الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٠

الميزان في تفسير القرآن14%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 406

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 406 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114205 / تحميل: 6641
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

متمّم للبيان في هذه الآية:( وَإِذَا مَسَّ الْإِنسَانَ الضُّرُّ دَعَانَا ) إلى آخر الايه.

قوله تعالى: ( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ ) إلى آخر الآية، قد ظهر معناه ممّا تقدّم، وفي الآية التفات في قوله:( مِن قَبْلِكُمْ ) من الغيبة إلى الخطاب، وكأنّ النكتة فيه التشديد في الإنذار لأنّ الإنذار و التخويف بالمشافهة أوقع أثراً وأبلغ من غيره.

ثمّ في قوله:( كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ ) التفات آخر بتوجيه الخطاب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والنكتة فيه أنّه إخبار عن السنّة الإلهيّة في أخذ المجرمين، والنبىّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هو الأهل لفهمه والإذعان بصدقه دونهم ولو أذعنوا بصدقه لآمنوا به ولم يكفروا، وهذا بخلاف قوله:( وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِن قَبْلِكُمْ وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم ) فإنّه خبر تاريخيّ لا ضير في تصديقهم به.

قوله تعالى: ( ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِن بَعْدِهِمْ لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ ) معناه ظاهر، وفيه بيان أنّ سنّة الامتحان والابتلاء عامّة جارية.

٢١

( سورة يونس آية ١٥ - ٢٥)

وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ( ١٥) قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ( ١٦) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ( ١٧) وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ( ١٨) وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ( ١٩) وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ( ٢٠) وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ( ٢١) هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ دَعَوُا اللهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ( ٢٢) فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ فَنُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ( ٢٣)

٢٢

إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّىٰ إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَٰلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ( ٢٤) وَاللهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ( ٢٥)

( بيان)

احتجاجات يلقّنها الله سبحانه نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليردّ بها ما قالوه في كتاب الله أو في آلهتهم أو اقترحوه في نزول الآية.

قوله تعالى: ( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) هؤلاء المذكورون في الآية كانوا قوماً وثنيّين يقدّسون الأصنام ويعبدونها، ومن سننهم التوغّل في المظالم والآثام واقتراف المعاصي، والقرآن ينهى عن ذلك كلّه، ويدعو إلى توحيد الله تعالى ورفض الشركاء، وعبادة الله مع التنزّه عن الظلم والفسق واتّباع الشهوات.

ومن المعلوم أنّ كتاباً هذا شأنه إذا تليت آياته على قوم ذلك شأنهم لم يكن ليوافق ما تهواه أنفسهم بما يشتمل عليه من الدعوة المخالفة فلو قالوا: ائت بقرآن غير هذا دلّ على أنّهم يقترحون قرآناً لا يشتمل على ما يشتمل عليه هذا القرآن من الدعوة إلى رفض الشركاء واتّقاء الفحشاء والمنكر، وإن قالوا: بدلّ القرآن كان مرادهم تبديل ما يخالف آراءهم من آياته إلى ما يوافقها حتّى يقع منهم موقع القبول، وذلك كالشاعر ينشد من شعره أو القاصّ يقصّ القصّة فلا تستحسنه طباع السامعين فيقولون: ائت بغيره أو بدّله، وفي ذلك تنزيل القرآن أنزل مراتب الكلام وهو لهو الحديث الّذى إنّما يلقى لتلهو به نفس سامعه وتنشط به عواطفه ثمّ لا يستطيبه

٢٣

السامع فيقول: ائت بغير هذا أو بدّله.

فبذلك يظهر أنّ قولهم إذا تليت عليهم آيات القرآن:( ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا ) يريدون به قرآناً لا يشتمل من المعارف على ما يتضمّنه هذا القرآن بأن يترك هذا ويؤتى بذاك، وقولهم:( أَوْ بَدِّلْهُ ) أن يغيّر ما فيه من المعارف المخالفة لأهوائهم إلى معان يوافقها مع حفظ أصله فهذا هو الفرق بين الإتيان بغيره وبين تبديله.

فما قيل: إنّ الفرق بينهما أنّ الإتيان بغيره قد يكون معه وتبديله لا يكون إلّا برفعه، غير سديد. فإنّهم ما كانوا يريدون أن يأتيهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بهذا القرآن وغيره معاً قطعاً.

وكذا ما ذكره بعضهم أنّ قولهم:( ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) إنّما أرادوا به أن يمتحنوه بذلك فيغرّوه حتّى إذا أجابهم إلى ذلك كان ذلك نقضاً منه لدعوى نفسه أنّه كلام الله، وذلك أنّهم لمّا سمعوا ما بلّغهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من آيات القرآن وتلاه عليهم وتحدّاهم بالإتيان بمثله وعجزوا عن الإتيان بمثله، وكانوا في ريب من كونه كلام الله، وفي ريب من كونه من النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نفسه ولم يكن يفوقهم في الفصاحة والبلاغة والعلم، بل كانوا يرونه دون كبار فصحائهم ومصاقع خطبائهم أرادوا أن يمتحنوه بهذا القول حتّى إذا أتاهم بما سألوه كان ذلك ناقضاً لأصل دعواه أنّه كلام الله. وكان قصارى أمره أنّه امتاز عليهم بهذا النوع من البيان لقوّة نفسيّة فيه كانت خفيّة عليهم كأسباب السحر لا بوحى. هذا.

وفيه مضافاً إلى مناقضة آخره أوّله أنّه مدفوع بما يلقّنه الله سبحانه من الحجّة فإنّ السؤال الّذى لم يصدر إلّا بداعي الامتحان والاختبار من غير داع جدّىّ لا معنى للجواب عنه بالإثبات الجدّىّ بحجّة جدّيّة وهو ظاهر.

وفي قوله:( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ) التفات من الخطاب إلى الغيبة، والظاهر أنّ النكتة فيه أن يكون توطئه إلى إلقاء الأمر إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بقوله:( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ ) الخ، فإنّ ذلك لا يتمّ إلّا بصرف الخطاب عنهم وتوجيهه إليهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

قوله تعالى: ( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِن تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا

٢٤

يُوحَىٰ إِلَيَّ ) إلى آخر الآية التلقاء، بكسر التاء مصدر كاللقاء نظير التبيان والبيان ويستعمل ظرفاً.

والله سبحانه على ما أجاب عن مقترحهم بقولهم:( ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) في أثناء كلامه بقوله( بيّنات ) فإنّ الآيات إذا كانت بيّنات ظاهرة الاستناد إلى الله سبحانه كشفت كشفا قطعيّاً عمّا يريده الله سبحانه منهم من رفض الأصنام والاجتناب من كلّ ما لا يرتضيه بما أوحى إلى رسولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من تفصيل دينه، ردّ سؤالهم إليهم تفصيلا بتلقين نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الحجّة في ذلك بقوله:( قُلْ مَا يَكُونُ لِي ) إلى آخر الآيات الثلاث.

فقوله:( قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ ) الخ، جواب عن قولهم:( أَوْ بَدِّلْهُ ) ومعناه: قل لا أملك - وليس لى بحقّ - أن أبدّله من عند نفسي لأنّه ليس بكلامي وإنّما هو وحى إلهىّ أمرنى ربّى أن أتّبعه ولا أتّبع غيره، وإنّما لا اُخالف أمر ربّى لأنّى أخاف إن عصيت ربّى عذاب يوم عظيم وهو يوم لقائه.

فقوله:( مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ ) نفى الحقّ وسلب الخيرة، وقوله:( إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰ إِلَيَّ ) في مقام التعليل بالنسبة إلى قوله:( مَا يَكُونُ لِي ) وقوله:( إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي ) الخ، في مقام التعليل بالنسبة إلى قوله:( إِنْ أَتَّبِعُ ) الخ، بما يلوح منه أنّه ممّا تعلّق به الأمر الإلهىّ.

وفي قوله:( إنّى أخاف إن عصيت ربّى عذاب يوم عظيم) نوع محاذاة لما في صدر الكلام من قوله:( قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ ) الخ فإنّ الإتيان بالوصف للإشعار بأنّ الباعث لهم أن يقولوا ما قالوا إنّما هو إنكارهم للمعاد وعدم رجائهم لقاء الله فقابلهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بأمر من ربّه بقوله:( إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ) فيؤول المعنى إلى أنّكم تسألون ما تسألون لأنّكم لا ترجون لقاء الله لكنّنى لا أشكّ فيه فلا يمكننى إجابتكم إليه لأنّى أخاف عذاب يوم اللقاء، وهو يوم عظيم.

٢٥

وفي تبديل يوم اللقاء بيوم عظيم فائدة الإنذار مضافاً إلى أنّ العذاب لا يناسب اللقاء تلك المناسبة.

قوله تعالى: ( قُل لَّوْ شَاءَ اللهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُم بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِّن قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) أدراكم به أي أعلمكم الله به، والعمر بضمّتين أو بالفتح فالسكون هو البقاء، وإذا استعمل في القسم كقولهم: لعمري ولعمرك تعيّن الفتح.

وهذه الآية تتضمّن ردّ الشقّ الأوّل من سؤالهم وهو قولهم:( ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا ) ومعناها على ما يساعد عليه السياق: أنّ الأمر فيه إلى مشيّة الله لا إلى مشيّتى فإنّما أنا رسول ولو شاء الله أن ينزّل قرآناً غير هذا ولم يشأ هذا القرآن ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فإنّى مكثت فيكم عمراً من قبل نزول القرآن وعشت بينكم وعاشرتكم وعاشرتمونى وخالطتكم وخالطتمونى فوجدتمونى لا خبر عندي من وحى القرآن، ولو كان ذلك إلىّ وبيدي لبادرت إليه قبل ذلك، وبدت من ذلك آثار ولاحت لوائحه، فليس إلىّ من الأمر شئ، وإنّما الأمر في ذلك إلى مشيّة الله وقد تعلّقت مشيّته بهذا القرآن لا غيره أفلا تعقلون؟

قوله تعالى: ( فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَىٰ عَلَى اللهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ) استفهام إنكارىّ أي لا أحد أظلم وأشدّ إجراماً من هذين الفريقين: المفترى على الله كذبا، والمكذّب بآياته فانّ الظلم يعظم بعظمة من يتعلّق به وإذا اختصّ بجنب الله كان أشدّ الظلم.

وظاهر سياق الاحتجاج في الآيتين أنّ هذه الآية من تمامها والمعنى: لا اُجيبكم إلى ما اقترحتم علىّ من الإتيان بقرآن غير هذا أو تبديله فإنّ ذلك ليس إلىّ ولا لى حقّ فيه، ولو أجبتكم إليه لكنت أظلم الناس وأشدّهم إجراماً ولا يفلح المجرمون فإنّى لو بدّلت القرآن وغيّرت بعض مواضعه ممّا لا ترتضونه لكنت مفتريا على الله كذباً ولا أظلم منه، ولو تركت هذا القرآن وجئتكم بغيره ممّا ترتضونه لكنت مكذّبا لآيات الله، ولا أظلم منه.

