الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٠

الميزان في تفسير القرآن14%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 406

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 406 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 114211 / تحميل: 6642
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ١٠

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

وكذا السدر والكافور والماء وقيمة الأرض التي يدفن فيها ، وأجرة حمل الميت وأجرة حفر القبر إلى غير ذلك مما يصرف في أي عمل من واجبات الميت ، فان كل ذلك يخرج من أصل التركة وان كان الميت مديوناً أو كانت له وصية ، هذا فيما إذا لم يوجد من يتبرع بشيء من ذلك وإلاّ لم يخرج من التركة ، وأما ما يصرف فيما زاد على القدر الواجب وما يلحق به فلا يجوز اخراجه من الأصل ، وكذا الحال في قيمة المقدار الواجب وما يلحقه فانه لا يجوز ان يخرج من الأصل الا ما هو المتعارف بحسب القيمة ، فلو كان الدفن في بعض المواضع اللائقة بحال الميت لا يحتاج إلى بذل مال ، وفي البعض الآخر يحتاج اليه قدم الأوّل ، نعم يجوز اخراج الزائد على القدر المذكور من الثلث مع وصية الميت به ، أو وصيته بالثلث من دون تعيين مصرف له كلاً أو بعضاً ، كما يجوز اخراجه من حصص الورثة الكبار منهم برضاهم دون القاصرين ، الا مع اذن الولي على تقدير وجود مصلحة تسوغ له ذلك.

( مسألة 109 ) : كفن الزوجة على زوجها حتى مع يسارها أو كونها منقطعة او ناشزة ، هذا إذا لم يتبرع غير الزوج بالكفن والا سقط عنه ، وكذلك إذا اوصت به من مالها وعمل بالوصية ، أو تقارن موتها مع موته ، أو كان البذل حرجياً على الزوج ، فلو توقف على الاستقراض ، أو فك ماله من الرهن ولم يكن فيه حرج عليه تعين ذلك ، والا لم يجب.

( مسألة 110 ) : يجوز التكفين بما كتب عليه القرآن الكريم أو بعض الأدعية المباركة كالجوشن الكبير أو الصغير ، ولكن يلزم ان يكون ذلك بنحو لا يتنجس موضع الكتابة بالدم ، أو غيره من النجاسات كان يكتب في حاشية الازار من طرف رأس الميت ، ويجوز ان يكتب على قطعة من القماش وتوضع على رأسه أو صدره.

٦١

( شروط الكفن )

يعتبر في الكفن أمور :

(1) الاباحة.

(2) الطهارة بان لا يكون نجساً ولا متنجساً.

(3) ان لا يكون من الحرير الخالص ، ولا بأس بما يكون ممزوجاً به بشرط ان يكون حريره أقل من خليطه ـ والأحوط وجوباً ـ ان لا يكون الكفن مُذهَّباً ، ولا من أجزاء ما لا يؤكل لحمه ، ولا من جلد الميتة وان كان طاهراً ، ولا بأس ان يكون مصنوعاً من وبر أو شعر مأكول اللحم ، بل لا بأس ان يكون من جلده مع صدق الثوب عليه عرفاً ، وكل هذه الشروط ـ غير الاباحة ـ يختص بحال الإختيار ويسقط في حال الضرورة ، فلو انحصر الكفن في الحرام دفن عارياً ، ولو انحصر في غيره من الانواع التي لا يجوز التكفين بها اختياراً كفن به ، فاذا انحصر في واحد منها تعين ، واذا تعدد ودار الأمر بين تكفينه بالمتنجس وتكفينه بالنجس قدم الأوّل ، وإذا دار الأمر بين النجس أو المتنجس ، وبين الحرير قدم الثاني ، ولو دار الأمر بين أحد الثلاثة وبين غيرها قدم الغير ، ومع دوران الأمر بين التكفين بالمُذهَّب والتكفين بأجزاء مالا يؤكل لحمه تخيّر بينهما ، وان كان الاحتياط بالجمع حسناً.

( مسألة 111 ) : الشهيد لا يكفّن بل يدفن بثيابه الا إذا كان بدنه عارياً فيجب تكفينه.

( مسألة 112 ) : يستحب وضع جريدتين خضراوين مع الميت ، وينبغي ان تكونا من النخل ، فان لم يتيسر فمن السدر ، أو الرمان وان

٦٢

لم يتيسرا فمن الخلاف ( الصفصاف ) ، والأولى في كيفيته جعل احداهما من الجانب الأيمن من عند الترقوة ملصقة بالبدن ، والأخرى من الجانب الأيسر من عند الترقوة بين القميص والازار.

( الحنوط )

يجب تحنيط الميت المسلم وهو ( إمساس مواضع السجود السبعة بالكافور المسحوق غير الزائلة رائحته ) ويكفي فيه وضع المسمى ، ويشترط فيه اباحته فيسقط وجوب التحنيط عند عدم التمكن من الكافور المباح ، كما يعتبر طهارته وإن لم يوجب تنجس بدن الميت على ـ الأحوط وجوباً ـ والأفضل ان يكون الكافور المستخدم في التحنيط بمقدار سبعة مثاقيل ويستحب خلطه بقليل من التربة الحسينية ، ولكن لا يمسح به المواضع المنافية للاحترام.

( مسألة 113 ) : ـ الأحوط الأولى ـ ان يكون الامساس بالكف وان يبتدأ من الجبهة ، ولا ترتيب في سائر الأعضاء ، ويجوز ان يباشر التحنيط الصبي المميز بل وغيره أيضاً.

( مسألة 114 ) : يسقط التحنيط فيما إذا مات الميت في احرام العمرة أو الحج فَيُجنَّب من الكافور بل من مطلق الطيب ، نعم اذا مات الحاج بعد الفراغ من المناسك التي يحل له الطيب بعدها وجب تحنيطه كغيره من الأموات.

( مسألة 115 ) : وجوب التحنيط كوجوب التغسيل ، وقد مضى تفصيله في المسألة (91).

٦٣

( الصلاة على الميت )

تجب الصلاة على كل مسلم ميت وان كان فاسقاً ، ووجوبها كوجوب التغسيل ، وقد مر في المسألة (91).

( مسألة 116 ) : لا تجب الصلاة على اطفال المسلمين الا من عقل منهم الصلاة ، ومع الشك في ذلك فالعبرة ببلوغه ست سنين ، وفي استحباب الصلاة على من لم يعقل الصلاة اشكال ـ والأحوط وجوباً ـ عدم الاتيان بها الا رجاءً.

( مسألة 117 ) : تصح الصلاة على الميت من الصبي المميز ، ويجزي عن البالغين.

( مسألة 118 ) : يجب تقديم الصلاة على الدفن ، الا انه إذا دفن قبل ان يصلى عليه عصياناً أو لعذر فلا يجوز ان ينبش قبره للصلاة عليه ، ولم تثبت مشروعية الصلاة عليه وهو في القبر ـ فالأحوط وجوباً ـ الاتيان بها رجاءً.

( كيفية صلاة الميت )

يجب في الصلاة على الميت خمس تكبيرات والدعاء للميت عقيب احدى التكبيرات الأربع الأوّل ، وأما الثلاثة الباقية فيتخير فيها بين الصلاة على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم والشهادتين ، والدعاء للمؤمنين والتمجيد لله تعالى ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان يكبّر أولاً ويقول ( أشْهَدُ اَنْ لا إلهَ إلاّ اللهُ وَأنَّ مُحمّداً رَسولُ الله ) ثم يكبر ثانياً ، ويصلي على النبي وآله ، ثم يكبر ثالثاً ، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات ، ثم يكبر رابعاً ، ويدعو للميت ، ثم يكبّر خامساً

٦٤

وينصرف.

والأفضل أن يقول بعد التكبيرة الأولى : ( أشهدُ أنْ لا إلهَ إلاّ الله وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله ، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً بين يدي الساعة ).

وبعد التكبيرة الثانية : ( اللهم صلِّ على محمّد وآل محمد ، وارحم محمداً وآل محمّد ، كأفضل ما صليت وباركت وترحمت على إبراهيم وآل إبراهيم ، انك حميد مجيد وصل على جميع الأنبياء والمرسلين والشهداء والصديقين وجميع عباد الله الصالحين ).

وبعد التكبيرة الثالثة : ( اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات ، والمسلمين والمسلمات ، الأحياء منهم والأموات ، تابع اللّهم بيننا وبينهم بالخيرات انك مجيب الدعوات انك على كل شيء قدير ).

وبعد الرابعة : ( اللّهم ان هذا المسجّى قدامنا عبدك وابن عبدك وابن امتك نزل بك وانت خير منزول به ، اللّهم إنا لا نعلم منه إلاّ خيراً وانت اعلم به منا ، اللّهم ان كان محسناً فزد في احسانه ، وان كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته واغفر له ، اللّهم اجعله عندك في أعلى عليين واخلف على اهله في الغابرين وارحمه برحمتك يا ارحم الراحمين ) ثم يكبّر ، وبها تتم الصلاة.

ولابُدّ من رعاية تذكير الضمائر وتأنيثها حسب اختلاف جنس الميت ، وتختص هذه الكيفية بما إذا كان الميت مؤمناً بالغاً ، وفي الصلاة على اطفال المؤمنين يقول بعد التكبيرة الرابعة : اللّهم اجعله لأبويه ولنا سلفاً وفرطاً وأجراً.

( مسألة 119 ) : يعتبر في صلاة الميت أمور :

٦٥

(1) ان تكون بعد الغسل والتحنيط والتكفين ، والا بطلت ولابُدّ من اعادتها ، واذا تعذر غسل الميت أو التيمم بدلاً عنه ، وكذلك التكفين والتحنيط لم تسقط الصلاة عليه.

(2) النية بان يقصد بها القربة ، مع تعيين الميت على نحو يرفع الابهام.

(3) القيام مع القدرة عليه.

(4) أن يكون رأس الميت على يمين المصلي.

(5) أن يوضع على قفاه عند الصلاة عليه.

(6) استقبال المصلي للقبلة حال الاختيار.

(7) أن يكون الميت أمام المصلي.

