الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٠

الميزان في تفسير القرآن14%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 406

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 406 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114209 / تحميل: 6641
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

٥٧ ـ ثلاث فضائل للإمامعليه‌السلام لا تضاهى :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٥٨ ط ٢)

ذكر مسلم أن معاوية أمر سعدا بالسبّ فأبى. فقال : ما يمنعك أن تسب أبا تراب؟. فقال : ثلاث قالهن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فلن أسبّه ، ولئن تكن لي واحدة منهن أحبّ إليّ من حمر النّعم (أي الحمر الوحشية يضرب بها المثل لقيمتها وندرتها).(١) سمعته يقول لعليعليه‌السلام وقد خلّفه في بعض مغازيه ، فقال له عليعليه‌السلام :خلّفتني مع النساء والصبيان!. فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي. (٢) وسمعته يقول يوم خيبر : لأعطينّ الراية غدا رجلا يحبه الله ورسوله ، ويحبّ الله ورسوله. قال : فتطاولنا إليها.فقال : ادعوا إليّ عليا ، فأتاه وبه رمد ، فبصق في عينيه ، ودفع الراية إليه ، ففتح الله عليه. (٣) ولما نزلت( فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ ) [آل عمران : ٦١] دعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطمة وعليا والحسن والحسينعليهم‌السلام ، فقال : الله م هؤلاء أهلي.

وقال عبد الله بن عمر : كان لعلي بن أبي طالب ثلاث ، لو كان لي واحدة منهن كانت أحبّ إليّ مما طلعت عليه الشمس : تزويجه فاطمة ، وإعطاؤه الراية ، وآية النجوى (إذ لم يعمل بها أحد غيره).

٥٨ ـ أربع مناقب للإمام عليعليه‌السلام :

(النص والاجتهاد)

سئل الحسن البصري فيما يقوله عن فضل عليعليه‌السلام ؟

فقال : ما أقول فيمن جمع الخصال الأربع :

ـ ائتمانه على (براءة).

ـ وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم له في غزوة تبوك وقد خلّفه على المدينة : يا علي ، أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هرون من موسى ، إلا أنه لا نبي بعدي.

ـ وقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : الثقلان كتاب الله وعترتي.

ـ وأنه لم يؤمّر عليه أمير قط ، وقد أمّرت الأمراء على غيره.

٥٩ ـ محبة علي بن أبي طالبعليه‌السلام دليل الإيمان وطهارة المولد :

قال الفاضل الدربندي في (أسرار الشهادة) ص ٩٧ :

ونقل هذه الأحاديث سيد حكماء الإسلام المير داماد في كتابه (تصحيح الإيمان وتقويم الأديان) :

١٤١

في صحيح البخاري وأبي داود ومسند أحمد بن حنبل وفضائل السمعاني وحلية الحافظ أبي نعيم وغيرها من كتب العامة ، من طرائق مختلفات وطرق شتى ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال لعليعليه‌السلام : «لا يحبّك إلا مؤمن ، ولا يبغضك إلا منافق».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «لو لا أنت لم يعرف حزب الله».

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من زعم أنه آمن بما جئت به وهو يبغض عليا ، فهو كاذب ليس بمؤمن».

وعن أبي سعيد الخدري قال : كنا نعرف المنافقين على عهد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ببغضهم عليا.

وعن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : بوروا

(أي اختبروا) أولادكم بحب علي بن أبي طالب ، فمن أحبه فاعلموا أنه لرشده ، ومن أبغضه فاعلموا أنه لغيّه».

وروى البيهقي أن الأنصار كانت تقول : إنا كنا لنعرف الرجل لغير أبيه ، لبغضه علي بن أبي طالبعليه‌السلام .

جملة من فضائل فاطمة الزهراءعليها‌السلام

٦٠ ـ فضائل فاطمةعليها‌السلام الخاصة :

(مطالب السّؤول في مناقب آل الرسول لابن طلحة الشافعي)

من حديث رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لفاطمةعليها‌السلام وهو في مرضه الأخير على مسمع من كل زوجاته : «يا فاطمة ، أما ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين ، أو سيدة نساء هذه الأمة؟!.».

(أورده البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي)

وقد ثبت بالأحاديث الصحيحة والأخبار الصريحة أن فاطمةعليها‌السلام كانت أحبّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من غيرها ، وأنها سيدة نساء أهل الجنّة.

٦١ ـ ابن الحنفية يعترف بفضل الحسينعليه‌السلام وفضل أمه الزهراءعليها‌السلام :

(مناقب آل أبي طالب لابن شهراشوب ، ج ٤ ص ٦٦)

حدّث الصولي عن الإمام الصادقعليه‌السلام في خبر ، أنه جرى بين الحسينعليه‌السلام

١٤٢

وأخيه محمّد بن الحنفية كلام (أي خصومة). فكتب ابن الحنفية إلى الحسينعليه‌السلام : أما بعد يا أخي ، فإن أبي وأباك عليعليه‌السلام ، لا تفضلني فيه ولا أفضلك ، وأمك فاطمة بنت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولو كان ملء الأرض ذهبا ملك أمّي ما وفّت بأمّك. فإذا قرأت كتابي هذا فصر إليّ حتّى تترضّاني ، فإنك أحقّ بالفضل مني ، والسلام عليك ورحمة الله وبركاته. ففعل الحسينعليه‌السلام ذلك ، فلم يجر بعد ذلك بينهما شيء.

٦٢ ـ حبّ فاطمةعليها‌السلام وبغضها ـ ويل لمن يظلم ذريتها :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال لسلمان : يا سلمان ، من أحبّ فاطمة ابنتي فهو في الجنّة معي ، ومن أبغضها فهو في النار. يا سلمان حبّ فاطمة ينفع مائة موطن من المواطن ، أيسر تلك المواطن : الموت والقبر والميزان والمحشر والصراط والمحاسبة. فمن رضيت عنه ابنتي فاطمة رضيت عنه ، ومن رضيت عنه رضي الله عنه. ومن غضبت عليه غضبت عليه ، ومن غضبت عليه غضب الله عليه.

يا سلمان ويل لمن يظلمها ويظلم بعلها ، وويل لمن يظلم ذريتها.

فضائل الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام

٦٣ ـ ثواب محبة الخمسة أصحاب الكساءعليهم‌السلام :

أخرج الإمام أحمد والترمذي عن عليعليه‌السلام أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أخذ بيد الحسن والحسينعليه‌السلام وقال : «من أحبني وأحبّ هذين وأباهما وأمهما ، كان معي في الجنّة».

٦٤ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يدعو لفاطمة وعليعليهما‌السلام بالبركة في نسلهما :

روى أبو حاتم عن أنس أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخل على فاطمة وعليعليهما‌السلام بعد زواجهما ، فدعا بماء فتوضأ ، ثم أفرغه على علي وفاطمةعليهما‌السلام وقال : الله م بارك فيهما وبارك عليهما ، وبارك لهما في نسلهما. (وفي رواية) : وبارك لهما في شبليهما (الشبل : ولد الأسد). وهو من الإخبار بالمغيبات ، كما قال جلال الدين السيوطي في (ديوان الحيوان) لأن المراد بالشبلين الحسن والحسينعليهما‌السلام .

١٤٣

٦٥ ـ آدم يسأل الله بالخمسة أن يتوب عليه :

(المنتخب للطريحي ، ص ٧٧ ط ٢)

روى الفقيه المغازلي الشافعي ، بإسناده عن ابن عباس قال : سئل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقّاها آدم من ربه فتاب عليه؟ فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : سأله بمحمد وعلي وفاطمة والحسن والحسينعليهم‌السلام إلا تبت عليّ ، فتاب عليه.

٦٦ ـ فضيلة الخمسةعليهم‌السلام على هذه الأمة :

(المصدر السابق ص ١١٠)

روي عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : بي أنذرتم ، ثم بعلي بن أبي طالب اهتديتم ، وقرأ قوله تعالى :( إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هادٍ ) [الرعد : ٧]. وبالحسن أعطيتم الإحسان ، وبالحسين تسعدون وبه تشقون. ألا وإنما الحسين باب من أبواب الجنّة ، من عانده حرّم الله عليه رائحة الجنّة.

٦٧ ـ اقتدوا بالشمس والقمر والزهرة والفرقدين :

(شجرة طوبى للمازندراني ، ج ٢ ص ٤٢٦)

قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اقتدوا بالشمس ، فإذا غابت الشمس فاقتدوا بالقمر ، فإذا غاب القمر فاقتدوا بالزّهرة ، فإذا غابت الزهرة فاقتدوا بالفرقدين ، فإذا افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة.

فقالوا : يا رسول الله فما الشمس وما القمر ، وما الزّهرة وما الفرقدان؟ ...فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أنا الشمس ، وعليّ القمر ، وفاطمة الزّهرة ، والفرقدان : الحسن والحسين ، وأما النجوم الزاهرة فالأئمة التسعة من صلب الحسين ، والتاسع مهديّهم.

يقول الشيخ محمّد مهدي الحائري المازندراني معقبا على هذا الحديث :

أما الشمس التي هي (النبوة) فغابت بقلب مكمد محزون ، مما قاسىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من أمته. وأما الزّهرة التي هي (فاطمة الزهراء) فقد أخمدوا ضوءها وزهرتها باللطم والعصر بين الحائط والباب. وأما القمر وهو (فلك الإمامة) فقد خسفوه بسيف عبد الرحمن بن ملجم. وأما الفرقدان وهما (الحسن والحسين) فغاب أحدهما بقلب مسموم وقد تقيّأ كبده ، وغاب الآخر بعد الظهر من يوم عاشوراء ، وانكسفت الشمس ، وأمطرت السماء دما.

١٤٤

٦٨ ـ المكتوب على باب الجنّة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤ ط نجف)

عن ابن عباس قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لما عرج بي إلى السماء رأيت على باب الجنّة مكتوبا : لا إله إلا الله ، محمّد رسول الله ، علي حبيب الله ، الحسن والحسين صفوة الله ، فاطمة أمة الله ، على مبغضهم لعنة الله.

فضائل الأئمة الاثني عشر

مدخل :

يقصد بأهل البيتعليهم‌السلام أينما ذكروا مقرونين بأنهم الأمان من الضلال ، وأنهم سفينة نوح ، وأنهم باب حطّة من دخله كان آمنا الخ ، يقصد بهم الأئمة الاثنا عشر حصرا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفاطمةعليها‌السلام ، أو ما نعبّر عنه

(بالمعصومين الأربعة عشر) ، لأنهم لولا العصمة لا تنطبق عليهم تلك الأوصاف وتلك المنزلة.

٦٩ ـ أهل البيتعليهم‌السلام أمان لأهل الأرض :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٣٠)

أخرج أبو عمرو الغفاري عن إياس بن سلمة عن أبيه ، قال : قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل السماء ، وأهل بيتي أمان لأمتي».

وأخرج أحمد بن حنبل عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «إذا ذهب النجوم ذهب أهل السماء ، وإذا ذهب أهل بيتي ذهب أهل الأرض».

وفي رواية صحّحها الحاكم على شرط الشيخين ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «النجوم أمان لأهل الأرض من الغرق ، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض من الاختلاف».

وقد يشير إلى هذا المعنى قوله تعالى :( وَما كانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ ) [الأنفال:٣٣] أقيم أهل بيته مقامه في الأمان ، لأنهم منه وهو منهم ، كما ورد في بعض الطرق.

٧٠ ـ أهل البيتعليهم‌السلام كسفينة نوح وباب حطّة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٩)

أخرج الطبراني في الأوسط عن أبي سعيد الخدري ، سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

١٤٥

يقول : «إنما مثل أهل بيتي كمثل سفينة نوح ، من ركبها نجا ، ومن تخلفّ عنها غرق. وإنما مثل أهل بيتي فيكم مثل باب حطةّ في بني إسرائيل ، من دخله غفر له».

