الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٠

الميزان في تفسير القرآن14%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 406

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 406 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114222 / تحميل: 6642
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وكذا السدر والكافور والماء وقيمة الأرض التي يدفن فيها ، وأجرة حمل الميت وأجرة حفر القبر إلى غير ذلك مما يصرف في أي عمل من واجبات الميت ، فان كل ذلك يخرج من أصل التركة وان كان الميت مديوناً أو كانت له وصية ، هذا فيما إذا لم يوجد من يتبرع بشيء من ذلك وإلاّ لم يخرج من التركة ، وأما ما يصرف فيما زاد على القدر الواجب وما يلحق به فلا يجوز اخراجه من الأصل ، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فانه لا يجوز ان يخرج من الأصل الا ما هو المتعارف بحسب القيمة ، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميت لا يحتاج إلى بذل مال ، وفي البعض الآخر يحتاج اليه قدم الأوّل ، نعم يجوز اخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصية الميت به ، أو وصيته بالثلث من دون تعيين مصرف له كلاً أو بعضاً ، كما يجوز اخراجه من حصص الورثة الكبار منهم برضاهم دون القاصرين ، الا مع اذن الولي على تقدير وجود مصلحة تسوغ له ذلك.

( مسألة 109 ) : كفن الزوجة على زوجها حتى مع يسارها أو كونها منقطعة او ناشزة ، هذا إذا لم يتبرع غير الزوج بالكفن والا سقط عنه ، وكذلك إذا اوصت به من مالها وعمل بالوصية ، أو تقارن موتها مع موته ، أو كان البذل حرجياً على الزوج ، فلو توقف على الاستقراض ، أو فك ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعين ذلك ، والا لم يجب.

( مسألة 110 ) : يجوز التكفين بما كتب عليه القرآن الكريم أو بعض الأدعية المباركة كالجوشن الكبير أو الصغير ، ولكن يلزم ان يكون ذلك بنحو لا يتنجس موضع الكتابة بالدم ، أو غيره من النجاسات كان يكتب في حاشية الازار من طرف رأس الميت ، ويجوز ان يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.

٦١

( شروط الكفن )

يعتبر في الكفن أمور :

(1) الاباحة.

(2) الطهارة بان لا يكون نجساً ولا متنجساً.

(3) ان لا يكون من الحرير الخالص ، ولا بأس بما يكون ممزوجاً به بشرط ان يكون حريره أقل من خليطه ـ والأحوط وجوباً ـ ان لا يكون الكفن مُذهَّباً ، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد الميتة وان كان طاهراً ، ولا بأس ان يكون مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم ، بل لا بأس ان يكون من جلده مع صدق الثوب عليه عرفاً ، وكل هذه الشروط ـ غير الاباحة ـ يختص بحال الإختيار ويسقط في حال الضرورة ، فلو انحصر الكفن في الحرام دفن عارياً ، ولو انحصر في غيره من الانواع التي لا يجوز التكفين بها اختياراً كفن به ، فاذا انحصر في واحد منها تعين ، واذا تعدد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجس وتكفينه بالنجس قدم الأوّل ، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجس ، وبين الحرير قدم الثاني ، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدم الغير ، ومع دوران الأمر بين التكفين بالمُذهَّب والتكفين بأجزاء مالا يؤكل لحمه تخيّر بينهما ، وان كان الاحتياط بالجمع حسناً.

( مسألة 111 ) : الشهيد لا يكفّن بل يدفن بثيابه الا إذا كان بدنه عارياً فيجب تكفينه.

( مسألة 112 ) : يستحب وضع جريدتين خضراوين مع الميت ، وينبغي ان تكونا من النخل ، فان لم يتيسر فمن السدر ، أو الرمان وان

٦٢

لم يتيسرا فمن الخلاف ( الصفصاف ) ، والأولى في كيفيته جعل احداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة بالبدن ، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والازار.

( الحنوط )

يجب تحنيط الميت المسلم وهو ( إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق غير الزائلة رائحته ) ويكفي فيه وضع المسمى ، ويشترط فيه اباحته فيسقط وجوب التحنيط عند عدم التمكن من الكافور المباح ، كما يعتبر طهارته وإن لم يوجب تنجس بدن الميت على ـ الأحوط وجوباً ـ والأفضل ان يكون الكافور المستخدم في التحنيط بمقدار سبعة مثاقيل ويستحب خلطه بقليل من التربة الحسينية ، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

( مسألة 113 ) : ـ الأحوط الأولى ـ ان يكون الامساس بالكف وان يبتدأ من الجبهة ، ولا ترتيب في سائر الأعضاء ، ويجوز ان يباشر التحنيط الصبي المميز بل وغيره أيضاً.

( مسألة 114 ) : يسقط التحنيط فيما إذا مات الميت في احرام العمرة أو الحج فَيُجنَّب من الكافور بل من مطلق الطيب ، نعم اذا مات الحاج بعد الفراغ من المناسك التي يحل له الطيب بعدها وجب تحنيطه كغيره من الأموات.

( مسألة 115 ) : وجوب التحنيط كوجوب التغسيل ، وقد مضى تفصيله في المسألة (91).

٦٣

( الصلاة على الميت )

تجب الصلاة على كل مسلم ميت وان كان فاسقاً ، ووجوبها كوجوب التغسيل ، وقد مر في المسألة (91).

( مسألة 116 ) : لا تجب الصلاة على اطفال المسلمين الا من عقل منهم الصلاة ، ومع الشك في ذلك فالعبرة ببلوغه ست سنين ، وفي استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة اشكال ـ والأحوط وجوباً ـ عدم الاتيان بها الا رجاءً.

( مسألة 117 ) : تصح الصلاة على الميت من الصبي المميز ، ويجزي عن البالغين.

( مسألة 118 ) : يجب تقديم الصلاة على الدفن ، الا انه إذا دفن قبل ان يصلى عليه عصياناً أو لعذر فلا يجوز ان ينبش قبره للصلاة عليه ، ولم تثبت مشروعية الصلاة عليه وهو في القبر ـ فالأحوط وجوباً ـ الاتيان بها رجاءً.

( كيفية صلاة الميت )

يجب في الصلاة على الميت خمس تكبيرات والدعاء للميت عقيب احدى التكبيرات الأربع الأوّل ، وأما الثلاثة الباقية فيتخير فيها بين الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهادتين ، والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان يكبّر أولاً ويقول ( أشْهَدُ اَنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وَأنَّ مُحمّداً رَسولُ الله ) ثم يكبر ثانياً ، ويصلي على النبي وآله ، ثم يكبر ثالثاً ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ثم يكبر رابعاً ، ويدعو للميت ، ثم يكبّر خامساً

٦٤

وينصرف.

والأفضل أن يقول بعد التكبيرة الأولى : ( أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ).

وبعد التكبيرة الثانية : ( اللهم صلِّ على محمّد وآل محمد ، وارحم محمداً وآل محمّد ، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، انك حميد مجيد وصل على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وجميع عباد الله الصالحين ).

وبعد التكبيرة الثالثة : ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، تابع اللّهم بيننا وبينهم بالخيرات انك مجيب الدعوات انك على كل شيء قدير ).

وبعد الرابعة : ( اللّهم ان هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن امتك نزل بك وانت خير منزول به ، اللّهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيراً وانت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسناً فزد في احسانه ، وان كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته واغفر له ، اللّهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على اهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين ) ثم يكبّر ، وبها تتم الصلاة.

ولابُدّ من رعاية تذكير الضمائر وتأنيثها حسب اختلاف جنس الميت ، وتختص هذه الكيفية بما إذا كان الميت مؤمناً بالغاً ، وفي الصلاة على اطفال المؤمنين يقول بعد التكبيرة الرابعة : اللّهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً.

( مسألة 119 ) : يعتبر في صلاة الميت أمور :

٦٥

(1) ان تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين ، والا بطلت ولابُدّ من اعادتها ، واذا تعذر غسل الميت أو التيمم بدلاً عنه ، وكذلك التكفين والتحنيط لم تسقط الصلاة عليه.

(2) النية بان يقصد بها القربة ، مع تعيين الميت على نحو يرفع الابهام.

(3) القيام مع القدرة عليه.

(4) أن يكون رأس الميت على يمين المصلي.

(5) أن يوضع على قفاه عند الصلاة عليه.

(6) استقبال المصلي للقبلة حال الاختيار.

(7) أن يكون الميت أمام المصلي.

(8) أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه ، ولا يضر الستر بمثل النعش أو ميت آخر.

(9) الموالاة بين التكبيرات والأذكار ، بان لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.

(10) أن لا يكون بين الميت والمصلي بعد مفرط الا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة ، أو مع تعدد الجنائز في الصلاة عليها دفعة واحدة.

(11) أن لا يكون احدهما اعلى من الآخر علواً مفرطاً.

(12) أن يكون الميت مستور العورة ـ اذا تعذر الكفن ـ ولو بحجر أو لبنة.

٦٦

( دفن الميت )

يجب دفن الميت المسلم ومن بحكمه ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مر في المسألة (91) ، وكيفية الدفن ان يوارى في حفيرة في الارض ، فلا يجزي البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض ، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يؤمّن على جسده من السباع وايذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع أو من تؤذيه رائحته من الناس أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان تكون الحفيرة بنفسها على كيفية تمنع من انتشار رائحة الميت ووصول السباع إلى جسده ، ويجب ان يوضع في قبره على طرفه الأيمن موجهاً وجهه الى القبلة.

