الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٠

الميزان في تفسير القرآن14%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 406

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 406 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114223 / تحميل: 6642
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

٢٠٥ ـ رواية الحسن بن كثير :

وقد روى الحسن بن كثير وعبد خير ، قالا : لما وصل عليعليه‌السلام إلى كربلا وقف وبكى ، وقال : بأبي أغيلمة يقتلون ههنا. هذا مناخ ركابهم ، هذا موضع رحالهم ، هذا مصرع الرجل.

ـ رواية أخرى :(شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ج ٣ ص ١٧١)

عن الحسن بن كثير ، عن أبيه ، أن علياعليه‌السلام أتى كربلاء ، فوقف بها ، فقيل له :

يا أمير المؤمنين ، هذه كربلاء. فقال : ذات كرب وبلاء. ثم أومأ بيده إلى المكان ، فقال : ههنا موضع رحالهم ومناخ ركابهم.

ثم أومأ بيده إلى مكان آخر ، فقال : ههنا مهراق دمائهم. ثم مضى إلى ساباط.

٢٠٦ ـ شهداء كربلاء مثل شهداء بدر (رض):

(أعيان الشيعة للسيد محسن الأمين ، ج ٤ ص ١٤٣)

في منتخب كنز العمال عن الطبراني في الكبير ما لفظه عن شيبان بن محرم ، قال :إني لمع عليعليه‌السلام إذ أتى كربلاء ، فقال : يقتل في هذا الموضع شهداء ليس مثلهم إلا شهداء بدر.

ـ شهداء كربلاء لا يسبقهم سابق :(المنتخب للطريحي ، ص ٨٧)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام قال : مر أمير المؤمنينعليه‌السلام بكربلاء ، فبكى حتى اغرورقت عيناه بالدموع ، وقال : هذا مناخ ركابهم ، هذا ملقى رحالهم ، ههنا تراق دماؤهم. طوبى لك من تربة عليها يراق دم الأحبة. مناخ ركاب ومنازل شهداء ، لا يسبقهم من كان قبلهم ولا يلحقهم من كان بعدهم.

٢٠٧ ـ إخبار عليعليه‌السلام أن الحسينعليه‌السلام يقتل وموضع ذلك ، وما في ذلك من معجزات :(مدينة المعاجز لهاشم البحراني ، ص ١٢٠)

روى الشيخ الصدوق بسنده عن ابن عباس ، قال : كنت مع عليعليه‌السلام في خروجه من صفين. فلما نزلنا نينوى ـ وهي بشط الفرات ـ قال بأعلى صوته : يابن عباس أتعرف هذا الموضع؟ قلت : لا أعرفه يا أمير المؤمنين. فقال عليعليه‌السلام : لو عرفته كمعرفتي لم تكن تجوزه حتى تبكي لبكائي. قال فبكىعليه‌السلام طويلا حتى اخضلت لحيته وسالت الدموع على صدره ، وبكينا معه ، وهو يقول : أوه أوه ، مالي

٢٢١

ولآل أبي سفيان مالي ولآل حزب الشيطان وأولياء الكفر. صبرا صبرا يا أبا عبد الله ، فقد لقي أبوك مثل الذي تلقى منهم. ثم دعا بماء فتوضأ وضوء الصلاة ، فصلى ما شاء الله أن يصلي.

وذكر نحو كلامه ، إلا أنه نعس عند انقضاء صلاته وكلامه ساعة ، ثم انتبه فقال :يابن عباس. قلت : ها أنذا. فقال : ألا أحدثك عما رأيت في منامي آنفا عند رقدتي؟ فقلت : نامت عينك ورأيت خيرا يا أمير المؤمنين. قالعليه‌السلام : رأيت كأني برجال قد نزلوا من السماء ، معهم أعلام بيض ، قد تقلدوا سيوفهم ، وهي بيض تلمع ، وقد خطّوا حول هذه الأرض خطة. ثم رأيت كأن النخيل قد ضربت بأغصانها الأرض ، تضرب بدم عبيط (أي طري) ، وكأني بالحسين سخلي وفرخي ومضغتي ومخي ، قد غرق فيه ، يستغيث فلا يغاث. وكأن الرجال البيض (الذين) نزلوا من السماء ، ينادونه ويقولون : صبرا آل الرسول ، فإنكم تقتلون على يدي شرار الناس ، وهذه الجنة يا أبا عبد الله مشتاقة إليك. ثم يعزّونني ويقولون : يا أبا الحسن أبشروا فقد أقرّ الله عينك يوم يقوم الناس لرب العالمين. ثم انتبهت هكذا.

والذي نفس علي بيده ، لقد حدثني الصادق المصدق أبو القاسمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أني سأمر بها في خروجي إلى أهل البغي علينا. وهي أرض كرب وبلاء ، يدفن فيها الحسينعليه‌السلام وسبعة عشر رجلا من ولدي وولد فاطمةعليها‌السلام . وإنها لفي السموات معروفة تذكر أرض كرب وبلاء ، كما تذكر بقعة الحرمين وبقعة بيت المقدس. ثم قال : يا بن عباس ، اطلب حولها بعر الظباء ، فو الله ما كذبت ولا كذبت ، وهي مصفرة ، لونها لون الزعفران. فطلبتها فوجدتها مجتمعة. فناديته : يا أمير المؤمنين قد أصبتها على الصفة التي وصفتها لي. فقال عليعليه‌السلام : صدق الله ورسوله.

ـ قصة مرور عيسىعليه‌السلام بكربلاء :

ثم قام عليعليه‌السلام يهرول حتى جاء إليها فحملها وشمها ، وقال : هي هي ، أتعلم يابن عباس ما هذه الأبعار؟ هذه قد شمها عيسى بن مريم ، وذلك أنه مرّ بها ومعه الحواريون ، فرأى ههنا ظباء مجتمعة وهي تبكي ، فجلس عيسىعليه‌السلام وجلس الحواريون. فبكى وبكى الحواريون ، وهم لا يدرون لم جلس ولم بكى. فقالوا : يا روح الله وكلمته ما يبكيك؟ قال : أتعلمون أي أرض هذه ، هذه أرض من يقتل فيها

٢٢٢

فرخ رسول الله أحمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وفرخ الحرة الطاهرة البتول ، شبيهة أمي ، ويلحد فيها أطيب من المسك ، لأنها طينة الفرخ المستشهد ، وهكذا تكون طينة الأنبياء وأولاد الأنبياء. فهذه الظباء تكلمني وتقول : انها ترعى هذه الأرض شوقا إلى تربة الفرخ المبارك ، وزعمت أنها آمنة في هذه الأرض.

ثم ضرب بيده البعيرات فشمها ، وقال : هذه بعر الظباء على هذا الطيب لمكان حشيشها. اللهم فأبقها أبدا حتى يشمها أبوه ، فتكون له عزاء وسلوة. فبقيت إلى يومنا هذا وقد اصفرت لطول زمنها ، وهذه أرض كرب وبلاء.

ثم قال بأعلى صوته : يا رب عيسى بن مريم ، لا تبارك في قتلته والمعين لهم والخاذل له. ثم بكى طويلا وبكينا معه حتى سقط لوجهه وغشي عليه طويلا. ثم أفاق فأخذ البعر فصّره في ردائه وأمرني أن أصرها كذلك.

ثم قال : يابن عباس ، إذا رأيتها تتفجر دماء عبيطا ويسيل منها دم عبيط ، فاعلم أن أبا عبد اللهعليه‌السلام قد قتل بها ودفن.

قال ابن عباس : فوالله لقد كنت أحفظها أشد من حفظي لما افترض اللهعزوجل علي ، وأنا لا أحلها من طرف كمي. فبينا أنا نائم في البيت فإذا هي تسيل دما عبيطا ، وان كمي قد امتلأ دما عبيطا. فجلست وأنا باك ، وقلت : قتل والله الحسين ، والله ما كذبني قط في حديث ، ولا أخبر بشيء أن يكون إلا كان كذلك ، لأن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يخبره بأشياء لا يخبر بها غيره. ففزعت وخرجت وذلك عند الفجر ، فرأيت والله المدينة كأنها ضباب لا يستبين منها أثر عين. ثم طلعت الشمس فرأيت كأنها منكسفة ، ورأيت كأن حيطان المدينة عليها دم عبيط. فجلست وأنا باك ، وقلت قتل والله الحسينعليه‌السلام .

وسمعت صوتا من ناحية البيت ، وهو يقول : اصبروا آل الرسول قتل الفرخ النحول ، نزل الروح الأمين ببكاء وعويل. ثم بكى بأعلى صوته وبكيت. فأثبتّ عندي تلك الساعة ، وكان شهر محرم يوم عاشور لعشر مضين منه ، فوجدته قتل يوم ورد علينا خبره ، وتاريخه كذلك. فحدثت بهذا الحديث الذين كانوا معه فقالوا :والله لقد سمعنا ما سمعت ونحن في المعركة ، ولا ندري ما هو. قلت : أترى أنه الخضرعليه‌السلام .

٢٢٣

٢٠٨ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام حين مر بكربلاء وهو سائر إلى صفين :

(وقعة صفين لنصر بن مزاحم ص ١٤٠ ط ٢)

قال نصر بن مزاحم : حدثني مصعب بن سلام عن هرثمة بن سليم ، قال :غزونا مع علي بن أبي طالبعليه‌السلام غزوة صفين. فسار حتى انتهى إلى كربلاء ، فنزل إلى شجرة فصلى إليها ، فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها ، ثم قال : واها لك أيتها التربة ، ليحشرن منك (وفي رواية : ليقتلن بك) قوم يدخلون الجنة بغير حساب.

فلما رجع هرثمة من غزوته إلى امرأته ـ وهي جرداء بنت سمير ، وكانت شيعة لعليعليه‌السلام ـ فقال لها زوجها هرثمة : ألا أعجّبك من صديقك أبي الحسن؟ لما نزلنا كربلا رفع إليه من تربتها فشمها ، وقال : «واها لك يا تربة ، ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب». وما علمه بالغيب؟! فقالت : دعنا منك أيها الرجل ، فإن أمير المؤمنين لم يقل إلا حقا.

فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين بن عليعليه‌السلام وأصحابه ، قال هرثمة : كنت فيهم في الخيل التي بعث إليهم ، فلما انتهيت إلى القوم وحسين وأصحابه ، نظرت إلى الشجرة ، فذكرت الحديث وعرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع عليعليه‌السلام ، والبقعة التي رفع إليه من ترابها ، والقول الذي قاله ، فكرهت مسيري. فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسينعليه‌السلام ، فسلمت عليه وحدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل.

فقال الحسينعليه‌السلام : فأنت معنا أم علينا؟ فقلت : يابن رسول الله لا معك ولا عليك. تركت أهلي وولدي وعيالي ، أخاف عليهم من ابن زياد.

فقال الحسينعليه‌السلام : فولّ في الأرض هربا حتى لا ترى لنا مقتلا ، فو الذي نفس محمد بيده لا يرى مقتلنا اليوم رجل ولا يغيثنا إلا أدخله الله النار. قال هرثمة :فأقبلت في الأرض هاربا حتى خفي علي مقتله.

ملاحظة : هذه الفقرة هي جمع عدة روايات مع بعض ، إحداها وردت في شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ، ج ٣ ص ١٦٩ ط مصر ـ تحقيق محمد أبو الفضل ابراهيم.

