الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94958 / تحميل: 7076
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، وخمسين مرّة قل هو الله احد.

وصلاة فاطمة،عليها‌السلام ، ركعتان: يقرأ في الأولى منهما الحمد مرّة واحدة، وإنا أنزلناه مائة مرّة، وفي الثّانية الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وصلاة جعفر أربع ركعات بثلاثمائة مرّة « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر »: يبتدئ الصّلاة، فيقرأ الحمد ويقرأ في الأولى منهما إذا زلزلت. فإذا فرغ منها، سبّح خمس عشرة مرة، ثمَّ ليركع، ويقول ذلك عشرا. فإذا رفع رأسه، قاله عشرا. فإذا سجد، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود، قاله عشرا. فإذا سجد الثّانية، قاله عشرا. فإذا رفع رأسه من السّجود ثانيا، قاله عشرا. فهذه خمس وسبعون مرّة. ثمَّ لينهض إلى الثّانية، وليصلّ أربع ركعات على هذا الوصف، ويقرأ في الثّانية و « العاديات »، وفي الثّالثة إذا جاء نصر الله، وفي الرّابعة قل هو الله أحد ويقول في آخر سجدة منه « يا من لبس العزّ والوقار » إلى آخر الدّعاء.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم الغدير إذا بقي إلى الزّوال نصف ساعة بعد أن يغتسل ركعتين: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة، وقل هو الله أحد عشر مرّات وآية الكرسيّ

١٤١

عشر مرّات، وإنا أنزلناه عشر مرّات. فإذا سلّم، دعا بعدهما بالدعاء المعروف.

ويستحبّ أن يصلّي الإنسان يوم المبعث، وهو اليوم السابع والعشرون من رجب، اثنتي عشرة ركعة: يقرأ في كل واحدة منهما « الحمد ويس ». فان لم يتمكّن، قرأ ما سهل عليه من السّور. فإذا فرغ منها، جلس في مكانه، وقرأ أربع مرّات سورة الحمد، وقُلْ هو اللهُ أَحد مثل ذلك، والمعوذّتين، كلّ واحدة منهما أربع مرّات. ثمَّ يقول: « سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلّا الله، والله أكبر » أربع مرّات، ويقول: « الله الله لا أشرك به شيئا » أربع مرّات.

ويستحبّ أن يصلّي ليلة النّصف من شعبان أربع ركعات: يقرأ في كلّ واحدة منهما الحمد مرّة وقل هو الله أحد مائة مرّة.

وإذا أراد الإنسان أمرا من الأمور لدينه أو دنياه، يستحبّ له أن يصلّي ركعتين: يقرأ فيهما ما شاء من السّور، ويقنت في الثّانية. فإذا سلّم: دعا بما أراد، ثمَّ ليسجد وليستخر الله في سجوده مائة مرّة، يقول: « أستخير الله في جميع أموري »، ثمَّ يمضي في حاجته.

وإذا غرض للإنسان حاجة، فليصم الأربعاء والخميس والجمعة، ثمَّ ليبرز تحت السّماء في يوم الجمعة وليصلّ

١٤٢

ركعتين، يقرأ فيهما بعد الحمد مأتي مرّة وعشر مرّات قل هو الله أحد على ترتيب صلاة التّسبيح، إلّا أنه يجعل بدل التّسبيح في صلاة جعفر، خمس عشرة مرّة قل هو الله أحد في الرّكوع والسّجود وفي جميع الأحوال. فإذا فرغ منها سأل الله حاجته.

وإذا قضيت حاجته، فليصلّ ركعتين شكرا لله تعالى: يقرأ فيهما الحمد وإِنا أَنزلناه أو سورة قُلْ هو اللهُ أَحد، ثمَّ ليشكر الله تعالى على ما أنعم في حال السّجود والرّكوع وبعد التّسليم، إن شاء الله.

باب الصلاة على الموتى

الصّلاة على الأموات فريضة. وفرضه على الكفاية، إذا قام به البعض، سقط عن الباقين. ولا يختلف الحكم في ذلك، سواء كان الميّت رجلا أو امرأة، حرّا أو عبدا، إذا كان له ستّ سنين فصاعدا، وكان على ظاهر الإسلام. فإن نقص سنّه عن ستّ سنين، لم تجب الصّلاة عليه، بل يصلّى عليه استحبابا وتقيّة.

وإذا حضر القوم للصّلاة عليه، فليتقدّم أولى النّاس به، أو من يأمره الوليّ بذلك. وإن حضر الإمام العادل، كان أولى بالصّلاة عليه. وإن حضر رجل من بني هاشم معتقد للحقّ،

١٤٣

كان أيضا أولى بالصّلاة عليه، إذا قدّمه الولي. ويستحب له تقديمه. فإن لم يفعل، فليس له أن يتقدّم للصّلاة عليه. والزّوج أحقّ بالصّلاة على المرأة من أخيها وأبيها.

وإذا كانوا جماعة، فليتقدّم الإمام ويقف الباقون خلفه صفوفا أو صفا واحدا. وإن كان فيهم نساء، فليقفن آخر الصّفوف، فلا يختلطن بالرّجال. فإن كان فيهنّ حائض، فلتقف وحدها في صفّ بارزة عنهن وعنهم. وإن كان من يصلّي على الميّت نفسين، فليتقدّم واحد ويقف الآخر خلفه سواء، ولا يقف على جنبه.

وينبغي أن يقف الإمام من الجنازة، إن كانت لرجل، عند وسطها، وان كانت لامرأة، عند صدرها. وإذا اجتمع جنازة رجل وامرأة فلتقدّم المرأة إلى القبلة، ويجعل الرّجل ممّا يليها، ويقف الإمام عند الرّجل. وان كان رجل وامرأة وصبي، فليقدّم الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ الرّجل. وإن كان معهم عبد فليقدّم أوّلا الصّبي، ثمَّ المرأة، ثمَّ العبد، ثمَّ الرّجل، ويقف الإمام عند الرّجل ويصلّي عليهم صلاة واحدة. وكذلك الحكم، إن زادوا في العدد على ما ذكرناه، ويكون على هذا ترتيبهم.

وينبغي أن يكون بين الإمام وبين الجنازة شي‌ء يسير، ولا يبعد منها. وليتحفّ عند الصّلاة عليه، ان كان عليه نعلان.

١٤٤

فإن لم يكن عليه نعل، أو كان عليه خفّ، فلا بأس أن يصلّي كذلك.

ثمَّ يرفع الإمام يده بالتّكبير، ويكبّر خمس تكبيرات، يرفع يده في أوّل تكبيرة منها حسب، ولا يرفع فيما عداها. هذا هو الأفضل. فإن رفع يده في التّكبيرات كلّها، لم يكن به بأس. وإذا كبّر الأولة، فليشهد: أن لا إله إلّا الله. وأنّ محمدا رسول الله، ثمَّ يكبّر الثّانية ويصلّي على النّبي وآله، ثمَّ يكبّر الثّالثة ويدعوا للمؤمنين، ثمَّ يكبّر الرّابعة ويدعوا للميّت إن كان مؤمنا.

فإن لم يكن كذلك، وكان ناصبا معلنا بذلك، لعنه في صلاته، وتبرّأ منه. وإن كان مستضعفا فليقل: ربنا اغفر( لِلَّذِينَ تابُوا ) إلى آخر الآية. وإن كان ممّن لا يعرف مذهبه، فليدع الله أن يحشره مع من كان يتولّاه. وإن كان طفلا فليسأل الله أن يجعله له ولأبويه فرطا. فإذا فرغ من ذلك، كبّر الخامسة.

ولا يبرح من مكانه حتّى ترفع الجنازة، فيراها على أيدي الرّجال، ومن فاته شي‌ء من التّكبيرات، فليتمّه عند فراغ الإمام من الصّلاة متتابعة. فإن رفعت الجنازة، كبّر عليها، وان كانت مرفوعة. وإن كانت قد بلغت إلى القبر، كبّر على القبر ما بقي له، وقد أجزأه. ومن كبّر تكبيرة قبل

١٤٥

الإمام، فليعدها مع الإمام.

ومن فاتته الصّلاة على الجنازة، فلا بأس أن يصلّي على القبر بعد الدّفن يوما وليلة. فإن زاد على ذلك، لم يجز الصّلاة عليه. ويكره أن يصلّي على جنازة واحدة مرّتين.

ولا بأس أن يصلّى على الجنازة أيّ وقت كان من ليل أو نهار، ما لم يكن وقت فريضة. فإن كان وقت فريضة، بدئ بالفرض ثمَّ بالصّلاة على الميّت، اللهمّ إلّا أن يكون الميّت مبطونا أو ما أشبه ذلك ممّن يخاف عليه الحوادث، فإنّه يبدأ بالصّلاة عليه، ثمَّ بصلاة الفريضة.

ولا بأس بالصّلاة على الجنائز في المساجد. وإن صلّي عليها في مواضعها المختصّة بذلك، كان أفضل. ومتى صلّي على جنازة، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّها كانت مقلوبة، سوّيت، وأعيد عليها الصّلاة، ما لم يدفن. فإن دفن، فقد مضت الصّلاة.

والأفضل أن لا يصلّي الإنسان على الجنازة إلّا على طهر. فإن فاجأته جنازة، ولم يكن على طهارة، تيمّم، وصلّى عليها. فإن لم يمكنه، صلّى عليها بغير طهر. وكذلك الحكم في من كان جنبا، والمرأة إذا كانت حائضا، فإنّه لا بأس أن يصليا عليه من غير اغتسال. فإن تمكّنا من الاغتسال، اغتسلا، فإنّ ذلك أفضل.

وإذا كبّر الإمام على الجنازة تكبيرة أو تكبيرتين،

١٤٦

وأحضرت جنازة أخرى، فهو مخيّر بين أن يتمّ خمس تكبيرات على الجنازة الأولى، ثمَّ يستأنف الصّلاة على الأخرى، وبين أن يكبّر خمس تكبيرات من الموضع الذي انتهى إليه، وقد أجزأه ذلك عن الصّلاة عليهما.