(8) أن لا يكون حائل بينهما من ستر أو جدار على نحو لا يصدق الوقوف عليه ، ولا يضر الستر بمثل النعش أو ميت آخر.

(9) الموالاة بين التكبيرات والأذكار ، بان لا يفصل بينها بمقدار تنمحي به صورة الصلاة.

(10) أن لا يكون بين الميت والمصلي بعد مفرط الا مع اتصال الصفوف في الصلاة جماعة ، أو مع تعدد الجنائز في الصلاة عليها دفعة واحدة.

(11) أن لا يكون احدهما اعلى من الآخر علواً مفرطاً.

(12) أن يكون الميت مستور العورة ـ اذا تعذر الكفن ـ ولو بحجر أو لبنة.

٦٦

( دفن الميت )

يجب دفن الميت المسلم ومن بحكمه ووجوبه كوجوب التغسيل وقد مر في المسألة (91) ، وكيفية الدفن ان يوارى في حفيرة في الارض ، فلا يجزي البناء عليه ولا وضعه في بناء أو تابوت مع القدرة على المواراة في الأرض ، وتكفي مواراته في الحفيرة بحيث يؤمّن على جسده من السباع وايذاء رائحته للناس ولو لعدم وجود السباع أو من تؤذيه رائحته من الناس أو بسبب البناء على قبره بعد مواراته ، ولكن ـ الأحوط استحباباً ـ ان تكون الحفيرة بنفسها على كيفية تمنع من انتشار رائحة الميت ووصول السباع إلى جسده ، ويجب ان يوضع في قبره على طرفه الأيمن موجهاً وجهه الى القبلة.

( مسألة 120 ) : يجب دفن الجزء المبان من الميت ، وإن كان شعراً أو سناً أو ظفراً على ـ الأحوط وجوباً ـ نعم لو عثر عليها قبل دفنه يجب جعلها في كفنه.

( مسألة 121 ) : من مات في السفينة ، ولم يمكن دفنه في البر ، ولو بتأخيره لخوف فساده أو غير ذلك يغسّل ويكفن ويحنط ويُصلى عليه ثم يوضع في خابية ونحوها ويشد رأسها باستحكام ، أو يشد برجله ما يثقله من حجر ، أو حديد ثم يلقى في البحر ـ والأحوط استحباباً ـ اختيار الوجه الأوّل مع الإمكان ، وكذلك الحال في ميت خيف عليه من ان يخرجه العدو من قبره ويحرقه أو يمثّل به.

( مسألة 122 ) : لا يجوز دفن الميت في مكان يستلزم هتك حرمته كالبالوعة والمواضع القذرة ، كما لا يجوز دفنه في مقابر الكفار ، ولا يجوز

٦٧

دفن الكافر في مقبرة المسلمين.

( مسألة 123 ) : يعتبر في موضع الدفن الاباحة ، فلا يجوز الدفن في مكان مغصوب ، أو فيما وقف لجهة خاصة كالمدارس والحسينيات ونحوهما وان لم يكن مضراً بالوقف أو مزاحماً لجهته على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 124 ) : إذا دفن الميت في مكان لا يجوز دفنه فيه وجب نبش قبره واخراجه ودفنه في موضع يجوز دفنه فيه ، إلاّ في بعض الموارد المذكورة في ( العروة الوثقى ) وتعليقتنا عليها.

( مسألة 125 ) : إذا دفن الميت بلا غسل أو كفن ، أو حنوط مع التمكن منها وجب اخراجه مع القدرة لإجراء الواجب عليه ودفنه ثانياً بشرط ان لا يستلزم ذلك هتكاً لحرمته ، والا ففيه اشكال.

( مسألة 126 ) : لا يجوز نبش قبر المسلم إلاّ في موارد خاصة تقدم بعضها ، ومنها ما لو اوصى الميت بنقله الى المشاهد المشرفة فدفن عصياناً أو جهلاً أو نسياناً في غيرها ، فانه يجب النبش والنقل ما لم يفسد بدنه ولم يوجب النقل أيضاً فساد بدنه ولا محذوراً آخر ، وأما لو اوصى بنبش قبره ونقله بعد مدة الى الأماكن المشرفة ففي صحة وصيته اشكال.

( مسألة 127 ) : إذا كان الموجود من الميت يصدق عليه عرفاً انه ( بدن الميت ) كما لو كان مقطوع الأطراف ـ الرأس واليدين والرجلين ـ كلاً أو بعضاً ، أو كان الموجود جميع عظامه مجردة عن اللحم ، أو معظمها بشرط ان تكون من ضمنها عظام صدره ، ففي مثل ذلك تجب الصلاة عليه وكذا ما يتقدمها من التغسيل والتحنيط ـ ان وجد بعض مساجده ـ والتكفين بالازار والقميص بل وبالمئزر أيضاً ان وجد بعض ما يجب ستره به.

واذا كان الموجود من الميت لا يصدق عليه انه بدنه بل بعض بدنه ،

٦٨

فلو كان هو القسم الفوقاني من البدن أي الصدر وما يوازيه من الظهر سواء كان معه غيره أم لا وجبت الصلاة عليه ، وكذا التغسيل والتكفين بالازار والقميص وبالمئزر ان كان محله موجوداً ـ ولو بعضاً ـ على ـ الأحوط وجوباً ـ ولو كان معه بعض مساجده وجب تحنيطه على ـ الأحوط وجوباً ـ ويلحق بهذا في الحكم ما إذا وجد جميع عظام هذا القسم أو معظمها على ـ الأحوط وجوباً ـ وإذا لم يوجد القسم الفوقاني من بدن الميت كأن وجدت اطرافه كلاً أو بعضاً مجردة عن اللحم أو معه ، أو وجد بعض عظامه ولو كان فيها بعض عظام الصدر فلا يجب الصلاة عليه ، بل ولا تغسيله ولا تكفينه ولا تحنيطه ، وان وجد منه شيء لا يشتمل على العظم ولو كان فيه القلب فالظاهر انه لا يجب فيه أيضاً شيء مما تقدم عدا الدفن ـ والأحوط وجوباً ـ ان يكون ذلك بعد اللف بخرقة.

( صلاة ليلة الدفن )

روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم انه قال : لا يأتي على الميت أشدّ من أول ليلة فارحموا موتاكم بالصدقة ، فان لم تجدوا فليصّل احدكم ركعتين له ، يقرأ في الأولى بعد الحمد آية الكرسي ، وفي الثانية بعد الحمد سورة القدر عشر مرات ، فيقول بعد السلام : اللّهم صل على محمّد وآل محمّد وابعث ثوابها الى قبر فلان ، ويسمي الميت ورويت لهذه الصلاة كيفية اخرى أيضاً.

( غسل مسِّ الميت )

يجب الغسل على من مسّ الميت بعد برده وقبل اتمام غسله ، ولا فرق بين ان يكون المسّ مع الرطوبة أو بدونها ، كما لا فرق في الممسوس والماس بين ان يكون مما تحله الحياة وما لا تحله كالسن

٦٩

والظفر ، نعم لا يبعد عدم العبرة بالشعر ، سواء كان ماساً أم ممسوساً ، ولا يختص الوجوب بما إذا كان الميت مسلماً ، فيجب في مسّ الميت الكافر أيضاً ، بل ولا فرق في المسلم بين من يجب تغسيله ومن لا يجب كالمقتول في المعركة في جهاد ، أو دفاع عن الاسلام أو المقتول بقصاص أو رجم بعد الاغتسال على ـ الأحوط وجوباً ـ فيهما.

( مسألة 128 ) : يجوز لمن عليه غسل المس دخول المساجد والمشاهد والمكث فيها وقراءة العزائم ، نعم لا يجوز له مسّ كتابة القرآن ونحوها مما لا يجوز للمحدث ، ولا يصح له كل عمل مشروط بالطهارة كالصلاة الا بالغسل ـ والأحوط استحباباً ـ ضم الوضوء اليه إذا كان محدثاً بالأصغر.

( مسألة 129 ) : لا يجب الغسل بمسّ القطعة المبانة من الميت أو الحي وإن كانت مشتملة على العظم واللحم معاً وان كان الغسل ـ أحوط استحباباً ـ.

( مسألة 130 ) : إذا يمّم الميت بدلاً عن تغسيله لعذر فالظاهر وجوب الغسل بمسّه.

٧٠

( الأغسال المستحبة )

قد ذكر الفقهاء ( قدس الله اسرارهم ) كثيراً من الأغسال المستحبة ولكنه لم يثبت استحباب جملة منها ، والثابت منها ما يلي :

(1) غسل الجمعة : وهو من المستحبات المؤكدة ، ووقته من طلوع الفجر إلى الغروب ، والأفضل الاتيان به قبل الزوال ـ والأحوط الأولى ـ ان يؤتى به فيما بين الزوال إلى الغروب من دون قصد الأداء والقضاء ، ويجوز قضاؤه إلى غروب يوم السبت ، ويجوز تقديمه يوم الخميس رجاءً إذا خيف اعواز الماء يوم الجمعة ، وتستحب اعادته إذا وجد الماء فيه.

(2 ـ 7) غسل الليلة الأولى ، والليلة السابعة عشرة ، والتاسعة عشرة والحادية والعشرين ، والثالثة والعشرين ، والرابعة والعشرين ، من شهر رمضان المبارك.

(8 ـ 9) غسل يوم العيدين الفطر والأضحى ، ووقته من طلوع الفجر إلى غروب الشمس على الأظهر ، والأفضل ان يؤتى به قبل صلاة العيد.

(10 ـ 11) غسل اليوم الثامن والتاسع من ذي الحجة الحرام ، والأفضل في اليوم التاسع ان يؤتى به عند الزوال.

(12) غسل الاحرام.

(13) غسل دخول الحرم المكي.

(14) غسل دخول مكة.

(15) غسل زيارة الكعبة المشرفة.

(16) غسل دخول الكعبة المشرفة.

(17) غسل النحر والذبح.

٧١

(18) غسل الحلق.

(19) غسل دخول حرم المدينة المنورة.

(20) غسل دخول المدينة المنورة.

