الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94964 / تحميل: 7081
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

من بين المسلمين علماء في كافة التخصصات للرجوع إليهم.

وينبغي التنويه هنا إلى ضرورة الرجوع إلى المتخصص الثابت علمه وتمكنه في اختصاصه، بالإضافة إلى توفر عنصر الإخلاص في عمله فهل يصح أن نراجع طبيبا متخصصا ـ على سبيل المثال ـ غير مخلص في علمه؟!

ولهذا وضع شرط العدالة في مسائل التقليد إلى جانب الاجتهاد والأعلمية ، أي لا بدّ لمرجع التقليد من أن يكون تقيا ورعا بالإضافة إلى علميته في المسائل الإسلامية.

* * *

٢٠١

الآيات

( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ (45) أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ (46) أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ (47) )

التّفسير

لكلّ ذنب عقابه :

ثمّة ربط في كثير من بحوث القرآن بين الوسائل الاستدلالية والمسائل الوجدانية بشكل مؤثر في نفوس السامعين ، والآيات أعلاه نموذج لهذا الأسلوب.

فالآيات السابقة عبارة عن بحث منطقي مع المشركين في شأن النّبوة والمعاد ، في حين جاءت هذه الآيات بالتهديد للجبابرة والطغاة والمذنبين.

فتبتدأ القول :( أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) من الذين حاكوا الدسائس المتعددة حسبا منهم لإطفاء نور الحق والإيمان( أَنْ يَخْسِفَ اللهُ بِهِمُ الْأَرْضَ ) .

فهل ببعيد (بعد فعلتهم النكراء) أن تتزلزل الأرض زلزلة شديدة فتنشق القشرة الأرضية لتبتلعهم وما يملكون ، كما حصل مرارا لأقوام سابقة؟!

٢٠٢

«مكروا السيئات» : بمعنى وضعوا الدسائس والخطط وصولا لأهدافهم المشؤمة السيئة ، كما فعل المشركون للنيل من نور القرآن ومحاولة قتل النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وما مارسوه من إيذاء وتعذيب للمؤمنين المخلصين.

«يخسف» : من مادة «خسف» ، بمعنى الاختفاء ، ولهذا يطلق على اختفاء نور القمر في ظل الأرض اسم (الخسوف) ، يقال (بئر مخسوف) للذي اختفى ماؤه ، وعلى هذا يسمّى اختفاء الناس والبيوت في شق الأرض الناتج من الزلزلة خسفا.

ثمّ يضيف :( أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ ) أي عند ذهابهم ومجيئهم وحركتهم في اكتساب الأموال وجمع الثروات.( فَما هُمْ بِمُعْجِزِينَ ) .

وكما قلنا سابقا ، فإنّ «معجزين» من الإعجاز بمعنى ازالة قدرة الطرف الآخر ، وهي هنا بمعنى الفرار من العذاب ومقاومته.

أو أنّ العذاب الإلهي لا يأتيهم على حين غفلة منهم بل بشكل تدريجي ومقرونا بالأنذار المتكرر :( أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلى تَخَوُّفٍ ) .

فاليوم مثلا ، يصاب جارهم ببلاء ، وغدا يصاب أحد أقربائهم ، وفي يوم آخر تتلف بعض أموالهم والخلاصة ، تأتيهم تنبيهات وتذكيرات الواحدة تلو الأخرى ، فإن استيقظوا فما أحسن ذلك ، وإلّا فسيصيبهم العقاب الإلهي ويهلكهم.

إنّ العذاب التدريجي في هذه الحالات يكون لاحتمال أن تهتدي هذه المجموعة ، واللهعزوجل لا يريد أن يعامل هؤلاء كالباقين( فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ ) .

ومن الملفت للنظر في الآيات مورد البحث ، ذكرها لأربعة أنواع من العذاب الإلهي :

الأوّل : الخسف.

الثّاني : العقاب المفاجئ الذي يأتي الإنسان على حين غرة من أمره.

الثّالث : العذاب الذي يأتي الإنسان وهو غارق في جمع الأموال وتقلبه في

٢٠٣

ذلك.

الرّابع : العذاب والعقاب التدريجي.

والمسلم به أنّ نوع العذاب يتناسب ونوع الذنب المقترف ، وإن وردت جميعها بخصوص( الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئاتِ ) لعلمنا أنّ أفعال الله لا تكون إلّا بحكمة وعدل.

وهنا لم نجد رأيا للمفسّرين ـ في حدود بحثنا ـ حول هذا الموضوع ، ولكن يبدو أنّ النوع الأوّل من العقاب يختص بأولئك المتآمرين الذين هم في صف الجبارين والمستكبرين كقارون الذي خسف الله تعالى به الأرض وجعله عبرة للناس ، مع ما كان يتمتع به من قدرة وثروة.

أمّا النوع الثّاني فيخص المتآمرين الغارقين بملذات معاشهم وأهوائهم ، فيأتيهم العذاب الإلهي بغتة وهم لا يشعرون.

والنوع الثّالث يخص عبدة الدنيا المشغولين في دنياهم ليل نهار ليضيفوا ثروة إلى ثروتهم مهما كانت الوسيلة ، حتى وإن كانت بارتكاب الجرائم والجنايات وصولا لما يطمحون له! فيعذبهم الله تعالى وهم على تلك الحالة(1) .

وأمّا النوع الرّابع من العذاب فيخص الذين لم يصلوا في طغيانهم ومكرهم وذنوبهم إلى حيث اللارجعة ، فيعذبهم الله بالتخويف. أي يحذرهم بإنزال العذاب الأليم في أطرافهم فإن استيقظوا فهو المطلوب ، وإلّا فسينزل العذاب عليهم ويهلكهم.

وعلى هذا ، فإنّ ذكر الرأفة والرحمة الإلهية ترتبط بالنوع الرّابع من الذين مكروا السّيئات ، الذين لم يقطعوا كل علائقهم مع الله ولم يخربوا جميع جسور العودة.

* * *

__________________

(1) مع أنّ «التقلب» لغة ، بمعنى التردد والذهاب والمجيء ، مطلقا ولكن في هكذا موارد ـ كما قال أكثر المفسّرين وتأييد الرّوايات لذلك ـ بمعنى التردد في طريق التجارة وكسب المال ـ فتأمل.

٢٠٤

الآيات

( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ (48) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ (49) يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ (50) )

التّفسير

سجود الكائنات للهعزوجل :

تعود هذه الآيات مرّة أخرى إلى التوحيد بادئة ب :( أَوَلَمْ يَرَوْا إِلى ما خَلَقَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّؤُا ظِلالُهُ عَنِ الْيَمِينِ وَالشَّمائِلِ سُجَّداً لِلَّهِ وَهُمْ داخِرُونَ ) (1) .

أي : ألم يشاهد المشركون كيف تتحرك ظلال مخلوقات الله يمينا وشمالا لتعبر عن خضوعها وسجودها له سبحانه؟!

ويقول البعض : إنّ العرب تطلق على الظلال صباحا اسم (الظل) وعصرا

__________________

(1) داخر : في الأصل من مادة (دخور) أي : التواضع.

٢٠٥

(الفيء) ، وإذا ما نظرنا إلى تسمية (الفيء) لقسم من الأموال والغنائم لوجدنا إشارة لطيفة لحقيقة إنّ أفضل غنائم وأموال الدنيا لا تلبث أن تزول ولا يعدو كونها كالظل عند العصر.

ومع ملاحظة ما اقترن بذكر الظلال في هذه الآية من يمين وشمال ، وإنّ كلمة الفيء استعملت للجميع فيستفاد من ذلك : أن الفيء هنا ذو معنى واسع يشمل كل أنواع الظلال.

فعند ما يقف الإنسان وقت طلوع الشمس متجها نحو الجنوب فإنّه سيرى شروق قرص الشمس من الجهة اليسرى لأفق الشرق ، فتقع ظلال جميع الأشياء المجسمة على يمينه (جهة الغرب) ، ويستمر هذا الأمر حتى تقترب الظلال نحو الجهة اليمنى لحين وقت الظهر، وعندها ستتحول الظلال إلى الجهة المعاكسة (اليسرى) وتستمر في ذلك حتى وقت الغروب فتصبح طويلة وممتدة نحو الشرق ، ثمّ تغيب وتنعدم عند غروب الشمس.

وهنا يعرض الباري سبحانه حركة ظلال الأجسام يمينا وشمالا بعنوانها مظهرا لعظمته جل وعلا واصفا حركتها بالسجود والخضوع.

أثر الظلال في حياتنا :

ممّا لا شك فيه أنّ لظلال الأجسام دور مؤثر في حياتنا ، ولعل الكثير منّا غير ملتفت إلى هذه الحقيقة ، فوضع القرآن الكريم إصبعه على هذه المسألة ليسترعي الانتباه لها.

للظلال (التي هي ليست سوى عدم النّور) فوائد جمّة :

1 ـ كما أنّ لأشعة الشمس دور أساسي في حياتنا ، فكذلك الظلال ، لأنّها تقوم بعملية تعديل شدّة الحرارة لأشعة الشمس.

إنّ الحركة المتناوبة للظلال تحفظ حرارة الشمس لحد متعادل ومؤثر ، وبدون

٢٠٦

الظلال فسيحترق كل شيء أمام حرارة الشمس الثابتة وبدرجة واحدة ولمدّة طويلة.

2 ـ وثمّة موضوع مهم آخر وربّما على خلاف تصور معظم الناس ، ألا وهو :إنّ النّور ليس هو السبب الوحيد في رؤية الأشياء ، بل لا بدّ من اقتران الظل بالنّور لتحقيق الرؤية بشكل طبيعي.

وبعبارة أخرى : إنّ النّور لو كان يحيط بجسم ما ويشع عليه باستمرار بما لا يكون هناك مجالا للظل أو نصف الظل ، فإنّه والحال هذه لا يمكن رؤية ذلك الجسم وهو غارق بالنّور

أي : كما أنّه لا يمكن رؤية الأشياء في الظلمة القائمة ، فكذا الحال بالنسبة للنور التام ، ويمكن رؤية الأشياء بوجود النّور والظلمة (النّور والظلال).

وعلى هذا يكون للظلال دور مؤثر جدّا في مشاهدة وتشخيص ومعرفة الأشياء وتمييزها ـ فتأمل.

وثمّة ملاحظة أخرى في الآية : وهي : ورود «اليمين» بصيغة المفرد في حين جاءت الشمال بصيغة الجمع «شمائل».