٧١ ـ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام هم رجال الأعراف :

(المنتخب للطريحي ، ص ٣٠٧ ط ٢)

عن الإمام محمّد الباقر قال : سأل ابن الكواء أمير المؤمنينعليه‌السلام فقال : ما معنى قوله تعالى :( وَعَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلًّا بِسِيماهُمْ ) [الأعراف : ٤٦]؟.

فقالعليه‌السلام : نحن أصحاب الأعراف ، نعرف أصحابنا بسيماهم. نقف بين الجنّة والنار فلا يدخل الجنّة إلا من عرفنا وعرفناه ، ولا يدخل النار إلا من أنكرنا وأنكرناه.

٧٢ ـ أئمة أهل البيتعليهم‌السلام يحفظون الشريعة :

وأخرج المللا في سيرته عن عمر بن الخطاب (كما في الصواعق المحرقة لابن حجر ، ص ٩٠) أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «في كل خلف من أمّتي عدول من أهل بيتي ، ينفون عن هذا الدين تحريف الضالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين. ألا وإن أئمتكم وفدكم إلى اللهعزوجل ، فانظروا من توفدون». صدق رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٥ ـ محبة أهل البيتعليه‌السلام

٧٣ ـ محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فرض :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ١٥)

إن محبة النبي محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واجبة على كل مسلم ، مصداقا لقول النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«لا يؤمن أحدكم حتّى أكون أحبّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين».

(رواه البخاري عن أنس بن مالك).

وهذا الحديث من جوامع الكلم التي أوتيها النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . وقد جمع فيه كل أنواع المحبة ، وهي ثلاثة : محبة الإجلال والإعظام كمحبة الولد للوالد ، ومحبة الشفقة والرحمة كمحبة الوالد لولده ، ومحبة المشاكلة والاستحسان كمحبة سائر الناس.فجمعصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أصناف المحبة في محبته.

وروى الديلمي والطبراني وأبو الشيخ ابن حبّان والبيهقي مرفوعا ، أن

١٤٦

النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «لا يؤمن عبد حتّى أكون أحبّ إليه من نفسه ، وتكون عترتي أحبّ إليه من عترته ، وأهلي أحبّ إليه من أهله ، وذاتي أحبّ إليه من ذاته».

وروى ابن مسعود : «حب آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوما ، خير من عبادة سنة ، ومن مات عليه دخل الجنّة».

٧٤ ـ أحبّوا أهل بيتي لحبّي :

(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٢)

أخرج الترمذي وحسّنه ، والطبراني عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«أحبّوا الله لما يغذوكم به من نعمه ، وأحبّوني لحب الله ، وأحبّوا أهل بيتي لحبّي».

٧٥ ـ محبة أهل النبي جزء من محبة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(الإتحاف بحب الأشراف للشبراوي ، ص ٩)

وكان الصحابة الكرام يتمنّون لأقرباء النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أكثر مما يتمنّونه لأقربائهم ، محبة منهم له وإيثارا له على أنفسهم.

منها قول أبي بكر حين أسلم والده أبو قحافة ، قال للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : والذي بعثك بالحق ، لإسلام أبي طالب كان أقرّ لعيني من إسلام أبي قحافة ، وذلك أن إسلام أبي طالب كان أقرّ لعينك.

٧٦ ـ فضل محبة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :(المصدر السابق)

ومن توقير النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وبرّه ، توقير آله وذريته وأمهات المؤمنين. وقد قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «معرفة آل محمّد براءة من النار ، وحب آل محمّد جواز على الصراط ، والولاية لآل محمّد أمان من العذاب».

قال بعضهم :

(معرفتهم) تعني معرفة منزلتهم منهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فيعرف وجوب إكرامهم وحرمتهم بسببهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وقال أبو بكر : راقبوا محمدا في آل بيته.

وأتى عبد الله بن حسن بن الحسينعليه‌السلام إلى عمر بن عبد العزيز في حاجة.فقال : يا أبا محمّد ، إذا كانت لك حاجة فأرسل إليّ أحضر إليك ، فإني أستحي من الله أن يراك على بابي.

١٤٧

ودخلت بنت أسامة بن زيد مولى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم على عمر بن عبد العزيز ، فجعل يدها بين يديه ، ومشى بها حتّى أجلسها في مجلسه ، وجلس بين يديها ، وما ترك لها حاجة إلا قضاها.

يقول الشبراوي في (الإتحاف) ص ١٧ : هذا مع بنت مولاهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فما بالك بابن بضعته وذريته والمنتمين إلى الزهراء ابنته؟!.

وهذا كله لما وجب لآل بيتهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الشرف والمجد لنسبتهم إليه ، وسريان لحمه ودمه الكريمين فيهم. فهم بعضه ، وبعضه في وجوب الإجلال والتعظيم كجميعه ، وحرمة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ميتا كحرمته حيّا.

٧٧ ـ تفسير آية المودة :

(المصدر السابق ، ص ١٧)

قال تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال ابن عباس : المعنى لا أسألكم عليه أجرا إلا أن تودّوني في نفسي لقرابتي منكم ، لأنه لم يكن بطن من قريش إلا بينهم وبينهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قرابة. لكن الأنسب ما قاله غيره في تفسير الآية ، أن المعنى : قل يا محمّد لأمتك ، لا أطلب منكم على ما جئتكم به من الهدى ، والنجاة من الردى ، عوضا ولا أجرة ولا جزاء ، إلا أن تودّوا قرابتي وعترتي وتحبوهم ، وتعاملوهم بالمعروف والاحسان ، ويكون بينكم وبينهم غاية الودّ والمحبة والصلة.

روايات أخرى :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمّد الصبان ، ص ١٠٤)

قال الله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) [الشورى : ٢٣]. قال في (المواهب) : إن المراد بالقربى من ينتسب إلى جده الأقرب عبد المطلب.

وقال في (الصواعق) : المراد بأهل البيت والآل وذوي القربىعليهم‌السلام في كل ما جاء في فضلهم ، مؤمنو بني هاشم والمطلب.

وينافي هذا ما روى الطبراني وابن أبي حاتم وابن مردويه ، عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالوا : يا رسول الله ، من قرابتك الذين نزلت فيهم الآية؟.قال : علي وفاطمة وابناهماعليهم‌السلام .

١٤٨

٧٨ ـ محبة أهل البيتعليهم‌السلام هي أجر الرسالة المحمدية :

(الفصول المهمة في تأليف الأمة للسيد عبد الحسين شرف الدين ص ٤٠)

أخرج الحاكم (كما في تفسير آية المودة في القربى من مجمع البيان للطبرسي) بالإسناد إلى أبي ثمامة الباهلي ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إن الله تعالى خلق الأنبياء من أشجار شتى ، وخلقت أنا وعليّ من شجرة واحدة. فأنا أصلها ، وعليّ فرعها ، وفاطمة لقاحها ، والحسن والحسين ثمارها ، وأشياعنا أوراقها. فمن تعلّق بغصن من أغصانها نجا ، ومن زاغ عنها هوى. ولو أن عبدا عبد الله بين الصفا والمروة ألف عام ثم ألف عام حتّى يصير كالشن (أي الجلد اليابس) البالي ، ثم لم يدرك محبتنا ، أكبّه الله على منخريه في النار ، ثم تلاصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قوله تعالى :( قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبى ) (٢٣) [الشورى : ٢٣].

٧٩ ـ اقتراف الحسنة هو مودّة آل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٣٩)

أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى( وَمَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً ) [الشورى : ٢٣] قال : المودة لآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

٨٠ ـ أربع يسأل عنها المؤمن يوم القيامة :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ١ ص ٤٢ ط نجف)

أنبأني أبو المظفر عبد الملك بن علي الهمداني حدّثني أبو برزة الأسلمي ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ونحن جلوس ذات يوم : والذي نفسي بيده ،

لا تزول قدم عبد يوم القيامة حتّى يسأله الله تعالى عن أربع : عن عمره فيما أفناه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه ، وعن حبّنا أهل البيت.

فقال عمر : فما آية حبّكم من بعدكم؟. قال : فوضع يده على رأس عليعليه‌السلام وهو إلى جانبه ، وقال : إن آية حبّي من بعدي حبّ هذا.

ومثل ذلك ما أخرجه الطبراني عن ابن عباس.

١٤٩

٨١ ـ من أحبّ أهل البيتعليهم‌السلام فله الشفاعة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٥٩)

أخرج الخطيب في تاريخه عن عليعليه‌السلام (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

«شفاعتي لأمتي من أحب أهل بيتي».

٨٢ ـ من أحبّ أهل البيتعليهم‌السلام يثبّته الله على الصراط :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦٣)

أخرج الديلمي عن عليعليه‌السلام ، (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أدّبوا أولادكم على ثلاث خصال : حبّ نبيّكم ، وحب أهل بيته ، وعلى قراءة القرآن ، فإن حملة القرآن في ظل الله يوم لا ظل إلا ظله ، مع أنبيائه وأصفيائه.

٨٣ ـ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسألنا عن اثنين : القرآن والعترة :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٦١)

أخرج الطبراني عن المطلب بن عبد الله عن أبيه ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالجحفة [غدير خم] فقال : ألست أولى بكم من أنفسكم؟. قالوا : بلى يا رسول الله. قال : فإني سائلكم عن اثنين : عن القرآن وعترتي.

٨٤ ـ لا يدخل الجنة من لم يعرف حق أهل البيتعليهم‌السلام :

(إحياء الميت بفضائل أهل البيت للسيوطي ، ص ٢٤٥)

وأخرج الطبراني في الأوسط ، ونقله السيوطي في (إحياء الميت) والنبهاني في أربعينه وابن حجر في صواعقه ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «الزموا مودتنا أهل البيت ، فإنه من لقي الله وهو يودّنا ، دخل الجنة بشفاعتنا. والذي نفسي بيده لا ينفع عبدا عمل عمله إلا بمعرفة حقنا».

٨٥ ـ مودة أهل البيتعليهم‌السلام تطيل العمر :

(قادتنا كيف نعرفهم ، ج ٦)

وروي بإسناده عن عبد الله بن بدر ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : «من أحبّ أن يبارك في أجله ، وأن يمتّع بما خوّله الله تعالى ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. ومن لم يخلفني فيهم بتّك عمره (أي قطع) ، وورد عليّ يوم القيامة مسودا وجهه».

١٥٠

ـ وفي حديث مشابه : (المنتخب للطريحي ، ص ١٢ ط ٢)

قال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أحبّ أن ينسّأ في أجله (أي يطول عمره) ، وأن يمتّعه الله بما خوّله الله ، فليخلفني في أهلي خلافة حسنة. فمن لم يخلفني فيهم بتر الله عمره ، وورد عليّ يوم القيامة مسودّا وجهه».

ومضامين هذه الأحاديث الشريفة أن أهل البيتعليهم‌السلام

(الذين هم الأئمة الأطهار) هم حجج الله البالغة ، ومناهل شريعته السائغة ، والقائمون مقام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من بعده في أمره ونهيه ، والممثّلون له بأجلى مظاهر هديه. فالمحب لهم بسبب ذلك محبّ لله ولرسوله ، والمدافع عنهم كالمدافع عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، والمبغض لهم مبغض لهما.

٨٦ ـ ماذا كان جواب الأمة على طلب نبيّهم :

لقد طلب النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من المسلمين أن يكون أجره على تبليغ الرسالة الإسلامية مودّة قرباه وذريته المختارة ، فماذا كان جوابهم على هذا الطلب ، وما ذا كان ردّهم على هذا الإحسان؟.

