحصين الخزاعي ٤ - جابر بن عبد الله الأنصاري

٥ - عبد الله بن مسعود الهذلي ٦ - عبد الله بن عمر العدوي

٧ - معاوية بن أبي سفيان ٨ - أبو سعيد الخدري الأنصاري

٩ - سلمة بن أُميَّة الجمحي ١٠ - معبد بن أُميَّة الجمحي

١١ - الزبير بن العوام القرشي ١٢ الحكم

١٣ - خالد بن المهاجر المخزومي ١٤ - عمرو بن حُريث القرشي

١٥ - أُبيّ بن كعب الأنصاري ١٦ - ربيعة بن أُميَّة الثقفي

١٧ - سعيد بن جبير ١٨ - طاووس اليماني

١٩ - عطاء أبو محمّد اليمانيّ ٢٠ - السديّ

٣٣٢

قال إبن حزم بعد عدَّ جمع من الصحابة القائلين بالمتعة: ومن التابعين طاوس وسعيد بن جبير وعطاء وساير فقهاء مكّة.

قال أبو عمر: أصحاب إبن عبّاس من أهل مكّة واليمن كلّهم يرون المتعة حلالاً. قال القرطبي في تفسيره ٥ ص ١٣٢: أهل مكّة كانوا يستمتعونها كثيراً.

قال الرازي في تفسيره ٣ ص ٢٠٠ في آية المتعة: إختلفوا في أنَّها هل نسخت أُم لا؟ فذهب السواد الأعظم من الأُمَّة إلى أنَّها صارت منسوخة، وقال السواد منهم: إنَّها بقيت مُباحةً كما كانت. قال أبو حيّان بعد نقل حديث إباحة المتعة: وعلى هذا جماعةٌ من أهل البيت والتابعين.

قال الأميني: فأين دعوى إجماع الأُمَّة علي حرمة المتعة ونسخ آيتها؟ وأين عزو القول بإباحتها إلى الباقر والصّادق عليها السَّلام فحسب؟ وهناك ناحيةٌ خامسةٌ فيها بيان أقوال أهل السنَّة في المتعة ونسخها وهي ٢٢ قولاً يُعرب هذا التضارب في الآراء عن فوائد جمَّة نُحيل الوقوف عليها إلى دراية الباحث(١) .

ونحن لا يسعنا بسط المقال في طامّات هذا الكتاب إذ كلُّ صحيفة منه أهلك من ترّهات البسابس، تُعرب عن أنَّ مؤلِّفه بعيدٌ عن أدب الإسلام، بعيدٌ عن فقه القرآن والحديث، قصيرُ الباع عن كلِّ علم، قصيرُ الخُطا عن كلِّ ملكة فاضلة، بذيُّ اللسان لسّابة، وهو يعدُّ نفسه مع ذلك في كتابه من فقهاء الإسلام، فإن كان الإسلام هذا فقهه وهذا فقيهه؟ وهذا علمه وهذا عالمه؟ وهذا كتابه وهذا كاتبه؟ فإنّا لله وإنّا إليه راجعون.

[هذه غاية البحث عن الكتب المزوَّرة].

_____________________

م ١ - ولنا القول الفصل في البحث عن المتعة في الجزء السادس من كتابنا هذا).

٣٣٣

الآن حصحص الحق

الآن حقَّ علينا أن نُميط الستر عن خبيئة أسرارنا، ونُعرب عن غايتنا المتوخّاة من هذا البحث الضافي حول الكتب، الآن آن لنا أن ننوِّه بأنَّ ضالَّتنا المنشودة هي إيقاظ شعور الأُمّة الإسلاميَّة إلى جانب مهمّ فيه الصالح العام والوئام والسَّلام والوحدة الإجتماعيَّة، وحفظ ثغور الإسلام عن تهجّم سيل الفساد الجارف.

يا قوم؟ إن كان كبر عليكم مقامي وتذكيري بآيات الله فعلى الله توكَّلتُ. أُنشدكم بالله أيّها المسلمون هل دعايةٌ أقوى من هذه الكتب إلى تفريق صفوف المسلمين؟ وتمزيق شملهم؟ وفساد نظام المجتمع؟ وذهاب ريح الوحدة العربيَّة؟ وفصم عرى الأُخوة الإسلاميَّة؟ وإثارة الأحقاد الخامدة؟ وحشِّ نيران الضغاين في نفوس الشعب الإسلاميِّ؟ ونفخ جمرة البغضاء والعداء المحتدم بين فرق المسلمين؟.