فالاختلاف في التعبير يمكن أن يكون لوقوع الظل في الصباح على يمين الذي يقف مواجها للجنوب ثمّ يتحرك باستمرار نحو الشمال حتى وقت الغروب حين يختفي في أفق الشرق(1) .

واحتمل المفسّرون أيضا : مع أن كلمة (اليمين) مفردا إلّا أنّه يمكن أن يراد بها الجمع في بعض الحالات ، وهي في هذه الآية تدل على الجمع(2) .

وجاء في الآية أعلاه ذكر سجود الظلال بمفهومه الواسع ، أما في الآية التالية فقد جاء ذكر السجود بعنوانه برنامجا عاما شاملا لكل الموجودات المادية وغير

__________________

(1) تفسير القرطبي ، ضمن تفسير الآية.

(2) تفسير أبو الفتوح الرازي ، ج 7 ، ص 110.

٢٠٧

المادية ، وفي أي مكان ، فيقول :( وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ مِنْ دابَّةٍ وَالْمَلائِكَةُ وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) ، مسلمين لله ولأوامره تسليما كاملا.

وحقيقة السجود نهاية الخضوع والتواضع والعبادة ، وما نؤديه من سجود على الأعضاء السبعة ما هو إلّا مصداق لهذا المفهوم العام ولا ينحصر به.

وبما أنّ جميع مخلوقات الله في عالم التكوين والخلق مسلمة للقوانين العامّة لعالم الوجود، التي أفاضتها الإرادة الإلهية فإنّ جميع المخلوقات في حالة سجود له جلّ وعلا ، ولا ينبغي لها أن تنحرف عن مسير هذه القوانين ، وكلها مظهرة لعظمة وعلم وقدرة الباريعزوجل ، ولتدلل على أنّها آية على غناه وجلاله والخلاصة : كلها دليل على ذاته المقدسة.

«الدابة» : بمعنى الموجودات الحية ، ويستفاد من ذكر الآية لسجود الكائنات الحية في السماوات والأرض على وجود كائنات حية في الأجرام السماوية المختلفة علاوة على ما موجود على الأرض.

وقد احتمل البعض : عبارة «من دابة» قيد لـ «ما في الأرض» فقط ، أي : إنّ الحديث يختص بالكائنات الحية الموجودة على الأرض.

ويبدو ذلك بعيدا بناء على ما جاء في الآية (29) من سورة الشورى( وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ ) .

صحيح أنّ السجود والخضوع التكويني لا ينحصر بالكائنات الحية ، ولكنّ تخصيص الإشارة بها لما تحمله من أسرار وعظمة الخلق أكثر من غيرها.

وبما أنّ مفهوم الآية يشمل كلا من : الإنسان العاقل المؤمن ، والملائكة ، والحيوانات الأخرى ، فقد استعمل لفظ السجود بمعناه العام الذي يشمل السجود الاختياري والتشريعي وكذا التكويني الاضطراري.

أمّا الإشارة إلى الملائكة بشكل منفصل في الآية فلأنّ الدابة تطلق على الكائنات الحيّة ذات الجسم المادي فقط ، بينما للملائكة حركة وحضور وغياب ،

٢٠٨

ولكن ليس بالمعنى المادي الجسماني كي تدخل ضمن مفهوم «الدابة».

وروي في حديث النّبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال : «إنّ لله تعالى ملائكة في السماء السابعة سجودا منذ خلقهم إلى يوم القيامة ، ترعد فرائصهم من مخافة الله تعالى ، لا تقطر من دموعهم قطرة إلّا صارت ملكا ، فإذا كان يوم القيامة رفعوا رؤوسهم وقالوا : ما عبدناك حق عبادتك»(1) .

أمّا جملة( وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ ) فإشارة لحال وشأن الملائكة التي لا يداخلها أيّ استكبار عند سجودها وخضوعها للهعزوجل .

ولهذا ذكر صفتين للملائكة بعد تلك الآية مباشرة وتأكيدا لنفي حالة الاستكبار عنهم :( يَخافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

كما جاء في الآية (6) من سورة التحريم في وصف جمع من الملائكة :( لا يَعْصُونَ اللهَ ما أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ ) .

ويستفاد من هذه الآية بوضوح أنّ علامة نفي الاستكبار شيئان :

أ ـ الشعور بالمسؤولية وإطاعة الأوامر الإلهية من دون أي اعتراض ، وهو وصف للحالة النفسية لغير المستكبرين.

ب ـ ممارسة الأوامر الإلهية بما ينبغي والعمل وفق القوانين المعدة لذلك

وهذا انعكاس للأول ، وهو التحقيق العيني له.

وممّا لا ريب فيه أنّ عبارة( مِنْ فَوْقِهِمْ ) ليست إشارة إلى العلو الحسي والمكاني ، بل المراد منها العلو المقامي ، لأنّ اللهعزوجل فوق كل شي مقاما.

كما نقرأ في الآية (61) من سورة الأنعام :( وَهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ) ، وكذلك في الآية (127) من سورة الأعراف :( وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قاهِرُونَ ) حينما أراد فرعون أن يظهر قدرته وقوته!

* * *

__________________

(1) مجمع ذيل البيان ، ذيل الآية المبحوثة.

٢٠٩

الآيات

( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ (51) وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ واصِباً أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ (52) وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ (53) ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ (54) لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ (55) )

التّفسير

دين حق ومعبود واحد :

تتناول هذه الآيات موضوع نفي الشرك تعقيبا لبحث التوحيد ومعرفة الله عن طريق نظام الخلق الذي ورد في الآيات السابقة ، لتتّضح الحقيقة من خلال المقارنة بين الموضوع ، ويبتدأ ب :( وَقالَ اللهُ لا تَتَّخِذُوا إِلهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّما هُوَ إِلهٌ واحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ ) .

وتقديم كلمة «إيّاي» يراد بها الحصر كما في «إيّاك نعبد» أي : يجب الخوف

٢١٠

من عقابي لا غير.

ومن الملفت للنظر أنّ الآية أشارت إلى نفي وجود معبودين في حين أن المشركين كانوا يعبدون أصناما متعددة.

ويمكن أن يكون ذلك إشارة إلى إحدى النقاط التالية أو إلى جميعها :

1 ـ إنّ الآية نفت عبادة اثنين ، فكيف بالأكثر؟!

وبعبارة أخرى : إنّها بيّنت الحد الأدنى للمسألة ليتأكّد نفي الأكثر ، وأيّ عدد ننتخبه (أكثر من واحد) لا بدّ له أن يمر بالإثنين.

2 ـ كل ما يعبد من دون الله جمع في واحد ، فتقول الآية : أن لا تعبدوها مع الله ، ولا تعبدوا إلهين (الحق والباطل).

3 ـ كان العرب في الجاهلية قد انتخبوا معبودين :

الأوّل : خالق العالم ، أي اللهعزوجل وكانوا يؤمنون به.

والثّاني : الأصنام ، واعتبروها واسطة بينهم وبين الله ، واعتبروها كذلك منبعا للخير والبركة والنعمة.

4 ـ يمكن أن تكون الآية ناظرة إلى نفي عقيدة (الثنويين) القائلين بوجود إله للخير وآخر للشر ، ومع انتخابهم لأنفسهم هذا المنطق الضعيف الخاطئ ، إلّا إنّ عبدة الأصنام قد غالوا حتى في هذا المنطق وتجاوزوه لمجموعة من الآلهة!

وينقل المفسّر الكبير العلّامة الطبرسي في تفسير هذه الآية عبارة لطيفة نقلها عن بعض الحكماء : (نهاك ربك أن تتخذ إلهين فاتخذت آلهة ، عبدت : نفسك وهواك ، وطبعك ومرادك ، وعبدت الخلق فأنّى تكون موحدا).

ثمّ يوضح القرآن أدلة توحيد العبادة بأربعة بيانات ضمن ثلاث آيات فيقول أوّلا( وَلَهُ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ ) فهل ينبغي السجود للأصنام التي لا تملك شيئا ، أم لمن له ما في السموات والأرض؟

ثمّ يضيف :( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) .

٢١١

فعند ما يثبت أن عالم الوجود منه ، وهو الذي أوجد جميع قوانينه التكوينية فينبغي أن تكون القوانين التشريعية من وضعه أيضا ، ولا تكون طاعة إلّا له سبحانه.

«واصب» : من «الوصوب» ، بمعنى الدوام. وفسّرها البعض بمعنى (الخالص) (ومن الطبيعي أن ما لم يكن خالصا لم يكن له الدوام. أما الذين اعتبروا «الدين» هنا بمعنى الطّاعة ، فقد فسّروا «واصبا» بمعنى الواجب ، أي : يجب إطاعة الله فقط.

ونقرأ في رواية عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنّ شخصا سأله عن قول الله( وَلَهُ الدِّينُ واصِباً ) قال : «واجبا»(1) .

والواضح أنّ هذه المعاني متلازمة جميعها.

ثمّ يقول في نهاية الآية :( أَفَغَيْرَ اللهِ تَتَّقُونَ ) .

فهل يمكن للأصنام أن تصدّ عنكم المكروه أو أن تفيض عليكم نعمة حتى تتقوها وتواظبوا على عبادتها؟!

هذا( وَما بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللهِ ) .

فهذه الآية تحمل لبيان الثّالث بخصوص لزوم عبادة الله الواحد جلّ وعلا ، وأنّ عبادة الأصنام إن كانت شكرا على نعمة فهي ليست بمنعمة ، بل الكل بلا استثناء منّعمون في نعم الله تعالى ، وهو الأحق بالعبادة لا غيره.

وعلاوة على ذلك( ... ثُمَّ إِذا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْئَرُونَ ) .

فإن كانت عبادتكم للأصنام دفعا للضر وحلا للمعضلات ، فهذا من الله وليس من غيره ، وهو ما تظهره ممارستكم عمليا حين إصابتكم بالضر ، فلمن تلتجئون؟ إنّكم تتركون كل شيء وتتجهون إلى الله.

وهذا البيان الرّابع حول مسألة التوحيد بالعبادة.

__________________

(1) تفسير البرهان ، ج 2 ، ص 373.

٢١٢

«تجئرون» : من مادة (الجؤار) على وزن (غبار) ، بمعنى صوت الحيوانات والوحوش الحاصل بلا اختيار عند الألم ، ثمّ استعملت كناية في كل الآهات غير الاختيارية الناتجة عن ضيق أو ألم.

