الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

الغدير في الكتاب والسنة والأدب14%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 418

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
المقدمة
  • البداية
  • السابق
  • 418 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94905 / تحميل: 7067
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٣

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

بقية شعراء الغدير

في القرن الثالث

١١ - أبو إسماعيل العلوي

وجدّي وزير المصطفى وابن عمِّه

عليٌّ شهاب الحرب في كلِّ ملحمِ

أليس ببدر كان أوّل قاحم

يطير بحدّ السيف هام المقحَّمِ!؟

وأوَّل صلّى ووحَّد ربَّه

وأفضل زوّار الحطيم وزمزمِ

وصاحب يوم الدوح إذ قام أحمد

فنادى برفع الصوت لا بتهمهمِ

: جعلتك منّي يا عليُّ؟ بمنزل

كهارون من موسى النجيب المكلّمِ

فصلّى عليه الله ما ذرَّ شارقٌ

وأوفت حجور البيت أركب محرمِ(١)

(الشاعر)

أبو إسماعيل محَّمد بن عليِّ بن عبد الله بن العبّاس بن الحسن بن عبيد الله بن العباس بن الإمام أمير المؤمنين عليِّ بن أبي طالب صلوات الله عليهم.

هو من فروع دوح الخلافة، ومن مفاخر العترة الطاهرة، كان يرفل في حلّة المجد الضافية، طافحاً عليه الشرف الظاهر، والسؤدد المعلوم، بين حسبٍ زاكٍ، و ونسبٍ وضئٍ، أحمديُّ المأثرة، علويُّ المنقبة، عبّاسيُّ الشهامة، إلى فضائل كثيرة ينحسر عنها البيان.

قال المرزباني في (معجم الشعراء) ص ٤٣٥: شاعرٌ يكثر الإفتخار بآبائه رضوان الله عليهم، وكان في أيّام المتوكّل وبعده دهراً، وهو القائل:

_____________________

١ - معجم الشعراء للحافظ المرزباني ص ٤٣٥.

١

وإنّي كريمٌ من أكارم سادةٍ

أكفّهمُ تندي بجزل المواهبِ

همُ خير من يحفى وأفضل ناعلٍ

وذروة هضب العرب من آل غالبِ

همُ المنُّ والسلوى لدانٍ بودّهم

وكالسمِّ في حلق العدوِّ المجانبِ

وله:

بعثت إليهم ناظري بتحيَّةٍ

فأبدت لي الأعراض بالنظر الشزرِ

فلمّا رأيت النفس أوفت على الرَّدى

فزعت إلى صبري فأسلمني صبري

أمّا إذا افتخر أبو إسماعيل بآبائه فأيُّ أحد يولده أولئك الأكارم من آل هاشم فلا يكون حقّاً له أن يطأ السماء برجله؟ وأيّ شريف يكون المحتبي بفناء بيته قمر بني هاشم أبو الفضل ثمّ لا تخضع له قمَّة الفلك مجداً وخطراً؟ فإن افتخر المترجم بهؤلاء فقد تبجَّح بنجوم الأرض وأعلام الهدى، ومنار الفضل وسُوى الإيمان.

مَن تلق منهم تلق كهلاً أو فتىً

علم الهدى بحر الندى المورودا

وهذا جدُّه أبو الفضل العبّاس الثاني كان كما قال الخطيب في تاريخ بغداد ١٢ ص ١٣٦: عالماً شاعراً فصيحاً من رجال بني هاشم لساناً وبياناً وشعراً، ويزعم أكثر العلويَّة: إنّه أشعر ولد أبي طالب؛ وكان في صحابة هارون ومن شعره يذكر إخاء أبي طالب (عم النبيِّ) لعبد الله (أبي النبيِّ لأبيه وأمِّه) من بين إخوته:

إنّا وإنَّ رسول الله يجمعنا

أبٌ وأُمٌّ وجدٌّ غير موصومِ

جاءت بنا ربَّة من بين أسرته

غرّاء من نسل عمران بن مخزومِ

حزنا بها دون من يسعى ليدركها

قرابة من حواها غير مسهومِ

رزقاً من الله أعطانا فضيلته

والناس من بين مرزوق ومحرومِ

جاء إلى باب المأمون فنظر إليه الحاجب ثمَّ أطرق فقال له: لو أذن لنا لدخلنا، ولو اعتذر إلينا لقبلنا، ولو صرَّفنا لانصرفنا، فأمّا اللفتة بعد النظرة لا أعرفها(١) ثمَّ أنشد:

وما عن رضاً كان الحمار مطيَّتي

ولكنَّ من يمشي سيرضى بما ركب

ومن درر كلمه الحكميَّة قوله:

_____________________

١ - هذه الجملة حكيت عن تاريخ الخطيب في تذكرة السبط ٣٢ بغير هذه الصورة.

٢

إعلم أنَّ رأيك لا يتَّسع لكلِّ شيئ، ففرِّغه للمهمِّ.

وأنَّ مالك لا يغني الناس كلّهم، فخصَّ به أهل الحقِّ.

وأنَّ كرامتك لا تطيق العامَّة، فتوخَّ بها أهل الفضل.

وأنَّ ليلك ونهارك لا يستوعبان حاجتك وإن دأبت فيهما، فأحسن قسمتهما بين عملك ودعتك من ذلك.

فإنَّ ما شغلك من رأيك في غير المهمِّ إزراءٌ بالمهمِّ.

وما صرفت من مالك في الباطل فقدته حين تريده للحقِّ.

وما عمدت من كرامتك إلى أهل النقص أضرّك في العجز عن أهل الفضل.

وما شغلك من ليلك ونهارك في غير الحاجة أزرى بك في الحاجة.

وأخو العبّاس هذا: الفضل بن الحسن الذي يأبِّن جدَّه أبا الفضل شهيد الطفِّ سلام الله عليه بقوله:

أحقّ الناس أن يُبكى عليه

فتىً أبكى الحسين بكربلاءِ

أخوه وابن والده عليٍّ

أبو الفضل المضرَّج بالدِّماءِ

ومن واساه لا يثنيه شيءٌ

وجاد له على عطشٍ بماءِ

ذكرها له المؤرِّخ الهندي أشرف علي في كتابه المطبوع [روض الجنان في نيل مشتهى الجنان] وشطَّرها زميلنا العلّامة المتضلّع الشيخ محمد علي الأوردبادي حيِّاه الله فقال:

أحقٌّ الناس أن يُبكى عليه

بدمع شابه علق الدماءِ

بجنب العلقميِّ سريّ فهرٍ

فتىً أبكى الحسين بكربلاءِ

أخوه وابن والده عليٍّ

هزير الملتقى ربُّ اللواءِ

صريعاً تحت مشتبك المواضي

أبو الفضل المضرَّج بالدماءِ

ومن واساه لا يثنيه شيءٌ

عن ابن المصطفى عند البلاءِ

وقد ملك الفرات فلم يذقه

وجاد له على عطشٍ بماءِ

وكان شاعرنا المترجم من رجاحة العقل، ورصافة العارضة، في جانب عظيم

٣

مثيل جدِّه تجري كلماته مجرى الحكم والأمثال منها قوله في رجل من أهله:

إنّي لأكره أن يكون لعلمه فضلُ على عقله، كما أكره أن يكون للسانه فضلٌ على علمه(١) .

١٢ - الوامق النصراني

أليس بخمٍّ قد أقام «محمَّدٌ»

«عليّاً» بإحضار الملا في المواسمِ

فقال لهم: مَن كنت مولاه منكُمُ

فمولاكمُ بعدي «عليّ بن فاطمِ»

فقال: إلهي كن وليَّ وليِّه

وعاد أعاديه على رغم راغمِ

ويقول فيها:

أما ردّ عمراً يوم سلع بباتر

كأنَّ على جنبيه لطخ العنادمِ(٢)

وعاد ابن معدي نحو أحمد خاضعاً

كشارب أثل في خطام الغمايمِ(٣)

وعاديت في الله القبايل كلّها

ولم تخش في الرَّحمن لومة لايمِ

وكنت أحقّ الناس بعد محمد

وليس جهول القوم في حكم عالمِ(٤)

(ما يتبع الشعر)

ربما يستغرب القارئ ما يجده من مدايح النصارى لأمير المؤمنين عليه السلام وهم لا يعتنقون الإسلام فضلاً عن الإعتقاد بالخلافة الإسلاميَّة، ولا غرابة في ذلك فإنَّه جريٌ منهم مع الحقايق الراهنة، وسيرٌ مع التاريخ الصحيح، فإنّ المنصف مهما اعتنق

_____________________

١ - كامل المبرد ١ ص ٥٦.

٢ - السلع: جبل بالمدينة. العندم: الدم والبقم.

٣ - أثل: شجر عظيم لا ثمر له ج أثلة. الخطام: كل ما وضع في فم البعير ليقتاد به. الغمايم جمع الغمامة: خريطة فم البعير. كناية عن نهاية الذلة والخضوع.

٤ - مناقب إبن شهر آشوب ١ ص ٢٨٦، ٥٣٢.

٤

مبدءً غير الإسلام فإنَّه لا يسعه إنكار ما اكتنف مولانا من الفضايل: من نفسيّات كريمة، وعلوم جمَّة، وخوارق لا تحصى؛ وبطولة وبسالة، وما قال فيه نبيُّ الإسلام، الذي لا يعدو عند غير المسلم أن يكون عظيماً من عظماء العالم، وحكيماً من حكمائه، بل أعظم رجالات الدهر كلّهم، لا يرمي القول على عواهنه، فلا بدَّ أن يكون من يثبت له هو صلى الله عليه وآله وسلم تلك الفضايل عظيماً كمثله أو دونه بمرقاة.

كما أنّك تجد الثناء المتواصل على النبيِّ الأعظم أو وصيِّه في كتب لفيف من النصارى واليهود ككتاب.

١ - أقوال محمد تأليف المستر ستنلي لين بول.

٢ - محمد والقرآن تأليف المستر جون وانتبورت.

٣ - محمد والقرآن تأليف الأستاذ مونته.

٤ - عقيدة الإسلام تأليف غولد يسهر.

٥ - العالم الإسلامي تأليف ماكس مايرهوف.

٦ - تاريخ العرب تأليف الأستاذ هوار.

٧ - مفكّري الإسلام تأليف كاداود وفو الافرنسي.

٨ - مهد الإسلام تأليف ألاب لامنس.

٩ - خلاصة تاريخ العرب تأليف سديو الافرنسي.

١٠ - حياة محمد تأليف السير ويليام ميور الانكليزي.

١١ - سيرة محمد تأليف السير وليم موير.

١٢ - مدنيّات الشرق تأليف ألمسيو غروسه.

١٣ - الكياسة الإجماعيَّة تأليف الدكتور وغسطون كرسطا الايطالي.

١٤ - محمد والإسلام تأليف حنادا قنبرت.

١٥ - حياة محمد تأليف المستر دكالون سل.

١٦ - محمد والإسلام تأليف المستر بوسرت اسمت.

١٧ - عرب اسبانيا تأليف ألمسيو دوزي.

١٨ - عن الشرع الدولي تأليف الدكتور نجيب ارمنازي.