(21) غسل دخول مسجد النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(22) الغسل لوداع قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

(23) غسل المباهلة مع الخصم.

(24) غسل الاستخارة.

(25) غسل الاستسقاء.

(26) غسل من مسّ الميت بعد تغسيله.

والأظهر ان هذه الاغسال تجزي عن الوضوء ، وأما غيرها فيؤتى بها رجاءً ، ولابُدّ معها من الوضوء فنذكر جملة منها :

(1) الغسل في ليالي الافراد من شهر رمضان المبارك وتمام ليالي العشرة الأخيرة.

(2) غسل آخر في الليلة الثالثة والعشرين من شهر رمضان المبارك قريباً من الفجر.

(3) غسل الرابع والعشرين من ذي الحجة الحرام.

(4) غسل يوم النيروز ( اول أيام الربيع ).

(5) غسل يوم النصف من شعبان.

(6) الغسل في أول رجب وآخره ونصفه ، ويوم المبعث وهو السابع والعشرون منه.

(7) الغسل لزيارة كل واحد من المعصومينعليهم‌السلام من قريب أو بعيد.

(8) غسل اليوم الخامس والعشرين من ذي القعدة.

٧٢

( الجبائر )

الجبيرة هي : ( ما يوضع على العضو من الألواح أو الخرق ونحوها إذا حدث فيه كسر ، أو جرح ، أو قرح ) وفي ذلك صورتان :

(1) ان يكون شيء من ذلك في مواضع الغَسل كالوجه واليدين.

(2) ان يكون في مواضع المسح كالرأس والرجلين ، وعلى التقديرين فان لم يكن في غَسل الموضع أو مسحه ضرر أو حرج وجب غسل ما يجب غسله ومسح ما يجب مسحه ، واما إذا استلزم شيئاً من ذلك ففيه صور :

( الأولى ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، ولم تكن في الموضع جبيرة بان كان مكشوفاً ، ففي هذه الصورة يجب غسل ما حول الجرح والقرح ـ والأحوط الأولى ـ مع ذلك ان يضع خرقة على الموضع ويمسح عليها وان يمسح على نفس الموضع أيضاً إذا تمكن من ذلك ، وأما الكسر المكشوف من غير أن تكون فيه جراحة فالمتعين فيه التيمم.

( الثانية ) : ان يكون الكسر أو الجرح أو القرح في احد مواضع الغسل ، وكانت عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يغسل ما حوله ـ والأحوط وجوباً ـ ان يمسح على الجبيرة ولا يجزي غسل الجبيرة عن مسحها.

( الثالثة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح وكانت

٧٣

عليه جبيرة ، ففي هذه الصورة يتعين المسح على الجبيرة.

( الرابعة ) : ان يكون شيء من ذلك في احد مواضع المسح ولم تكن عليه جبيرة ، وفي هذه الصورة يتعين التيمم.

( مسألة 131 ) : يعتبر في الجبيرة أمران :

(1) طهارة ظاهرها ، فإذا كانت الجبيرة نجسة لم يصلح ان يمسح عليها فان امكن تطهيرها أو تبديلها ولو بوضع خرقة طاهرة عليها بنحو تعد جزءاً منها وجب ذلك فيمسح عليها ويغسل اطرافها ، وان لم يمكن اكتفى بغسل أطرافها ، هذا إذا لم تزد الجبيرة على الجرح بأزيد من المقدار المتعارف ، وأما لو زادت عليه فإن أمكن رفعها رفعها وغسل المقدار الصحيح ثم وضع عليها الجبيرة الطاهرة ، أو طهّرها ومسح عليها ، وإن لم يمكن ذلك لايجابه ضرراً على الجرح مسح على الجبيرة ، وإن كان لأمر آخر كالاضرار بالمقدار الصحيح وجب عليه التيمم إن لم تكن الجبيرة في مواضع التيمم ، وإلاّ ـ فالأحوط لزوماً ـ الجمع بين الوضوء والتيمم.

(2) إباحتها ، فلا يجوز المسح عليها إذا لم تكن مباحة ، ولو مسح لم يصح وضوؤه على ـ الأحوط وجوباً ـ.

( مسألة 132 ) : يعتبر في جواز المسح على الجبيرة أمور :

( الأوّل ) : ان يكون في العضو كسر أو جرح أو قرح ، فإذا لم يتمكن من غسله أو مسحه لأمر آخر ، كنجاسته مع تعذر ازالتها ، أو لزوم الضرر من استعمال الماء أو لصوق شيء ـ كالقير ـ بالعضو ولم يتمكن من ازالته بغير حرج ففي جميع ذلك لا يجري حكم الجبيرة بل يجب التيمم ، نعم إذا كان اللاصق بالعضو دواءً يجري عليه حكم الجبيرة ، ولو كان اللاصق غيره وكان

٧٤

في مواضع التيمم تعين الجمع بينه وبين الوضوء.

( الثاني ) : ان لا تزيد الجبيرة على المقدار المتعارف ، والا وجب رفع المقدار الزائد وغسل الموضع السليم تحته إذا كان مما يغسل ومسحه إذا كان مما يمسح ، وان لم يتمكن من رفعه ، أو كان فيه حرج ، أو ضرر على الموضع السليم نفسه سقط الوضوء ووجب التيمم إذا لم تكن الجبيرة في مواضعه ، وإلاّ ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بينه وبين الوضوء ، ولو كان رفعه وغسل الموضع السليم ، أو مسحه يستلزم ضرراً على نفس الموضع المصاب لم يسقط الوضوء فيمسح على الجبيرة.

( الثالث ) : ان يكون الجرح أو نحوه في نفس مواضع الوضوء فلو كان في غيرها وكان مما يضر به الوضوء تعين عليه التيمم ، وكذلك الحال فيما إذا كان الجرح أو نحوه في جزء من اعضاء الوضوء وكان مما يضر به غسل جزء آخر اتفاقاً ، كما إذا كان الجرح في اصبعه واتفق انه يتضرر بغسل الذراع ، فانه يتعين التيمم في مثل ذلك أيضاً.

( مسألة 133 ) : إذا كانت الجبيرة مستوعبة للعضو ، كما إذا كان تمام الوجه أو احدى اليدين أو الرجلين مجبَّراً جرى عليها حكم الجبيرة غير المستوعبة على الأظهر ، وأما مع استيعاب الجبيرة لتمام الأعضاء ، أو معظمها ـ فالأحوط وجوباً ـ الجمع بين الوضوء مع المسح على الجبيرة وبين التيمم.

( مسألة 134 ) : إذا كانت الجبيرة في الكف مستوعبة لها ومسح المتوضئ عليها بدلاً عن غسل العضو ، فاللازم ان يمسح رأسه ورجليه بهذه الرطوبة لا برطوبة خارجية ـ والأحوط الأولى ـ فيما إذا لم تكن مستوعبة لها ان يمسح بغير موضع الجبيرة.

٧٥

( مسألة 135 ) : إذا برئ ذو الجبيرة في ضيق الوقت اجزأه وضوؤه سواء برئ في اثناء الوضوء ام بعده ، قبل الصلاة أو في اثنائها أو بعدها ، ولاتجب عليه اعادته لغير ذات الوقت كالصلوات الآتية في الموارد التي كان تكليفه فيها الوضوء جبيرة واما في الموارد التي جمع فيها بين الجبيرة والتيمم فلابُدّ من اعادة الوضوء للاعمال الآتية ، وهكذا الحكم فيما لو برئ في سعة الوقت بعد اتمام الوضوء ، وأما إذا برئ في اثنائه فلابُدّ من استيناف الوضوء ، أو العود إلى غسل البشرة التي مسح على جبيرتها ان لم تفت الموالاة.

( مسألة 136 ) : إذا اعتقد الضرر من غسل العضو الذي فيه جرح أو نحوه فمسح على الجبيرة ثم تبين عدم الضرر فالظاهر صحة وضوئه ، وإذا اعتقد عدم الضرر فغسل ثم تبين انه كان مضراً وكانت وظيفته الجبيرة ـ فالأحوط وجوباً ـ الإعادة ، وكذا إذا اعتقد الضرر ولكن ترك الجبيرة وتوضأ ثم تبين عدم الضرر وان وظيفته غسل البشرة ، وأما إذا اعتقد الضرر في غسل العضو لاعتقاده ان فيه قرحاً أو جرحاً أو كسراً فعمل بالجبيرة ثم تبين سلامة العضو فالظاهر بطلان وضوئه.

( مسألة 137 ) : يجري حكم الجبيرة في الأغسال ـ غير غسل الميت ـ كما كان يجري في الوضوء ولكنه يختلف عنه في الجملة ، فان المانع عن الغسل إذا كان قرحاً أو جرحاً ـ سواء كان المحل مجبوراً أم مكشوفاً ـ تخير المكلف بين الغسل والتيمم ، واذا اختار الغسل وكان المحل مكشوفاً فله الاجتزاء بغسل اطرافه وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ ان يضع خرقة على موضع القرح ، أو الجرح ويمسح عليها ، وأما إذا كان المانع كسراً فان كان محل الكسر مجبوراً تعين عليه الاغتسال مع المسح على الجبيرة ، وأما إذا كان مكشوفاً ، أو لم يتمكن من المسح على الجبيرة تعين عليه التيمم.

٧٦

( التيمم )

يصح التيمم بدلاً عن الغسل ، أو الوضوء في سبعة مواضع :

( الأوّل ) : ما إذا لم يجد من الماء مقدار ما يفي بوظيفته الأولية من غسل أو وضوء ولو لكون الموجود منه فاقداً لبعض الشرائط المعتبرة فيه ، ويجب الفحص عنه على الحاضر إلى حين حصول اليأس منه ، وكذلك السعي اليه ما لم يكن بعيداً عنه بحيث يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ولا يسوغ للمسافر ان يتيمم بمجرد عدم علمه بوجود الماء لديه ، بل لابُدّ له من احراز عدمه بالفحص عنه في مظانه إلى ان يحصل له الاطمينان بالعدم ، فلو احتمل وجود الماء في رحله ، أو في القافلة ، أو عند بعض المارة وجب عليه الفحص عنه ، ولو كان في فلاة وجب عليه الفحص فيما يقرب من مكانه وفي الطريق ، ـ والأحوط وجوباً ـ الفحص في المساحة التي حوله على نحو الدائرة غلوة سهم في الأرض الحزنة ( الوعرة ) وغلوة سهمين في الأرض السهلة ، ولا يجب الفحص أكثر من ذلك الا اذا اطمأن بوجوده خارج الحد المذكور بحيث لا يبعد عنه بمقدار يصدق عرفاً انه غير واجد للماء ، ويسقط وجوب الفحص عند تضيق الوقت بمقدار ما يتضيق منه وكذا إذا خاف على نفسه ، أو ماله المعتد به من لصّ ونحوه ، أو كان في الفحص حرج لا يتحمل عادة.