٢٠٩ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بما سيحدث في كربلاء :

(المصدر السابق ، ص ١٤١)

حدّث نصر بن مزاحم عن مصعب بن سلام عن سعيد بن وهب ، قال : بعثني

٢٢٤

مخنف بن سليم إلى عليعليه‌السلام عند توجهه إلى صفين. فأتيته بكربلاء ، فوجدته يشير بيده ويقول : ههنا! فقال له رجل : وما ذاك يا أمير المؤمنين؟ قال : ثقل آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ينزل ههنا ، فويل لهم منكم ، وويل لكم منهم!.

فقال له الرجل : ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين؟ قال (ويل لهم منكم) تقتلونهم ، (وويل لكم منهم) يدخلكم الله بقتلهم إلى النار.

٢١٠ ـ حديث الإمام الحسنعليه‌السلام عن مصرع أخيه الحسينعليه‌السلام :

(مناقب ابن شهراشوب ، ج ٣ ص ٢٣٨ ط نجف)

روى الإمام الصادق عن آبائهعليهم‌السلام قال : دخل الحسين على أخيه الحسنعليهما‌السلام يوما ، فلما نظر إليه بكى. فقال له الحسنعليه‌السلام : ما يبكيك يا أبا عبد الله؟ قال :أبكي لما يصنع بك. فقال له الحسنعليه‌السلام : إن الذي يؤتى إليّ سم يدس إلي فأقتل به(١) ولكن لا يوم كيومك يا أبا عبد الله. يزدلف إليك ثلاثون ألف رجل يدّعون أنهم من أمة جدك محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وينتحلون بك الإسلام ، فيجتمعون على قتلك وسفك دمك ، وانتهاك حرمتك ، وسبي ذراريك ونسائك ، وانتهاب ثقلك ، فعندها تحلّ ببني أمية اللعنة ، وتمطر السماء دما ورمادا ، ويبكي عليك كل شيء ، حتى الوحوش في الفلوات ، والحيتان في البحار.

٢١١ ـ إخبار الحسينعليه‌السلام بمقتله :

عن معاوية بن قرة قال : قال الحسينعليه‌السلام : والله ليعتدن عليّ كما اعتدت بنو اسرائيل في السبت.

قال : وأنبأنا علي بن محمد ، عن جعفر بن سليمان الضبعي ، (قال) قال الحسينعليه‌السلام : والله لا يدعوني حتى يستخرجوا هذه العلقة من جوفي ، فإذا فعلوا ذلك سلط الله عليهم من يذلهم حتى يكونوا أذل من فرم الأمة.

__________________

(١) اللهوف على قتلى الطفوف ، ص ١٤.

٢٢٥

أخبار أخرى

٢١٢ ـ ورود سلمان (رض) كربلاء :

(وسيلة الدارين في أنصار الحسين للسيد إبراهيم الزنجاني ، ص ٧١)

في الخبر عن المسيب بن نجبة الفزاري ، قال : خرجت أستقبل سلمان الفارسي حين أقبل من المدينة إلى المدائن. فلما وصل إلى كربلاء تغير حاله وبكى ، وقال :هذه مصارع إخواني. هذا موضع رحالهم ، وهذا مناخ ركابهم ، وهذا مهراق دمائهم. يقتل بها خير الأولين وابن خير الآخرين.

٢١٣ ـ إخبار أبي ذر الغفاري بمقتل الحسينعليه‌السلام ونتائج ذلك :

(الإرشاد للشيخ المفيد ، ص ٢٣٦)

في (كامل الزيارة) عن عروة بن الزبير ، قال : سمعت أبا ذر ، وهو يومئذ قد أخرجه عثمان إلى الربذة ، فقال له الناس : يا أبا ذر أبشر ، فهذا قليل في الله. فقال ما أيسر هذا ، ولكن كيف أنتم إذا قتل الحسين بن عليعليه‌السلام قتلا (أو قال : ذبح ذبحا)؟. والله لا يكون في الإسلام بعد قتل الخليفة (يعني علي بن أبي طالب) أعظم قتيلا منه. وإن الله سيسل سيفه على هذه الأمة لا يغمده أبدا. ويبعث ناقما من ذريته فينتقم من الناس. وإنكم لو تعلمون ما يدخل على أهل البحار ، وسكان الجبال في الغياض والآكام ، وأهل السماء من قتله ، لبكيتم والله حتى تزهق أنفسكم. وما من سماء يمر بها روح الحسينعليه‌السلام إلا فزع له سبعون ألف ملك ، يقومون قياما ترعد مفاصلهم إلى يوم القيامة. وما من سحابة تمر وترعد وتبرق إلا لعنت قاتله. وما من يوم إلا وتعرض روحه على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فيلتقيان.

٢١٤ ـ ملازمة رجل من بني أسد أرض كربلاء :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ٢١٢)

قال العريان بن الهيثم : كان أبي يتبدى فينزل قريبا من الموضع الذي كانت فيه معركة الحسينعليه‌السلام . فكنا لا نبدو إلا وجدنا رجلا من بني أسد هناك. فقال له أبي : أراك ملازما هذا المكان!. قال : بلغني أن حسيناعليه‌السلام يقتل ههنا ، فأنا أخرج إلى هذا المكان ، لعلي أصادفه فأقتل معه.

قال ابن الهيثم : فلما قتل الحسينعليه‌السلام قال أبي : انطلقوا بنا ننظر ، هل الأسدي فيمن قتل مع الحسينعليه‌السلام . فأتينا المعركة وطوّقنا ، فإذا الأسدي مقتول.

٢٢٦

(أقول) لعل هذا الشهيد هو أنس بن الحرثرحمه‌الله . وهذا درس يعلمنا أن المؤمن النبيه يسعى نحو الحق حتى يدركه ، فينال أعلى درجات السعادة والكرامة ، كما فعل أنس بن الحرث الأسدي.

٤ ـ أخبار بمن يقتل الحسينعليه‌السلام

٢١٥ ـ الحسينعليه‌السلام يخبر بأن عمر بن سعد سيقتله :

(كشف الغمة ٢ / ٩ وإرشاد المفيد ص ٢٨٢ والبحار ٤٤ / ٢٦٣)

روى سالم بن أبي حفصة ، (قال) قال عمر بن سعد للحسينعليه‌السلام : يا أبا عبد الله ، إن قبلنا أناسا سفهاء يزعمون أني أقتلك. فقال له الحسينعليه‌السلام : إنهم ليسوا سفهاء ، ولكنهم حلماء. أما إنه يقر عيني أن لا تأكل من برّ العراق بعدي إلا قليلا.

٢١٦ ـ إخبار الإمام عليعليه‌السلام بأن عمر بن سعد يقتل ابنه الحسينعليه‌السلام :

عن الأصبغ بن نباتة ، قال : بينا أمير المؤمنينعليه‌السلام يخطب الناس ، وهو يقول :سلوني قبل أن تفقدوني ، فو الله لا تسألوني عن شيء مضى ولا شيء يكون إلا أنبأتكم به. فقام إليه سعد بن أبي وقاص ، فقال : يا أمير المؤمنين ، أخبرني كم في رأسي ولحيتي من شعرة. فقال : أما والله لقد سألتني عن مسألة حدثني خليلي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنك ستسألني عنها. وما في رأسك ولحيتك من شعرة إلا وفي أصلها شيطان جالس ، وإن في بيتك لسخلا يقتل ابني الحسينعليه‌السلام . وكان عمر بن سعد يومئذ يدرج بين يديه.

(أقول) : فلما كان من أمر الحسينعليه‌السلام ما كان ، تولى عمر بن سعد قتل الحسينعليه‌السلام ، وكان الأمر كما قال أمير المؤمنينعليه‌السلام .

وفي رواية (الإرشاد) للمفيد ص ٢٠ قال له عليعليه‌السلام :

وآية ذلك مصداق ما خبّرتك به. ولو لا أن الذي سألت عنه يعسر برهانه لأخبرتك به ، ولكن آية ذلك ما أنبأتك به من لعنتك وسخلك الملعون.

قال ابن سيرين : وقد ظهرت كرامات علي بن أبي طالبعليه‌السلام في هذا ، فإنه لقي قاتل الحسينعليه‌السلام وهو شاب ، فقال : ويحك ، كيف بك إذا قمت مقاما تخير فيه بين الجنة والنار ، فتختار النار؟

وسيرد هذا الخبر عند الحديث عن عمر بن سعد ، الذي تولى قيادة الجيش لقتال

٢٢٧

الحسينعليه‌السلام ، وقد نصحه الحسينعليه‌السلام كثيرا ، ولكن حب الدنيا أعمى قلبه.

تنبيه حول السائل :ذكر فخر الدين الطريحي في (المنتخب) ص ١٦٦ : أن الذي سأل الإمامعليه‌السلام : كم شعرة في رأسي ، هو يزيد والد خولي بن يزيد الأصبحي.ولعل بعض الروايات تشير إلى أنه سنان بن أنس ، والله أعلم.

يقول العلامة المجلسي في البحار ، ج ٤٤ ص ٢٥٧ : لا يخفى ما في الحديث من تسمية الرجل السائل المتعنت بأنه سعد بن أبي وقاص ، حيث أن سعد بن أبي وقاص اعتزل عن الجماعة وامتنع عن بيعة أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فاشترى أرضا واشتغل بها ، فلم يكن ليجيء إلى الكوفة ويجلس إلى خطبة الإمام عليعليه‌السلام .ومن جهة أخرى إن عمر بن سعد قد ولد في السنة التي مات فيها عمر بن الخطاب وهي سنة ٢٣ ه‍ فكان عمره حين خطب الإمامعليه‌السلام هذه الخطبة بالكوفة غلاما بالغا أشرف على العشرين ، لا أنه سخل في بيته.

ولما كان أصل القصة مسلمة مشهورة ، عدل الشيخ المفيد في (الإرشاد) عن تسمية الرجل ، وتبعه الطبرسي في (إعلام الورى) ص ١٨٦. ولعل الصحيح ما ذكره ابن أبي الحديد ، حيث ذكر الخطبة في شرحه على النهج ، ج ١ ص ٢٥٣ عن كتاب (الغارات) لابن هلال الثقفي عن زكريا بن يحيى العطار عن فضيل عن محمد الباقرعليه‌السلام وقال في آخره : والرجل هو سنان بن أنس النخعي.

٢١٧ ـ إخبار النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يزيد هو قاتل الحسينعليه‌السلام :

أخرج الطبراني عن معاذ بن جبل ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. نعي إليّ الحسينعليه‌السلام وأتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا (أي جماعات متفرقين).

وأخرجه ابن عساكر عن عبد الله بن عمرو بن العاص مرفوعا بلفظ : يزيد ، لا بارك الله في يزيد ، الطّعان اللعّان ، أما إنه نعي إلي حبيبي وسخلي حسين ، أتيت بتربته ورأيت قاتله. أما إنه لا يقتل بين ظهراني قوم فلا ينصرونه ، إلا عمّهم الله بعقاب.

وأخرج أبو يعلى عن أبي عبيدة (قال) قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لا يزال أمر أمتي قائما بالقسط حتى يكون أول من يثلمه رجل من بني أمية ، يقال له : يزيد.

وأخرج ابن أبي شيبة وأبو يعلى والروياني والحافظ أبوبكر محمد بن اسحق ابن

٢٢٨

خزيمة السلمي النيسابوري والبيهقي وابن عساكر والضياء ، عن أبي ذر ، أن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال : أول من يبدل سنتي رجل من بني أمية. وزاد الروياني : يقال له يزيد.