فإذا حضر جماعة من النساء للصّلاة على الميّت، ليس فيهنّ رجل، فلتقف واحدة منهنّ في الوسط، والباقيات عن يمينها وشمالها ويصلّين عليها. وكذلك إذا صلّوا جماعة عراة على الجنازة، فلا يتقدّم منهم أحد، بل يقف في الوسط، ويكبّر، ويكبّر الباقون معه. فإن كان الميّت عريانا، ترك في القبر أوّلا، وغطّى سوأته، ثمَّ صلّي عليه بعد ذلك، ودفن.

١٤٧

كتاب الصيام

باب ماهية الصوم ومن يجب عليه ذلك ومن لا يجب عليه

الصوم في اللغة هو الإمساك، وهو في الشّريعة كذلك، إلا أنّه إمساك عن أشياء مخصوصة في زمان مخصوص.

والّذي يقع الإمساك عنه على ضربين: ضرب يجب الإمساك عنه، والآخر الأولى الإمساك عنه.

والذي يجب الإمساك عنه على ضربين: ضرب منهما متى لم يمسك الإنسان عنه، بطل صومه. والقسم الآخر متى لم يمسك عنه، كان مأثوما، وإن لم يبطل ذلك صومه.

فأما الذي يجب الإمساك عنه ممّا يبطل الصّوم بفعله. فهو الأكل والشّرب والجماع والارتماس في الماء والكذب على الله ورسوله وازدراد كلّ شي‌ء يفسد الصّيام والحقنة والقي‌ء على طريق العمد.

وأمّا الذي يجب الإمساك عنه، وإن لم يبطل الصّوم بفعله فهو النّظر إلى ما لا يجوز النظر اليه، والإصغاء إلى ما لا يحلّ

١٤٨

الإصغاء إليه من الغناء وقول الفحش، والكلام بما لا يسوغ التّكلّم به، ولمس ما لا يحلّ ملامسته، والمشي إلى المواضع المنهيّ عنها.

والذي الأولى الإمساك عنه، فالتّحاسد والتّنازع والمماراة وإنشاد الشعر، وما يجري مجرى ذلك ممّا نذكره من بعد في باب ما يفسد الصّيام وما لا يفسده.

والصّوم على ضربين: مفروض ومسنون.

فالمفروض على ضربين: ضرب يجب على كافّة المكلّفين مع التمكّن منه بالإطلاق. والضّرب الآخر يجب على من حصل فيه سبب وجوبه.

فالقسم الأوّل هو صوم شهر رمضان. فإنّه يلزم صيامه لسائر المكلّفين من الرّجال والنّساء والعبيد والأحرار، ويسقط فرضه عمّن ليس بكامل العقل من الصّبيان وغيرهما. ويستحبّ ان يؤخذ الصّبيان بالصّيام إذا أطافوه، وبلغوا تسع سنين وإن لم يكن ذلك واجبا عليهم. ويسقط فرض الصّيام عن العاجز عنه بمرض أو كبر أو ما يجري مجراهما ممّا سنبيّنه فيما بعد، إن شاء الله.

والذين يجب عليهم الصّيام على ضربين: منهم من إذا لم يصم متعمّدا، وجب عليه القضاء والكفّارة أو القضاء. ومنهم من لا يجب عليه ذلك. فالذين يجب عليهم ذلك، كل من

١٤٩

كان ظاهره ظاهر الإسلام. والذين لا يجب عليهم، هم الكفّار من سائر أصناف من خالف الإسلام. فإنه وإن كان الصّوم واجبا عليهم، فإنّما يجب بشرط الإسلام. فمتى يصوموه، لم يلزمهم. القضاء ولا الكفّارة.

والقسم الثّاني مثل صوم النّذور والكفّارات وما يجري مجراهما ونحن نبيّن كلّ ذلك في أبوابه، إن شاء الله.

باب علامة شهر رمضان وكيفية العزم عليه ووقت فرض الصوم ووقت الإفطار

علامة الشّهور رؤية الهلال مع زوال العوارض والموانع. فمتى رأيت الهلال في استقبال شهر رمضان، فصم بنيّة الفرض من الغد. فإن لم تره لتركك التّراءي له، ورؤي في البلد رؤية شائعة، وجب أيضا عليك الصّوم. فإن كان في السّماء علة، ولم يره جميع أهل البلد، ورآه خمسون نفسا، وجب أيضا الصّوم. ولا يجب الصّوم إذا رآه واحد أو اثنان، بل يلزم فرضه لمن رآه حسب، وليس على غيره شي‌ء.

ومتى كان في السّماء علة، ولم ير في البلد الهلال أصلا، ورآه خارج البلد شاهدان عدلان، وجب أيضا الصّوم. وإن لم

١٥٠

يكن هناك علة، وطلب فلم ير الهلال، لم يجب الصّوم إلّا أن يشهد خمسون نفسا من خارج البلد أنّهم رأوه.

ومتى لم ير الهلال في البلد، ولم يجي‌ء من الخارج من يخبر برؤيته، عددت من الشّهر الماضي ثلاثين يوما، وصمت بعد ذلك بنية الفرض. فان ثبت بعد ذلك بيّنة عادلة أنّه كان قد رئي الهلال قبله بيوم، قضيت يوما بدله.

والأفضل أن يصوم الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان. فان قامت له البيّنة بعد ذلك أنّه كان من رمضان، فقد وفّق له، وأجزأ عنه، ولم يكن عليه قضاء. وإن لم يصمه، فليس عليه شي‌ء. ولا يجوز له أن يصوم ذلك اليوم على أنّه من شهر رمضان حسب ما قدّمناه، ولا أن يصومه وهو شاك فيه لا ينوي به صيام يوم من شعبان. فان صام على هذا الوجه، ثمَّ انكشف له أنّه كان من شهر رمضان، لم يجزئ عنه، وكان عليه القضاء.

والنيّة واجبة في الصّيام. ويكفي في نيّة صيام الشّهر كلّه أن ينوي في أوّل الشّهر، ويعزم على أن يصوم الشّهر كلّه. وإن جدّد النيّة في كلّ يوم على الاستيناف، كان أفضل. فإن لم يفعلها، لم يكن عليه شي‌ء. وإن نسي أن يعزم على الصّوم في أوّل الشّهر، وذكر في بعض النّهار، جدّد النّيّة، وقد أجزأه. فان لم يذكرها، وكان من عزمه قبل

١٥١

حضور الشّهر صيام الشّهر إذا حضر، فقد أجزأه أيضا. فإن لم يكن ذلك في عزمه، وجب عليه القضاء.

وإذا صام الإنسان يوم الشّكّ على أنّه من شعبان، ثمَّ علم بعد ذلك أنّه كان من شهر رمضان، فقد أجزأه. وكذلك إن كان في موضع لا طريق له إلى العلم بالشهر، فتوخّى شهرا فصامه، فوافق ذلك شهر رمضان، أو كان بعده، فقد أجزأه عن الفرض. وان انكشف له أنّه كان قد صام قبل شهر رمضان، وجب عليه استيناف الصّوم وقضاؤه.

وإذا نوى الإنسان الإفطار يوم الشّكّ، ثمَّ علم أنّه يوم من شهر رمضان، جدّد النّيّة ما بينه وبين الزّوال، وقد أجزأه، إذا لم يكن قد فعل ما يفسد الصّيام. وإن كان تناول ما يفسد الصّيام، أمسك بقيّة النّهار، وكان عليه القضاء. وإن لم يعلم الا بعد زوال الشمس، أمسك بقيّة النّهار عمّا يفسد الصّيام، وكان عليه قضاء ذلك اليوم.

والوقت الذي يجب فيه الإمساك عن الطّعام والشّراب، هو طلوع الفجر المعترض الذي يجب عنده الصّلاة، وقد بيّناه فيما مضى من الكتاب ومحلّل الأكل والشّرب إلى ذلك الوقت. فأما الجماع، فإنه محلّل إلى قبل ذلك بمقدار ما يتمكّن الإنسان من الاغتسال. فإن غلب على ظنّه، وخشي أن يلحقه الفجر قبل الغسل، لم يحلّ له ذلك.

١٥٢

ووقت الإفطار سقوط القرص. وعلامته ما قدّمناه من زوال الحمرة من جانب المشرق، وهو الوقت الذي يجب فيه الصّلاة. والأفضل أن لا يفطر الإنسان إلا بعد صلاة المغرب. فإن لم يستطع الصّبر على ذلك، صلّى الفرض، وأفطر، ثمَّ عاد، فصلّى نوافله. فإن لم يمكنه ذلك، أو كان عنده من يحتاج إلى الإفطار معه، قدّم الإفطار. فإذا فرغ منه، قام إلى الصّلاة، فصلّى المغرب.

باب ما على الصائم اجتنابه مما يفسد الصيام وما لا يفسده والفرق بين ما يلزم بفعله القضاء والكفارة وبين ما يلزم منه القضاء دون الكفارة

الذي على الصّائم اجتنابه على ضربين: ضرب يفسد الصّيام وضرب لا يفسده بل ينقضه. والذي يفسده على ضربين: ضرب منهما يجب منه القضاء والكفّارة، والضّرب الآخر يجب منه القضاء دون الكفّارة.

فأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، فالأكل، والشّرب، وازدراد كلّ شي‌ء يقصد به إفساد الصّيام والجماع، والإمناء على جميع الوجوه، إذا كان عند ملاعبة أو ملامسة، وان لم يكن هناك جماع. والكذب على الله وعلى رسوله وعلى الأئمّةعليهم‌السلام ، متعمّدا مع الاعتقاد لكونه

١٥٣

كذبا، وشمّ الرائحة الغليظة التي تصل إلى الحلق، والارتماس في الماء، والمقام على الجنابة والاحتلام باللّيل متعمّدا إلى طلوع الفجر. وكذلك، من أصابته جنابة، ونام من غير اغتسال، ثمَّ انتبه، ثمَّ نام، ثمَّ انتبه ثانيا، ثمَّ نام إلى طلوع الفجر. فهذه الأشياء كلّها تفسد الصّيام، ويجب منها القضاء والكفّارة.