يا قوم؟ اتَّبعوني أهدكم سبيل الرَّشاد. هذه الكتب يُضادُّ صراخها نداء القرآن البليغ. هذه النعرات المشمرجة(١) تُشيع الفحشاء والمنكر في الملأ الدينيِّ. هذه الكلم الطائشة معاول هدّامة لأُسِّ مكارم الأخلاق التي بُعث لتتميمها نبيُّ الإسلام صلّى الله عليه وآله وسلّم هذه الألسنة السَّلاقة اللسّابة البذّاءة مدرِّسات الأمّة بفاحش القول، وسوء الأدب، وقبح العشرة، وضدِّ المداراة، وبالشراسة والقحَّة والشياص. هذه التعاليم الفاسدة فيها دَحْسٌ لنظام المجتمع، ودحلٌ بين الفرق الإسلاميَّة، وهتكٌ لناموس الشرع المقدَّس وعبثٌ بسياسة البلاد، وصدعٌ لتوحيد العباد، هذه الأقلام المسمومة تمنع الأُمَّة عن سعادتها ورُقيِّها، وتولد العراقيل في مسيرها ومسربها، وتمحو ما خطَّته يدُ الإصلاح في صحائف القلوب، وتُحيي في النفوس ما عقمته داعية الدين.

يا أيّها النّاس قدْ جاءتكم موعظةٌ مِنْ ربِّكم وشفاءٌ لِما فِي الصّدور. إنَّ الآراء الدينيَّة الإسلاميَّة إجتماعيَّةٌ يشترك فيها كلُّ معتنق بالإسلام، إذ لا تمثَّل في

_____________________

١ - الشمراج: المخلط من الكلام بالكذب. والشمرج: الباطل.

٣٣٤

الملأ إلّا باسم الدين الإجتماعيِّ، فيهمُّ كلَّ إسلاميّ يحمل بين جنبيه عاطفةً دينيَّةً أن يدافع عن شرف نحلته، وكيان ملّته، مهما وجد هناك زلَّةً في رأي، أو خطأً في فكرةٍ، ولا يسعه أن يُفرِّق بين باءةٍ وأُخرى، أو يخصَّ نفسه بحكومة دون غيرها [إن هي إلّا أسماءٌ سمَّيتموها أنتم وآبائكم] بل الأرض كلّها بيئة المسلم الصّادق والإسلام حكومته، وهو يعيش تحت راية الحق، وتوحيد الكلمة ضالَّته، وصدق الإخاء شعاره أينما كان وحيثما كان.

هذا شأن الأفراد وكيف بالحكومات العزيزة الإسلاميَّة؟ التي هي شعبُ تلك الحكومة العالميَّة الكبرى، ومفرداتُ ذلك الجمع الصحيح، ومقطَّعات حروف تلك الكلمة الواحدة، كلمة الصدق والعدل، كلمة الإخلاص والتوحيد، كلمة العزِّ والشرف، كلمة الرُقيِّ والتقدُّم.

فأنّى يسوغ لحكومة مصر العزيزة أن تُرخِّص لنشر هذه الكتب في بلادها؟ وتُشوِّه سمعتها في أرجاء الدنيا؟ وهي ثغر الإسلام المستحكم من أوَّل يومه، وهي مدرسة الشرق المؤسَّسة تحت راية الحقِّ بيد رجال العلم والدين.

أليس عاراً على مصر بعد ما مضت عليها قرونٌ متطاولةٌ بحسن السمعة أن تُعرَّف في العالم بأُناسٍ دجّالين، وكتّابٍ مستأجرين، وأقلامٍ مسمومةٍ، وأن يُقال: إنَّ فقيهها موسى جار الله، وعالمها القصيميُّ، ومصلحها أحمد أمين، وعضو مؤتمرها محمّد رشيد رضا، ودكتورها طه حسين، ومؤرِّخها الخضري، وأُستاذ علوم إجتماعها محمّد ثابت، وشاعرها عبد الظاهر أبو السَّمح.