( مسألة 138 ) : إذا تيمم من غير فحص ـ فيما يلزم فيه الفحص ـ ثم

٧٧

صلى في سعة الوقت برجاء المشروعية لم يصح تيممه وصلاته وان تبين عدم الماء على ـ الأحوط لزوماً ـ.

( مسألة 139 ) : إذا انحصر الماء الموجود عنده بما يحرم التصرف فيه كما إذا كان مغصوباً لم يجب الوضوء ووجب التيمم ، والماء الموجود حينئذٍ بحكم المعدوم.

( الثاني ) : عدم تيسر الوصول إلى الماء الموجود إما للعجز عنه تكويناً لكبر ونحوه ، أو لتوقفه على ارتكاب عمل محرم كالتصرف في الإناء المغصوب ، أو لخوفه على نفسه ، أو عرضه ، أو ماله المعتد به من سبع ، أو عدو أو لص ، أو ضياع أو غير ذلك ، ولو انحصر الماء المباح بما كان في أواني الذهب والفضة ـ حيث يحرم استعمالها في الطهارة عن الحدث والخبث على الأحوط كما تقدم في المسألة (30) ـ فان امكن تخليصه منها بما لا يعد استعمالاً في العرف وجب الوضوء ، وإلاّ ففي سقوط الوضوء ووجوب التيمم اشكال.

( الثالث ) : كون استعمال الماء مضراً به ، كما إذا خاف حدوث مرض أو امتداده أو شدته ، وانما يشرع التيمم في هذه الصورة إذا لم تكن وظيفته الطهارة المائية مع المسح على الجبيرة والا وجبت ، وقد مر تفصيل ذلك.

( الرابع ) : خوف العطش على نفسه ، أو على غيره ممن يرتبط به ويكون من شأنه التحفظ عليه والاهتمام بشأنه ولو من غير النفوس المحترمة انساناً كان أو حيواناً ، ولو خاف العطش على غيره ممن لا يهمه أمره ولكن يجب عليه حفظه شرعاً ، أو يقع في الحرج بهلاكه عطشاً اندرج ذلك في غيره من المسوّغات.

( الخامس ) : استلزام الحرج والمشقة إلى حد يصعب تحمله عليه ، سواء كان في تحصيل الماء ، كما إذا توقف على الاستيهاب الموجب لذلّه

٧٨

وهوانه ، أو على شرائه بثمن يضر بحاله ـ والا وجب الشراء وان كان باضعاف قيمته ـ أم في نفس استعماله لشدة برودته ، أو لتغيره بما يتنفر طبعه منه أم فيما يلازم استعماله كما لو كان قليلاً لا يكفي للجمع بين استعماله في الوضوء وبين تبليل الرأس به مع فرض حاجته اليه لشدة حرارة الجو مثلاً بحيث يقع لولاه في الحرج والمشقة.

( السادس ) : ما إذا استلزم تحصيل الماء أو استعماله وقوع الصلاة أو بعضها خارج الوقت.

( السابع ) : ان يكون مكلفاً بواجب أهم أو مساوٍ يستدعي صرف الماء الموجود فيه كازالة الخبث عن المسجد فانه يجب عليه التيمم وصرف الماء في تطهيره ، وكذا إذا كان بدنه أو لباسه متنجساً ولم يكف الماء الموجود عنده للطهارة الحدثية والخبثية معاً فانه يتعين صرفه في ازالة الخبث وان كان الأولى فيه ان يصرف الماء في ازالة الخبث أولاً ، ثم يتيمم بعد ذلك.

( ما يصح به التيمم )

يجوز عند تعذر الطهارة المائية التيمم بمطلق وجه الارض من تراب أو رمل ، أو حجر أو مدر ، ومن ذلك ارض الجص والنورة وهكذا الجص المطبوخ ، والآجر والخزف ، ـ والأحوط الأولى ـ تقديم التراب على غيره مع الإمكان ، ويجوز التيمم بالغبار المجتمع على الثوب ونحوه إذا عدّ تراباً دقيقاً بان كان له جرم بنظر العرف وان كان ـ الأحوط استحباباً ـ تقديم غيره عليه ، واذا تعذر التيمم بالأرض وما يلحق بها تيمم بالوحل وهو الطين الذي يلصق باليد ـ والأحوط وجوباً ـ عدم ازالة شيء منه الا ما يتوقف على ازالته صدق المسح باليد ، واذا تعذر التيمم بالوحل أيضاً تعين التيمم بالشيء المغبر ـ أي ما يكون الغبار كامناً فيه ـ أو لا يكون له جرم بحيث يصدق

٧٩

عليه التراب الدقيق ـ كما تقدم ـ واذا عجز عنه أيضاً كان فاقداً للطهور وحينئذٍ تسقط عنه الصلاة في الوقت ويلزمه القضاء خارجه.

( مسألة 140 ) : إذا كان طين وتمكن من تجفيفه وجب ذلك ولا تصل معه النوبة ، إلى التيمم بالطين أو الشيء المغبر ، ولا بأس بالتيمم بالأرض الندية وان كان الأولى ان يتيمم باليابسة مع التمكن.

( مسألة 141 ) : ـ الأحوط وجوباً ـ اعتبار علوق شيء مما يُتيمم به باليد فلا يجزي التيمم على مثل الحجر الاملس الذي لا غبار عليه.

( مسألة 142 ) : لا يجوز التيمم بما لا يصدق عليه اسم الأرض وان كان اصله منها كالنباتات ، وبعض المعادن كالذهب والفضة ، ورماد غير الأرض ونحوها ، واذا اشتبه ما يصح به التيمم بشيء من ذلك لزم تكرار التيمم ليتيقن معه الامتثال.

( كيفية التيمم وشرائطه )

( مسألة 143 ) : يجب في التيمم أمور :

(1) ضرب باطن اليدين على الأرض ، ويكفي وضعهما عليها أيضاً ، ـ والأحوط وجوباً ـ ان يفعل ذلك دفعة واحدة.

(2) مسح الجبهة ، وكذا الجبينين ـ على الأحوط وجوباً ـ باليدين من قصاص الشعر إلى طرف الأنف الأعلى والى الحاجبين ـ والأحوط الأولى ـ مسحهما أيضاً.

(3) المسح بباطن اليد اليسرى تمام ظاهر اليد اليمنى من الزند إلى اطراف الاصابع ، والمسح بباطن اليمنى تمام ظاهر اليسرى ـ والأحوط وجوباً ـ رعاية الترتيب بين مسح اليمنى واليسرى.

ويجتزئ في التيمم سواء كان بدلاً عن الوضوء ، أم الغسل بضرب

 

٨٠

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

فقال أبوجعفرعليه‌السلام : رحم الله لوطا لو علم من معه في الحجرة لعلم أنّه منصور حيث يقول:( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ) أيّ ركن أشدّ من جبرئيل معه في الحجرة؟ فقال عزّوجلّ لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و:( وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) من ظالمي أمّتك إن عملوا ما عمل قوم لوط، وقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : من ألحّ في وطى الرجال لم يمت حتّى يدعو الرجال الى نفسه.

أقول: والرواية لا تخلو من تشويش مّا في اللفظ، وقد ذكر فيها الملائكة المرسلون ثلاثة، وفي بعض الروايات - كالرواية المذكورة في الباب السابق عن أبى يزيد الحمّار عن أبى عبداللهعليه‌السلام - أنّهم كانوا أربعة بزيادة كرّوبيل، وفي بعض الروايات من طرق أهل السنّة أنّهم كانوا ثلاثة وهم جبرئيل وميكائيل ورفائيل، والظاهر من الرواية أنّها تأخذ قول لوط:( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً ) الخ خطابا منه للملائكة لا للقوم، وقد تقدّمت الإشارة إليه في بيان الآيات.

وقولهعليه‌السلام : رحم الله لوطا لو علم الخ في معنى قول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم - على ما روى عنه - رحم الله لوطا إن كان ليأوى إلى ركن شديد.

وقولهعليه‌السلام : فقال عزّوجلّ لمحمّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الخ إشارة إلى ما تقدّم من احتمال كون الآية، مسوقا لتهديد قريش.

وفي تفسير القمّىّ بإسناده عن أبى بصير عن أبى عبداللهعليه‌السلام في قوله:( وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ ) قال: ما من عبد يخرج من الدنيا يستحلّ عمل قوم لوط إلّا رماه الله جندلة من تلك الحجارة تكون منيّته فيه ولكنّ الخلق لا يرونه.

أقول: وروى في الكافي بإسناده عن ميمون البان عنهعليه‌السلام مثله. وفيه من بات مصرّا على اللواط لم يمت حتّى يرميه الله بحجارة تكون فيه منيّته ولا يراه أحد، وفي الحديثين إشعار بكون قوله:( وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ) غير خاصّ بقريش، وإشعار بكون العذاب المذكور روحانيّا غير مادّىّ.

وفى الكافي بإسناده عن يعقوب بن شعيب عن أبى عبداللهعليه‌السلام في قول لوط:

٣٦١

( هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) قال: عرض عليهم التزويج.

وفي التهذيب عن الرضاعليه‌السلام : عن إتيان الرجل المرأة من خلفها فقال: أحلّتها آية من كتاب الله عزّوجلّ: قول لوط:( هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ ) قد علم أنّهم لا يريدون الفرج.