٢١٨ ـ رواية أخرى :

(معجم الطبراني ص ١٣٠ ومقتل الخوارزمي ص ١٦٠ وكنز العمال ١٣ / ١١٣ وأمالي الشجري ص ١٦٩)

في معجم الطبراني عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن معاذ بن جبل أخبره قال :خرج علينا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم متغير اللون ، فقال : أنا محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أوتيت فواتح الكلام وخواتمه ، فأطيعوني ما دمت بين أظهركم ، فإذا ذهب بي فعليكم بكتاب اللهعزوجل ، أحلوا حلاله وحرموا حرامه ، (فإذا) أتتكم الموتة أتتكم بالروح والراحة.كتاب الله من الله سبق ، أتتكم فتن كقطع الليل المظلم ، كلما ذهب رسل جاء رسل ، تناسخت النبوة فصارت ملكا. رحم الله من أخذها بحقها ، وخرج منها كما دخلها.

أمسك يا معاذ واحص!. قال : فلما بلغت خمسة ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يزيد ، لا بارك الله في يزيد. ثم ذرفت عيناه. ثم قال : نعي إلي حسين ، وأوتيت بتربته ، وأخبرت بقاتله. والذي نفسي بيده لا يقتل بين ظهراني قوم لا يمنعونه ، إلا خالف الله بين صدورهم وقلوبهم ، وسلط عليهم شرارهم وألبسهم شيعا.

ثم قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : واها لفراخ آل محمدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من خليفة مستخلف مترف ، يقتل خلفي وخلف الخلف.

أمسك يا معاذ. فلما بلغت عشرة ، قال : الوليد(١) اسم فرعون ، هادم شرائع الاسلام ، يبوء بدمه رجل من أهل بيته ، يسل الله سيفه فلا غماد له ، ويختلف الناس فكانوا هكذا ، وشبك بين أصابعه.

ثم قال : وبعد العشرين والمائة موت سريع وقتل ذريع ، فيه هلاكهم ، ويلي عليهم رجل من ولد العباس.

__________________

(١) لعل المقصود به الوليد بن يزيد بن عبد الملك ، وهو الذي مزّق القرآن وقال :

تهددني بجبار عنيد

فها أنا ذاك جبار عنيد

إذا ما جئت ربك يوم حشر

فقل : يا ربّ مزّقني الوليد

٢٢٩
٢٣٠

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

١ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام والحزن عليه

ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٣ ـ إقامة ذكرى الحسينعليه‌السلام ومراسم الحزن يوم عاشوراء

ـ اتخاذ بني أمية يوم عاشوراء يوم عيد وفرح

ـ أحاديث موضوعة في فضل يوم عاشوراء وأنه عيد

ـ هل يجوز صيام يوم عاشوراء؟

٤ ـ فلسفة المآتم الحسينية

٢٣١
٢٣٢

الفصل السادس

المآتم الحسينيّة

* مقدمة الفصل :

لا يخفى أن مصيبة الحسينعليه‌السلام الكبيرة قد أقضّت مضجع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم واستحوذت عليه كل اهتمامه. فلا عجب إذا رأيناه يقيم المأتم على الحسينعليه‌السلام منذ مولده ، وفي عدة مناسبات من حياته. وعلى ذلك سار الأئمة الأطهار ودعوا كل من شايع الحسينعليه‌السلام إلى إقامة الحزن والعزاء عليه في كل مكان وزمان ، ولا سيما يوم العاشر من المحرم ، حتّى صار شعارهم :

«كل أرض كربلا ، وكل يوم عاشورا»

في حين كان بعض المسلمين عمدا أو جهلا يقيمون الفرح في ذلك اليوم ، جريا على السنّة التي اختطها لهم بنو أمية من غابر الزمان.

وسوف نتكلم في هذا الفصل حول إقامة المآتم الحسينية ، ثم فضل الحزن والبكاء على الحسينعليه‌السلام ، ثم إقامة مراسم العزاء والحزن والحداد يوم العاشر من المحرم كل عام. ونتعرض إلى بعض خصوصيات يوم عاشوراء ، والمحاولات المغرضة لتغيير مفهومه وصرفه عن حقيقته. ثم ننهي الفصل بفلسفة المآتم الحسينية ، وتتضمن أهداف ذكرى الحسينعليه‌السلام والفوائد التي تحققها المجالس الحسينية ، وأن هدفها ليس فقط الحزن والبكاء ، وإنما العظة واليقظة والاعتبار ، وتبديل السلوك وتعديل المسار ، والخروج من مستنقع الخطايا والأوزار ، إلى رياض الأخيار وجنان الأبرار.

١ ـ مآتم الحسينعليه‌السلام

مرت في الفصل السابق روايات مستفيضة حول إخبار جبرئيل للنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنبأ استشهاد الحسينعليه‌السلام ، ثم إخبار محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أهله وأصحابه بذلك. وكان في

٢٣٣

تلك الأحوال يضع الحسين الطفل في حضنه ، ويبكي بكاء شديدا ، ويقبّله من فمه ونحره ، ويشمّه ويضمه إلى صدره ، فكانت تلك المشاهد أول المآتم المقامة على الحسينعليه‌السلام في حياته وقبل مماته. وعلى هذا الهدي المحمدي سار شيعة الحسينعليه‌السلام من بعده ، يقيمون المآتم والعزاء عليه ، بعد موته واستشهاده ، اقتداء بالنبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ومشاركة له في محنته ومصيبته.

٢١٩ ـ مأتم الحسينعليه‌السلام في دار فاطمةعليها‌السلام :

(قادتنا : كيف نعرفهم؟ ، ج ٦ ص ١٢٠)

روى الخوارزمي عن علي بن أبي طالبعليه‌السلام قال : زارنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فعملنا له حريرة ، وأهدت لنا أم أيمن قعبا من لبن وزبدا وصفحة من تمر. فأكل النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأكلنا معه. ثم وضّأت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فقام فاستقبل القبلة ، فدعا الله ما شاء. ثم أكبّ على الأرض بدموع غزيرة مثل المطر. فهبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن نسأله!.

فوثب الحسينعليه‌السلام فقال : يا أبتي رأيتك تصنع ما لم أرك تصنع مثله!.فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا بني إني سررت بكم اليوم سرورا لم أسرّ بكم مثله. وإن حبيبي جبرئيل أتاني فأخبرني أنكم قتلى ، وأن مصارعكم شتى ، فدعوت الله لكم ، وأحزنني ذلك.

فقال الحسينعليه‌السلام : يا رسول الله ، فمن يزورنا على تشتّتنا ، ويتعاهد قبورنا؟.قال : طائفة من أمتي ، يريدون برّي وصلتي. فإذا كان يوم القيامة شهدتها بالموقف ، وأخذت بأعضادها ، فأنجيتها والله من أهواله وشدائده.

٢٢٠ ـ في دار أم سلمة :

(تاريخ ابن عساكر ـ الجزء الخاص بالحسين ، ص ١٧٦)

وروى ابن عساكر بإسناده عن عبد الله بن سعيد بن أبي هند ، عن أبيه (قال) قالت أم سلمة : كان النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم نائما في بيتي ، فجاء الحسينعليه‌السلام . قالت : فقصد الباب ، فسبقته على الباب مخافة أن يدخل فيوقظه. قالت : ثم غفلت في شيء ، فدبّ فدخل ، فقعد على بطنه.

قالت : فسمعت نحيب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . فجئت فقلت : يا رسول الله ، والله ما علمت به. فقال : إنما جاءني جبرئيلعليه‌السلام وهو على بطني قاعد ، فقال لي :

٢٣٤

أتحبّه؟. فقلت : نعم. قال : إن أمتك ستقتله. ألا أريك التربة التي يقتل بها؟.(قال) فقلت : بلى. قال : فضرب بجناحه فأتى بهذه التربة. قالت : فإذا في يده تربة حمراء ، وهو يبكي ويقول : يا ليت شعري من يقتلك بعدي؟!.

وفي رواية أخرى للخوارزمي : (قادتنا ـ ج ٦ ص ١٢٦)

قال : ثم أخذ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تلك القبضة التي أتاه بها الملك ، فجعل يشمّها ويبكي ، ويقول في بكائه : الله م لا تبارك في قاتل ولدي ، وأصله نار جهنم.

ثم دفع تلك القبضة إلى أم سلمة ، وأخبرها بقتل الحسينعليه‌السلام بشاطئ الفرات ، وقال : يا أم سلمة خذي هذه التربة إليك ، فإنها إذا تغيرت وتحولت دما عبيطا ، فعند ذلك يقتل ولدي الحسينعليه‌السلام .

إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام

٢٢١ ـ إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(أسرار الشهادة للدربندي ، ص ٩٣)

يقول الفاضل الدربندي : اعلم أن من تأمل في الأخبار المروية من طرق العامة في فضل الحسن والحسينعليه‌السلام ومناقبهما ، علم أن البكاء على الحسينعليه‌السلام وإقامة تعزيته في كل سنة ، بل في كل شهر ، بل في كل أسبوع ، بل في كل ليلة ، من أفضل العبادات وأشرف الطاعات والقربات. فلعنة الله على كل متعصب من المخالفين ، الذين يأخذون يوم عاشوراء عيدا ، ويسمّون الاجتماع للعزاء والبكاء على سيد الشهداء بدعة ، وذلك كابن حجر العسقلاني ومن مثله.

٢٢٢ ـ ثواب إقامة العزاء على الحسينعليه‌السلام :

(المنتخب للطريحي ، ص ٢٨ ط ٢)

روي أنه لما أخبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسينعليه‌السلام وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمةعليه‌السلام بكاء شديدا ، وقالت : يا أبتي متى يكون ذلك؟. قالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : في زمان خال مني ومنك ومن عليعليه‌السلام . فاشتد بكاؤها ، وقالت : يا أبة فمن يبكي عليه؟. ومن يلتزم بإقامة العزاء له؟. فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :يا فاطمة إن نساء أمتي يبكون على نساء أهل بيتي ، ورجالهم يبكون على رجال

٢٣٥

أهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة. فإذا كان يوم القيامة تشفعين أنت للنساء ، وأنا أشفع للرجال. وكل من بكى على مصاب الحسينعليه‌السلام أخذنا بيده وأدخلناه الجنة.

يا فاطمة ، كل عين باكية يوم القيامة ، إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة.

٢ ـ فضل البكاء والحزن على الحسينعليه‌السلام

٢٢٣ ـ البكاء على أمناء الرحمن :

(المنتخب للطريحي ، ص ١٦ ط ٢)

يقول فخر الدين الطريحي : فيا إخواني ، كيف لا نبكي على أمناء الرحمن ، وسادات أهل الزمان؟. وكيف لا نجدد النوح والأحزان ، في كل آن ومكان؟. على الشهيد العطشان ، النائي عن الأهل والأوطان ، المدفون بلا غسل ولا أكفان؟.فعلى الأطائب من أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فليبك الباكون ، وإياهم فليندب النادبون ، ولمثلهم تذرف الدموع من العيون.

٢٢٤ ـ فضيلة البكاء من خشية الله :

(أخبار الدول للقرماني ص ١١١)

قال الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام : ما اغرورقت عين بمائها من خشية الله ، إلا وحرّم اللهعزوجل وجه صاحبها على النار. فإن سالت على الخدين دموعه ، لم يرهق وجهه قتر ولا ذلّة. وما من شيء إلا له جزاء إلا الدمعة ، فإن الله تعالى يكفّر بها بحور الخطايا. ولو أن باكيا بكى في أمة ، لحرّم الله تلك الأمّة على النار.