فمنذ أن أغمض النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عينيه بعد جهاده الكبير ، قام الناس يجرّدون أهل البيتعليهم‌السلام من مكانتهم الرفيعة ومنزلتهم السامية ، ويحرمونهم حقوقهم الدينية والدنيوية ، حتّى بكت فاطمةعليها‌السلام حزنا على فراق أبيها ، وصبر عليعليه‌السلام على طول المدة وشدة المحنة.

ولقد كان في علم الله وعلم رسوله ما ستفعل الأمة بأهله وذريته ، فكان يؤكد الوصيّة بهم ، ولزوم التمسك بحبلهم ، وأنهم الأمان من الضلال ، والنجاة من الغرق وكأن هذه الوصية بهم كانت وصية عليهم. لأن المسلمين عملوا على نقيضها ، فكانت الحجة على الظالمين منهم حجة من أبلغ الحجج. ولا سيما ما فعلوه مع الإمام أبي عبد الله الحسينعليه‌السلام ورهطه في كربلاء يوم العاشر من المحرّم.

عقاب من يبغض أهل البيتعليهم‌السلام

٨٧ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام في النار :

(إحياء الميت ، ص ٢٤٢)

أخرج الطبراني والحاكم عن ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

١٥١

«يا بني عبد المطلب ، إني سألت الله لكم ثلاثا : أن يثّبت قلوبكم ، وأن يعلّم جاهلكم ، ويهدي ضالّكم ، وسألته أن يجعلكم جوداء ونجداء ورحماء. فلو أن رجلا صفن (أي صفّ قدميه) بين الركن والمقام ، فصلّى وصام ، ثم مات وهو مبغض لأهل بيت محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، دخل النار».

٨٨ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام منافق :(إحياء الميت ، ص ٢٤٣)

أخرج ابن عدي في (الإكليل) عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من أبغضنا أهل البيت ، فهو منافق».

٨٩ ـ مبغض العترة أحد ثلاث :(إحياء الميت ، ص ٢٤٤)

أخرج ابن عدي والبيهقي في شعب الإيمان ، عن عليعليه‌السلام (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من لم يعرف حقّ عترتي والأنصار ، فهو لإحدى ثلاث : إما منافق ، وإما لدينه ، وإما لغير طهور». يعني حملته أمه على غير طهر.

٩٠ ـ مبغض أهل البيتعليهم‌السلام يحشر يهوديا :(إحياء الميت ، ص ٢٤٥)

أخرج الطبراني في الأوسط عن جابر بن عبد الله ، قال : خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فسمعته يقول : «أيها الناس ، من أبغضنا أهل البيت ، حشره الله تعالى يوم القيامة يهوديا».

٩١ ـ غضب الله شديد على من آذى العترة :(إحياء الميت ص ٢٦٥)

أخرج الديلمي عن أبي سعيد الخدري (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «اشتدّ غضب الله على من آذاني في عترتي».

٩٢ ـ عقوبة من يظلم أهل البيتعليهم‌السلام أو يسبّهم :

(عيون أخبار الرضا للشيخ الصدوق ، ج ٢ ص ٣٤ حديث ٦٥)

عن الإمام علي الرضاعليه‌السلام عن آبائه عن عليعليه‌السلام قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«حرّمت الجنة على من ظلم أهل بيتي ، وقاتلهم ، والمعين عليهم ، ومن سبّهم( لا خَلاقَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ وَلا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ وَلا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَلا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ ) (٧٧) [آل عمران : ٧٧].

١٥٢

موالاة أهل البيتعليهم‌السلام

(حديث الثّقلين وحديث الغدير)

٩٣ ـ معنى الموالاة :

ليست الموالاة لأهل البيتعليهم‌السلام مجرد محبتهم والتعاطف معهم ، إنما تعني إضافة لذلك التقيد بأقوالهم والسير على منهاجهم. وهذه الموالاة واجبة على كل مسلم حسب منطوق حديث الثقلين ، الّذي ينص على أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ترك بعد وفاته للأمة شيئين مهمّين غاليين ، إن تمسكوا بهما نجوا ، وإن تركوهما ضلوّا وغووا ، هما القرآن (وهو كتاب الله الصامت) وأئمة أهل البيت (وهم كتاب الله الناطق).

وإذا كانت الموالاة لأهل البيتعليهم‌السلام تعني متابعتهم والتمسك بهم ، فيجب على كل مسلم أن يتعلم فقه الإمام جعفر الصادقعليه‌السلام ويسير عليه ، حتّى يكون مواليا لأهل البيتعليهم‌السلام . أما محبة أهل البيتعليهم‌السلام باللسان بدون السير على نهجهم ، فهذه لا تنفع شيئا ، عدا عن أنها نفاق ظاهري. فأهل الكوفة كلهم كانت قلوبهم مع الحسينعليه‌السلام ، ولكن أسيافهم كانت عليه. فالمحكّ الحقيقي للولاية هو نصرة أهل البيتعليهم‌السلام بالقول والعمل ، والدفاع عنهم ، والبراءة من أعدائهم.

ومن العجب العجاب أن بعض المسلمين كانوا يدّعون محبة أهل البيتعليهم‌السلام ، ثم كانوا يسبّونهم على المنابر ، لا بل إنهم كانوا يرضون عن أعمال الذين حاربوا الإمام علياعليه‌السلام والإمام الحسنعليه‌السلام والإمام الحسينعليه‌السلام ، أمثال معاوية ويزيد وأعوانهم. فما هذا التناقض الغريب ، وكيف يقبله ذو منطق وعقيدة؟.

وإليك بعض الأحاديث الشريفة التي تؤكد على لزوم موالاة أهل البيتعليهم‌السلام والتمسك بهم ومتابعتهم والسير على مذهبهم دون سواهم.

٩٤ ـ ثواب نصرة أهل البيتعليهم‌السلام ، والذين تنالهم شفاعة جدهمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :

(مقتل الحسين للخوارزمي ، ج ٢ ص ٢٥)

روى الناصر للحق عن آبائه رضوان الله عليهم ، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنه قال : «أربعة أنا لهم شفيع يوم القيامة ، ولو أتوا بذنوب أهل الأرض : الضارب بسيفه أمام ذريتي ، والقاضي لهم حوائجهم ، والساعي لهم في حوائجهم ، والمحبّ لهم بقلبه ولسانه».

١٥٣

جعلنا الله من محبيهم والموالين لهم ، ورزقنا شفاعة جدهم بمنّه وسعة رحمته.

٩٥ ـ ولاية عليعليه‌السلام نسوها :

(تاريخ الشيعة لمحمد حسين المظفر ، ص ٩)

قال أبو سعيد الخدري : أمر الناس بخمس ، فعملوا بأربع وتركوا واحدة. قيل له : وما الأربع؟. قال : الصلاة والزكاة وصوم شهر رمضان والحج. قيل : فما الواحدة التي تركوها؟. قال : ولاية علي بن أبي طالبعليه‌السلام . قيل له : وإنها لمفروضة معهن؟. قال : نعم هي مفروضة معهن.

٩٦ ـ تمسّكوا بالأئمة من بعدي :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٤٤ ط ٢)

عن سلمان الفارسي رضي الله عنه قال : خطب فينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يوم الجمعة خطبة بليغة ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : أيها الناس ، إني راحل عن قريب ، ومنطلق للمغيب. وإني أوصيكم في عترتي خيرا ، فلا تخالفوهم ولا تخاصموهم ولا تنابذوهم. وإياكم والبدع ، فإن كل بدعة ضلالة ، والضلالة وأهلها بالنار.

معاشر الناس ، من افتقد منكم الشمس فليتمسّك بالقمر ، ومن افتقد القمر فليتمسك بالفرقدين ، وإن افتقدتم الفرقدين فتمسّكوا بالنجوم الزاهرة (يقصد الأئمة الاثني عشر). أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، والحمد لله رب العالمين.

إلى أن قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إنهم هم الأولياء والأوصياء والخلفاء من بعدي ، أئمة أبرار وأوصياء أطهار ، وهم بعدد أسباط يعقوبعليه‌السلام ، وعدد حواريي عيسىعليه‌السلام ، وعدد نقباء بني إسرائيل.

[وقد مرت رواية مشابهة ، في الفقرة رقم ٤٢ مروية عن سلمان أيضا فراجع]

٩٧ ـ منزلة أهل البيتعليهم‌السلام :

(إسعاف الراغبين لمحمد الصبان ص ١١١)

وعن أبي ذر رضي الله عنه قال : سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول : «اجعلوا أهل بيتي منكم مكان الرأس من الجسد ، ومكان العينين من الرأس ، ولا يهتدي الرأس إلا بالعينين».

١٥٤

٩٨ ـ موالاة العترة :

وأخرج الطبراني في الكبير ، والرافعي في مسنده ، بالإسناد إلى ابن عباس (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «من سرّه أن يحيا حياتي ويموت مماتي ، ويسكن جنة عدن غرسها ربي ، فليوال عليا من بعدي ، وليوال وليّه ، وليقتد بأهل بيتي من بعدي ؛ فإنهم عترتي ، خلقوا من طينتي ، ورزقوا فهمي وعلمي ، فويل للمكذبين بفضلهم من أمتي ، القاطعين فيهم صلتي ، لا أنالهم الله شفاعتي». وهذا الحديث بعين لفظه هو الحديث ٣٨١٩ من (كنز العمال) ج ٦ ص ٢١٧.

٩٩ ـ حديث الثقلين وحديث الغدير :

(المراجعات للسيد عبد الحسين شرف الدين ، ص ٥١ ط ٥)

الصحاح الحاكمة بوجوب التمسك بالثّقلين (وهما القرآن وأهل البيت) متواترة ، وطرقها عن بضع وعشرين صحابيا متضافرة. وقد صدع بها رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في مواقف له شتى ؛ مرة على منبره في المدينة ، وتارة بعد انصرافه من الطائف ، وتارة يوم عرفة في حجة الوداع ، وتارة يوم غدير خم وهو راجع من حجة الوداع ، وأخرى في حجرته المباركة وهو في مرضه الأخير ، إذ قال : «إني أوشك أن أدعى فأجيب ، وإني تارك فيكم الثّقلين : كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض ، وعترتي أهل بيتي. وإن اللطيف الخبير أخبرني أنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».

[أخرج هذا الحديث الإمام أحمد من حديث أبي سعيد الخدري من طريقين :أحدهما في آخر ص ١٧ ، والثاني في آخر ص ٢٦ من الجزء الثالث من مسنده.وأخرجه أيضا ابن أبي شيبة وأبو يعلى وابن سعد عن أبي سعيد ، وهو الحديث ٩٤٥ من أحاديث (كنز العمال) ج ١ ص ٤٧].

وأخرج جلال الدين السيوطي في (الدر المنثور) ج ٢ ص ٦٠ أحاديث عديدة ، منها ما خرّجه عن الطبراني عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «إني لكم فرط ، وإنكم واردون عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفوني في الثّقلين». قيل وما الثقلان يا رسول الله؟ قال :

«الأكبر كتاب اللهعزوجل ، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم ، فتمسكوا به لن

١٥٥

تزلوّا ولا تضلوا. والأصغر عترتي ، وإنهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض ، وسألت لهما ذلك ربي. فلا تقدّموهما فتهلكوا ، ولا تعلّموهما فإنهما أعلم منكم».[وذكره في (التعقبات) ج ١ ص ١٨٣ من حديث الثقلين].

وذكر الموفق بن أحمد الحنفي الخوارزمي في (المناقب) حديث الغدير بسنده المتصل عن حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم قال : لما رجع رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من حجة الوداع ونزل غدير خم ، أمر بدوحات فقمّمن (أي نظّف ما تحت الشجرات من القمامة). ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كأني قد دعيت فأجبت ، إني قد تركت فيكم الثّقلين ، أحدهما أكبر من الآخر : كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما ، فإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». ثم قال : «إن اللهعزوجل مولاي ، وأنا وليّ كل مؤمن ومؤمنة». ثم أخذ بيد عليعليه‌السلام فقال : «من كنت وليّه فهذا وليّه. الله م وال من والاه ، وعاد من عاداه».