أليس عاراً على مصر أن يتملّج ويتلمَّظ بشرفها الدُّخلاء من إبن نجدٍ ودمشق فيؤلِّف أحدهم كتاباً في الرَّدِّ على الإماميَّة ويسمِّيه [الصراع بين الإسلام والوثنيَّة] ويأتي آخر يُقرِّظه بشعره لا بشعوره ويُعرِّف الشيعة الإماميَّة بقوله:

ويحمل قلبهم بغضاً شنيعاً

لخير الخلق ليس له دفاعُ

يقولون: الأمين حبا بوحي

وخان. وما لهم عن ذا ارتداعُ

فهل في الأرض كفرٌ بعد هذا؟

ولمن يهوى متاعُ

فما للقوم دينٌ أو حياءٌ

بحسبهم من الخزي [الصراعُ]

٣٣٥

ألم يأنِ للَّذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله؟ أيحسب امرئٌ مصريٌّ أنَّ إشاعة هذه الكتب، وبثَّ هذه المخاريق والنسب المفتعلة، ونشر هذه التآليف التافهة حياةٌ للأُمَّة المصريَّة، وإيقاظٌ لشعور شعبها المثقَّف، وإبقاءٌ لكيان تلك الحكومة العربيَّة العزيزة، وتقدُّمٌ ورقيٌّ في حركاتها العلميَّة. الأدبيَّة. الأخلاقيَّة. الدينيَّة. الإجتماعيَّة؟.

أسفاً على أقلام مصر النزيهة، وأعلامها المحنّكين، ومؤلِّفيها المصلحين، وكُتّابها الصادقين، وعباقرتها البارعين، وأساتذتها المثقّفين، ورجالها الأمناء على ودايع العلم والدين.

أسفاً على مصر وعلمها المتدفِّق، وأدبها الجمِّ، وروحها الصحيحة، ورأيها الناضج، وعقلها السليم، وحياتها الدينيّة، وإسلامها القديم، وولائها الخالص، وتعاليمها القيّمة، ودروسها العالية، وخلايقها الكريمة، وملكاتها الفاضلة.

أسفاً على مصر وعلى تلكم الفضائل وهي راحت ضحيَّة تلك الكتب المزخرفة، ضحيَّة تلك الأقلام المستأجرة، ضحيَّة تلك النزعات الفاسدة، ضحيَّة تلك الصحائف السوداء، ضحيَّة تلك النعرات الحمقاء، ضحيَّة تلك المطابع المأسوف عليها، ضحيَّة أفكار أولئك المحدَثين المتسرِّعين الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد، وإذا قيل لهم لا تُفسدوا في الأرض قالوا إنَّما نحن مُصلحون، ألا إنَّهم هم المفسدون ولكن لا يَشعرون.

أليست هذه الكتب بين يدي أعلام مصر ومشايخها المثقَّفين؟ أم لم يوجد هناك مَن يحمل عاطفةً دينيَّة، وشعوراً حيّاً، وفكرةً صالحة يُدافع عن ناموس مصره المحبوبة قبل ناموس الشرق كلّها؟

والعجب كلُّ العجب أنَّ علّامة مصر(١) يُرى للمجتمع أنَّه الناقد البصير فيقرِّظ كتاباً(٢) قيّما لعربيٍّ صميم عراقيٍّ يُعدُّ من أعلام العصر ومن عظماء العالم ويُناقش دون ما في طيِّه من الأغلاط المطبعيّة ممّا لا يترتَّب به على الأُمَّة ولا على

_____________________

١ - الأستاذ أحمد زكي.

٢ - أصل الشيعة وأصولها. لشيخنا العلامة الشيخ محمد حسين آل كاشف الغطاء.

٣٣٦

فردٍ منها أيّ ضرر وخسارة بمثل قوله: كلّما. صوابه: كلّ ما. شرع. صوابه: شرح. شيخنا. صوابه: شيخا.

مرحباً بهذا الحرص والإستكناه في الإصلاح والتغاضي عن تلكم الكوارث، مرحباً بكلاءة ناموس لغة العرب والصفح عن دينه وصالح ملّته، مرحباً بهذه العاطفة المصلحة لتأليف مشايخ الشيعة، والتحامل عليهم بذلك السباب المقذع، مرحباً مرحباً مرحباً.