(أقول) : ومن هذا القبيل بكاء المؤمن على الإمام الحسينعليه‌السلام .

٢٢٥ ـ البكاء من خوف الله وخشيته :

(أسرار الشهادة ، ص ٤٨)

يقول الفاضل الدربندي : ومنها أن البيت المبني من الطين إذا انهدم أمكن إصلاحه بقرب من الماء ، فكذلك الإنسان المخلوق أصله من الطين ، إذا فسد أمره بارتكاب المعصية ، أمكنه تداركه بإرسال العبرات على الحسرات. كما قال أمير

٢٣٦

المؤمنين ، وسيد الموحدين ، وتاج رؤوس البكّائينعليه‌السلام : أمحوا المثبّتات من العثرات بالمرسلات من العبرات.

٢٢٦ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام هو من خشية الله :

(المصدر السابق ، ص ٤٩)

ويقول الفاضل الدربندي : واعلم أن البكاء على مصاب أهل بيت الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولا سيما على مصاب سيد الشهداء روحي له الفداء ، ليس أمرا مغايرا للبكاء من خوف الله تعالى. حتّى يتمشّى سؤال : أهل البكاء من خوف الله تعالى أفضل ، أم البكاء على سيد الشهداءعليه‌السلام ؟. بل إن البكاء عليه هو البكاء في محبة الله ، والبكاء المنبعث عن التقرب إلى الله.

٢٢٧ ـ البكاء من خوف الله قسمان :

(المصدر السابق)

ثم يقول الفاضل الدربندي : فإن شئت أن توضّح المطلب في غاية الإيضاح فقل :إن البكاء من خوف الله تعالى ينحلّ إلى نوعين وينقسم إلى قسمين :

الأول : أن يكون منشأ البكاء معاصي الإنسان ، وتذكّره لحالة الاحتضار وأهوال البرزخ والمحشر والعقوبات التي يستحقها. فهذا البكاء وإن كان يطلق عليه أيضا أنه بكاء من خوف الله وقسم منه ، إلا أنه في الحقيقة يرجع إلى بكائه على نفسه وعلى ذنبه.

الثاني : أن يكون ذلك البكاء في مقام محبة الله تعالى ، وملاحظة عظمة صفاته وكبريائه وجبروته ، وفي مقام التفكر في التقصير في عبادته. وهذا في مقام ذوق حلاوة مناجاته ومحبته التي انبعثت عنها المحبة والموالاة لأوليائه وحججه ، فلا يلاحظ في هذا القسم أصلا رجاء الثواب ولا الخوف من العقاب. فلا شك أن هذا القسم من البكاء هو أفضل من القسم الأول. ومما لا شك فيه أن البكاء على مصاب آل الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من هذا القسم ، إذ قد عرفت أن المحبة والموالاة لهم مما يرجع إلى محبة الله وموالاته. ويتضح هذا المطلب عند الفطن المتدبر ، إذا لا حظ عوم الأئمة الطاهرين ، وسباحة حجج الله المعصومين ، في بحار البلايا وقواميس المصائب ، لأجل محبة الله تعالى.

شرح : القواميس : جمع قاموس ، وهو البحر العظيم.

٢٣٧

٢٢٨ ـ ثواب البكاء عامة على الحسين ومصيبة سائر الأئمةعليه‌السلام :

(الخصال الأربعمائة ٢ / ٦٣٥ والبحار ٤٤ / ٢٨٧)

قال أمير المؤمنينعليه‌السلام : إن الله تبارك وتعالى اطّلع إلى الأرض فاختارنا ، واختار لنا شيعة ينصروننا ، ويفرحون لفرحنا ، ويحزنون لحزننا ، ويبذلون أموالهم وأنفسهم فينا ، أولئك منا وإلينا.

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : «كل عين باكية إلا عين بكت على مصاب الحسينعليه‌السلام ، فإنها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة».

وقال الإمام الرضاعليه‌السلام للريان بن شبيب : إن سرّك أن تكون معنا في الدرجات العلى من الجنان ، فاحزن لحزننا ، وافرح لفرحنا ، وعليك بولايتنا. فلو أن رجلا تولّى حجرا حشره الله معه يوم القيامة.

وقال الإمام عليعليه‌السلام : كل عين يوم القيامة باكية ، وكل عين يوم القيامة ساهرة ، إلا عين من اختصه الله بكرامته ، وبكى على ما ينتهك من الحسين وآل محمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . (راجع مقتل العوالم ص ٥٢٥).

٢٢٩ ـ من قطرت عينه قطرة على الحسينعليه‌السلام :

(مجالس المفيد ، ص ٣٤٠ وأمالي الطوسي ١ / ١١٦ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن الإمام الحسينعليه‌السلام قال : ما من عبد قطرت عيناه فينا قطرة ، أو دمعت عيناه فينا دمعة ، إلا بوّأه الله تعالى بها في الجنة (غرفا يسكنها) حقبا. (وفي رواية) : أحقابا أحقابا.

شرح : الحقبة من الدهر : مدة لا وقت لها ، جمعها : حقب. وهي كناية عن الدوام.

٢٣٠ ـ فضيلة البكاء على الحسينعليه‌السلام :

(مقتل العوالم ، ج ١٧ ص ٥٢٦)

في (تفسير علي بن إبراهيم) عن الإمام محمّد الباقرعليه‌السلام قال : كان علي ابن الحسينعليه‌السلام يقول : أيّما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن عليعليه‌السلام دمعة ، حتّى تسيل على خده ، بوّأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا. وأيما مؤمن دمعت عيناه (دمعا) حتّى يسيل دمعه على خده ، لأذى مسّنا من عدونا في الدنيا ، بوّأه الله مبوّأ صدق في الجنة. وأيما مؤمن مسّه أذى فينا ، فدمعت عيناه حتّى يسيل

٢٣٨

دمعه على خديه ، من مضاضة ما أوذي فينا ، صرف الله عن وجهه الأذى ، وآمنه يوم القيامة من سخطه والنار.

٢٣١ ـ البكاء على الحسينعليه‌السلام يحطّ الذنوب :

(بحار الأنوار للمجلسي ، ج ٤٤ ص ٢٨٢)

عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال لفضيل : تجلسون وتتحدثون؟. قال : نعم جعلت فداك. قال : إن تلك المجالس أحبّها ، فأحيوا أمرنا يا فضيل ، فرحم الله من أحيا أمرنا.

يا فضيل ، من ذكرنا أو ذكرنا عنده ، فخرج من عينه مثل جناح الذباب ، غفر الله له ذنوبه ، ولو كانت أكثر من زبد البحر.

٢٣٢ ـ حديث : نفس المهموم لظلمنا تسبيح :

(مجالس المفيد ، ص ٣٣٨ وأمالي الطوسي ١ / ١١٥ والبحار ٤٤ / ٢٧٨)

عن أبان بن تغلب ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : نفس المهموم لظلمنا تسبيح ، وهمهّ لنا عبادة ، وكتمان سرّنا جهاد في سبيل الله.

ثم قالعليه‌السلام : يجب أن يكتب هذا الحديث بالذهب.

٢٣٣ ـ حديث : من دمعت عينه فينا دمعة :

(مجالس المفيد ، ص ١٧٤ وأمالي الطوسي ١ / ٩٧ والبحار ٤٤ / ٢٧٩)

عن محمّد بن أبي عمارة الكوفي ، قال : سمعت جعفر بن محمّدعليه‌السلام يقول :من دمعت عينه فينا دمعة ، لدم سفك لنا ، أو حقّ لنا أنقصناه ، أو عرض انتهك لنا أو لأحد من شيعتنا ، بوّأه الله تعالى بها في الجنة حقبا.

٢٣٤ ـ حديث : من ذكرنا عنده :

(كامل الزيارات ، ص ١٠٤ والبحار ٤٤ / ٢٨٥)

عن فضيل بن فضالة ، عن أبي عبد الله الصادقعليه‌السلام قال : من ذكرنا عنده ففاضت عيناه ، حرّم الله وجهه على النار.

وروي عن الصادقعليه‌السلام قال : لكل سرّ ثواب ، إلا الدمعة فينا.

٢٣٩

٢٣٥ ـ حديث الإمام الصادقعليه‌السلام لمسمع كردين :

(كامل الزيارات ، ص ١٠١ والبحار ٤٤ / ٢٨٩)

سأل الإمام الصادقعليه‌السلام مسمع كردين ، وهو من أهل العراق : هل يبكي على الحسينعليه‌السلام ؟ فقال : بلى

قال : ثم استعبر واستعبرت معه. فقالعليه‌السلام : الحمد لله الّذي فضّلنا على خلقه بالرحمة ، وخصّنا أهل البيت بالرحمة.

يا مسمع ، إن الأرض والسماء لتبكي منذ قتل أمير المؤمنين رحمة لنا. وما بكى لنا من الملائكة أكثر. وما رقأت دموع الملائكة منذ قتلنا. وما بكى أحد رحمة لنا ولما لقينا ، إلارحمه‌الله قبل أن تخرج الدمعة من عينيه. فإذا سالت دموعه على خده غفر الله ذنوبه ، ولو كانت مثل زبد البحر. فلو أن قطرة من دموعه سقطت في جهنم ، لأطفأت حرّها حتّى لا يوجد لها حرّ. وإن الموجع لنا قلبه ليفرح يوم يرانا عند موته ، فرحة لا تزال تلك الفرحة في قلبه حتّى يرد علينا الحوض. وإن الكوثر ليفرح بمحبّنا إذا ورد عليه ، حتّى أنه ليذيقه من ضروب الطعام ما لا يشتهي أن يصدر عنه.

٢٣٦ ـ حديث : من تذكر مصابنا وبكى :

(أمالي الصدوق ، ص ٦٨ وبحار الأنوار ٤٤ / ٢٧٨)

قال الإمام الرضاعليه‌السلام : من تذكّر مصابنا وبكى لما ارتكب منا ، كان معنا في درجاتنا يوم القيامة. ومن ذكّر بمصابنا فبكى وأبكى ، لم تبك عينه يوم تبكي العيون. ومن جلس مجلسا يحيي فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب.

٢٣٧ ـ الحسينعليه‌السلام قتيل العبرة :

(أمالي الطوسي ، ص ١٢١)

عن الإمام الصادقعليه‌السلام (قال) قال الحسين بن عليعليه‌السلام : أنا قتيل العبرة ، قتلت مكروبا ، وحقيق على الله أن لا يأتيني مكروب قط ، إلا ردّه الله وأقلبه إلى أهله مسرورا.

وعن الحسينعليه‌السلام قال : أنا قتيل العبرة ، لا يذكرني مؤمن إلا استعبر.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

جاء بعجل حنيذ مشويّا نضيجا.

وفي معاني الأخبار بإسناد صحيح عن عبد الرحمن بن الحجّاج عن أبى عبداللهعليه‌السلام في قول الله عزّوجلّ: فضحكت فبشّرناها بإسحاق قال: حاضت.

وفي الدرّ المنثور أخرج إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر عن الضحّاك عن ابن عبّاس قال: لمّا رآى إبراهيم أنّه لا تصل إلى العجل أيديهم نكرهم وخافهم، وإنّما كان خوف إبراهيم أنّهم كانوا في ذلك الزمان إذا همّ أحدهم بامرء سوءً لم يأكل عنده يقول: إذا اُكرمت بطعامه حرم علىّ أذاه، فخاف إبراهيم أن يريدوا به سوءً فاضطربت مفاصله.