والكفّارة عتق رقبة، أو صيام شهرين متتابعين، أو إطعام ستّين مسكينا، وقضاء ذلك اليوم. أيّ ذلك فعل، فقد أجزأه. فإن لم يتمكّن، فليتصدّق بما تمكّن منه. فإن لم يتمكّن من الصّدقة، صام ثمانية عشر يوما. فإن لم يقدر، صام ما تمكّن منه. فإن لم يستطع، قضا ذلك اليوم، وليستغفر الله تعالى، وليس عليه شي‌ء. ومتى وطئ الرّجل امرأته نهارا في شهر رمضان، كان عليها أيضا القضاء والكفّارة، إن كانت طاوعته على ذلك. وإن كان أكرهها، لم يكن عليها شي‌ء، وكان عليه كفّارتان.

وأمّا الذي يفسد الصّيام ممّا يجب منه القضاء دون الكفّارة، فمن أجنب في أوّل اللّيل، ونام، ثمَّ انتبه، ولم يغتسل، فنام ثانيا، واستمرّ به النّوم الى طلوع الفجر، كان عليه القضاء، وصيام ذلك اليوم، وليس عليه كفّارة. ومن تمضمض للتبرّد دون الطّهارة، فدخل الماء حلقه، وجب عليه

١٥٤

القضاء دون الكفّارة. وكذلك من تقيّأ متعمّدا، وجب عليه القضاء دون الكفّارة. فإن ذرعه القي‌ء، لم يكن عليه شي‌ء. وليبصق بما يحصل في فيه. فإن بلعه، كان عليه القضاء.

ومن أكل أو شرب عند طلوع الفجر من غير أن يرصده، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، كان عليه القضاء. فإن رصده ولم يتبيّنه لم يكن عليه شي‌ء. فإن بدأ بالأكل، فقيل له: قد طلع الفجر، فلم يمتنع، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء. ومن قلّد غيره في أنّ الفجر لم يطلع، ثمَّ تبيّن أنّه كان طالعا، وجب عليه القضاء.

ومن شكّ في دخول اللّيل لوجود عارض في السّماء، ولم يعلم بدخول الليل، ولا غلب على ظنّه ذلك، فأفطر، ثمَّ تبيّن بعد ذلك أنّه كان نهارا، كان عليه القضاء. فإن كان قد غلب على ظنّه دخول اللّيل، ثمَّ تبيّن أنّه كان نهارا، لم يكن عليه شي‌ء.

وجميع ما قدّمناه ممّا يفسد الصّيام، ممّا يجب منه القضاء والكفّارة، أو القضاء وحده، متى فعله الإنسان ناسيا وساهيا، لم يكن عليه شي‌ء. ومتى فعله متعمّدا، وجب عليه ما قدّمناه، وكان على الإمام أن يعزّره بحسب ما يراه. فإن تعمّد الإفطار ثلاث مرّات، يرفع فيها إلى الإمام: فإن كان عالما بتحريم ذلك عليه، قتله الإمام في الثّالثة والرّابعة. وإن لم

١٥٥

يكن عالما، لم يكن عليه شي‌ء.

ويكره للصّائم الكحل إذا كان فيه مسك. وإن لم يكن فيه ذلك، لم يكن به بأس.

ولا بأس للصّائم أن يحتجم ويفتصد، إذا احتاج إلى ذلك، ما لم يخف الضّعف. فإن خاف، كره له ذلك، إلّا عند الضّرورة اليه.

ويكره له تقطير الدّهن في أذنه إلّا عند الحاجة اليه، ويكره له أن يبلّ الثّوب على جسده. ولا بأس أن يستنقع في الماء الى عنقه، ولا يرتمس فيه حسب ما قدّمناه. ويكره ذلك للنّساء. ويكره للصّائم السّعوط. وكذلك الحقنة بالجامدات. ولا يجوز له الاحتقان بالمائعات. ويكره له دخول الحمّام إذا خاف الضّعف. فإن لم يخف، فليس به بأس.

ولا بأس بالسّواك للصّائم بالرّطب منه واليابس. فان كان يابسا، فلا بأس أن يبلّه أيضا بالماء. وليحفظ نفسه من ابتلاع ما حصل في فيه من رطوبته. ويكره له شمّ النّرجس وغيره من الرّياحين. وليس كراهية شمّ النّرجس مثل الرّياحين بل هي آكد. ولا بأس أن يدّهن بالأدهان الطيّبة وغير الطيّبة. ويكره له شمّ المسك وما يجري مجراه.

ويكره للصّائم أيضا القبلة، وكذلك مباشرة النّساء وملاعبتهنّ. فإن باشرهنّ بما دون الجماع أو لاعبهن بشهوة،

١٥٦

فأمذى، لم يكن عليه شي‌ء. فإن أمنى، كان عليه ما على المجامع. فإن أمنى من غير ملامسة لسماع كلام أو نظر، لم يكن عليه شي‌ء. ولا يعود إلى ذلك.

ولا بأس للصّائم أن يزقّ الطّائر، والطّباخ أن يذوق المرق، والمرأة أن تمضغ الطّعام للصّبي ولا تبلغ شيئا من ذلك. ولا يجوز للصائم مضغ العلك. ولا بأس ان يمص الخاتم والخرز وما أشبههما.

باب حكم المريض والعاجز عن الصيام

المريض الذي لا يقدر على الصّيام أو يضرّ به، يجب عليه الإفطار، ولا يجزي عنه إن صامه، وكان عليه القضاء إذا برأ منه. فإن أفطر في أوّل النّهار، ثمَّ صحّ فيما بقي منه، أمسك تأديبا، وكان عليه القضاء.

فإن لم يصحّ المريض، ومات من مرضه الذي أفطر فيه، يستحبّ لولده الأكبر من الذّكور أن يقضي عنه ما فاته من الصّيام. وليس ذلك بواجب عليه. فإن برأ من مرضه ذلك، ولم يقض ما فاته، ثمَّ مات، وجب على وليّه القضاء عنه. وكذلك إن كان قد فاته شي‌ء من الصّيام في السفر، ثمَّ مات قبل أن يقضي، وكان متمكّنا من القضاء، وجب على وليّه أن يصوم عنه.

١٥٧

فإن فات المريض صوم شهر رمضان، واستمرّ به المرض إلى رمضان آخر، ولم يصحّ فيما بينهما، صام الحاضر، وتصدّق عن الأول عن كلّ يوم بمدين من طعام. فإن لم يمكنه فبمد منه. فان لم يتمكّن، لم يكن عليه شي‌ء، وليس عليه قضاء. فإن صحّ فيما بين الرّمضانين، ولم يقض ما عليه، وكان في عزمه القضاء قبل الرّمضان الثّاني، ثمَّ مرض، صام الثّاني، وقضى الأوّل، وليس عليه كفّارة. فإن أخّر قضاءه بعد الصحّة توانيا، وجب عليه أن يصوم الثّاني، ويتصدّق عن الأوّل ويقضيه أيضا بعد ذلك. وحكم ما زاد على الرّمضانين حكم رمضانين على السّواء. وكذلك لا يختلف الحكم في أن يكون الذي فاته الشّهر كلّه أو بعضه، بل الحكم فيه سواء.

والمريض إذا كان قد وجب عليه صيام شهرين متتابعين، ثمَّ مات، تصدّق عنه عن شهر، ويقضي عنه وليّه شهرا آخر.

والمرأة أيضا، حكمها حكم ما ذكرناه، في أنّ ما يفوتها من الصّيام بمرض أو طمث، لا يجب على أحد القضاء عنها، إلا أن تكون قد تمكّنت من القضاء، فلم تقضه، فإنّه يجب القضاء عنها. ويجب أيضا القضاء عنها ما يفوتها بالسّفر حسب ما قدّمناه في حكم الرّجال.

وحدّ المرض الذي يجب معه الإفطار، إذا علم الإنسان من

١٥٨

نفسه: أنه إن صام، زاد ذلك في مرضه، أو أضرّ به. وسواء الحكم أن يكون المرض في الجسم، أو يكون رمدا، أو وجع الأضراس. فإن عند جميع ذلك يجب الإفطار مع الخوف من الضّرر.

والشّيخ الكبير والمرأة الكبيرة، إذا عجزا عن الصّيام، أفطرا وتصدّقا عن كل يوم بمدّين من طعام. فإن لم يقدرا عليه فبمدّ منه. وكذلك الحكم فيمن يلحقه العطاش ولا يقدر معه على الصّوم. وليس على واحد منهم القضاء. والحامل المقرب والمرضع القليلة اللّبن لا بأس أن تفطرا، إذا أضرّ بهما الصّوم وتتصدّقا عن كلّ يوم وتقضيا ذلك اليوم فيما بعد.

وكلّ هؤلاء الذين ذكرنا: أنه يجوز لهم الإفطار، فليس لهم أن يأكلوا شبعا من الطعام، ولا أن يشربوا ريّا من الشراب، ولا يجوز لهم أن يواقعوا النّساء.

باب حكم من أسلم في شهر رمضان ومن بلغ فيه والمسافر إذا قدم أهله والحائض إذا طهرت والمريض إذا برأ

من أسلم في شهر رمضان، وقد مضت منه أيّام، فليس عليه قضاء شي‌ء ممّا فاته من الصّيام، وعليه صيام ما يستأنف من الأيام. وحكم اليوم الذي يسلم فيه، إن أسلم قبل طلوع الفجر، كان عليه صيام ذلك اليوم. فإن لم يصمه. كان عليه

١٥٩

القضاء. وإذا أسلم بعد طلوع الفجر، لم يجب عليه صيام ذلك اليوم، وكان عليه أن يمسك تأديبا إلى آخر النّهار.

وحكم من بلغ في شهر رمضان أيضا ذلك الحكم في أنّه يجب عليه صيام ما بقي من الأيام بعد بلوغه، وليس عليه قضاء ما قد مضى ممّا لم يكن بالغا فيه.