وربّما احتمل كون الاستفهام الإنكارىّ بشقّيه تعريضاً للمشركين أي أنتم

٢٦

أظلم الناس بإثباتكم لله شركاء وهو افتراء الكذب على الله وبتكذيبكم بنبوّتي والآيات النازلة علىّ وهو تكذيب بآيات الله ولا يفلح المجرمون.

وذكر بعضهم أنّ الأوّل من شقّى الترديد للنبىّ على تقدير إجابتهم والثانى للمشركين، أي لا أحد أظلم عند الله من هذين الفريقين: المفترين على الله والمكذّبين بآياته، وأنا أنعى عليكم الثاني منهما فكيف أرضى لنفسي بالأوّل وهو شرّ منه؟ وأىّ فائدة لى من هذا الإجرام العظيم وأنا اُريد الإصلاح.؟

والّذى ذكره من المعنى لا بأس به في نفسه لكنّ الشأن في استفادته من الآية ودلالة لفظها عليه، وكذا الوجه السابق عليه بالنظر إلى السياق.

قوله تعالى: ( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِندَ اللهِ ) إلى آخر الآية، الكلام: موجّه نحو عبدة الأصنام من المشركين وإن كان ربّما شمل غيرهم كأهل الكتاب بحسب سعة معناه، وذلك لمكان( مَا ) وكون السورة مكّيّة من أوائل ما نزل على النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من القرآن.

وقد كانت عبدة الأصنام يعبدون الأصنام ليتقرّبوا بعبادتها إلى أربابها وبأربابها إلى ربّ الأرباب وهو الله سبحانه، ويقولون: إنّنا على ما بنا من ألواث البشريّة المادّيّة وقذارات الذنوب والآثام لا سبيل لنا إلى ربّ الأرباب لطهارة ساحته وقدسها ولا نسبة بيننا وبينه.

فمن الواجب أن نتقرّب إليه بأحبّ خلائقه إليه وهم أرباب الأصنام الّذين فوّض الله إليهم أمر تدبير خلقه، ونتقرّب إليهم بأصنامهم وتماثيلهم وإنّما نعبد الأصنام لتكون شفعاء لنا عند الله لتجلب إلينا الخير وتدفع عنّا الشرّ فتقع العبادة للأصنام حقيقة، والشفاعة لأربابها وربّما نسبت إليها.

وقد وضع في الكلام قوله:( مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ) موضع الأصنام للتلويح إلى موضع خطأهم في مزعمتهم، وهو أنّ هذا السعي إنّما كان ينجح منهم لو كانت هذه الأصنام ضارّة نافعة في الاُمور وكانت ذوات شعور بالعبادة والتقرّب حتّى ترضى عن عبّادها بعبادتهم لها فتشفع أو يشفع أربابها لهم عند الله إن كان الله يرتضى شفاعتهم

٢٧

وهؤلاء أجسام ميتة لا تشعر بشئ ولا تضرّ ولا تنفع شيئاً.

وقد أمر الله سبحانه نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يحتجّ على بطلان دعواهم الشفاعة - مضافاً إلى ما يلوّح إليه قوله:( لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ) - بقوله:( قُلْ أَتُنَبِّئُونَ اللهَ بِمَا لَا يَعْلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ ) ومحصّله أنّ الله سبحانه لا علم له بهذه الشفعاء في شئ من السماوات والأرض فدعواكم هذه إخبار منكم إيّاه بما لا يعلم، وهو من أقبح الافتراء وأشنع المكابرة، وكيف يكون في الوجود شئ لا يعلم به الله وهو يعلم ما في السماوات والأرض؟

فالاستفهام إنكارىّ، ونفى العلم بوجود الشفعاء كناية عن نفى وجودها، ولعلّ اختيار هذا التعبير لكون الشفاعة ممّا يتقوّم بالعلم لذاته فإنّ الشفاعة إنّما تتحقّق إذا كان المشفوع عنده عالماً بوجود الشافع وشفاعته فإذا فرض أنّه لا يعلم بالشفعاء فكيف تتحقّق الشفاعة عنده وهو لا يعلم.

وقوله:( سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ) كلمة تنزيه، وهى من كلام الله وليست مقولة قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فإنّ ظرف المشركين بالنسبة إليه هو الخطاب دون الغيبة فلو كان من كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لقيل: عمّا تشركون بالخطاب.

قوله تعالى: ( وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا ) قد تقدّم في تفسير قوله تعالى:( كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) البقرة: ٢١٣ أنّ الآية تكشف عن نوعين من الاختلاف بين الناس:

أحدهما: الاختلاف من حيث المعاش وهو الّذى يرجع إلى الدعاوى وينقسم به الناس إلى مدّع ومدّعى عليه وظالم ومظلوم ومتعدّ ومتعدّي عليه وآخذ بحقّه وضائع حقّه، وهذا هو الّذى رفعه الله سبحانه بوضع الدين وبعث النبيّين وإنزال الكتاب معهم ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، ويعلّمهم معارف الدين ويواجههم بالإنذار والتبشير.

٢٨

وثانيهما: الاختلاف في نفس الدين وما تضمّنه الكتاب الإلهىّ من المعارف الحقّة من الاُصول والفروع، وقد صرّح القرآن في مواضع من آياته أنّ هذا النوع من الاختلاف ينتهى إلى علماء الكتاب بغياً بينهم، وليس ممّا يقتضيه طباع الإنسان كالقسم الأوّل، وبذلك ينقسم الطريق إلى طريقي الهداية والضلال فهدى الله الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ، وقد ذكر سبحانه في مواضع من كلامه بعد ذكر هذا القسم من الاختلاف أنّه لو لا قضاء من الله سبق لحكم بينهم فيما اختلفوا فيه ولكن يؤخّرهم إلى أجل، قال تعالى:( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) الشورى: ١٤ إلى غير ذلك من الآيات.

وسياق الآية السابقة أعنى قوله تعالى:( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ ) الخ، لا يناسب من الاختلافين المذكورين إلّا الاختلاف الثاني وهو الاختلاف في نفس الدين لأنّها تذكر ركوب الناس طريق الضلال بعبادتهم ما لا يضرّهم ولا ينفعهم واتّخاذهم شفعاء عند الله، ومقتضى ذلك أن يكون المراد من كون الناس سابقاً اُمّة واحدة كونهم على دين واحد وهو دين التوحيد ثمّ اختلفوا فتفرّقوا فريقين موحّد ومشرك.

فذكر الله فيها أنّ اختلافهم كان يقضى أن يحكم الله بينهم باظهار الحقّ على الباطل وفيه هلاك المبطلين وإنجاء المحقّين لكنّ السابق من الكلمة الإلهيّة منعت من القضاء بينهم، والكلمة هي قوله تعالى لمّا أهبط الإنسان إلى الدنيا:( وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ ) البقرة: ٣٦.

وللمفسرين في الآية أقوال عجيبة منها: أنّ المراد بالناس هم العرب كانوا على دين واحد حقّ وهو دين إبراهيمعليه‌السلام إلى زمن عمرو بن لُحَىّ الّذى روّج بينهم الوثنيّة فانقسموا إلى حنفاء مسلمين، وعبدة أصنام مشركين، وأنت خبير أنّه لا دليل عليه من جهة اللّفظ البتّة.

ومنها: أنّ المراد بالناس جميعهم، والمراد من كونهم اُمّة واحدة كونهم على

٢٩

فطرة الاسلام وإن كانوا مختلفين دائماً، فلفظة( كان ) منسلخ الزمان، والآية تحكى عمّا عليه الناس بحسب الطبع وهو التوحيد، وما هم عليه بحسب الفعليّة وهو الاختلاف فليس الناس بحسب الطبع الفطريّ إلّا اُمّة واحدة موحّدين لكنّهم اختلفوا على خلاف فطرتهم.

وفيه أنّه خلاف ظاهر الآية والآية الّتى في سورة البقرة، وكذا ظاهر سائر الآيات كقوله:( وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) الشورى: ١٤ وقوله:( وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ ) آل عمران: ١٩.

على أنّ القول بوجود الاختلاف الدائم بين الناس مع عدم رجوعه إلى الفطرة ممّا لا يجتمعان.

ومنها: أنّ المراد أنّ الناس جميعاً كانوا على ملّة واحدة هي الكفر والشرك ثمّ اختلفوا فكان مسلم وكافر.

وهذا أسخف الأقوال في الآية فإنّه مضافاً إلى كونه قولا بغير دليل يأباه ظاهر الآيات فإنّ ظاهرها أنّ ظهور الاختلاف لانتهائه إلى بغى الناس من بعد ما جاءهم العلم أي ظهور الكفر والشرك عن بغى كان هو المقتضى للحكم بينهم والقضاء عليهم بنزول العذاب والهلاك فإذا كانوا جميعاً على الكفر والشرك من غير سابقه هدى وإيمان فما معنى استناد الاقتضاء إلى البغى عن علم؟ وما معنى خلق الجميع ووجود المقتضى لإهلاكهم جميعاً إلّا انتقاض الغرض الإلهىّ؟

وهذا القول أشبه بما قالته النصارى في مسألة التفدية أنّ الله خلق الإنسان ليطيعه فيسكنه الجنّة دائماً لكنّه عصاه ونقض بذلك غرض الخلقة فتداركه الله بتفدية المسيح.

ومنها: قول بعضهم: إنّ المراد بالكلمة في قوله:( وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ ) الخ قوله تعالى فهذه السورة:( إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) الآية ٩٣.

وفيه: أنّ المراد بالسبق إن كان هو السبق بحسب البيان فالآية متأخّرة عن

٣٠

هذه الآية لوقوعها في أواخر السورة، والآيات متّصلة جارية. على أنّ الآية في بنى إسرائيل خاصّة والضمير في قوله:( بَيْنَهُمْ ) راجع إليهم وهى قوله:( وَلَقَدْ بَوَّأْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ مُبَوَّأَ صِدْقٍ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ فَمَا اخْتَلَفُوا حَتَّىٰ جَاءَهُمُ الْعِلْمُ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ ) يونس: ٩٣.

على أنّ قوله في بعض الآيات:( وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ ) الشورى: ١٤ لا يلائم هذا المعنى من السبق.

وإن كأن المراد بالسبق السبق بحسب القضاء فينبغي أن يتّبع في ذلك أوّل كلمة قالها الله تعالى في ضلال الناس وشركهم و معصيتهم، وليست إلّا ما قاله عند أوّل ما أسكن الإنسان الأرض وهو ما قدّمناه من الآية.