وامرأته سارة قائمة تخدمهم، وكان إذا أراد أن يكرم ضيفا أقام سارة ليخدمهم فضحكت سارة، وإنّما ضحكت أنّها قالت: يا إبراهيم وما تخاف؟ إنّهم ثلاثة نفر وأنت وأهلك وغلمانك. قال لها جبرئيل: أيّتها الضاحكة أمّا إنّك ستلدين غلاما يقال له: إسحاق ومن ورائه غلام يقال له: يعقوب فأقبلت في صرّة فصكّت وجهها فأقبلت والهة تقول: واويلتاه ووضعت يدها على وجهها استحياء فذلك قوله: فصكّت وجهها، وقالت: ءألد وأنا عجوز وهذا بعلى شيخا.

قال: لمّا بشّر إبراهيم يقول الله: فلمّا ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى بإسحاق يجادلنا في قوم لوط، وكان جداله أنّه قال: يا جبرئيل أين تريدون؟ وإلى من بعثتم؟ قال: إلى قوم لوط وقد أمرنا بعذابهم.

فقال إبراهيم إنّ فيها لوطا. قالوا: نحن أعلم بمن فيها لننجّينّه وأهله إلّا امرأته، وكانت فيما زعموا تسمّى والقة. فقال إبراهيم: إن كان فيهم مائة مؤمن أتعذّبونهم؟ قال جبرئيل: لا. قال: فإن كان فيهم تسعون مؤمنون تعذّبونهم؟ قال جبرئيل: لا. قال: فإن كان فيهم ثمانون مؤمنون تعذّبونهم؟ قال جبرئيل: لا. حتّى انتهى في العدد إلى واحد مؤمن قال جبرئيل: لا. فلمّا لم يذكروا لإبراهيم أنّ فيها مؤمنا واحدا قال: إنّ فيها لوطا. قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجّينّه وأهله إلّا امرأته.

٣٤١

أقول: وفي متن الحديث اضطراب مّا من حيث ذكره قول إبراهيم: إنّ فيها لوطا أوّلاً وثانياً لكنّ المراد واضح.

وفي تفسير العيّاشيّ عن أبى حمزة الثمالىّ عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: إنّ الله تبارك وتعالى لمّا قضى عذاب قوم لوط وقدّره أحبّ أن يعوّض إبراهيم من عذاب قوم لوط بغلام عليم يسلّى به مصابه بهلاك قوم لوط.

قال: فبعث الله رسلا إلى إبراهيم يبشّرونه بإسماعيل. قال: فدخلوا عليه ليلاً ففزع منهم وخاف أن يكونوا سرّاقا فلمّا رأته الرسل فزعا مذعورا قالوا: سلاما. قال: سلام إنّا منكم وجلون. قالوا: لا توجل إنّا نبشّرك بغلام عليم. قال أبوجعفرعليه‌السلام : والغلام العليم إسماعيل من هاجر فقال إبراهيم للرسل: أبشّرتموني على أن مسنّى الكبر فبم تبشّرون. قالوا: بشّرناك بالحقّ فلا تكن من القانطين.

قال إبراهيم للرسل: فما خطبكم بعد البشارة؟ قالوا: إنّا اُرسلنا إلى قوم مجرمين قوم لوط إنّهم كانوا قوما فاسقين لننذرهم عذاب ربّ العالمين، قال أبوجعفرعليه‌السلام : قال إبراهيم: إنّ فيها لوطا. قالوا: نحن أعلم بمن فيها لننجّينّه وأهله إلّا امرأته قدّرنا إنّها لمن الغابرين.

فلمّا عذّبهم الله ارسل الله إلى إبراهيم رسلا يبشّرونه بإسحاق ويعزّونه بهلاك قوم لوط، وذلك قوله: ولمّا جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فما لبث أن جاء بعجل حنيذ يعنى زكيّا مشويّا نضيجا فلمّا رآى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنّا اُرسلنا إلى قوم لوط وامرأته قائمة. قال أبوجعفرعليه‌السلام : إنّما عنوا سارة قائمة فبشّروها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فضحكت يعنى فعجبت من قولهم.

أقول: والرواية - كما ترى - تجعل قصّة البشارة قصّتين: البشارة بإسماعيل والبشارة بإسحاق وقد ولد بعد إسماعيل بسنين. ثمّ تحمل آيات سورة الحجر - ولم يذكر فيها تقديم العجل المشوىّ إلى الضيوف - على البشرى بإسماعيل ولمّا يقع العذاب على قوم لوط حين ذاك، وتحمل آيات سورتي الذاريات وهود - وقد اختلطتا

٣٤٢

في الرواية - على البشرى لسارة بإسحاق ويعقوب، وأنّها إنّما كانت بعد هلاك قوم لوط فراجعوا إبراهيم وأخبروه بوقوع العذاب وبشّروه البشارة الثانية.

أمّا آيات سورة الحجر فإنّها في نفسها تحتمل الحمل على البشارة بإسماعيل وكذا الآيات الواقعة في سورة الذاريات تحتمل أن تقصّ عمّا بعد هلاك قوم لوط وتكون البشرى بإسحاق ويعقوب عند ذلك.

وأمّا آيات سورة هود فإنّها صريحة في البشرى بإسحاق ويعقوب، ولكنّ ما في ذيلها من قوله:( يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ) إلى آخر الآيات تأبى أن تنطبق على ما بعد هلاك قوم لوط، وإن كان ما في صدرها من قوله:( إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ) لا يأبى وحده الحمل على ما بعد الهلاك، وكذا جملة( إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ ) لو لا ما يحفّها من قيود الكلام.

وبالجملة مفاد الآيات في سورة هود هو وقوع البشرى بإسحاق قبل هلاك قوم لوط، وعند ذلك كان جدال إبراهيمعليه‌السلام ، ومقتضى ذلك أن تكون ما وقع من القصّة في سورة الذاريات هي الواقعة قبل هلاك القوم لا بعد الهلاك، وكذا كون ما وقع من القصّة في سورة الحجر وفيه التصريح بكونه قبل هلاكهم وفيه جدال إبراهيمعليه‌السلام خاليا عن بشرى إسحاق ويعقوب لا بشرى إسماعيل.

والحاصل أنّ اشتمال آيات هود على بشرى إسحاق وجدال إبراهيمعليه‌السلام الظاهر في كونها قبل هلاك قوم لوط يوجب أن يكون المذكور من البشرى في جميع السور الثلاث: هود والحجر والذاريات قصّة واحدة هي قصّة البشرى بإسحاق قبل وقوع العذاب، وهذا ممّا يوهن الرواية جدّاً.

وفي الرواية شئ آخر وهو أنّها أخذت الضحك بمعنى العجب وأخذت قوله:( فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) من التقديم والتأخير، وأنّ التقدير: فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب فضحكت وهو خلاف الظاهر من غير نكتة ظاهرة.

وفي تفسير العيّاشيّ أيضاً عن الفضل بن أبى قرّة قال: سمعت أباعبدالله

٣٤٣

عليه‌السلام يقول: أوحى الله إلى إبراهيم أنّه سيلد لك فقال لسارة فقالت: ءألد وأنا عجوز؟ فأوحى الله إليه: أنّها ستلد ويعذّب أولادها أربعمائة سنة بردّها الكلام علىّ.

قال: فلمّا طال على بنى إسرائيل العذاب ضجّوا وبكوا إلى الله أربعين صباحا فأوحى الله إلى موسى وهارون أن يخلّصهم من فرعون فحطّ عنهم سبعين ومائة سنة.

قال: وقال أبوعبداللهعليه‌السلام : هكذا أنتم. لو فعلتم فرّج الله عنّا فأمّا إذا لم تكونوا فإنّ الأمر ينتهى إلى منتهاه.

أقول: وجود الرابطة بين أحوال الإنسان وملكاته وبين خصوصيّات تركيب بدنه ممّا لا شكّ فيه فلكلّ من جانبى الربط استدعاء وتأثير خاصّ في الآخرة ثمّ النطفة مأخوذة من المادّة البدنيّة حاملة لما في البدن من الخصوصيّات المادّيّة والروحيّة طبعا فمن الجائز أن يرث الأخلاف بعض خصوصيّات أخلاق أسلافهم المادّيّة والروحيّة.

وقد تقدّم كرارا في المباحث السابقة أنّ بين صفات الإنسان الروحيّة وأعماله وبين الحوادث الخارجيّة خيرا وشرّا رابطة تامّة كما يشير إليه قوله تعالى:( وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَىٰ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ ) الأعراف: ٩٦، وقوله:( وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ ) الشورى: ٣٠.

فمن الجائز أن يصدر عن فرد من أفراد الإنسان أو عن مجتمع من المجتمعات الإنسانيّة عمل من الأعمال صالح اوطالح أو تظهر صفة من الصفات فضيلة أو رذيلة ثمّ يظهر أثره الجميل أو وباله السيّئ في أعقابه، والملاك في ذلك نوع من الوراثة كما مرّ، وقد تقدّم في ذيل قوله تعالى:( وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافًا خَافُوا عَلَيْهِمْ ) النساء: ٩ كلام في هذا المعنى في الجزء الرابع من الكتاب.

وفيه عن زرارة وحمران ومحمّد بن مسلم عن أبى جعفرعليه‌السلام وعن عبد الرحمن عن أبى عبداللهعليه‌السلام في قول الله:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ) قال: دعاء.

أقول: وروى في الكافي عن زرارة عن أبى جعفرعليه‌السلام مثله.

٣٤٤

وفيه عن أبى بصير عن أحدهماعليهما‌السلام قال: إنّ إبراهيم جادل في قوم لوط وقال: إنّ فيها لوطا. قالوا: نحن أعلم بمن فيها فزاده إبراهيم فقال جبرئيل: يا إبراهيم أعرض عن هذا إنّه قد جاء أمر ربّك وإنّهم آتيهم عذاب غير مردود.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن الأنباريّ في كتاب الوقف والابتداء عن حسّان بن أبجر قال: كنت عند ابن عبّاس فجاءه رجل من هذيل فقال له ابن عبّاس: ما فعل فلان؟ قال: مات وترك أربعة من الولد وثلاثة من الوراء. فقال ابن عبّاس:( فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ) قال: ولد الولد.

( كلام في قصّة البشرى)

قصّة البشرى وسمّاها الله تعالى حديث ضيف إبراهيمعليه‌السلام وقعت في خمس من السور القرآنيّة كلّها مكّيّة وهى على ترتيب القرآن سورة هود والحجر والعنكبوت والصافّات والذاريات.

فالاُولى ما في سورة هود ٦٩ - ٧٦ قوله تعالى:( وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ فَمَا لَبِثَ أَن جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ( ٦٩ ) فَلَمَّا رَأَىٰ أَيْدِيَهُمْ لَا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمِ لُوطٍ ( ٧٠ ) وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ( ٧١ ) قَالَتْ يَا وَيْلَتَىٰ أَأَلِدُ وَأَنَا عَجُوزٌ وَهَذَا بَعْلِي شَيْخًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عَجِيبٌ ( ٧٢ ) قَالُوا أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللهِ رَحْمَتُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ ( ٧٣ ) فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَىٰ يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ( ٧٤ ) إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ( ٧٥ ) يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا إِنَّهُ قَدْ جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَإِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذَابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ ( ٧٦ ) ) .