٥

١٩ - المعلّم الأكبر تأليف المستر هر برت وايل

٢٠ - الابطال تأليف توماس كارليل الانكليزي

٢١ - الإسلام خواطر وسوانح تأليف هنري دي كاستري الفرنسي

٢٢ - حاضر العالم الإسلامي تأليف لوتروب ستو دارد الاميركي

٢٣ - حِكَم النبيِّ محمد تأليف تولستوي الروسي

٢٤ - مصير المدنيَّة الإسلاميَّة تأليف هو كنيك الفيلسوف الاميركي

٢٥ - سرّ تطوّر الإسلام تأليف غوستاف لوبون الفرنسي

٢٦ - الآراء والمعتقدات تأليف غوستاف لوبون الفرنسي

٢٧ - الحضارات تأليف غوستاف لوبون الفرنسي

٢٨ - التمدّن الإسلامي(١) تأليف غوستاف لوبون الفرنسي

٢٩ - الإسلام ومحمد تأليف والافتنرت

٣٠ محمد والحضارة(٢) تأليف عبد المسبيح أفندي وزير

وغير ذلك مئات من كتبهم حول الإسلام أو نبيّه. وما ذلك إلّا أنّ ما وصفوه من صفات الفضيلة حقايق ناصعة لا يسترها التمويه، ولا يأتي على ذكرها الحدثان، و ذكريات خالدة يحدَّث بها الملوان، ما قام للدهر كيان، وبما أنَّ حديث «الغدير» من هاتيك الحقايق تجد الناس إلباً واحداً في روايته، يهتف به الموالي، ويعترف به الناصب، وينشده المسلم، ويشدو به الكتابيّ.

(الشاعر)

بُقراط بن أشوط الوامق الأرميني النصراني، بطريق(٣) بطارقة أرمينيَّة، و قائدهم الأكبر، وأميرهم المقدَّم في القرن الثالث، عدَّه إبن شهر آشوب في «معالم العلماء» من مقتصدي المادحين لأهل البيت عليهم السَّلام.

قال اليعقوبي في تاريخه ٣ ص ٢١٣، وابن الأثير في الكامل ٧ ص ٢٠: إنَّه

_____________________

١ - طبعت ترجمته بالفارسية بطهران في ٨٠٤ صحيفة.

٢ - مقال نشر في جريدة الاستقلال سنة ١٩٢٧ م.

٣ - البطريق: القائد الحاذق بالحرب وشيء ونها. معرب.

٦

وثب في سنة ٢٣٧ أهل آرمينية بعاملهم يوسف بن محمد فقتلوه، وكان سبب ذلك أنَّ يوسف لما سار إلى أرمينية خرج إليه بطريقٌ يقال له: بقراط بن أشوط. ويقال له: بطريق البطارقة. يطلب الأمان فأخذه يوسف وابنه نعمة فسيَّرهما إلى باب الخليفة «المتوكّل» فاجتمع بطارقة أرمينية مع ابن أخي بقراط بن أشوط وتحالفوا على قتل يوسف ووافقهم على ذلك موسى بن زرارة وهو صهر بقراط على ابنته فأتى الخبر يوسف ونهاه أصحابه عن المقام بمكانه فلم يقبل فلمّا جاء الشتاء ونزل الثلج مكثوا حتّى سكن الثلج ثمَّ أتوه وهو بمدينة «طرون»(١) فحصروه بها فخرج إليهم من المدينة فقاتلهم فقتلوه وكلَّ من قاتل معه، وأمّا من لم يقاتل معه فقالوا: له انزع ثيابك وانج بنفسك عرياناً ففعلوا ومشوا حفاةً عراةً فهلك أكثرهم من البرد وسقطت أصابع كثير منهم ونجوا، وكان ذلك في رمضان، وكان يوسف قبل ذلك قد فرَّق أصحابه في رساتيق عمّاله فوجَّه إلى كلِّ طائفة منهم طائفة من البطارقة فقتلوهم في يوم واحد، فلمّا بلغ المتوكّل خبره ووجَّه بغا الكبير إليهم طالباً بدم يوسف فسار إليهم على الموصل والجزيرة فبدأ بأرزن(٢) وبها موسى بن زرارة و له إخوته إسماعيل وسليمان وحمد وعيسى ومحمد وهرون فحمل بغا موسى بن زرارة إلى المتوكّل وأباح على قتله يوسف فقتل منهم زهاء ثلاثين ألفاً وسبى منهم خلقاً كثيراً فباعهم.

وهناك جمعٌ آخرون من النصارى مدح أمير المؤمنين عليه السلام منهم: شاعرهم زينبا إبن إسحق الرسعني الموصلي النصراني.

ذكر له البيهقي في [المحاسن والمساوي] ١ ص ٥٠، والزمخشري في [ربيع الأبرار]، وأبو حيّان في تفسيره [البحر المحيط] ٦ ص ٢٢١، وأبو العبّاس القسطلاني في [المواهب اللدنيَّة]، وأبو عبد الله الزرقاني المالكي في [شرح المواهب] ٧ ص ١٤، والمقري المالكي في [نفح الطيب] ١ ص ٥٠٥. والشيخ محمد الصبّان في [إسعاف الراغبين] ١١٧ نقلاً عن إمامهم أبي عبد الله محمد بن علي بن يوسف الأنصاري الشاطبي(٣) قوله(٤) :

_____________________

١ - موضع بأرمينية.

٢ - أرزن: مدينة من أرباض أرمينية.

٣ - رضي الدين المولود ٦٠١ والمتوفى ٦٨٠ والمترجم في نفح الطيب ١ ص ١٥٠٥.

٤ - وذكره له شيخنا الفتال في «روضة الواعظين» ١٤٣، وإبن شهر آشوب في «المناقب» ٢ ص ٢٣٧.

٧

عديُّ وتيمُ لا اُحاول ذكرها

بسوءٍ ولكنّي محبٌّ لهاشمِ

وما تعتريني في عليّ ورهطه

إذا ذكروا في الله لومة لائمِ

يقولون: ما بال النصارى تحبّهم

وأهل النهى من أعرب وأعاجمِ؟!

فقلت لهم: إنّي لأحسب حبَّهم

سرى في قلوب الخلق حتى البهايمِ

وذكر الخطيب الخوارزمي في المناقب ٢٨، وإبن شهر آشوب في مناقبه ١ ص ٣٦١، والأربلي في كشف الغمّة ٢٠ لبعض النصارى قوله:

عليٌّ أمير المؤمنين صريمة

وما لسواه في الخلافة مطمعُ

له النسب الأعلى وإسلامه الذي

تقدَّم فيه والفضايل أجمعوا

بأنَّ عليّاً أفضل الناس كلّهم

وأورعهم بعد النبيّ وأشجعُ

فلو كنت أهوى ملّة غير ملّتي

لما كنت إلّا مسلماً أتشيَّعُ

وذكر شيخنا عماد الدين الطبري في الجزء الثاني من كتابه «بشارة المصطفى» لأبي يعقوب النصراني قوله:

يا حبَّذا دوحة في الخلد نابتةٌ

ما في الجنان لها شبهٌ من الشجرِ

المصطفى أصلها والفرع فاطمةٌ

ثمَّ اللقاح عليُّ سيِّد البشرِ

والهاشميّان سبطاها لها ثمرٌ

والشيعة الورق الملتفّ بالثمرِ

هذا مقال رسول الله جآء به

أهل الروايات في العالي من الخبرِ

إنّي بحبِّهمُ أرجو النجاة غداً

والفوز مع زمرة من أحسن الزمرِ

أشار بها إلى ما أخرجه الحفّاظ(١) عن رسول الله صلّى الله عليه وآله أنَّه قال: أنا الشجرة، وفاطمة فرعها، وعليٌّ لقاحها، والحسن والحسين ثمرتها، وشيعتنا ورقها، وأصل الشجرة في جنَّة عدن وسائر ذلك في سائر الجنَّة.

هذا لفظه عند العامَّة وأمّا عند مشايخنا فهو: خُلق الناس من أشجار شتّى و خُلقتُ أنا وعليُّ بن أبي طالب من شجره واحدة، فما قولكُم في شجرة أنا أصلها، وفاطمة

_____________________

١ - الحاكم في «المستدرك» ٣ ص ١٦٠، وإبن عساكر في تاريخه ج ٤ ص ٣١٨، ومحب الدين في «الرياض» ٢ ص ٢٥٣، وابن الصباغ «في الفصول» ص ١١، والصفوري في «نزهة المجالس» ٢ ص ٢٢٢.

٨

فرعها، وعليُّ لقاحها، والحسن والحسين ثمارها، وشيعتنا أوراقها، فمن تعلّق بغصن من أغصانها ساقته إلى الجنَّة، ومن تركها هوى في النار.

وممَّن مدحه عليه السلام من متأخِّري النصارى عبد المسيح الأنطاكي المصري بقصيدته العلويَّة المباركة ذات ٥٥٩٥ بيتاً ومنها قوله ص ٥٤٧ فيما نحن فيه:

للمرتضى رتبةٌ بعد الرَّسول لدى

أهل اليقين تناهت في تعاليها

ذو العلم يعرفها ذو العدل ينصفها

ذو الجهل يسرفها ذو الكفر يكميها

وإنَّ في ذاك إجماعاً بغير خلا

ف في المذهب مع شتّى مناحيها

وإن أقرَّبها الإسلام لا عجب

فإنَّه منذ بدء الوحي داريها

وإن تنادى جموع المسلمين بها

فقد وعت قدرها من هدي هاديها

بل جاوزتهم إلى الأغيار فانصرفت

نفوسهم نحوها بالحمد تطريها

وذي فلاسفة الجحّاد معجبة

بها وقد أكبرت عجباً تساميها

وردَّدت بين أهل الأرض مدحتها

فيه وقد صدقت وصفاً وتشبيها

كذا النصارى بحبِّ المرتضى شغفت

ألبابُها وشدت فيه أغانيها

فلست تسمع منها غير مدحته الغـ

ـرّاء ما ذكرته في نواديها

فارجع لقسّانها بين الكنائس مع

رهبانها وهي في الأديار تأويها

تجد محبَّته بالإحترام أتت

نفوسها وله أبدت تصبّيها

وانظر إلى الديلم الشجعان خائضة الحـ

ـروب والترك في شتّى مغازيها

تلف استعاذتها بالمرتضى ولقد

زانت بصورته الحسنا مواضيها

وآمنت أنّ ترصيع السيوف بصو

رة الوصيِّ ينيل النصر منضيها

م - وفي الآونة الأخيرة نظم الأستاذ بولس سلامة قاضي أمّة المسيح ببيروت بعد ما قرأ كتابنا هذا «الغدير» قصيدته العصماء تحت عنوان «عيد الغدير» في ٣٠٨٥ بيتاً، و فيها تحليلٌ وتدقيق، وإعرابٌ عن حقايق ناصعة. وجريٌ مع التاريخ الصحيح، طبعت في ٣١٧ صفحة).

٩

نعرات الجاهلية الأولى

( إِنّ الّذِينَ ارْتَدّوا عَلَى‏ أَدْبَارِهِم مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيّنَ لَهُمُ

الْهُدَى‏ الشّيْطَانُ سَوّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى‏ لَهُمْ )

ربما يجد الباحث في بعض تآليف المستشرقين في التاريخ الإسلامي رمزاً من النزاهة في الكتابة والأمانة في النقل وخلوَّ كلِّ محكيٍّ عن أيِّ مصدر (هبه غير وثيق) من التحريف والتصرُّف فيه، وتجرُّده عن سوء صنيع الكتبة، وبعده من الإستهتار، وهذا جمال كلّ تأليف وشأن كلّ مؤلِّف مهما كان شريف النفس، وهو حقُّ كلِّ رائد، و الرائد لا يكذب أهله.