والمسافر إذا قدم أهله، وكان قد أفطر، فعليه أن يمسك بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليه القضاء. فإن لم يكن قد فعل شيئا ينقض الصّوم، وجب عليه الإمساك، ولم يكن عليه القضاء. فإن طلع الفجر، وهو بعد خارج البلد، كان مخيّرا بين الإمساك ممّا ينقض الصّوم، ويدخل بلده، فيتمّ صومه ذلك اليوم، وبين أن يفطر، فإذا دخل إلى بلده، أمسك بقيّة نهاره تأديبا، ثمَّ قضاه حسب ما قدّمناه. والأفضل، إذا علم أنّه يصل إلى بلده، أن يمسك عمّا ينقض الصّيام. فإذا دخل الى بلده، تمّم صومه، ولم يكن عليه قضاء.

والحائض، إذا طهرت في وسط النّهار، أمسكت بقيّة النّهار تأديبا، وكان عليها القضاء، سواء كانت أفطرت قبل ذلك، أو لم تفطر. ويجب عليها قضاء ما فاتها من الصّيام في أيّام حيضها.

والمريض، إذا برأ من مرضه في وسط النّهار، أو قدر على الصّوم، وكان قد تناول ما يفسد الصّوم، كان عليه الإمساك

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

*(الشاعر) *

أبو عبد الله محمَّد بن أحمد بن عبد الله(١) الكاتب النحويّ المصريّ الملقَّب بالمفجَّع. أوحديٌّ من رجالات العلم والحديث، وواسطة العقد بين أئمَّة اللغة والأدب، وبيت القصيد في صاغة القريض، ومن المعدودين من أصحابنا الإماميَّة، مدحوه بحسن العقيدة، وسلامة المذهب، وسداد الرأي، وكان كلُّ جنوحه إلى أئمَّة أهل البيت عليهم السَّلام، وقد أكثر في شعره من الثناء عليهم؛ والتفجّع لما انتابهم من المصائب والفوادح، فلم يزل على ذلك حتّى لقّبه مناوئوه المتنابزون بالألقاب بـ[المفجع] وإليه يوعز بقوله:

إن يكن قيل لي: المفجَّع نبزاً

فلعمري أنا المفجَّع همّا

ثمَّ صار لقباً له حتّى عند أوليائه لذلك السبب المذكور كما قاله النجاشي والعلّامة؛ ولبيت قاله كما في «معجم الشعراء» للمرزباني ص ٤٦٤، وكأنَّه يريد البيت المذكور.

ثمَّ أنَّ المصرَّح به في معجمي الشعراء والأُدباء للمرزباني والحموي، والوافي بالوفيات للصفدي: إنَّ المترجَم من المكثرين من الشعر، وذكر إبن النديم أنَّ شعره في مائة ورقة، ويؤكِّده ما قاله النجاشي والعلّامة من أنَّ له شعراً كثيراً في أهل البيت عليهم السَّلام، وهو الذي يُعطيه وصفهم له من أنَّه كان كاتباً شاعراً بصيراً بالغريب كما في «مروج الذهب»، ومن أنَّه من وجوه أهل اللغة والأدب، وقال أبو محمّد إبن بشران(٢) : كان شاعر البصرة وأديبها، وكان يجلس في الجامع بالبصرة فيكتب عنه ويقرأ عليه الشعر واللغة والمصنَّفات وشعره مشهورٌ، وكان أبو عبد الله الأكفاني راويته، وكتب لي بخطِّه من مليح شعره شيئاً كثيراً، وشعره كثيرٌ حسنٌ، وله في جماعة من كبار أهل الأهواز مدائح كثيرة وأهاجٍ، وله قصيدةٌ في أبي عبد الله إبن درستويه يرثيه فيها وهو حيٌّ يقول فيها ويلقِّبه بدهن الآجر.

مات دهن الآحر فاخضرَّت الأر

ض وكادت جبالها لا تزولُ

_____________________

١ - عبيد الله في معجم الأدباء.

٢ - حكاه الحموي في معجم الأدباء عن تاريخه ونحن نذكره ملخصاً.

٣٦١

ويصف أشياء كثيرة فيها، وكان يُكثر عند والدي ويُطيل المقام عنده وكنت أراه عنده وأنا صبيٌّ بالأهواز؛ وله إليه مراسلات وله فيه مدحٌ كثيرٌ كنت جمعتها فضاعت أيّام دخول إبن أبي ليلى الأهواز ونهب [روزناماتها](١) وكان منها قصيدةٌ بخطِّه عندي يقول فيها:

لو قيل للجود: مَن مولاك قال: نعم

عبد المجيد المغيرة بن بشران

وأذكر له من قصيدة أُخرى:

يا مَن أطال يدي إذ هاضني زمني

وصرت في المصر مجفوّاً ومطَّرحا

أنقذتني من أُناس عند دينهمُ

قتل الأديب إذا ما علمه اتَّضحا

لقي المفجّع ثعلباً وأخذ عنه وعن غيره، وكان بينه وبين إبن دُريد مهاجاة كما في «فهرست» إبن النديم، و«الوافي بالوفيات» للصفدي، ويقوى القول ما في «مروج الذهب» من أنّه صاحب الباهليّ المصريّ الذي كان يناقض إبن دريد. غير أنَّ الثعالبي ذكر في «اليتيمة» أنّه صاحب إبن دريد، وقام مقامه في التأليف والإملاء.ولعلّهما كانتا في وقتين من أمد تعاصرهما.

يروي عنه أبو عبد الله الحسين بن خالويه. وأبو القاسم الحسن بن بشير بن يحيى. وأبو بكر الدوري. وكان يُنادم ويُعاشر من أبي القاسم نصر بن أحمد البصري الخبزأرزي الشاعر المجيد المتوفّى ٣٢٧، وأبي الحسين محمّد بن محمّد المعروف بابن لنكك البصريِّ النحويِّ، وأبي عبد الله الأكفائي الشاعر البصريِّ.

آثاره القيمة

١ - كتاب المنقذ من الإيمان. قال الصفدي في «الوافي بالوفيات» ١٣٠: يشبه كتاب «الملاحن» لابن دريد وهو أجود منه. ينقل عنه السيوطي في شرح المعنى فوائد أدبيَّة.

٢ - كتاب قصيدته في أهل البيت عليهم السَّلام.

٣ - كتاب الترجمان في معاني الشعر. يحتوي على ثلاثة عشر حدّاً وهي: حدّ

_____________________

١ - جمع «روزنامة» فارسية، يعني: الجريدة اليوميّة.

٣٦٢

الإعراب. حدّ المديح. حدّ البخل. حدّ الحلم والرأي. حدّ الهجاء. حدّ اللغز. حدّ المال. حدّ الاغتراب. حدّ المطايا. حدّ الخطوب: حدّ النبات. حدّ الحيوان. حدّ الغزل. قال النجاشي: لم يعمل مثله في معناه.

٤ - كتاب الإعراب.

٥ - كتاب أشعار الجواري. لم يتمّ.

٦ - كتاب عرائس المجالس.

٧ - كتاب غريب شعر زيد الخليل الطائي.

٨ - كتاب أشعار أبي بكر الخوارزمي.

٩ - كتاب سعادة العرب.

ذكر المرزباني للمفجَّع في مدح أبي الحسن محمّد بن عبد الوهاب الزينبيِّ الهاشمي من قصيدة قوله:

للزينبيِّ على جلالة قدره

خلقٌ كطعم الماء غيرُ مزنَّدِ(١)

وشهامةٌ تقصي الليوث إذا سطا

وندى يغرِّق كلَّ بحر مزبدِ

يحتلُّ بيتاً في ذؤابة هاشم

طالت دعائمه محلَّ الفرقدِ

حرٌّ يروح المستميح ويغتدي

بمواهب منه تروح وتغتدي

فإذا تحيَّف ما له إعطاؤه

في يومه نهك البقيَّة في غدِ(٢)

بضياء سنَّته المكارم تهتدي

وبجود راحته السحائب تقتدي

مقدار ما بيني وما بين الغنى

مقدار ما بيني وبين المربدِ(٣)

وفي «معجم الأدباء» نقلاً عن تاريخ أبي محمّد عبد الله بن بشران أنّه قال: دخل المفجَّع يوماً إلى القاضي أبي القاسم عليِّ بن محمّد التنوخي فوجده يقرأ معاني على العبيسي فأنشد:

_____________________

١ - أي غير بخيل ولا ضيق الحال.

٢ - تحيف: تنقص. ونهك. أفنى

٣ - المربد: فضاء وراء البيوت يرتفق به.

٣٦٣

قد قدم العُجب على الرّويسِ

وشارفَ الوهدُ أبا قبيسِ(١)

وطاول البقل فروع الميسِ

وهبَّت العنز لقرع التيسِ(٢)

وادَّعت الروم أباً في قيسِ

واختلط الناس اختلاط الحيسِ(٣)

إذ قرأ القاضي حليف الكيسِ

معاني الشعر على العبيسي

وألقى ذلك إلى التنوخي وانصرف. قال: ومدح أبا القاسم التنوخي فرأى منه جفاءً فكتب إليه:

لو أعرض الناس كلّهم وأبوا

لم ينقصوا رزقيَ الذي قُسما

كان ودادٌ فزال وانصر ما

وكان عهدٌ فبان وانهدما

وقد صحبنا في عصرنا أُمماً

وقد فقدنا من قبلهم أُمما

فما ملكنا هزلاً ولا ساخت الـ

أرض ولم تقطر السماء دما

في الله من كلِّ هالك خلفٌ

لا يرهب الدَّهر مَن به اعتصما

حرٌّ ظننّا به الجميل فما

حقَّق ظنّاً ولا رعى الذَّمما

فكان ماذا ما كلّ معتمد

عليه يرعى الوفاء والكرما

غلطت والنّاس يغلطون وهل

تعرف خلقاً من غلطةٍ سلما؟

من ذا إذا اُعطي السَّداد فلم

يُعرف بذنبٍ ولم يزل قدما؟

شلّت يدي لِمْ جلست عن تفهٍ

أكتب شجوي وامتطي القلما

يا ليتني قبلها خرست فلم

أعمل لساناً ولا فتحت فما

يا زلَّة ما أقلت عثرتها

أبقت على القلب والحشا ألما

من راعه بالهوان صاحبه

فعاد فيه فنفسه ظلما

وله قوله:

لنا صديقٌ مليح الوجد مقتبلٌ

وليس في ودِّه نفعٌ ولا بركه

_____________________

١ - الرويس: تصغير روس. وهو السيئ يقال. رجل روس. أي: رجل سوء. والتصغير للتحقير. الوهد: المنخفض من الأرض.