تعليق : أحاديث الثقلين وحديث الغدير ، تقرّ بالإمامة لأمير المؤمنين علي ابن أبي طالبعليه‌السلام نصا لا لبس فيه ، حيث نقل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولايته العامة على المسلمين إلى الإمام عليعليه‌السلام حيث قال لهم وهم مجتمعون في غدير خم :«ألست أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟». قالوا : بلى ، الله ورسوله أولى بالمؤمنين من أنفسهم. قال : «من كنت مولاه ، فهذا علي مولاه ..." إلى آخر الحديث.

هذا وإن في قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في حديث الثقلين عن القرآن والعترة : «وإنهما لن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض». حقيقتين هما :

الأولى : أن أهل البيتعليهم‌السلام والقرآن متلازمان ، فكما أن القرآن لا يأتيه الباطل ، فهم منزّهون من الباطل ، ومعصومون من الخطأ والدنس.

والثانية : أنهم مستمرون في ولايتهم إلى يوم القيامة ، وأنهم موجودون دائما ، إما بشكل إمام ظاهر كالإمام عليعليه‌السلام والأئمة من أولاده ، أو بشكل إمام مستتر كالإمام المهديعليه‌السلام ، وهو الإمام الثاني عشر ، الّذي ولد سنة ٢٥٥ ه‍ ، ثم تولى الإمامة سنة ٢٦٠ ه‍ حين توفي والدهعليه‌السلام وغاب الغيبة الصغرى. ثم غاب الغيبة الكبرى وعمره ٧٥ عاما. وهو الآن باعتقادنا حي يرزق ، غائب عن الأنظار ، يظهر في آخر الزمان ليملأ الأرض قسطا وعدلا ، بعد ما ملئت ظلما وجورا. ومن مهماته أن يقيم دولة القرآن ، وأن يأخذ بثأر جده الحسينعليه‌السلام من أعدائه.

١٥٦

١٠٠ ـ روايات أخرى لحديث الثقلين :

(إسعاف الراغبين للشيخ محمد الصبان ص ١١٠)

عن زيد بن أرقم (قال) قام رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم خطيبا ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : «أيها الناس ، إنما أنا بشر مثلكم ، يوشك أن يأتيني رسول ربيعزوجل فأجيبه. وإني تارك فيكم ثقلين : كتاب الله فيه الهدى والنور ، فتمسّكوا بكتاب اللهعزوجل وخذوا به ؛ وأهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي ، أذكّركم الله في أهل بيتي «(أي أحذّركم الله في شأن أهل بيتي). ورواه مسلم.

وأخرج الترمذي وحسّنه ، والحاكم عن زيد بن أرقم (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :«إني تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ولن يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيف تخلفونّي فيهما».

١٠١ ـ تواتر حديث الثقلين من طرق السنّة :

(إحياء الميت للسيوطي ، ص ٢٤٠)

وقد ورد حديث الثقلين بصيغة [كتاب الله وعترتي] أيضا فيما أخرجه عيد بن حميد في مسنده عن زيد بن ثابت ، وبصيغة [الثقلين : كتاب الله وعترتي] فيما أخرجه أحمد وأبو يعلى عن أبي سعيد الخدري ، وبنفس الصيغة ما أخرجه الترمذي عن جابر. وبصيغة : [الثقلين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، فيما أخرجه البزاز عن عليعليه‌السلام . وبصيغة [كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ، وبصيغة [خليفتين : كتاب الله وعترتي أهل بيتي] ما أخرجه أحمد والطبراني عن زيد بن ثابت ، وما أخرجه البارودي عن أبي سعيد الخدري.

١٠٢ ـ ما معنى الثّقلين؟ :

قال ابن حجر في (الصواعق) بعد ذكره لحديث الثقلين : سمّى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم القرآن والعترة : ثقلين ، لأن الثّقل كل شيء نفيس خطير ، وهذان كذلك ، إذ كل واحد منهما معدن للعلوم الدينية والأسرار العقلية الشرعية ، ولهذا حثّ على الاقتداء والتمسك بهما. وقيل : سمّيا (ثقلين) لثقل وجوب رعاية حقوقهما.

١٠٣ ـ أحاديث في ولاية أهل البيتعليهم‌السلام :

جاء في (الصواعق المحرقة) لابن حجر في ولاية الإمام عليعليه‌السلام وأهل البيتعليهم‌السلام ووجوب الاقتداء بهم :

١٥٧

ـ في الصفحة ١٤ تفسير الآية :( وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدى ) (٨٢) [طه : ٨٢]. قال ثابت البناني :( ثُمَّ اهْتَدى ) [طه : ٨٢] يعني إلى ولاية أهل البيتعليهم‌السلام .

ـ وفي الصفحة ٩١ تفسير الآية :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤]. عن أبي سعيد الخدري أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال :( وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْؤُلُونَ ) (٢٤) [الصافات : ٢٤] عن ولاية علي وأهل بيتهعليهم‌السلام .

ـ وفي الصفحة ٩٩ تفسير الآية :( الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ) (٧) [البينة : ٧]. أخرج الحافظ جمال الدين الذرندي عن ابن عباس ، أن هذه الآية لما نزلت ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لعليعليه‌السلام : «هو أنت وشيعتك ، تأتي أنت وشيعتك يوم القيامة راضين مرضيين ، ويأتي أعداؤك غضابا مقمحين».

١٠٤ ـ تفسير سورة العصر :

(مرآة العقول في شرح أخبار آل الرسول للمجلسي ، ج ٣ ص ٢٥٥)

وفي عليعليه‌السلام نزلت سورة (العصر) وتفسيرها :( وَالْعَصْرِ ) (١) [العصر : ١] أي أقسم برب عصر القيامة( إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ ) (٢) [العصر : ٢] يقصد أعداء آل محمّد( إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا ) [الشعراء : ٢٢٧] بولايتهم ،( وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ ) [الشعراء : ٢٢٧] بمواساة إخوانهم ،

( وَتَواصَوْا بِالْحَقِّ وَتَواصَوْا بِالصَّبْرِ ) [العصر : ٣] في فترة غيبة قائمهم (عج).

١٥٨

أشعار في موالاة أهل البيتعليهم‌السلام

(هامش الإتحاف بحب الأشراف ، ص ٢٩)

١٠٥ ـ أشعار في الموالاة :

قال الإمام الشافعي :

قالوا : ترفّضت ، قلت : كلا

ما الرفض ديني ولا اعتقادي

لكن تولّيت غير شكّ

خير إمام وخير هاد

إن كان حبّ الوليّ رفضا

فإنني أرفض العباد

وقالرحمه‌الله :

يا راكبا قف بالمحصّب من منى

واهتف بساكن خيفها والناهض

سحرا إذا فاض الحجيج إلى منى

فيضا كملتطم الفرات الفائض

إني أحبّ بني النبيّ المصطفى

وأعدّه من واجبات فرائضي

إن كان رفضا حبّ آل محمّد

فليشهد الثقلان أني رافضي

وقال عن محبة أهل البيتعليهم‌السلام والصلاة عليهم :

يا آل بيت رسول الله حبّكم

فرض من الله في القرآن أنزله

كفاكم من عظيم الفضل أنّكم

من لا يصلي عليكم لا صلاة له

ومما ينسب إلى الشافعي هذه الأبيات تعليقا على حديث النّبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «تفترق أمّتي ثلاثا وسبعين فرقة ، الناجية منها واحدة». قال :

ولما رأيت الناس قد ذهبت بهم

مذاهبهم في أبحر الغيّ والجهل

ركبت على اسم الله في سفن النّجا

وهم آل بيت المصطفى خاتم الرّسل

إذا افترقت في الدين سبعون فرقة

ونيف كما قد جاء في محكم النقل

ولم يك ناج منهم غير فرقة

فقل لي بها يا ذا الرجاحة والعقل

أفي الفرق الهلّاك آل محمّد

أم الفرقة اللائي نجت منهم قل لي

فإن قلت في الناجين فالقول واحد

وإن قلت في الهلّاك حفت عن العدل

إذا كان مولى القوم منهم ، فإنني

رضيت بهم ، لا زال في ظلّهم ظلّي

فخلّ عليّا لي إماما ونسله

وأنت من الباقين في أوسع الحلّ

وله في الولاية مدائح كثيرة ، منها قوله :

١٥٩

إذا في مجلس ذكروا عليّا

وشبليه وفاطمة الزّكيّة

يقال تجاوزوا يا قوم هذا

فهذا من حديث الرافضيّه

هربت من المهيمن من أناس

يرون الرّفض حبّ الفاطميّه

على آل الرسول صلاة ربي

ولعنته لتلك الجاهليه

وقال يرثي الحسينعليه‌السلام من قصيدة :

تأوّب همّي والفؤاد كئيب

وأرّق نومي والرقاد غريب

ومما نفى همّي وشيّب لمّتي

تصاريف أيام ، لهنّ خطوب

فمن مبلغ عني الحسين رسالة

وإن كرهتها أنفس وقلوب

يصلىّ على المبعوث من آل هاشم

ويغزى بنوه ، إنّ ذا لعجيب

لئن كان ذنبي حبّ آل محمّد

فذلك ذنب لست عنه أتوب

هم شفعائي يوم حشري وموقفي

إذا ما بدت للناظرين خطوب

وقالرحمه‌الله :

لقد كتموا آثار آل محمّد

محبّيهم خوفا ، وأعداؤهم بغضا

فأبرز من بين الفريقين نبذة

بها ملأ الله السموات والأرضا

وقال الشيخ أبو بكر بن عربي :

رأيت ولائي آل طه فريضة

على رغم أهل البعد يورثني القربا

فما طلب المبعوث أجرا على الهدى

بتبليغه ، إلا المودة في القربى

وقال أحدهم في موالاة أهل البيتعليهم‌السلام ومعاداة أعدائهم :

يا بني الزهراء والنور الّذي

ظنّ موسى أنه نار قبس

لا أوالي الدهر من عاداكم

إنه آخر آي من (عبس)

يشير بذلك إلى قوله تعالى :( أُولئِكَ هُمُ الْكَفَرَةُ الْفَجَرَةُ ) (٤٢) [عبس : ٤٢].

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

حين أمره أن يجمع الناجين معه في السفينة فقال له:( احْمِلْ فِيهَا مِن كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ وَأَهْلَكَ ) .

وكان أهله - غير امرأته - حتّى ابنه هذا مؤمنين به ظاهراً ولو لم يكن ابنه هذا على ما كان يراه نوحعليه‌السلام مؤمناً لم يدعه البتّة إلى ركوب السفينة فهوعليه‌السلام الداعي على الكافرين السائل هلاكهم بقوله:( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) فقد كان يرى ابنه هذا مؤمناً ولم يكن مخالفته لأمر أبيه إذ أمره بركوب السفينة كفرا أو مؤدّيا إلى الكفر وإنّما هي معصية دون الكفر.

ولذلك كلّه قالعليه‌السلام :( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) فذكر وعد ربّه وضمّ إليه أنّ ابنه من أهله - على ما في الكلام من دلالة( رَبِّي ) على الاسترحام، ودلالة الإضافة في( ابْنِي ) على الحجّة في قوله:( مِنْ أَهْلِي ) ودلالة التأكيد بأنّ ولام الجنس في قوله:( وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) على أداء حقّ الإيمان.

وكانت الجملتان:( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) ( وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) ينتجان بانضمام بعضهما إلى بعض الحكم بلزوم نجاة ابنه لكنّهعليه‌السلام لم يأخذ بما ينتجه كلامه من الحكم أدباً في مقام العبوديّة فلا حكم إلّا لله بل سلّم الحكم الحقّ والقضاء الفصل إلى الله سبحانه فقال:( وَأَنتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ ) .