والثانية ما في سورة الحجر: ٥١ - ٦٠ قوله تعالى:( وَنَبِّئْهُمْ عَن ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ ( ٥١ ) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ ( ٥٢ ) قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ( ٥٣ ) قَالَ أَبَشَّرْتُمُونِي عَلَىٰ أَن مَّسَّنِيَ الْكِبَرُ فَبِمَ تُبَشِّرُونَ ( ٥٤ ) قَالُوا بَشَّرْنَاكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُن مِّنَ الْقَانِطِينَ ( ٥٥ ) قَالَ وَمَن يَقْنَطُ

٣٤٥

مِن رَّحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ ( ٥٦ ) قَالَ فَمَا خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ ( ٥٧ ) قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ ( ٥٨ ) إِلَّا آلَ لُوطٍ إِنَّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ ( ٥٩ ) إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ( ٦٠ ) ) .

والثالثة ما في سورة العنكبوت: ٣١ - ٣٢ قوله تعالى:( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَىٰ قَالُوا إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَهَا كَانُوا ظَالِمِينَ ( ٣١ ) قَالَ إِنَّ فِيهَا لُوطًا قَالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَن فِيهَا لَنُنَجِّيَنَّهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ ( ٣٢ ) ) .

والرابعة ما في سورة الصافات: ٩٩ - ١١٣ قوله تعالى:( وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَىٰ رَبِّي سَيَهْدِينِ ( ٩٩ ) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ( ١٠٠ ) فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ( ١٠١ ) فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ( ١٠٢ ) فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ ( ١٠٣ ) وَنَادَيْنَاهُ أَن يَا إِبْرَاهِيمُ ( ١٠٤ ) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١٠٥ ) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ ( ١٠٦ ) وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ ( ١٠٧ ) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ ( ١٠٨ ) سَلَامٌ عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ ( ١٠٩ ) كَذَٰلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ ( ١١٠ ) إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ ( ١١١ ) وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ( ١١٢ ) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَىٰ إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ ( ١١٣ ) ) .

والخامسة ما في سورة الذاريات: ٢٤ - ٣٠ قوله تعالى:( هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ ( ٢٤ ) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُّنكَرُونَ ( ٢٥ ) فَرَاغَ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ ( ٢٦ ) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ ( ٢٧ ) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ( ٢٨ ) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ ( ٢٩ ) قَالُوا كَذَٰلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ ( ٣٠ ) ) .

ويقع البحث في قصّة البشرى من وجوه:

أحدها: أنّها هل هي بشرى واحدة وهى المشتملة على بشرى إبراهيم وسارة بإسحاق ويعقوب وقد وقعت قبيل هلاك قوم لوط أو أنّها قصّتان: إحداهما تشتمل على البشرى بإسماعيل والاُخرى تتضمّن البشرى بإسحاق ويعقوب.

ربّما رجّح الثاني بناء على أنّ ما وقع من القصّة في سورة الذاريات صريح في تقديم العجل المشوىّ، وأنّ إبراهيم خافهم لمّا امتنعوا من الأكل ثمّ بشرّوه

٣٤٦

وامرأته العجوز العقيم وهى سارة اُمّ إسحاق قطعاً، وذيل الآيات ظاهر في كون ذلك بعد إهلاك قوم لوط حيث يقول الملائكة:( إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَىٰ قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ - إلى أن قالوا -فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ وَتَرَكْنَا فِيهَا آيَةً لِّلَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ) الآيات ونظير ذلك ما في سورة هود وقد قال فيها الملائكة لإزالة الروع عن إبراهيم ابتداء: إنّا أرسلنا إلى قوم لوط.

وأمّا ما في سورة الحجر فليس يتضمّن حديث تقديم العجل المشوىّ بل ظاهره أنّ إبراهيم وأهله خافوهم لدى دخولهم عليه فأسكنوا رعبه بالبشارة كما يقول تعالى:( إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ إِنَّا مِنكُمْ وَجِلُونَ قَالُوا لَا تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ ) وذيل الآيات ظاهر في كون ذلك قبل هلاك لوط.

ونظيره ما في سورة العنكبوت من القصّة وهى أظهر في كون ذلك قبل الهلاك ويتضمّن جدال إبراهيم في قوم لوط، وقد تقدّمت في البحث الروائيّ السابق حديث العيّاشيّ في هذا المعنى.

لكنّ الحقّ أنّ الآيات في جميع السور الأربع سورة هود والحجر والعنكبوت والذاريات إنّما تقصّ قصّة البشارة بإسحاق ويعقوب دون إسماعيل.

وأمّا ما في ذيل آيات الذاريات من قوله:( قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا ) الظاهر في المضىّ والفراغ عن الأمر فنظيره واقع في آيات الحجر مع تسليمهم أنّها تقصّ ما قبل الفراغ.

على أنّ قول الملائكة المرسلين وهم بعد في الطريق:( إِنَّا أُرْسِلْنَا ) لا مانع منه بحسب اللغة والعرف.

وأمّا قوله:( فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) إلى آخر الآيات فهو من كلامه تعالى وليس من تتمّة كلام الملائكة لإبراهيم كما يدلّ عليه سياق القصص الواردة في سورة الذاريات.

٣٤٧

وأمّا ذكر الوجل في آيات الحجر في أوّل القصّة بخلاف سورتي الذاريات وهود فالوجه فيه عدم ذكر تقديم العجل المشوىّ في آيات الحجر بخلافهما، على أنّ الارتباط التامّ بين أجزاء قصّة ممّا يجوّز أن يقدّم بعضها على بعض حينا ويعكس الأمر حينا آخر كما أنّه تعالى يذكر إنكار إبراهيم في آيات الذاريات في صدر القصّة بعد سلامهم، وفي سورة هود في وسط القصّة بعد امتناعهم من الأكل، وهذا كثير الورود في نظم القرآن.

على أنّ آيات هود صريحة في البشرى بإسحاق ويعقوب وهى تتضمّن جدال إبراهيم في قوم لوط في سياق لا يشكّ معه أنّه كان قبل هلاك لوط، ولازمه كون بشرى إسحاق قبله لا بعده.

على أنّ من المتّفق عليه أنّ إسماعيل كان أكبر سنّا من إسحاق وبين ولادتيهما سنون، ولو كانت هؤلاء الملائكة بشّروا إبراهيم بإسماعيل في مسيرهم إلى هلاك قوم لوط قبيل الهلاك وبشّروه بإسحاق في منصرفهم عن هلاكهم بعيده كان الفصل بين البشريين يوماً أو يومين فيكون الفصل بين البشرى بإسحاق وبين ولادته سنون من الزمان والبشرى لا تطلق إلا على الإخبار بالجميل إذا كان مشرفاً على الوقوع إلّا إذا كانت هناك عناية خاصّة وأمّا الإخبار بمطلق الجميل فهو وعد ونحو ذلك.

وثانيها أنّه هل هناك بشرى بإسماعيل؟ والحقّ أنّ ما ذكرت من البشرى في صدر آيات الصافّات إنّما هي بشرى بإسماعيل وهى غير ما ذكرت في ذيل الآيات من البشرى بإسحاق صريحاً فإنّ سياق الآيات في ذيل قوله:( فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ) ثمّ استيناف البشارة بإسحاق في قوله أخيرا:( وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ ) لا يدع ريبا لمرتاب أنّ الغلام الحليم الّذى بشّر به أوّلا غير إسحاق الّذى بشّر به ثانياً، وليس إلّا إسماعيل.

وذكر الطبريّ في تاريخه أنّ المراد بالبشارة الاُولى في هذه السورة أيضاً البشارة بإسحاق قياساً على ذكر من البشارة في سائر السور، وهو كما ترى. و

٣٤٨

قد تقدّم كلام في هذا المعنى في قصص إبراهيمعليه‌السلام في الجزء السابع من الكتاب.

وثالثها: البحث في القصّة من جهة تطبيق ما في التوراة الحاضرة منها على ما استفيد من القرآن الكريم، وسيوافيك ذلك عند الكلام على قصّة لوطعليه‌السلام في ذيل الآيات التالية.

ورابعها: البحث فيها من جهة جدال إبراهيم الملائكة وقد وقع فيها مثل قوله:( يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ ) وقوله:( يَا إِبْرَاهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا ) .

وقد تقدّم أنّ سياق الآيات وخاصّة قوله:( إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُّنِيبٌ ) لا يدلّ إلّا على نعته بالجميل فلم يكن جداله إلّا حرصا منه في نجاة عبدالله رجاء أن يهتدوا إلى صراط الإيمان.

٣٤٩

( سورة هود آية ٧٧ - ٨٣)

وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ( ٧٧) وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ( ٧٨) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ( ٧٩) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ( ٨٠) قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ( ٨١) فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ( ٨٢) مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ( ٨٣)

( بيان)

الآيات تذكر عذاب قوم لوط، وهى من وجه تتمّة الآيات السابقة الّتى قصّت نزول الملائكة ودخولهم على إبراهيمعليه‌السلام وتبشيره بإسحاق فإنّما كانت كالتوطئة لقصّة عذاب قوم لوط.

قوله تعالى: ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) يقال: ساءه الأمر مساءة أي أوقع عليه السوء، وسيئ بالأمر بالبناء للمجهول أي أوقع عليه من ناحيته وبسببه.

والذرع مقايسة الأطوال مأخوذ من الذراع العضو المعروف لأنّهم كانوا

٣٥٠

يقيسون بها، ويطلق على نفس المقياس أيضاً، ويقال: ضاق بالأمر ذرعاً وهو كناية عن انسداد طريق الحيلة والعجز عن الاهتداء إلى مخلص ينجو به الإنسان من النائبة كالّذى يذرع ما لا ينطبق عليه ذرعه.

والعصيب فعيل بمعنى المفعول من العصب بمعنى الشدّ واليوم العصيب هو اليوم الّذى شدّ بالبلاء شدّاً لا يقبل الانحلال ولا بعض أجزائه ينفكّ عن بعض.

والمعنى لمّا جاءت رسلنا لوطاً وهم الملائكة النازلون بإبراهيمعليه‌السلام ساء مجيئهم لوطا، وعجز عن الاحتيال لنجاتهم من شرّ القوم فإنّهم دخلوا عليه في صور غلمان مرد صبيحى المنظر وكان قومه ذوى حرص شديد على إتيان الفحشاء ما كان من المترقّب أن يعرضوا عنهم ويتركوهم على حالهم، ولذلك لم يملك لوط نفسه دون أن قال:( هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ ) أي شديد ملتفّ بعض شرّه ببعض.

قوله تعالى: ( وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ) قال الراغب: يقال: هرع وأهرع ساقه سوقا بعنف وتخويف، انتهى. وعن كتاب العين الإهراع السوق الحثيث، انتهى.

وقوله:( وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ ) أي ومن قبل ذلك كانوا يقترفون المعاصي ويأتون بالمنكرات فكانوا مجترئين على إيقاع الفحشاء معتادين بذلك لا ينصرفون عنه بصارف، ولا يحجبهم عن ذلك استحياء أو استشناع، ولا ينزجرون بموعظة أو ملامة أو مذمّة لأنّ العادة تسهّل كلّ صعب وتزيّن كلّ قبيح ووقيح.

والجملة كالمعترضة بين قوله:( وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ ) وقوله:( قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي ) الخ، وهى نافعة في مضمون طرفيها أمّا فيما قبلها فإنّها توضح أنّ الّذى كان يهرعهم ويسوقهم إلى لوطعليه‌السلام هو أنّهم كانوا يعملون السيّئات وصاروا بذلك معتادين على إتيان الفحشاء ولعين به فساقهم ذلك إلى المجئ إليه وقصد السوء بأضيافه.