( مسألة 120 ) : يجب دفن الجزء المبان من الميت ، وإن كان شعراً أو سناً أو ظفراً على ـ الأحوط وجوباً ـ نعم لو عثر عليها قبل دفنه يجب جعلها في كفنه.

( مسألة 121 ) : من مات في السفينة ، ولم يمكن دفنه في البر ، ولو بتأخيره لخوف فساده أو غير ذلك يغسّل ويكفن ويحنط ويُصلى عليه ثم يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها باستحكام ، أو يشد برجله ما يثقله من حجر ، أو حديد ثم يلقى في البحر ـ والأحوط استحباباً ـ اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان ، وكذلك الحال في ميت خيف عليه من ان يخرجه العدو من قبره ويحرقه أو يمثّل به.

( مسألة 122 ) : لا يجوز دفن الميت في مكان يستلزم هتك حرمته كالبالوعة والمواضع القذرة ، كما لا يجوز دفنه في مقابر الكفار ، ولا يجوز

٦٧

دفن الكافر في مقبرة المسلمين.

( مسألة 123 ) : يعتبر في موضع الدفن الاباحة ، فلا يجوز الدفن في مكان مغصوب ، أو فيما وقف لجهة خاصة كالمدارس والحسينيات ونحوهما وان لم يكن مضراً بالوقف أو مزاحماً لجهته على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 124 ) : إذا دفن الميت في مكان لا يجوز دفنه فيه وجب نبش قبره واخراجه ودفنه في موضع يجوز دفنه فيه ، إلاّ في بعض الموارد المذكورة في ( العروة الوثقى ) وتعليقتنا عليها.

( مسألة 125 ) : إذا دفن الميت بلا غسل أو كفن ، أو حنوط مع التمكن منها وجب اخراجه مع القدرة لإجراء الواجب عليه ودفنه ثانياً بشرط ان لا يستلزم ذلك هتكاً لحرمته ، والا ففيه اشكال.

( مسألة 126 ) : لا يجوز نبش قبر المسلم إلاّ في موارد خاصة تقدم بعضها ، ومنها ما لو اوصى الميت بنقله الى المشاهد المشرفة فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها ، فانه يجب النبش والنقل ما لم يفسد بدنه ولم يوجب النقل أيضاً فساد بدنه ولا محذوراً آخر ، وأما لو اوصى بنبش قبره ونقله بعد مدة الى الأماكن المشرفة ففي صحة وصيته اشكال.

( مسألة 127 ) : إذا كان الموجود من الميت يصدق عليه عرفاً انه ( بدن الميت ) كما لو كان مقطوع الأطراف ـ الرأس واليدين والرجلين ـ كلاً أو بعضاً ، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم ، أو معظمها بشرط ان تكون من ضمنها عظام صدره ، ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه وكذا ما يتقدمها من التغسيل والتحنيط ـ ان وجد بعض مساجده ـ والتكفين بالازار والقميص بل وبالمئزر أيضاً ان وجد بعض ما يجب ستره به.

واذا كان الموجود من الميت لا يصدق عليه انه بدنه بل بعض بدنه ،

٦٨

فلو كان هو القسم الفوقاني من البدن أي الصدر وما يوازيه من الظهر سواء كان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه ، وكذا التغسيل والتكفين بالازار والقميص وبالمئزر ان كان محله موجوداً ـ ولو بعضاً ـ على ـ الأحوط وجوباً ـ ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على ـ الأحوط وجوباً ـ ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على ـ الأحوط وجوباً ـ وإذا لم يوجد القسم الفوقاني من بدن الميت كأن وجدت اطرافه كلاً أو بعضاً مجردة عن اللحم أو معه ، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا يجب الصلاة عليه ، بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه ، وان وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب فالظاهر انه لا يجب فيه أيضاً شيء مما تقدم عدا الدفن ـ والأحوط وجوباً ـ ان يكون ذلك بعد اللف بخرقة.

( صلاة ليلة الدفن )

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : لا يأتي على الميت أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصّل احدكم ركعتين له ، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي ، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، فيقول بعد السلام : اللّهم صل على محمّد وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان ، ويسمي الميت ورويت لهذه الصلاة كيفية اخرى أيضاً.

( غسل مسِّ الميت )

يجب الغسل على من مسّ الميت بعد برده وقبل اتمام غسله ، ولا فرق بين ان يكون المسّ مع الرطوبة أو بدونها ، كما لا فرق في الممسوس والماس بين ان يكون مما تحله الحياة وما لا تحله كالسن

٦٩

والظفر ، نعم لا يبعد عدم العبرة بالشعر ، سواء كان ماساً أم ممسوساً ، ولا يختص الوجوب بما إذا كان الميت مسلماً ، فيجب في مسّ الميت الكافر أيضاً ، بل ولا فرق في المسلم بين من يجب تغسيله ومن لا يجب كالمقتول في المعركة في جهاد ، أو دفاع عن الاسلام أو المقتول بقصاص أو رجم بعد الاغتسال على ـ الأحوط وجوباً ـ فيهما.

( مسألة 128 ) : يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم ، نعم لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها مما لا يجوز للمحدث ، ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة الا بالغسل ـ والأحوط استحباباً ـ ضم الوضوء اليه إذا كان محدثاً بالأصغر.

( مسألة 129 ) : لا يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميت أو الحي وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً وان كان الغسل ـ أحوط استحباباً ـ.

( مسألة 130 ) : إذا يمّم الميت بدلاً عن تغسيله لعذر فالظاهر وجوب الغسل بمسّه.

٧٠

( الأغسال المستحبة )

قد ذكر الفقهاء ( قدس الله اسرارهم ) كثيراً من الأغسال المستحبة ولكنه لم يثبت استحباب جملة منها ، والثابت منها ما يلي :

(1) غسل الجمعة : وهو من المستحبات المؤكدة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب ، والأفضل الاتيان به قبل الزوال ـ والأحوط الأولى ـ ان يؤتى به فيما بين الزوال إلى الغروب من دون قصد الأداء والقضاء ، ويجوز قضاؤه إلى غروب يوم السبت ، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إذا خيف اعواز الماء يوم الجمعة ، وتستحب اعادته إذا وجد الماء فيه.

(2 ـ 7) غسل الليلة الأولى ، والليلة السابعة عشرة ، والتاسعة عشرة والحادية والعشرين ، والثالثة والعشرين ، والرابعة والعشرين ، من شهر رمضان المبارك.

(8 ـ 9) غسل يوم العيدين الفطر والأضحى ، ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على الأظهر ، والأفضل ان يؤتى به قبل صلاة العيد.

(10 ـ 11) غسل اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة الحرام ، والأفضل في اليوم التاسع ان يؤتى به عند الزوال.

(12) غسل الاحرام.

(13) غسل دخول الحرم المكي.

(14) غسل دخول مكة.

(15) غسل زيارة الكعبة المشرفة.

(16) غسل دخول الكعبة المشرفة.

(17) غسل النحر والذبح.

٧١

(18) غسل الحلق.

(19) غسل دخول حرم المدينة المنورة.

(20) غسل دخول المدينة المنورة.

(21) غسل دخول مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(22) الغسل لوداع قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(23) غسل المباهلة مع الخصم.

(24) غسل الاستخارة.

(25) غسل الاستسقاء.

(26) غسل من مسّ الميت بعد تغسيله.

والأظهر ان هذه الاغسال تجزي عن الوضوء ، وأما غيرها فيؤتى بها رجاءً ، ولابُدّ معها من الوضوء فنذكر جملة منها :

(1) الغسل في ليالي الافراد من شهر رمضان المبارك وتمام ليالي العشرة الأخيرة.

(2) غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قريباً من الفجر.

(3) غسل الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام.

(4) غسل يوم النيروز ( اول أيام الربيع ).

(5) غسل يوم النصف من شعبان.

(6) الغسل في أول رجب وآخره ونصفه ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.

(7) الغسل لزيارة كل واحد من المعصومينعليهم‌السلام من قريب أو بعيد.

(8) غسل اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.

٧٢

( الجبائر )

الجبيرة هي : ( ما يوضع على العضو من الألواح أو الخرق ونحوها إذا حدث فيه كسر ، أو جرح ، أو قرح ) وفي ذلك صورتان :

(1) ان يكون شيء من ذلك في مواضع الغَسل كالوجه واليدين.

(2) ان يكون في مواضع المسح كالرأس والرجلين ، وعلى التقديرين فان لم يكن في غَسل الموضع أو مسحه ضرر أو حرج وجب غسل ما يجب غسله ومسح ما يجب مسحه ، واما إذا استلزم شيئاً من ذلك ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، ولم تكن في الموضع جبيرة بان كان مكشوفاً ، ففي هذه الصورة يجب غسل ما حول الجرح والقرح ـ والأحوط الأولى ـ مع ذلك ان يضع خرقة على الموضع ويمسح عليها وان يمسح على نفس الموضع أيضاً إذا تمكن من ذلك ، وأما الكسر المكشوف من غير أن تكون فيه جراحة فالمتعين فيه التيمم.

( الثانية ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، وكانت عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يغسل ما حوله ـ والأحوط وجوباً ـ ان يمسح على الجبيرة ولا يجزي غسل الجبيرة عن مسحها.

( الثالثة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح وكانت

٧٣

عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يتعين المسح على الجبيرة.

( الرابعة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح ولم تكن عليه جبيرة ، وفي هذه الصورة يتعين التيمم.