٢ - الميس: نوع من الكرم. وهبت: نشطت وأسرعت.

٣ - الحيس: تمر يخلط بسمن. وأقط فيعجن وربما جعل فيه سويق فيمتزج.

٣٦٤

شبَّهته بنار الصيف يوسعنا

طولاً ويمنع منّا النوم والحركه

وللمفجَّع كما في شرح إبن أبي الحديد قوله:

إن كنتُ خنتكم المودَّة غادراً

أو حلتُ عن سنن المحبِّ الوامقِ

فمسحت في قبح ابن طلحة إنَّه

ما دل قطُّ على كمال الخالقِ

وله في «معجم الأدباء» ما قاله حين دامت الأمطار وقطعت عن الحركة:

يا خالق الخلق أجمعينا

وواهب المال والبنينا

ورافع السَّبع فوق سبع

لم يستعن فيهما معينا

ومَن إذا قال كن لشيءٍ

لم تقع النون أو يكونا

لا تسقنا العام صوب غيث

أكثر من ذا فقد روينا

وله وقد سأل بعض أصدقائه أيضاً رقعةً وشعراً له يهنَّئه في مهرجان إلى بعض فقصَّر حتّى مضى المهرجان قوله:

إنَّ الكتاب وإن تضمَّن طيّه

كنه البلاغة كالفصيح الأخرسِ

فإذا أعانته عناية حامل

فجوابه يأتي بنجح منفَّسِ

وإذا الرَّسول ونى وقصَّر عامداً

كان الكتاب صحيفة المتلمّسِ

قد فات يوم المهرجان فذكره

في الشعر أبرد من سخاء المفلسِ

فسئل عن سخاء المفلس؟ فقال: يَعد في إفلاسه بما لا يفي به عند إمكانه، ومن ملحه قوله لإنسان أهدى إليه طبقاً فيه قصب السكر والاُترنج والنارنج:

إنَّ شيطانك في الظر

ف لشيطانٌ مريدُ

فلهذا أنت فيه

تبتدي ثمَّ تعيدُ

قد أتتنا تحفةٌ منـ

ـك على الحسن تزيدُ

طبقٌ فيه قدودٌ

ونهودٌ وخدودُ(١)

وذكر له الوطواط في «غرر الخصايص» ص ٢٧٠ قوله يستنجز به:

أيّها السيِّد عش في غبطة

ما تغنّي طائرُ الأيك الغردْ

_____________________

١ - النهود جمع النهد: الثدي، وأراد بها الاترنج لاستدارته. وخدود: جمع خد. أراد بها النارنج.

٣٦٥

ليَ وعدٌ منك لا تُنكره

فاقضه أنجز حرٍّ ما وعدْ

أنت أحييت بمبذول الندى

سنن الجود وقد كان همدْ

فإذا صال زمانٌ أوسطا

فعلى مثلك مثلي يعتمدْ

م - ذكر له النويري في «نهاية الإرب» ص ٧٧:

ظبيٌ إذا عقرب أصداغه

رأيت ما لا يحسن العقربُ

تفّاح خدَّيه له نضرةٌ

كأنَّه من دمعتي يشربُ

ولد المفجّع بالبصرة وتوفّي بها سنة ٣٢٧ كما في «معجم الأدباء» نقلاً عن تاريخ معاصره أبي محمّد عبد الله بن بشران قال: كانت وفاته قبل وفاة والدي بأيّام يسيرة ومات والدي في يوم السبت لعشر خلون من شعبان سنة سبع وعشرين وثلثماءة.

وقال المرزباني: إنّه مات في سنة قبل الثلاثين وثلثمائة. وأرَّخه الصفدي في «الوافي بالوفيات» بسنة عشرين وثلثمائة، وكذلك القاضي في «المجالس» والسيوطي في «البغية» وتبعهم آخرون. والمختار ما حكاه الحموي عن تأريخ أبي محمّد إبن بشران.

تجد ترجمة المفجّع في فهرست إبن النديم ١٢٣. فهرست الشيخ ١٥٠. معجم الشعراء للمرزباني ٤٦٤. يتيمة الدهر ٢ ص ٣٣٤. فهرست النجاشي ٢٦٤، مروج الذهب ٢ ص ٥١٩، معجم الأدباء ١٧ ص ١٩٠ - ٢٠٥، الوافي بالوفيات للصفدي ١ ص ١٢٩، خلاصة الأقوال للعلّامة، بغية الوعاة ١٣، مجالس المؤمنين ٢٣٤، جامع الرواة للأردبيلي، منهج المقال ٢٨٠، روضات الجنات ٥٥٤، الكنى والألقاب ٣ ص ١٦٣، الأعلام للزركلي ٣ ص ٨٤٥، آثار العجم ٣٧٧.

٣٦٦

القرن الرابع

١٨

أبو القاسم الصنوبري

المتوفّى ٣٣٤

ما في المنازل حاجةٌ نقضيها

إلّا السَّلام وأدمعٌ نذريها

وتفجّعٌ للعين فيها حيث لا

عيشٌ أُوازيه بعيشي فيها

أبكي المنازل وهي لو تدري الذي

بحث البكاء لكنت أستبكيها

بالله يا دمع السحائب سقنها

ولئن بخلت فأدمعي تسقيها

يا مغرياً نفسي بوصف عزيزةٍ

أغريت عاصيةً على مغريها

لا خير في وصف النساء فأعفني

عمّا تكلّفنيه من وصفيها

يا رُبَّ قافيةٍ حلى إمضاؤها

لم يحل ممضاها إلى ممضيها

لا تطمعنَّ النفس في إعطائها

شيئاً فتطلب فوق ما تُعطيها

حبّ النبيِّ محمَّد ووصيِّه

مع حبِّ فاطمة وحبِّ بنيها

أهل الكساء الخمسة الغرر التي

يبني العلا بعلاهمُ بانيها

كم نعمةٍ أوليت يا مولاهمُ

في حبِّهم فالحمد للموليها

إنَّ السفاه بشغل مدحي عنهمُ

فيحقُّ لي أن لا أكون سفيها

هم صفوة الكرم الذي أصفاهمُ

ودِّي وأصفيت الذي يصفيها

أرجو شفاعتهم فتلك شفاعة

يلتذُّ برد رجائها راجيها

صلّوا على بنت النبيِّ محمَّد

بعد الصَّلاة على النبيِّ أبيها

وابكوا دماء لو تشاهد سفكها

في كربلاء لما ونت تبكيها

تلك الدِّماء لو أنَّها توقى إذن

كانت دماء العالمين تقيها

لو أنَّ منها قطرة تُفدى إذن

كنا بها وبغيرنا نفديها

إنَّ الذين بغوا إراقتها بغوا

مشؤمة العقبى على باغيها

٣٦٧

قُتل ابن من أوصى إليه خير مَن

أوصى الوصايا قطُّ أو يوصيها

رفع النبيُّ يمينه بيمينه

ليرى ارتفاع يمينه رائيها

في موضع أضحى عليه منبِّهاً

فيه وفيه يُبدئ التنبيها

آخاه في «خمٍّ» ونوَّه باسمه

لم يأل في خير به تنويها

هو قال: أفضلكم عليٌّ إنَّه

أمضى قضيَّته التي يمضيها

هو لي كهارون لموسى حبَّذا

تشبيه هارون به تشبيها

يوماه يومٌ للعدى يرويهمُ

جوراً ويومٌ للقنى يرويها

يسع الأنام مثوبة وعقوبة

كلتاهما تمضي لما يمضيها

[إلى آخر القصيدة ٤٢ بيتاً]

وله من قصيدة ذكرها صاحب «الدرِّ النظيم في الأئمَّة اللهاميم»:

هل أُضاخ كما عهدنا أُضاخا؟(١)

حبَّذا ذلك المناخ مناخا

يقول فيها:

ذكر يوم الحسين بالطفِّ أودى

بصماخي فلم يدع لي صماخا

متبعات نساؤه النوح نوحاً

رافعات إثر الصراخ صراخا

منعوهُ ماء الفرات وظلّوا

يتعاطونهُ زلالاً نُقاخا(٢)

بأبي عترة النبيِّ وأُمِّي

سدَّ عنهم معاندٌ أصماخا

خير ذا الخلق صبيةً وشباباً

وكهولاً وخيرهم أشياخا

أخذوا صدر مفخر العزِّ مذ كا

نوا وخلّوا للعالمين المخاخا

النقيّون حيث كانوا جيوباً

حيث لا تأمن الجيوب اتِّساخا

يألفون الطوى إذا ألف النّا

س اشتواءً من فيئهم واطِّباخا

خُلقوا أسخياء لا مُتساخيـ

ـن وليس السخىُّ من يتساخى

أهل فضل تناسخوا الفضل شيئاً

وشباباً أكرم بذاك انتساخا

بهواهم يزهو ويشمخ من قد

كان في النّاس زاهياً شمّاخا

_____________________

م (١) اضاخ: جبل يذكر ويؤنث).

م (٢) النقاخ: الماء البارد الصافى).

٣٦٨

يا بن بنت النبيِّ أكرم به ابناً

وبأسناخ جدِّه أسناخا

وابن مَن وازر النبيَّ ووالا

ه وصافاه في «الغدير» وواخى

وابن مَن كان للكريهةَ ركّا

باً وفي وجه هولها رسّاخا

للطلى تحت قسطل الحرب ضرّا

باً ولِلهام في الوغى شدّاخا

ذو الدِّماء التي يُطيل مواليـ

ـيه اختضاباً بطيبها والتطاخا

ما عليكم أناخ كلكله الدهـ

ـر ولكن على الأنام أناخا

( الشاعر )

أبو القاسم وأبو بكر وأبو الفضل(١) أحمد بن محمّد بن الحسن بن مرّار الجزري الرقّي(٢) الضبيّ(٣) الحلبي الشهير بالصنوبري.