إنّ اختيار هذه العبارة هنا إشارة إلى أنّه عند ما تتراكم عليكم الويلات ويحل بكم البلاء الشديد تطلقون حينها صرخات الإستغاثة اللااختيارية وأنتم بهذه الحال ، أتوجهون النداء لغيره سبحانه وتعالى؟! فلما ذا إذن في حياتكم الاعتيادية وعند ما تواجهون المشاكل اليسيرة تلتجئون إلى الأصنام؟!

نعم. فالله سبحانه يسمع نداءكم في كل الحالات ويغيثكم ويرفع عنكم البلاء( ثُمَّ إِذا كَشَفَ الضُّرَّ عَنْكُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْكُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ ) بالعود إلى الأصنام!

وفي الحقيقة فالقرآن في الآية يشير إلى فطرة التوحيد في جميع الناس ، إلّا أنّ حجب الغفلة والغرور والجهل والتعصب والخرافات تغطيها في الأحوال الاعتيادية.

ولكن ، عند ما تهب عواصف البلاء تنقلع تلك الحجب فيظهر نور الفطرة براقا من جديد ليرى الناس لمن يتوجهون ، فيدعون الله مخلصين بكامل وجودهم ، فيرفع عنهم أغطية البلاء المتأتية من تلك الحجب ، (لاحظوا أنّ الآية قالت :( كَشَفَ الضُّرَّ ) أي : رفع أغطية البلاء).

ولكن عند ما تهدأ العاصفة ويرتفع البلاء وتعودون إلى شاطئ الأمان ، تعاودون من جديد على الغفلة والغرور ، وتظهرون الشرك بعبادتكم للأصنام مجددا!

وفي آخر آية (من الآيات مورد البحث) يأتي التهديد بعد إيضاح الحقيقة بالأدلة المنطقية :( لِيَكْفُرُوا بِما آتَيْناهُمْ فَتَمَتَّعُوا فَسَوْفَ تَعْلَمُونَ ) .

ويشبّه ذلك بتوجيه النصائح والإرشادات لمنحرف متخلف لا يفيد معه هذا الأسلوب المنطقي فيقطع معه الحديث باللين ليواجه بالتهديد عسى أن يرعوي

٢١٣

فيقال له : مع كل ما قلنا لك افعل ما شئت ولكن سترى نتيجة عملك عاجلا أم آجلا.

وعلى هذا فتكون اللام في «ليكفروا» يراد به التهديد ، وكذا «تمتعوا» أمر يراد به التهديد أيضا ، أمّا مجيء الفعل الأوّل بصيغة الغائب «ليكفروا» والثّاني بصيغة المخاطب «تمتعوا» ، فكأنه افترض غيابهم أوّلا فقال : ليذهبوا ويكفروا بهذه النعم ، وعند تهديدهم يلتفت إليهم ويقول : تمتعوا بهذه النعم الدنيوية قليلا فسيأتي اليوم الذي تدركون فيه عظم خطئكم وسترون عاقبة أعمالكم.

والآية (30) من سورة إبراهيم تشابه الآية المذكورة من حيث الغرض :( قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النَّارِ ) (1)

* * *

__________________

(1) احتمل جمع من المفسّرين : أنّ «ليكفروا» غاية ونتيجة للشرك والكفر الذي نسب إليهم في الآية التي قبلها ، فيكون المعنى أنّهم بعد إنجائهم من الضر تركوا طريق التوحيد وساروا في طريق الشرك ليكفروا بنعم الله وينكرونها.

٢١٤

الآيات

( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ (56) وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ (57) وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (58) يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرابِ أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ (59) لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (60) )

التّفسير

عند ما كانت ولادة البنت عارا!

بعد أن عرضت الآيات السابقة بحوثا استدلالية في نفي الشرك وعبادة الأصنام ، تأتي هذه الآيات لتتناول قسما من بدع المشركين وصورا من عاداتهم القبيحة ، لتضيف دليلا آخرا على بطلان الشرك وعبادة الأصنام ، فتشير الآيات إلى ثلاثة أنواع من بدع وعادات المشركين:

٢١٥

وتقول أوّلا :( وَيَجْعَلُونَ لِما لا يَعْلَمُونَ نَصِيباً مِمَّا رَزَقْناهُمْ ) (1) .

وكان النصيب عبارة عن قسم من الإبل بقية من المواشي بالإضافة إلى قسم من المحاصيل الزراعية ، وهو ما تشير إليه الآية (136) من سورة الأنعام :( وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللهِ وَما كانَ لِلَّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

ثمّ يضيف القرآن الكريم قائلا :( تَاللهِ لَتُسْئَلُنَّ عَمَّا كُنْتُمْ تَفْتَرُونَ ) .

وسيكون بعد السؤال اعتراف لا مفر منه ثمّ الجزاء والعقاب ، وعليه فما تقومون به له ضرر مادي من خلال ما تعملونه بلا فائدة ، وله عقاب أخروي لأنّكم أسأتم الظن بالله واتجهتم إلى غيره.

أمّا البدعة الثّانية فكانت :( وَيَجْعَلُونَ لِلَّهِ الْبَناتِ سُبْحانَهُ ) من التجسم ومن هذه النسبة.( وَلَهُمْ ما يَشْتَهُونَ ) أي : إنّهم لم يكونوا ليقبلوا لأنفسهم ما نسبوا إلى الله ، ويعتبرون البنات عارا وسببا للشقاء!

وإكمالا للموضوع تشير الآية التالية إلى العادة القبيحة الثّالثة :( وَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ ) .(2)

ولا ينتهي الأمر إلى هذا الحد بل( يَتَوارى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ ما بُشِّرَ بِهِ ) .

ولم ينته المطاف بعد ، ويغوص في فكر عميق :( أَيُمْسِكُهُ عَلى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي

__________________

(1) ذكر المفسرون رأيين في تفسير «ما لا يعلمون» وضميرها :

الأول : أن ضمير «لا يعلمون» يعود إلى المشركين أي أن المشركين يجعلون للأصنام نصيبا وهم لا يعلمون لها خيرا وشرا (وهذا ما انتخبناه من تفسير).

والثاني : إن الضمير يعود إلى نفس الأصنام ، أي يجعلون للأصنام نصيبا في حين أنها لا تدرك ، لا تعقل ، لا تعلم! والتفسير الثاني يظهر نوعا من التضاد بين عبارات الآية ، لأن «ما» تستعمل عادة لغير العاقل و «يعلمون» تستعمل للعاقل عادة.

أما في التفسير الأول فـ «ما» تعود على الأصنام و «يعلمون» على عبدتها.

(2) الكظيم : تطلق على الإنسان الممتلئ غضبا.

٢١٦

التُّرابِ ) .

وفي ذيل الآية ، يستنكر الباري حكمهم الظالم الشقي بقوله :( أَلا ساءَ ما يَحْكُمُونَ ) .

وأخيرا يشير تعالى إلى السبب الحقيقي وراء تلك التلوثات ، ألا هو عدم الإيمان بالآخرة :( لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) .

فكلّما اقترب الإنسان من العزيز الحكيم انعكس في روحه نور صفاته العليا من العلم والقدرة والحكمة وابتعد عن الخرافات والبدع والأفعال القبيحة.

وكلما ابتعد عنه تعالى غرق بقدر ذلك البعد في ظلمات الجهل والضعف والذلة والقبائح.

فالسبب الرئيسي لكل انحراف وقبح وخرافة هو الغفلة عن ذكر الله وعن محكمته العادلة في الآخرة ، أمّا ذكر الله والآخرة فدافع أصيل للإحساس بالمسؤولية ومحاربة الجهل والخرافة ، وعامل قدرة وقوة وعلم للإنسان.

* * *

بحوث

1 ـ لماذا اعتبروا الملائكة بناتا لله؟

تطالعنا الكثير من آيات القرآن الكريم بأنّ المشركين كانوا يقولون بأنّ الملائكة بنات الله جلّ وعلا ، أو أنّهم كانوا يعتبرون الملائكة إناثا دون نسبتها إلى الله

كما في الآية (19) من سورة الزخرف :( وَجَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً ) ، وفي الآية (40) من سورة الإسراء :( أَفَأَصْفاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلائِكَةِ إِناثاً ) .

٢١٧

يمكن أن تكون هذه الإعتقادات بقايا خرافات الأقوام السابقة التي وصلت عرب الجاهلية ، أو ربما يحصل هذا الوهم بسبب ستر الملائكة عنهم وحال الاستتار أكثر ما يختص بحال النساء ، ولهذا تعتبر العرب الشمس مؤنثا مجازيا والقمر مذكرا مجازيا أيضا ، على اعتبار أنّ قرص الشمس لا يمكن للناظر إليه أن يديم النظر لأنه يستر نفسه بقوة نوره ، أمّا قرص القمر فظاهر للعين ويسمح للنظر إليه مهما طالت المدّة.

وثمّة احتمال آخر يذهب إلى الكناية عن لطافة الملائكة ، والإناث أكثر من الذكور لطافة.

وعلى أية حال فهذه إحدى ترسبات الخرافات القديمة التي تكلست في مخيلة البشرية حتى وصلت للبعض ممن يعيش في يومنا هذا ، ولا تختص هذه الخرافة بقوم دون آخر لأنّنا نلاحظ وجودها في أدبيات عدد من لغات العالم! فنرى الأديب مثلا حينما يريد وصف جمال امرأة ينعتها بالملائكة ، وذاك الفنان الذي يريد أن يعبر عن الملائكة فيجعلها بهيئة النساء ، في حين أن الملائكة لا تملك جسما ماديا حتى يمكننا أن نصفه بالمذكر أو المؤنث.

2 ـ لما ذا شاع وأد البنات في الجاهلية؟

الوأد في واقعة أمر رهيب ، لأنّ الفاعل يقوم بسحق كل ما بين جوانحه من عطف ورحمة ، ليتمكن من قتل إنسان بريء ربّما هو من أقرب الأشياء إليه من نفسه!

والأقبح من ذلك افتخاره بعمله الشنيع هذا!

فأين الفخر من قتل إنسان ضعيف لا يقوى حتى للدفاع عن نفسه؟ بل كيف يدفن الإنسان فلذة كبده وهي حية؟!