( مسألة 131 ) : يعتبر في الجبيرة أمران :

(1) طهارة ظاهرها ، فإذا كانت الجبيرة نجسة لم يصلح ان يمسح عليها فان امكن تطهيرها أو تبديلها ولو بوضع خرقة طاهرة عليها بنحو تعد جزءاً منها وجب ذلك فيمسح عليها ويغسل اطرافها ، وان لم يمكن اكتفى بغسل أطرافها ، هذا إذا لم تزد الجبيرة على الجرح بأزيد من المقدار المتعارف ، وأما لو زادت عليه فإن أمكن رفعها رفعها وغسل المقدار الصحيح ثم وضع عليها الجبيرة الطاهرة ، أو طهّرها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك لايجابه ضرراً على الجرح مسح على الجبيرة ، وإن كان لأمر آخر كالاضرار بالمقدار الصحيح وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم ، وإلاّ ـ فالأحوط لزوماً ـ الجمع بين الوضوء والتيمم.

(2) إباحتها ، فلا يجوز المسح عليها إذا لم تكن مباحة ، ولو مسح لم يصح وضوؤه على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 132 ) : يعتبر في جواز المسح على الجبيرة أمور :

( الأوّل ) : ان يكون في العضو كسر أو جرح أو قرح ، فإذا لم يتمكن من غسله أو مسحه لأمر آخر ، كنجاسته مع تعذر ازالتها ، أو لزوم الضرر من استعمال الماء أو لصوق شيء ـ كالقير ـ بالعضو ولم يتمكن من ازالته بغير حرج ففي جميع ذلك لا يجري حكم الجبيرة بل يجب التيمم ، نعم إذا كان اللاصق بالعضو دواءً يجري عليه حكم الجبيرة ، ولو كان اللاصق غيره وكان

٧٤

في مواضع التيمم تعين الجمع بينه وبين الوضوء.

( الثاني ) : ان لا تزيد الجبيرة على المقدار المتعارف ، والا وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل ومسحه إذا كان مما يمسح ، وان لم يتمكن من رفعه ، أو كان فيه حرج ، أو ضرر على الموضع السليم نفسه سقط الوضوء ووجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه ، وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بينه وبين الوضوء ، ولو كان رفعه وغسل الموضع السليم ، أو مسحه يستلزم ضرراً على نفس الموضع المصاب لم يسقط الوضوء فيمسح على الجبيرة.

( الثالث ) : ان يكون الجرح أو نحوه في نفس مواضع الوضوء فلو كان في غيرها وكان مما يضر به الوضوء تعين عليه التيمم ، وكذلك الحال فيما إذا كان الجرح أو نحوه في جزء من اعضاء الوضوء وكان مما يضر به غسل جزء آخر اتفاقاً ، كما إذا كان الجرح في اصبعه واتفق انه يتضرر بغسل الذراع ، فانه يتعين التيمم في مثل ذلك أيضاً.

( مسألة 133 ) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ، كما إذا كان تمام الوجه أو احدى اليدين أو الرجلين مجبَّراً جرى عليها حكم الجبيرة غير المستوعبة على الأظهر ، وأما مع استيعاب الجبيرة لتمام الأعضاء ، أو معظمها ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة وبين التيمم.

( مسألة 134 ) : إذا كانت الجبيرة في الكف مستوعبة لها ومسح المتوضئ عليها بدلاً عن غسل العضو ، فاللازم ان يمسح رأسه ورجليه بهذه الرطوبة لا برطوبة خارجية ـ والأحوط الأولى ـ فيما إذا لم تكن مستوعبة لها ان يمسح بغير موضع الجبيرة.

٧٥

( مسألة 135 ) : إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت اجزأه وضوؤه سواء برئ في اثناء الوضوء ام بعده ، قبل الصلاة أو في اثنائها أو بعدها ، ولاتجب عليه اعادته لغير ذات الوقت كالصلوات الآتية في الموارد التي كان تكليفه فيها الوضوء جبيرة واما في الموارد التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمم فلابُدّ من اعادة الوضوء للاعمال الآتية ، وهكذا الحكم فيما لو برئ في سعة الوقت بعد اتمام الوضوء ، وأما إذا برئ في اثنائه فلابُدّ من استيناف الوضوء ، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها ان لم تفت الموالاة.

( مسألة 136 ) : إذا اعتقد الضرر من غسل العضو الذي فيه جرح أو نحوه فمسح على الجبيرة ثم تبين عدم الضرر فالظاهر صحة وضوئه ، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثم تبين انه كان مضراً وكانت وظيفته الجبيرة ـ فالأحوط وجوباً ـ الإعادة ، وكذا إذا اعتقد الضرر ولكن ترك الجبيرة وتوضأ ثم تبين عدم الضرر وان وظيفته غسل البشرة ، وأما إذا اعتقد الضرر في غسل العضو لاعتقاده ان فيه قرحاً أو جرحاً أو كسراً فعمل بالجبيرة ثم تبين سلامة العضو فالظاهر بطلان وضوئه.

( مسألة 137 ) : يجري حكم الجبيرة في الأغسال ـ غير غسل الميت ـ كما كان يجري في الوضوء ولكنه يختلف عنه في الجملة ، فان المانع عن الغسل إذا كان قرحاً أو جرحاً ـ سواء كان المحل مجبوراً أم مكشوفاً ـ تخير المكلف بين الغسل والتيمم ، واذا اختار الغسل وكان المحل مكشوفاً فله الاجتزاء بغسل اطرافه وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ ان يضع خرقة على موضع القرح ، أو الجرح ويمسح عليها ، وأما إذا كان المانع كسراً فان كان محل الكسر مجبوراً تعين عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة ، وأما إذا كان مكشوفاً ، أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعين عليه التيمم.

٧٦

( التيمم )

يصح التيمم بدلاً عن الغسل ، أو الوضوء في سبعة مواضع :

( الأوّل ) : ما إذا لم يجد من الماء مقدار ما يفي بوظيفته الأولية من غسل أو وضوء ولو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه ، ويجب الفحص عنه على الحاضر إلى حين حصول اليأس منه ، وكذلك السعي اليه ما لم يكن بعيداً عنه بحيث يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ولا يسوغ للمسافر ان يتيمم بمجرد عدم علمه بوجود الماء لديه ، بل لابُدّ له من احراز عدمه بالفحص عنه في مظانه إلى ان يحصل له الاطمينان بالعدم ، فلو احتمل وجود الماء في رحله ، أو في القافلة ، أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص عنه ، ولو كان في فلاة وجب عليه الفحص فيما يقرب من مكانه وفي الطريق ، ـ والأحوط وجوباً ـ الفحص في المساحة التي حوله على نحو الدائرة غلوة سهم في الأرض الحزنة ( الوعرة ) وغلوة سهمين في الأرض السهلة ، ولا يجب الفحص أكثر من ذلك الا اذا اطمأن بوجوده خارج الحد المذكور بحيث لا يبعد عنه بمقدار يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ويسقط وجوب الفحص عند تضيق الوقت بمقدار ما يتضيق منه وكذا إذا خاف على نفسه ، أو ماله المعتد به من لصّ ونحوه ، أو كان في الفحص حرج لا يتحمل عادة.

( مسألة 138 ) : إذا تيمم من غير فحص ـ فيما يلزم فيه الفحص ـ ثم

٧٧

صلى في سعة الوقت برجاء المشروعية لم يصح تيممه وصلاته وان تبين عدم الماء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 139 ) : إذا انحصر الماء الموجود عنده بما يحرم التصرف فيه كما إذا كان مغصوباً لم يجب الوضوء ووجب التيمم ، والماء الموجود حينئذٍ بحكم المعدوم.

( الثاني ) : عدم تيسر الوصول إلى الماء الموجود إما للعجز عنه تكويناً لكبر ونحوه ، أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرف في الإناء المغصوب ، أو لخوفه على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله المعتد به من سبع ، أو عدو أو لص ، أو ضياع أو غير ذلك ، ولو انحصر الماء المباح بما كان في أواني الذهب والفضة ـ حيث يحرم استعمالها في الطهارة عن الحدث والخبث على الأحوط كما تقدم في المسألة (30) ـ فان امكن تخليصه منها بما لا يعد استعمالاً في العرف وجب الوضوء ، وإلاّ ففي سقوط الوضوء ووجوب التيمم اشكال.

( الثالث ) : كون استعمال الماء مضراً به ، كما إذا خاف حدوث مرض أو امتداده أو شدته ، وانما يشرع التيمم في هذه الصورة إذا لم تكن وظيفته الطهارة المائية مع المسح على الجبيرة والا وجبت ، وقد مر تفصيل ذلك.

( الرابع ) : خوف العطش على نفسه ، أو على غيره ممن يرتبط به ويكون من شأنه التحفظ عليه والاهتمام بشأنه ولو من غير النفوس المحترمة انساناً كان أو حيواناً ، ولو خاف العطش على غيره ممن لا يهمه أمره ولكن يجب عليه حفظه شرعاً ، أو يقع في الحرج بهلاكه عطشاً اندرج ذلك في غيره من المسوّغات.

( الخامس ) : استلزام الحرج والمشقة إلى حد يصعب تحمله عليه ، سواء كان في تحصيل الماء ، كما إذا توقف على الاستيهاب الموجب لذلّه

٧٨

وهوانه ، أو على شرائه بثمن يضر بحاله ـ والا وجب الشراء وان كان باضعاف قيمته ـ أم في نفس استعماله لشدة برودته ، أو لتغيره بما يتنفر طبعه منه أم فيما يلازم استعماله كما لو كان قليلاً لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء وبين تبليل الرأس به مع فرض حاجته اليه لشدة حرارة الجو مثلاً بحيث يقع لولاه في الحرج والمشقة.