قوله تعالى: ( وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ فَانتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُم مِّنَ الْمُنتَظِرِينَ ) الآية كقوله قبلها:( وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللهِ ) وقوله قبله:( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ) تعد اُموراً من مظالم المشركين في أقوالهم وأعمالهم ثمّ تردّ عليها بحجج تلقّنها النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ليقيمها عليهم كما مرّ في أوّل الآيات فقوله:( وَيَقُولُونَ لَوْلَا أُنزِلَ ) الخ، عطف على قوله في أوّل الآيات:( وَإِذَا تُتْلَىٰ عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا ) .

وفيها مع ذلك عود بعد عود إلى إنكارهم أمر القرآن فإنّ مرادهم بقولهم:( لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) وإن كان طلب آية اُخرى غير القرآن لكنّهم إنّما قالوه إزراءً وتحقيراً لأمر القرآن واستخفافاً به لعدم عدّه آية إلهيّة والدليل عليه قوله تعالى:( فَقُلْ إِنَّمَا الْغَيْبُ لِلَّهِ ) ولم يقل:( قُلْ ) كما قال في سائر الآيات كأنّه يقول: ويطلبون منك آية اُخرى غير مكتفين بالقرآن ولا راضين به فإذا لم يكتفوا به آية فقل: إنّما الآيات من الغيب المختصّ بالله وليست بيدى فانتظروا إنّى معكم من المنتظرين.

فهذا هو المستفاد من الآية وفيها دلالة على أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كان ينتظر آية فاصلة بين الحقّ والباطل غير القرآن قاضية بينه وبين اُمّته، وسيجئ الوعد الصريح

٣١

منه بهذه الآية - الّتى يأمر بانتظارها ههنا - في قوله:( وَإِمَّا نُرِيَنَّكَ بَعْضَ الَّذِي نَعِدُهُمْ أَوْ نَتَوَفَّيَنَّكَ فَإِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ) يونس: ٤٦ إلى تمام عدّة آيات.

قوله تعالى: ( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ) إلى آخر الآية مضمون الآية وإن كان من المعاني العامّة الجارية في أغلب الناس في أكثر الأوقات فإنّ الفرد من الإنسان لا يخلو عن أن يمسّه سرّاء بعد ضرّاء بل قلّما يتّفق أن لا يتكرّر في حقّه ذلك لكنّ الآية من جهة السياق المتقدّم كأنّها مسوقة للتعريض للمشركين ومكرهم في آيات الله، والدليل عليه قوله:( قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ) فقد كان النظر معطوفاً على مكر طائفة خاصّة وهم المخاطبون بهذه الآيات حيث كانوا يمكرون بآيات السرّاء والضرّاء بعد ظهورها، ومن مكرهم مكرهم في القرآن الّذى هو آية إلهيّة ورحمة أذاقهم الله إيّاها بعد ضرّاء الجهالة العالقة بهم وشمول ضنك العيش والذلّة والتفرقة وتباعد القلوب وبغضائها لهم وهم يمكرون به فتارة يقولون:( ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ ) وتارة يقولون:( لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِّن رَّبِّهِ ) .

فالآية تبيّن لهم أنّ هذا كلّه مكر يمكرونه في آيات الله، وتبيّن لهم أنّ المكر بآيات الله لا يعقّب إلّا السوء من غير أن ينفعهم شيئاً فإنّ الله أسرع مكرا يأخذهم مكره قبل أن يأخذ مكرهم آياته فإنّ مكرهم بآيات الله عين مكر الله بهم.

فمعنى الآية:( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ ) عبّر عن الإصابة بالإذاقة للإيماء إلى التذاذهم بالرحمة وعنايد بالقلّة فإنّ الذوق يستعمل في القليل من التغذّى( رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ ) والتعبير بالرحمة في موضع السرّاء للإشارة إلى أنّها من الرحمة الإلهيّة من غير أن يستوجبوا ذلك فكان من الواجب عليهم أن يقوموا بحقّه، ويخضعوا لما تدعو إليه الآية وهو توحيد ربّهم وشكر نعمته لكنّهم يفاجؤون بغير ذلك( إِذَا لَهُم مَّكْرٌ فِي آيَاتِنَا ) كتوجيه الحوادث بما تبطل به دلالة الآيات كقولهم قد مسّ آباءنا السرّاء والضرّاء، والاعتذار بما لا يرتضيه الله كقولهم:( لَوْلَا أُنزِلَ عَلَيْهِ آيَةٌ ) وقولهم:( إِن نَّتَّبِعِ الْهُدَىٰ مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنَا ) .

٣٢

فأمر الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يجيبهم بقوله:( قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ) ثمّ علّله بقوله:( إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) فلنا عليكم شهداء رقباء أرسلناهم إليكم يكتبون أعمالكم ويحفظونها، وبمجرّد ما عملتم عملا حفظ عليكم وتعيّن جزاؤه لكم قبل أن يؤثّر مكركم أثره أو لا يؤثّر كما فسّروه.

وهنا شئ وهو أنّ الظاهر من قوله تعالى:( هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُم بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ ) الجاثية: ٢٩ على ما سيجئ من البيان في تفسير الآية إن شاء الله تعالى أنّ معنى كتابة الملائكة أعمال العباد هو إخراجهم الأعمال من كمون الاستعدادات إلى مرحلة الفعليّة الخارجيّة ورسم نفس الأعمال في صحيفة الكون وبذلك تنجلي علّيّة كتابة الرسل لأعمالهم لكونه تعالى أسرع مكرا تمام الانجلاء فإنّ حقيقة المعنى على هذا: أنّا نحن نخرج أعمالكم الّتى تمكرون بها من داخل ذواتكم ونضعها في الخارج فكيف يخفى علينا كونكم تريدون بنا المكر بذلك؟ و هل المكر إلّا صرف الغير عمّا يقصده بحيلة وستر عليه بل ذاك الّذى تزعمونه مكراً بنا مكر منّا بكم حيث نجعلكم تزعمونه مكرا وتقدمون على المكر بنا، وهذه المزعمة والإقدام ضلال منكم وإضلال منّا لكم جزاء بما كسبته أيديكم، وسيأتى نظير هذا المعنى في قوله:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ) الآية ٢٣ من السورة.

وفي الآية التفات من الغيبة إلى الخطاب في قوله:( إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) على قراءة تمكرون بتاء الخطاب وهى القراءة المشهورة، وهو من عجيب الالتفات الواقع في القرآن ولعلّ النكتة فيه تمثيل معنى قوله:( قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ) في العين كأنّه تعالى لمّا قال لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ) أراد أن يوضحه لهم عياناً ففاجأهم بتجلّيه لهم دفعة فكلّمهم وأوضح لهم السبب في كونه أسرع مكرا ثمّ حجبهم عن نفسه فعادوا إلى غيبتهم وعاد الكلام إلى حاله، وخوطب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببقيّة الخطاب:( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ ) الخ، وهذا من لطيف الالتفات.

قوله تعالى: ( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم ) إلى آخر الآية، الفلك السفينة وتستعمل مفردا وجمعا، والمراد بها

٣٣

ههنا الجمع بدليل قوله:( وَجَرَيْنَ بِهِم ) والريح العاصف الشديدة الهبوب، وقوله:( أُحِيطَ بِهِمْ ) كناية عن الإشراف على الهلاك، وتقديره أحاط بهم البلاء أو الأمواج، والإشارة بقوله:( مِنْ هَذِهِ ) إلى الشدّة. ومعنى الآية ظاهر.

وفيها من عجيب الالتفات الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله:( وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ - إلى قوله -بِغَيْرِ الْحَقِّ ) ولعلّ النكتة فيه إرجاعهم إلى الغيبة وتوجيه الخطاب إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ووصف أعجب جزء من هذه القصّة الموصوفة له ليسمعه ويتعجّب منه، ويكون فيه مع ذلك إعراض عن الأمر بمخاطبتهم لأنّهم لا يفقهون القول.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا أَنجَاهُمْ إِذَا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ) أصل البغى هو الطلب ويكثر استعماله في مورد الظلم لكونه طلباً لحقّ الغير بالتعدّي عليه ويقيّد حينئذ بغير الحقّ، ولو كان بمعنى الظلم محضاً لكان القيد زائدا.

والجملة من تتمّة الآية السابقة، والمجموع أعني قوله:( هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ - إلى قوله -بِغَيْرِ الْحَقِّ ) بمنزلة الشاهد والمثال بالنسبة إلى عموم قوله قبله:( وَإِذَا أَذَقْنَا النَّاسَ رَحْمَةً مِّن بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُمْ ) إلى آخر الآية، أو لخصوص قوله:( قُلِ اللهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ) وعلى أيّ حال فقوله:( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمم ) الخ، ممّا يتوقّف عليه تمام الغرض من الكلام في الآية السابقة وإن لم يكن من كلام النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فافهم ذلك.

قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ ) إلى آخر الآية، في الكلام التفات من الغيبة إلى الخطاب فقوله:( يا أيّها الناس ) الخ، خطاب منه تعالى للناس بلا واسطة، وليس من كلام النبيّعليه‌السلام ممّا أمره الله سبحانه أن يخاطب به الناس.

والدليل على ذلك قوله تعالى( ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُكُمْ ) إلى آخر الآية، فإنّه لا يصلح أن يكون من خطاب النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

والنكتة في هذا الالتفات هي نظير النكتة الّتى قدّمنا ذكرها في قوله تعالى في أوّل

٣٤

الكلام:( إِنَّ رُسُلَنَا يَكْتُبُونَ مَا تَمْكُرُونَ ) فكأنّه سبحانه يفاجئهم بالاطّلاع عليهم أثناء ما يخاطبهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهم يحسبون أنّ ربّهم غائب عنهم غافل عن نيّاتهم ومقاصدهم في أعمالهم فيشرف عليهم ويمثّل بذلك كونه معهم في جميع أحوالهم وإحاطته بهم ويقول لهم: أنا أقرب إليكم وإلى أعمالكم منكم فما تعملونه من عمل تريدون به أن تبتغوا علينا وتمكروا بنا إنّما توجد بتقديرنا وتجرى بأيدينا فكيف يمكنكم أن تبغوا بها علينا؟ بل هي بغى منكم على أنفسكم فإنّها تبعّدكم منّا وتكتب آثامها في صحائف أعمالكم فبغيكم على أنفسكم وهو متاع الحياة الدنيا تتمتّعون به أيّاماً قلائل ثمّ إلينا مرجعكم فنخبركم ونوضح لكم هناك حقائق أعمالكم.

وقوله:( مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) بالنصب في قراءة حفص عن عاصم والتقدير: تتمتّعون متاع الحياة الدنيا، وبالرفع في قراءة غيره وهو خبر لمبتدء محذوف، والتقدير هو أي بغيكم وعملكم متاع الحياة الدنيا.

وعلى كلتا القراءتين فقوله:( مَّتَاعَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) إلى آخر الآية، تفصيل لإجمال قوله:( إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ) فقوله( مَّتَاعَ ) الخ، في مقام التعليل بالنسبة إلى كون بغيهم على أنفسهم من قبيل تعليل الإجمال بالتفصيل وبيانه به.