وهذا ليس بالأمر الهيّن ، فأيّ إنسان ومهما بلغت به الوحشية لا يقدم على

٢١٨

هكذا جريمة بشعة من غير أن تكون لها مقدمات اجتماعية ونفسية واقتصادية عميقة الأثر والتأثير تدعوه لذلك

يقول المؤرخون : إنّ بداية وقوع هذا العمل القبيح كانت على أثر حرب جرت بين فريقين منهم في ذلك الوقت ، فأسر الغالب منهم نساء وبنات المغلوب ، وبعد مضي فترة من الزمن تمّ الصلح بينهم فأراد المغلوبون استرجاع أسراهم إلّا أنّ بعضا من الأسيرات ممن تزوجن من رجال القبيلة الغالبة اخترن البقاء مع الأعداء ورفضن الرجوع إلى قبيلتهن ، فصعب الأمر على آبائهن بعد أن أصبحوا محلا للوم والشماتة ، حتى أقسم بعضهم أن يقتل كل بنت تولد له كي لا تقع مستقبلا أسيرة بيد الأعداء!

ويلاحظ بوضوح ارتكاب أفظع جناية ترتكب تحت ذريعة الدفاع عن الشرف والناموس وحيثية العائلة الكاذبة فكانت النتيجة : ظهور بدعة وأد البنات القبيحة وانتشارها بين جمع منهم حتى أصبحت سنّة جاهلية ، ولفظاعتها فقد أنكرها القرآن الكريم بشدّة بقوله :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (1) .

وثمّة احتمال آخر يذهب إلى دور الطبيعة الإنتاجية للأولاد الذكور ، والنزوع إلى الطبيعة الاستهلاكية عند الإناث ، وما له من أثر على الحياة الاجتماعية والاقتصادية ، فالولد الذكر بالنسبة لهم ذخر مهم ينفعهم في القتال والغارات وفي حفظ الماشية وما شابه ذلك من الفوائد ، في حين أنّ البنات لسن كذلك.

ومن جانب آخر فقد سببت الحروب والنزاعات القبلية قتل الكثير من الرجال والأولاد ممّا أدى لاختلال التوازن في نسبة الإناث إلى الذكور ، حتى وصل وجود الولد الذكر عزيزا ودفع الرجل لأن يتباهى بين قومه حين يولد له مولود ذكرا ، وينزعج ويتألم عند ولادة البنت ووصل حالهم لحد (كما يقول عنه

__________________

(1) سورة التكوير ، 9.

٢١٩

بعض المفسّرون) أنّ الرجل في الجاهلية يغيّب نفسه عن داره عند قرب وضع زوجته لئلا تأتيه بنت وهو في الدار! وإذا ما أخبروه بأنّ المولود ذكر فيرجع إلى بيته وبشائر الفرح تتعالى وجنتيه ، ولكنّ الويل كل الويل والثبور فيما لو أخبروه بأنّ المولود بنتا ويمتلئ غيظا وغضبا(1) .

وقصّة «الوأد» ملأى بالحوادث المؤلمة

منها : ما روي أنّ رجلا جاء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأعلن إسلامه ، وجاءه يوما فسأله : إنّي أذنبت ذنبا عظيما فهل لي من توبة؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إنّ الله تواب رحيم». قال : يا رسول الله إنّ ذنبي عظيم قال : «ويلك مهما كان ذنبك عظيما فعفو الله أعظم منه» ، قال : لقد سافرت في الجاهلية سفرا بعيدا وكانت زوجتي حبلى وعند ما عدت بعد أربع سنوات استقبلتني زوجتي فرأيت بنتا في الدار ، فقلت لها : ابنة من هذه؟ قالت : ابنة جازنا. فظننت أنّها سترحل عن دارنا بعد ساعة ، فلم تفعل ، ثمّ قلت لزوجتي:أصدقيني من هذه البنت؟ قالت : ألا تذكر أنّي كنت حاملة عند ما سافرت ، إنّها ابنتك. فنمت تلك الليلة مغتما ، أنام واستيقظ ، حتى اقترب وقت الصباح نهضت من فراشي وذهبت إلى فراش ابنتي فأخرجتها وأيقظتها وطلبت منها أن تصحبني إلى حائط النخل ، فتبعتني حتى اقتربنا من الحائط فأخذت بحفر حفيرة وهي تعينني على ذلك ، وعند ما انتهيت من ذلك وضعتها في وسط الحفرة وهنا فاضت عينا رسول الله بالدمع ثمّ وضعت يدي اليسرى على كتفها وأخذت أهيل التراب عليها بيدي اليمنى ، فأخذت تصرخ وتدافع بيديها ورجليها وتقول : أبي ما تصنع بي!؟ ثمّ أصاب لحيتي بعض التراب فرفعت يدها تمسحه عنها ، وأدمت ذلك حتى دفنتها.

__________________

(1) تفسير الفخر الرازي ، ج 20 ، ص 55.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

٥ - كتاب تهذيب الطبع.

٦ - كتاب العروض. قال الحموي: لم يسبق إلى مثله.

٧ - كتاب فرائد الدرّ. كتب إلى صديق له كان قد استعاره يسترجعه منه:

يا درّ ردّ فرائد الدرِّ

وارفق بعبد في الهوى حرِّ

٨ - كتاب المدخل في معرفة المعمّى من الشعر.

٩ - كتاب في تقريض الدفاتر.

١٠ - كتاب ديوان شعره.

١١ - كتاب إختياره ديوان شعره.

ذكره الحموي في «معجم الأُدباء» وقال: إنَّه كان مذكوراً بالذُّكاء والفطنة وصفاء القريحة وصحَّة الذهن وجودة المقاصد، ذكر أبو عبد الله حمزة بن الحسن الإصبهاني قال: سمعت جماعة من رواة الأشعار ببغداد يتحدَّثون عن عبد الله بن المعتزّ: إنَّه كان لهجاً بذكر أبي الحسن مقدِّماً له على ساير أهله ويقول: ما أشبهه في أوصافه إلّا محمّد بن يزيد بن مسلمة بن عبد الملك، إلّا أنَّ أبا الحسن أكثر شعراً من المسلمي، وليس في ولد الحسن من يشبهه بل يُقاربه عليُّ بن محمَّد الأفوه(١) .

قال: وحدَّثني أبو عبد الله بن عامر قال: كان أبو الحسن طول أيّامه مشتاقاً إلى عبد الله بن المعتزّ متمنِّياً أن يلقاه أو يرى شعره، فأمّا لقاؤه فلم يتَّفق له لأنَّه لم يُفارق إصبهان قطُّ، وأمّا ظفره بشعره فإنَّه اتَّفق له في آخر أيّامه؛ وله في ذلك قصَّةٌ عجيبةٌ، وذلك أنَّه دخل إلى دار معمر وقد حملت إليه من بغداد نسخة من شعر عبد الله بن المعتزّ فاستعارها فسوَّف بها فتمكّن عندهم من النظر فيها وخرج وعدل إليَّ كالّاً معيياً كأنَّه ناهضٌ بحمل ثقيل؛ فطلب محبرةً وكاغذاً فأخذ على ظهر قلبه مقطَّعات ورقات من الشعر فسألته لمن هي؟ فلم يُجبني حتّى فرغ من نسخها وملأ منها خمس ورقات من نصف المأموني، وأحصيت الأبيات فبلغ عددها مائة وسبعة وثمانين بيتاً تحفَّظها من شعر إبن المعتزّ في ذلك المجلس واختارها من بين سائرها.

يوجد في معجم الحموي شطرٌ مهمٌّ من شعره منه قصيدة في ٣٩ بيتاً ليس فيها راء

_____________________

١ - هو الحماني أحد شعراء الغدير مرّت ترجمته في هذا الجزء ص ٥٧ - ٦٩.

٣٤١

ولا كاف يمدح بها أبا الحسين محمَّد بن أحمد بن يحيى بن أبي البغل أوَّلها:

يا سيِّداً دانت له السّاداتُ

وتتابعت في فعله الحسناتُ

وتواصلت نعماؤه عندي فلي

منه هباتٌ خلفهنَّ هباتُ

نعمٌ ثنت عنّي الزَّمان وخطبه

من بعد ما هيبت له غدواتُ

ويصف قصيدته بقوله:

ميزانها عند الخليل معدَّل

متفاعلٌ متفاعلٌ فعلاتُ

وروى الثعالبي في «ثمار القلوب» ص ٥١٨ له قوله:

أقول وقد أوقظت من سنة الهوى

بعذلٍ يُحاكي لذعه لذعة الهجرِ

دعوني وحلم اللهو في ليلة المنى

ولا توقظوني بالملام وبالزجرِ

فقالوا لي: استيقظ فشيبك لايحٌ

فقلت لهم: طيب الكرى ساعة الفجر

وذكر في ص ٤٣٥ له يصف ليلة ممتعة:

وليلةٌ أطربني صبحها

فخلتني في عرس الزنجِ(١)

كأنَّما الجوزاء جنح الدجى

طبّالة تضرب بالصنجِ

قائمةٌ قد حرّرت وصفها

مائلة الرأس من الغنجِ

وقال في ص ٢٢٩: دخل يوماً أبو الحسن إبن طباطبا دار أبي علي ابن رستم فرأى على بابه عثمانيَّين أسودين قد لبسا عمامتين حمراوين، فامتحنهما فوجدهما من الأدب خاليين، فلمّا تمكّن في مجلس إبن رستم دعا بالدَّواة والقرطاس وكتب:

أرى بباب الدار أسودينِ

ذوي عمامتين حمراوينِ

كجمرتين فوق فحمتينِ

قد غادرا الرَّفض قرير العينِ

جدّكما عثمان ذو النورينِ

فما له أنسل ظلمتينِ؟!

يا قبح شين صادر عن زينِ

حدائد تطبع من لجينِ

ما أنتما إلّا غرابيّينِ

طيرا فقد وقعتما للحينِ

المظهرين الحبِّ للشخصينِ

ذرا ذوي السنَّة في المصرينِ

_____________________

١ - يضرب به المثل لاختصاص الزنج من بين الأمم بشدة الطرب وحب الملاحي والأغاني، والمثل سائر بأطرابهم.