( السادس ) : ما إذا استلزم تحصيل الماء أو استعماله وقوع الصلاة أو بعضها خارج الوقت.

( السابع ) : ان يكون مكلفاً بواجب أهم أو مساوٍ يستدعي صرف الماء الموجود فيه كازالة الخبث عن المسجد فانه يجب عليه التيمم وصرف الماء في تطهيره ، وكذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجساً ولم يكف الماء الموجود عنده للطهارة الحدثية والخبثية معاً فانه يتعين صرفه في ازالة الخبث وان كان الأولى فيه ان يصرف الماء في ازالة الخبث أولاً ، ثم يتيمم بعد ذلك.

( ما يصح به التيمم )

يجوز عند تعذر الطهارة المائية التيمم بمطلق وجه الارض من تراب أو رمل ، أو حجر أو مدر ، ومن ذلك ارض الجص والنورة وهكذا الجص المطبوخ ، والآجر والخزف ، ـ والأحوط الأولى ـ تقديم التراب على غيره مع الإمكان ، ويجوز التيمم بالغبار المجتمع على الثوب ونحوه إذا عدّ تراباً دقيقاً بان كان له جرم بنظر العرف وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ تقديم غيره عليه ، واذا تعذر التيمم بالأرض وما يلحق بها تيمم بالوحل وهو الطين الذي يلصق باليد ـ والأحوط وجوباً ـ عدم ازالة شيء منه الا ما يتوقف على ازالته صدق المسح باليد ، واذا تعذر التيمم بالوحل أيضاً تعين التيمم بالشيء المغبر ـ أي ما يكون الغبار كامناً فيه ـ أو لا يكون له جرم بحيث يصدق

٧٩

عليه التراب الدقيق ـ كما تقدم ـ واذا عجز عنه أيضاً كان فاقداً للطهور وحينئذٍ تسقط عنه الصلاة في الوقت ويلزمه القضاء خارجه.

( مسألة 140 ) : إذا كان طين وتمكن من تجفيفه وجب ذلك ولا تصل معه النوبة ، إلى التيمم بالطين أو الشيء المغبر ، ولا بأس بالتيمم بالأرض الندية وان كان الأولى ان يتيمم باليابسة مع التمكن.

( مسألة 141 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ اعتبار علوق شيء مما يُتيمم به باليد فلا يجزي التيمم على مثل الحجر الاملس الذي لا غبار عليه.

( مسألة 142 ) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وان كان اصله منها كالنباتات ، وبعض المعادن كالذهب والفضة ، ورماد غير الأرض ونحوها ، واذا اشتبه ما يصح به التيمم بشيء من ذلك لزم تكرار التيمم ليتيقن معه الامتثال.

( كيفية التيمم وشرائطه )

( مسألة 143 ) : يجب في التيمم أمور :

(1) ضرب باطن اليدين على الأرض ، ويكفي وضعهما عليها أيضاً ، ـ والأحوط وجوباً ـ ان يفعل ذلك دفعة واحدة.

(2) مسح الجبهة ، وكذا الجبينين ـ على الأحوط وجوباً ـ باليدين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى والى الحاجبين ـ والأحوط الأولى ـ مسحهما أيضاً.

(3) المسح بباطن اليد اليسرى تمام ظاهر اليد اليمنى من الزند إلى اطراف الاصابع ، والمسح بباطن اليمنى تمام ظاهر اليسرى ـ والأحوط وجوباً ـ رعاية الترتيب بين مسح اليمنى واليسرى.

ويجتزئ في التيمم سواء كان بدلاً عن الوضوء ، أم الغسل بضرب

 

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

النَّاسِ عَنْ آيَاتِنَا لَغَافِلُونَ ) التنجية والإنجاء تفعيل وإفعال من النجاة كالتخليص الإخلاص من الخلاص وزناً ومعنى.

وتنجيته ببدنه تدلّ على أنّ له أمراً آخر وراء البدن فقده بدنه بغشيان العذاب وهو النفس الّتى تسمّى أيضاً روحاً، وهذه النفس المأخوذة هي الّتى يتوفّاها الله ويأخذها حين موتها كما قال تعالى:( اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنفُسَ حِينَ مَوْتِهَا ) الزمر: ٤٢، وقال:( قُلْ يَتَوَفَّاكُم مَّلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ ) الم السجدة: ١١، وهى الّتى يخبر عنها الإنسان بقوله:( أنا ) وهى الّتى بها تتحقّق للإنسان إنسانيّتة، وهى الّتى تدرك وتريد وتفعل الأفعال الإنسانيّة بواسطة البدن بما له من القوى والأعضاء المادّيّة، وليس للبدن إلّا أنّه آلة وأداة تعمل بها النفس أعمالها المادّيّة.

ولمكان الاتّحاد الّذى بينها وبين البدن يسمّى بإسمها البدن وإلّا فأسماء الأشخاص في الحقيقة لنفوسهم لا لأبدانهم، وناهيك في ذلك التغيّر المستمرّ الّذى يعرض البدن مدّة الحياة، والتبدّل الطبيعيّ الّذى يطرء عليه حينا بعد حين حتّى ربّما تبدّل البدن بجميع أجزائه إلى أجزاء اُخر تتركّب بدنا آخر فلو كان زيد هو البدن الّذى ولدته اُمّه يوم ولدته والاسم له لكان غيره وهو ذو سبعين وثمانين قطعاً والاسم لغيره حتماً، ولم يثب ولم يعاقب الإنسان وهو شائب على ما عمله وهو شابّ لأنّ الطاعة والمعصية لغيره.

فهذه وأمثالها شواهد قطعيّة على أنّ إنسانيّة الإنسان بنفسه دون بدنه، والأسماء للنفوس لا للأبدان يدركها الإنسان ويعرفها إجمالاً وإن كان ربّما أنكرها في مقام التفصيل.

وبالجملة فالآية:( الْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) كالصريح أو هو صريح في أنّ النفوس وراء الأبدان، وأنّ الأسماء للنفوس دون الأبدان إلّا ما يطلق على الأبدان بعناية الاتّحاد.

فمعنى( نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) نخرج بدنك من اليمّ وننجّيه، وهو نوع من تنجيتك - لما بين النفس والبدن من الاتّحاد القاضى بكون العمل الواقع على أحدهما واقعاً

١٢١

بنحو على الآخر - لتكون لمن خلفك آية، وهذا بوجه نظير قوله تعالى:( منها خلقناكم وفيها نعيدكم ) طه: ٥٥ فإنّ الّذى يعاد إلى الأرض هو جسد الإنسان دون الإنسان التامّ فليست نسبة الإعادة إلى الإنسان إلّا لما بين نفسه وبدنه من الاتّحاد.

وقد ذكر المفسّرون أنّ الإنجاء والتنجية لمّا كان دالّاً بلفظه على سلامة الّذى اُنجى إنجاء كان مفاد قوله:( نُنَجِّيكَ ) أن يكون فرعون خارجاً من اليمّ حيّاً وقد أخرجه الله ميّتاً فالمتعيّن أخذ قوله:( نُنَجِّيكَ ) من النجوة وهى الأرض المرتفعة الّتى لا يعلوها السيل، والمعنى اليوم نخرج بدنك إلى نجوة من الأرض.

وربّما قال بعضهم: إنّ المراد بالبدن الدرع، وقد كان لفرعون درع من ذهب يعرف به فأخرجه الله فوق الماء بدرعه ليكون لمن خلفه آية وعبرة، وربّما قال بعضهم إنّ التعبير بالتنجية تهكّم به.

والحقّ أنّ هذا كلّه تكلّف لا حاجة إليه، ولم يقل:( نُنَجِّيكَ ) وإنّما قيل( نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) ومعناه ننجّي بدنك، والباء للآليّة أو السببيّة، والعناية هي الاتّحاد الّذى بين النفس والبدن.

على أنّ جعل( نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ) بمعنى نجعلك على نجوة من الأرض لا يفى بدفع الإشكال من أصله فإنّ الّذى جعل على نجوة هو بدن فرعون على قولهم، وهو غير فرعون قطعاً وإلّا كان حيّاً سالماً، ولا مناص إلّا أن يقال: إنّ ذلك بعناية الاتّحاد الّذى بين الإنسان وبدنه، ولو صحّحت هذه العناية إطلاق اسم الإنسان على بدنه من غير نفس لكان لها أن تصحّح نسبة التنجية إلى الإنسان من جهة وقوع التنجية ببدنه، وخاصّة مع وجود القرينة الدالّة على أنّ المراد بالتنجية هي الّتى للبدن دون الّتى للإنسان المستتبع لحفظ حياته وسلامته نفساً وبدناً، والقرينة هي قوله:( بِبَدَنِكَ ) .

قوله تعالى: ( وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) أي أسكنّاهم مسكن صدق، وإنّما يضاف الشئ إلى الصدق نحو وعد صدق وقدم

١٢٢

صدق ولسان صدق ومدخل صدق ومخرج صدق للدلالة على أنّ لوازم معناه وآثاره المطلوبة منه موجودة فيه صدقاً من غير أن يكذب في شئ من آثاره الّتى يعدها بلسان دلالته الالتزاميّة لطالبه فوعد صدق مثلاً هو الوعد الّذى سيفى به واعده، ويسرّ بالوفاء به موعوده، ويحقّ أن يطمع فيه ويرجى وقوعه. فإن لم يكن كذلك فليس بوعد صدق بل وعد كذب كأنّه يكذب في معناه ولوازم معناه.