وفي الدرّ المنثور أخرج أبوالشيخ عن علىّ رضى الله عنه أنّه خطب فقال: عشيرة الرجل للرجل خير من الرجل لعشيرته إنّه إن كفّ يده عنهم كفّ يدا واحدة، وكفوّا عنه أيدى كثيرة مع مودّتهم وحفاظتهم ونصرتهم حتّى لربّما غضب الرجل للرجل وما يعرفه إلّا بحسبه وسأتلو عليكم بذلك آيات من كتاب الله تعالى فتلا هذه الآية:( لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ) .

قال علىّ رضى الله عنه: والركن الشديد العشيرة فلم يكن للوط عشيرة فو الّذى لا إله غيره ما بعث الله نبيّا بعد لوط إلّا في ثروة من قومه.

أقول: وآخر الرواية مروىّ من طرق أهل السنّة والشيعة.

وفي الكافي - في حديث أبى يزيد الحمّار عن أبى جعفرعليه‌السلام المنقول في البحث الروائيّ السابق - قال: فأتوا يعنى الملائكة لوطا وهو في زراعة قرب القرية فسلّموا عليه وهم معتمّون فلمّا رأى هيئة حسنة عليهم ثياب بيض وعمائم بيض قال لهم: المنزل فقالوا: نعم فتقدّمهم ومشوا خلفه فندم على عرضه المنزل عليهم فقال: أيّ شئ صنعت؟ آتى بهم قومي وأنا أعرفهم؟ فقال: إنّكم لتأتون شراراً من خلق الله. قال جبرئيل: لا نعجل عليهم حتّى يشهد عليهم ثلاث مرّات. فقال جبرئيل: هذه واحدة فمشى ساعة ثمّ التفت إليهم فقال: إنّكم لتأتون شراراً من خلق الله فقال جبرئيل: هذه ثنتان. ثمّ مشى فلمّا بلغ باب المدنيّة التفت إليهم ثمّ قال: إنّكم لتأتون شراراً من خلق الله. فقال جبرئيل: هذه الثالثة ثمّ دخل ودخلوا معه حتّى دخل منزله.

فلمّا رأتهم امرأته رأت هيئة حسنة فصعدت فوق السطح فصفّقت فلم يسمعوا فدخّنت فلمّا رأوا الدخان أقبلو إلى الباب يهرعون حتّى جاؤا على الباب فنزلت

٣٦٢

إليهم فقالت: عندنا قوم ما رأيت قطّ قوماً أحسن منهم هيئة فجاءوا إلى الباب ليدخلوا.

فلمّا رآهم لوط قام إليهم فقال لهم: يا قوم اتّقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد؟ ثمّ قال: هؤلاء بناتى هنّ أطهر لكم فدعاهم كلّهم إلى الحلال فقالوا: ما لنا في بناتك من حقّ وإنّك لتعلم ما نريد، فقال لهم: لو أنّ لى بكم قوّة أو آوى إلى ركن شديد، فقال جبرئيل: لو يعلم أيّ قوّة له.

فتكاثروه حتّى دخلوا الباب فصاح بهم جبرئيل فقال: يا لوط دعهم يدخلون فلمّا دخلوا أهوى جبرئيل بإصبعه نحوهم فذهبت أعينهم وهو قول الله عزّوجلّ:( فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ ) ثمّ ناداه جبرئيل فقال له: إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل، وقال له جبرئيل: إنّا بعثنا في إهلاكهم فقال: يا جبرئيل عجّل فقال: إنّ موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب.

فأمره يتحمّل ومن معه إلّا امرأته ثمّ اقتلعها يعنى المدينة جبرئيل بجناحه من سبع أرضين ثمّ رفعها حتّى سمع أهل السماء الدنيا نياح الكلاب وصراخ الديوك ثمّ قلبها وأمطر عليها وعلى من حول المدينة بحجارة من سجّيل.

أقول: وما اشتمل عليه آخر الرواية من اقتلاعها من سبع أرضين ثمّ رفعها إلى حيث سمع أهل السماء الدنيا نياح كلابهم وصراخ ديوكهم أمر خارق للعادة، وهو وإن كان لا يستبعد من قدرة الله سبحانه لكنّه ممّا لا يكفى في ثبوته أمثال هذه الرواية وهى من الآحاد.

على أنّ السنّة الإلهيّة جارية على أن تقتفى في الكرامات والمعجزات الحكمة وأىّ حكمة في رفعهم إلى هذا الحدّ ولا أثر له في عذابهم ولا في تشديده؟

وقول بعض أهل الكلام: من الجائز أن يكون هذا الفعال العجيب الخارق للعادة لطفا من الله ليكون الإخبار بذلك من طريق المعصومين مقرّبا للمؤمنين إلى الطاعة مبعّداً لهم من المعصية كلام مدخول فإنّ خلق الاُمور العظيمة المعجبة والحوادث الخارقة للعادة ليتأكّد بها إيمان المؤمنين ويعتبر بها المعتبرون وإن كان لا يخلو من لطف إلّا أنّه إنّما يكون لطفاً فيما كان بلوغه لهم من طريق الحسّ أو أيّ

٣٦٣

طريق علميّ آخر، وأمّا رواية واحدة أو ضعيفة وهى خالية عن الحجّيّة لا يعبا بها فلا معنى لإيجاد الاُمور الخارقة والحوادث العجيبة لأجل حصول اعتبار أو مخافة من طريقها، ولا وجه لتشديد عذاب قوم ليعتبر به قوم آخرون إلّا في سنّة الجهّال من طغاة البشر وجبابرتهم.

قال صاحب المنار في تفسيره: وفي خرافات المفسّرين المرويّة عن الإسرائيليّات أنّ جبرئيل قلعها من تخوم الأرض بجناحه وصعد بها إلى عنان السماء حتّى سمع أهل السماء أصوات الكلاب والدجاج فيها ثمّ قلبها قلباً مستوياً فجعل عاليها سافلها.

وهذا تصوّر مبنىّ على اعتقاد متصوّره أنّ الأجرام السماويّة المأهولة بالسكّان ممّا يمكن أن يقرب منهم سكّان الأرض وما فيها من الحيوان ويبقون أحياء. وقد ثبت بالمشاهدة والاختبار الفعلىّ في هذه الأيّام الّتى يكتب هذا فيها أنّ الطيّارات والمناطيد الّتى تخلق في الجوّ تصل إلى حيث يخفّ ضغط الهواء ويستحيل حياة الناس فيها، وهم يصنعون أنواعاً منها يصنعون فيها من اُكسيجين الهواء ما يكفى استنشاقه وتنفّسه للحياة في طبقات الجوّ العليا ويصعدون فيها.

وقد اُشير في الكتاب العزيز إلى ما يكون للتصعيد في جوّ السماء من التأثير في ضيق الصدر من عسر التنفّس بقوله تعالى:( فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَام وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ) .

فإن قيل: إنّ هذا الفعل المروىّ عن جبرئيل من الممكنات العقليّة وكان وقوعه من خوارق العادات فلا يصحّ أن يجعل تصديقه موقوفا على ما عرف من سنن الكائنات.

قلت: نعم ولكنّ الشرط الأوّل لقبول الرواية في أمر جاء على غير السنن والنواميس الّتى أقام الله بها نظام العالم من عمران وخراب أن تكون الرواية عن وحى إلهىّ نقل بالتواتر عن المعصوم أو بسند صحيح متّصل الاسناد لا شذوذ فيه ولا علّة على الأقلّ، ولم يذكر في كتاب الله تعالى، ولم يرد فيه حديث مرفوع إلى نبيّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، ولا تظهر حكمة الله فيه، وإنّما روى عن بعض التابعين دون الصحابة. ولا

٣٦٤

شكّ أنّه من الإسرائيليّات.

وممّا قالوه فيها: أنّ عدد أهلها كان أربعة آلاف ألف وبلاد فلسطين كلّها لا تسع هذا العدد، فأين كان هؤلاء الملايين يسكنون من تلك القرى الأربع؟ انتهى.

والّذى ذكره أنّ الحديث إنّما روى عن التابعين دون الصحابة فإنّه أنّ هذا المعنى مروىّ عن ابن عبّاس وعن الحذيفة بن اليمان، ففى رواية ابن عبّاس - كما في الدرّ المنثورعن إسحاق بن بشر وابن عساكر من طريق جويبر ومقاتل عن الضحّاك عنه - ( فلمّا كان عند وجه الصبح عمد جبريل إلى قرى لوط بما فيها من رجالها ونسائها وثمارها وطيرها فحواها وطواها ثمّ قلعها من تخوم الثرى ثمّ احتملها تحت جناحه ثمّ رفعها إلى السماء الدنيا فسمع سكّان سماء الدنيا أصوات الكلاب والطير والنساء والرجال من تحت جناح جبرئيل ثمّ أرسلها منكوسة ثمّ أتبعها بالحجارة، وكانت الحجارة للرعاة والتجّار ومن كان خارجاً عن مدائنهم ) الحديث.

وفي رواية حذيفة بن اليمان - على ما في الدرّ المنثورعن عبد الرزّاق وابن جرير وابن المنذر وابن أبى حاتم عنه - ( فاستأذن جبرئيل في هلاكهم فاُذن له فاحتمل الأرض الّتى كانوا عليها، وأهوى بها حتّى سمع أهل سماء الدنيا صغاء كلابهم وأوقد تحتهم نارا ثمّ قلبها بهم فسمعت امرأة لوط الوجبة وهى معهم فالتفتت فأصابها العذاب، وتبعت سفارهم الحجارة ) الحديث.

وأمّا من التابعين فقد روى هذا المعنى عن سعيد بن جبير ومجاهد وأبى صالح ومحمّد بن كعب القرظىّ وعن السدّىّ ما هو أغلظ من ذلك قال: ( لمّا أصبحوا نزل جبرئيل فاقتلع الأرض من سبع أرضين فحملها حتّى بلغ السماء الدنيا ثمّ أهوى بها جبرئيل إلى الأرض ) الحديث.