قوله تعالى: ( إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ ) إلى آخر الآية، لمّا ذكر سبحانه في الآية السابقة متاع الحياة الدنيا مثّل له بهذا المثل يصف فيه من حقيقة أمره ما يعتبر به المعتبرون، وهو من الاستعارة التمثيليّة وليس من تشبيه المفرد بالمفرد من شئ وإن أوهم ذلك قوله:( كَمَاءٍ أَنزَلْنَاهُ ) ابتداء، ونظائره شائعة في أمثال القرآن، والزخرف الزينة والبهجة، وقوله:( لَّمْ تَغْنَ ) من غنى في المكان إذا أقام فيه فأطال المقام، والباقى ظاهر.

قوله تعالى: ( وَاللهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) الدعاء والدعوة عطف نظر المدعوّ إلى ما يدعى إليه وجلب توجّهه وهو أعمّ من النداء فإنّ النداء يختصّ بباب اللفظ والصوت، والدعاء يكون باللّفظ والإشارة وغيرهما، والنداء إنّما يكون بالجهر ولا يقيّد به الدعاء.

٣٥

والدعاء في الله سبحانه تكوينيّ وهو إيجاد ما يريده لشئ كأنّه يدعوه إلى ما يريده، قال تعالى:( يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ ) أسرى: ٥٢ أي يدعوكم إلى الحياة الاُخرويّة فتستجيبون إلى قبولها، وتشريعيّ وهو تكليف الناس بما يريده من دين بلسان آياته، والدعاء من العبد لربّه عطف رحمته وعنايته إلى نفسه بنصب نفسه في مقام العبوديّة والمملوكيّة، ولذا كانت العبادة في الحقيقة دعاء لأنّ العبد ينصب فيها نفسه في مقام المملوكيّة والاتّصال بمولاه بالتبعيّة والذلّة ليعطفه بمولويّته وربوبيّته إلى نفسه وهو الدعاء.

وإلى ذلك يشير قوله تعالى:( وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ) المؤمن ٦٠ حيث عبّر أوّلاً بالدعاء ثمّ بدّله ثانياً العبادة.

وقد التبس الأمر على صاحب المنار فقال في تفسيره: إنّ قول بعض المفسّرين وغيرهم: إنّ من معاني الدعاء العبادة لا يصحّ على إطلاقه في العبادة الشرعيّة التكليفيّة فإنّ الصيام لا يسمّى دعاء لغة ولا شرعا وإنّما الدعاء هو مخّ العبادة الفطريّة وأعظم أركان التكليفيّة منها كما ورد في الحديث فكلّ دعاء شرعىّ عبادة وما كلّ عبادة شرعيّة دعاء. انتهى ومنشأ خطإه زعمه أنّ معنى الدعاء هو النداء للطلب وغفلته عمّا تقدّم من تحليل معناه.

والأصل في معنى السلام على ما ذكره الراغب في المفردات هو التعرّي عن الآفات الظاهرة والباطنة، وإليه يرجع معناه في جميع مشتقّاته، والسلام والسلامة واحد كالرضاع والرضاعة، والظاهر أنّ السلام والأمن متقاربان معنى، وإنّما الفارق أنّ السلام هو الأمن مأخوذا في نفسه، والأمن هو السلام مضافا إلى ما يسلم منه يقال: هو في سلام، وهو في أمن من كذا وكذا.

والسلام من أسمائه تعالى لأنّ ذاته المتعالية نفس الخير الّذى لا شرّ فيه، وتسمّى الجنّة دار السلام حيث لا شرّ فيها ولا ضرّ على ساكنها، وقيل: إنّما سمّيت

٣٦

دار السلام، لأنّها دار الله الّذى هو السلام والمال واحد في الحقيقة لأنّه تعالى إنّما سمّى سلاماً لبراءته من كلّ شرّ وسوء، وفي سياق الآية ما يشعر بكون معنى السلام الوصفىّ مقصودا في الكلام.

وقد أطلق سبحانه السلام ولم يقيّده بشئ ولا ورد في كلامه ما يقيّده ببعض الحيثيّات فهو دار السلام على الإطلاق وليست إلّا الجنّة فإنّ ما يوجد عندنا في الدنيا من السلام إنّما هو الإضافيّ دون المطلق فما من شئ إلّا وهو مزاحم ممنوع من بعض ما يحبّه ويهواه، وما من حال إلّا وفيه مقارنات من الأضداد والأنداد.

فإذا أخذت معنى السلام مطلقاً غير نسبيّ تحصّل عندك ما عليه الجنّة من الوصف، وانكشف أنّ توصيفها بهذه الصفة نظير توصيفها في قوله:( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا ) ق: ٣٥، فإنّ سلامة الإنسان من كلّ ما يكرهه ولا يحبّه تلازم سلطانه على كلّ ما يشاؤه ويحبّه.

وفي تقييد دار السلام بكونها عند ربّهم دلالة على قرب الحضور وعدم غفلتهم عنه سبحانه هناك أصلا، وقد تقدّم الكلام في معنى الهدآية ومعنى الصراط المستقيم في مواضع من الأبحاث السابقة كتفسير سورة الحمد وغيره.

( بحث روائي)

في تفسير القمّىّ في قوله تعالى:( قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا ) الآية، قال: فإنّ قريشا قالت: يا رسول الله ائتنا بقرآن غير هذا فإنّ هذا شئ تعلّمته من اليهود والنصارى، قال الله: قل لهم: لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم أربعين سنة قبل أن يوحى إلىّ، ولم أتكلّم بشئ منه حتّى اُوحى إلىّ.

٣٧

أقول: وفي انطباق مضمونه على الآية خفاء، على ما فيه من مخاطبتهم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالرسالة.

وفي تفسير العيّاشيّ عن منصور بن حازم عن أبى عبداللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: لم يزل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: إنّى أخاف إن عصيت ربّى عذاب يوم عظيم حتّى نزلت سورة الفتح فلم يعد إلى ذلك الكلام.

أقول: والروآية لا تخلو عن شئ.

وفي الدرّ المنثور أخرج البيهقىّ في الدلائل عن عروة قال: فرّ عكرمة بن أبى جهل يوم الفتح فركب البحر فأخذته الريح فنادى باللّات والعزّى، فقال أصحاب السفينة: لا يجوز ههنا أحد يدعو شيئاً إلّا الله وحده مخلصا، فقال عكرمة: والله لئن كان في البحر وحده إنّه لفى البرّ وحده، فأسلم.

أقول: والروآية مرويّة بطرق كثيرة مختلفة.

وفي تفسير العيّاشيّ عن منصور بن يونس عن أبى عبداللهعليه‌السلام ثلاث يرجعن على صاحبهنّ: النكث والبغى والمكر، قال الله: يا أيّها الناس إنّما بغيكم على أنفسكم.

أقول: وهو مروىّ عن أنس عن النبيّ (صلّى الله عليه و آله وسلّم) قال: ثلاث هنّ رواجع على أهلها: النكث والمكر والبغى. ثمّ تلا رسول الله (صلّى الله عليه و آله وسلّم):( يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا بَغْيُكُمْ عَلَىٰ أَنفُسِكُم ) ( وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ ) ( فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَىٰ نَفْسِهِ ) . أورده في الدرّ المنثور.

وفي الدرّ المنثور أخرج أبو نعيم في الحلية عن ابى جعفر محمّد بن علىّ قال: ما من عبادة أفضل من أن تسأل، وما يدفع القضاء إلّا الدعاء، وإنّ أسرع الخير ثواباً البرّ، وأسرع الشرّ عقوبة البغى وكفى بالمرء عيباً أن يبصر من الناس ما يعمى عليه من نفسه، وأن يأمر الناس بما لا يستطيع التحوّل عنه، وأن يؤذى جليسه بما لا يعنيه.

وفيه أخرج ابن مردويه عن ابن عبّاس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه

٣٨

و آله و سلّم): لو بغى جبل على جبل لدكّ الباغى منهما.

وفي تفسير البرهان عن ابن بابويه بإسناده عن العلاء بن عبد الكريم قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول في قول الله عزّوجلّ:( والله يدعوا إلى دار السلام ) فقال: إنّ السلام هو الله عزّوجلّ وداره الّتى خلقها لأوليائه الجنّة.

وفيه عن ابن شهر آشوب عن علىّ بن عبد الله بن عبّاس عن أبيه وزيد بن علىّ بن الحسينعليه‌السلام في قوله تعالى:( وَاللهُ يَدْعُو إِلَىٰ دَارِ السَّلَامِ ) يعنى به الجنّة( وَيَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ) يعنى ولآية علىّ بن أبى طالبعليه‌السلام .

أقول: إن كنت الروآية موقوفة فهى من الجرى أو من الباطن من معنى القرآن، وفي معناها روآيات اُخر.

٣٩

( سورة يونس آية ٢٦ - ٣٠)

لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( ٢٦) وَالَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئَاتِ جَزَاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِهَا وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ مَّا لَهُم مِّنَ اللهِ مِنْ عَاصِمٍ كَأَنَّمَا أُغْشِيَتْ وُجُوهُهُمْ قِطَعًا مِّنَ اللَّيْلِ مُظْلِمًا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ( ٢٧) وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكَانَكُمْ أَنتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ فَزَيَّلْنَا بَيْنَهُمْ وَقَالَ شُرَكَاؤُهُم مَّا كُنتُمْ إِيَّانَا تَعْبُدُونَ( ٢٨) فَكَفَىٰ بِاللهِ شَهِيدًا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ إِن كُنَّا عَنْ عِبَادَتِكُمْ لَغَافِلِينَ( ٢٩) هُنَالِكَ تَبْلُو كُلُّ نَفْسٍ مَّا أَسْلَفَتْ وَرُدُّوا إِلَى اللهِ مَوْلَاهُمُ الْحَقِّ وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُوا يَفْتَرُونَ( ٣٠)

( بيان)

استئناف يعود فيه إلى ذكر جزاء الأعمال وعود الجميع إلى الله الحقّ، وقد تقدّم إيماء إلى ذلك، وفيه إثبات توحيد الربوبيّة.

قوله تعالى: ( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ ) الخ، الحسنى مؤنّث أحسن والمراد المثوبة الحسنى، والمراد بالزيادة الزيادة على الاستحقاق بناء على أنّ الله جعل من فضله للعمل مثلا من الجزاء والثواب ثمّ جعله حقّا للعامل في مثل قوله:( لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ ) آل عمران: ١٩٩ ثمّ ضاعفه وجعل المضاعف منه أيضاً حقّا للعامل كما في قوله:( مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) الأنعام: ١٦٠ وعند ذلك كان مفاد قوله:( لِّلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَىٰ ) استحقاقهم للجزاء والمثوبة الحسنى، وتكون الزيادة هي الزيادة على مقدار الاستحقاق من

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

ما أراك إلّا قد جمعت خيانةً وغشّاً للمسلمين »(١) .