وعلى هذا فقوله:( مُبَوَّأَ صِدْقٍ ) يدلّ على أنّ الله سبحانه بوّأهم مبوّءاً يوجد فيه جميع ما يطلبه الإنسان من المسكن من مقاصد السكنى كطيب الماء والهواء وبركات الأرض ووفور نعمها والاستقرار فيها وغير ذلك، وهذه هي نواحى بيت المقدس والشام الّتى أسكن الله بنى إسرائيل فيها وسمّاها الأرض المقدّسة المباركة وقد قصّ القرآن دخولهم فيها.

وأمّا قول بعضهم: إنّ المراد بهذا المبوّء مصر دخلها بنو إسرائيل واتّخذوا فيها بيوتاً فأمر لم يذكره القرآن. على أنّهم لو فرض دخولهم فيها ثانياً لم يستقرّوا فيها استقرارا مستمرّاً، وتسمية ما هذا شأنه مبوّء صدق ممّا لا يساعد عليه معنى اللّفظ.

والآية أعنى قوله:( وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ - إلى قوله -مِّنَ الطَّيِّبَاتِ ) مسوقة سوق الشكوى والعتبى، ويشهد به تذييلها بقوله:( فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ ) ، وقوله:( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ ) إلى آخر الآية بيان لعاقبة اختلافهم عن علم وبمنزلة أخذ النتيجة من القصّة.

والمعنى: أنّا أتممنا على بنى إسرائيل النعمة وبوّأناهم مبوّء صدق ورزقناهم من الطيّبات بعد حرمانهم من ذلك مدّة طويلة كانوا فيها في أسارة القبط فوحّدنا شعبهم وجمعنا شملهم فكفروا النعمة وفرّقوا الكلمة واختلفوا في الحقّ، ولم يكن اختلافهم عن عذر الجهل وإنّما اختلفوا عن علم إنّ ربّك يقضى بينهم فيما كانوا فيه يختلفون.

١٢٣

( سورة يونس آية ٩٤ - ١٠٣)

فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ( ٩٤) وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ( ٩٥) إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ( ٩٦) وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ( ٩٧) فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَىٰ حِينٍ( ٩٨) وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ( ٩٩) وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ( ١٠٠) قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ( ١٠١) فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ( ١٠٢) ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ( ١٠٣)

( بيان)

تتضمّن الآيات الاستشهاد على حقّيّة ما أنزله الله في السورة من المعارف الراجعة إلى المبدء والمعاد وما قصّه من قصص الأنبياء واُممهم - ومنهم نوح وموسى ومن بينهما من الأنبياءعليهم‌السلام واُممهم - إجمالاً بما قرأه أهل الكتب السماويّة فيها قبل نزول القرآن على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

١٢٤

ثمّ تذكر ما هو كالفذلكة والمعنى المحصّل من البيانات السابقة وهو أنّ الناس لن يملكوا من أنفسهم أن يؤمنوا بالله وآياته إلّا بإذن الله، وإنّما يأذن الله في إيمان من لم يطبع على قلبه ولم يجعل الرجس عليه وإلّا فمن حقّت عليه كلمة الله لن يؤمن بالله وآياته حتّى يرى العذاب.

فالسنّة الجارية أنّ الناس منذ خلقوا واختلفوا بين مكذّب بآيات الله ومصدّق لها، وقد جرت سنّة الله على أن يقضى فيهم بالحقّ بعد مجيئ رسلهم إليهم فينجّى الرسل والمؤمنين بهم، ويأخذ غيرهم بالهلاك.

قوله تعالى: ( فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ) إلى آخر الآية الشكّ الريب، والمراد بقوله:( مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ) المعارف الراجعة إلى المبدء والمعاد والسنّة الإلهيّة في القضاء على الاُمم ممّا تقدّم في السورة، وقوله:( يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ) ( يَقْرَءُونَ ) فعل مضارع استعمل في الاستمرار( مِن قَبْلِكَ ) حال من الكتاب عامله متعلّقة المقدّر، والتقدير منزلا من قبلك. كلّ ذلك على ما يعطيه السياق.

والمعنى( فَإِن كُنتَ ) أيّها النبيّ( في ريب) وشكّ( مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ ) من المعارف الراجعة إلى المبدء والمعاد وما قصصنا عليك إجمالاً من قصص الأنبياء الحاكية لسنّة الله الجارية في خلقه من الدعوة أوّلاً ثمّ القضاء بالحقّ( فَاسْأَلِ ) أهل الكتاب( الَّذِينَ ) لا يزالون( يَقْرَءُونَ ) جنس( الْكِتَابَ ) منزلاً من السماء( مِن قَبْلِكَ ) اُقسم( لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) المتردّدين.

وهذا لا يستلزم وجود ريب في قلب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا تحقّق شكّ منه فإنّ هذا النوع من الخطاب كما يصحّ أن يخاطب من يجوز عليه الريب والشكّ كذلك يصحّ أن يخاطب به من هو على يقين من القول وبيّنة من الأمر على نحو التكنية عن كون المعنى الّذى أخبر به المخبر ممّا تعاضدت عليه الحجج وتجمّعت عليه الآيات فإن فرض من المخاطب أو السامع شكّ في واحدة منها كان له أن يأخذ بالاُخرى.

١٢٥

وهذه طريقة شائعة في عرف التخاطب والتفاهم يأخذ بها العقلاء فيما بينهم جرياً على ما تدعوهم إليه قرائحهم ترى الواحد منهم يقيم الحجّة على أمر من الاُمور ثمّ يقول: فإن شككت في ذلك أو سلّمنا أنّها لا توجب المطلوب فهناك حجّة اُخرى على ذلك وهى أنّ كذا كذا، وذلك كناية عن أنّ الحجج متوفّرة متعاضدة كالدعائم المضروبة على ما لا يحتاج إلى أزيد من واحد منها لكنّ الغرض من تكثيرها هو أن تكون العريشة قائمة عليها على تقدير قيام الكلّ والبعض.

فيؤل معنى الكلام إلى أنّ هذه معارف بيّنها الله لك بحجج تضطرّ العقول إلى قبولها وقصص تحكى سنّة الله في خلقه والآثار تدلّ عليها، بيّنها في كتاب لا ريب فيه، فعلى ما بيّنه حجّة وهناك حجّة اُخرى وهى أنّ أهل الكتب السماويّة الموفين لها حقّ قراءتها يجدون ذلك فيما يقرؤونه من الكتاب فهناك مبدء ومعاد، وهناك دين إلهىّ بعث به رسله يدعون إليه، ولم يدعوا اُمّة من الاُمم إلّا انقسموا قبيلين مؤمن ومكذّب فأنزل الله آية فاصلة بين الحقّ والباطل وقضى بينهم.

وهذا أمر لا يسع أهل الكتاب أن ينكروه، وإنّما كانوا ينكرون بشارات النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبعض ما يختصّ به الإسلام من المعارف وماغيّروه في الكتب من الجزئيّات، ومن لطيف الإشارة أنّ الله سبحانه لم يذكر في القصص المذكورة في هذه السورة قصّة هود وصالح لعدم تعرّض التوراة الموجودة عندهم لقصّتهما وكذا قصّة شعيب وقصّة المسيح لعدم توافق أهل الكتاب عليها وليس إلّا لمكان أن يستشهد في هذه الآية بما لا يمتنعون من تصديقه.

فهذه الآية في إلقاء الحجّة على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وزانها وزان قوله تعالى:( أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ ) الشعراء: ١٩٧ في إلقاء الحجّة إلى الناس.

على أنّ السورة من أوائل السور النازلة بمكّة، ولم تشتدّ الخصومة يومئذ بين المسلمين وأهل الكتاب وخاصّة اليهود اشتدادها بالمدينة، ولم يركبوا بعد من العناد واللجاج ذاك المركب الصعب الّذى ركبوه بعد هجرة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ونشوب

١٢٦

الحروب بينهم وبين المسلمين حتّى بلغوا المبلغ الّذى قالوا:( مَا أَنزَلَ اللهُ عَلَىٰ بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ ) الأنعام: ٩١.

فهذا ما يعطيه سياق الآية من المعنى، وأظنّك إن أمعنت في تدبّر الآية وسائر الآيات الّتى تناسبها ممّا يخاطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بحقّيّة ما نزل إليه من ربّه، ويتحدّى على البشر بعجزهم عن إتيان مثله، وما يصف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه على بصيرة من أمره، وأنّه على بيّنة من ربّه أقنعك ذلك فيما قدّمناه من المعنى، وأغناك عن التمحّلات الّتى ارتكبوها في تفسير الآية بما لا جدوى في نقلها والبحث عنها.

قوله تعالى: ( وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللهِ فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) نهى عن الارتياب والامتراء أوّلا ثمّ ترقّى إلى النهى عن التكذيب بآيات الله وهو العناد مع الحقّ استكباراً على الله فإنّ الآية لا تكون آية إلّا مع وضوح دلالتها وظهور بيانها وتكذيب ما هذا شأنه لا يكون مبنيّاً إلّا على العناد واللجاج.

وقوله:( فَتَكُونَ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) تفريع على التكذيب بآيات الله فهو نتيجته وعاقبته فهو المنهىّ عنه بالحقيقة. والمعنى: ولا تكن من الخاسرين، والخسران زوال رأس المال بانتقاصه أو ذهاب جميعه، وهو الإيمان بالله وآياته الّذى هو رأس مال الإنسان في سعادة حياته في الدنيا والآخرة على ما يستفاد من الآية التالية حيث يعلّل خسرانهم بأنّهم لا يؤمنون.