وأمّا ما ذكره من أنّه ( يشترط في قبول الرواية أن تكون منقولة بالتواتر عن المعصوم أو بسند صحيح متّصل الاسناد لا شذوذ فيه ولا علّة ) فمسألة اُصوليّة، والّذى استقرّ عليه النظر اليوم في المسألة أنّ الخبر إن كان متواتراً أو محفوفاً بقرينة

٣٦٥

قطعيّة فلا ريب في حجّيّتها، وأمّا غير ذلك فلا حجّيّة فيه إلّا الأخبار الواردة في الأحكام الشرعيّة الفرعيّة إذا كان الخبر موثوق الصدور بالظنّ النوعىّ فإنّ لها حجّيّة.

وذلك أنّ الحجّيّة الشرعيّة من الاعتبارات العقلائيّه فتتبع وجود أثر شرعىّ في المورد يقبل الجعل والاعتبار الشرعيّ والقضايا التاريخيّة والاُمور الاعتقاديّة لا معنى لجعل الحجّيّة فيها لعدم أثر شرعىّ ولا معنى لحكم الشارع بكون غير العلم علما وتعبيد الناس بذلك، والموضوعات الخارجيّة وإن أمكن أن يتحقّق فيها أثر شرعىّ إلّا أنّ آثارها جزئيّة والجعل الشرعيّ لا ينال إلّا الكلّيّات وليطلب تفصيل القول في المسألة من علم الاُصول.

وفي الدرّ المنثور أخرج ابن مردويه عن اُبىّ بن كعب قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم الله لوطا إن كان ليأوى إلى ركن شديد.

أقول: مقتضى المقام الّذى كان يجارى فيه لوط قومه ويأمرهم بتقوى الله والاجتناب عن الفجور، وظاهر سياق الآيات الحاكية للمشاجرة بينه وبين قومه أنّ لوطا إنّما كان يتمنّى أنصاراً اُولى رشد من بين قومه أو من غيرهم فقوله:( أَوْ آوِي إِلَىٰ رُكْنٍ شَدِيدٍ ) يريد به أنصاراً من غير القوم من عشيرة أو أخلّاء وأصدقاء في الله ينصرونه في الدفع عن أضيافه هذا والركن الشديد معه في داره وهم جبرئيل وميكائيل وإسرافيل ولذلك لبّوه من غير فصل وقالوا: يا لوط إنّا رسل ربّك لن يصلوا إليك.

ولم يكن ليغفل في حال من تلك الأحوال عن ربّه وأنّ كلّ النصر من عنده حتّى ينساه ويتمنّى ناصراً غيره، وحاشا مقام هذا النبيّ الكريم عن مثل هذا الجهل المذموم وقد قال الله تعالى في حقّه:( آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا - إلى أن قال -وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) الأنبياء: ٧٥.

فقول النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم :( إن كان ليأوى إلى ركن شديد) معناه أنّ معه جبرئيل

٣٦٦

وسائر الملائكة وهو لا يعلم بذلك، وليس معناه أنّ معه الله سبحانه وهو جاهل بمقام ربّه.

فما في بعض الروايات الناقلة للفظة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم من الإشعار بأنّ مراده بالركن الشديد هو الله سبحانه دون الملائكة إنّما نشأ عن فهم بعض رواة الحديث كما عن أبى هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : رحم الله لوطا كان يأوى إلى ركن شديد يعنى الله تعالى. الحديث.

وكما عنه من طريق آخر قال: إنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال:( يغفر الله للوط إن كان ليأوى إلى ركن شديد) ولعلّ فيه نقلا بالمعنى وأنّ النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: رحم الله لوطا فغيّره الراوى إلى قوله: يغفر الله للوط المشعر بكون لوط أهمل أدبا من آداب العبوديّة أو أذنب ذنبا بجهله مقام ربّه ونسيانه ما لم يكن له أن ينساه.

( كلام في قصّة لوط وقومه في فصول)

١ - قصّته وقصّة قومه في القرآن : كان لوطعليه‌السلام من كلدان في أرض بابل ومن السابقين الأوّلين ممّن آمن بإبراهيمعليه‌السلام آمن به وقال: إنّى مهاجر إلى ربّى ( العنكبوت: ٢٦ ) فنجّاه الله مع إبراهيم إلى الأرض المقدّسة أرض فلسطين ( الأنبياء: ٧١ ) فنزل في بعض بلادها ( وهى مدينة سدوم على ما في التواريخ والتوراة وبعض الروايات ).

وكان أهل المدينة وما والاها من المدائن وقد سمّاها الله في كلامه بالمؤتفكات ( التوبة: ٧٠ ) يعبدون الأصنام، ويأتون بالفاحشة: اللواط، وهم أوّل قوم شاع فيهم ذلك ( الأعراف: ٨٠ ) حتّى كانوا يأتون به في نواديهم من غير إنكار ( العنكبوت: ٢٩ ) ولم يزل تشيع الفاحشة فيهم حتّى عادت سنّة قوميّة ابتلت به عامّتهم وتركوا النساء وقطعوا السبيل ( العنكبوت: ٢٩ ).

فأرسل الله لوطا إليهم ( الشعراء: ١٦٢ ) فدعاهم إلى تقوى الله وترك الفحشاء

٣٦٧

والرجوع إلى طريق الفطرة وأنذرهم وخوّفهم فلم يزدهم إلّا عتوّا ولم يكن جوابهم إلّا أن قالوا ائتنا بعذاب الله إن كنت من الصادقين، وهدّدوه بالإخراج من بلدتهم وقالوا له: لئن لم تنته لتكوننّ من المخرجين ( الشعراء: ١٦٧ ) وقالوا أخرجوا آل لوط من قريتكم إنّهم اُناس يتطهّرون ( النمل: ٥٦ ).

٢ - عاقبة أمرهم : لم يزل لوطعليه‌السلام يدعوهم إلى سبيل الله وملازمة سنّة الفطرة وترك الفحشاء وهم يصرّون على عمل الخبائث حتّى استقرّ بهم الطغيان وحقّت عليهم كلمة العذاب فبعث الله رسلاً من الملائكة المكرّمين لإهلاكهم فنزلوا أوّلا على إبراهيمعليه‌السلام وأخبروه بما أمرهم الله به من إهلاك قوم لوط فجادلهم إبراهيمعليه‌السلام لعلّه يردّ بذلك عنهم العذاب، وذكّرهم بأنّ فيهم لوطا فردّوا عليه بأنّهم أعلم بموقع لوط وأهله، وأنّه قد جاء أمر الله وأنّ القوم آتيهم عذاب غير مردود ( العنكبوت: ٣٢ - هود: ٧٦ ).

فمضوا إلى لوط في صور غلمان مرد ودخلوا عليه ضيفا فشقّ ذلك على لوط وضاق بهم ذرعا لما كان يعلم من قومه أنّهم سيتعرّضون لهم وأنّهم غير تاركيهم البتّة فلم يلبث دون أن سمع القوم بذلك وأقبلوا يهرعون إليه وهم يستبشرون وهجموا على داره فخرج إليهم وبالغ في وعظهم واستثارة فتوّتهم ورشدهم حتّى عرض عليهم بناته وقال: يا قوم إنّ هؤلاء بناتى هنّ أطهر لكم فاتّقوا الله ولا تخزوني في ضيفي ثمّ استغاث وقال: أليس منكم رجل رشيد فردّوا عليه أنّه ليس لهم في بناته إربة وأنّهم غير تاركى أضيافه البتّة حتّى أيس لوط وقال: لو أنّ لى بكم قوّة أو آوى إلى ركن شديد ( هود: ٨٠ ).

قالت الملائكة عند ذلك يا لوط: إنّا رسل ربّك طب نفسا إنّ القوم لن يصلوا إليك فطمسوا أعين القوم فعادوا عميانا يتخبّطون وتفرّقوا ( القمر: ٣٧ ).

ثمّ أمروا لوطاعليه‌السلام أن يسرى بأهله من ليلته بقطع من الليل ويتّبع أدبارهم ولا يلتفت منهم أحد إلّا امرأته فإنّه مصيبها ما أصابهم، وأخبروه أنّهم سيهلكون القوم مصبحين ( هود: ٨١ - الحجر: ٦٦ ).

٣٦٨

فأخذت الصيحة القوم مشرقين، وأرسل الله عليهم حجارة من طين مسوّمة عند ربّك للمسرفين، وقلب مدائنهم عليهم فجعل عاليها سافلها وأخرج من كان فيها من المؤمنين فلم يجد فيها غير بيت من المسلمين وهو بيت لوط وترك فيها آية للّذين يخافون العذاب الأليم ( الذاريات: ٣٧ - وغيرها ).

وفي اختصاص الإيمان والإسلام بيت لوطعليه‌السلام ، وشمول العذاب لمدائنهم دلالة - أوّلا - على أنّ القوم كانوا كفّاراً غير مؤمنين و - ثانياً - على أنّ الفحشاء ما كانت شائعة فيما بين الرجال منهم فحسب إذ لو كان الأمر على ذلك والنساء بريئات منها وكان لوط يدعو الناس إلى الرجوع إلى سبيل الفطرة وسنّة الخلقة الّتى هي مواصلة الرجال والنساء لاتّبعته عدّة من النساء واجتمعن حوله وآمنّ به طبعا، ولم يذكر من ذلك شئ في كلامه سبحانه.

وفي ذلك تصديق ما تقدّم في الأخبار المأثورة أنّ الفحشاء شاعت بينهم، واكتفى الرجال بالرجال باللواط، والنساء بالنساء بالسحق.

٣ - شخصيّة لوط المعنويّة : كانعليه‌السلام رسولاً من الله إلى أهل المؤتفكات وهى مدينة سدوم وما والاها من المدائن - ويقال: كانت أربع مداين: سدوم وعمورة وصوغر وصبوييم وقد أشركه في جميع المقامات الروحيّة الّتى وصف بها أنبياءه الكرام.

وممّا وصفه به خاصّة ما في قوله:( وَلُوطًا آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَت تَّعْمَلُ الْخَبَائِثَ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَاسِقِينَ وَأَدْخَلْنَاهُ فِي رَحْمَتِنَا إِنَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ ) الأنبياء: ٧٥.