فالمعنى: ربّ إنّ ابني من أهلى، وإنّ وعدك حقّ كلّ الحقّ، وإنّ ذلك يدلّ على أن لا تأخذه بعذاب القوم بالغرق ومع ذلك فالحكم الحقّ إليك فأنت أحكم الحاكمين كأنّهعليه‌السلام يستوضح ما هو حقيقة الأمر ولم يذكر نجاة ابنه ولا زاد على هذا الّذى حكاه الله عنه شيئاً وسيوافيك بيان ذلك.

قوله تعالى: ( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) الخ. بيّن سبحانه لنوحعليه‌السلام وجه الصواب فيما ذكره بقوله:( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ ) الخ، وهو يستوجب به نجاة ابنه فقال تعالى:

٢٤١

( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) فارتفع بذلك أثر حجّته.

والمراد بكونه ليس من أهله - والله أعلم - أنّه ليس من أهله الّذين وعده الله بنجاتهم لأنّ المراد بالأهل في قوله:( وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) الأهل الصالحون، وهو ليس بصالح وإن كان ابنه ومن أهله بمعنى الاختصاص، ولذلك علل قوله:( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) بقوله:( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) .

فإن قلت: لازم ذلك أن يكون امرأته الكافرة من أهله لأنّها إنّما خرجت من الحكم بالاستثناء وهى داخلة موضوعا في قوله:( وَأَهْلَكَ ) ويكون ابنه ليس من أهله وخارجاً موضوعاً لا بالاستثناء وهو بعيد.

قلت: المراد بالأهل في قوله:( وَأَهْلَكَ إِلَّا مَن سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ ) هم الأهل بمعنى الاختصاص وبالمستثنى - من سبق عليه القول - غير الصالحين ومصداقه امرأته وابنه هذا، وأمّا الأهل الواقع في قوله هذا:( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) فهم الصالحون من المختصّين بهعليه‌السلام طبقا لما وقع في قوله:( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) فإنّهعليه‌السلام لا يريد بالأهل في قوله هذا غير الصالحين من اُولي الاختصاص وإلّا شمل امرأته وبطلت حجّته فافهم ذلك.

فهذا هو الظاهر من معنى الآية، ويؤيّده بعض ما ورد عن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام ممّا سيأتي في البحث الروائيّ التالى إن شاء الله.

وذكروا في تفسير الآية معان اُخر:

منها: أنّ المراد أنّه ليس على دينك فكان كفره أخرجه عن أن يكون له أحكام أهله. ونسب إلى جماعة من المفسّرين. وفيه أنّه في نفسه معنى لا بأس به إلّا أنّه غير مستفاد من سياق الآية لأنّ الله سبحانه ينفى عنه الأهليّة بالمعنى الّذى كان يثبتها له به نوحعليه‌السلام ولم يكن نوح يريد بأهليّته أنّه مؤمن غير كافر بل إنّما كان يريد أنّه أهله بمعنى الاختصاص والصلاح وإن كان لازمه الإيمان. اللّهمّ إلّا أن يرجع إلى المعنى المتقدّم.

ومنها: أنّه لم يكن ابنه على الحقيقة وإنّما ولد على فراشه فقال نوح

٢٤٢

عليه‌السلام : إنّه ابني على ظاهر الأمر فأعلمه الله أنّ الأمر على خلاف ذلك، ونبّهه على خيانة امرأته. وينسب إلى الحسن ومجاهد.

وفيه: أنّه على ما فيه من نسبة العار والشين إلى ساحة الأنبياءعليهم‌السلام ، والذوق المكتسب من كلامه تعالى يدفع ذلك عن ساحتهم وينزّه جانبهم عن أمثال هذه الأباطيل، أنّه ليس ممّا يدلّ عليه اللفظ بصراحة ولا ظهور فليس في القصّة إلّا قوله:( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) وليس بظاهر فيما تجرّؤا عليه وقوله في امرأة نوح:( امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا ) التحريم: ١٠ وليس إلّا ظاهراً في أنّهما كانتا كافرتين تواليان أعداء زوجيهما وتسرّان إليهم بأسرارهما وتستنجدانهم عليهما.

ومنها: أنّه كان ابن امرأتهعليه‌السلام وكان ربيبه لا ابنه من صلبه. وفيه أنّه ممّا لا دليل عليه من جهة اللفظ. على أنّه لا يلائم قوله في تعليل أنّه ليس من أهله:( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) ولو كان كذلك كان من حقّ الكلام ان يقال: إنّه ابن المرأة.

على أنّ من المستبعد جدّاً أن لا يكون نوحعليه‌السلام عالما بأنّه ربيبه وليس بابنه حتّى يخاطب ربّه بقوله:( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) أو يكون عالما بذلك ويتكلّم بالمجاز ويحتجّ على ربّه العليم الخبير بذلك فينبّه أنّه ليس ابنه وإنّما هو ربيب.

وقوله:( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) ظاهر السياق أنّ الضمير لابن نوحعليه‌السلام فيكون هو العمل غير الصالح، وعدّه عملاً غير صالح نوع من المبالغة نحو زيد عدل أي ذو عدل، وقولها: فإنّما هي إقبال وإدبار، أي ذات إقبال وإدبار.

فالمعنى: أنّ ابنك هذا ذو عمل غير صالح فليس من أهلك الّذين وعدتك أن أنجيهم. ويؤيّد هذا المعنى قراءة من قرأ:( إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ ) بالفعل الماضي أي عمل عملاً غير صالح.

وذكر بعضهم: أنّ الضمير راجع إلى سؤال نوحعليه‌السلام المفهوم من قوله:( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) أي إنّ سؤالك نجاة ابنك عمل غير صالح لأنّه سؤال لما ليس لك به علم ولا ينبغى لنبىّ أن يخاطب ربّه بمثل ذلك.

٢٤٣

وهو من اسخف التفسير فإنّه معنى لا يلائم شيئاً من الجملتين المكتنفتين به لا قوله:( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) ولا قوله:( فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) وهو ظاهر، ولو كان كذلك كان من حقّ الكلام أن يتقدّم على قوله:( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) ويتّصل بقول نوحعليه‌السلام .

على أنّك عرفت أنّ قول نوحعليه‌السلام :( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) الخ، لا يتضمّن سؤالاً وإنّما كان يسوقه - لو جرى في كلامه - إلى السؤال لكنّ العناية الإلهيّة حالت بينه وبين السؤال.

وقوله:( فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) كأنّ قول نوحعليه‌السلام :( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ ) في مظنّة أن يسوقه إلى سؤال نجاة ابنه وهو لا يعلم أنّه ليس من أهله فأخذته العناية الإلهيّة، وحال التسديد الغيبيّ بينه وبين السؤال فأدركه النهى بقوله:( فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) بتفريع النهى على ما تقدّم أي فإذ ليس من أهلك لكونه عملاً غير صالح وأنت لا سبيل لك إلى العلم بذلك فإيّاك أن تبادر إلى سؤال نجاته لأنّه سؤال ما ليس لك به علم.

والنهى عن السؤال بغير علم لا يستلزم تحقّق سؤال ذلك منهعليه‌السلام لا مستقلّاً ولا في ضمن قوله:( رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) لأنّ النهى عن الشى لا يستلزم الارتكاب قبلاً، وقد قال تعالى:( لَا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلَىٰ مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّنْهُمْ ) الحجر: ٨٨ فنهى النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن حبّ الدنيا والافتتان بزينتها وحاشاه عن ذلك.

وإنّما يفتقر النهى في صحّة تعلّقه بفعل مّا أن يكون فعلاً اختياريّاً يمكن أن يبتلى به المكلّف، وما نهى عنه الأنبياءعليهم‌السلام على هذه الصفة وإن كانوا ذوى عصمة إلهيّة وتسديد غيبيّ، فإنّ من العصمة والتسديد أن يراقبهم الله سبحانه في أعمالهم وكلّما اقتربوا ممّا من شأنه أن يزلّ فيه الإنسان نبّههم على وجه الصواب ويدعوهم إلى السداد والتزام طريق العبوديّة، قال تعالى:( وَلَوْلَا أَن ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا إِذًا لَّأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لَا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيرًا )

٢٤٤

أسرى: ٧٥ فأنبأ تعالى أنّه هو الّذى ثبّته ولم يدعه يقترب من الركون إليهم فضلاً عن نفس الركون.

وقال تعالى:( وَلَوْلَا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّت طَّائِفَةٌ مِّنْهُمْ أَن يُضِلُّوكَ وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنفُسَهُمْ وَمَا يَضُرُّونَكَ مِن شَيْءٍ وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُن تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا ) النساء: ١١٣.

ومن الدليل على أنّ النهى -( فَلَا تَسْأَلْنِ ) الخ - نهى عمّا لم يقع بعد قول نوحعليه‌السلام بعد استماع هذا النهى:( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) ولو كان سأل شيئاً لقيل: أعوذ بك من سؤالي ذلك ليفيد المصدر المضاف إلى المعمول التحقّق والإرتكاب.

ومن الدليل أيضاً على أنّهعليه‌السلام لم يسأل ذلك تعقيب قوله:( فَلَا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ ) بقوله:( إِنِّي أَعِظُكَ أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) فإنّ معناه: إنّى أنصح لك في القول أن لا تكون بسؤالك ذلك من الجاهلين، ولو كان نوح سأل ذلك لكان من الجاهلين لأنّه سأل ما ليس له به علم.

فإن قلت: إنّه تعالى قال:( أَن تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) أي ممّن استقرّت فيه صفة الجهل، و استقرارها إنّما يكون بالتكرار لا بالمرّة والدفعة، وبذلك يعلم أنّه سأل ما سأل وتحقّق منه الجهل مرّة وإنّما وعظه الله تعالى بما وعظ لئلّا يعود إلى مثله فيتكرّر منه ذلك فيدخل في زمرة الجاهلين.

قلت: زنة الفاعل كجاهل لا تدلّ على الاستقرار والتكرّر وإنّما تفيده الصفة المشبّهة كجهول على ما ذكروه، ويشهد لذلك قوله تعالى في قصّة البقرة:( قَالُوا أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) البقرة: ٦٧، وقوله في قصّة يوسف:( وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ ) يوسف: ٣٣ وقوله خطاباً لنبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( وَلَوْ شَاءَ اللهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدَىٰ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ ) الأنعام: ٣٥.

وأيضاً لو كان المراد من النهى عن السؤال أن لا يتكرّر منه ذلك بعد ما وقع

٢٤٥

مرّة لكان الأنسب أن يصرّح بالنهي عن العود إلى مثله دون النهى عن أصله كما وقع في نظير المورد من قوله تعالى:( إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَتَقُولُونَ بِأَفْوَاهِكُم مَّا لَيْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ - إلى أن قال -يَعِظُكُمُ اللهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَدًا ) النور: ١٧.

قوله تعالى: ( قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) لمّا تبيّن لنوحعليه‌السلام أنّه لو ساقه طبع الخطاب الّذى خاطب به ربّه إلى السؤال كان سائلاً ما ليس له به علم وكان من الجاهلين وأنّ عناية الله حالت بينه وبين الهلكة، شكر ربّه فاستعاذ بمغفرته ورحمته عن ذلك السؤال المخسر فقال:( رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ ) .

والكلام في الاستعاذة ممّا لم يقع بعد من الاُمور المهلكة والمعاصي الموبقة كالنهي عمّا لم يقع من الذنوب والآثام وقد تقدّم الكلام فيه وقد أمر الله نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالاستعاذة من الشيطان وهو معصوم لا سبيل للشيطان إليه، قال تعالى:( قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ - إلى أن قال -مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ ) الناس: ٥ وقال:( وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَن يَحْضُرُونِ ) المؤمنون: ٩٨ والوحى مصون عن مسّ الشياطين كما قال تعالى:( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ ) الجنّ: ٢٨.