قوله تعالى: ( إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جَاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ ) الخ، تعليل للنهى السابق ببيان ما للمنهىّ عنه من الشأن فإنّ أصل النظم بحسب المعنى المستفاد من السياق أن يقال: لا تكوننّ من المكذّبين لأنّ المكذّبين لا يؤمنون فيكونون خاسرين لأنّ رأس مال السعادة هو الإيمان فوضع قوله( الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ) موضع( الْمُكَذِّبِينَ ) للادلة على سبب الحكم وأنّ المكذّبين إنّما يخسرون لأنّ كلمة الله سبحانه تحقّ عليهم فالأمر على كلّ حال إلى الله سبحانه.

والكلمة الإلهيّة الّتى حقّت على المكذّبين بآيات الله هي قوله يوم شرع

١٢٧

الشريعة العامّة لآدم وزوجته فمن بعدهما من ذرّيّتهما:( قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا - إلى قوله -وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة: ٣٩.

وهذا هو الّذى يريده بقوله في مقام بيان سبب خسران المكذّبين:( إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ ) وهم المكذّبون حقّت عليهم كلمة العذاب فهم( لَا يُؤْمِنُونَ ) ولذلك كانوا خاسرين لأنّهم ضيّعوا رأس مال سعادتهم وهو الإيمان فحرموه وحرموا بركاته في الدنيا والآخرة، وإذ حقّ عليهم أنّهم لا يؤمنون فلا سبيل لهم إلى الإيمان ولو جاءتهم كلّ آية( حَتَّىٰ يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ) ولا فائدة في الإيمان الاضطراريّ.

وقد كرّر الله سبحانه في كلامه هذا القول واستتباعه للخسران وعدم الإيمان كقوله:( لَقَدْ حَقَّ الْقَوْلُ عَلَىٰ أَكْثَرِهِمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) يس: ٧، وقوله:( لِّيُنذِرَ مَن كَانَ حَيًّا وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ ) يس: ٧٠ أي بتكذيبهم بالآيات المستتبع لعدم إيمانهم فخسرانهم، وقوله:( وَحَقَّ عَلَيْهِمُ الْقَوْلُ فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِم مِّنَ الْجِنِّ وَالْإِنسِ إِنَّهُمْ كَانُوا خَاسِرِينَ ) حم السجدة: ٢٥ إلى غير ذلك.

وقد ظهر من الآيات أوّلا: أنّ العناد مع الحقّ والتكذيب بآيات الله يحقّ كلمة العذاب الخالد على الإنسان.

وثانياً: أنّ رأس مال سعادة الحياة للإنسان هو الإيمان.

وثالثا: أنّ كل إنسان فهو مؤمن لا محالة إمّا إيماناً اختياريّاً مقبولاً يسوقه إلى سعادة الحياة الدنيا والآخرة، وإمّا إيماناً اضطراريّاً غير مقبول حيثما يرى العذاب الأليم.

قوله تعالى: ( فَلَوْلَا كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ ) الخ، ظاهر السياق أنّ لولا للتحضيض، وأنّ المراد بقوله:( آمنت ) الإيمان الاختياريّ الصحيح كما يشعر به قوله بعده:( فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا ) ولوقوع التحضيض على أمر ماض لم يتحقّق أفادت الجملة معنى اليأس

١٢٨

المساوق للنفي فاستقام الاستثناء الّذى في قوله:( إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ ) .

والمعنى: هلّا كانت قرية - من هذه القرى الّتى جاءتهم رسلنا فكذّبوهم - آمنت قبل نزول العذاب إيماناً اختياريّاً فنفعها إيمانها. لا ولم يؤمن إلّا قوم يونس لمّا آمنت كشفنا عنهم عذاب الخزى في الحياة الدنيا ومتّعناهم بالحياة إلى حين آجالهم العاديّة الطبيعيّة. ومنه يعلم أنّ الاستثناء متّصل.

وذكر بعضهم أنّ المعنى: لم يكن فيما خلا أن يؤمن أهل قرية بأجمعهم حتّى لا يشذّ منهم أحد إلّا قوم يونس فهلّا كانت القرى كلّها هكذا.

وفيه أنّه في نفسه معنى لا بأس فيه إلّا أنّ الآية بلفظها لا تنطبق عليه بما فيه من الخصوصيّات وهو ظاهر.

وذكر بعض آخر: أنّ المعنى لم يكن معهوداً من حال قرية من القرى أن يكفر ثمّ يؤمن فينفعها إيمانها إلّا قوم يونس لمّا آمنت كشفنا عنهم العذاب ومتّعناهم. والإشكال عليه كالإشكال على سابقه.

قوله تعالى: ( وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا ) أي لكنّه لم يشأ ذلك فلم يؤمن جميعهم ولا يؤمن فالمشيّة في ذلك إلى الله سبحانه ولم يشأ ذلك فلا ينبغى لك أن تطمع فيه ولا أن تجتهد لذلك لأنّك لا تقدر على إكراههم وإجبارهم على الإيمان، والإيمان الّذى نريده منهم هو ما كان عن حسن الاختيار لا ما كان عن إكراه وإجبار.

ولذلك قال بعد ذلك في صورة الإستفهام الإنكارى:( أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ ) أي بعد ما بيّنا أنّ أمر المشيّة إلى الله وهو لم يشأ إيمان جميع الناس فلا يؤمنون باختيارهم البتّة لم يبق لك إلّا أن تكره الناس وتجبرهم على الإيمان، وأنا اُنكر ذلك عليك فلا أنت تقدر على ذلك ولا أنا أقبل الإيمان الّذى هذا نعته.

قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ) لمّا ذكر في الآية السابقة أنّ الأمر إلى الله سبحانه لو شاء أن يؤمن

١٢٩

أهل الأرض جميعاً لآمنوا لكنّه لم يشأ فلا مطمع في إيمان الجميع زاد في هذه الآية في بيان ذلك ما محصّله أنّ الملك - بالكسر - لله فله أصالة التصرّف في كلّ أمر لا يشاركه في ذلك مشارك إلّا أن يأذن لبعض ما خلقه في بعض التصرّفات.

والإيمان بالله عن اختيار والاهتداء إليه أمر من الاُمور يحتاج في تحقّقه إلى سبب يخصّه، ولا يؤثّر هذا السبب ولا يتصرّف في الكون بإيجاد مسبّبه إلّا عن إذن من الله سبحانه في ذلك لكنّ الله سبحانه بجعل الرجس والضلال على أهل العناد والجحود لم يأذن في إيمانهم، ولا رجاء في سعادتهم.

ولو أنّه تعالى أذن في ذلك لأحد لأذن في إيمان غير اُولئك المكذّبين فقوله:( وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَن تُؤْمِنَ إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ ) حكم عامّ حقيقيّ ينيط تملّك النفوس للإيمان إلى إذن الله، وقوله:( وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ ) الخ، يسلب عن الّذين لا يعقلون استعداد حصول الإذن فيبقى غيرهم.

وقد اُريد في الآية بالرجس ما يقابل الإيمان من الشكّ والريب بمعنى أنّه هو المصداق المنطبق عليه الرجس في المقام لما قوبل بالإيمان، وقد عرّف في قوله تعالى:( وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ ) الانعام: ١٢٥.

وقد اُريد أيضاً بقوله:( الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ ) أهل التكذيب بآيات الله من جهة أنّهم ممّن حقّت عليه كلمة العذاب فإنّهم الّذين طبع الله على قلوبهم فهم لا يعقلون قال:( وَطَبَعَ اللهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) التوبة: ٩٣.

قوله تعالى: ( قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) أي من المخلوقات المختلفة المتشتّة الّتى كلّ واحد منها آية من آيات الله تعالى تدعو إلى الإيمان، وقوله:( وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ) ظاهره أنّ( مَا ) استفهاميّة والجملة مسوقة بداعي الإنكار وإظهار الأسف كقول الطبيب: بماذا اُعالج الموت؟ أي إنّا أمرناك أن تنذرهم بقولنا:( قُلِ انظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ ) الخ، لكن أيّ تأثير للنذر فيهم أو للآيات فيهم وهم لا يؤمنون أي عازمون مجمعون على أن لا يؤمنوا بالطبع

١٣٠

الّذى على قلوبهم وربّما قيل: إنّ ما نافية.

قوله تعالى: ( فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ ) تفريع على ما في الآية السابقة من قوله:( وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَن قَوْمٍ لَّا يُؤْمِنُونَ ) أي إذا لم تغن الآيات والنذر عنهم شيئاً وهم لا يؤمنون البتّة فهم لا ينتظرون إلّا مثل أيّام الّذين خلوا من قبلهم، وإنّما يحبسون نفوسهم لآية العذاب الإلهىّ الّتى تفصل بينك وبينهم فتقضى عليهم لأنّهم حقّت عليهم كلمة العذاب.

ولذا أمر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يبلّغهم ذلك بقوله:( قُلْ فَانتَظِرُوا ) أي مثل أيّام الّذين خلوا من قبلكم يعنى يوم العذاب الّذى يفصل بينى وبينكم فتؤمنون ولا ينفعكم إيمانكم( إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ) .

وقد تبيّن بما مرّ أنّ الاستفهام في الآية إنكارىّ.