شاعرٌ شيعيٌّ مجيدٌ. جمع شعره بين طرفي الرقَّة والقوَّة، ونال من المتانة وجودة الأُسلوب حظَّه الأوفر، ومن البراعة والظرف نصيبه الأوفى؛ وتواتر في المعاجم وصفه بالإحسان تارةً(٤) وبه وبالإجادة أُخرى(٥) وإنَّ شعره في الذروة العليا ثالثة(٦) وكان يُسمّى حبيباً الأصغر لجودة شعره(٧) وقال الثعالبي: تشبيهات إبن المعتز. وأوصاف كشاجم، وروضيّات الصنوبري، متى اجتمعت إجتمع الظرف والطرف، وسمع السامع من الإحسان العجب.

وله في وصف الرياض والأنوار تقدُّمٌ باهرٌ، وذكر إبن عساكر: أنَّ أكثر شعره فيه. وقال إبن النديم في فهرسته: إنَّ الصولي عمل شعر الصنوبري على الحروف في مأتي ورقة. فيكون المدوَّن على ما التزم به إبن النديم من تحديد كلِّ صفحة من الورقة بعشرين بيتاً ثمانية آلاف بيت، وسمع الحسن بن محمَّد الغسّاني من شعره مجلّداً(٨) .

_____________________

١ - كناه به كشاجم زميله في شعره.

٢ - نسبة إلى الرقة: مدينة مشهورة بشط الفرات عمرها هارون الرشيد.

٣ - نسبة إلى ضبة أبي قبيلة.

٤ - تاريخ إبن عساكر ١ ص ٤٥٦.

٥ - أنساب السمعاني.

٦ - شذرات الذهب ٢ ص ٣٣٥.

٧ - عمدة ابن رشيق ١ ص ٨٣.

٨ - أنساب السمعاني

٣٦٩

وله في وصف حلب ومنتزهاتها قصيدةٌ تنتهي إلى مائة وأربعة أبيات توجد في «معجم البلدان» للحموي ٣ ص ٣١٧ - ٣٢١، وقال البستاني في «دائرة المعارف» ٧ ص ١٣٧: هي أجود ما وصف به حلب، مُستهلّها:

إحبسا العيس احبساها

وسلا الدار سلاها

وأمّا نسبته إلى الصنوبر فقد ذكر إبن عساكر عن عبد الله الحلبي الصفري إنَّه قال: سألت الصنوبري عن السبب الذي من أجله نسب جدّه إلى الصنوبر حتّى صار معروفاً به. فقال لي: كان جدّي صاحب بيت حكمة من بيوت حكم المأمون فجرت له بين يديه مناظرة فاستحسن كلامه وحدَّة مزاجه وقال له: إنَّك لصنوبريُّ الشكل. يريد بذلك الذكاء وحدَّة المزاج. ا هـ. وذكر له النويري في «نهاية الإرب» ج ١١ ص ٩٨ في نسبته هذه قوله:

وإذا عُزينا إلى الصنوبر لم

نعز إلى خامل من الخشبِ

لا بل إلى باسق الفروع علا

مناسباً في أُرومة الحسبِ

مثل خيام الحرير تحملها

أعمدةٌ تحتها من الذهبِ

كأنَّ ما في ذراه من ثمر

طيرٌ وقوعٌ على ذرى القضبِ

باقٍ على الصيف والشتاء إذا

شابت رؤوس النبات لم يشبِ

محصَّن الحبّ في جواشن قد

أمَّن في لبسها من الحربِ

حبٌّ حكى الحب صين في قرب الـ

ـأصداف حتّى بدا من القُربِ

ذو نَثَّة ما يُنال من عنب

ما نيل من طيبها ولا رُطبِ

يا شجراً حبّه حداني أن

أفدي بأُمّي محبَّة وأبي

فالحمد لله إنَّ ذا لقبٌ

يزيد في حسنه على النسبِ

وأمّا تشيّعه فهو الذي يطفح به شعره الرائق كما وقفت على شطرٍ منه وستقف فيما يلي على شطرٍ آخر، ونصَّ بذلك اليماني في نسمة السحر، وعدُّ إبن شهر آشوب له من مادحي أهل البيت عليهم السَّلام يوذن بذلك. وأمّا دعوى صاحب النسمة أنَّه كان زيديّاً واستظهاره ذلك من شعره فأحسب أنّها فتوى مجرَّدة فإنّه لم يدعمها. بدليل، وشعره الذي ذكره هو وغيره خالٍ من أيِّ ظهورٍ ادَّعاه، وإليك نبذاً ممّا وقفنا عليه في

٣٧٠

المذهب. قال في قصيدة يمدح بها عليّاً أمير المؤمنين عليه السلام:

وأخي حبيبي حبيب الله لا كذب

وابناه للمصطفى المستخلص ابنانِ

صلّى إلى القبلتين المقتدى بهما

والنّاس عن ذاك في صمّ وعميانِ

ما مثل زوجته أُخرى يُقاس بها

ولا يَقاس على سبطيه سبطانِ

فمضمر الحبِّ في نور يخصُّ به

ومضمر البغض مخصوصٌ بنيرانِ

هذا غداً مالكٌ في النّار يملكه

وذاك رضوان يلقاهُ برضوانِ

رُدَّت له الشمس في أفلاكها فقضى

صلاته غير ما ساهٍ ولا وانِ

أليس مَن حلَّ منه في اُخوَّته

محلَّ هارون من موسى بن عمرانِ؟!

وشافع الملك الرّاجي شفاعته

إذ جاءه ملَكٌ في خلق ثعبانِ

قال النبيُّ له: أشقى البريّة يا

عليُّ إذ ذكر الأشقى شقيّانِ

هذا عصى صالحاً في عقر ناقته

وذاك فيك سيلقاني بعصيانِ

ليخضبن هذه مِن ذا أبا حسن

في حين يخضبها من أحمر قانِ

ويرثي فيها أمير المؤمنين وولده السبط الشهيد بقوله:

نعم الشهيدان ربّ العرش يشهد لي

والخلق أنَّهما نعم الشهيدانِ

مَن ذا يُعزّي النبيَّ المصطفى بهما

من ذا يُعزّيه من قاصٍ ومن دانِ؟

مَن ذا لفاطمة اللهفاء ينبئها

عن بعلها وابنها إنباء لهفانِ؟

من قابض النفس في المحراب منتصباً

وقابض النفس في الهيجاء عطشانِ؟

نجمان في الأرض بل بدران قد أفلا

نِعَم وشمسان إمّا قلت شمسانِ

سيفان يغمد سيف الحرب إن برزا

وفي يمينيهما لِلحرب سيفانِ

وله يرثي الإمام السبط الشهيد عليه السلام(١) :

يا خير مَن لبس النبـ

ـوَّة من جميع الأنبياءِ

وجدي على سبطيك وجـ

ـدٌ ليس يؤذن بانقضاءِ

هذا قتيل الأشقيا

ءِ وذا قتيل الأدعياءِ

يوم الحسين هرقت دمـ

ـع الأرض بل دمع السماءِ

_____________________

١ - ج ٢ ص ٢٣٢ من مناقب إبن شهر آشوب.

٣٧١

يوم الحسين تركت با

ب العزّ مهجور الفناءِ

يا كربلاء خُلقتِ من

كربٍ عليَّ ومن بلاءِ

كم فيكِ من وجه تشرّ

ب ماؤه ماء البهاءِ

نفسي فداء المصطلي نار

الوغى أيَّ اصطلاءِ

حيث الأسنَّة في الجوا

شن كالكواكب في السّماءِ

فاختار درع الصبر حيـ

ـث الصبر من لبس السناءِ

وأبى إباء الأُسد إنَّ

الأُسد صادقةُ الإباءِ

وقضى كريماً إذ قضى

ظمآن في نَفَر ظماءِ

منعوه طعم الماء لا

وجدوا لماء طعم ماءِ

مَن ذا لمعفور الجوا

د ممال أعواد الخباءِ؟

مَن لِلطريح الشلو عر

ياناً مُخلّى بالعراءِ؟

مَن للمحنَّط بالترا

ـب ولِلمغسَّل بالدماءِ؟

مَن لابن فاطمة المغيَّـ

ـب عن عيون الأولياءِ؟

ويؤكِّد ما ذكرنا للمترجم من المذهب شدَّة الصلة بينه وبين كشاجم المسلّم تشيّعه، وتؤكّد المواخاة بينهما كما ستقف عليه في ترجمة كشاجم، ويُعرب عن الولاء الخالص بينهما قول كشاجم في الثناء عليه:

لي من أبي بكر أخي ثقة

لم استرب بإخائه قطْ

ما حال في قرب ولا بعدٍ

سيّان فيه الثوب والشطْ

جسمان والروحان واحدةٌ

كالنقطتين حواهما خطْ

فإذا افتقرتُ فلي به جدةٌ

وإذا اغتربتُ فلي به رهطْ

ذاكره أو حاوله مختبراً

تر منه بحراً ما له شطْ

في نعمةٍ منه جلبت بها

لا الشيب يبلغها ولا القرطْ

وبدلة بيضاء ضافية

مثل الملاءة حاكها القبطْ

متذلّل سهل خلايقه

وعلى عدوِّ صديقه سلطْ

ونتاج مغناه متمِّمةٌ

ونتاج مغنى غيره سقطْ

٣٧٢

وجنان آداب مثمرة

ما شأنها أثلٌ ولا خمطْ

وتواضع يزداد فيه علاً

والحرُّ يعلو حين ينحطْ

وإذا أمرؤٌ شيبت خلائقه

غدراً فما في ودِّه خلطْ

وقصيدته الأُخرى وقد كتبها إليه:

ألا أبلغ أبا بكر

مقالاً من أخٍ برِّ

يُناديك بإخلاصٍ

وإن ناداك من عقرِ

أظنُّ الدَّهر أعداك

فأخلدت إلى الغدر

فما ترغب في وصلٍ

ولا تعرض من هجرِ

ولا تخطرني منك

على بال من الذِّكرِ

أتنسى زمناً كنّا

به كالماء في الخمرِ؟!