وأمّا فيما بعدها فإنّها تفيد أنّهم لرسوخ الملكة واستقرار العادة سلبوا سمع القبول وأن يزجرهم زاجر من عظة أو نصيحة، ولذلك بدأ لوط في تكليمهم

٣٥١

بعرض بناته عليهم ثمّ قال لهم:( فَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ) الخ.

قوله تعالى: ( قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) إلى آخر الآية، لمّا رآهم تجمّعوا على الشرّ لا يصرفهم عن ذلك مجرّد القول بعظة أو إغلاظ في الكلام أراد أن يصرفهم عنه بتبديل ما يريدون من الفحشاء ممّا لا معصية فيه من الحلال فعرض بناته عليهم ورجّحه لهم بأنّهنّ أطهر لهم.

وإنّما المراد بصيغة التفضيل - أطهر - مجرّد الاشتمال على الطهارة من غير شوب بقذارة، والمراد هي طهارة محضا، وهو استعمال شائع، قال تعالى:( مَا عِندَ اللهِ خَيْرٌ مِّنَ اللهْوِ ) الجمعة: ١١، وقال( وَالصُّلْحُ خَيْرٌ ) النساء: ١٢٨. وتفيد معنى الأخذ بالمتيقّن.

وتقييد قوله:( هَؤُلَاءِ بَنَاتِي ) بقوله:( هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) شاهد صدق على أنّه إنّما عرض لهم مسّهنّ عن نكاح لا عن سفاح وحاشا مقام نبىّ الله عن ذلك، وذلك لأنّ السفاح لا طهارة فيه أصلا وقد قال تعالى:( وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا ) أسرى: ٣٢، وقال:( وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ ) الأنعام: ١٥١، وقد تقدّم في تفسير هذه الآية أنّ ما تتضمّنه هو من الأحكام العامّة المشرّعة في جميع الشرائع الإلهيّة النازلة على أنبيائه.

ومن هنا يظهر فساد قول من يقول: إنّه عرض عليهم بناته من غير تقييده بنكاح. ولست أدرى ما معنى علاج فحشاء بفحشاء غيرها؟ وما معنى قوله حينئذ:( فَاتَّقُوا اللهَ ) ؟ ولو كان يريد دفع الفضيحة والعار عن نفسه فقطّ لاكتفى بقوله:( وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ) .

وربّما قيل: إنّ المراد بقوله:( هَؤُلَاءِ بَنَاتِي ) الإشارة إلى نساء القوم لأنّ النبيّ أبو أمّته فنساؤهم بناته كما أنّ رجالهم بنوه، يريد أنّ قصد الإناث وهو سبيل فطرىّ خير لكم وأطهر من قصد الذكور من طريق الفحشاء.

وهو تحكّم لا دليل عليه من جهة اللّفظ البتّة، وأمّا كونهم كفّاراً وبناته مسلمات ولا يجوز إنكاح المسلمة من الكافر فليس من المعلوم أنّ ذلك من شريعة

٣٥٢

إبراهيم حتّى يتّبعه لوطعليهما‌السلام فمن الجائز أن يكون تزويج المؤمنة بالكافر جائزاً في شرعه كما أنّه كان جائزاً في صدر الإسلام، وقد زوّج النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بنته من أبى العاص بن الربيع وهو كافر قبل الهجرة ثمّ نسخ ذلك.

على أنّ قولهم في جوابه:( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ) لا يلائم كون المراد بالبنات في كلامه إنّما هي نساؤهم لا بناته من صلبه فإنّهم ما كانوا مؤمنين به حتّى يعترفوا بكون نسائهم بناته إلّا أن يكون المراد التهكّم ولا قرينه عليه.

لا يقال تعبيرهعليه‌السلام بالبنات وليس له عندئذ إلّا بنتان يدلّ على أنّ مراده بناته من نساء أمّته لا بنتاه غير الصادق عليه لفظ الجمع.

لأنّا نقول: لا دليل على ذلك من كلامه تعالى ولا وقع ذلك في نقل يعتمد عليه، نعم وقع في التوراة الحاضرة أنّه كان للوط بنتان فقطّ، ولا اعتماد على ما تتضمّنه.

وقوله:( فَاتَّقُوا اللهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ) بيان للمطلوب، وقوله:( وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي ) عطف تفسيرى لقوله:( فَاتَّقُوا اللهَ ) فإنّهعليه‌السلام إنّما كان يطلب منهم أن لا يتعرّضوا لضيفه لتقوى الله لا لهوى نفسه وعصبيّة جاهليّة منه، ولم يكن عنده فرق بين ضيفه وغيرهم فيما كان يردعهم، وقد وعظهم بالردع عن هذا الذنب الشنيع وألحّ على ذلك سنين متمادية.

وإنّما علّق الردع على معنى الضيافة وأضاف الضيف إلى نفسه وذكر الخزى الوارد عليه من التعرّض لهم كلّ ذلك رجاء أن يهيّج صفه الفتوّة والكرامة فيهم ولذلك عقّب ذلك بالاستغاثة والاستنصار بقوله:( أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ ) لعلّه يجد فيهم ذا رشد إنسانيّ فينتصر له وينجيه وضيوفه من أيدى اُولئك الظالمين لكنّ القوم كانوا كما قال الله تعالى:( لَعَمْرُكَ إِنَّهُمْ لَفِي سَكْرَتِهِمْ يَعْمَهُونَ ) الحجر: ٧٢ ولم يؤثّر ذلك فيهم أثراً ولم ينتهوا عن قوله بل أجابوا بما أيأسوه به من أيّ إلحاح في ذلك.

٣٥٣

قوله تعالى: ( قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ) هذا جواب القوم عمّا دعاهم إليه لوط من النكاح المباح أجابوا بنفى أن يكون لهم في بناته من حقّ وأنّه يعلم ذلك ويعلم ما هو بغيتهم في هذا الهجوم وما ذا يريدون.

وقد قيل في معنى نفيهم الحقّ: إنّ معناه ما لنا في بناتك من حاجة وما ليس للإنسان فيه حاجة فكأنّه لا حقّ له فيه ففى الكلام نوع استعارة.

وقيل: إنّ المراد ليس لنا في بناتك من حقّ لأنّا لا نتزوّجهنّ ومن لم يتزوّج بامرأة فلا حقّ له فيها فالمراد بنفى الحقّ نفى سببه وهو الازدواج.

وقيل: المراد بالحقّ هو الحظّ والنصيب دون الحقّ الشرعيّ أو العرفيّ أي لا رغبة لنا فيهنّ لأنّهنّ نساء ولا ميل لنا إليهنّ.

والّذى يجب الالتفات إليه أنّهم لم يقولوا: ما لنا في بناتك من حقّ بل قالوا:( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ ) فلم يجيبوا عنه بذلك بل بعلمه بذلك وبين القولين فرق فالظاهر أنّهم ذكّروه بما كان يعلم من السنّة القوميّة الجارية بينهم، وهو المنع من التعرّض لنساء الناس وخاصّة بالقهر والغلبة أو ترك إتيان النساء بالمرّة واستباحة التعرّض للغلمان وقضاء الوطر منهم، وقد كان لوط يردعهم عن سنّتهم ذلك إذ يقول لهم:( إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ شَهْوَةً مِّن دُونِ النِّسَاءِ ) الأعراف: ٨١( أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ وَتَذَرُونَ مَا خَلَقَ لَكُمْ رَبُّكُم مِّنْ أَزْوَاجِكُم ) الشعراء: ١٦٦( أَئِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجَالَ وَتَقْطَعُونَ السَّبِيلَ وَتَأْتُونَ فِي نَادِيكُمُ الْمُنكَرَ ) العنكبوت: ٢٩، ولا شكّ أنّ السنّة القوميّة الجارية على فعل شئ يثبت حقّا فيه، والجارية على تركه ينفى الحقّ.

وبالجملة هم يلفتون نظرهعليه‌السلام إلى ما يعلم من انتفاء حقّهم عن بناته بما هنّ نساء بحسب السنّة القوميّة وما يعلم من إرادتهم في الهجوم على داره هذا ولعلّ هذا أحسن الوجوه، وبعده الوجه الثالث.

قوله تعالى: ( الَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ) يقال: أوى

٣٥٤

إلى كذا يأوى اُويّا ومأوى أي انضمّ إليه، وآواه إليه يؤويه إيواء أي ضمّه إليه. والركن هو ما يعتمد عليه البناء بعد الأساس.

الظاهر أنّه لمّا وعظهم لوطعليه‌السلام بالأمر بتقوى الله وتهييج فتوّتهم في حفظ موقعه ورعاية حرمته في عدم التعرّض لضيفه بما يجلب إليه العار والخزى، وقد قطع عذرهم بعرض بناته عليهم بالنكاح ثمّ استغاث بالاستنصار من اُولى الرشد منهم رجاء أن يوجد فيهم رجل رشيد ينصره عليهم ويدفعهم عنه فلم يجبه أحد فيما سأل ولا انماز من بينهم ذو رشد ينصره ويدفع عنه بل أيأسوه بقولهم:( لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ ) لم يبق له إلّا أن يظهر ما به من البثّ والحزن في صورة التمنّى فتمنّى أن يكون له منهم قوّة يقوى به على دفع عتاتهم الظالمين - وهو الرجل الرشيد الّذى كان يسأل عنه في استغاثته - أو يكون له ركن شديد وعشيرة منيعة ينضمّ إليهم فيدفعهم بهم.

فقوله:( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ) أي ليت لى قدرة بسببكم بانضمام رجل منكم رشيد إلى يقوم بنصرتي فأدفعكم به، وقوله:( أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ) أي أو كنت أنضمّ إلى ركن شديد أي عشيرة منيعة يمنعكم منّى هذا ما يعطيه ظاهر السياق.

وقيل: إنّ معنى قوله:( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ) أتمنّى أن يكون لى منعة وقدرة وجماعة أتقوىّ بها عليكم فأدفعكم عن أضيافي. وفيه أنّ فيه تبديل قوله:( بِكُمْ ) إلى قولنا: بهم عليكم. وهو كما ترى.

وقيل: إنّ معنى( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ) لو قويت عليكم بنفسى. وفيه أنّه أبعد من لفظ الآية.

وقيل: إنّ الخطاب في الآية للأضياف دون القوم، ومعنى الآية أنّه قال لأضيافه: أتمنّى أن يكون لى بسببكم قوّة ألقاهم بها. وفيه أنّ الانتقال من خطاب القوم إلى خطاب الأضياف ولا دليل من اللفظ ظاهراً يدلّ عليه إبهام وتعقيد من غير موجب، وكلامه تعالى أجلّ من ذلك.

قوله تعالى: ( قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ ) إلى آخر الآية

٣٥٥

عدم وصولهم إليه كناية عن عدم قدرتهم على ما يريدون، والمعنى لمّا بلغ الأمر هذا المبلغ قالت الملائكة مخاطبين للوط: إنّا رسل ربّك فأظهروا له أنّهم ملائكة وعرّفوه أنّهم مرسلون من عند الله، وطيّبوا نفسه أنّ القوم لن يصلوا إليه ولن يقدروا أن يصيبوا منه ما يريدون فكان ما ذكره الله تعالى في موضع آخر من كلامه:( وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَن ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ) القمر: ٣٧، فأذهب الله بأبصار الّذين تابعوا على الشرّ وازدحموا على بابه فصاروا عميانا يتخبّطون.