قوله تعالى: ( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ) الجملة تتمّة صدر الآية السابقة وقوله:( قُلْ فَانتَظِرُوا ) الخ، جملة معترضة والنظم الأصلىّ بحسب المعنى( فَهَلْ يَنتَظِرُونَ ) أي قومك هؤلاء( إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ ) من الاُمم الّذين كانت تحقّ عليهم كلمة العذاب فنرسل إليهم آية العذاب( ثُمَّ نُنَجِّي رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا ) .

وإنّما اعترض بقوله:( قُلْ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ) بين الكلام لأنّه يتعلّق بالجزء الّذى يتقدّمه من مجموع الكلام المستفهم عنه فإنّه المناسب لأن يجعل جواباً لهم، وهو يتضمّن انتظار النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للقضاء بينه وبينهم، وأمّا تنجيته وتنجية المؤمنين به فإنّ المنتظر لها هو النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنون لا هو وحده، ولا يتعلّق هذا الانتظار بفصل القضاء بل بالنجاة من العذاب، وهو مع ذلك لا يتعلّق به غرض في المقام الّذى سيق فيه الكلام لإنذار المشركين لا لتبشير النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين فافهم ذلك.

وأمّا قوله:( كَذَٰلِكَ حَقًّا عَلَيْنَا نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ) فمعناه كما كنّا ننجي الرسل والّذين آمنوا في الاُمم السابقة عند نزول العذاب كذلك ننجي المؤمنين بك من

١٣١

هذه الاُمّة حقّ علينا ذلك حقّاً، فقوله:( حَقًّا عَلَيْنَا ) مفعول مطلق قام مقام فعله المحذوف، واللّام في( الْمُؤْمِنِينَ ) للعهد والمراد به مؤمنو هذه الاُمّة، وهذا هو الوعد الجميل للنبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والمؤمنين من هذه الاُمّة بالإنجاء.

وليس من البعيد أن يستفاد من قوله:( نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ) أنّ فيه تلويحاً إلى أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لا يدرك هذا القضاء، وإنّما يقع بعد ارتحاله حيث ذكر المؤمنون ولم يذكر معهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم مع أنّه تعالى ذكر في السابقين رسله مع المؤمنين بهم كما ربّما يخطر بالبال من تكرّر قوله تعالى في كلامه:( فَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ ) أو ما في معناه.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ عن محمّد بن سعيد الأسديّ أن موسى بن محمّد بن الرضا أخبره أن يحيى بن أكثم كتب إليه يسأله عن مسائل: أخبرني عن قول الله تبارك وتعالى:( فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ) من المخاطب بالآية؟ فإن كان المخاطب فيها النبيّ فقد شكّ فيما أنزل الله، وإن كان المخاطب بها غيره فعلى غيره إذا نزل الكتاب.

قال موسى: فسألت أخى عن ذلك. قال: فأمّا قوله:( فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ) فإنّ المخاطب بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولم يكن في شكّ ممّا أنزل الله، ولكن قالت الجهلة: كيف لم يبعث إلينا نبيّاً من الملائكة؟ إنّه لم يفرّق بينه وبين غير فى الاستغناء في المأكل والمشرب والمشى في الأسواق فأوحى الله إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فاسأل الّذين يقرؤون الكتاب من قبلك بمحضر الجهلة هل بعث الله رسولاً من قبلك إلّا وهو يأكل الطعام ويشرب ويمشى في الأسواق؟ ولك بهم اُسوة.

وإنّما قال: فإن كنت في شكّ، ولم يكن ولكن ليتبعهم كما قال له:( فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَل

١٣٢

لَّعْنَتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) ، ولو قال: تعالوا نبتهل فنجعل لعنة الله عليكم لم يكونوا يجيؤن للمباهلة، وقد عرف أنّ نبيّه مؤدّ عنه رسالته وما هو من الكاذبين، كذلك عرف النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه صادق فيما يقول ولكن أحبّ أن ينصف من نفسه.

أقول: ورواه الصدوق في المعاني بإسناده عن موسى بن محمّد بن علىّ، وهو يرجع إلى ما قدّمناه، وقد ورد في بعض الروآيات أنّ الآية نزلت ليلة المعراج فأمره الله أن يسأل أرواح الأنبياء عن ذلك، وهم الّذين أرادهم بقوله:( الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ ) وروى الوجه أيضاً عن الزهريّ لكن في انطباقه على لفظ الآية خفاء.

وفي الدرّ المنثور أخرج عبد الرزّاق وابن جرير عن قتادة في الآية قال: ذكر لنا أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لا أشكّ ولا أسأل.

وفي تفسير العيّاشيّ عن معمر قال: قال أبو الحسن الرضاعليه‌السلام : إنّ يونس أمره الله بما أمره فأعلم قومه فأظلّهم العذاب ففرّقوا بينهم وبين أولادهم وبين البهائم وأولادها ثمّ عجّوا إلى الله وضجّوا فكفّ الله العذاب عنهم. الحديث.

أقول: وسيأتى إن شاء الله قصّة يونس وقومه في ذيل بعض الآيات المتعرّضة لتفصيل قصّتهعليه‌السلام .

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن أبى حاتم واللالكائىّ في السنّة عن علىّ بن أبى طالبعليه‌السلام قال: إنّ الحذر لا يردّ القدر، وإنّ الدعاء يردّ القدر، وذلك في كتاب الله:( إِلَّا قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُوا كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ ) الآية.

أقول: وروى ما في معناه عن ابن النجّار عن عائشة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفي الكافي والبصائر مسنداً عن أبى بصير عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: الرجس هو الشكّ ولا نشكّ في ديننا أبدا.

١٣٣

( سورة يونس آية ١٠٤ - ١٠٩)

قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي فَلَا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ( ١٠٤) وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا وَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ( ١٠٥) وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ فَإِن فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِّنَ الظَّالِمِينَ( ١٠٦) وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِن يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ( ١٠٧) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَىٰ فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِوَكِيلٍ( ١٠٨) وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ( ١٠٩)

( بيان)

الآيات، ختام السورة تفرغ المحصّل من بياناتها فتشير إجمالاً إلى التوحيد والمعاد والنبوّة، وتأمر باتّباع القرآن والصبر في انتظار حكم الله بينه وبين اُمّته.

قوله تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي ) الخ، قد تقدّم غير مرّة أنّ الدين هو السنّة المعمول بها في الحياة لنيل سعادتها وفيه معنى الطاعة كما في قوله تعالى:( وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ ) النساء: ١٤٦ وربّما استعمل بمعنى الجزاء.

١٣٤

وقوله:( إِن كُنتُمْ فِي شَكٍّ مِّن دِينِي ) أي في طريقتي الّتى أسلكها وأثبت عليها وشكّ الإنسان في دين غيره وطريقته المعمولة له إنّما يكون في ثباته عليه هل يستقرّ عليه ويستقيم؟ وقد كان المشركون يطمعون في دينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وربّما رجوا أن يحوّلوه عنه فينجوا من دعوته إلى التوحيد ورفض الشرك بالآلهة.

فالمعنى: إن كنتم تشكّون فيما أدين به وأدعو إليه هل أستقيم عليه؟ أو شككتم في دينى ما هو؟ ولم تحصّلوا الأصل الّذى يبتنى عليه فإنّى اُصرّح لكم القول فيه واُبيّنه لكم وهو أنّى لا أعبد آلهتكم وأعبد الله وحده.

وقد اُخذ في قوله:( وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ) له تعالى وصف توفّيهم دون غيره من أوصافه تعالى لأنّهم إنّما كانوا يعبدون الإله لزعمهم الحاجة إليه في دفع الضرر وجلب النفع، والتوفّى أمر لا يشكون أنّه سيصيبهم وأنّه لله وحده فمساس الحاجة إلى الأمن من ضرره يوجب عبادة الله سبحانه.

على أنّ اختيار التوفّى للذكر ليكون في الكلام تلويح إلى تهديدهم فإنّ الآيات السابقة وعدتهم العذاب وعداً قطعيّاً، ووفاة المشركين ميعاد عذابهم، ويؤيّد ذلك إتباع قوله:( وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ ) بقوله:( َأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) فإنّ نجاتهم من العذاب جزء الوعد الّذى ذكره الله في الآيتين السابقتين على هذه الآية:( فَهَلْ يَنتَظِرُونَ إِلَّا مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِهِمْ - إلى قوله -نُنجِ الْمُؤْمِنِينَ ) .

والمعنى: فاعلموا واستيقنوا أنّى لا أعبد آلهتكم ولكن أعبد الله الّذى وعد عذاب المكذّبين منكم وإنجاء المؤمنين وأمرني أن أكون منهم كما أمرنى أن أجتنب عبادة الآلهة.

قوله تعالى: ( وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا ) عطف على موضع قوله:( وَأُمِرْتُ أَنْ ) الخ، فإنّه في معنى وكن من المؤمنين، وقد مرّ الكلام في معنى إقامة الوجه للدين الحنيف غير مرّة.

قوله تعالى: ( وَلَا تَدْعُ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ) نهى بعد نهى

١٣٥

عن الشرك، وبيان أنّ الشرك يدخل الإنسان في زمرة الظالمين فيحقّ عليه ما أوعد الله به الظالمين في كلامه.