غير أنَّ في القوم من ألّف وسخف فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذا كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزئون. فكأنَّ الجهل لم يمت بعدُ وقد مات أبو جهل، ولهب الضلال لم يخمد بعدُ وقد اتَّقد أبو لهب في درك الجحيم، وكأنَّ الدنيا ترجع إلى ورائها القهقري، وعاد الإسلام كشمس كادت تكون صلاءً(١)

جاء من القوم بعد لأي مِن الدهر مَن يدعو الناس إلى الجاهليَّة الأولى وإلى حميَّتها البائدة، ولا بُقيا للحميَّة بعد الحرائم(٢) نهض يبشِّر عن مسيح مركَّب من طبيعتين: (إلهيَّة وبشريَّة) ويحسب نفسه قد أبهر في تأليفه وأتى بأمر جديد، فأخذ كالمتفلسف يتتعتع ويتلعثم، ويحرِّف الكلم عن مواضعه، ويُؤوِّل الكتاب الكريم برأيه الضئيل، ويتحكَّم في الحديث بفكرته الخائرة، ويرى النبيَّ الأعظم من المبشِّرين بنصرانيَّته الصحيحة التي ليست هي إلّا الضَّلال المحض، وهو مع ذلك مائنٌ في نقله، خائنٌ في حكايته، غاشٌّ في نصحه، مدنِّسٌ في كتابته، مهاجمٌ على قدس صاحب الرِّسالة

_____________________

١ - مثل يضرب في قلة الانتفاع بالشيء

٢ - الحريمة ما فات من كل مطموع فيه.

١٠

مجانبٌ عن الحقِّ والحقيقة، كلّ ذلك باسم كتاب «حياة محمد»

ألا؟ وهو الأستاذ إميل در منغم.

إنَّ الرجل لَمّا شاهد أنَّ الإسلام علا هتافه اليوم، ودوَّخ أرجاء العالم صيته، وأطَّلت سمائه على الأرض كلّها شرقاً وغرباً، وشعَّ نوره في كلِّ طللٍ ووَهَد، وعمَّت أشعَّته كلّ طارفٍ وتليد، وملأ الكون صراخ قومه بالثناء البالغ على الإسلام المقدَّس ونبيِّه الأقدس، وكثر إعجابهم بكتابه السماويِّ، وقانونه الإجتماعيِّ، وشرعه السويِّ، وحكمه السياسيِّ، ودستوره الإصلاحيِّ، ومشعبه الحقِّ المشعب.

عزَّ عليه كما عزَّ على سلفه الغوغاء أن يشاهد هذا السلطان العالميَّ العظيم، وهذه السيطرة الباهرة، وهذه الشرعة العادلة الجبّارة القاهرة للأكاسرة والتابعة والقياصرة والفراعنة، الحاكمة على آراء الأقباط والأقسَّة وآباء الكنائس وزعماءِ البيع ومعتقداتهم.

عزَّ عليه أن يرى في بيئته الغربيَّة بزوغ الإسلام الشرقيِّ، وتنوُّر أفكار المثقَّفين من قومه بلمعات القرآن العربيِّ المجيد، وانتشار معارف الإسلام الخالدة في عواصم أوروبا كالسيل الجارف لأُصول الضَّلال، وأهواء الغرب، وما هناك من فساد الخلايق، ومضلّات البدع.

عزَّ عليه أن يسمع بأُذنيه من قلب العالم الأوربيِّ بألسنة فلاسفتها نداء أنَّ محمداً قاوم الوثنيَّة بعزم واحد طول الحياة ولم يتردَّد لحظة واحدة بينها وبين عبادة الواحد الأحد(١) .

أو أن يسمع عن آخر منهم وهو ينادي: إنَّ القرآن هو القانون العامّ لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فهو صالحٌ لكلِّ مكان وزمان(٢)

أو أن يسمع عن ثالث من قومه وقد ملأ الدنيا صوته وهو يقول: استقرَّت قواعد الإسلام على أساس مكين من الآيات البيِّنات التي أنزلت تباعا وكان ختامها:( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (٣)

_____________________

١ - كلمة الكونت هنري دي كاستري.

٢ - كلمة مسيو سنايس.

٣ - كلمة الدكتور نجيب الارمنازى.

١١

أو أن يسمع بأُذنيه القرآن العزيز وهو يُتلى في الإذاعات كلّ يوم بكرةً وعشيّا، وتقرع آية مسامع خلق الدنيا دون كتاب قومه وكتاب أيِّ ملّة.

م - ونادى لسان الكون في الأرض رافعاً

عقيرته في الخافقين ومنشدا

: أعبّاد عيسى إنَّ عيسى وحزبه

وموسى جميعاً يخدمون محمدا(١)

فهناك تعصَّب الرجل وتشزَّر، وشزر إلى الإسلام وكتابه ونبيِّه، ونظر إليها بصدر عينه(٢) وتشذَّر للدفاع عن نحلته والذبِّ عن مبدءه الباطل؛ فعلى نحيمه بصدرٍ واغرٍ على الحقِّ، وهو يشوب ولا يروب(٣) وشرع يدعو إلى النصرانيَّة باسم الإسلام وحياة محمد، ويرى النبيَّ محمداً جاء بكتاب عربيٍّ كما لو كان نصرانيّاً ذاكراً أنَّه واحداً من الأنبياء ص ١٠٠.

ويرى للنصرانيَّة أثراً في محمد ويزعم أنَّ النصارى قد أيقظت شعور النبيِّ الدينيِّ قبل بعثه ص ١٠٠. ويجد في القرآن أُصول النصرانيَّة ص ١٠٦.

ويرى تأييد روح القدس لعيسى ذاتيّاً دون موسى ومحمد.

ويعتقد لعيسى من عصمة ما لم تكن لمحمَّد ويراه قد جاء في القرآن(٤) ١٠٧ ويرى النصرانيَّة تشمل الإسلام وتضيف إليه بعض الشيء ١١٨.

ويرى المسيح ابن الله الوحيد بمعنىً عرفانيٍّ يُلائم الذوق الخرافيَّ ١١٠.

ويرى القرآن يدعو إلى النصرانيَّة الصحيحة وهو القول بألوهيَّته وبشريَّته و كون الطبيعين في شخص واحد ١٠٧، ١١٢.

ويعزو آراءه السخيفة جلّها إلى القرآن المقدّس، ويرى القرآن لم يحط بكلِّ ما هو حقٌ في الأمر ١٠٩.

ويرى آخر مصحف اعتمد عليه صنع الحجّاج بن يوسف الثقفي، وإمكان تلاوة المصحف الشريف على غير ما هو عليه.

_____________________

١ - من أبيات للشاعر المفلق أبي الوفاء راجح الحلي المتوفى ٦٢٧).

٢ - مثل مشهور يضرب.

٣ - الشوب: الخلط. والروب: الاصلاح. مثل يضرب.

٤ - ليته دلنا على الآية الدالة عليه.

١٢

ويرى علماء التوحيد قائلين بأُلوهيَّة المسيح ١٠٩.

ويرى الهوَّة بين المسلمين والنصارى نتيجة سوء التفاهم.

ويرى التباعد بين الملّتين من فكرة مفسِّري القرآن وعلماء الإسلام.

ويرى العقل والتاريخ يستغربان عدم صلب المسيح.

ويرى اعتقاد المسلمين بعدم صلب المسيح باطلاً والآية الدالّة عليه غامضة ١١١.

ويؤوِّل قوله تعالى:( وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـٰكِن شُبِّهَ لَهُمْ ) . بما يلائم تعاليم النصرانيَّة ١١٢.

ويعدّ من ضلال جزيرة العرب إنكار ألوهيَّة المسيح والقول ببشريَّته فحسب ١١٣.

ويرى النبيَّ قد وضع نفسه فوق جميع المعتقدات ما دام على غير علم بالنصرانيَّة الصحيحة ١١٤.

ويعبِّر عن النبيِّ الأعظم بــ (البدويِّ الحمس) ١١٥.

فهذه جملةُ من خرافاته الراجعة إلى التبشير والدعوة إلى النصرانيَّة، وبها يقف الباحث على غاية الكاتب وقيمة كتابه، ويعرف أنَّه يحطُّ في هواه، ويحطب في حبله(١) جاهلاً يأنّ حماة الدين (دين البدويِّ الحمس) نابهون يحومون حول الحمى، ويعرفون حول الصلبان الزمزمة(٢) ويدافعون عن بيضة الإسلام المقدَّسة كلَّ سخبٍ وصخبٍ ولغطٍ وكذبٍ وإفكٍ وقول زور؛ وينزِّهون ساحته عن أرجاس الجاهليَّة وأنجاسها،( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّـهِ وَأُولَـٰئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ) .

ولو أردت الوقوف على الحقيقة في كلِّ ما لفَّقه الرجل من إفكٍ شائنٍ فعليك بكتاب الهدى إلى دين المصطفى، وكتاب الرحلة المدرسيَّة وغيرهما من تآليف شيخنا العلم المجاهد الحجَّة الشيخ محمد جواد البلاغي النجفي وما ألفَّه غيره من أعلام الأُمَّة.

تسافل الشرق أو انحطاط العرب

لا أحسب أنَّ بسطاء الأُمَّة الإسلاميَّة فضلاً عن أعلامها تخفى عليهم الغايات المتوخّاة في أمثال هذه الكتب المزوَّرة، ولا تأمرهم أحلامهم قطُّ بنشر ما خطِّته تلكم

_____________________

١ - مثل ساير.

٢ - مثل يضرب لمن يروم الشيء ولا يظهر مرامه.

١٣

الأقلام المستأجرة لزعانفة الجاهليَّة، ولا يحسب أيُّ حامل حساسات الحيابين جنبيه إنَّ في تلكم التآليف فائدة طائلة قصرت عنها يد الشرق التي هي عاصمة علم الدنيا، و مرتكز لواء كلِّ فضيلة ومحمدة إجتماعيَّة.

ولا يهجس في خلد أيَّ محنَّك أنَّ في طيِّ تلكم الكلم مقيلاً من ظلِّ الحقيقة، أو أنَّ أحداً من أولئك الأساتذة المستشرقين قد أتى بفكرةٍ صالحةٍ جديدةٍ في إصلاح المجتمع من شؤون إجتماعيَّة. أخلاقيَّة. سياسيَّة. أدبيَّة. روحيَّة لم يأت بها نبيُّ الإسلام في كتابه وسنّته، حاشا نبيّ الإصلاح المبعوث لتتميم مكارم الأخلاق.

فما حاجة الأُمَّة العربيَّة الآخذة بناصية الشرق إلى ترجمة هذه التآليف الفارغة عن أدب الدين، أدب العلم. أدب النزاهة. أدب العفَّة. أدب الصدق والأمانة. أدب الحقِّ والحقيقة؟!

وما هذا الأنحطاط والتسافل البالغ في العروبة، وقد أصبحت «العياذ بالله» في مسيس الحاجة إلى هذه الكتب المخزية تأليف كلِّ خائرٍ بائرٍ، تأليف من صفرت يداه عن كلِّ خير، والضلال سجيَّته وقرواه؟!

كيف تفتقر الأُمَّة الإسلاميَّة (ولا تفتقر ولن تفتقر) إلى تلك الكتب!؟ ولها كتابها العربيُّ المقدَّس، كتابها الإجتماعيُّ الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، كتابها الذي لا ريب فيه، هدىً للمتَّقين، كتابها الباحث عن الآداب الاجتماعيَّة وشؤون الصالح العام التي قوامها الحكمة، وأساسها العدل والإحسان، وجامعها العفَّة و القداسة والحنان.

وكيف تفتقر وهي حاملة السنَّة النبويَّة؟! تلك السنَّة الطافحة بغرر الحكم الإجتماعيَّة، والأحكام الحقوقيَّة، والجزائيَّة، والمدنيَّة، والدفاعيَّة، وما به انتظام الكون في قمع المظالم، وصيانة الحقوق، ودستور المعاش والمعاد، وحفظ الصحَّة، والمصالح العامَّة، ومباني الترقّي، ومنقذات البشر من مخالب الجهل والضلال، ودروس التقدُّم في عالم الرشد والصلاح.