لِمَ لم يرق أمثال هذا النابه النيقد أن يأخذ بميزان القسط، وقانون العدل، وناموس النصفة، وشرعة الحقّ، وواجب الخدمة للمجتمع، ويُلفت مؤلِّف مصره العزيزة إلى تلكم الهفوات المخزية في تلكم التآليف التي هي سلسلة بلاء، وحلقات شقاء تنتهي إلى هلاك الأُمَّة ودمارها، وتجرُّ عليها كلّ سوءة، وتُسفّها إلى حضيض التَّعاسة؟.

وإن تعجب فعجبٌ نشر هذه الكتب في العراق وهي تمسُّ بكرامة ناموسها بعد ناموس الإسلام المقدَّس ورجالها بعدُ أحياء، وشعبها بعدُ نابغ، وشعورها بعدُ حيٌّ، ودينها بعدُ مستقرّ، وغيرة العرب بعدُ هي هي، وشهامة الشبيبة بعدُ لم تهرم، وجلادة الشيوخ بعدُ لم تضعف، وأزمَّة حكومتها بعدُ بيد آل هاشم.

يعزُّ على أُمِّ العراق أن تسمع أُذنها واعية أنَّ في فنادق النجف وسيطٌ يعرض جمعاً من فتياتها إلى الوافد لينتقي منهنَّ وفتاتها تتزوّج مرّات في الليلة الواحدة(١)

كيف تسمع أُذن العراق نداء أنَّ النجفيِّين هم الدَّجالون والضّالّون المضلّون قد تزيّوا بزيِّ المسلمين وشاركوهم في كثير من الشعاير؟ - إلى آخر ما لا يصلح ذكره - وقبل هذه كلّها تلك الصرخة التي تمسُّ بكرامة رجالات البيت الهاشمي(٢)

أيحسب عراقيٌّ حاسّ أنَّ في طيِّ هذه الكتب صلاحاً لمجتمع العراق؟ أو حياةً لروح أبناءها؟ أو درس أخلاق لأُمَّتها؟ أو رقيّاً وتقدُّماً لشعبها؟ أو ثقافةً رجالها؟ أو علماً لطلّابها؟ أو أدباً لكتّابها؟ أو ديناً لمسلميها؟ أو مادَّة لمثريها؟ أو لها دخلٌ في سياسة حكومتها الإسلاميَّة المحبوبة؟.

_____________________

١ - راجع الجولة في ربوع الشرق الأدنى ص ١١٢.

٢ - راجع السنة والشيعة ص ٤٨.

٣٣٧

فواجب المسلم الصّادق في دعواه الحافظ على شرفه وعزِّ نحلته، رفض أمثال هذه الكتب المبهرجة، ولفظها بلسان الحقيقة، والكفُّ عن اقتنائها وقرائتها، والتجنّب عن الإعتقاد والتصديق بما فيها، والبعد عن الأخذ والبخوع بما بين دفوفه، والإخبات إلى ما فيها قبل أن يعرضها إلى نظّارة التنقيب، وصيارفة النقد والإصلاح، أو النظر إليها بعين التنقيب وإردافها بالردِّ والمناقشة فيها إن كان من أهلها. وإن فعلوا ما يوعظون به لكان خيراً وأشدُّ تثبيتاً.

وواجب رجال الدعاية والنشر في الحكومات الإسلاميَّة عرض كلِّ تأليفٍ مذهبيٍّ حول أيِّ فرقة من فرق الإسلام إلى أصولها ومبادئها الصحيحة المؤلّفة بيد رجالها ومشايخها، والمنع عمّا يُضادُّها ويُخالفها، إذ هم عيون الأُمَّة على ودايع العلم والدين، وحفظة ناموس الإسلام، وحرسة عُرى العروبة، إن عقلوا صالحهم، وعليهم قطع جذوم الفساد قبل أن يُؤجِّج المفسد نار الشحناء في الملأ ثمَّ يعتذر بعدم الإطِّلاع وقلّة المصادر عنده كما فعل أحمد أمين [بعد نشر كتابه فجر الإسلام] في ملأ من قومه، والإنسان على نفسه بصيرةٌ ولو ألقى معاذيره، ولا عذر لأيِّ أحد في القعود عن واجبه الدينيِّ الإجتماعيِّ.( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) .