٣٤٢

وخلّيا الشيعة لِلسبطينِ

لِلحسن الطيِّب والحسينِ

ستُعطيان في مدى عامينِ

صكّاً بخفّين إلى حنينِ(١)

فاستظرفها إبن رستم وتحفَّظها الناس. وله قوله يهجو به أبا عليّ ابن رستم يرميه بالدَّعوة والبرص:

أنت أُعطيت من دلايل رسل ا

لله آياً بها علوتَ الرؤوسا

جئت فرداً بلا أب وبيمنا

ك بياضٌ فأنت عيسى وموسى

وله في أبي عليِّ إبن رستم لَمّا هدم سور إصبهان ليزيد به في داره وأشار فيه إلى كون إصبهان من بناء ذي القرنين:

وقد كان ذو القرنين يبني مدينة

فأصبح ذو القرنين يهدم سورها

على أنّه لو كان في صحن داره

بقرن له سيناء زعزع طورها

وله في إبن رستم يذكر بناءه سور إصبهان:

يا رستميُّ استعمل الجدّا

وكدنا في حظِّنا كدّا

فإنّك المأمول والمرتجى

تهوِّن الخطب إذا اشتدّا

أحكمت من ذا السور ما لم تجد

والله من إحكامه بُدّا

فخلفه نسلٌ كثيرٌ لمن

أصفت لأرزبونها الودّا(٢)

وهم كيأجوج ومأجوج إن

عدَّدتهم لم تحصهم عدّا

وأنت ذو القرنين في عصره

جعلته ما بينهم سدّا

وقال يهجو أبا علي الرستمي:

كفرا بعلمك يا بن رستم طه

وبما حفظت سوى الكتاب المنزلِ

لو كنت يونس في دوائر نحوه

أو كنت قطرب في الغريب المشكلِ

وحويتَ فقه أبي حنيفة كلّه

ثمَّ انتهيتَ لرستم لم تنبلِ

وله قوله:

لا تنكرن إهداءنا لك منطقاً

منك استفدنا حسنه ونظامه

_____________________

١ - توجد في معجم الأدباء ١٧ ص ١٥٤ بتغيير يسير.

٢ - كنى بالأرزبون عن غلامه.

٣٤٣

فالله عزَّ وجلَّ يشكر فعل مَن

يتلو عليه وحيه وكلامه

ويُعاتب أبا عمرو بن جعفر بن شريك على منعه إيّاه شعر ديك الجنِّ بقوله:

يا جواداً يمسي ويصبح فينا

واحداً في النّدى بغير شريكِ

أنت من أسمح الأنام لشعر الـ

ـناس ماذا اللجاج في شعر ديكِ؟!

يا حليف السَّماح لو أنَّ ديك الـ

ـجن من نسل ديك عرش المليكِ(١)

لم يكن فيه طائلٌ بعد أن يد

خله الذكر في عداد الديوكِ

وله قوله:

بأبي الّذي نفسي عليه حبيسُ

مالي سواه من الأنام أنيسُ

لا تنكروا أبداً مقاربتي له

قلبي حديدٌ وهو مغناطيسُ

وله:

يا طيب ليل خلوت فيه بمن

أقصر عن وصف كنه وجدي به

ليلٌ كبرد الشباب حالكه

نعمت في ظلّه وفي طيبه

وله:

أتاني قريضٌ كنظم جمانٍ

وروض الجنان وأمن الفؤاد

وعهد الصبا ونسيم الصبا

وبرد الفؤاد وطيب الرُّقاد

وذكر المرزباني في «معجم الشعراء» ص ٤٦٣ له يصف به القلم:

وله حسامٌ باترٌ في كفِّه

يمضي لنقض الأمر أو توكيدهِ

ومترجمٌ عمّا يجنُّ ضميره

يجري بحكمته لدى تسويدهِ

قلمٌ يدور بكفِّه فكأنّه

فلكٌ يدور بنحسه وسعودهِ

وروي له في «المعجم» أيضاً.

لا وأُنسي وفرحتي بكتاب

أتى منه في عيد أضحى وفطرِ

ما دجا ليل وحشتي قطُّ إلّا

كنت لي فيه طالعاً مثل بدرِ

_____________________

١ - حديث ديك العرش رواه الجاحظ عن رسول الله (ص) قال: إن ممّا خلق الله لديكا عرفه تحت العرش، وبراثنه تحت الأرض السفلى، وجناحه في الهواء، فإذا مضى ثلثا الليل وبقي ثلثه ضرب بجناحه قائلا: سبحان الملك القدوس، سبوح قدوس، رب الملائكة والروح، فعند ذلك تضرب الديكة وتصيح.

٣٤٤

بحديث يُقيم للاُنس شوقاً

وابتسام يكفّ لوعة صدري

وذكر له النويري في «نهاية الإرب» ج ٣ ص ٩٧:

إنَّ في نيل المنى وشك الرَّدى

وقياس القصد عند السرفِ

كسراجٍ دهنه قوتٌ له

فإذا غرَّقته فيه طفي

وقوله:

لقد قال أبو بكر

صواباً بعد ما أنصت

فرحنا لم نصد شيئاً

وما كان لنا أفلت

وذكر إبن خلكان نقلاً عن ديوانه قوله:

بانوا وأبقوا في حشاي لبينهم

وجداً إذا ظعن الخليط أقاما

لله أيّام السرور كأنّما

كانت لسرعة مرِّها أحلاما

لو دام عيشٌ رحمةً لأخي هوى

لأقام لي ذاك السرور وداما

يا عيشنا المفقود خذ من عمرنا

عاماً وردّ من الصبا أيّاما

وله قوله:

يا من حكى المآء فرط رقَّته

وقبله في قساوة الحجرِ

يا ليت حظّي كحظِّ ثوبك من

جسمك يا واحد البشرِ

لا تعجبوا من بلا غلالته

قد زرَّ أزراره على القمرِ

وُلد المترجم كما في «المجدي» باصبهان، وتوفّي بها سنة ٣٢٢ كما في «معاهد التنصيص» فما في «نسمة السحر» من أنّه ولد سنة ٣٢٢ نقلاً عن «المعاهد» إشتباهٌ نشأ عن فهم ما في «المعاهد» من كلامه قال: مولده باصبهان وبها مات سنة ٣٢٢. فحسب التأريخ ظرف ولادته كما زعمه بعض المعاصرين وهو لا يُقارف الصواب لأنّ أبا علي الرستميّ الذي للمترجم فيه شعرٌ كثيرٌ من رجال عهد المقتدر بالله المقتول سنة ٣٢٠ وفي أيّامه أحدث الرستميّ ما أحدث في إصبهان في سورها وجامعها وهجاه المترجم. ولأنَّ المترجم كما مرَّ عن «معجم الأدباء» كان يتمنّى لقاء عبد الله بن المعتز ويشتاق إليه وإبن المعتز توفّي سنة ٢٩٦.

توجد ترجمته والثناء عليه في غاية الاختصار. نسمة السحر فيمن تشيَّع وشعر

٣٤٥

ج ٢. معاهد التنصيص ج ١ ص ١٧٩.

نقل ابن خلكان في تأريخه ج ١ ص ٤٢ في ذيل ترجمة أبي القاسم ابن طباطبا المتوفّى سنة ٣٤٥ عن ديوان المترجم الأبيات المذكورة فقال: ولا أدري مَن هذا أبو الحسن ولا وجه النسب بينه وبين أبي القاسم المذكور والله أعلم. ا هـ.

واشتبه على سيِّدنا الأمين العاملي فهم كلام إبن خلكان هذا وذيله وأوقعه في خلط عظيم فعقد ترجمةً تحت عنوان (أبو الحسن الحسني المصريّ) في أعيان الشيعة في الجزء السادس ص ٣١٢ وجعله مصريّاً بلا مستند، وأخذ تأريخ وفاة أبي القاسم إبن طباطبا وذكره لأبي الحسن، وختم ترجمته بقوله: ولا دليل لنا على تشيّعه غير إصالة التشيّع في العلويّين. والعجب أنَّه ذكر في الجزء التاسع ص ٣٠٥ أبا الحسن باسمه ونسبه وقال: هذا الذي قال إبن خلكان: لا أدري من هذا أبو الحسن. لا عصمة إلّا لله

وللمترجم عقبٌ كثير باصبهان فيهم علماء أدباء أشراف نقباء، قال النسّابة العمري في «المجدي»: له ذيلٌ طويلٌ فيهم موجَّهون منهم: أبو الحسن أحمد الشاعر الإصبهاني وأخوه أبو عبد الله الحسين ولي النقابة بها إبنا عليِّ بن محمّد الشاعر الشهير. ومنهم: الشريف أبو الحسن محمّد ببغداد يُقال له: إبن بنت خصبة.

٣٤٦

القرن الرابع

١٦

ابن علوية الاصبهاني

المولود ٢١٢

المتوفّى ٣٢٠ ونيف

ما بالُ عينك ثرَّة الأجفان

عبرى اللحاظ سقيمة الإنسانِ!؟

* * *

صلّى الإله على ابن عمِّ محمَّد

منه صلاة تغمّد بحنانِ

وله إذا ذُكر «الغدير» فضيلةٌ

لم ننسها ما دامت الملوانِ

قام النبيُّ له بشرح ولايةٍ

نزل الكتاب بها من الديّانِ

إذ قال: بلّغ ما أُمرتَ به وثق

منهم بعصمة كالئٍ حنّانِ

فدعا الصَّلاة جماعة وأقامه

علماً بفضل مقالة غرّان

نادى: ألستُ وليّكم؟ قالوا: بلى

حقّاً فقال: فذا الوليُّ الثاني

ودعا له ولمن أجاب بنصره

ودعا الإله على ذوي الخذلانِ

نادى ولم يك كاذباً: بخّ أبا

حسن ربيع الشيب والشبّانِ

أصبحت مولى المؤمنين جماعةٌ

مولى أناثهمُ مع الذُّكرانِ

لمن الخلافة والوزارة هل هما

إلّا له وعليه يتَّفقانِ؟!

أوَ ماهما فيما تلاه إلّا هنا

في محكم الآيات مكتوبانِ؟!

أدلوا بحجّتكم وقولوا قولكم

ودعوا حديث فلانة وفلانِ

هيهات ضلَّ ضلالكم أن تهتدوا

أو تفهموا لمقطع السلطان

٣٤٧

*( ما يتبع الشعر ) *

هذه الأبيات من القصيدة (المحبّرة) لابن علويَّة قال الحموي في «معجم الأُدباء» ج ٤ ص ٧٦: لأحمد بن علويَّة قصيدةٌ على ألف قافية شيعيّة، عُرضت على أبي حاتم(١) السجستاني فقال: يا أهل البصرة غلبكم أهل إصفهان وأوَّل القصيدة:

ما بال عينك ثرَّة الأجفان

عبرى اللحاظ سقيمة الإنسان!؟

وفي «معالم العلماء» لإبن شهر آشوب و «إيضاح الإشتباه» للعلّامة الحلي: له النونيَّة المسمّاة بالألفيَّة والمحبَّرة وهي ثمانمأة ونيف وثلثون بيتاً. إلى آخر ما ذكره الحموي. يوجد منها شطرٌ مهمٌّ في مناقب إبن شهر آشوب مبثوثاً في أبوابه جمعه العلّامة السماوي في ديوان يحتوي على ٢١٣ بيتاً، وذكر منها سيِّدنا الحجَّة الأمين في «أعيان الشيعة» في الجزء التاسع ص ١١ - ٨٢ نقلاً عن المناقب ٢٢٤ بيتاً.