أليفين حليفين

على الايسار والعسرِ

مكبَّين على اللذّا

ت في الصحو وفي السّكرِ

ترى في فَلَك الآدا

ب كالشمس وكالبدرِ

كما ألّفت الحكمـ

ـة بين العود والزمرِ

فألهتك بساتينك

ذات النَوْر والزهرِ

وما شيَّدت للخلو

ة من دارٍ ومن قصرِ

[القصيدة]

كان المترجم يسكن حلب دمشق وبها أنشد شعره ورواه عنه أبو الحسن محمَّد ابن أحمد بن جميع الغسّاني كما في أنساب السمعاني، وتوفّي في سنة ٣٣٤ كما أرَّخه صاحب «شذرات الذهب» وغيره.

وعدَّه إبن كثير في تاريخه ١١ ص ١١٩ ممَّن توفّي في حدود الثلمائة، وهذا بعيدٌ عن الصحَّة جدّاً من وجوه، منها: أنَّه اجتمع(١) مع أبي الطيِّب المتنبِّي بعد ما نظم القريض وقد ولد بالكوفة سنة ٣٠٣. ومنها: مدحه سيف الدولة الحمداني وقد ولد سنة ٣٠٣.

أعقب المترجَم ولده أبا علي الحسين، حكى إبن الجنّي(٢) قال حدَّثني أبو علي

_____________________

١ - عمدة ابن رشيق ١ ص ٨٣.

٢ - كما في يتيمة الدهر ج ١ ص ٩٧.

٣٧٣

الحسين بن أحمد الصنوبري قال: خرجت من حلب أُريد سيف الدولة فلمّا برزت من الصور إذا أنا بفارس متلثَّم قد أهوى نحوي برمح طويل، وسدَّده إلى صدري، فكدت أطرح نفسي عن الدابَّة فرِقاً، فلمّا قرب منّي ثنى السنان وحسر لثامه فإذا المتنبّي (الشاعر المعروف) وأنشدني:

نثرنا رؤوساً بالأُحيدب منهمُ

كما نُثرت فوق العروس الدراهمُ

ثمَّ قال: كيف ترى هذا القول؟ أحسن هو؟ فقلت له: ويحك قد قتلتني يا رجل؟ قال إبن جني: فحكيت أنا هذه الحكاية بمدينة السّلام لأبي الطيِّب فعرفها وضحك لها.

وتوفِّيت للصنوبري بنت في حياته رثاها زميله [كشاجم] وعزّاه بقوله:

أتأسى يا أبا بكر

لموت الحرَّة البكرِ

وقد زوَّجتها قبراً

وما كالقبر من صهرِ

وعوَّضت بها الأجر

وما للأجر من مهرِ

زفافٌ أُهديت فيه

من الخدر إلى القبرِ

فتاةٌ أسبل الله

عليها أسبغ السترِ

ورده أشبه النعم

ـة في الموقع والقدرِ

وقد يختار في المكرو

ه للعبد وما يدري

فقابل نعمة الله الَّـ

ـتي أولاك بالشكرِ

وعزِّ النفس ممّا فا

ت بالتسليم والصبرِ

وكتب المترجَم على كلِّ جانب من جوانب قبَّة قبرها الستَّة بيتين توجد الأبيات في تاريخ إبن عساكر ١ ص ٤٥٦، ٤٥٧.

حكاية

حدَّث المترجَم له أبو بكر أحمد بن محمَّد الصنوبري قال: كان بالرُّها(١) ورّاقٌ يُقال له: سعد. وكان في دكّانه مجلس كلِّ أديب، وكان حسن الأدب والفهم،

_____________________

م (١) الرهاء بضم أوله والمد والقصر: مدينة بين الموصل والشام، استحدثها الرهاء بن البلندي فسميت باسمه.

٣٧٤

يعمل شعراً رقيقاً، وما كنّا نفارق دكّانه أنا وأبو بكر المعوج الشامي الشاعر وغيرنا من شعراء الشام وديار مصر، وكان لتاجر بالرُّها نصرانيّ من كبار تجّارها إبنٌ إسمه عيسى من أحسن الناس وجهاً، وأحلاهم قدّاً، وأظرفهم طبعاً ومنطقاً، وكان يجلس إلينا ويكتب عنّا أشعارنا وجميعنا يحبّه، ويميل إليه، وهو حينئذ صبيٌّ في الكتّاب فعشقه سعد الورّاق عشقاً مبرحاً ويعمل فيه الأشعار، فمن ذلك وقد جلس عنده في دكّانه قوله:

إجعل فؤادي دواةً والمداد دمي

وهاك فابر عظامي موضع القلمِ

وصيِّر اللوح وجهي وامحه بيد

فإنَّ ذلك برءٌ لي من السَّقمِ

ترى المعلّم لا يدري بمن كلفي

وأنت أشهر في الصِّبيان من علَمِ

ثمَّ شاع بعشق الغلام في الرُّها خبره، فلمّا كبر وشارف الائتلاف أحبَّ الرهبنة وخاطب أباه وأُمَّه في ذلك، وألحَّ عليهما حتّى أجاباه وخرجا به إلى «دير زكّي» بنواحي الرقَّة(١) وهو في نهاية حسنه فابتاعا له قلاية ودفعا إلى رأس الدير جملة من المال عنها فأقام الغلام فيها وضاقت على سعد الورّاق الدنيا بما رحبت، وأغلق دكّانه، وهجر إخوانه، ولزم الدير مع الغلام، وسعد في خلال ذلك يعمل فيه الأشعار، فممّا عمل فيه وهو في الدير والغلام قد عمل شمّاساً(٢) .

يا حِمَّةً قد علت غصناً من البانِ

كأنَّ أطرافها أطراف ريحانِ

قد قايسوا الشمس بالشماس فاعترفوا

بأنَّما الشمس والشمّاس سيّانِ

فقل لعيسى: بعيسى كم هراق دماً

إنسان عينك من عين لانسانِ؟!

ثمَّ إنَّ الرهبان أنكروا على الغلام كثرة إلمام سعد به ونهوه عنه وحرموه أن أدخله وتوعَّدوه بإخراجه من الدير إن لم يفعل، فأجابهم إلى ما سألوه من ذلك، فلمّا رأى سعد امتناعه منه شقَّ عليه، وخضع للرّهبان ورفق بهم ولم يجيبوه وقالوا: في هذا علينا إثمٌ وعارٌ ونخاف السلطان، فكان إذا وافى الدير أغلقوا الباب في، وجهه، ولم يدعوا الغلام يُكلّمه، فاشتدَّ وجده، وازداد عشقه، حتّى صار إلى الجنون

_____________________

١ - الرقة كل أرض منبسط جانب الوادي يعلوها الماء وقت المد. ولا يظن أن الرقة البلد الذي على شاطئ الفرات فإن الرها بين الموصل والشام.

٢ - الكلمة سريانية معناها: الخادم.

٣٧٥

فخرق ثيابه وانصرف إلى داره فضرب جميع ما فيها بالنار، ولزم صحراء الدير وهو عريانٌ يهيم، ويعمل الأشعار ويبكي.

قال أبو بكر الصنوبري: ثمَّ عبرت يوماً أنا والمعوج من بستان بتنا فيه فرأيناه جالساً في ظلِّ الدير وهو عريانٌ وقد طال شعره، وتغيَّرت خلقته، فسلّمنا عليه وعذلناه وعتبناه، فقال: دعاني من هذا الوسواس أتريان ذلك الطائر على هيكل؟ وأومأ بيده إلى طائر هناك فقلنا: نعم. فقال: أنا وحقِّكما يا أخويَّ أُناشده منذ الغداة أن يسقط فأُحمِّله رسالةً إلى عيسى. ثمَّ التفت إليَّ وقال: يا صنوبريُّ معك ألواحك؟ قلت: نعم. قال: اكتب:

بدينك يا حمامة دير زكّى

وبالأنجيل عندك والصليبِ

قفي وتحمَّلي عنِّي سلاماً

إلى قمر على غصنٍ رطيب

حماه جماعة الرُّهبان عنّي

فقلبي ما يقرُّ من الوجيبِ

عليه مسوحه(١) وأضاء فيها

وكان البدر في حُلل المغيبِ

وقالوا: رابنا إلمام سعد

ولا والله ما أنا بالمريبِ

وقولي: سعدك المسكين يشكو

لهيب جوّى أحرُّ من اللهيبِ

فصله بنظرةٍ لك من بعيدٍ

إذا ما كنت تمنع من قريبِ

وإن أنامتُّ فاكتب حول قبري

محبٌّ مات من هجر الحبيبِ

رقيبٌ واحدٌ تنغيص عيشٍ

فكيف بمن له ألفا رقيبِ

ثمَّ تركنا وقام يعدو إلى باب الدير وهو مغلقٌ دونه، وانصرفنا عنه وما زال كذلك زماناً، ثمَّ وُجد في بعض الأيّام ميتاً إلى جانب الدير، وكان أمير البلد يومئذ العبّاس بن كيغلغ فلمّا اتَّصل ذلك به وبأهل الرُّها خرجوا إلى الدير، وقالوا ما قتله غير الرهبان. وقال لهم إبن كيغلغ: لا بدَّ من ضرب رقبة الغلام وإحراقه بالنّار، ولا بدَّ من تعزير جميع الرُّهبان بالسياط، وتعصَّب في ذلك فافتدى النصارى نفوسهم وديرهم بمائة ألف درهم(٢) .

_____________________

١ - المسوح: ما يلبس من نسيج الشعر تقشعاً وقهراً للبدن جمع مسح بكسر الميم.