ومن لطيف التعبير قوله حين ذكر الدعاء:( مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ) وحين ذكر العبادة:( الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ ) فإنّ العبادة بالطبع يعطى للمعبود شعوراً وعقلاً فناسب أن يعبر عنه بنحو( الَّذِينَ ) المستعمل في ذوى العلم والعقل، والدعاء وإن كان كذلك لمساوقته العبادة غير أنّه لمّا وصف المدعوّ بما لا ينفع ولا يضرّ، وربّما توهّم أنّ ذوى العلم والعقل يصحّ أن تنفع وتضرّ، عبّر بلفظة( م ) ليلوّح إلى أنّها جماد لا يتخيّل في حقّهم إرادة نفع أو ضرر.

وفي التعبير نفسه أعنى قوله:( مَا لَا يَنفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ ) إعطاء الحجّة على النهى عن الدعاء.

قوله تعالى: ( وَإِن يَمْسَسْكَ اللهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ ) الخ، الجملة حاليّة وهى تتمّة البيان في الآية السابقة، والمعنى: ولا تدع من دون الله ما لا نفع لك عنده ولا ضرر، والحال أنّ ما مسّك الله به من ضرّ لا يكشفه غيره وما أرادك به من خير لا يردّه غيره فهو القاهر دون غيره يصيب بالخير عباده بمشيّته وإرادته، وهو مع ذلك غفور رحيم يغفر ذنوب عباده ويرحمهم، واتّصافه بهذه الصفات الكريمة وكون غيره صفر الكفّ منها يقتضى تخصيص العبادة والدعوة به.

قوله تعالى: ( قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ ) وهو القرآن أو ما يشتمل عليه من الدعوة الحقّة، وقوله:( فَمَنِ اهْتَدَىٰ ) إلى آخر الآية، إعلام لهم بكونهم مختارين فيما ينتخبونه لأنفسهم من غير أن يسلبوا الخيرة ببيان حقيقة هي أنّ الحقّ - وقد جاءهم - من حكمه أنّ من اهتدى إليه فإنّما يهتدى ونفعه عائد إليه، ومن ضلّ عنه فإنّما يضلّ وضرره على نفسه فلهم أن يختاروا لأنفسهم ما يحبّونه من نفع أو ضرر، وليس هوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكيلاً لهم يتصدّى من الفعل ما هو لهم فالآية كناية عن وجوب اهتدائهم إلى الحقّ لأنّ فيه نفعهم.

قوله تعالى: ( وَاتَّبِعْ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ وَاصْبِرْ حَتَّىٰ يَحْكُمَ اللهُ وَهُوَ خَيْرُ

١٣٦

الْحَاكِمِينَ ) أمر باتّباع ما يوحى إليه والصبر على ما يصيبه في جنب هذا الاتّباع من المصائب والمحن، ووعد بأنّ الله سبحانه سيحكم بينه وبين القوم، ولا يحكم إلّا بما فيه قرّة عينه فالآية تشتمل على أمره بالاستقامة في الدعوة وتسليته فيما يصيبه، ووعده بأنّ العاقبة الحسنى له.

وقد اختتمت الآية بحكمه تعالى، وهو الّذى عليه يعتمد معظم آيات السورة في بيانها. والله أعلم

١٣٧

بسم الله الرحمن الرحيم

( سورة هود مكّيّة وهى مائة وثلاث وعشرين آية)

( سورة هود آية ١ - ٤)

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ( ١) أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ( ٢) وَأَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُم مَّتَاعًا حَسَنًا إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ وَإِن تَوَلَّوْا فَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ كَبِيرٍ( ٣) إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ وَهُوَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ( ٤)

( بيان)

السورة كما يظهر من مفتتحها ومختتمها والسياق الّذى يجرى عليه آياتها تبيّن غرض الآيات القرآنيّة على كثرتها وتشتّتها، وتصف المحصّل من مقاصدها على اختلافها والملخّص من مضامينها.

فتذكر أنّها على احتوائها معارف الدين المختلفة من اُصول المعارف الإلهيّة والأخلاق الكريمة الإنسانيّة، والأحكام الشرعيّة الراجعة إلى كلّيّات العبادات والمعاملات والسياسات والولايات ثمّ وصف عامّة الخليقة كالعرش والكرسيّ واللوح والقلم والسماء والأرض والملائكة والجنّ والشياطين والنبات والحيوان والإنسان، ووصف بدء الخلقة وما ستعود إليه من الفناء والرجوع إلى الله سبحانه.

١٣٨

وهو يوم البعث بما يتقدّمه من عالم القبر وهو البرزخ ثمّ القيام لربّ العالمين والحشر والجمع والسؤال والحساب والوزن وشهادة الأشهاد ثمّ فصل القضاء ثمّ الجنّة أو النار بما فيهما من الدرجات والدركات.

ثمّ وصف الرابطة الّتى بين خلقة الإنسان وبين عمله، وما بين عمله وما يستتبعه من سعادة أو شقاوة ونعمة أو نقمة ودرجة أو دركة، وما يتعلّق بذلك من الوعد والوعيد والإنذار والتبشير بالموعظة والمجادلة الحسنة و الحكمة.

فالآيات القرآنيّة على احتوائها تفاصيل هذه المعارف الإلهيّة والحقائق الحقّة تعتمد على حقيقة واحدة هي الأصل وتلك فروعه، وهى الأساس الّذى بنى عليه بنيان الدين وهو توحيده تعالى توحيد الاسلام بأن يعتقد أنّه تعالى هو ربّ كلّ شئ لا ربّ غيره ويسلّم له من كلّ وجهة فيوفى له حقّ ربوبيّته، ولا يخشع في قلب ولا يخضع في عمل إلّا له جلّ أمره.

وهذا أصل يرجع إليه على إجماله جميع تفاصيل المعاني القرآنيّة من معارفها وشرائعها بالتحليل، وهو يعود إليها على ما بها من التفصيل بالتركيب.

فالسورة تبيّن ذلك بنحو الإجمال في هذه الآيات الأربع الّتى افتتحت بها ثمّ تأخذ في بيانه التفصيليّ بسمة الإنذار والتبشير بذكر ما لله من السنّة الجارية في عباده، وإيراد أخبار الاُمم الماضية، وقصص أقوام نوح وهود وصالح ولوط وشعيب وموسىعليهم‌السلام ، وما ساقهم إليه الاستكبار عن إجابة الدعوة الإلهيّة والافساد في الأرض والإسراف في الأمر، ووصف ما وعد الله به الّذين آمنوا وعملوا الصالحات وما أوعد الله به الّذين كفروا وكذّبوا بالآيات، وتبيّن في خلال ذلك أموراً من المعارف الإلهيّة الراجعة إلى التوحيد والنبوّة والمعاد.

وممّا تقدّم يظهر ما في قول بعضهم عند ما ذكر غرض هذه السورة: أنّها في معنى سورة يونس وموضوعها، وهو اُصول عقائد الإسلام في الإلهيّات والنبوّات والبعث والجزاء وعمل الصالحات، وقد فصّل فيها ما أجمل في سورة يونس من قصص الرسلعليهم‌السلام . انتهى.

١٣٩

وقد عرفت أنّ السورتين مسوقتان لغرضين مختلفين لا يرجع أحدهما إلى الآخر البتّة فسورة يونس تبيّن أنّ السنّة الإلهيّة جارية على القضاء بين الرسل وبين اُممهم المكذّبين لهم، ثمّ توعد هذه الاُمّة بما جرى مثله على الّذين من قبلهم، وسورة هود تبيّن أنّ المعارف القرآنيّة ترجع بالتحليل إلى التوحيد الخالص كما أنّ التوحيد يعود بحسب التركيب إلى تفاصيل المعارف الأصليّة والفرعيّة.

والسورة - على ما تشهد به آياتها بمضامينها والاتّصال الظاهر بينها - مكّيّة نازلة دفعة واحدة، وقد روى عن بعضهم استثناء قوله تعالى:( فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَىٰ إِلَيْكَ ) الآية ١٢ فذكر أنّها مدنيّة.

واستثنى بعضهم قوله:( أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّهِ ) الآية ١٧، وبعضهم قوله تعالى:( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ ) الآية ١١٤، ولا دليل على شئ من ذلك من طريق اللفظ، وظاهر اتّصالها أنّها جميعاً مكّيّة.

قوله تعالى: ( الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ) المقابلة بين الإحكام والتفصيل الّذى هو إيجاد الفصل بين أجزاء الشئ المتّصل بعضها ببعض، والتفرقة بين الاُمور المندمجة كلّ منها في آخر تدلّ على أنّ المراد بالإحكام ربط بعض الشئ ببعضه الآخر وإرجاع طرف منه إلى طرف آخر بحيث يعود الجميع شيئاً واحداً بسيطا غير ذى أجزاء وأبعاض.

ومن المعلوم أنّ الكتاب إذا اتّصف بالإحكام والتفصيل بهذا المعنى الّذى مر فإنّما يتّصف بهما من جهة ما يشتمل عليه من المعنى والمضمون لا من جهة ألفاظه أو غير ذلك، وأنّ حال المعاني في الإحكام والتفصيل والاتّحاد والاختلاف غير حال الأعيان فالمعاني المتكثّرة إذا رجعت إلى معنى واحد كان هذا الواحد هو الأصل المحفوظ في الجميع وهو بعينه على إجماله هذه التفاصيل، وهى بعينها على تفاصيلها ذاك الإجمال وهذا كلّه ظاهر لا ريب فيه.

وعلى هذا فكون آيات الكتاب محكمة أوّلاً ثمّ مفصّلة ثانياً معناه أنّ الآيات الكريمة القرآنيّة على اختلاف مضامينها وتشتّت مقاصدها وأغراضها ترجع إلى

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406