مسالة ٦٨٢ : إذا قال له إنسان : اشتر لي ، فلا يعطه(٢) من عنده وإن كان الذي عنده أجود ، لأنّه إنّما أمره بالشراء ، وهو ظاهر في الشراء من الغير.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا قال لك الرجل : اشتر لي ، فلا تعطه من عندك وإن كان الذي عندك خيراً منه »(٣) .

وسأل إسحاقُ الصادقَعليه‌السلام : عن الرجل يبعث إلى الرجل فيقول له : ابتع لي ثوبا ، فيطلب في السوق فيكون عنده مثل ما يجد له في السوق فيعطيه من عنده ، قال : « لا يقربن هذا ولا يدنس نفسه ، إنّ الله عزّ وجلّ يقول ( إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَأَشْفَقْنَ مِنْها وَحَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً )(٤) وإن كان عنده خيرا ممّا يجد له في السوق فلا يعطيه من عنده »(٥) .

مسالة ٦٨٣ : إذا قال التاجر لغيره : هلمّ أحسن إليك‌ ، باعه من غير ربح استحبابا.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا قال الرجل للرجل : هلمّ أحسن بيعك ، يحرم عليه الربح »(٦) .

ويكره الربح على المؤمن ، فإن فعل فلا يكثر منه.

قال الصادقعليه‌السلام : « ربح المؤمن على المؤمن ربا إلاّ أن يشتري بأكثر‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٦١ / ٧ ، التهذيب ٧ : ١٣ ، ٥٥.

(٢) في الطبعة الحجريّة : « فلا يعطيه ».

(٣) الكافي ٥ : ١٥١ - ١٥٢ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٥٢ / ٩٩٨ ، و ٧ : ٦ - ٧ / ١٩.

(٤) الأحزاب : ٧٢.

(٥) التهذيب ٦ : ٣٥٢ / ٩٩٩.

(٦) الكافي ٥ : ١٥٢ / ٩ ، الفقيه ٣ : ١٧٣ / ٧٧٤ ، التهذيب ٧ : ٧ / ٢١.

١٨١

من مائة درهم فاربح عليه قوت يومك ، أو يشتريه للتجارة فاربحوا عليهم وارفقوا بهم »(١) .

وينبغي أن يكون الساكت عنده بمنزلة المماكس ، والجاهل بمنزلة البصير المذاقّ.

قال قيس : قلت للباقرعليه‌السلام : إنّ عامّة من يأتيني إخواني فحدّ لي من معاملتهم ما لا أجوزه إلى غيره ، فقال : « إن ولّيت أخاك فحسن ، وإلاّ فبع بيع البصير المذاق »(٢) .

وعن الصادقعليه‌السلام في رجل عنده بيع وسعّره سعرا معلوما ، فمن سكت عنه ممّن يشتري منه باعه بذلك السعر ، ومن ماكسه فأبى أن يبتاع منه زاده » قال : « لو كان يزيد الرجلين والثلاثة لم يكن بذلك بأس ، فأمّا أن يفعله لمن أبى عليه ويماكسه(٣) ويمنعه مَنْ لا يفعل فلا يعجبني إلّا أن يبيعه بيعاً واحداً »(٤) .

مسالة ٦٨٤ : يستحبّ إذا دخل السوق الدعاءُ وسؤال الله تعالى أن يبارك له فيما يشتريه ويخير له فيما يبيعه ، والتكبير والشهادتان عند الشراء.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا دخلت سوقك فقُلْ : اللّهمّ إنّي أسألك من خيرها وخير أهلها ، وأعوذ بك من شرّها وشرّ أهلها ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك أن أظلم أو أظلم أو أبغي أو يبغى عليّ أو أعتدي أو يُعتدى عليَّ ، اللّهمّ إنّي أعوذ بك من شرّ إبليس وجنوده وشرّ فسقة العرب والعجم ، وحسبي الله‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٤ / ٢٢ ، التهذيب ٧ : ٧ / ٢٣ ، الاستبصار ٣ : ٦٩ / ٢٣٢.

(٢) التهذيب ٧ : ٧ / ٢٤ ، وفي الكافي ٥ : ١٥٣ - ١٥٤ / ١٩ عن ميسّر عن الإمام الصادقعليه‌السلام .

(٣) في المصدر : « كايسه » بدل « ماكسه ».

(٤) الكافي ٥ : ١٥٢ / ١٠ ، التهذيب ٧ : ٨ / ٢٥.

١٨٢

الذي لا إله إلّا هو عليه توكّلت ، وهو ربّ العرش العظيم »(١) .

وإذا اشترى المتاع ، قال ما روي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : « إذا اشتريت شيئاً من متاع أو غيره فكبّر ، ثمّ قُلْ : اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه من فضلك ، فاجعل فيه فضلاً ، اللّهمّ إنّي اشتريته ألتمس فيه رزقك ، فاجعل لي فيه رزقاً ، ثمّ أعد على(٢) كلّ واحدة ثلاث مرّات »(٣) .

قال الصادقعليه‌السلام : « وإذا أراد أن يشتري شيئاً قال : يا حيّ يا قيّوم يا دائم يا رؤوف يا رحيم ، أسألك بعزّتك وقدرتك وما أحاط به علمك أن تقسم لي من التجارة اليوم أعظمها رزقاً وأوسعها فضلاً وخيرها عاقبةً فإنّه لا خير فيما لا عاقبة له » قال الصادقعليه‌السلام : « إذا اشتريت دابّةً أو رأساً فقُلْ : اللّهمّ ارزقني أطولها حياةً وأكثرها منفعةً وخيرها عاقبةً »(٤) .

مسالة ٦٨٥ : ينبغي له إذا بُورك له في شي‌ء من أنواع التجارة أو الصناعة أن يلتزم به. وإذا تعسّر عليه فيه رزقه ، تحوّل إلى غيره.

قال الصادقعليه‌السلام : « إذا رزقت في(٥) شي‌ء فالزمه »(٦) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « إذا نظر الرجل في تجارة فلم ير فيها شيئاً فليتحوّل إلى غيرها »(٧) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٥٦ / ٢ ، التهذيب ٧ : ٩ / ٣٢.

(٢) كلمة « على » لم ترد في الكافي.

(٣) الكافي ٥ : ١٥٦ / ١ ، التهذيب ٧ : ٩ / ٣٣.

(٤) الكافي ٥ : ١٥٧ / ٣ ، التهذيب ٧ : ٩ - ١٠ / ٣٤.

(٥) في الفقيه والتهذيب : « من » بدل « في ».

(٦) الكافي ٥ : ١٦٨ ( باب لزوم ما ينفع من المعاملات ) الحديث ٣ ، الفقيه ٣ : ١٠٤ / ٤٢٣ ، التهذيب ٧ : ١٤ ، ٦٠.

(٧) الكافي ٥ : ١٦٨ / ٢ ، التهذيب ٧ : ١٤ / ٥٩.

١٨٣

وينبغي له التساهل والرفق في الأشياء.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « بارك الله على سهل البيع ، سهل الشراء ، سهل القضاء ، سهل الاقتضاء »(١) .

مسالة ٦٨٦ : يجوز لوليّ اليتيم الناظر في أمره المصلح لمالِه أن يتناول اُجرة المثل‌ ؛ لأنّه عمل يستحقّ عليه اُجرة ، فيساوي(٢) اليتيم غيره.

وسأل هشامُ بن الحكم الصادقَعليه‌السلام فيمن تولّى مال اليتيم مالَه أن يأكل منه؟ قال : « ينظر إلى ما كان غيره يقوم به من الأجر لهم فليأكل بقدر ذلك »(٣) .

ويستحبّ له التعفّف مع الغنى ، قال الله تعالى :( وَمَنْ كانَ غَنِيًّا فَلْيَسْتَعْفِفْ ) (٤) .

مسالة ٦٨٧ : يجوز أن يواجر الإنسان نفسه.

سأل ابنُ سنان الكاظمَعليه‌السلام عن الإجارة ، فقال : « صالح لا بأس به إذا نصح قدر طاقته ، فقد آجر موسىعليه‌السلام نفسه واشترط فقال : إن شئت ثماني وإن شئت عشراً ، وأنزل الله عزّ وجلّ فيه( أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْراً فَمِنْ عِنْدِكَ ) (٥) »(٦) .

قال الشيخرحمه‌الله : لا ينافي هذا ما رواه الساباطي عن الصادقعليه‌السلام ،

____________________

(١) التهذيب ٧ : ١٨ / ٧٩.

(٢) في « ي » وظاهر « س » : « فساوى ».

(٣) التهذيب ٦ : ٣٤٣ / ٩٦٠.

(٤) النساء : ٦٠.

(٥) القصص : ٢٧.

(٦) الكافي ٥ : ٩٠ / ٢ ، الفقيه ٣ : ١٠٦ / ٤٤٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٣ / ١٠٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ / ١٧٨.

١٨٤

قال : قلت له : الرجل يتّجر فإن هو آجر نفسه اُعطي ما يصيب في تجارته ، فقال : « لا يواجر نفسه ، ولكن يسترزق الله عزّ وجلّ ويتّجر فإنّه إذا آجر نفسه حظر على نفسه الرزق »(١) لأنّه محمول على الكراهة ، لعدم الوثوق بالنصح(٢) .

وأقول : لا استبعاد في نهيه عن الإجارة للإرشاد ، فإنّ التجارة أولى ؛ لما فيها من توسعة الرزق ، وقد نبّهعليه‌السلام في الخبر عليه. ولأنّه قد روي « أنّ الرزق قسّم عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء منها(٣) في التجارة ، والباقي في سائر الأجزاء(٤) »(٥) .

مسالة ٦٨٨ : يحرم بيع السلاح لأعداء الدين في وقت الحرب‌ ، ولا بأس به في الهدنة.

قال هند السرّاج : قلت للباقرعليه‌السلام : أصلحك الله ما تقول إنّي كنت أحمل السلاح إلى أهل الشام فأبيعهم فلمـّا عرّفني الله هذا الأمر ضقت بذلك وقلت : لا أحمل إلى أعداء الله ، فقال : « احمل إليهم فإنّ الله عزّ وجلّ يدفع بهم عدوّنا وعدوّكم - يعني الروم - فإذا كانت الحرب بيننا فمَنْ حمل إلى عدوّنا سلاحاً يستعينون به علينا فهو مشرك »(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٣ / ١٠٠٢ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ / ١٧٧.

(٢) التهذيب ٦ : ٣٥٣ ، ذيل الحديث ١٠٠٣ ، الاستبصار ٣ : ٥٥ ، ذيل الحديث ١٧٨.

(٣) في « س ، ي » : « منه ».

(٤) كذا قوله : « في سائر الأجزاء ». ونصّ الرواية في المصدر هكذا : « الرزق عشرة أجزاء ، تسعة أجزاء في التجارة وواحدة في غيرها ».