تلك السنَّة المؤسَّسة للحياة السياسيَّة، وروح الوحدة الإجتماعيَّة، والجوامع الأخلاقيَّة، والفضايل النفسيَّة، والحقوق النوعيَّة والشخصيَّة التي عليها مدار نظام حياة

١٤

النوع الأنسانيِّ، وتدبير شؤون المجتمع البشريِّ في جميع أدوار الدنيا، وقرونها المتكثِّرة.

وكيف تفتقر؟! وبين يديها برنامج الأصلاح الحيويِّ المشتمل لموجبات الأمن والدعة والسلام والوءام والنزوع إلى كلِّ صالح، والإنحياز عن كلِّ ما يفكّك عُرى المدنيَّة الصحيحة، والحضارة الراقية، والدين المبين، ألا وهو كتاب نهج البلاغة (للإمام أمير المؤمنين تأليف الشريف الرضي) الذي تراه فلاسفة الدنيا دون كلام الخالق وفوق كلام المخلوق.

يا أمه اثكليه

هلمَّ معي أيّها الشرقيُّ الإسلاميُّ نسائل أستاذ فلسطين محمد عادل زعيتر [وهو يدبُّ مع القراد(١) وقد أساء القول وأساء العمل] عن ترجمة هذا الكتاب [حياة محمد] الطافح بالضَّلال.

نسائله عن جنايته الكبيرة على الأُمَّة العربيَّة بقوله في مقدِّمة ترجمته: قد تجنّى المستشرقون على الحقائق في سيرة الرسول الأعظم لا ريب، وقد كان تجنّيهم هذا عاملاً في زهد كتّاب العرب عن نقل ما ألَّفوه إلى العربيَّة على ما يحتمل، ولكن عطل اللغة العربيَّة من ذلك يُعدُّ نقصاً في حركتنا العلميَّة على كلِّ حال.

كيف عطل اللغة العربيَّة ممّا جنته يد الجاهليَّة وقد تجنَّت على الحقائق يُعدُّ نقصاً في حركتنا العلميَّة التي تدور مع الكتاب والسنَّة؟! وهما مدار علم العالم، و بصيرة كلّ متنوِّر، ومرمى كلّ مثقَّف، وضالَّة كلّ حكيم، ومقصد كلّ فيلسوف شرقيّ أو غربيّ. وهذا نفس المؤلِّف يقول في مقدِّمة الكتاب: وأهمّ المصادر لتبيان حياة محمد هو القرآن وكتب الحديث والسيرة، والقرآن أصحّ هذه المصادر وإن كان أو جزها.

ليته كان يتبع كتّاب العرب في زهدهم عن نقل ما ألَّفته يد الضلال إلى العربيَّة، ويتوقّى قلمه عن نشر كلم الفساد في المجتمع الإسلاميِّ من دون أيّ تعليق عليها، وأيّ تنبيه للقارئ بفسادها وهو يقول: لا يظنّ القارئ أنَّني أُشاطر المؤلِّف جميع ما ذهب إليه من الأُمور التي أرى الحقيقة غابت عنه في كثير منها.

_____________________

١ - مثل يضرب للرجل الشرير.

١٥

اُثكليه يا أُمَّه؟ بأيّ ثمن بخس أو خطير باع شرف أُمَّته، وعزَّ نحلته، و عظمة قومه، وقداسة كتابه وسنَّته؟!.

ولأيِّ مرمىً بعيد جعل نفسه مع [إميل در منغم] في بردة أخماس(١) ؟! وجاء يعاند الإسلام بنشر تلكم الأباطيل والأضاليل المضادَّة مع نحلته، ويشوِّه سمعة مصره العزيزة، وجامعها الأزهر، وأساتذتها النزهاء، وكتّابها القادرين بنشر تلك التافهات المضلّة في مطابعها المأسوف عليها وهو يقول في المقدِّمة: المؤلِّف مع ما ساده من حسن النيّة لم تخل سوانحه وآراؤه من زلّات.

ليتني أدري وقومي: ما حاجتنا إلى حسن نيّة مؤلِّه المسيح عيسى بن مريم وجاعله إبن الله الوحيد؟! وما الّذي يُعرب عن حسن نيّته؟! وكلّ صحيفة من كتابه أهلك من ترَّهات البسابس(٢) وقلّت صحيفة ليست فيها هنات تنمّ عن سوء طويَّته، وفساد نيَّته، وخبث رأيه.

نعم: والّذي أراه «والمؤمن ينظر بنور الله» إنَّ المترجم راقه ما في الكتاب من الأكاذيب والمخاريق المعربة عن النزعات والأهوآء الأمويّة فبذلك غدا الذئب للضبع(٣) وجاء وقد أدبر غَريره وأقبل هريرة(٤) ووافقَ شنٌّ طبقة.

نعم: راقه سلقه أهل بيت النبيِّ الطاهر بسقطات القول وكذب الحديث وسرد تاريخ مفتعل يمسُّ كرامة النبيِّ الأقدس وناموس عترته ممّا يلائم الروح الأمويَّة الخبيثة، ويمثِّل آل الله للملأ بصورة مصغَّرة، ويشوِّه سمعتهم بما لا يتحمَّله ناموس الطبيعة، وشرف الإنسانيَّة، من شراسة الخلق، وسيّئ العشرة، وقبح المداراة. قال:

كانت فاطمة عابسةً دون رقيَّة جمالاً، ودون زينب ذكاءً، ولم تدار فاطمة حينما أخبرها أبوها من وراء الستر أنَّ عليَّ بن أبي طالب ذكر اسمها، وكانت فاطمة تعدُّ عليّاً دميماً محدوداً مع عظيم شجاعته، وما كان عليٌّ أكثر رغبة فيها من رغبتها فيه مع ذلك ص ١٩٧.

_____________________

١ - ضرب من برود اليمن. وهو مثل يضرب للرجلين تحابا وتقاربا وفعلا فعلاً واحداً.

٢ - الترهات: الطرق الصغار، البسابس جمع بسبس: الصحراء الواسعة.

٣ - مثل يضرب لقريني سوء.

٤ - الغرير: الخلق الحسن. الهرير ما يكره من سوء الخلق.

١٦

وكان عليٌّ غير بهيِّ الوجه لعينيه الكبيرتين الفاترتين وانخفاض قصبة أنفه و كبر بطنه وصلعه، وذلك كلّه إلى أنَّ عليّاً كان شجاعاً تقيّاً صادقاً وفيّاً مخلصاً صالحاً مع توانٍ وتردّد..

وكان عليٌّ ينهت فيستقي الماء لنخيل أحد اليهود في مقابل حفنة تمر فكان إذا ما عاد بها قال لزوجته عابساً: كلي وأطعمي الأولاد..

وكان عليٌّ يحرد بعد كلِّ منافرة ويذهب لينام في المسجد وكان حموه يُربِّته على كَتفه ويعظه ويُوفِّق بينه وبين فاطمة إلى حين، وممّا حدث أن رأى النبيّ إبنته في بيته ذات مرَّة وهي تبكي من لكم عليٍّ لها.

إنَّ محمداً مع امتداحه قدم عليّ في الإسلام إرضاءً لإبنته كان قليل الإلتفات إليه. وكان صهر النبيِّ الأمويّان: عثمان الكريم وأبو العاصي أكثر مدارةً للنبيِّ من عليٍّ. وكان عليٌّ يألم من عدم عمل النبيِّ على سعادة إبنته، ومن عدّ النبيِّ له غير قَوّامٍ بجليل الأعمال، فالنبيُّ وإن كان يفوِّض إليه ضرب الرقاب كان يتجنَّب تسليم قيادةٍ إليه. ص ١٩٩.

وأسوأ من ذلك ما كان يقع عند مصاقبة عليٍّ وفاطمة لعدوّاتهما أزواج النبيِّ وتنازع الفريقين، فكانت فاطمة تعتب على أبيها متحسّرةً لأنّه كان لا ينحاز إلى بناته.

إلى غير ذلك من جنايات تاريخيَّة سوَّد بها الرجل صحيفة كتابه.

ما أساء من أعقب

أنا لا ألوم المؤلِّف - جدع الله مسامعه - وإن جاء بأُذني عناق(١) إذ هو من قوم حناق على الإسلام، وهو مع ذلك جرفٌ منهال وسحابٌ منجال(٢) ينمُّ كتابه عن عُجَره وبُجَره. وإنَّما العتب كلّ العتب على المترجم الجاني على الإسلام والشرق والعرب - وهو يحسب نفسه منها - نعم: جدب السوء يلجئ إلى نجعة سوء(٣) والجنس إلى الجنس يميل.

_____________________

١ - أي جاء بالكذب والباطل، مثل ساير.

٢ - مثل يضرب. يراد أنه لا يطمع في خيره

٣ - مثل دائر. يعني أن الأمور كلها تنشأ كل في الجودة والرداءة.

١٧

كلّ ما في الكتاب من تلكم الأقوال المختلقة، والنسب المفتعلة إن هي إلّا كلم الطائش، تخالف التاريخ الصحيح، وتضادّ ما أصفقت عليه الأُمَّة الإسلاميَّة، وما أخبر به نبيّها الأقدس.

هل تناسب تقوّلاته في فاطمة مع قول أبيها صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة حورآء إنسيّة كلّما اشتقتُ إلى الجنَّة قبَّلتها؟!(١) .

أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: ابنتي فاطمة حورآء آدميَّة؟!(٢) .

أو قوله صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة هي الزهرة؟!(٣) .

أو قول أُمّ أنس بن مالك؟!: كانت فاطمة كالقمر ليلة البدر أو الشمس كفر غماماً، إذا خرج من السحاب بيضاء مشربة حمرة، لها شعرُ أسود، من أشدِّ الناس برسول الله صلّى الله عليه وسلّم شبهاً، والله كما قال الشاعر:

بيضاء تسحب من قيام شعرها

وتغيب فيه وهو جثلٌ أسحمُ(٤)

فكأنَّها فيه نهارٌ مشرقٌ

وكأنَّه ليلٌ عليها مظلمُ(٥)

ولقبها الزهراء المتسالم عليه يكشف عن جليَّة الحال.

وهل يساعد تلك التحكّمات في ذكاء فاطمة وخلقها قول أُمّ المؤمنين خديجة رضي الله عنها: كانت فاطمة تحدِّث في بطن أُمِّها، ولَمّا ولدت فوقعت حين وقعت على الأرض ساجدةً رافعةً إصبعها؟!(٦)

أو يلائمها قولٌ عايشة: ما رأيت أحداً أشبه سمتاً ودلّاً وهدياً وحديثاً برسول الله في قيامه وقعوده من فاطمة، وكانت إذا دخلت على رسول الله قام إليها فقبَّلها ورحَّب بها، وأخذ بيدها وأجلسها في مجلسه؟!(٧) .

_____________________

١ - تاريخ الخطيب البغدادي ٥ ص ٨٦.

٢ - الصواعق ص ٩٦، إسعاف الراغبين ص ١٧٢ نقلاً عن النسائي.

٣ - نزهة المجالس ٢ ص ٢٢٢.

٤ - جثل الشعر: كثر والتف واسود فهو جثل. سحم فهو أسحم: أسود.

٥ - مستدرك الحاكم ٣ ص ١٦١.

٦ - سيرة الملا، ذخاير العقبى ٤٥، نزهة المجالس ٢ ص ٢٢٧.

٧ - أخرجه الحافظ ابن حبان كما في ذخاير العقبى ٤٠ م - والحافظ الترمذي وحسنه، والحافظ العراقي في التقريب كما في شرحه له ولابنه ١ ص ١٥٠، وابن عبد ربه في العقد الفريد ٢ ص ٣، وابن طلحة في مطالب السئول ص ٧)، إسعاف الراغبين ١٧١.

١٨

م - وفي لفظ البيهقي في السنن ٧ ص ١٠١: ما رأيت أحداً أشبه كلاماً وحديثاً من فاطمة برسول الله صلّى الله عليه وسلّم. الحديث ].