وقوله:( وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) كلام صورته صورة التوبة وحقيقته الشكر على ما أنعم الله عليه من التعليم والتأديب.

أمّا صورة توبته فإنّ في ذلك رجوعاً إلى ربّه تعالى بالاستعاذة ولازمها طلب مغفرة الله ورحمته أي ستره على الإنسان ما فيه زلّته وهلاكته وشمول عنايته لحاله وقد تقدّم في أواخر الجزء السادس من الكتاب بيان أنّ الذنب أعمّ من مخالفة الأمر التشريعيّ بل كلّ وبال وأثر سيّئ الإنسان بوجه، وأنّ المغفرة أعمّ من الستر على المعصية المعروفة عند المتشرّعة بل كلّ ستر إلهىّ يسعد الإنسان ويجمع شمله.

٢٤٦

وأمّا حقيقة الشكر فإنّ العناية الإلهيّة الّتى حالت بينه وبين السؤال الّذى كان يوجب دخوله في زمرة الجاهلين وعصمته ببيان وجه الصواب كانت سترا إلهيّا على زلّة في طريقه ورحمة ونعمة أنعم الله سبحانه بها عليه فقولهعليه‌السلام :( وَإِلَّا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُن مِّنَ الْخَاسِرِينَ ) أي إن لم تعذنى من الزلّات لخسرت، ثناء وشكر لصنعه الجميل.

قوله تعالى: ( قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ) الخ، السلام هو السلامة أو التحيّة غير أنّ ذكر مسّ العذاب في آخر الآية يؤيّد كون المراد به في صدرها السلامة من العذاب وكذا تبديل البركة في آخر الآية إلى التمتيع يدلّ على أنّ المراد بالبركات ليس مطلق النعم وأمتعة الحياة بل النعم من حيث تسوق الإنسان إلى الخير والسعادة والعاقبة المحمودة.

فقوله:( قِيلَ - ولم يذكر القائل وهو الله سبحانه للتعظيم -يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ ) معناه - والله أعلم - يا نوح انزل مع سلامة من العذاب - الطوفان - ونعم ذوات بركات وخيرات نازلة منّا عليك، أو انزل بتحيّة وبركات نازلة منّا عليك.

وقوله:( وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ) معطوف على قوله:( عَلَيْكَ ) وتنكير اُمم يدلّ على تبعيضهم لأنّ من الاُمم من يذكره تعالى بعد في قوله:( وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ) .

والخطاب أعنى قوله تعالى:( ي يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلَامٍ مِّنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ ) إلى آخر الآية بالنظر إلى ظرف صدوره وليس وقتئذ متنفّس على وجه الأرض من إنسان أو حيوان وقد اُغرقوا جميعاً ولم يبق منهم إلّا جماعة قليلة في السفينة وقد رست واستوت على الجودىّ، وقد قضى أن ينزلوا إلى الأرض فيعمروها ويعيشوا فيها إلى حين.

خطاب عامّ شامل للبشر من لدن خروجهم منها إلى يوم القيامة نظير ما صدر من الخطاب الإلهىّ يوم اُهبط آدمعليه‌السلام من الجنّة إلى الأرض وقد حكاه الله تعالى في موضع بقوله:( وَقُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَلَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ

٢٤٧

وَمَتَاعٌ إِلَىٰ حِينٍ - إلى أن قال -قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّي هُدًى فَمَن تَبِعَ هُدَايَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ) البقرة: ٣٩ وفي موضع آخر بقوله:( قَالَ فِيهَا تَحْيَوْنَ وَفِيهَا تَمُوتُونَ وَمِنْهَا تُخْرَجُونَ ) الأعراف: ٢٥.

وهذا الخطاب خطاب ثان مشابه لذاك الخطاب الأوّل موجّه الى نوحعليه‌السلام ومن معه من المؤمنين - وإليهم ينتهى نسل البشر اليوم - متعلّق بهم وبمن يلحق بهم من ذراريهم إلى يوم القيامة، وهو يتضمّن تقدير حياتهم الأرضيّة والإذن في نزولهم إليها واستقرارهم فيها وإيوائهم إيّاها.

وقد قسّم الله هؤلاء المأذون لهم قسمين فعبّر عن إذنه لطائفة منهم بالسلام والبركات وهم نوحعليه‌السلام واُمم ممّن معه، ولطائفة اُخرى بالتمتيع، وعقّب التمتيع بمسّ العذاب لهم كما أنّ كلمتي السلام والبركات لا تخلوان من بشرى الخير والسعادة بالنسبة إلى من تعلّقتا به.

فقد بان من ذلك أنّ الخطاب بالهبوط في هذه الآية مع ما يرتبط به من سلام وبركات وتمتيع موجّه إلى عامّة البشر من حين هبوط أصحاب السفينة إلى يوم القيامة، ووزانه وزان خطاب الهبوط الموجّه إلى آدم وزوجتهعليهما‌السلام ، وفي هذا الخطاب إذن في الحياة الأرضيّة ووعد لمن أطاع الله سبحانه ووعيد لمن عصاه كما أنّ في ذلك الخطاب ذلك طابق النعل بالنعل.

وظهر بذلك أنّ المراد بقوله:( وَعَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ) الاُمم الصالحون من أصحاب السفينة ومن سيظهر من نسلهم من الصالحين، والظاهر على هذا أن يكون( مَّن ) في قوله:( ٍ مِّمَّن مَّعَكَ ) ابتدائيّة لا بيانيّة، والمعنى وعلى اُمم يبتدى تكونهم ممّن معك، وهم أصحاب السفينة والصالحون من نسلهم.

وظاهر هذا المعنى أن يكون أصحاب السفينة كلّهم سعداء ناجين، والاعتبار يساعد ذلك فإنّهم قد محّصوا بالبلاء تمحيصا وآثروا ما عند الله من زلفى وقد صدّق الله سبحانه إيمانهم مرّتين في أثناء القصّة حيث قال عزّ من قائل:( إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ )

٢٤٨

آية: ٣٦ من السورة، وقال:( وَمَنْ آمَنَ وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌ ) آية: ٤٠ من السورة.

وقوله:( وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ ) كأنّه مبتدء لخبر محذوف والتقدير: وممّن معك اُمم أو وهناك اُمم سنمتّعهم الخ، وقد أخرجهم الله سبحانه من زمرة المخاطبين بخطاب الإذن فلم يقل: ومتاع لاُمم آخرين سيعذّبون طرداً لهم من موقف الكرامة، فأخبر أنّ هناك اُمما آخرين سنمتّعهم ثمّ نعذّبهم وهم غير مأذون لهم في التصرّف في أمتعة الحياة إذن كرامة وزلفى.

وفي الآية جهات من تعظيم القائل لا تخفى كالبناء للمفعول في( قِيلَ ) وتخصيص نوحعليه‌السلام بخطاب الهبوط والتكلّم مع الغير في قوله:( مِّنَّا ) في موضعين( سَنُمَتِّعُهُمْ ) وغير ذلك.

وظهر أيضاً: أنّ ما فسّروا به قوله:( عَلَىٰ أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ ) أنّ معناه: على اُمم من ذرّيّة من معك ليس على ما ينبغى مع ما فيه من خروج من معه من الخطاب وكذا قول من قال: يعنى بالاُمم سائر الحيوان الّذين كانوا معه لأنّ الله جعل فيهم البركة. وفساده أظهر.

قوله تعالى: ( تِلْكَ مِنْ أَنبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ ) أي هذه القصص أو هذه القصّة من أنباء الغيب نوحيها إليك.

وقوله:( ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا) أي كانت وهى على محوضة الصدق والصحّة مجهولة لك ولقومك من قبل هذا، والّذى عند أهل الكتاب منها محرّف مقلوب عن وجه الصواب كما سيوافيك ما في التوراة الحاضرة من قصّتهعليه‌السلام .

وقوله:( فَاصْبِرْإِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ ) أمر منتزع عن تفصيل القصّة أي إذا علمت ما آل إليه أمر نوحعليه‌السلام وقومه من هلاك قومه ونجاته ونجاة من معه من المؤمنين وقد ورّثهم الله الأرض على ما صبروا، ونصر نوحاً على أعدائه على ما صبر فاصبر على الحقّ فإنّ العاقبة للمتّقين، وهم الصابرون في جنب الله سبحانه.

٢٤٩

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر عن ابن عبّاس قال: إنّ نوحاًعليه‌السلام كان يضرب ثمّ يلفّ في لبد فيلقى في بيته يرون أنّه قد مات ثمّ يخرج فيدعوهم حتّى إذا أيس من إيمان قومه جاءه رجل ومعه ابنه وهو يتوكّأ على عصا فقال: يا بنىّ اُنظر هذا الشيخ لا يغرّنّك قال: يا أبت أمكنّى من العصا ثمّ أخذ العصا ثمّ قال: ضعني في الأرض فوضعه فمشى إليه فضربه فشجّه موضحة في رأسه وسالت الدماء.

قال نوحعليه‌السلام : ربّ قد ترى ما يفعل بى عبادك فإن يكن لك في عبادك حاجة فاهدهم، وإن يكن غير ذلك فصبّرني إلى أن تحكم وأنت خير الحاكمين فأوحى الله إليه وآيسه من إيمان قومه وأخبره أنّه لم يبق في أصلاب الرجال ولا في أرحام النساء مؤمن قال: يا نوح إنّه لن يؤمن من قومك إلّا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون يعنى لا تحزن عليهم واصنع الفلك. قال: يا ربّ وما الفلك؟ قال: بيت من خشب يجرى على وجه الماء فاُغرق أهل معصيتى واُطهّر أرضى منهم. قال: يا ربّ وأين الماء؟ قال: إنّى على ما أشاء قدير.

وفي الكافي بإسناده عن المفضّل قال: كنت عند أبى عبداللهعليه‌السلام بالكوفة أيّام قدم على أبى العبّاس فلمّا انتهينا إلى الكناسة قال: ههنا صلب عمّى زيد رحمه الله، ثمّ مضى حتّى انتهى إلى طاق الزيّاتين وهو آخر السرّاجين فنزل وقال: انزل فإنّ هذا الموضع كان مسجد الكوفة الأوّل الّذى كان خطّه آدم وأنا أكره أن أدخله راكبا. قلت: فمن غيّره عن خطّته؟ قال: أمّا أوّل ذلك فالطوفان في زمن نوح ثمّ غيّره أصحاب كسرى والنعمان ثمّ غيّره بعد زياد بن أبى سفيان فقلت: وكانت الكوفة ومسجدها في زمن نوح؟ فقال لى: نعم يا مفضّل وكان منزل نوح وقومه في قرية على منزل من الفرات ممّا يلى غربيّ الكوفة.

٢٥٠

قال: وكان نوح رجلاً نجّاراً فجعله الله عزّوجلّ نبيّاً وانتجبه، ونوح أوّل من عمل سفينة تجرى على ظهر الماء. قال: ولبث نوح في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الله عزّوجلّ فيهزؤن به ويسخرون منه فلمّا رأى ذلك منهم دعا عليهم فقال: ربّ لا تذر على الأرض من الكافرين ديّارا إنّك إن تذرهم يضلّوا عبادك ولا يلدوا إلّا فاجراً كفّاراً، فأوحى الله عزّوجلّ إلى نوح أن اصنع سفينة وأوسعها وعجّل عملها فعمل نوح سفينة في مسجد الكوفة بيده، فأتى بالخشب من بعد حتّى فرغ منها.

قال المفضّل: ثمّ انقطع حديث أبى عبداللهعليه‌السلام عند زوال الشمس فقام أبوعبداللهعليه‌السلام فصلّى الظهر والعصر ثمّ انصرف من المسجد فالتفت عن يساره وأشار بيده إلى موضع دار الدارين وهى موضع دار ابن حكيم وذلك فرات اليوم فقال: يا مفضّل وههنا نصبت أصنام قوم نوح: يغوث ويعوق ونسر. ثم مضى حتّى ركب دابّته.