(٥) الكافي ٥ : ٣١٨ - ٣١٩ / ٥٩ ، الفقيه ٣ : ١٢٠ / ٥١٠.

(٦) الكافي ٥ : ١١٢ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٥٣ / ١٠٠٤ ، الاستبصار ٣ : ٥٨ / ١٨٩.

١٨٥

وقال حكم السرّاج للصادقعليه‌السلام : ما ترى فيما يحمل إلى الشام من السروج وأداتها؟ فقال : « لا بأس أنتم اليوم بمنزلة أصحاب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، إنّكم في هدنة ، فإذا كانت المباينة حرم عليكم أن تحملوا إليهم السلاح والسروج »(١) .

وقال السرّاد للصادقعليه‌السلام : إنّي أبيع السلاح ، قال : « لا تبعه في فتنة »(٢) .

ويجوز بيع ما يُكنّ من النبل لأعداء الدين ؛ لأنّ محمّد بن قيس سأل الصادقَعليه‌السلام عن الفئتين تلتقيان من أهل الباطل أبيعهما السلاح؟ فقال : « بِعْهما ما يكنّهما ، الدرع والخُفّين ونحو هذا»(٣) .

مسالة ٦٨٩ : يجوز الأجر على الختان وخفض الجواري.

قال الصادقعليه‌السلام : « لمـّا هاجرن النساء إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله هاجرت فيهنّ امرأة يقال لها : أمّ حبيب وكانت خافضة تخفض الجواري ، فلمـّا رآها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال لها : يا اُمّ حبيب ، العمل الذي كان في يدك هو في يدك اليوم؟ قالت : نعم يا رسول الله إلّا أن يكون حراماً فتنهاني عنه ، قال : لا ، بل حلال فاُدْني منّي حتى اُعلّمك ، فدنت منه ، فقال : يا اُمّ حبيب إذا أنت فعلت فلا تَنْهكي ، أي لا تستأصلي ، وأشمّي فإنّه أشرق للوجه وأحظى عند الزوج ».

قال : « وكانت لاُمّ حبيب اُخت يقال لها : اُمّ عطيّة ماشطة ، فلمـّا‌

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٥ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٧ ، وفي الكافي ٥ : ١١٢ / ١ بتفاوت يسير.

(٢) الكافي ٥ : ١١٣ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٧ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ / ١٨٦.

(٣) الكافي ٥ : ١١٣ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٥٤ / ١٠٠٦ ، الاستبصار ٣ : ٥٧ - ٥٨ / ١٨٨.

١٨٦

انصرفت اُمّ حبيب إلى اُختها أخبرتها بما قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فأقبلت اُمّ عطيّة إلى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله فأخبرته بما قالت لها اُختها ، فقال لها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : اُدني منّي يا اُمّ عطيّة إذا أنت قيّنت الجارية فلا تغسلي وجهها بالخرقة ، فإنّ الخرقة تذهب بماء الوجه »(١) .

مسالة ٦٩٠ : يكره كسب الإماء والصبيان.

قال الصادقعليه‌السلام : « نهى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله عن كسب الإماء فإنّها إن لم تجده زنت إلّا أمة قد عُرفت بصنعة يد ، ونهى عن كسب الغلام الصغير الذي لا يحسن صناعة فإنّه إن لم يجد سرق»(٢) .

ويكره للصانع سهر الليل كلّه في عمل صنعته ؛ لما فيه من كثرة الحرص على الدنيا وترك الالتفات إلى اُمور الآخرة.

قال الصادقعليه‌السلام : « مَنْ بات ساهراً في كسب ولم يعط العين حظَّها من النوم فكسبه ذلك حرام »(٣) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « الصنّاع إذا سهروا الليل كلّه فهو سحت »(٤) .

وهو محمول على الكراهة الشديدة ، أو على التحريم إذا منع من الواجبات أو منع القسم بين الزوجات.

مسالة ٦٩١ : يجوز بيع عظام الفيل واتّخاذ الأمشاط وغيرها منها‌ ؛ لأنّها طاهرة ينتفع بها ، فجاز بيعها ؛ للمقتضي للجواز ، السالم عن المانع.

ولأنّ عبد الحميد بن سعد سأل الكاظمَعليه‌السلام عن عظام الفيل يحلّ بيعه‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١١٨ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٦٠ - ٣٦١ / ١٠٣٥.

(٢) الكافي ٥ : ١٢٨ / ٨ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٧.

(٣) الكافي ٥ : ١٢٧ / ٦ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٩.

(٤) الكافي ٥ : ١٢٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٦٧ / ١٠٥٨.

١٨٧

أو شراؤه للذي يجعل منه الأمشاط؟ فقال : « لا بأس قد كان لأبي منه مشط أو أمشاط »(١) .

وكذا يجوز بيع الفهود وسباع الطير.

سأل عيصُ بن القاسم - في الصحيح - الصادقَعليه‌السلام عن الفهود وسباع الطير هل يلتمس التجارة فيها؟ قال : « نعم »(٢) .

أمّا القرد فقد روي النهي عن بيعه.

قال الصادقعليه‌السلام : « إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن القرد أن يشترى أو يباع »(٣) .

وفي الطريق قول ، فالأولى الكراهة.

ودخل إلى الصادقعليه‌السلام رجل فقال له : إنّي سرّاج أبيع جلود النمر ، فقال : « مدبوغة هي؟» قال : نعم ، قال : « ليس به بأس »(٤) .

مسالة ٦٩٢ : لا بأس بأخذ الهديّة.

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « الهديّة على ثلاثة وجوه : هديّة مكافأة ، وهديّة مصانعة ، وهديّة لله عزّ وجلّ »(٥) .

وروى إسحاق بن عمّار قال : قلت له : الرجل الفقير يهدي الهديّة يتعرّض لما عندي فآخذها ولا اُعطيه شيئاً أتحلّ لي؟ قال : « نعم ، هي لك حلال ولكن لا تدع أن تعطيه »(٦) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ / ١٠٨٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢٢٦ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٧٣ / ١٠٨٥.

(٣) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٧ ، التهذيب ٦ : ٣٧٤ / ١٠٨٦ ، و ٧ : ١٣٤ / ٥٩٤.

(٤) الكافي ٥ : ٢٢٧ / ٩ ، التهذيب ٧ : ١٣٥ / ٥٩٥.

(٥) الكافي ٥ : ١٤١ / ١ ، التهذيب ٦ : ٣٧٨ / ١١٠٧.

(٦) الكافي ٥ : ١٤٣ / ٦ ، الفقيه ٣ : ١٩٢ / ٨٧٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٩ / ١١١٢.

١٨٨

وقال محمّد بن مسلم : « جلساء الرجل شركاؤه في الهديّة »(١) .

وهي مستحبّة مرغَّبٌ فيها ؛ لما فيها من التودّد.

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : « لأن أهدي لأخي المسلم هديّة تنفعه أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمثلها »(٢) .

وقبولها مستحبّ ؛ اقتداءً برسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فإنّه قال : « لو اُهدي إليَّ كراع لقبلت »(٣) .

ولو أهدي إليه هديّة طلباً لثوابها فلم يثبه ، كان له الرجوع فيها إذا كانت العين باقيةً ؛ لما رواه عيسى بن أعين قال : سألت الصادقَعليه‌السلام عن رجل أهدى إلى رجل هديّة وهو يرجو ثوابها فلم يثبه صاحبها حتى هلك وأصاب الرجل هديّته بعينها ، أله أن يرتجعها إن قدر على ذلك؟ قال : « لا بأس أن يأخذه »(٤) .

مسالة ٦٩٣ : لا يجوز عمل التماثيل والصور المجسّمة. ولا بأس بها فيما يوطأ بالأرجل ، كالفراش وشبهه ؛ لما رواه أبو بصير عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّما(٥) نبسط عندنا الوسائد فيها التماثيل ونفرشها ، قال : « لا بأس بما يبسط منها ويفرش ويوطأ ، وإنّما يكره منها ما نُصب على الحائط وعلى السرير »(٦) .

مسالة ٦٩٤ : يجوز لمن أمره غيره بشراء شي‌ء أن يأخذ منه على ذلك‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ١٤٣ / ١٠ ، التهذيب ٦ : ٣٧٩ / ١١١٣.

(٢) الكافي ٥ : ١٤٤ / ١٢ ، التهذيب ٦ : ٣٨٠ / ١١١٥.

(٣) الكافي ٥ : ١٤١ / ٢ ، التهذيب ٦ : ٣٧٨ / ١١٠٨.

(٤) الفقيه ٣ : ١٩٢ / ٨٧١ ، التهذيب ٦ : ٣٨٠ / ١١١٦.

(٥) كذا في المصدر والطبعة الحجريّة ، وفي « س ، ي » : « إنّا » بدل « إنّما ».

(٦) التهذيب ٦ : ٣٨١ / ١١٢٢.

١٨٩

الجُعْل ؛ لأنّه فعل مباح.

ولما رواه ابن سنان عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سأله أبي وأنا حاضر ، فقال : ربما أمرنا الرجل يشتري لنا الأرض أو الدار أو الغلام أو الخادم ونجعل له جُعْلاً ، فقال الصادقعليه‌السلام : « لا بأس به »(١) .

مسالة ٦٩٥ : لا بأس بالزراعة ، بل هي مستحبّة.

روى سيابة أنّ رجلاً سأل الصادقعليه‌السلام : أسمع قوماً يقولون : إنّ الزراعة مكروهة ، فقال : « ازرعوا واغرسوا ، فلا والله ما عمل الناس عملاً أحلّ ولا أطيب منه ، والله لنزرعنّ الزرع ولنغرسنّ(٢) غرس النخل بعد خروج الدجّال »(٣) .

وسأل هارون بن يزيد الواسطي الباقرَعليه‌السلام (٤) عن الفلّاحين ، فقال : « هُم الزارعون كنوز الله في أرضه ، وما في الأعمال شي‌ء أحبّ إلى الله من الزراعة ، وما بعث الله نبيّاً إلّا زارعاً ، إلّا إدريسعليه‌السلام فإنّه كان خيّاطاً »(٥) .

مسالة ٦٩٦ : يجوز أخذ أجر البذرقة من القوافل إذا رضوا بذلك‌ ، وإلّا حرم.

كتب محمّد بن الحسن الصفّار إليه : رجل يبذرق القوافل من غير أمر السلطان في موضع مخيف ، ويشارطونه على شي‌ء مسمّى أن يأخذ منهم إذا صاروا إلى الأمن ، هل يحلّ له أن يأخذ منهم؟ فوقّععليه‌السلام « إذا واجر(٦)

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨١ / ١١٢٤.

(٢) في « ي » والطبعة الحجريّة والكافي : « ليزرعنّ ليغرسنّ ».

(٣) الكافي ٥ : ٢٦٠ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٨٤ - ٣٨٥ / ١١٣٩.

(٤) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة. وفي المصدر : « يزيد بن هارون الواسطي عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ».