٤ - لوط وقومه في التوراة : ذكرت(١) التوراة أنّ لوطا كان ابن أخى أبرام - إبراهيم - هاران بن تارخ وكان هو وأبرام في بيت تارخ في اُور الكلدانيّين ثمّ هاجر تارخ اُورا قاصداً أرض الكنعانيّين فأقام بلدة حاران ومعه أبرام ولوط ومات هناك.

____________________

(١) الاصحاح الحادى عشر والثانى عشر من سفر التكوين.

٣٦٩

ثمّ إنّ أبرام بأمر من الربّ خرج من حاران ومعه لوط ولهما مال كثير وغلمان اكتسبا ذلك في حاران فأتى أرض كنعان، وكان يرتحل أبرام ارتحالاً متوالياً نحو الجنوب، ثمّ أتى مصر، ثمّ صعد من هناك جنوباً نحو بيت إيل فأقام هناك.

ولوط السائر مع أبرام أيضاً كان له غنم وبقر وخيام ولم يحتملهما الأرض أن يسكنا ووقعت مخاصمة بين رعاة مواشيهما فتفرّقا فأحذرا من وقوع النزاع والتشاجر فاختار لوط دائرة الاُردن وسكن في مدن الدائرة ونقل خيامه إلى سدوم، وكان أهل سدوم أشراراً وخطاة لدى الربّ جدّاً، ونقل أبرام خيامه وأقام عند بلوطات ممرا الّتى في حبرون.

ثمّ وقعت حرب بين ملوك سدوم وعمورة وإدمة وصبوييم، وصوغر من جانب وأربعة من جيرانهم من جانب، انهزم فيها ملك سدوم ومن معه من الملوك، وأخذ العدوّ جميع أملاك سدوم وعمورة وجميع أطعمتهم، واُسر لوط فيمن اُسر وسبى جميع أمواله، وانتهى الخبر إلى أبرام فخرج فيمن معه من الغلمان، وكانوا يزيدون على ثلاث مائة فحاربهم وهزمهم، وأنجى لوطا وجميع أمواله من الأسر والسبي، وردّه إلى مكانه الّذى كان مقيما فيه ( ملخّص ما في التوراة من صدر قصّة لوط ).

قالت التوراة(١) : وظهر له - لأبرام - الربّ عند بلوطات ممرا وهو جالس في باب الخيمة وقت حرّ النهار. فرفع عينيه ونظر وإذا ثلاثة رجال واقفون لديه. فلمّا نظر ركض لاستقبالهم من باب الخيمة وسجد إلى الأرض. وقال: يا سيّد إن كنت قد وجدت نعمة في عينيك فلا تتجاوز عبدك. ليؤخذ قليل ماء واغسلوا أرجلكم واتّكؤا تحت هذه الشجرة. فآخذ كسرة خبز فتسندون قلوبكم ثمّ تجتازون لأنّكم قد مررتم على عبدكم. فقالوا: هكذا نفعل كما تكلّمت.

____________________

(١) الاصحاح الثامن عشر من سفر التكوين.

٣٧٠

فأسرع إبراهيم إلى الخيمة إلى سارة وقال: أسرعي بثلاث كيلات دقيقاً سميداً اعجنى واصنعي خبز ملّة، ثمّ ركض إبراهيم إلى البقر وأخذ عجلاً رخصاً وجيّداً وأعطاه للغلام فأسرع ليعمله. ثمّ أخذ زبداً ولبناً والعجل الّذى عمله ووضعها قدّامهم. وإذ كان هو واقفاً لديهم تحت الشجرة أكلوا.

وقالوا له: أين سارة امرأتك، فقال: ها هي في الخيمة، فقال: إنّى أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لساره امرأتك ابن. وكانت سارة سامعة في باب الخيمة وهو وراءه. وكان إبراهيم وسارة شيخين متقدّمين في الأيّام. وقد انقطع أن يكون لسارة عادة كالنساء. فضحكت سارة في باطنها قائلة: أبعد فنائى يكون لى تنعّم وسيّدي قد شاخ؟ فقال الربّ لإبراهيم: لماذا ضحكت سارة قائلة: أفبالحقيقة ألد وأنا قد شخت؟ هل يستحيل على الربّ شئ؟ في الميعاد أرجع إليك نحو زمان الحياة ويكون لسارة ابن، فأنكرت سارة قائلة: لم أضحك، لأنّها خافت. فقال: لا بل ضحكت.

ثم قام الرجال من هناك وتطلّعوا نحو سدوم، وكان إبراهيم ماشياً معهم ليشيعهم. فقال الربّ: هل اُخفى عن إبراهيم ما أنا فاعله؟ وإبراهيم يكون أمّة كبيرة وقويّة ويتبارك به جميع اُمم الأرض. لأنّى عرفته لكى يوصى بنيه وبيته من بعده أن يحفظوا طريق الربّ ليعملوا برّا وعدلا لكى يأتي الربّ لإبراهيم بما تكلّم به.

فقال الربّ: إنّ صراخ سدوم وعمورة قد كثر وخطيئتهم قد عظمت جدّاً. أنزل وأرى هل فعلوا بالتمام حسب صراخها الّتى إلىّ وإلّا فأعلم. وانصرف الرجال من هناك وذهبوا نحو سدوم. وأمّا إبراهيم فكان لم يزل قائما أمام الربّ.

فتقدّم إبراهيم وقال: أفتهلك البارّ مع الأثيم؟ عسى أن يكون خمسون بارّا في المدينة. أفتهلك المكان ولا تصفح عنه من أجل الخمسين بارّا الّذين فيه؟ حاشا لك أن تفعل مثل هذا الأمر أن تميت البارّ مع الأثيم فيكون البارّ كالأثيم،

٣٧١

حاشاك. أديّان كلّ الأرض لا يصنع عدلا؟ فقال الربّ: إن وجدت في سدوم خمسين بارّا في المدينة فإنّى أصفح عن المكان كلّه من أجلهم.

فأجاب إبراهيم وقال: إنّى قد شرعت اُكلّم المولى وأنا تراب ورماد ربّما نقص الخمسون بارّا خمسة أتهلك كلّ المدينة بالخمسة؟ فقال الربّ: لا اُهلك إن وجدت هناك خمسة وأربعين. فعاد يكلّمه أيضاً وقال: عسى أن يوجد هناك أربعون، فقال: لا أفعل من أجل الأربعين. فقال: لا يسخط المولى فأتكلّم عسى أن يوجد هناك ثلاثون. فقال: لا أفعل إن وجدت هناك ثلاثين. فقال: إنّى قد شرعت اُكلّم المولى عسى أن يوجد هناك عشرون، فقال: لا اُهلك من أجل العشرين.

فقال: لا يسخط المولى فأتكلّم هذه المرّة فقطّ عسى أن يوجد هناك عشرة، فقال: لا اُهلك من أجل العشرة. وذهب الربّ عند ما فرغ من الكلام مع إبراهيم ورجع ابرهيم إلى مكانه.

فجاء(١) الملاكان إلى سدوم مساء وكان لوط جالسا في باب سدوم فلمّا رآهما لوط قام لاستقبالهما وسجد بوجهه إلى الأرض. وقال: يا سيّديّ ميلا إلى بيت عبدكما وبيتا واغسلا أرجلكما ثمّ تبكّران وتذهبان في طريقكما، فقالا: لا بل في الساحة نبيت، فألحّ عليهما جدّاً، فمالا إليه ودخلا بيته، فصنع لهما ضيافة وخبز فطيرا فأكلا.

وقبل ما اضطجعا أحاط بالبيت رجال المدينة رجال سدوم من الحدث إلى الشيخ كلّ الشعب من أقصاها فنادوا لوطا وقالوا له: أين الرجلان اللّذان دخلا إليك الليلة؟ أخرجهما إلينا لنعرفهما. فخرج إليهم لوط إلى الباب وأغلق الباب وراءه. وقال: لا تفعلوا شرّا يا إخوتى. هو ذا لى ابنتان لم يعرفا رجلا اُخرجهما إليكم فافعلوا بهما كما يحسن في عيونكم. وأمّا هذان الرجلان فلا تفعلوا بهما شيئاً لأنّهما قد دخلا تحت ظلّ سقفي.

____________________

(١) الاصحاح التاسع عشر من سفر التكوين.

٣٧٢

فقالوا: ابعد إلى هناك. ثمّ قالوا: جاء هذا الإنسان ليتغرّب وهو يحكم حكما. الان نفعل بك شرّا أكثر منهما. فألحوا على الرجل لوط جدّاً وتقدّموا ليكسروا الباب فمدّ الرجلان أيديهما وأدخلا لوطا إليهما إلى البيت وأغلقا الباب وأمّا الرجال الّذين على باب البيت فضرباهم بالعمى من الصغير إلى الكبير فعجزوا عن أن يجدوا الباب.

وقال الرجال للوط: من لك أيضاً ههنا أصهارك وبنيك وبناتك وكلّ من لك في المدينة أخرج من المكان لأنّنا مهلكان هذا المكان إذ قد عظم صراخهم أمام الربّ فأرسلنا الربّ لنهلكهم. فخرج لوط وكلّم أصهاره الآخذين بناته وقال: قوموا اخرجوا من هذا المكان لأنّ الربّ مهلك المدينة، فكان كمازح في أعين أصهاره.

ولمّا طلع الفجر كان الملاكان يعجّلان لوطا قائلين: قم خذ امرأتك وابنتيك الموجودتين لئلّا تهلك بإثم المدينة. ولمّا توانى أمسك الرجلان بيده وبيد امرأته وبيد ابنتيه لشفقة الربّ عليه وأخرجاه وضعاه خارج المدينة.