فقلت: جعلت فداك في كم عمل نوح سفينته؟ قال: في دورين. قلت: وكم الدوران؟ قال: ثمانين(١) سنة. قلت: فإنّ العامّة يقولون عملها في خمس مائة سنة؟ فقال: كلّا. كيف؟ والله يقول:( وَوَحْيِنَا ) قال: قلت: فأخبرني عن قول الله عزّوجلّ:( حَتَّىٰ إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ ) فأين كان موضعه؟ وكيف كان؟ فقال: كان التنّور في بيت عجوز مؤمنة في دبر قبلة ميمنة المسجد. قلت له: فأين ذلك؟ قال: موضع زاوية باب الفيل اليوم. ثمّ قلت له: وكان بدؤ خروج الماء من ذلك التنّور؟ فقال: نعم إنّ الله عزّوجلّ أحبّ أن يرى قوم نوح آية ثمّ إنّ الله تبارك وتعالى أرسل عليهم المطر يفيض فيضاً والعيون كلّهنّ فيضاً فغرقهم الله وأنجا نوحا ومن معه في السفينة - الحديث.

أقول: والرواية على طولها غير متعلّقة بالتفسير غير أنّا أوردناها لتكون كالاُنموذجة من روايات كثيرة وردت في هذه المعاني من طرق الشيعة وأهل السنّة

____________________

(١) ثمانون ظ.

٢٥١

ولتكون عونا لفهم قصص الآيات من طريق الروايات.

وفي الرواية استفادة التعجيل في صنع السفينة من قوله تعالى:( وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا ) الآية، وفي الرواية نسبة زياد إلى أبى سفيان ولعلّ الوارد في لفظ الإمام (زياد) فاُضيف إليه (ابن أبى سفيان) في لفظ بعض الرواة.

وفيه بإسناده عن أبى رزين الأسديّ عن أميرالمؤمنينعليه‌السلام قال: إنّ نوحاعليه‌السلام لمّا فرغ من السفينة وكان ميعاده فيما بينه وبين ربّه في إهلاك قومه أن يفور التنّور ففار التنّور في بيت امرأة فقالت: إنّ التنّور قد فار فقام إليه فختمه فقام الماء وأدخل من أراد أن يدخل وأخرج من أراد أن يخرج ثمّ جاء إلى خاتمه فنزعه، يقول الله عزّوجلّ: ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجّرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر.

قال: وكان نجره في وسط مسجدكم. ولقد نقص عن ذرعه سبعمائة ذراع.

أقول: وكون فوران التنّور علامة لهعليه‌السلام يعلم به اقتراب الطوفان من الوقوع واقع في عدّة من روايات الخاصّة والعامّة وسياق الآية:( إِذَا جَاءَ أَمْرُنَا وَفَارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ ) الآية، لا يخلو من ظهور في كونه ميعادا.

وفيه بإسناده عن إسماعيل الجعفيّ عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: كان شريعة نوح أن يعبدالله بالتوحيد والإخلاص وخلع الأنداد وهى الفطرة الّتى فطر الناس عليها وأخذ الله ميثاقه على نوح والنبيّين أن يعبدوا الله تبارك وتعالى ولا يشركوا به شيئاً واُمر بالصلاة والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر والحلال والحرام، ولم يفرض عليه أحكام حدود ولا فرائض مواريث فهذه شريعته. فلبث فيهم نوح ألف سنة إلّا خمسين عاماً يدعوهم سرّاً وعلانية فلمّا أبوا وعتوا قال:( رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ) فأوحى الله عزّوجلّ إليه:( لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلَّا مَن قَدْ آمَنَ فَلَا تَبْتَئِسْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) فذلك قول نوح:( وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ) فأوحى الله إليه: أن أصنع الفلك.

أقول: ورواه العيّاشيّ عن الجعفيّ مرسلاً وظاهر الرواية أنّ لهعليه‌السلام دعاءين

٢٥٢

على قومه أحدهما وهو أوّلهما قوله:( رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ ) الواقع في سورة القمر، وثانيهما بعد ما أيأسه الله من إيمان قومه وهو قوله:( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ) الواقع في سورة نوح.

وفي معاني الأخبار بإسناده عن حمران عن أبى جعفرعليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ( وَمَا آمَنَ مَعَهُ إِلَّا قَلِيلٌٌ ) قال: كانوا ثمانية.

أقول: ورواه العيّاشيّ أيضاً عن حمران عنهعليه‌السلام ، وللناس في عددهم أقوال اُخر: ستّة أو سبعة أو عشرة أو اثنان وسبعون أو ثمانون ولا دليل على شئ منها.

وفي العيون بإسناده عن عبد السلام بن صالح الهرويّ قال: قال الرضاعليه‌السلام لمّا هبط نوح إلى الأرض كان نوح وولده ومن تبعه ثمانين نفسا فبنى حيث نزل قرية فسمّاها قرية الثمانين.

أقول: ولا تنافى بين الروايتين لجواز كون ما عدا الثمانية من أهل نوحعليه‌السلام وقد عمّر ما يقرب من ألف سنة يومئذ.

وفيه بإسناده عن الحسن بن علىّ الوشّاء عن الرضاعليه‌السلام قال: سمعته يقول: قال أبى: قال أبو عبداللهعليه‌السلام : إنّ الله عزّوجلّ قال لنوح:( إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ ) لأنّه كان مخالفاً له، وجعل من اتّبعه من أهله.

قال: وسألني كيف يقرؤن هذه الآية في ابن نوح؟ فقلت: يقرؤها الناس على وجهين: إنّه عملٌ غيرُ صالح، وإنّه عملَ غيرَ صالح. فقال: كذبوا هو ابنه ولكنّ الله نفاه عنه حين خالفه في دينه.

أقول: ولعلّهعليه‌السلام يشير بقوله:( وجعل من اتّبعه من أهله) إلى قوله تعالى( فَنَجَّيْنَاهُ وَأَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ ) الأنبياء: ٧٦. فإنّ الظاهر أنّ المراد بأهله جميع من نجا معه.

وكأنّ المراد من قراءة الآية تفسيرها والراوي يشير بايراد القراءتين إلى تفسير من فسّر الآية بأنّ المراد أنّ امرأة نوح حملت الإبن من غيره فألحقه بفراشه

٢٥٣

ولذلك قرأ بعضهم:( وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهاُ ) أو( وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهاُ ) بفتح الهاء مخفّف ابنها ونسبوا القراءتين إلى علىّ وبعض الأئمّة من ولدهعليهم‌السلام .

قال في الكشّاف: وقرأ علىّ رضى الله عنه( ابْنَهاُ ) والضمير لامرأته، وقرأ محمّد بن علىّ وعروة بن الزبير( ابْنَهاُ ) بفتح الهاء يريدان( ابْنَهُا ) فاكتفيا بالفتحة عن الألف وبه ينصر مذهب الحسن قال قتادة: سألته فقال: والله ما كان ابنه فقلت: إنّ الله حكى عنه( إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي ) وأنت تقول: لم يكن ابنه، وأهل الكتاب لا يختلفون أنّه كان ابنه ! فقال: ومن يأخذ دينه من أهل الكتاب؟ واستدلّ بقوله من أهلي ولم يقل: منّى. انتهى.

واستدلاله بما استدلّ به سخيف فإنّ الله وعده بنجاة أهله ولم يعده بنجاة من كان منه حتّى يضطرّ إلى قول: إنّ ابني منّى عند سؤال نجاته، وقد تقدّم بيان أنّ لفظ الآيات لا يلائم هذا الوجه.

وما ذكر من عدم الخلاف بين أهل الكتاب منظور فيه فإنّ التوراة ساكتة عن قصّة ابن نوح هذا الغريق.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن الأنباريّ في المصاحف وأبوالشيخ عن علىّ رضى الله عنه أنّه قرأ:( وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهاُ ) .

وفيه أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم وأبوالشيخ عن أبى جعفر محمّد ابن علىّ في قوله:( وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ ) قال هي بلغة طئ لم يكن ابنه وكان ابن امرأته.

أقول: ورواه العيّاشيّ في تفسيره عن محمّد بن مسلم عنهعليه‌السلام .

وفي تفسير العيّاشيّ عن موسى عن العلاء بن سيابة عن أبى عبداللهعليه‌السلام في قول الله:( وَنَادَىٰ نُوحٌ ابْنَهُ ) قال ليس بابنه إنّما هو ابن امرأته وهى لغة طئ يقولون لابن امرأته: ابنه. الحديث.

وفيه عن زرارة عن أبى جعفرعليه‌السلام في قول نوح:( يَا بُنَيَّ ارْكَب مَّعَنَا ) قال: ليس بابنه. قال: قلت: إنّ نوحا قال: يا بنىّ؟ قال: فإنّ نوحاً قال ذلك وهو لا يعلم.

٢٥٤

أقول: والمعتمد ما تقدّم من رواية الوشّاء عن الرضاعليه‌السلام .

وفيه عن إبراهيم بن أبى العلاء عن أحدهماعليهما‌السلام قال: لمّا قال الله:( يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي ) قالت الأرض: إنّما اُمرت أن أبلع مائى أنا فقطّ، ولم اُؤمر أن أبلع ماء السماء فبلعت الأرض ماءها وبقى ماء السماء فصيّر بحراً حول الدنيا.

وفيه عن أبى بصير عن أبى الحسن موسىعليه‌السلام في حديث ذكر فيه الجودىّ قال: وهو جبل بالموصل.

وفيه عن المفضّل بن عمر عن أبى عبداللهعليه‌السلام ( وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ ) هو فرات الكوفة.

أقول: ويؤيّد الرواية السابقة روايات اُخر.

وفيه عن عبد الحميد بن أبى الديلم عن أبى عبداللهعليه‌السلام قال: لمّا ركب نوحعليه‌السلام في السفينة قيل: بعداً للقوم الظالمين.

وفي المجمع في قوله تعالى:( قِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ ) الآية، قال: ويروى أنّ كفّار قريش أرادوا أن يتعاطوا معارضة القرآن فعكفوا على لباب البرّ ولحوم الضأن وسلاف الخمر أربعين يوماً لتصفو أذهانهم فلمّا أخذوا فيما أرادوا سمعوا هذه الآية فقال بعضهم لبعض: هذا كلام لا يشبهه شئ من الكلام، ولا يشبه كلام المخلوقين وتركوا ما أخذوا فيه وافترقوا.

( أبحاث حول قصّة نوح في فصول وهى أبحاث قرآنيّة وروائيّة)

( وتاريخيّة وفلسفيّة)

١ - الإشارة إلى قصّته: ذكر اسمهعليه‌السلام في القرآن في بضع وأربعين موضعا يشار فيها إلى شئ من قصّته إجمالاً أو تفصيلاً، ولم تستوف قصّتهعليه‌السلام في شئ منها استيفاء على نهج الاقتصاص التاريخيّ بذكر نسبه وبيته ومولده ومسكنه ونشوئه وشغله وعمره ووفاته ومدفنه وسائر ما يتعلّق بحياته الشخصيّة لما أنّ

٢٥٥

القرآن لم ينزل كتاب تاريخ يقتصّ تواريخ الناس من برّ أو فاجر.

وإنّما هو كتاب هداية يصف للناس ما فيه سعادتهم، ويبيّن لهم الحقّ الصريح ليأخذوا به فيفوزوا في حياتهم الدنيا والآخرة، وربّما أشار إلى طرف من قصص الأنبياء والاُمم لتظهر به سنّة الله في عباده، ويعتبر به من شملته العناية ووفّق للكرامة، وتتمّ به الحجّة على الباقين.