وقوله:( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ ) الإسراء والسرى بالضمّ السير بالليل فيكون قوله:( بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ ) نوع توضيح له، والباء للمصاحبة أو بمعنى في. والقطع من الشئ طائفة منه وبعضه، والالتفات افتعال من اللفت، قال الراغب: يقال: لفته عن كذا صرفه عنه، قال تعالى:( قَالُوا أَجِئْتَنَا لِتَلْفِتَنَا ) أي تصرفنا، ومنه التفت فلان إذا عدل عن قبله بوجهه، وامرأة لفوت تلفت من زوجها إلى ولدها من غيره. انتهى.

والقول دستور من الملائكة للوطعليه‌السلام إرشاداً له إلى النجاة من العذاب النازل بالقوم صبيحة ليلتهم هاتيك، وفيه معنى الاستعجال كما يشعر به قوله بعد:( إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ ) .

والمعنى أنّا مرسلون لعذاب القوم وهلاكهم فانج أنت بنفسك وأهلك وسيروا أنت وأهلك بقطع من هذا الليل واخرجوا من ديارهم فإنّهم هالكون بعذاب الله صبيحة ليلتهم هذه، ولا كثير وقت بينك وبين الصبح، ولا ينظر أحدكم إلى وراء.

وما ذكره بعضهم أنّ المراد بالالتفات الالتفات إلى مال أو متاع في المدينة يأخذه معه أو الالتفات بمعنى التخلّف عن السرى ممّا لا يلتفت إليه.

وقوله:( إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ) ظاهر السياق أنّه استثناء من قوله:( ِأَهْلِكَ ) لا من قوله:( أَحَدٌ ) وفي قوله:( إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ ) بيان السبب لاستثنائها، وقال تعالى في غير هذا الموضع:( إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَا إِنَّهَا لَمِنَ الْغَابِرِينَ ) الحجر: ٦٠.

٣٥٦

وقوله:( إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) أي موعد هلاكهم الصبح وهو صدر النهار بعد طلوع الفجر حين الشروق، كما قال تعالى في موضع آخر:( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ) الحجر: ٧٣.

والجملة الاُولى تعليل لقوله:( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ ) وفيه نوع استعجال كما تقدّم، ويؤكّده قوله:( أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) ومن الجائز أن يكون لوطعليه‌السلام يستعجلهم في عذاب القوم فيجيبوه بقولهم:( إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ ) أي إنّ من المقدّر أن يهلكوا بالصبح وليس موعداً بعيداً أو يكون الجملة الاُولى استعجالاً من الملائكة، والثانية تسلية منهم للوط في استعجاله.

ولم يذكر في الآيات ما هي الغاية لسراهم والمحلّ الّذى يتوجّهون إليه، وقد قال تعالى في موضع آخر من كلامه:( فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ ) الحجر: ٦٥، وظاهره أنّ الملائكة لم يذكروا له المقصد وأحالوا ذلك إلى ما سيأتيه من الدلالة بالوحى الإلهىّ.

قوله تعالى: ( فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ) ضمائر التأنيث الثلاث راجعة إلى أرض القوم أو القرية أو بلادهم المعلومة من السياق، والسجّيل على ما في المجمع بمعنى السجّين وهو النار، وقال الراغب: السجّين حجر وطين مختلط، وأصله فيما قيل فارسيّ معرّب، انتهى. يشير إلى ما قيل إنّ أصله سنك كل، وقيل: إنّه مأخوذ من السجلّ بمعنى الكتاب كأنّها كتب فيها ما فيها من عمل الإهلاك، وقيل: مأخوذ من أسجلت بمعنى أرسلت.

والظاهر أنّ الأصل في جميع هذه المعاني هو التركيب الفارسىّ المعرّب المفيد معنى الحجر والطين، والسجلّ بمعنى الكتاب أيضاً منه فإنّهم على ما قيل كانوا يكتبون على الحجر المعمول ثمّ توسّع فسمّي كلّ كتاب سجلّا وإن كان من قرطاس، والإسجال بمعنى الإرسال مأخوذ من ذلك.

٣٥٧

والنضد هو النظم والترتيب، والتسويم جعل الشئ ذا علامة من السيماء بمعنى العلامة.

والمعنى: ولمّا جاء أمرنا بالعذاب وهو أمره تعالى الملائكة بعذابهم وهو كلمة( كُن ) الّتى أشار إليها في قوله:( إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَن يَقُولَ لَهُ - كُن ) يس: ٨٣، جعلنا عالى أرضهم وبلادهم سافلها بتقليبها عليهم وأمطرنا عليها حجارة من سجّيل منضود معلّمة عند ربّك وفي علمه ليس لها أن تخطئ هدفها الّذى رميت لأجل إصابته.

وذكر بعضهم أنّ القلب وقع على بلادهم والإمطار بالسجّيل عذّب به الغائبون منهم، وقيل: إنّ القرية هي الّتى اُمطرت حين رفعها جبرئيل ليخسفها، وقيل: إنّما اُمطرت عليهم الحجارة بعد ما قلبت قريتهم تغليظا في العقوبة. والأقوال جميعاً من التحكّم من غير دليل من اللفظ.

وفي قوله تعالى في غير هذا الموضع:( فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ ) الحجر: ٧٣، فقد كان هناك قلب وصيحة وإمطار بالحجارة ومن الممكن أن يكون ذلك بحدوث بركان من البراكين بالقرب من بلادهم وتحدث به زلزلة في أرضهم وانفجار أرضىّ بصيحة توجب قلب مدنهم، ويمطر البركان عليهم من قطعات الحجارة الّتى يثيرها ويرميها، والله أعلم.

قوله تعالى: ( وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) قيل المراد بالظالمين ظالموا أهل مكّة أو المشركون من قوم النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والكلام مسوق للتهديد، والمعنى وليست هذه الحجارة من ظالمي مكّة ببعيد أو المعنى: ليست هذه القرى المخسوفة من ظالمي قومك ببعيد فإنّه في طريقهم بين مكّة والشام، كما قال تعالى في موضع آخر:( وَإِنَّهَا لَبِسَبِيلٍ مُّقِيمٍ ) الحجر: ٧٦، وقال:( وَإِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِم مُّصْبِحِينَ وَبِاللَّيْلِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ ) الصافّات: ١٣٨.

ويؤيّده العدول من سياق التكلّم إلى الغيبة في قوله:( مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ ) فكأنّه تعالى عدل عن مثل قولنا: مسوّمة عندنا، إلى هذا التعبير ليتعرّض لقومهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم

٣٥٨

بالتهديد أو بإنهاء الحديث إلى حسّهم ليكون أقوى تأثيراً في الحجاج عليهم.

وربّما احتمل أنّ المراد تهديد مطلق الظالمين والمراد أنّه ليست الحجارة أي إمطارها من عند الله من معشر الظالمين ومنهم قوم لوط الظالمون ببعيد، ويكون وجه الالتفات في قوله:( عند ربّك ) أيضاً التعريض لقوم النبيّ الظالمين المشركين.

( بحث روائي)

في الكافي بإسناده عن زكريّا بن محمّد [عن أبيه] عن عمرو عن أبى جعفرعليه‌السلام قال: كان قوم لوط من أفضل قوم خلقهم الله فطلبهم إبليس الطلب الشديد، وكان من فضلهم وخيرتهم أنّهم إذا خرجوا إلى العمل خرجوا بأجمعهم وتبقى النساء خلفهم فلم يزل إبليس يعتادهم فكانوا إذا رجعوا خرّب إبليس ما يعملون.

فقالوا بعضهم لبعض: تعالوا نرصد هذا الّذى يخرّب متاعنا فرصدوه فإذا هو غلام أحسن ما يكون من الغلمان فقالوا له: أنت الّذى تخرّب متاعنا مرّة بعد اُخرى، فاجتمع رأيهم على أن يقتلوه فبيّتوه عند رجل فلمّا كان الليل صاح له فقال له: مالك؟ فقال: فإنّ أبى ينوّمني على بطنه فقال له: تعال فنم على بطني.

قال: فلم يزل يدلك الرجل حتّى علمه أن يفعل بنفسه فأوّلا علّمه إبليس والثانى علّمه هو ثمّ انسلّ يفرّ منهم، فأصبحوا فجعل الرجل يخبر بما فعل بالغلام ويعجبهم منه وهم لا يعرفونه فوضعوا أيديهم فيه حتّى اكتفى الرجال بعضهم ببعض ثمّ جعلوا يرصدون مارّة الطريق فيفعلون بهم حتّى تنكّب مدينتهم الناس ثمّ تركوا نسائهم وأقبلوا على الغلمان.

فلمّا رآى أنّه قد أحكم أمره في الرجال جاء إلى النساء فصيّر نفسه امرأة فقال لهنّ: إنّ رجالكنّ يفعل بعضهم ببعض؟ قلن: نعم رأينا ذلك وكلّ ذلك يعظهم لوط ويوصيهم وإبليس يغويهم حتّى استغنى النساء بالنساء.

٣٥٩

فلمّا كملت عليهم الحجّة بعث الله جبرئيل وميكائيل وإسرافيل في زىّ غلمان عليهم أقبية فمرّوا بلوط وهو يحرث. قال: أين تريدون؟ ما رأيت أجمل منكم قطّ. فقالوا: إنّا رسل سيّدنا إلى ربّ هذه البلدة. قال: أو لم يبلغ سيّدكم ما يفعل أهل هذه القرية؟ إنّهم والله يأخذون الرجال فيفعلون بهم حتّى يخرج الدم. قالوا: أمرنا سيّدنا أن نمرّ وسطها. قال: فلى إليكم حاجة. قالوا: وما هي؟ قال: تصبرون هنا إلى اختلاط الظلام.

قال: فجلسوا. قال: فبعث ابنته. قال فجيئي لهم بخبز وجيئى لهم بماء في القرعة وجيئى لهم بعباء يتغطّون بها من البرد فلمّا أن ذهبت الابنة أقبل المطر والوادى فقال لوط: الساعة تذهب بالصبيان الوادي قال: قوموا حتّى نمضى، وجعل لوط يمشى في أصل الحائط، د وجعل جبرئيل وميكائيل واسرافيل يمشون وسط الطريق. قال: يا بنىّ امشوا ههنا فقالوا: أمرنا سيّدنا أن نمرّ في وسطها وكان لوط يستغنم الظلام.

ومرّ إبليس فأخذ من حجر مرّة صبيّا فطرحه في البئر فتصايح أهل المدينة كلّهم على باب لوط فلمّا أن نظروا إلى الغلمان في منزل لوط قالوا: يا لوط قد دخلت في عملنا؟ فقال: هؤلاء ضيفي فلا تفضحون في ضيفي. قالوا: هم ثلاثة خذ واحداً وأعطنا اثنين. قال: وأدخلهم الحجرة وقال: لو أنّ لى أهل بيت تمنعوني منكم.

قال: وتدافعوا على الباب وكسروا باب لوط وطرحوا لوطا فقال له جبرئيل: إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك فأخذ كفّا من بطحاء فضرب بها وجوههم وقال: شاهت الوجوه فعمى اهل المدينة كلّهم فقال لهم لوط: يا رسل ربّى فما أمركم ربّى فيهم؟ قالوا: أمرنا أن نأخذهم بالسحر. قال: فلى إليكم حاجة. قالوا: وما حاجتك؟ قال: تأخذوهم الساعة فإنّى أخاف أن يبدوا لربّى فيهم. فقالوا: يا لوط إنّ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب لمن يريد أن يأخذ فخذ أنت بناتك وامض ودع امرأتك.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406