ونحن نُرحِّب بكتاب كلِّ مذهب وتأليف كلِّ ملّة أُلِّف بيد الصِّدق والأمانة، بيد الثقة والرزانة، بيد التحقيق والتنقيب، بيد العدل والإنصاف، بيد الحبِّ والإخاء بيد أدب العلم والدين،( لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ) .

( ذلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكُمْ أَزْكَى‏ لَكُمْ وَأَطْهَرُ )

سورة البقرة: ٢٣٢

٣٣٨

فهرست شعراء الغدير

في القرن الرابع

١ - أبو الحسن ابن طباطبا الاصبهانى ألمتوفى ٣٢٢

٢ - أبو جعفر أحمد بن علوية الاصبهاني ألمتوفى ٣٢٠

٣ - أبو عبدالله محمَّد المفجع البصرى ألمتوفى نيف و٣٢٧

٤ - أبو القاسم أحمد بن محمّد الصنوبرى ألمتوفى ٣٣٤

٥ - أبو القاسم على بن محمّد التنوخى ألمتوفى ٣٤٢

٦ - أبو القاسم على بن اسحاق الزاهى ألمتوفى ٣٥٢

٧ - أبو فراس أمير الشعراء الحمدانى ألمتوفى ٣٥٧

٨ - أبو الفتح محمود بن محمّد كشاجم ألمتوفى ٣٦٠

٩ - أبو عبدالله الحسين البشنوى ألمتوفى بعد ٣٨٠

١٠ - أبو القاسم الوزير الصاحب بن عباد ألمتوفى ٣٨٥

١١ - أبو عبدالله ابن الحجاج البغدادى ألمتوفى ٣٩١

١٢ - أبو العبّاس الوزير أحمد الضبى ألمتوفى ٣٩٨

١٣ - أبو حامد أحمد بن محمّد الانطاكى ألمتوفى ٣٩٩

١٤ - أبو النجيب شداد الظاهر الجزرى ألمتوفى ٤٠١

١٥ - أبو محمّد طلحة الغسَّانى العونى

١٦ - أبو العلاء محمَّد بن ابراهيم السرورى

١٧ - أبو الحسن على الجوهرى الجرجانى

١٨ - أبو الحسن على بن حماد العبدى

١٩ - أبو الفرج ابن هندو الرازى

٣٣٩

شعراء الغدير

في القرن الرّابع

١٥

ابن طباطبا الاصبهاني

المتوفّى ٣٢٢

يا مَن يُسرُّ ليَ العداوة أبدها

واعمد لمكروهي بجهدك أو ذرِ

لله عندي عادةٌ مشكورةٌ

فيمن يعاديني فلا تتحيَّرِ

أنا واثقٌ بدعاء جدّي المصطفى

لأبي غداة «غدير خمّ» فاحذرِ

والله أسعدنا بإرث دعائه

فيمن يُعادي أو يُوالي فاصبرِ(١)

(الشاعر)

أبو الحسن محمَّد بن أحمد بن إبراهيم طباطبا ابن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن ابن الإمام السبط الحسن بن الإمام عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم، الشهير بإبن طباطبا.

عالمٌ ضليعٌ، وشاعرٌ مفلقٌ، وشيخٌ من شيوخ الأدب، ذكر المرزباني في «معجم الشعراء» ص ٤٦٣: إنَّ له كتباً ألَّفها في الأشعار والآداب، وذكر منها أصحاب المعاجم(٢) .

١ - كتاب سنام المعالي.

٢ - كتاب عيار الشعر. وفي فهرست إبن النديم ص ٢٢١: معاير الشعر. وقال الحموي في «معجم الأدباء» ٣ ص ٥٨: ألَّف الآمدي الحسن بن بشز كتاباً في إصلاح ما فيه.

٣ - كتاب الشعر والشعراء.

٤ - كتاب نقد الشعر.

_____________________

١ - خاطب بها أبا علي الرستمي كما في «ثمار القلوب» للثعالبي ٥١١.

٢ - راجع ثمار القلوب ٥٠٧، فهرست ابن النديم ١٩٦، معجم الأدباء ١٧ ص ١٤٣. عمدة الطالب ١٦٢

٣٤٠

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418