وهل توافق مخاريقه في الإمام عليّ صلوات الله عليه، وعدم بهاء وجهه، وعدُّ فاطمة له دميماً وكونه عابساً مع ما جاء في جماله البهيِّ: أنَّه كان حسن الوجه كأنَّه قمر ليلة البدر، وكأنَّ عنقه إبريق فضَّة(١) ضحوك السنِّ(٢) فإن تبسَّم فعن مثال اللؤلؤ المنظوم؟!(٣) .

وأين هي من قول أبي الأسود الدؤلي من أبيات له؟!

إذا استقبلتَ وجه أبي ترابِ

رأيتَ البدر حار الناظرينا(٤)

نعم:

حسدوا الفتى إذ لم ينالوا فضله

فالناس أعداءٌ له وخصومُ

كضرائر الحسناء قلن لوجهها

حسداً وبغضاً: إنّه لدميمُ

أوَ يخبرك ضميرك الحرّ في عليّ ما سلقه الرجل به من (التواني والتردُّد)؟! و عليٌّ ذلك المتقحّم في الأحوال، والضارب في الأوساط والأعراض في المغازي والحروب؛ وهو الذي كشف الكرب عن وجه رسول الله في كلِّ نازلة وكارسة منذ صدع بالدين الحنيف، إلى أن بات على فراشه وفداه بنفسه، إلى أن سكن مقرَّه الأخير.

أليس عليٌّ هو ذلك المجاهد الوحيد الذي نزل فيه قوله تعالى:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ ) . وقوله تعالى:( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّـهِ ) ؟!(٥)

فمتى خلى عليٌّ عن مقارعة الرجال والذبِّ عن قدس صاحب الرِّسالة حتى يصحّ أن يُعزى إليه توان أو تردّد في أمر من الأمور؟! غير أنَّ القول الباطل لأحدَّ له ولا أمد.

_____________________

١ - كتاب صفين ٢٦٢، الاستيعاب ٢ ص ٤٦٩، الرياض النضرة ٢ ص ١٥٥، نزهة المجالس ٢ ص ٢٠٤.

٢ - تهذيب الأسماء واللغات للإمام النووي.

٣ - حلية الأولياء ١ ص ٨٤، تاريخ إبن عساكر ٧ ص ٣٥، المحاسن والمساوي ١ ص ٣٢.

٤ - تذكرة السبط ص ١٠٤.

٥ - راجع الجزء الثاني من كتابنا ص ٤٧، ٥٣ ط ثاني.

١٩

وهل يتصوَّر في أمير المؤمنين تلك العشرة السيِّئة مع حليلته الطاهرة؟! والنبيُّ يقول له: أشبهتَ خَلقي وخُلقي وأنت من شجرتي الّتي أنا منها(١)

وكيف يراه النبيُّ صلى الله عليه وآله وسلم أفضل أُمَّته أعظمهم حلماً، وأحسنهم خلقاً، ويقول: عليٌّ خير أُمَّتي أعلمهم علماً وأفضلهم حلماً؟!(٢)

ويقول لفاطمة: إنّي زوَّجتكِ أقدم أُمَّتي سلماً، وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً؟!(٣)

ويقول لها: زوّجتكِ أقدمهم سلماً، وأحسنهم خُلقاً؟!(٤)

يقول هذه كلّها وعشرته تلك كانت بمرئى منه ومسمع، أفك الدجّالون، كان عليٌّ عليه السلام كما أخبر به النبيُّ الصّادق الأمين.

وهل يقبل شعورك ما قذف به الرَّجل [فضَّ الله فاه] عليّاً بلكم فاطمة بضعة المصطفى؟! وعليٌّ هو ذاك المقتصّ أثر الرَّسول وملأ مسامعه قوله صلى الله عليه وآله وسلم لفاطمة: إنَّ الله يغضب لغضبكِ، ويرضى لرضاكِ(٥)

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم وهو آخذ بيدها: من عرف هذه فقد عرفها، ومن لم يعرفها فهي بضعةٌ منّي، هي قلبي وروحي التي بين جنبيَّ، فمن آذاها فقد آذاني(٦)

وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: فاطمة بضعةٌ منّي، يريبني ما رابها، ويؤذيني ما آذاها(٧)

_____________________

١ - تاريخ بغداد للخطيب ١١ ص ١٧١.

٢ - الطبري، الخطيب، الدولابي. كما في كنز العمال ٦ ص ١٥٣، ٣٩٢، ٣٩٨.

٣ - مسند أحمد ٥ ص ٢٦، الرياض النضرة ٢ ص ١٩٤، ذخاير العقبى ص ٧٨، مجمع الزوائد ٩ ص ١٠١، ١١٤ وصحّحه ووثق رجاله.

٤ - أخرجه أبو الخير الحاكمي كما في الرياض النضرة ٢ ص ١٨٢.

٥ - مستدرك الحاكم ٣ ص ١٥٤ وصحّحه، ذخاير العقبى ص ٣٩، تذكرة السبط ١٧٥ مقتل الخوارزمي ١ ص ٥٢، كفاية الطالب ص ٢١٩، شرح المواهب للزرقاني ٣: ٢٠٢، كنوز الدقائق للمناوي ص ٣٠، أخبار الدول للقرماني هامش الكامل ١ ص ١٨٥، كنز العمال ٧ ص ١١١ عن الحاكم وابن النجار، تهذيب التهذيب ١٢ ص ٤٤٣، الإصابة ٤ ص ٣٧٨، الصواعق ١٠٥، الاسعاف ١٧١ عن الطبراني، ينابيع المودة ١٧٣.

٦ - الفصول المهمة ١٥٠، نزهة المجالس ٢ ص ٢٢٨، نور الأبصار ص ٤٥.

٧ - صحاح البخاري ومسلم والترمذي، مسند أحمد ٤ ص ٣٢٨، الخصايص للنسائي ص ٣٥، الإصابة ٤ ص ٣٧٨.

٢٠

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

الفصل الرابع

الإمام الحسينعليه‌السلام ترجمته وفضائله

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

٢ ـ مولده ووفاتهعليه‌السلام وعمره الشريف

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه ـ أولادهعليه‌السلام

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام :

ـ فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

ـ الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

ـ جملة من مناقب الحسينعليه‌السلام

٦ ـ الذرية والإمامة :

ـ قصة الحجاج مع يحيى بن يعمر

ـ قصيدة لابن المعتز ، وردّ صفي الدين الحلي عليها.

١٦١
١٦٢

الفصل الرابع :

الإمام الحسينعليه‌السلام

(ترجمته وفضائله)

١٠٦ ـ الإمام الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٣٩)

ثالث أئمة أهل البيت الطاهر ، وثاني السبطين السعيدين ، سيدي شباب أهل الجنّة ، وريحانتي المصطفى ، وأحد الخمسة أصحاب العبا ، وسيد الشهدا.

الإمام الهمام ، وقرة باصرة سيد الأنام. سبط الرحمة ، وكاشف الغمة. مهجة الزهرا ، وثمرة فؤاد علي المرتضى. الّذي حمله ميكائيل ، وناغاه في المهد جبرائيل. الإمام القتيل ، الّذي اسمه مكتوب على سرادق عرش الجليل : الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة. الشافع في يوم الجزاء ، سيدنا ومولانا سيد الشهداء ، عليه سلام الله الملك الأعلى. الّذي بولايته ربيّت ، وبكأسه الأوفى من صغري شربت ورويت.

ريحانة الرسول ، وقرة عين البتول. وثمرة قلب الوصي ، وشقيق الزكي. أحد الثقلين ، وحبيب خيرة الثقلين ، أبو عبد الله الحسينعليه‌السلام .

١ ـ نسب الإمام الحسينعليه‌السلام

١٠٧ ـ نسبه الشريف :

الإمام الحسينعليه‌السلام هو أحد أولاد الإمام عليعليه‌السلام من زوجته العصماء فاطمة الزهراء ، بنت الرسول الأعظم محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد ولدت خديجة الكبرى أم المؤمنينعليها‌السلام .

للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عدة أولاد ذكور وإناث ، مات أكثرهم صغيرا ، ولم ينجب منهم ذرية سوى فاطمةعليها‌السلام التي تزوجها الإمام عليعليه‌السلام فولدت له الحسن والحسين ، ثم زينب العقيلة (المدفونة في ضاحية دمشق) وأم كلثوم. ولو لا الحسن

١٦٣

والحسينعليهما‌السلام لا نقطعت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد تربيا في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان يحبهما حبا جمّا ، ويعتبرهما بمثابة أولاده. ومن ألقابهما السبطان(١) وسيدا شباب أهل الجنّة ، وريحانتا رسول الله. وهو الإمام بعد أخيه الحسنعليه‌السلام بنصّ أبيه وجده ، حيث قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين

إمامان ، قاما أو قعدا».

٢ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف

١٠٨ ـ مولد الحسينعليه‌السلام ووفاته وعمره الشريف :

قال ابن سعد في (الطبقات) : علقت فاطمة بالحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من ذي القعدة سنة ثلاث من الهجرة ، بعد مولد الحسنعليه‌السلام بخمسين ليلة.

ووضعته في شعبان لليال خلون منه سنة أربع هجرية.

وقال ابن شهراشوب في مناقبه (ج ٣ ص ٢٣١ ط نجف) :

ولد الحسينعليه‌السلام عام الخندق في المدينة يوم الخميس أو الثلاثاء لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة ، بعد أخيه بعشرة أشهر وعشرين يوما. وروي أنه لم يكن بينه وبين أخيه إلا الحمل ، والحمل ستة أشهر.

وقال مصعب الزبيري في (نسب قريش ، ص ٤٠) :

ولد الحسينعليه‌السلام لخمس ليال خلون من شعبان سنة ٤ من الهجرة.

وقال العلامة المجلسي في (بحار الأنوار) :

الأشهر في ولادتهعليه‌السلام أنه ولد لثلاث خلون من شعبان سنة ٤ ه‍ يوم الخميس. وقيل ولد في ٥ شعبان سنة ٤ ه‍ ، وهو قول الشيخ المفيد.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) :

وكانت مدة حمله ستة أشهر. وروي أنه لم يولد لستة أشهر ، إلا عيسى بن مريم ، ويحيى بن زكريا ، والحسين بن عليعليهم‌السلام .

وروى الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام عن أبيه قال : لم تكن بين ولادة الحسنعليه‌السلام والحمل بالحسينعليه‌السلام إلا طهر واحد.

والعلماء مجمعون على أن وفاة الحسينعليه‌السلام كانت بكربلاء يوم العاشر من

__________________

(١) السبط : يطلق على ابن البنت ، والحفيد : يطلق على ابن الولد ، ذكرا كان أو أنثى.

١٦٤

المحرم سنة ٦١ ه‍ ، والأغلب أنه قتل يوم الجمعة بعد الظهر ، وقيل يوم السبت.ودفن بكربلاء من غربي الفرات.

فيكون عمره الشريف سبعا وخمسين سنة ، وبالدقة ستا وخمسين سنة وخمسة أشهرعليه‌السلام .

١٠٩ ـ معاصرته للمعصومينعليهم‌السلام :

وقد عاش الحسينعليه‌السلام من حياته مع جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبع سنين ، ومع أبيه أمير المؤمنين عليعليه‌السلام بعد وفاة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثلاثين سنة ، ومع أخيه الحسن بعد وفاة أبيهعليه‌السلام نحو عشر سنين ، وعاش بعد وفاة أخيه الحسنعليه‌السلام إلى حين مقتله الشريف نحو عشر سنين.

وحين توفي النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ثم فاطمة الزهراءعليها‌السلام بعده بقليل ، كان عمر الحسينعليه‌السلام سبع سنين ، فعاش وأخوه يتيمين.

٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته ورضاعه

١١٠ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام وتسميته :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

لما ولد الحسينعليه‌السلام جاءت به أمه فاطمةعليها‌السلام إلى جده رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فاستبشر به ، وأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، وحنّكه بريقه وتفل

في فمه.

فلما كان اليوم السابع عقّ عنه بكبش (العقيقة : هي الذبيحة التي تذبح عن المولود يوم سبوعه عند حلق شعره) وأعطى القابلة رجل العقيقة. وأمر أمه أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة ، وكان وزنه درهما. وسماهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حسينا ، وهو مشتق من اسم (حسن) بالتصغير.

١١١ ـ اسمه الشريف :

يقول محمّد مهدي المازندراني في (معالي السبطين) ج ١ ص ٤٧ : اسمه الحسين ، وفي التوراة (شبير) ، وفي الانجيل (طاب).

وحسين مصغّر حسن ، كما أن شبير مصغّر شبّر ، وهذا التصغير لأجل التعظيم

١٦٥

كما لا يخفى على البصير. ولم يسمّ أحد بهذا الاسم قبله ، كما أن يحيىعليه‌السلام لم يسمّ باسمه أحد قبله. والاسم الكريم (الحسين) صفة مشبّهة في الاشتقاق ، والصفة المشبهة تعني اللزوم والديمومة.

وقد ذكر ابن الأعرابي أن الله قد حجب اسم الحسن والحسينعليهما‌السلام حتّى سمّى بهما النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم سبطيه ، وهما اسمان من أسماء أهل الجنّة ، وما سمّت الجاهلية بهما.

وفي (مدينة المعاجز) ص ٢٧٥ ط حجر إيران :

عن زرارة عن عبد الخالق بن عبد ربه ، قال : سمعت أبا عبد اللهعليه‌السلام يقول :( نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا ) [مريم : ٧] الحسين بن عليعليهما‌السلام لم يكن له من قبل سميّا ، ويحيى بن زكرياعليه‌السلام لم يكن له من قبل سميّا. ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا. (قال) قلت : ما بكاؤهما؟. قال : تطلع الشمس حمراء وتغرب حمراء.

١١٢ ـ ألقابهعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ألقاب كثيرة منها : أبو عبد الله ، والسيد ، والسبط ، والإمام الشهيد ، وسيد شباب أهل الجنّة.

ونقش خاتمه : (لكل أجل كتاب) أو (حسبي الله) أو (إنّ الله بالغ أمره).

١١٣ ـ ولادة الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين ، ج ١ ص ٣٧)

قالت صفية بنت عبد المطلب عمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما سقط الحسينعليه‌السلام من بطن أمه ، كنت قد وليته. قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عمة هلمي إليّ بابني. فقلت : يا رسول الله إنا لم ننظفه بعد. فقال : يا عمة أنت تنظفينه!. إن الله تبارك وتعالى قد نظفّه وطهّره. فدفعته إليه وهو في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضع لسانه في فيه ، وأقبل الحسين (على لسان النبي) يمصّه. قالت : فما كنت أحسب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يغذوه إلا لبنا أو عسلا.

قالت صفية : فقبّله النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بين عينيه ، ثم دفعه إليّ وهو يبكي ويقول : لعن الله قوما هم قاتلوك يا بني (يقولها ثلاثا). فقلت : فداك أبي وأمي ، ومن يقتله؟.قال : يقتله فئة باغية من بني أمية.

١٦٦

(أقول) : لم يسمع بأن ينعى أحد قبل موته ومنذ يوم ولادته ، وهذا مخصوص بالحسينعليه‌السلام ؛ نعاه ناع يوم ولادته ، ونعاه ناع يوم شهادته.

١١٤ ـ رواية أسماء بنت عميس :

(إعلام الورى في أعلام الهدى للطبرسي ، ص ٢١٤)

في مسند الإمام الرضاعليه‌السلام عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال : حدثتني أسماء بنت عميس ، قالت : لما كان بعد الحول من مولد الحسنعليه‌السلام ولد الحسينعليه‌السلام . فجاء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال : يا أسماء هاتي ابني ، فدفعته إليه في خرقة بيضاء ، فأذّن في أذنه اليمنى ، وأقام في اليسرى ، ووضعه في حجره وبكى.قالت أسماء : فداك أبي وأمي ممّ بكاؤك؟. قال : من ابني هذا. فقلت : إنه ولد الساعة. قال : يا أسماء تقتله الفئة الباغية من بعدي ، لا أنالهم الله شفاعتي.

ثم قال : يا أسماء لا تخبري فاطمةعليها‌السلام فإنها حديثة عهد بولادته. ثم قال لعليعليه‌السلام : أي شيء سمّيت ابني هذا؟. قال : ما كنت لأسبقك باسمه يا رسول الله ، وقد كنت أحب أن أسميه (حربا). فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما كنت لأسبق باسمه ربي. فأتاه جبرئيل فقال : الجبار يقرئك السلام ، ويقول : سمّه باسم ابن هرون. فقال : ما اسم ابن هرون؟. قال : شبير. قال : لسان عربي. قال : سمّه الحسين ، فسماه الحسينعليه‌السلام .

ثم عقّ عنه يوم سابعه بكبش ، وحلق رأسه وتصدق بوزن شعره ورقا ، وطلا رأسه بالخلوق (نوع من الطيب) وقال : الدم فعل الجاهلية. وأعطى القابلة فخذ الكبش.

١١٥ ـ رواية أم الفضل :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ٩٣)

روى الحاكم في (المستدرك) بسنده عن أم الفضل بنت الحارث (زوجة العباس ابن عبد المطلب) أنها دخلت على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقالت : يا رسول الله إني رأيت حلما منكرا الليلة. قال : وما هو؟. قالت : إنه شديد. قال : وما هو؟. قالت : رأيت كأن قطعة (وفي رواية : بضعة) من جسدك قطعت ووضعت في حجري. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رأيت خيرا ، تلد فاطمة إنشاء الله غلاما ، فيكون في حجرك. قالت :فولدت فاطمة الحسينعليه‌السلام فكان في حجري ، كما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

فدخلت يوما إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فوضعته في حجره ، فأخذ يلاعبه ساعة. ثم

١٦٧

حانت مني التفاتة ، فإذا عينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تهريقان بالدموع. فقلت : يا نبي الله ، بأبي أنت وأمي مالك؟. قال : أتاني جبرئيل فأخبرني أن أمتي ستقتل ابني هذا.فقلت : هذا!. فقال : نعم ، وأتاني بتربة من تربته حمراء.

وقد دمجنا روايتين بنفس المضمون مع بعضهما.

١١٦ ـ لماذا لم ترضع فاطمة الحسينعليه‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٠٩ ط نجف) عن أبي المفضل بن خير بإسناده ، أنه اعتلّت فاطمةعليها‌السلام لما ولدت الحسينعليه‌السلام وجف لبنها.فطلب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مرضعا فلم يجد ، فكان يأتيه فيلقمه إبهامه فيمصّها ، ويجعل الله له في إبهام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم رزقا يغذوه.

ويقال : بل كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدخل لسانه في فيه فيغرّه كما يغرّ الطائر فرخه(١) . فجعل الله له في ذلك رزقا. ففعل أربعين يوما وليلة ، فنبت لحمه من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

تعليق :

يبدو من الروايات أن فاطمةعليها‌السلام لما ولدت بالحسينعليه‌السلام مرضت وجفّ لبنها ، فأرضعته أم الفضل زوجة العباس عم النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلبن ابنها (قثم بن العباس). وهذا معارض لما ورد من أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الّذي أرضعه.

والظاهر أن الحسينعليه‌السلام لما لم يرضع من أمه فاطمةعليها‌السلام عرض على غيرها من المرضعات ، فرفض الرضاع. فكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يضع إبهامه في فيه ، فيمصّ ما يكفيه ، فنبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ودمه ، وهذا مصداق قول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «حسين مني ، وأنا من حسين».

ويمكن الجمع بين الأمرين ، بأن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أرضع الحسينعليه‌السلام أربعين ليلة حتّى نبت لحمه من لحمه ، ثم ردّه إلى أم الفضل فأرضعته وحضنته.

ولله درّ الشاعر حيث قال :

لله مرتضع لم يرتضع أبدا

من ثدي أنثى ، ومن طه مراضعه

يعطيه إبهامه آنا وآونة

لسانه ، فاستوت منه طبائعه

__________________

(١) غرّ الطائر فرخه يغرّه : أي زقّه الطعام

١٦٨

١١٧ ـ ماذا فعلوا به؟ :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ٢ ص ١١٦)

نبت لحم الحسينعليه‌السلام من لحم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعظمه من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ودمه من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . ولذا كان يشمّه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويقبّله ، ويقول : «حسين مني ، وأنا من حسين».

يقول الشيخ محمّد مهدي المازندراني :

أما اللحم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد وزّعته سيوف أهل الكوفة ورماحهم. وأما الدم الّذي تربّى من دم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد أراقته سيوف بني أمية.وأما العظم الّذي تربّى من عظم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقد هشّمته الخيل بحوافرها. يقول الشاعر :

ومن ارتبى طفلا بحجر محمّد

حتّى اغتذى وحي الإله رضيعا

يغذو غذاء المرهفات وبعد ذا

منه ترضّ الصافنات ضلوعا

وقد تربّى الحسينعليه‌السلام في حجر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولم يزل في حجره ، فإذا نامصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على ظهره ، يرقى الحسين على صدره ويجلس عليه. وهذا الصدر الشريف هو الّذي طحنوه يوم عاشوراء. يقول الشاعر :

يومان لم ترني الأيام مثلهما

فسرّني ذا وهذا زادني أرقا

يوم الحسين رقى صدر النبي به

ويوم شمر على صدر الحسين رقى

١١٨ ـ أولاد الحسينعليه‌السلام :

للحسينعليه‌السلام ستة ذكور وأربع بنات ، هم :

ـ علي الأكبر : قاتل بين يدي أبيه حتّى قتل شهيدا في كربلاء.

ـ علي الأوسط : زين العابدينعليه‌السلام وكان مريضا في كربلاء.

ـ علي الأصغر : أصابه سهم في كربلاء وهو طفل فمات.

ـ عبد الله الرضيع : قتل بين يدي أبيه وهو يستسقي له الماء.

ـ محمّد وجعفر : ماتا صغيرين في حياة أبيهماعليه‌السلام .

ـ البنات : زينب وفاطمة وسكينة ورقيةعليهم‌السلام .

* وقد مرّ ذلك مفصّلا فيما مضى من الكتاب ، فراجع ص ١٢١.

١٦٩

والذكر المخلّد هو لزين العابدينعليه‌السلام أبي الأئمة ، الّذي منه اتصلت سلالة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقد كان مريضا يوم كربلاء على وشك الموت ، ثم شفاه الله من علته ليكون منه النسل النبوي الشريف.

٤ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته وجماله

١١٩ ـ أوصاف الحسينعليه‌السلام وهيئته :

(غصن الرسول : الحسين بن عليعليه‌السلام لفؤاد علي رضا ، ص ٣٤)

في كتاب (الشفا) للقاضي عياض من أحاديث عدة ، أن الحسينعليه‌السلام كان واسع الجبين ، كثّ اللحية تملأ صدره ، واسع الصدر ، عظيم المنكبين ، ضخم العظام ، عبل العضدين والذراعين والأسافل ، رحب الكفين والقدمين ، أنور المتجرد ، ربعة القد ، ليس بالطويل البائن ولا بالقصير المتردد ، رجل الشعر ، متماسك البدن.

١٢٠ ـ صفة شعره ولحيته الشريفة وخضابه :

(المصدر السابق ص ٣٥)

روى ابن عساكر عن قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وهو أسود الرأس واللحية إلا من شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري بعد ذلك ، هل خضب أم ترك ، أو ما شاب منه غير ذلك.