(٥) التهذيب ٦ : ٣٨٤ / ١١٣٨.

(٦) في المصدر : « آجر ».

١٩٠

نفسه بشي‌ء معروف أخذ حقّه إن شاء الله »(١) .

مسالة ٦٩٧ : يكره بيع العقار إلّا لضرورة.

قال أبان بن عثمان : دعاني الصادقعليه‌السلام فقال : « باع فلان أرضه؟ » فقلت : نعم ، فقال: « مكتوب في التوراة أنّه مَنْ باع أرضاً أو ماءً ولم يضعه في أرض وماء ذهب ثمنه محقاً »(٢) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « مشتري العقدة مرزوق وبائعها ممحوق »(٣) .

وقال مسمع للصادقعليه‌السلام : إنّ لي أرضاً تُطلب منّي ويرغّبوني ، فقال لي : « يا أبا سيّار أما علمت أنّه مَنْ باع الماء والطين ولم يجعل ماله في الماء والطين ذهب ماله هباءً » قلت : جعلت فداك إنّي أبيع بالثمن الكثير فأشتري ما هو أوسع ممّا بعت ، فقال : « لا بأس »(٤) .

مسالة ٦٩٨ : يكره الاستحطاط من الثمن بعد العقد‌ ؛ لأنّه قد صار ملكاً للبائع بالعقد ، فيندرج تحت قوله تعالى :( وَلا تَبْخَسُوا النّاسَ أَشْياءَهُمْ ) (٥) .

وروى إبراهيم الكرخي عن الصادقعليه‌السلام ، قال : اشتريت للصادقعليه‌السلام جاريةً فلمـّا ذهبت أنقدهم قلت : أستحطّهم ، قال : « لا ، إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله نهى عن الاستحطاط بعد الصفقة»(٦) .

____________________

(١) التهذيب ٦ : ٣٨٥ / ١١٤١.

(٢) الكافي ٥ : ٩١ / ٣ ، التهذيب ٦ : ٣٨٧ - ٣٨٨ / ١١٥٥.

(٣) الكافي ٥ : ٩٢ / ٤ ، التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٥٦.

(٤) التهذيب ٦ : ٣٨٨ / ١١٥٧ ، وبتفاوت في الكافي ٥ : ٩٢ / ٨.

(٥) هود : ٨٥.

(٦) الكافي ٥ : ٢٨٦ ( باب الاستحطاط بعد الصفقة ) الحديث ١ ، التهذيب ٧ : ٢٣٣ / ١٠١٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ / ٢٤٣.

١٩١

قال الشيخ : إنّه محمول على الكراهة(١) ؛ لما روى معلّى بن خنيس عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الرجل يشتري المتاع ثمّ يستوضع ، قال : « لا بأس به » وأمرني فكلّمت له رجلاً في ذلك(٢) .

وعن يونس بن يعقوب عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : الرجل يستوهب من الرجل الشي‌ء بعد ما يشتري فيهب له ، أيصلح له؟ قال : « نعم »(٣) .

وكذا في الإجارة. روى عليّ أبو الأكراد عن الصادقعليه‌السلام ، قال : قلت له : إنّي أتقبّل العمل فيه الصناعة وفيه النقش فاُشارط النقاش على شي‌ء فيما بيني وبينه العشرة أزواج بخمسة دراهم أو العشرين بعشرة ، فإذا بلغ الحساب قلت له : أحسن ، فأستوضعه من الشرط الذي شارطته عليه ، قال : « بطيب نفسه؟ » قلت : نعم ، قال : « لا بأس »(٤) .

مسالة ٦٩٩ : أصل الأشياء الإباحة إلّا أن يُعلم التحريم في بعضها.

روي عن الصادقعليه‌السلام - في الصحيح - قال : « كلّ شي‌ء يكون منه حرام وحلال فهو حلال لك أبداً حتى تعرف أنّه حرام بعينه فتدعه »(٥) .

وقالعليه‌السلام : « كلّ شي‌ء هو لك حلال حتى تعلم أنّه حرام بعينه فتدعه من قِبَل نفسك ، وذلك مثل الثوب يكون عليك قد اشتريته وهو سرقة ، أو المملوك عندك ولعلّه حُرٌّ قد باع نفسه أو خُدع فبِيع أو قُهر ، أو امرأة تحتك وهي اُختك أو رضيعتك ، والأشياء كلّها على هذا حتى يستبين لك غير‌

____________________

(١) التهذيب ٧ : ٢٣٣ ، ذيل الحديث ١٠١٧ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ ، ذيل الحديث ٢٤٥.

(٢) التهذيب ٧ : ٢٣٣ / ١٠١٨ ، الاستبصار ٣ : ٧٣ / ٢٤٤.

(٣) التهذيب ٧ : ٢٣٣ - ٢٣٤ / ١٠١٩ ، الاستبصار ٣ : ٧٤ / ٢٤٥.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٤ / ١٠٢٠.

(٥) الكافي ٥ : ٣١٣ / ٣٩ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ / ٩٨٨.

١٩٢

ذلك أو تقوم به البيّنة »(١) .

مسالة ٧٠٠ : لا ينبغي التهوين في تحصيل قليل الرزق‌ ، فإنّ علي بن بلال روى عن الحسين الجمّال قال : شهدت إسحاق بن عمّار وقد شدّ كيسه وهو يريد أن يقوم فجاء إنسان يطلب دراهم بدينار ، فحلّ الكيس وأعطاه دراهم بدينار ، فقلت له : سبحان الله ما كان فضل هذا الدينار ، فقال إسحاق بن عمّار : ما فعلت هذا رغبة في الدينار ، ولكن سمعت الصادقَعليه‌السلام يقول : « من استقلّ قليل الرزق حرم الكثير »(٢) .

مسألة ٧٠١ : ينبغي الاقتصاد في المعيشة وترك الإسراف.

قال الباقرعليه‌السلام : « من علامات المؤمن ثلاث : حسن التقدير في المعيشة ، والصبر على النائبة ، والتفقّه في الدين » وقال : « ما خير في رجل لا يقتصد في معيشته ما يصلح [ لا ](٣) لدنياه ولا لآخرته »(٤) .

وقال الصادقعليه‌السلام في قوله عزّ وجلّ :( وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ ) (٥) قال : « ضمّ يده » فقال : « هكذا »( وَلا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ) (٦) قال : « وبسط راحته » وقال : « هكذا »(٧) .

وقال الصادقعليه‌السلام : « ثلاثة من السعادة : الزوجة الموافقة(٨) ، والأولاد البارّون ، والرجل يرزق معيشته ببلده يغدو إليه ويروح »(٩) .

____________________

(١) الكافي ٥ : ٣١٣ - ٣١٤ / ٤٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٦ ، ٩٨٩.

(٢) الكافي ٥ : ٣١١ / ٣٠ ، التهذيب ٧ : ٢٢٧ / ٩٩٣.

(٣) ما بين المعقوفين من المصدر.

(٤) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٢٨.

(٥ و ٦ ) الإسراء : ٢٩.

(٧) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٣١.

(٨) في المصدر : « المؤاتية » بدل « الموافقة ».

(٩) التهذيب ٧ : ٢٣٦ / ١٠٣٢ ، وفي الكافي ٥ : ٢٥٨ ( باب أنّ من السعادة ) الحديث ٢ بتفاوت يسير.

١٩٣

الفصل الثاني : في الشفعة

الشفعة مأخوذة من قولك : شفعت كذا بكذا ، إذا جعلته شفعاً به كأنّ الشفيع يجعل نصيبه شفعاً بنصيب صاحبه.

وأصلها التقوية والإعانة ، ومنه الشفاعة والشفيع ؛ لأنّ كلّ واحد من الموترين(١) يتقوّى بالآخَر.

وفي الشرع عبارة عن استحقاق الشريك انتزاع حصّة شريكه ، المنتقلة عنه بالبيع ، أو حقّ تملّك قهري يثبت(٢) للشريك القديم على الحادث ، وليست بيعاً ، فلا يثبت فيها خيار المجلس.

ولا بدّ في الشفعة من مشفوع - وهو المأخوذ بالشفعة ، وهو محلّها - ومن آخذٍ له ، ومن مأخوذ منه ، فهُنا مباحث :

البحث الأوّل : المحلّ.

محلّ الشفعة كلّ عقار ثابت مشترك بين اثنين قابل للقسمة.

واعلم أنّ أعيان الأموال على أقسام ثلاثة :

الأوّل : الأراضي. وتثبت فيها الشفعة أيّ أرض كانت بلا خلاف - إلّا من الأصمّ(٣) - لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال : « الشفعة فيما‌

____________________

(١) كذا في « س ، ي » والطبعة الحجريّة.

(٢) في « س ، ي » : « ثبت ».

(٣) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ ، المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٦٠.

١٩٤

لم يقسم ، فإذا وقعت(١) الحدود فلا شفعة »(٢) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « الشفعة لا تكون إلّا لشريكٍ »(٣) .

احتجّ الأصمّ على قوله بنفي الشفعة في كلّ شي‌ء : بأنّ في إثباتها إضراراً بأرباب الأملاك ، فإنّه إذا علم المشتري أنّه يؤخذ منه ما يبتاعه ، لم يبتعه ، ويتقاعد الشريك بالشريك ، ويستضرّ المالك(٤) .

وهو غلط ؛ لما تقدّم من الأخبار. وما ذكره غلط ؛ لأنّا نشاهد البيع يقع كثيراً ولا يمتنع المشتري - باعتبار استحقاق الشفعة - من الشراء. وأيضاً فإنّ له مدفعاً إذا علم التضرّر بذلك بأن يقاسم الشريك ، فتسقط الشفعة إذا باع بعد القسمة.

وتثبت الشفعة في الأراضي سواء بيعت وحدها أو مع شي‌ء من المنقولات ، ويوزّع الثمن عليهما بالنسبة ، ويأخذ الشفيع الشقص بالقسط.

الثاني : المنقولات‌ ، كالأقمشة والأمتعة والحيوانات ، وفيها لعلمائنا قولان :

أحدهما - وهو المشهور - : أنّه لا شفعة فيها - وبه قال الشافعي(٥) -

____________________

(١) في « س ، ي » والطبعة الحجريّة : « وضعت » بدل « وقعت ». وما أثبتناه هو الموافق لما في المصادر ، وكذا تأتي الرواية أيضاً بعنوان « وقعت » في ص ٢٠٧ - ٢٠٨.

(٢) الموطّأ ٢ : ٧١٣ / ١ ، التمهيد ٧ : ٣٧ - ٤٤ ، سنن أبي داوُد ٣ : ٢٨٥ / ٣٥١٤ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٣ و ١٠٥ ، معرفة السنن والآثار ٨ : ٣٠٨ / ١١٩٨٦.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٥.

(٤) المغني والشرح الكبير ٥ : ٤٦٠.