وقد فصّلت قصّة نوحعليه‌السلام في ستّ من السور القرآنيّة وهى سورة الأعراف وسورة هود، وسورة المؤمنون، وسورة الشعراء، وسورة القمر، وسورة نوح وأكثرها تفصيلاً سورة هود الّتى ذكرت قصّتهعليه‌السلام فيها في خمس وعشرين آية (٢٥ - ٤٩).

٢ - قصّتهعليه‌السلام في القرآن.

بعثه وارساله:

كان الناس بعد آدمعليه‌السلام يعيشون اُمّة واحدة على بساطة وسذاجة، وهم على الفطرة الإنسانيّة حتّى فشا فيهم روح الاستكبار وآل إلى استعلاء البعض على البعض تدريجا واتّخاذ بعضهم بعضا أربابا وهذه هي النواة الأصليّة الّتى لو نشأت واخضرّت وأينعت لم تثمر إلّا دين الوثنيّة والاختلاف الشديد بين الطبقات الاجتماعيّة باستخدام القوىّ للضعيف، واسترقاق العزيز واستدراره للذليل، وحدوث المنازعات والمشاجرات بين الناس.

فشاع في زمن نوحعليه‌السلام الفساد في الأرض، وأعرض الناس عن دين التوحيد وعن سنّة العدل الاجتماعيّ وأقبلوا على عبادة الأصنام، وقد سمّى الله سبحانه منها ودّا وسواعاً ويغوث ويعوق ونسرا (سورة نوح).

وتباعدت الطبقات فصار الأقوياء بالأموال والأولاد يضيعون حقوق الضعفاء الجبابرة يستضعفون من دونهم ويحكمون عليهم بما تهواه أنفسهم (الأعراف هود - نوح).

فبعث الله نوحاًعليه‌السلام وأرسله إليهم بالكتاب و الشريعة يدعوهم إلى توحيد

٢٥٦

الله سبحانه وخلع الأنداد والمساواة فيما بينهم (البقرة آية ٢١٣) بالتبشير والإنذار.

دينه وشريعتهعليه‌السلام :

كانعليه‌السلام يدعوهم إلى توحيد الله سبحانه ورفض الشركاء (كما يظهر من جميع قصصه القرآنيّة) والإسلام لله (كما يظهر من سورتي نوح ويونس وسورة آل عمران آية ١٩) والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر (كما يظهر من سورة هود آية ٢٧) والصلاة (كما يظهر من آية ١٠٣ من سورة النساء وآية ٨ من سورة الشورى) والمساواة والعدالة وأن لا يقربوا الفواحش والمنكرات وصدق الحديث والوفاء بالعهد (سورة الأنعام آية ١٥١ - ١٥٢) وهوعليه‌السلام أوّل من حكى عنه في القرآن التسمية باسم الله في الاُمور الهامّة (سورة هود آية ٤١).

اجتهادهعليه‌السلام في دعوته:

وكانعليه‌السلام يدعو قومه إلى الإيمان بالله وآياته، ويبذل في ذلك غاية وسعه فيندبهم إلى الحقّ ليلاً ونهاراً وإعلانا وإسرارا فلا يجيبونه إلّا بالعناد والاستكبار وكلّما زاد في دعائهم زادوا في عتوهّم وكفرهم، ولم يؤمن به غير أهله وعدّة قليلة من غيرهم حتّى أيس من إيمانهم وشكا ذلك إلى ربّه وطلب منه النصر (سورة نوح والقمر والمؤمنون).

لبثه في قومه:

لبثعليه‌السلام في قومه ألف سنة إلّا خمسين عاما يدعوهم إلى الله سبحانه فلم يجيبوه إلّا بالهزء والسخريّة ورميه بالجنون وأنّه يقصد به أن يتفضّل عليهم حتّى استنصر ربّه (سورة العنكبوت) فأوحى إليه ربّه أنّه لن يؤمن من قومه إلّا من قد آمن وعزّاه فيهم (سورة هود) فدعا عليهم بالتبار والهلاك، وأن يطهّر الله الأرض منهم عن آخرهم (سورة نوح) فأوحى الله إليه أن اصنع الفلك بأعيننا ووحينا (سورة هود).

٢٥٧

صنعهعليه‌السلام الفلك:

أمره الله تعالى أن يصنع الفلك بتأييده سبحانه وتسديده فأخذ في صنعها وكان القوم يمرّون عليه طائفة بعد طائفة فيسخرون منه وهو يصنعها على بسيط الأرض من غير ماء، ويقولعليه‌السلام : إن تسخروا منّا فإنّا نسخر منكم كما تسخرون فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحلّ عليه عذاب مقيم (سورة هود) وقد نصب الله لنزول العذاب علما وهو أن يفور الماء من التنّور (سورتا هود و المؤمنون).

نزول العذاب ومجيئ الطوفان:

حتّى إذا تمّت صنعة الفلك وجاء أمر الله وفار التنّور أوحى الله تعالى إليه أن يحمل في السفينة من كلّ من الحيوان زوجين اثنين وأن يحمل أهله إلّا من سبق عليه القول الإلهىّ بالغرق وهو امرأته الخائنة وابنه الّذى تخلّف عن ركوب السفينة، وأن يحمل الّذين آمنوا (سورتا هود والمؤمنون) فلمّا حملهم وركبوا جميعاً فتح الله أبواب السماء بماء منهمر وفجّر الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر (سورة القمر) وعلا الماء وارتفعت السفينة عليه وهى تسير في موج كالجبال (سورة هود) فأخذ الناس الطوفان وهم ظالمون وقد أمره الله تعالى إذا استوى هو ومن معه على الفلك أن يحمد الله على ما نجّاه من القوم الظالمين وأن يسأله البركة في نزوله فيقول: الحمد لله الّذى نجّانا من القوم الظالمين، ويقول: ربّ أنزلنى منزلاً مباركاً وأنت خير المنزلين.

قضاء الأمر ونزوله ومن معه إلى الأرض:

فلمّا عمّ الطوفان واُغرق الناس (كما يظهر من سورة الصافّات آية ٧٧) أمر الله الأرض أن تبلع ماءها والسماء أن تقلع وغيض الماء واستوت السفينة على جبل الجودىّ وقيل بعداً للقوم الظالمين، واُوحى إلى نوحعليه‌السلام أن اهبط إلى الأرض بسلام منّا وبركات عليك وعلى اُمم ممّن معك فلا يأخذهم بعد هذا طوفان عامّ، ومنهم اُمم سيمتّعهم الله بأمتعة الحياة ثمّ يمسّهم عذاب أليم فخرج هو ومن معه ونزلوا الأرض يعبدون الله بالتوحيد والإسلام، وتوارثت ذرّيّتهعليه‌السلام الأرض

٢٥٨

وجعل الله ذرّيّته هم الباقين (سورتا هود والصافّات).

قصّة ابن نوح الغريق:

كان نوحعليه‌السلام عند ما ركب السفينة لم يركبها واحد من أبنائه، وكان لا يصدّق أباه في أنّ من تخلف عنها فهو غريق لا محالة فرآه أبوه وهو في معزل فناداه: يا بنىّ اركب معنا ولا تكن مع الكافرين فردّ على أبيه قائلا: سآوى إلى جبل يعصمني من الماء قال نوحعليه‌السلام : لا عاصم اليوم من الله إلّا من رحم - يريد أهل السفينة - فلم يلتفت الابن إلى قوله وحال بينهما الموج فكان من المغرقين.

ولم يكن نوحعليه‌السلام يعلم منه إبطان الكفر كما كان يعلم ذلك من امرأته ولو كان علم ذلك لم يحزنه أمره وهو القائل في دعائه:( رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا إِنَّكَ إِن تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا ) الدعاء نوح: ٢٧ وهو القائل:( فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحًا وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِيَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) الشعراء: ١١٨ وقد مع قوله تعالى فيما أوحى إليه:( وَلَا تُخَاطِبْنِي فِي الَّذِينَ ظَلَمُوا إِنَّهُم مُّغْرَقُونَ ) هود: ٣٧.

فوجد نوحعليه‌السلام وحزن فنادى ربّه من وجده قائلاً: ربّ إنّ ابني من أهلى وإنّ وعدك الحقّ وعدتني بإنجاء أهلى وأنت أحكم الحاكمين لا تجور في حكمك ولا تجهل في قضائك، فما الّذى جرى على ابني؟ فأخذته العناية الإلهيّة وحالت بينه وبين أن يصرّح بالسؤال في نجاة ابنه - وهو سؤال لما ليس له به علم - وأوحى الله إليه: يا نوح إنّه ليس من أهلك إنّه عمل غير صالح فإيّاك أن تواجهني فيه بسؤال النجاة فيكون سؤالاً فيما ليس لك به علم إنّى أعظك أن تكون من الجاهلين.

فانكشف الأمر لنوحعليه‌السلام والتجأ إلى ربّه تعالى قائلاً ربّ إنّى أعوذ بك أن أسألك ما ليس لى به علم أسألك أن تشملنى بعنايتك وتستر علىّ بمغفرتك، وتعطف علىّ برحمتك، ولو لا ذلك لكنت من الخاسرين.

٣ - خصائص نوح عليه‌السلام : هوعليه‌السلام أوّل اُولى العزم سادة الأنبياء أرسله الله إلى عامّة البشر بكتاب وشريعة فكتابه أوّل الكتب السماويّة المشتملة

٢٥٩

على شرائع الله، وشريعته أوّل الشرائع الإلهيّة.

وهوعليه‌السلام الأب الثاني للنسل الحاضر من الإنسان إليه ينتهى أنسابهم والجميع ذرّيّته لقوله تعالى:( وَجَعَلْنَا ذُرِّيَّتَهُ هُمُ الْبَاقِينَ ) الصافّات: ٧٧ وهوعليه‌السلام أبو الأنبياء المذكورين في القرآن ما عدا آدم وإدريسعليهما‌السلام قال تعالى:( وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ) الصافّات: ٧٨.

وهوعليه‌السلام أوّل من فتح باب التشريع وأتى بكتاب وشريعة وكلّم الناس بمنطق العقل وطريق الاحتجاج مضافاً إلى طريق الوحى فهو الأصل الّذى ينتهى إليه دين التوحيد في العالم فله المنّة على جميع الموحّدين إلى يوم القيامة، ولذلك خصّه الله تعالى بسلام عامّ لم يشاركه فيه أحد غيره فقال عزّ من قائل:( سَلَامٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِي الْعَالَمِينَ ) الصافّات: ٧٩.

وقد اصطفاه الله على العالمين (آل عمران آية ٣٣) وعدّه من المحسنين (الانعام ٨٤ الصافات ٨٠) وسمّاه عبداً شكوراً (أسرى آية ٣) وعدّه من عباده المؤمنين (الصافّات ٨١) وسمّاه عبداً صالحاً (التحريم ١٠).

وآخر ما نقل من دعائه قوله:( رَّبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَن دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا ) نوح: ٢٨.

٤ - قصّتهعليه‌السلام في التوراة الحاضرة:

وحدث(١) لمّا ابتدأ الناس يكثرون على الأرض وولد لهم بنات أنّ أبناء الله رأوا بنات الناس أنّهنّ حسنات. فاتّخذوا لأنفسهم نساء من كلّ ما اختاروا. فقال الربّ لا يدين روحي في الإنسان إلى الأبد. لزيغانه هو بشر وتكون أيّامه مائة وعشرين سنة. كان في الأرض طغاة في تلك الأيّام. وبعد ذلك أيضاً إذ دخل بنو الله على بنات الناس وولدن لهم أولادا هؤلاء هم الجبابرة الّذين منذ الدهر ذوو اسم.

ورأى الربّ أنّ شرّ الإنسان قد كثر في الأرض. وأنّ كلّ تصوّر أفكار

____________________

(١) الاصحاح السادس من سفر التكوين.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406