وروى ابن كثير في (البداية والنهاية) ، (قال) قال سفيان : قلت لعبيد الله بن زياد:رأيت الحسين؟. قال : نعم ، أسود الرأس واللحية إلا شعرات ههنا في مقدّم لحيته ، فلا أدري أخضب وترك ذلك المكان تشبّها برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، أو لم يكن شاب منه غير ذلك.

وقال الذهبي في (سير أعلام النبلاء) ص ٢٩١ : وروى المطلب بن زياد عن السدي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام وله جمّة خارجة من تحت عمامته (أخرجه الطبراني برقم ٢٧٩٦).

وعن الشعبي قال : رأيت الحسينعليه‌السلام يتختّم في شهر رمضان.

وفي (بحار الأنوار) للمجلسي ، ج ٤٥ ص ٨٤ ط ٣ : سأل رجل الحسينعليه‌السلام

١٧٠

وهو في قصر بني مقاتل : يا أبا عبد الله ، هذا الّذي أرى خضاب أو شعرك؟. فقال :خضاب ، والشيب إلينا بني هاشم يعجل.

وقال المفيد في (الإرشاد) : كانعليه‌السلام يخضب بالحناء والكتم(١) ، وقتل وقد نصل الخضاب من عارضيه(٢) .

١٢١ ـ جمال الحسينعليه‌السلام :

(معالي السبطين للمازندراني ، ج ١ ص ٥٩)

كان الحسينعليه‌السلام جيد البدن ، حسن القامة ، جميل الوجه ، صبيح المنظر ، نور جماله يغشى الأبصار ، وله مهابة عظيمة ، ويشرق منه النور بلحية مدوّرة ، قد خالطها الشيب. أدعج العينين (أي شديد سواد العين وبياضها مع سعة) ، أزجّ الحاجبين ، واضح الجبين ، أقنى الأنف (أي في أنفه ارتفاع في وسط القصبة مع ضيق في المنخرين).

وكان الحسنعليه‌السلام يشبه النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من رأسه إلى صدره ، والحسينعليه‌السلام يشبه من صدره إلى رجليه.

وقال السيد محسن الأمين في (الأعيان) ج ٤ ص ٩٧ : ومما يدل على جمال الحسينعليه‌السلام ووضاءة وجهه وشبهه برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ما رواه البخاري في صحيحه في باب مناقب الحسن والحسينعليه‌السلام بسنده عن أنس بن مالك ، قال :أتى عبيد الله بن زياد برأس الحسينعليه‌السلام فجعل في طشت ، فجعل ينكت الرأس ، وقال في حسنه : ما رأيت مثل هذا حسنا. فقال أنس بن مالك : كان أشبههم برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . أي أشبه أهل البيت بهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وروى ابن كثير وابن عساكر عن شهاب بن خراش ، أنه كان في صوت الحسينعليه‌السلام غنّة.

١٢٢ ـ نور وجههعليه‌السلام :

في (المنتخب) للطريحي ، أن الحسينعليه‌السلام كان إذا جلس في المكان المظلم

__________________

(١) الكتم : نبت يخلط بالحناء ، ويخضب به الشعر فيبقى لونه.

(٢) يقال : نصل الخضاب من اللحية ، إذا بانت أصولها ، بأن مضى عليها أكثر من ثلاثة أيام ، فهي سوداء وأصل الشعر أبيض.

١٧١

يهتدي إليه الناس ببياض جبينه ونحره ، كأن الذهب يجري في تراقيه. وإذا تكلم رؤي النور يخرج من بين ثناياه. ولم يكن يمرّ في طريق فتبعه أحد إلا عرف أنه سلكه ، لطيب رائحته.

وإن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كثيرا ما [كان] يقبّل الحسين بنحره وجبهته.

٥ ـ فضائل الحسينعليه‌السلام

١٢٣ ـ بعض فضائل الحسينعليه‌السلام :

فضائل الإمام الحسينعليه‌السلام لا يحدها عدّ ولا حصر ، بدءا من الحسب والنسب ، وانتهاء بالسعادة والشهادة. فجده سيد الكائنات محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وأمه فاطمة سيدة نساء العالمين ، وهو وأخوه سيدا شباب أهل الجنّة ، وهما مع جدهما وأبيهما وأمهما أصحاب الكساء ، الذين طهّرهم الله من كل رجس ، وفضّلهم على كل نفس ، فكانوا سادة الأمجاد ، وحجج الله على العباد.

يقول الشيخ عباس القمي في (نفس المهموم) : اعلم أن مناقب مولانا الحسينعليه‌السلام واضحة الظهور ، وسنا شرفه ومجده مشرق النور ، فله الرتبة العالية والمكانة السامية في كل الأمور. وكيف لا يكون كذلك ، وقد اكتنفه الشرف من جميع أكنافه ، وظهرت مخايل السؤدد على شمائله وأعطافه ، وكاد الجمال يقطر من نواحيه وأطرافه!.

١٢٤ ـ وصف الإمام الحجةعليه‌السلام للحسينعليه‌السلام في زيارة الناحية :

قال الحجة المهديعليه‌السلام في زيارة الناحية المقدسة ، معددا بعض مناقب الحسينعليه‌السلام : كنت للرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولدا ، وللقرآن سندا ، وللأمة عضدا ، وفي الطاعة مجتهدا. حافظا للعهد والميثاق ، ناكبا عن سبل الفسّاق. باذلا للمجهود ، طويل الركوع والسجود. زاهدا في الدنيا زهد الراحل عنها ، ناظرا إليها بعين المستوحشين منها.

١٢٥ ـ فضائل مشتركة للحسينعليه‌السلام :

في (مناقب ابن شهراشوب) وغيره ، قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الولد ريحانة ، وريحانتاي من الدنيا الحسن والحسينعليه‌السلام ».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنّة».

١٧٢

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «ابناي هذان إمامان ، قاما أو قعدا».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيهما : «هذان ابناي ، فمن أحبهما فقد أحبني ، ومن أبغضهما فقد أبغضني».

وروى محمّد بن أبي عمير عن رجاله ، عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : قال الحسنعليه‌السلام لأصحابه : إن لله مدينتين ، إحداهما في المشرق اسمها (جابلقا) ، والأخرى في المغرب اسمها (جابرسا) ، فيهما خلق لله تعالى لم يهمّوا بمعصية له قط. والله ما فيهما حجة لله على خلقه غيري وغير أخي الحسينعليه‌السلام .

فضائل الحسينعليه‌السلام الخاصة

١٢٦ ـ ما علّمه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(تاريخ اليعقوبي ، ج ٢ ص ١٤٦)

قيل للحسينعليه‌السلام : ما سمعت من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟. قال سمعته يقول :

«إن الله يحبّ معالي الأمور ، ويكره سفسافها». وعقلت عنه أنه يكبّر فأكبّر خلفه ، فإذا سمع تكبيري أعاد التكبير حتّى يكبّر سبعا. وعلّمني( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (١) [الإخلاص : ١] ، وعلّمني الصلوات الخمس.

وسمعته يقول : «من يطع الله يرفعه ، ومن يعص الله يضعه ، ومن يخلص نيّته لله يزينه ، ومن يثق بما عند الله يغنه ، ومن يتعزز على الله يذلّه».

١٢٧ ـ حديث سلمان رضي الله عنه :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٢٦ ط نجف)

عن سليم بن قيس الهلالي عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : دخلت على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وإذا الحسينعليه‌السلام على فخذيه ، وهو يقبّل عينيه ويلثم فاه ، ويقول :«أنت سيّد ابن سيد أخو سيد ، وأنت إمام ابن إمام أخو إمام ، وأنت حجة ابن حجة أخو حجة ، وأنت أبو حجج تسعة من صلبك ، تاسعهم قائمهم».

١٢٨ ـ حديث ابن عباس رضي الله عنه :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٦)

روى الخوارزمي بإسناده عن ابن عباس قال : حضرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عند وفاته وهو يجود بنفسه ، وقد ضمّ الحسينعليه‌السلام إلى صدره ، وهو يقول :

١٧٣

«هذا من أطائب أرومتي ، وأبرار عترتي ، وخيار ذرّيتي ؛ لا بارك الله فيمن لم يحفظه من بعدي».

قال ابن عباس : ثم أغمي على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ساعة ، ثم أفاق فقال :

«يا حسين ، إنّ لي ولقاتلك يوم القيامة مقاما بين يدي ربي وخصومة ، وقد طابت نفسي إذ جعلني الله خصما لمن قاتلك يوم القيامة».

١٢٩ ـ الحسينعليه‌السلام سبط من الأسباط :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٣)

حدثنا الحسين بن عرفة عن يعلى بن مرة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«حسين مني وأنا من حسين ، أحب الله من أحب حسينا. حسين سبط من الأسباط». أي أمّة من الأمم.

١٣٠ ـ حديث البراء بن عازب :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٧)

روى محب الدين الطبري في (ذخائر العقبى ، ص ١٣٣) بإسناده عن البراء بن عازب (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسن أو للحسينعليهما‌السلام : «هذا مني وأنا منه ، وهذا يحرم عليه ما يحرم عليّ».

١٣١ ـ حديث جابر بن عبد الله :

(المصدر السابق)

روى جابر بن عبد الله الأنصاري قال : من سرّه أن ينظر إلى رجل من أهل الجنّة ، فلينظر إلى الحسين بن عليعليهما‌السلام ، فإني سمعت ذلك من رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٣٢ ـ أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

وفي (القمقام) قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينظر إلى أحب أهل الأرض إلى أهل السماء ، فلينظر إلى الحسينعليه‌السلام . إنما الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه ريح الجنّة».

فكيف بمن قتله وسفك دمه وسلب أثوابه وأوطأ الخيل صدره؟!.

١٧٤

١٣٣ ـ الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ١٤٥)

وروى الخوارزمي بإسناده عن عبد الله (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧] ، وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون ، وبه تشقون.

ألا وإن الحسينعليه‌السلام باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة».

١٣٤ ـ حديث أبي بن كعب :

في (البحار) عن أبي بن كعب ، قال : دخل على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحسينعليه‌السلام فقال له : مرحبا بك يا أبا عبد الله ، يا زين السموات والأرضين!. فقال أبّي : وكيف يكون يا رسول الله زين السموات والأرضين أحد غيرك؟. فقال :

«يا أبيّ ، والذي بعثني بالحق نبيا ، إن الحسين بن عليعليهما‌السلام في السماء أكبر منه في الأرضين ، وإنه لمكتوب على يمين العرش :

الحسين مصباح الهدى وسفينة النجاة»

وفي رواية الشيخ الصدوق :

(مصباح هدى وسفينة نجاة ، وإمام غير وهن ، وعزّ وفخر ، وعلم وذخر. وإن اللهعزوجل مركّب في صلبه نطفة مباركة طيبة زكية ، خلقت من قبل أن يكون مخلوق في الأرحام ، أو يجري ماء في الأصلاب ، أو يكون ليل أو نهار).

ثم أخذ بيده ، وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «أيها الناس ، هذا الحسين بن علي فاعرفوه وفضّلوه كما فضّله الله ، فو الذي نفسي بيده إنه لفي الجنّة ، ومحبّيه في الجنّة ، ومحبّي محبّيه في الجنّة».

١٣٥ ـ عوّض الله الحسينعليه‌السلام عن قتله بأربع خصال :

عن حميد بن مسلم ، قال : سمعت الباقر والصادقعليهما‌السلام يقولان : إن الله تعالى عوّض الحسينعليه‌السلام عن قتله ، أن جعل الإمامة في ذريته ، والشفاء في تربته ، وإجابة الدعاء عند قبره ، ولا تعدّ أيام زائريه جائيا وراجعا من عمره.