(٥) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٣ ، التنبيه في الفقه الشافعي : ١١٦ ، الوجيز ١ : ٢١٥ ، الوسيط ٤ : ٦٩ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٣٧ ، =

١٩٥

لما رواه العامّة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « لا شفعة إلّا في رَبْعٍ أو حائط »(١) .

ومن طريق الخاصّة : قول الصادقعليه‌السلام : « قضى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بالشفعة بين الشركاء في الأرضين والمساكن ، ثمّ قال : لا ضرر ولا إضرار »(٢) .

وقول الصادقعليه‌السلام : « ليس في الحيوان شفعة »(٣) .

ولأنّ الأصل عدم الشفعة ، ثبت في الأراضي بالإجماع ، فيبقى الباقي على المنع.

والثاني لعلمائنا : تثبت الشفعة في كلّ المنقولات - وبه قال مالك في إحدى الروايات عنه(٤) - لما رواه العامّة أنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله قال : « الشفعة في كلّ شي‌ء »(٥) .

ومن طريق الخاصّة : رواية يونس عن بعض رجاله عن الصادقعليه‌السلام ، قال : سألته عن الشفعة لمن هي؟ وفي أيّ شي‌ء هي؟ ولمن تصلح؟ وهل تكون في الحيوان شفعة؟ وكيف هي؟ فقال : « الشفعة جائزة في كلّ شي‌ء من حيوان أو أرض أو متاع إذا كان الشي‌ء بين شريكين لا غيرهما ، فباع أحدهما نصيبه فشريكه أحقّ به من غيره ، وإن زاد على‌

____________________

= العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٢ و ٤٨٣ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٥ ، منهاج الطالبين : ١٥١.

(١) نصب الراية ٤ : ١٧٨ نقلاً عن البزار في مسنده.

(٢) الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٤ ، الفقيه ٣ : ٤٥ / ١٥٤ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ / ٧٢٧.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣٣ ، الاستبصار ٣ : ١١٧ - ١١٨ / ٤١٩.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧٢.

(٥) سنن الترمذي ٣ : ٦٥٤ / ١٣٧١ ، سنن البيهقي ٦ : ١٠٩ ، المعجم الكبير - للطبراني - ١١ : ١٢٣ / ١١٢٤٤ ، شرح معاني الآثار ٤ : ١٢٥.

١٩٦

الاثنين فلا شفعة لأحدٍ منهم »(١) .

ولأنّ الشفعة تثبت لأجل ضرر القسمة ، وذلك حاصل فيما يُنقل.

والجواب : أنّ خبر العامّة وخبر الخاصّة معاً مرسلان ، وأخبارنا أشهر ، فيتعيّن العمل بها وطرح أخبارهم. والضرر بالقسمة إنّما هو لما يحتاج إليه من إحداث المرافق ، وذلك يختصّ بالأرض دون غيرها ، فافترقا.

وقد وردت رواية تقتضي ثبوت الشفعة في المملوك دون باقي الحيوانات :

روى الحلبي - في الصحيح - عن الصادقعليه‌السلام أنّه قال في المملوك بين شركاء فيبيع أحدهم نصيبه ، فيقول صاحبه : أنا أحقّ به ، أله ذلك؟

قال : « نعم إذا كان واحدا » فقيل : في الحيوان شفعة؟ فقال : « لا »(٢) .

وعن عبد الله بن سنان قال : قلت للصادقعليه‌السلام : المملوك يكون بين شركاء فباع أحدهم نصيبه ، فقال أحدهم : أنا أحقّ به ، إله ذلك؟ قال : « نعم إذا كان واحداً »(٣) .

وعن مالك رواية اُخرى : أنّ الشفعة تثبت في السفن خاصّة(٤) .

الثالث : الأعيان التي كانت منقولةً في الأصل ثمّ اُثبتت في الأرض للدوام‌ ، كالحيطان والأشجار ، وإن بيعت منفردةً ، فلا شفعة فيها على المختار ؛ لأنّها في حكم المنقولات ، وكانت في الأصل منقولةً ، وستنتهي‌

____________________

(١) الكافي ٥ : ٢٨١ / ٨ ، التهذيب ٧ : ١٦٤ - ١٦٥ / ٧٣٠ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٣.

(٢) الكافي ٥ : ٢١٠ / ٥ ، التهذيب ٧ : ١٦٦ / ٧٣٥ ، الاستبصار ٣ : ١١٦ / ٤١٥.

(٣) التهذيب ٧ : ١٦٥ - ١٦٦ / ٧٣٤ ، الاستبصار ١ : ١١٦ / ٤١٤.

(٤) حلية العلماء ٥ : ٢٦٣ - ٢٦٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣ ، بدائع الصنائع ٥ : ١٢.

١٩٧

إليه وإن طال أمدها ، وليس معها ما تجعل تابعةً له ، وبه قال الشافعي(١) .

وحكى بعض أصحابه قولاً آخَر : أنّه تثبت فيها الشفعة كثبوتها في الأرض(٢) .

ولو بِيعت الأرض وحدها ، ثبتت الشفعة فيها ، ويكون الشفيع معه كالمشتري.

وإن بِيعت الأبنية والأشجار مع الأرض ، ثبتت الشفعة فيها تبعا للأرض ، لأنّ في بعض أخبار العامّة لفظ « الرّبع »(٣) وهو يتناول الأبنية ، وفي بعض أخبار الخاصّة : « والمساكن »(٤) وهو يتناول الأبنية أيضاً ، وفي بعضها : « الدار »(٥) وهو يتناول الجدران والسقوف والأبواب.

مسالة ٧٠٢ : الأثمار على الأشجار - سواء كانت مؤبَّرةً أو لا - إذا بِيعت معها ومع الأرض ، لا تثبت فيها الشفعة - وبه قال الشافعي(٦) - وكذا إذا شرط إدخال الثمرة في البيع ؛ لأنّها لا تدوم في الأرض.

وكذا الزروع الثابتة في الأرض ؛ لأنّ ما لا يدخل في بيع الأرض بالإطلاق لا يثبت له حكم الشفعة ، كالفدان(٧) الذي يعمل فيها ، وعكسه‌

____________________

(١) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤.

(٣) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٩٥ ، الهامش (١).

(٤) تقدّمت الإشارة إلى مصدره في ص ١٩٥ ، الهامش (٢).

(٥) راجع : الكافي ٥ : ٢٨٠ / ٢ ، والتهذيب ٧ : ١٦٥ / ٧٣١ ، والاستبصار ٣ : ١١٧ / ٤١٧.

(٦) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٤ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ ، ١٩٦٧ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧١.

(٧) الفَدان : الذي يجمع أداة الثورين في القِران للحرث. لسان العرب ١٣ : ٣٢١ « فدن ».

١٩٨

البناء والشجر.

وقال الشيخ وأبو حنيفة ومالك : تدخل الثمار والزروع مع اُصولها ومع الأرض التي نبت الزرع بها(١) ؛ لأنّها متّصلة بما فيه الشفعة ، فتثبت الشفعة فيها ، كالبناء والغراس(٢) .

ويمنع الاتّصال ، بل هي بمنزلة الوتد المثبت في الحائط.

وفي الدولاب الغرّاف والناعورة نظر من حيث عدم جريان العادة بنقله ، فكان كالبناء.

والأقرب : عدم الدخول.

ولا تدخل الحبال التي تركب عليها الدلاء.

مسالة ٧٠٣ : قد بيّنّا أنّه لا تثبت الشفعة في المنقولات‌ ، ولا فرق بين أن تباع منفردةً أو مع الأرض التي تثبت فيها الشفعة ، بل يأخذ الشفيع الشقص من الأرض خاصّة بحصّته من الثمن.

وعن مالك رواية ثالثة أنّها : إن بِيعت وحدها ، فلا شفعة فيها. وإن بيعت مع الأرض ، ففيها الشفعة ؛ لئلّا تتفرّق الصفقة(٣) .

والجواب : المعارضة بالنصوص.

ولو كانت الثمرة غير مؤبَّرة ، دخلت في المبيع شرعاً ، ولا يأخذها الشفيع ؛ لأنّها منقولة. ولأنّ المؤبَّرة لا تدخل في الشفعة فكذا غيرها ، وهو‌

____________________

(١) في الطبعة الحجريّة : « يثبت الزرع فيها » بدل « نبت الزرع بها ».

(٢) الخلاف ٣ : ٤٤٠ ، المسألة ١٥ ، المبسوط - للطوسي - ٣ : ١١٩ ، المبسوط - للسرخسي - ١٤ : ١٣٤ ، بدائع الصنائع ٥ : ٢٧ - ٢٨ ، مختصر اختلاف العلماء ٤ : ٢٤٩ / ١٩٦٧ ، المدوّنة الكبرى ٥ : ٤٢٧ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، المغني ٥ : ٤٦٤ ، الشرح الكبير ٥ : ٤٧١.

(٣) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٣.

١٩٩

أحد قولي الشافعي. والآخَر : أنّها تدخل في الشفعة ؛ لدخولها في مطلق البيع(١) .

وعلى هذا فلو لم يتّفق الأخذ حتى تأبّرت ، فوجهان للشافعيّة :

أظهرهما : الأخذ ؛ لأنّ حقّه تعلّق بها ، وزيادتها كالزيادة الحاصلة في الشجرة.

والثاني : المنع ؛ لخروجها عن كونها تابعةً للنخل.

وعلى هذا فبِمَ يأخذ الأرض والنخيل؟ وجهان :

أشبههما : بحصّتهما من الثمن كما في المؤبَّرة ، وهو مذهبنا.

والثاني : بجميع الثمن تنزيلاً له منزلة عيبٍ يحدث بالشقص(٢) .

ولو كانت النخيل حائلةً عند البيع ثمّ حدثت الثمرة قبل أخذ الشفيع ، فإن كانت مؤبَّرةً ، لم يأخذها. وإن كانت غير مؤبَّرة ، فعلى قولين(٣) .

وعندنا لا يأخذها ؛ لاختصاص الأخذ عندنا بالبيع ، والشفعة ليست بيعاً.

وإذا بقيت الثمرة للمشتري ، فعلى الشفيع إبقاؤها إلى الإدراك مجّاناً.

وهذا إذا بِيعت الأشجار مع الأرض أو مع البياض الذي يتخلّلها ، أمّا إذا بيعت الأشجار ومغارسها لا غير ، فوجهان للشافعي ، وكذا لو باع الجدار مع الاُسّ :

أحدهما : أنّه تثبت الشفعة ؛ لأنّها أصل ثابت.

____________________

(١) المهذّب - للشيرازي - ١ : ٣٨٤ ، حلية العلماء ٥ : ٢٦٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٢) العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٤ ، روضة الطالبين ٤ : ١٥٦.

(٣) التهذيب - للبغوي - ٤ : ٣٤٤ - ٣٤٥ ، العزيز شرح الوجيز ٥ : ٤٨٥ ، روضة الطالبين ٣ : ١٥٦.

٢٠٠

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406