والقصيدة تتضمَّن غرر فضايل أمير المؤمنين المأثورة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، وهي لسان الكتاب والسنَّة لا الصور الخياليَّة الشعريَّة المطَّردة، وفيها الحِجاج والبرهنة الصادقة على إمامة وصيِّ النبيِّ الأمين، وإنَّ ما فهمه من لفظ المولى وهو ذلك الفذُّ من علماء العربيَّة، والناقد البصير من أئمَّة اللغة، والأوحد المفرد من رجال الأدب وصاغة الشعر، لهو الحجَّة القويَّة على ما ترتئيه الشيعة في دلالة هذا اللفظ، وإفادة الحديث بذلك الولاية المطلقة لمولى المؤمنين صلوات الله عليه.

*(الشاعر) *

أبو جعفر أحمد بن علويّة(٢) الاصبهاني الكرماني الشهير بأبي الأسود، هو أحد مؤلِّفي الإماميّة المطّرد ذكرهم في المعاجم، وذكر النجاشي في فهرسته وإبن شهر آشوب في «معالم العلماء» له كتاباً أسماء الأوَّل كتاب [الإعتقاد في الأدعية] والثاني

_____________________

١ - سهل بن محمد الإمام في علوم القرآن واللغة والشعر قرأ على الأخفش، وروى عن أبي عبيدة وأبي زيد والأصمعي وجمع آخرين، وعنه إبن دريد وغيره توفّي سنة ٢٥٥ وقيل غيرها.

٢ - بفتحتين وتشديد الياء كما في إيضاح الإشتباه للساروي، واشتبه عليه كلام النجاشي و عرف المترجم بالرحال وضبطه وهو لقب محمّد بن أحمد الراوي عن المترجم لا لقبه.

٣٤٨

[دعاء الإعتقاد] وفي «المعالم» أنّ له كتباً منها ذلك، وقال الحموي في «معجم الأُدباء» له رسائل مختارة دوَّنها أبو الحسن [أبو الحسين] أحمد بن سعد في كتابه المصنَّف في الرَّسائل، وله ثمانية كتب في الدعاء من إنشائه، ورسالةٌ في الشيب والخضاب، وذكر إبن النديم في فهرسته ص ٢٣٧ له ديواناً في خمسين ورقة.

المترجم من أئمَّة الحديث، ومن صدور حملته، أخذ عنه مشايخ علماء الإماميّة واعتمدوا عليه. *(منهم)*: شيخ القميِّين أبو جعفر محمّد بن الحسن بن الوليد القمي المتوفّى ٣٤٣، المعلوم حاله في الثقة، والتحرُّز عن الرِّواية عن غير الثّقة، وطعنه وإخراجه مَن روى عن الضعفآء من قم، فقد روى عنه كتب إبراهيم بن محمّد الثقفي المعتمد عليه عند الأصحاب كما في مشيخة الفقيه، وفهرست شيخ الطائفة الطوسي. وممّا رواه أبو جعفر القمي عن المترجَم له عن إبراهيم بن محمّد الثقفي ما أخرجه شيخنا الصدوق في أماميه ٣٥٤، وما رواه أبو جعفر الطبري في (بشارة المصطفى) في أواخر الجزء الرابع بإسناد المترجَم له عن زيد بن أرقم قال قال رسول الله صلّى الله عليه وآله: ألا أدلّكم على ما إن استدللتم به لم تهلكوا ولم تضلّوا؟ قالوا: بلى يا رسول الله قال: إنَّ إمامكم ووليّكم عليُّ بن أبي طالب فوازروه وناصحوه وصدِّقوه فإنَّ جبرئيل أمرني بذلك.

*(ومنهم)*: فقيه الطائفة وشيخها ووجهها سعد بن عبد الله بن أبي خلف الأشعري المتوفّى ٢٩٩/٣٠٠/١ كما في المجلس العشرين من مجالس شيخنا الأكبر محمَّد بن محمَّد بن نعمان المفيد.

*(ومنهم)*: الحسين بن محمَّد بن عمران الأشعري القمي الثقة الذي أكثر النقل عنه ثقة الإسلام الكليني «في الكافي» وابن قولويه في «الكامل»، كما جاء في «كامل الزيارة» ورجال الشيخ الطوسي. ومن أحاديث الأشعري عن المترجَم ما رواه إبن قولويه بإسناده ص ١٨٦ رفعه إلى الصّادق عليه السلام إنَّه كان يقول عند غسل الزيارة إذا فرغ: أللهمَّ أجعله لي نوراً وطهوراً. إلخ.

*(ومنهم)*: عبد الله بن الحسين المؤدّب، أحد مشايخ الشيخ الصَّدوق ووالده المقدَّس كما في مشيخة الفقيه، وممّا رواه المودّب عن المترجَم ما رواه شيخنا الصَّدوق

٣٤٩

في أماليه ص ٥٥ بإسناده عن جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله: إنَّ في عليٍّ خصالاً لو كانت واحدةٌ منهما في جميع النّاس لاكتفوا بها فضلاً. الحديث. وص ٧٦ بإسناده عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إنَّه قال: يا عليُّ؟ أنت أخي ووصيّي ووارثي وخليفتي على أُمّتي في حياتي وبعد وفاتي، محبّك محبّي، ومبغضك مبغضي، وعدوُّك عدوّي، ووليّك وليّي. وفي ص ٢١٧ بإسناده من طريق المترجم عن رسول الله إنَّه قال: إذا كان يوم القيامة يؤتى بك يا عليُّ؟ على نجيب من نور على رأسك تاجٌ قد أضاء نوره وكاد يخطف أبصار أهل الموقف. الحديث. وفي ص ٣٥١ بإسناد المترجَم عن رسول الله صلّى الله عليه وآله إنَّه قال: إنَّ حلقة باب الجنة من ياقوتة حمراء على صفايح الذهب فإذا دقّت الحلقة على الصفحة طنَّت وقالت: يا عليّ.

وتوجد أحاديث أُخرى من طريق المؤدّب عن المترجم في «الأمالي» ص ٩، ١٥٢، ٢٨٣، ٢٨٦، ٣٢٦، ٣٧٥، ٣٩٠.

ويروي عنه كتابه «الاعتقاد» في الأدعية محمَّد بن أحمد الرّحال كما في فهرست النجاشي ص ٦٤. وأحمد بن يعقوب الإصبهاني كما في «تهذيب» الشيخ الطوسي ج ١ ص ١٤١ في باب الدعاء بين الرَّكعات. وذكر النجاشي إسناده إليه ص ٦٤ هكذا: عن إبن نوح عن محمَّد بن عليِّ القمي عن محمَّد بن أحمد الرَّحال عنه.

وحَسب المترجَم جلالةً أن تكون أخباره مبثوثةً في مثل الفقيه، والتهذيب، والكامل، وأمالي الصدوق، ومجالس المفيد، وأمثالها من عُمد كتب أصحابنا رضوان الله عليهم، وحَسبنا آيةً لثقته اعتماد القميِّين عليه مع تسرّعهم في الوقيعة بأدنى غميزة في الرَّجل.

كان المترجم من علماء العربيَّة البارعين فيها بعد ما كان شيخاً في الحديث، ولذلك ترجمه السيوطي في «بغية الوعاة» وعدَّه الثعالبي من كتّاب إصبهان وشعرائها في «يتيمة الدهر» ٣ ص ٢٦٧، وقال الحموي في «معجم الأُدباء» ٢ ص ٣ (الطبعة الأولى): كان صاحب لغة يتعاطى التأديب ويقول الشعر الجيِّد. وعرَّفه شيخ الطايفة ومن يليه من أصحاب المعاجم حتّى اليوم بالكتابة.

وأمّا شاعريَّته فهي في الذروة والسنام من مراقي قرض الشعر، فقد فاق نظمه

٣٥٠

بجزالة المعنى، وفخامة اللفظ، وحسن الصياغة، وقوَّة التركيب، وبرع هو بفلج الحجَّة، وجودة الإفاضة، والحصول على البراهين الدامغة، والوصول إلى مغازي التعبيرات، فجاء شعره في أئمَّة الدين عليهم السَّلام كسيفٍ صارم لشُبه أهل النصب، أو المعول الهدّام لبيوت عناكب التمويهات ضدَّ إمامة العترة الطاهرة، وقصيدته «المحبَّرة» التي اقتطفنا منها موضع الشاهد لكتابنا هذا لهي الشهيدة بكلِّ ما أنبأناك عنه، كما أنَّها الحجَّة القاطعة على عبقريَّته الشعريَّة كما شهد به أبو حاتم السجستاني فيما عرفت عنه.

وُلد المترجم سنة ٢١٢ وتوفّي في نيف وعشرين وثلثمائة، وأنشد سنة ٣١٠ و له ٩٨ عاماً من عمره قوله:

دنياً مغبَّة من أثرى بها عدمُ

ولذَّةٌ تنقضي من بعدها ندمُ

وفي المنون لأهل اللبِّ معتبرٌ

وفي تزوُّدهم منها التّقى غنمُ

والمرء يسعى لفضل الرِّزق مجتهداً

وما له غير ما قد خطّه القلمُ

كم خاشع في عيون الناس منظره

والله يعلم منه غير ما علموا

وقال بعد أن أتت عليه مائة سنة:

حنى الدَّهر من بعد استقامته ظهري

وأفضى إلى ضحضاح غايته عمري

ودبَّ البلى في كلِّ عضو ومفصلٍ

ومَن ذا الذي يبقى سليماً على الدَّهر

ومن شعره ما ذكره النويري في «نهاية الإرب في فنون الأدب» في الجزء العاشر ص ١٢٢ من قوله في وصف البقر:

يا حبَّذا مخضها ورائبها

وحبَّذا في الرِّجال صاحبها

عجولةٌ(١) سمحةٌ مباركةٌ

ميمونةٌ طُفَّحٌ محالبها

تقبل للحلب كلّما دُعيت

ورامها للحلاب حالبها

فتيَّةٌ سنّها مهذَّبةٌ

معنَّف في النديِّ عائبها

كأنَّها لعبةٌ مزيَّنةٌ

يطير عُجباً بها ملاعبها

كأنَّ ألبانها جنى عسل

يلذّها في الإناء شاربها

_____________________

١ - أنثى العجول وهو: ولد البقرة.