١٧٥

وسوف نشرح بعد قليل الخصلة الأولى (الإمامة من ذريته). أما فيما يتعلق (بفضل تربته) فنرجئ بحثه إلى آخر الموسوعة.

فضائل الحسينعليه‌السلام على لسان الصحابة

١٣٦ ـ كلام عبد الله بن عمر :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ٢٤)

روى ابن حجر بإسناده عن العيزار بن حرب : بينا عبد الله بن عمر جالس في ظل الكعبة ، إذ رأى الحسينعليه‌السلام مقبلا ، فقال : هذا أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء اليوم.

١٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام أحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٢٢٢ ط نجف)

روى ابن الأثير بإسناده عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه ، قال : كنت في مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حلقة فيها أبو سعيد الخدري وعبد الله بن عمرو بن العاص ، فمرّ بنا الحسينعليه‌السلام فسلّم عليه القوم ، فسكت عبد الله بن عمرو ، حتّى إذا فرغوا رفع عبد الله بن عمرو صوته فقال : وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. ثم أقبل على القوم فقال : ألا أخبركم بأحبّ أهل الأرض إلى أهل السماء؟. قالوا : بلى. قال :هذا هو المقتفي (يقصد الحسين) ، والله ما كلمني بكلمة من ليالي صفين ، ولأن يرضى عني أحبّ إليّ من أن تكون لي حمر النّعم.

١٣٨ ـ حكم المحرم الّذي يقتل الذباب :

(البداية والنهاية لابن كثير ، ج ٨ ص ٢٢٢)

روى البخاري من حديث شعبة ومهدي بن ميمون ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، سمعت ابن أبي نعيم ، قال : سمعت عبد الله بن عمر ، وقد سأله رجل من أهل العراق عن المحرم يقتل الذباب؟. فقال : أهل العراق يسألون عن قتل الذباب ، وقد قتلوا ابن بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وقد قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«هما ريحانتاي من الدنيا».

١٧٦

وروى الترمذي عن عقبة بن مكرم ، عن وهب بن جرير ، عن أبيه ، عن محمّد بن أبي يعقوب ، نحوه : أن رجلا من أهل العراق سأل ابن عمر عن دم البعوض يصيب الثوب (أطاهر هو أم نجس؟). فقال ابن عمر : انظروا إلى أهل العراق يسألون عن دم البعوض ، وقد قتلوا ابن بنت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وذكر تمام الحديث ، ثم قال :

حسن صحيح.

١٣٩ ـ حكم دم البعوض في الصلاة :

(إسعاف الراغبين للصبان ص ١٩٣)

روى البخاري والترمذي وغيرهما عن ابن عمر ، أنه سأله رجل عن دم البعوض ، طاهر أم لا؟.(وفي رواية) أنه سأله عن المحرم بالحج يقتل الذباب ، ماذا يلزمه إذا قتله؟. فقال له : ممن أنت؟. فقال : من أهل العراق. فقال : انظروا إلى هذا يسألني عن دم البعوض (وفي الرواية الثانية : عن قتل الذباب) مع حقارته ، وقد أفرطوا وقتلوا ابن نبيهم مع جلالته ، وقد سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «الحسنان ريحانتاي من الدنيا».

وفي رواية ابن الصباغ المالكي في (الفصول المهمة) ص ١٧٢ ط ٢ :والنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «هما سيدا شباب أهل الجنّة».

رواية مشابهة عن الحسن البصري :

(الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٧٢)

وسأل أهل الكوفة مرة الحسن البصري عن دم البعوض؟. فقال : تستحلون دم الحسينعليه‌السلام وتسألون عن دم البعوض؟. ما رأيت أجهل منكم!.

الإمام الحسينعليه‌السلام والقرآن

١٤٠ ـ التشابه بين الحسينعليه‌السلام والقرآن :

(الخصائص الحسينية ، ص ٢٠٣)

ألفّ الشيخ جعفر التستري كتابا فريدا في موضوعه ، جمع فيه كل الخصال التي اختص بها الحسينعليه‌السلام ، وسمّاه (الخصائص الحسينية) نقتطف منه هذه الفقرات.

١٧٧

قال الشيخ جعفر التستري :

* القرآن فيه البسملة مائة وأربعة عشر مكانا ، والحسينعليه‌السلام في بدنه جروح السيف مثل البسملة مائة وأربعة عشر.

* القرآن يقسّم إلى أربعة أقسام : طوال ومئين ومثاني ومفصّل(١) ، والحسينعليه‌السلام أربعة أقسام : رأس على الرمح مسافر ، وجسد في كربلا مطروح ، ودم على أجنحة الطيور وفي القارورة الخضراء عند الملك ، ومفصّل من صغار أعضاء أطراف الجسد متفرقة.

* القرآن سمّاه الله مباركا ، فقال :( هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ ) ، وقد سمّى الله الحسينعليه‌السلام في تسميته مباركا ، في وحيه للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بلا واسطة ، فيقول :

«بورك من مولود عليه صلواتي وبركاتي ورحمتي».

* القرآن شفاء ورحمة للمؤمنين ، والحسينعليه‌السلام شفاء للأمراض الباطنة ، وتربته للأمراض الظاهرة ، وهو رحمة للمؤمنين ، أكثر فوزهم يكون به.

١٤١ ـ في الآيات النازلة في حق الحسينعليه‌السلام في القرآن :

(المصدر السابق ، ص ٢٠٨)

يقول الشيخ جعفر التستري :

١ ـ في بيان الحمل بهعليه‌السلام وولادته ، وهو قوله تعالى :( وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ ) (١٥) [الأحقاف : ١٥].

__________________

(١) قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أعطيت السّبع الطوال مكان التوراة ، والمئين مكان الإنجيل ، والمثاني مكان الزبور ، وفضّلت بالمفصّل». وإليك بيان ذلك :

السبع الطوال : من البقرة إلى التوبة. المئين : بعد السبع الطوال ، وهي سبع سور تحوي كل واحدة مائة آية أو يزيد قليلا أو يقلّ ، وهي : بنو إسرائيل ـ الكهف ـ مريم ـ طه ـ الأنبياء ـ الحج ـ المؤمنون. المثاني : السور بعد المئين. المفصّل : السور القصار بعد الحواميم إلى آخر القرآن. وذكر وجه التسمية لها بالمفصل ، أن هذه السور قصيرة ، ولذلك كثر الفصل بينها بالتسمية.

١٧٨

ومن الثابت أن الّذي ولد لستة أشهر ، فكان حمله ورضاعه ثلاثون شهرا ، هو الحسينعليه‌السلام ويحيى بن زكرياعليه‌السلام .

يقول : فلو قال في الآية : (وأصلح لي ذريتي) لكانت ذريته كلهم أئمة ، ولكنه قال( وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي ) [الأحقاف : ١٥] أي بعضهم ، وهم الأئمة الأطهار من نسل الحسينعليه‌السلام .

٢ ـ في بيان خروجه من المدينة ، وهو قوله تعالى :( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ (٣٩)الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللهُ ) (٤٠) [الحج : ٣٩ ـ ٤٠].

عن الإمام الصادقعليه‌السلام أن هذه الآية نزلت في عليعليه‌السلام وجعفر وحمزة ، وجرت في الحسينعليه‌السلام أيضا.

٣ ـ في قلة أنصاره ، وهو قوله تعالى :( أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ ) [النساء : ٧٧]. وفي هذا إشارة إلى ما عمل الحسنعليه‌السلام حين كفّ يده وصالح.( فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ ) [النساء : ٧٧] أي مع الحسين( إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَقالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ) [النساء : ٧٧]. وهذا إشارة إلى وقت خروج القائمعليه‌السلام .

٤ ـ في مجمل بيان شهادته ومكانه وحالاتهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :( كهيعص ) (١) [مريم : ١]. وسوف نتناول شرح هذه الآية في الفصل القادم.

٥ ـ فيما نودي من الله به عند قتلهعليه‌السلام ، وهي قوله تعالى :

( يا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ (٢٧)ارْجِعِي إِلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً (٢٨)فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)وَادْخُلِي جَنَّتِي ) (٣٠) [الفجر : ٢٧ ـ ٣٠]. يقول الإمام الصادقعليه‌السلام : يعني الحسينعليه‌السلام ، فهو ذو النفس المطمئنة الراضية المرضيّة.

٦ ـ في طلب ثأره في الرجعة ، وهي قوله تعالى :( وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً ) (٣٣) [الإسراء : ٣٣].فالحسينعليه‌السلام قتل مظلوما ، ووليه الّذي سيأخذ بثأره هو الحجة القائمعليه‌السلام .( فَلا يُسْرِفْ فِي ) [الإسراء : ٣٣] : أي لا يقتل إلا من شرك في قتله.

٧ ـ في الانتقام له يوم القيامة ، وهي قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ (٨)بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ ) (٩) [التكوير : ٨ ـ ٩]. عن الإمام الصادقعليه‌السلام أنها نزلت في الحسينعليه‌السلام ،

١٧٩

لأن الحسينعليه‌السلام وعياله وأطفاله يوم عاشوراء قبل أن يستشهدوا أحاط بهم الأعداء وعزلوهم عن العالم وضيّقوا عليهم الخناق ، ومنعوهم من كل مقوّمات الحياة ، فهم كالموؤودة في التراب.

والمقصود( الْمَوْؤُدَةُ ) (٨) [التكوير : ٨] : ولاية أهل البيتعليهم‌السلام التي وأدها المسلمون في كربلاء ، بدون ذنب جنته. فيسألون عنها يوم القيامة ، بأي ذنب قتلوها؟!.

وفي (مناقب ابن شهراشوب) ج ٣ ص ٢٣٧ ط نجف :

عن الإمام الباقرعليه‌السلام في قوله تعالى :( وَإِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ ) (٨) [التكوير : ٨] يقول : يسألكم عن الموؤودة التي أنزل عليكم فضلها ، مودة ذي القربى ، وحقّنا الواجب على الناس ، وحبّنا الواجب على الخلق. قتلوا مودتنا ، بأي ذنب قتلونا؟.

جملة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام

سوف نسرد في هذه الفقرة باقة من مناقب الإمام الحسينعليه‌السلام ، وهي تشمل محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له ، ثم عبادته وسخاءه ورأفته بالفقراء وإباءه للضيم وشجاعته.

يقول الشيخ أحمد فهمي محمّد في كتابه (ريحانة الرسول : الشهيد المظلوم) :وكان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم شديد الحب للحسينعليه‌السلام لشوق فؤاده إلى الذرية من سلالته.

١٤٢ ـ شدة حب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للحسينعليه‌السلام :

(أعيان الشيعة للسيد الأمين ، ج ٤ ص ١٠٠)

قال ابن عباس : كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يحب الحسينعليه‌السلام ويحمله على كتفه ويقبّل شفتيه وثناياه.

ومرّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على بيت فاطمةعليها‌السلام فسمع الحسينعليه‌السلام يبكي ، فقال : بنيّة سكّتيه ، ألم تعلمي أن بكاءه يؤذيني».

(أقول) : لم يستطع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يسمع بكاء الحسينعليه‌السلام من غاية شفقته عليه ، ليت شعري فما حاله ليلة الحادي عشر من المحرم ، حين وقف عليه فرآه مقطّع الرأس ، ومبضّعا بالسيوف والنبال والرماح ، وقد قطع الجمّال يديه!.

١٤٣ ـ أيهما أحبّ إلى النبي : الحسين أم علي؟ :

(معالي السبطين للشيخ محمّد مهدي الحائري ، ج ١ ص ٨٨)

في (تظلّم الزهراء) عن كتاب (منتخب آثار أمير المؤمنين) : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418