٢ - توجد ملخصة في تزيين الأسواق ص ١٧٠.

٣٧٦

القرن الرابع

١٩

القاضي التنوخي

المولود ٢٧٨

المتوفّى ٣٤٢

مِن إبن رسول الله وابن وصيِّة

إلى مدغل في عقبة الدين ناصبِ

نشأ بين طُنبور وزقٍّ ومزهر

وفي حجر شادٍ أو على صدر ضاربِ

ومن ظهر سكران إلى بطن قينةٍ

على شُبه في ملكها وشوائبِ

يَعيب عليّاً خير من وطأ الحصى

وأكرم سارٍ في الأنام وساربِ

ويُزري على السبطين سبطي محمَّد

فقل في حضيض رام نيل الكواكبِ

وينسب أفعال القراميط كاذباً

إلى عترة الهادي الكرام الأطائبِ

إلى معشرٍ لا يبرح الذمُّ بينهم

ولا تزدري أعراضهم بالمعائبِ

إذا ما انتدوا كانوا شموس بيوتهم

وإن ركبوا كانوا شموس المواكبِ

وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الرَّدى

وإن ضحكوا أبكوا عيون النَّوادبِ

نشوا بين جبريل وبين «محمَّد»

وبين «عليّ» خير ماشٍ وراكبِ

وزير النبيِّ المصطفى ووصيّه

ومُشبهه في شيمةٍ وضرائبِ

ومَن قال في يوم «الغدير» محمَّد

وقد خاف من غدر العداة النواصبِ

: أما إنَّني أولى بكم من نفوسكم

فقالوا: بلى قول المريب المواربِ

فقال لهم: مَن كنت مولاه منكمُ

فهذا أخي مولاه بعدي وصاحبي

أطيعوه طرّاً فهو منّي بمنزلٍ

كهارون من موسى الكليم المخاطبِ

[القصيدة ٨٣ بيتاً]

٣٧٧

*(ما يتبع الشعر) *

كان عبد الله بن المعتزّ العبّاسي المتوفّى سنة ٢٩٦ ممَّن ينصب العدا للطالبيِّين، ويتحرّى الوقيعة فيهم بما ينمُّ عن سوء سريرته، ويشفُّ عن خبث طينته، وكثيراً ما كان يفرغ ما ينفجر به بُركان ضغاينه في قوالب شعريَّة، فجائت من ذلك قصايد خلّدت له السوءة والعار، ولقد تصدّى غير واحد من الشعراء لنقض حججه الداحضة منهم: الأمير أبو فراس الآتي ذكره وترجمته، غير أنَّه أربى بنفسه الأبيَّة عن أن تقابل ذلك الرِّجس بالموافقة في البحر والقافية، فصاغ قصيدته الذهبيَّة الخالدة الميميَّة، ينصر فيها العلويِّين، وينال من مناوئيهم العبّاسيّين، ويوعز إلى فضائحهم وطامّاتهم التي لا تُحصى.

ومنهم: تميم بن معد الفاطمي المولود ٢٣٧ والمتوفّى ٣٧٤، ردَّ على قصيدة إبن المعتزّ الرائيَّة أوّلها.

أيَّ ربع لآل هند مدارِ؟

....................................

وأوَّل قصيدة إبن معد:

يا بني هاشمٍ ولسنا سواء

في صغار من العلى وكبارِ

ومنهم: إبن المنجِّم. وأبو محمَّد المنصور بالله المتوفّى ٦١٤ - الآتي ذكره في شعراء القرن السابع - ومنهم: صفيُّ الدين الحلي المتوفّى ٧٥٢ فقد ردَّ عليه ببائيَّته الرنّانة المنشورة في ديوانه المذكورة في ترجمته الآتية في شعراء القرن الثامن.

ومنهم: القاضي التنوخي المترجَم له فقد نظم هذه القصيدة التي ذكرنا منها شطراً ردّاً عليه، وهي مذكورةٌ في كتاب «الحدائق الورديَّة» ٨٣ بيتاً، وأحسبها كما في غير واحد من المجاميع المخطوطة أنَّها تمام القصيدة، وذُكرت في «مطلع البدور» ٧٤ بيتاً، وذكر منها اليماني في «نسمة السحر» ٤٨ بيتاً، والحموي ١٤ بيتاً في «معجم الأُدباء» ج ١٤ ص ١٨١ وقال: كان عبد الله بن المعتز قد قال قصيدةً يفتخر فيها ببني العبّاس على بني أبي طالب أوَّلها:

أبى الله إلّا ما ترون فما لكم

غضاباً على الأقدار يا آل طالب؟!

فأجابه أبو القاسم التنوخي بقصيدة نحلها بعض العلويِّين وهي مثبتةٌ في ديوانه أوَّلها:

٣٧٨

مِن ابن رسول الله وابن وصيِّه

إلى مدغلٍ في عقدة الدين ناصبِ

نشأ بين طنبور ودفٍّ ومزهرٍ

وفي هجر شادٍ أو على صدر ضاربِ

ومن ظهر سَكرانٍ إلى بطن قينةٍ

على شُبه في ملكها وشوائبِ

يقول فيها:

وقلت: بنو حرب كسوكم عمائماً

من الضرب في الهامات حمر الذوائبِ

صدقتَ منايانا السيوف وإنَّما

تموتون فوق الفرش موت الكواعبِ

ونحن الأولى لا يسرح الذمُّ بيننا

ولا تدَّري أعراضنا بالمعايبِ

إذا ما انتدوا كانوا شموس نديِّهم

وإن ركبوا كانوا بدور الركائبِ

وإن عبسوا يوم الوغى ضحك الرَّدى

وإن ضحكوا بكّوا عيون النوائبِ

وما للغواني والوغى فتعوَّدوا

بقرع المثاني من قراع الكتائبِ

ويوم حنين قلت: حزنا فخاره

ولو كان يدري عدَّها في المثالبِ

أبوه منادٍ والوصيُّ مضاربٌ(١)

فقل في منادٍ صيِّتٍ ومضاربِ

وجأتم مع الأولاد تبغون إرثه

فابعد بمحجوب بحاجب حاجبِ

وقلتم: نهضنا ثائرين شعارنا

بثارات زيد الخير عند التحاربِ

فهلّا بإبراهيم كان شعاركم

فترجع دعواكم تعلّة(٢) خائبِ

ورواها عماد الدين الطبري في الجزء العاشر من كتابه [بشارة المصطفى لشيعة المرتضى] وقال: حدَّثنا الحسين بن أبي القاسم التميمي، قال: أخبرنا أبو سعيد السجستاني، قال أنبأنا القاضي إبن القاضي أبو القاسم عليُّ بن المحسن بن عليِّ التنوخي ببغداد، قال: أنشدني أبي أبو عليّ المحسن، قال: أنشدني أبي أبو القاسم عليُّ بن محمَّد إبن أبي الفهم التنوخي لنفسه من قصيدةٍ:

ومن قال في يوم «الغدير» محمَّدٌ

وقد خاف من غدر العداة النواصبِ

: أما أنا أولى منكمُ بنفوسكم

فقالوا: بلى قول المريب المواربِ

فقال لهم: مَن كنت مولاه منكمُ

فهذا أخي مولاه فيكم وصاحبي

_____________________

١ - يريد العبّاس وعلياً أمير المؤمنين عليه السلام.

٢ - أي تعلل.

٣٧٩

أطيعوه طرّاً فهو منّي كمنزلٍ

لَهارون من موسى الكليم المخاطبِ

فقولا له: إن كنت من آل هاشم

فما كلُّ نجم في السَّماء بثاقبِ

وروى القصيدة وأنَّها في ردِّ عبد الله بن المعتز صاحب تاريخ طبرستان ص ١٠٠ بهاء الدين محمَّد بن حسن وذكر منها خمسة عشر بيتاً ومنها:

فكم مثل زيد قد أبادت سيوفكم

بلا سببٍ غير الظنون الكواذبِ

أما حمل المنصور من أرض يثربِ

بدور هدًى تجلو ظلام الغياهبِ؟

وقطَّعتمُ بالبغي يوم محمَّد

قرائن أرحام له وقرائبِ

وفي أرض باخمرا مصابيح قد ثوت

مترَّبة الهامات حمر الترائب

وغادر هاديكم بفخّ طوائفاً

يُغاديهمُ بالقاع بقع النواعبِ

وهارونكم أودى بغير جريرةٍ

نجوم تُقىً مثل النجوم الثواقبِ

ومأمونكم سمَّ الرِّضا بعد بيعةٍ

تودّ ذرى شمِّ الجبال الرَّواسبِ

فهذا جوابٌ للذي قال: مالكم

غضاباً على الأقدار يا آل طالبِ؟

*( الشاعر ) *

أبو القاسم التنوخي عليُّ بن محمّد بن أبي الفهم داود بن إبراهيم بن تميم بن جابر ابن هاني بن زيد بن عبيد بن مالك بن مريط بن سرح بن نزار بن عمرو بن الحرث ابن صبح بن عمرو بن الحرث بن عمرو بن الحارث بن عمرو [ملك تنوخ] بن فهم بن تيم الله [وهو تنوخ] ابن أسد بن وبرة بن تغلب بن حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ملك بن حمير بن سبا بن سحت بن يعرب بن قحطان بن غابن بن شالح بن الشحد ابن سام بن نوح النبيّ عليه السلام(١)

من أغزر عيالم العلم، ومُلتقى الفضايل، ومُجتمع الفنون المتنوِّعة، مشاركاً في علوم كثيرةٍ، مقدَّما في الكلام، متضلّعاً في الفقه والفرايض، حافظاً في الحديث، قدوةً في الشعر والأدب، بصيراً بعلم النجوم والهيئة، خبيراً بالشروط والحاضر والسجلّات،

_____________________

١ - النسب ذكره الخطيب البغدادي في تاريخه نقلاً عن حفيد المترجم أبي القاسم ابن المحسن إلى قضاعة، وذكر بعده السمعاني في «الأنساب» وإلى قضاعة بين الكتابين اختلاف في بعض الأسماء.

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418