٣٥١

عروس باقورة(١) إذا برزت

من بين أحبالها ترائبها

كأنَّها هضبةٌ إذا انتسبت

أو بكرةٌ قد أناف غاربها

تزهي بروقين كاللُجَين إذا

مسّهما بالبنان طالبها

لو أنّها مُهرةٌ لما عدمت

من أن يضمَّ السرور راكبها

توجد ترجمة شاعرنا في فهرست النجاشي ٦٤. رجال شيخ الطائفة. معالم العلماء ص ١٩. معجم الأدباء ٢ ص ٣. إيضاح الإشتباه للعلّامة. بغية الوعاة ١٤٦. جامع الأقوال إيضاح الإشتباه للساروي. جامع الرُّواة. جامع المقال للطريحي. هداية المحدِّثين المعروف بتمييز المشتركات. منتهى المقال. رجال الشيخ عبد اللطيف إبن أبي جامع. الشيعة وفنون الإسلام ٩١ وفيه تاريخ وفاته المذكور. تنقيح المقال ١ ص ٦٨. أعيان الشيعة الجزء التاسع ص ٦٧. التعاليق على نهاية الإرب ١٠ ص ١٢٢.

_____________________

١ - الباقورة والباقور: جماعة البقر.

٣٥٢

القرن الرابع

١٧

المفجَّع

المتوفّى ٣٢٧

أيّها اللّائمي لحبّي عليّاً

قم ذميماً إلى الجحيم خزيَّا

أبخير الأنام عرَّضت؟ لا زلـ

ـت مذوداً عن الهدى مزوّيا

أشبه الأنبيآء كهلاً وزولاً(١)

وفطيماً وراضعاً وغذيَّا

كان في علمه كآدم إذ عُلّـ

ـم شرح الأسماء والمكنيّا

وكنوح نجا من الهلك مَن سـ

ـير في الفلك إذ علا الجودّيا

* * *

وعليٌّ لَمّا دعاه أخوه

سبق الحاضرين والبدويّا

وله من أبيه ذي الأيدي إسما

عيل شبهٌ ما كان عنّي خفيّا

إنّه عاون الخليل على الكعـ

بة إذ شاد ركنها المبنيّا

ولقد عاون الوصيَّ حبيب الّـ

له إذ يغسلان منها الصفيّا

رام حمل النبيِّ كي يقلع الأصـ

نام عن سطحها المثول الجثيّا

فحناه ثقل النبوَّة حتّى

كاد ينآد تحته مثنيّا

فارتقى منكب النبيِّ عليٌّ

صنوه ما أجلّ ذاك رُقيّا

فأماط الأوثان عن ظاهر الكعـ

بة ينفي الأرجاس عنها نفيّا

ولو أنَّ الوصيَّ حاول مسَّ النـ

جم بالكفِّ لم يجده قصيّا

أفهل تعرفون غير عليٍّ

وابنه استرحل النبيّ مطيّا؟!

* * *

لم يكن أمره بدوحات «خمّ»

مشكلاً عن سبيله ملويّا

_____________________

١ - الزول: الغلام الظريف.

٣٥٣

إنَّ عهد النبيِّ في ثقليه

حجَّةٌ كنت عن سواها غنيّا

نصب المرتضى لهم في مقامٍ

لم يكن خاملاً هناك دنيّا

عَلماً قائماً كما صدع البد

ر تماماً دُجنَّة أو دُجيّا

قال: هذا مولىً لمن كنت مولا

ه جهاراً يقولها جهوريّا

وال يا ربِّ من يُواليه وانصر

ه وعاد الذي يعادي الوصيّا

إنَّ هذا الدُّعا لمن يتعدّى

راعياً في الأنام أم مرعيّا

لا يُبالي أمات موت يهود

مَن قلاهُ أو مات نصرانيّا

مَن رأى وجهه كمن عبد الله

مديم القنوت رهبانيّا

كان سؤل النبيِّ لَمّا تمنّى

حين أهدوه طائراً مشوّيا

إذ دعا الله أن يسوق أحبّ

الخلق طرَّاً إليه سوقاً وحيّا

فإذا بالوصيِّ قد قرع البا

ب يريد السَّلام ربّانيّا

فثناه عن الدخول مراراً

أنسٌ حين لم يكن خزرجيّا

وذخيراً لقومه وأبى الرَّ

حمان إلّا إمامنا الطالبيّا

ورمى بالبياص من صدَّ عنه

وحبا الفضل سيِّداً أريحيّا

[القصيدة ١٦٠ بيتاً]

*( ما يتبع الشعر ) *

هذه القصيدة من غرر الشعر ونفيسه توجد مقطَّعةً في الكتب، نحن عثرنا عليها مشروحةً بذكر الأحاديث المتضمِّنة لمفاد كلِّ فضيلةٍ لأمير المؤمنين عليه السلام نظمها في بيت أو بيتين أو أكثر يبلغ عدد أبياتها ١٦٠ بيتاً؛ غير أنَّ فيها أبيات من الدخيل تنافي مذهب المفجَّع ومعتقده ألصقها بالقصيدة بعض أضداده، وأدخل شرحها الملائم لمعنى الأبيات في الشرح؛ كما يذكرها في سيِّد البطحا أبي طالب عليه السلام والد مولانا أمير المؤمنين عليه السلام، وفي أبي إبراهيم الخليل ممّا لا يقول به أحدٌ من الأصحاب، فكيف بالمفجَّع الذي هو من رجالات الشيعة وغلمائها وشعرائها المتبصِّرين؟! وأظنُّ أنَّ هذا الشرح أيضاً له، وأحسب أنَّ كلمة شيخ الطايفة الطوسي في «الفهرست» والمرزباني

٣٥٤

في «المؤتلف والمختلف» والحموي في «معجم الأُدباء» عند تعداد كتبه: (وكتاب قصيدته في أهل البيت) توعز إلى ذلك الشرح.

وهذه القصيدة تُسمّى به [الأشباه] قال الحموي في «معجم الأُدباء» ج ١٧ ص ١٩١ في أوَّل ترجمة المترجم: إنَّ له قصيدةٌ يُسمّيها بالأشباه يمدح فيها عليّاً ثمَّ قال في ص ٢٠٠: له قصيدته ذات الأشباه، وسُمِّيت بذات الأشباه لقصده فيما ذكره من الخبر الذي رواه عبد الرَّزاق عن معمَّر عن الزهري عن سعيد بن المسيِّب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو في محفل من أصحابه: إن تنظروا إلى آدم في علمه، ونوح في همِّه، وإبراهيم في خُلقه، وموسى في مناجاته، وعيسى في سنَّته(١) ، ومحمَّد في هديه وحلمه، فانظروا إلى هذا المقبل. فتطاول الناس فإذا هو عليُّ بن أبي طالب عليه السلام. فأورد المفجّع ذلك في قصيدته، وفيها مناقب كثيرة أوّلها. ثمَّ ذكر منها ١٨ بيتاً.

حديث الاشباه

هذا الحديث الذي رواه الحموي في معجمه نقلاً عن تاريخ إبن بشران قد أصفق على روايته الفريقان غير أنَّ له ألفاظاً مختلفة وإليك نصوصها:

١ - أخرج إمام الحنابلة أحمد عن عبد الرّزاق بإسناده المذكور بلفظ: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في خلقه، وإلى موسى في مناجاته، وإلى عيسى في سنَّته، وإلى محمّد في تمامه وكماله، فلينظر إلى هذا الرجل المقبل. فتطاول الناس فإذا هم بعليِّ بن أبي طالب كأنّما ينقلع من صبب، و ينحطُّ من جبل.

٢ - أخرج أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي المتوفّى ٤٥٨ في «فضايل الصحابة» بلفظ: مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته: فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب.

٣ - أخرج الحافظ أحمد بن محمّد العاصمي في كتابه [زين الفتى في شرح سورة

_____________________

١ - في الأصل، في سنه.

٣٥٥

هل أتى] بإسناده من طريق الحافظ عبيد الله بن موسى العبسي عن أبي الحمراء قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في بطشه فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب. وبإسناد آخر من طريق الحافظ العبسي أيضاً وزاد: وإلى يحيى بن زكريّا في زهده. وأخرج بإسناد ثالث بلفظ أقصر من المذكور. ثمَّ قال:

أمّا آدم عليه السلام فإنّه وقعت المشابهة بين المرتضى وبينه بعشرة أشياء: أوَّلها: بالخلق والطينة. والثاني: بالمكث والمدَّة. والثالث: بالصحابة والزوجة. والرابع: بالتزويج والخلعة. والخامس: بالعلم والحكمة. والسادس: بالذهن والفطنة. والسابع: بالأمر والخلافة. والثامن: بالأعداء والمخالفة. والتاسع: بالوفاء والوصيّة. والعاشر: بالأولاد والعترة. ثمَّ بسط القول في وجه هذه كلّها فقال:

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين نوح بثمانية أشياء: أوَّلها: بالفهم: والثاني: بالدَّعوة. والثالث: بالإجابة. والرابع: بالسفينة. والخامس: بالبركة. والسادس: بالسَّلام. والسابع: بالشكر. والثامن: بالإهلاك. ثمَّ بيَّن وجه الشبه في هذه كلّها إلى أن قال:

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين إبراهيم الخليل بثمانية أشياء: أوَّلها: بالوفاء. والثاني: بالوقاية. والثالث: بمناظرته أباه وقومه. والرابع: بإهلاك الأصنام بيمينه. والخامس: ببشارة الله إيّاه بالولدين اللذين هما من أُصول أنساب الأنبياء عليهم السَّلام. والسادس: باختلاف أحوال ذريَّته من بين مُحسن وظالم. والسابع: بابتلاء الله تعالى إيّاه بالنفس والولد والمال. والثامن: بتسمية الله إيّاه خليلاً حتّى لم يؤثر شيئاً عليه. ثمَّ فصَّل وجه الشبه فيها إلى أن قال:

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين يوسف الصّديق بثمانية أشياء: أوَّلها: بالعلم والحكمة في صغره. والثاني: بحسد الأُخوة له. والثالث: بنكثهم العهود فيه. والرابع بالجمع له بين العلم والملك في كبره. والخامس: بالوقوف على تأويل الأحاديث. والسادس: بالكرم والتجاوز عن إخوته. والسابع: بالعفو عنهم وقت القدرة عليهم. والثامن: بتحويل الديار. ثمَّ قال بعد بيان وجه الشبه فيها:

٣٥٦

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين موسى الكليم عليه السلام بثمانية أشياء: أوَّلها: الصلابة والشدَّة. والثاني: بالمحاجَّة والدَّعوة. والثالث: بالعصا والقوَّة. والرابع: بشرح الصدر والفسحة. والخامس: بالأُخوَّة والقربة. والسادس: بالودّ والمحبَّة. والسابع: بالأذى والمحنة. والثامن: بميراث الملك والإمرة. وبيّن وجه التشبيه فيها ثمَّ قال:

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين داود بثمانية أشياء: أوَّلها: بالعلم والحكمة. والثاني: بالتقوى على إخوانه في صغر سنِّه. والثالث: بالمبارزة لقتل جالوت. والرابع: بالقدر معه من طالوت إلى أن أورثه الله ملكه. والخامس: بإلانة الحديد له. والسادس: بتسبيح الجوامد معه. والسابع: بالولد الصالح. والثامن: بفصل الخطاب. وقال بعد بيان المشابهة فيها:

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين سليمان بثمانية أشياء: أوَّلها: بالفتنة والإبتلاء في نفسه. والثاني: بتسليط الجسد على كرسيِّه. والثالث: بتلقين الله إيّاه في صغره بما استحقَّ به الخلافة. والرابع: بردِّ الشمس لأجله بعد المغيب. والخامس: بتسخير الهوى والريح له. والسادس: بتسخير الجنِّ له. والسابع: بعلمه منطق الطير والجوامد وكلامه إيّاه. والثامن: بالمغفرة ورفع الحساب عنه. ثمَّ بيّن وجه التشبيه فقال:

ووقعت المشابهة بين المرتضى عليه السلام وبين أيّوب بثمانية أشياء: أحدها: بالبلايا في بدنه. والثاني: بالبلايا في ولده. والثالث: بالبلايا في ماله. والرابع: بالصبر على الشدايد. والخامس: بخروج الجميع عليه. والسادس: بشماتة الأعداء. والسابع: بالدُّعاء لله تعالى فيما بين ذلك وترك التواني فيها. والثامن: بالوفاء لِلنذر والإجتناب عن الحنث. وقال بعد بيان وجه المشابهة فيها:

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين يحيى بن زكريّا بثمانية أشياء: أوَّلها: بالحفظ والعصمة. والثاني: بالكتاب والحكمة. والثالث: بالتسليم والتحيَّة. و الرابع: ببرّ الوالدين. والخامس: بالقتل والشهادة لأجل مرأةٍ مُفسدة. والسادس: بشدَّة الغضب والنقمة من الله تعالى على قتله. والسابع: بالخوف والمراقبة. والثامن بفقد السميِّ والنظر له في التسمية. ثمَّ قال بعد بسط الكلام حول التشبيه فيها:

٣٥٧

ووقعت المشابهة بين المرتضى وبين عيسى بثمانية أشياء: أوَّلها: بالإذعان لله الكبير المتعال. والثاني: بعلمه بالكتاب طفلاً ولم يبلغ مبلغ الرِّجال. والثالث: بعلمه بالكتابة والخطابة. والرابع: بهلاك الفريقين فيه من أهل الضَّلال. والخامس: بالزهد في الدنيا. والسادس: بالكرم والإفضال. والسابع: بالإخبار عن الكواين في الإستقبال. والثامن: بالكفائة. ثمَّ بيّن وجه الشبه فيها:

وهذا الكتاب من أنفس كتُب العامَّة فيه آيات العلم وبيِّنات العبقريَّة، وقد شُغل القوم عن نشر مثل هذه النفايس بالتافهات المزخرفة.

٤ - أخرج أخطب الخطباء الخوارزمي المالكي المتوفّى ٥٦٨ بإسناده في «المناقب» ص ٤٩ من طريق البيهقي عن أبي الحمراء بلفظ: مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب.

وأخرج في ص ٣٩ بإسناده من طريق إبن مردويه عن الحارث الأعور صاحب راية عليِّ بن أبي طالب قال: بلغنا إنّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله كان في جمع من أصحابه فقال: أُريكم آدم في علمه، ونوحاً في فهمه، وإبراهيم في حكمته. فلم يكن بأسرع من أن طلع عليٌّ عليه السلام فقال أبو بكر: يا رسول الله؟ أقستَ رجلاً بثلثة من الرُّسل؟! بخٍ بخٍ لهذا الرَّجل، مَن هو يا رسول الله؟ قال النبيُّ: أوَ لا تعرفه يا أبا بكر؟ قال: الله و رسوله أعلم. قال: هو أبو الحسن عليُّ بن أبي طالب. فقال أبو بكر: بخٍ بخٍ لك يا أبا الحسن؟ وأين مثلك يا أبا الحسن؟.

وروى في ص ٢٤٥ بإسناده بلفظ: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه. وإلى موسى في شدَّته. وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى هذا المقبل، فأقبل عليٌّ. وذكره:

٥ - أبو سالم كمال الدين محمَّد بن طلحة الشافعي المتوفّى ٦٥٢ رواه في «مطالب السئول» نقلاً عن كتاب «فضايل الصحابة» للبيهقي بلفظ؟ من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب عليه السلام. ثمَّ قال:

فقد أثبت النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم لعليّ بهذا الحديث علماً يشبه علم آدم، وتقوىً تشبه

٣٥٨

تقوى نوح، وحلماً يشبه حلم إبراهيم، وهيبةً تشبه هيبة موسى، وعبادةً تشبه عبادة عيسى، وفي هذا تصريحٌ لعليّ بعلمه وتقواه وحلمه وهيبته وعبادته، وتعلو هذه الصِّفات إلى أوج العلا حيث شبَّهها بهؤلآء الأنبياء المرسلين من الصفات المذكورة والمناقب المعدودة.

٦ - عزُّ الدين إبن أبي الحديد المتوفّى ٦٥٥ قال في «شرح نهج البلاغة» ج ٢ ص ٢٣٦: روى المحدِّثون عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم أنَّه قال: من أراد أن ينظر إلى نوح في عزَّته، وموسى في علمه، وعيسى في ورعه فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب.

ورواه في ج ٢ ص ٤٤٩ من طريق أحمد والبيهقي نقلاً عن مسند الأوَّل و صحيح الثاني بلفظ: من أراد أن ينظر في عزمه، وإلى آدم في علمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في فطنته، وإلى عيسى في زهده، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب.

٧ - الحافظ أبو عبد الله الكنجي الشافعي المتوفّى ٦٥٨، أخرجه في «كفاية الطالب» ص ٤٥ بإسناده عن إبن عبّاس قال: بينما رسول الله صلّى الله عليه وآله جالسٌ في جماعة من أصحابه إذ أقبل عليٌّ عليه السلام فلمّا بصر به رسول الله صلّى الله عليه وآله قال: من أراد منكم أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في حكمته، وإلى إبراهيم في حلمه، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب. ثمَّ قال:

قلت: تشبيهه لعليٍّ بآدم في علمه لأنّ الله علّم آدم صفة كلِّ شيء كما قال عزَّ وجلَّ: وعلّم آدم الأسماء كلّها. فما من شيءٍ ولا حادثةٍ إلّا وعند عليٍّ فيها علمٌ و له في استنباط معناها فهمٌ.

وشبَّهه بنوح في حكمته. وفي رواية: في حكمه. وكأنَّه أصحُّ لأنَّ عليّاً كان شديداً على الكافرين رؤفاً بالمؤمنين كما وصفه الله تعالى في القرآن بقوله:( وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) . وأخبر الله عزَّ وجلَّ عن شدَّة نوح على الكافرين بقوله:( رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) .

وشبَّهه في الحلم بإبراهيم خليل الرَّحمن كما وصفه عزَّ وجلَّ بقوله:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ ) . فكان متخلّقاً بأخلاق الأنبياء متَّصفاً بصفات الأصفيآء.

٨ - الحافظ أبو العبّاس محبُّ الدين الطبري المتوفّى ٦٩٤ رواه في «الرّياض

٣٥٩

النضرة» ٢ ص ٢١٨ بلفظ: من أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، و إلى إبراهيم في حلمه، وإلى يحيى بن زكريّا في زهده، وإلى موسى بن عمران في بطشه، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب. قال: أخرجه القزويني الحاكمي.

وأخرج عن إبن عبّاس بلفظ: من أراد أن ينظر إلى إبراهيم في حلمه، وإلى نوح في حكمه، وإلى يوسف في جماله، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب. فقال: أخرجه الملّا في سيرته.

٩ - شيخ الإسلام الحمّوئي المتوفّى ٧٢٢، أخرجه في «فرايد السمطين» بعدَّة أسانيد من طرق الحاكم النيسابوري وأبي بكر البيهقي بلفظ محبِّ الدين الطبري المذكور وما يقرب منه.

١٠ - القاضي عضد الأيجي الشافعي المتوفّى ٧٥٦، رواه في «المواقف» ج ٣ ص ٢٧٦ بلفظ: مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في تقواه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في هيبته، وإلى عيسى في عبادته، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب.

١١ - التفتازاني الشافعيّ المتوفّى ٧٩٢ في «شرح المقاصد» ٢ ص ٢٩٩ بلفظ القاضي الأيجي المذكور.

١٢ - إبن الصبّاغ المالكي المتوفّى ٨٥٥ روى في «الفصول المهمَّة» ص ٢١ نقلاً عن [فضايل الصّحابة] للبيهقي باللفظ المذكور،

١٣ السيِّد محمود الآلوسي المتوفّى ١٢٧٠ رواه في شرح عينيَّة عبد الباقي العمري ص ٢٧ بلفظ البيهقي.

١٤ - الصفوري قال في «نزهة المجالس» ٢ ص ٢٤٠: قال النبيُّ صلّى الله عليه وسلّم مَن أراد أن ينظر إلى آدم في علمه، وإلى نوح في فهمه، وإلى إبراهيم في حلمه، وإلى موسى في زهده، وإلى محمَّد في بهاءه، فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب رضي الله عنه. ذكره إبن الجوزي. وفي حديث آخر ذكره الرازي في تفسيره: مَن أراد أن يرى آدم في علمه، ونوحاً في طاعته، وإبراهيم في خلقه، وموسى في قربه، وعيسى في صفوته فلينظر إلى عليِّ بن أبي طالب.

١٥ - السيِّد أحمد القادين خاني في «هداية المرتاب» ص ١٤٦ بلفظ البيهقي.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418