وكان لمّا أخرجاهم إلى خارج أنّه قال: اهرب لحياتك. لا تنظر إلى ورائك ولا تقف في كلّ الدائرة. اهرب إلى الجبل لئلّا تهلك فقال لهما لوط: لا يا سيّد هو ذا عبدك قد وجد نعمة في عينيك وعظمت لطفك الّذى صنعت إلىّ باستبقاء نفسي. وأنا لا أقدر أن أهرب إلى الجبل لعلّ الشرّ يدركنى فأموت. هو ذا المدينة هذه قريبة للهرب إليها. وهى صغيرة أهرب إلى هناك أليست هي صغيره فتحيا نفسي. فقال له: إنّى قد رفعت وجهك في هذا الأمر أيضاً أن لا أقلب المدينة الّتى تكلّمت عنها. أسرع اهرب إلى هناك لأنّى لا أستطيع أن أفعل شيئاً حتّى تجيئ إلى هناك - لذلك دعى اسم المدينة صوغر.

وإذا أشرقت الشمس على الأرض دخل لوط إلى صوغر فأمطر الربّ على سدوم وعمورة كبريتا ونارا من عند الربّ من السماء. وقلب تلك المدن و

٣٧٣

كلّ الدائرة وجميع سكّان المدن ونبات الأرض. ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح.

وبكّر إبراهيم في الغد إلى المكأنّ الّذى وقف فيه أمام الربّ وتطلّع نحو سدوم وعمورة ونحو كلّ أرض الدائرة. ونظر وإذا دخان الأرض يصعد كدخان الاُتون. وحدث لمّا أخرب الله مدن الدائرة أنّ الله ذكر إبراهيم. وأرسل لوطا من وسط الانقلاب حين قلب المدن الّتى سكن فيها لوط.

وصعد لوط من صوغر وسكن في الجبل وابنتاه معه لأنّه خاف أن يسكن في صوغر فسكن في المغارة هو وابنتاه. وقالت البكر للصغيرة: أبونا قد شاخ وليس في الأرض رجل ليدخل علينا كعادة كلّ الأرض هلم نسقى أبانا خمرا ونضطجع معه فنحيى من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة. ودخلت البكر واضطجعت مع أبيها ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها وحدث في الغد أنّ البكر قالت للصغيرة إنّى قد اضطجعت البارحة مع أبى. نسقيه خمرا الليلة أيضاً فادخلي اضطجعي معه فنحيى من أبينا نسلا. فسقتا أباهما خمرا في تلك الليلة أيضاً. و قامت الصغيرة واضطجعت معه. ولم يعلم باضطجاعها ولا بقيامها. فحبلت ابنتا لوط من أبيهما.

فولدت البكر إبنا ودعت اسمه موآب وهو أبو الموآبيّين إلى اليوم والصغيرة أيضاً ولدت ابنا ودعت اسمه بن عمّى وهو أبو بنى عمّون إلى اليوم. انتهى.

هذا ما قصّته التوراة في لوط وقومه نقلناه على طوله ليتّضح به ما تخالف القرآن الكريم من وجه القصّة ومن وجوه غيرها.

ففيها كون الملك المرسل للبشرى والعذاب ملكين اثنين. وقد عبّر القرآن بالرسل - بلفظ الجمع وأقلّه ثلاثة -.

وفيها أنّ أضياف إبراهيم أكلوا ممّا صنعه وقدّمه إليهم، والقرآن ينفى ذلك ويقصّ أنّ إبراهيم خاف إذ رآى أنّ أيديهم لا تصل إليه.

٣٧٤

وفيها: إثبات بنتين للوط، والقرآن يعبّر بلفظ البنات. وفيها كيفيّة إخراج الملائكة لوطا وكيفيّة تعذيب القوم وصيرورة المرأة عمودا من ملح وغير ذلك.

وفيها نسبة التجسّم صريحة إلى الله سبحانه، وما ذكرته من قصّة لوط مع بنتيه أخيرا، والقرآن ينزّه ساحة الحقّ سبحانه عن التجسّم ويبرّئ أنبياءه ورسله عن ارتكاب ما لا يليق بساحة قدسهم.

٣٧٥

( سورة هود آية ٨٤ - ٩٥)

وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ( ٨٤) وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ( ٨٥) بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ( ٨٦) قَالُوا يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَن نَّتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آبَاؤُنَا أَوْ أَن نَّفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ( ٨٧) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَأَيْتُمْ إِن كُنتُ عَلَىٰ بَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّي وَرَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا وَمَا أُرِيدُ أَنْ أُخَالِفَكُمْ إِلَىٰ مَا أَنْهَاكُمْ عَنْهُ إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ( ٨٨) وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَن يُصِيبَكُم مِّثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِّنكُم بِبَعِيدٍ( ٨٩) وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ( ٩٠) قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِّمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ( ٩١) قَالَ يَا قَوْمِ أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُم مِّنَ اللهِ وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَرَاءَكُمْ ظِهْرِيًّا إِنَّ رَبِّي بِمَا تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ( ٩٢) وَيَا قَوْمِ اعْمَلُوا عَلَىٰ مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ مَن يَأْتِيهِ عَذَابٌ يُخْزِيهِ وَمَنْ هُوَ كَاذِبٌ وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ

٣٧٦

رَقِيبٌ( ٩٣) وَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا نَجَّيْنَا شُعَيْبًا وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيَارِهِمْ جَاثِمِينَ( ٩٤) كَأَن لَّمْ يَغْنَوْا فِيهَا أَلَا بُعْدًا لِّمَدْيَنَ كَمَا بَعِدَتْ ثَمُودُ( ٩٥)

( بيان)

تذكر الآيات قصّة شعيبعليه‌السلام وقومه وهم أهل مدين، وكانوا يعبدون الأصنام، وكان قد شاع التطفيف في الكيل والوزن عندهم واشتدّ الفساد فيهم فأرسل الله سبحانه شعيباعليه‌السلام إليهم فدعاهم إلى التوحيد وتوفية الميزان والمكيال بالقسط وترك الفساد في الأرض، وبشّرهم وأذرهم وبالغ في عظتهم وقد روى عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أنّه قال: كان شعيب خطيب الأنبياء.

فلم يجبه القوم إلّا بالردّ والعصيان، هدّدوه بالرجم والطرد من بينهم وبالغوا في إيذائه وإيذاء شرذمة من الناس آمنوا به وصدّهم عن سبيل الله وداموا على ذلك حتّى سأل الله أن يقضى بينه وبينهم فأهلكهم الله تعالى.

قوله تعالى: ( وَإِلَىٰ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْبًا ) إلى آخر الآية عطف على ما تقدّمه من قصص الأنبياء واُممهم، ومدين اسم مدينة كان يسكنها قوم شعيب ففى نسبة إرسال شعيب إلى مدين وكان مرسلا إلى أهله نوع من المجاز في الإسناد كقولنا: جرى الميزاب، وفي عدّ شعيبعليه‌السلام أخاً لهم دلالة على أنّه كان ينتسب إليهم.

وقوله:( قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ) تقدّم تفسيره في نظائره.

وقوله:( وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ) المكيال والميزان اسما آلة بمعنى ما يكال به وما يوزن به، ولا يوصفان بالنقص وإنّما يوصف بالنقص كالزيادة والمساواة المكيل والموزون فنسبة النقص إلى المكيال والميزان من المجاز العقليّ.

٣٧٧

وفي تخصيص نقص المكيال والميزان من بين معاصيهم بالذكر دلالة على شيوعه بينهم وإقبالهم عليه وإفراطهم فيه بحيث ظهر فساده وبان سيّئ أثره فأوجب ذلك شدّة اهتمام به من داعى الحقّ فدعاهم إلى تركه بتخصيصه بالذكر من بين المعاصي.

وقوله:( إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ ) أي اُشاهدكم في خير، وهو ما أنعم الله تعالى عليكم من المال وسعة الرزق والرخص والخصب فلا حاجة لكم إلى نقص المكيال والميزان، واختلاس اليسير من أشياء الناس طمعا في ذلك من غير سبيله المشروع وظلما وعتوّا، وعلى هذا فقوله:( إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ ) تعليل لقوله:( وَلَا تَنقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ ) .

ويمكن تعميم الخير بأن يراد به أنّكم مشمولون لعناية الله معنيّون بنعمه آتاكم عقلا ورشدا ورزقكم رزقا فلا مسوّغ لأن تعبدوا الآلهة من دونه وتشركوا به غيره، وأن تفسدوا في الأرض بنقص المكيال والميزان، وعلى هذا يكون تعليلا لما تقدّمه من الجملتين أعنى قوله:( اعبدوا الله ) الخ، وقوله:( وَلَا تَنقُصُوا ) الخ، كما أنّ قوله:( وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ) كذلك.

فمحصّل قوله:( إِنِّي أَرَاكُم ) إلى آخر الآية أنّ هناك رادعين يجب أن يردعاكم عن معصية الله: أحدهما: أنّكم في خير ولا حاجة لكم إلى بخس أموال الناس من غير سبيل حلّها. وثانيهما: أنّ وراء مخالفة أمر الله يوماً محيطاً يخاف عذابه.

وليس من البعيد أن يراد بقوله:( إِنِّي أَرَاكُم بِخَيْرٍ ) أنّى أراكم برؤية خير أي أنظر إليكم نظر الناصح المشفق الّذى لا يصاحب نظره إلّا الخير ولا يريد بكم غير السعادة، وعلى هذا يكون قوله:( وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ) كعطف التفسير بالنسبة إليه.

وقوله:( وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُّحِيطٍ ) يشير به إلى يوم القيامة أو يوم نزول عذاب الاستئصال ومعنى كون اليوم - وهو يوم القضاء بالعذاب - محيطاً أنّه لا مخرج منه ولا مفرّ ولا ملاذ من دون الله فلا يدفع فيه ناصر ولا معين، ولا ينفع

٣٧٨

فيه توبة ولا شفاعة، ويؤل معنى الإحاطة إلى كون العذاب قطعيّاً لا مناص منه، ومعنى الآية أنّ للكفر والفسوق عذابا غير مردود أخاف أن يصيبكم ذلك.

قوله تعالى: ( وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ ) الخ، الإيفاء إعطاء الحقّ بتمامه والبخس النقص كرّر القول في المكيال والميزان بالأخذ بالتفصيل بعد الإجمال مبالغة في الاهتمام بأمر لا غنى لمجتمعهم عنه، وذلك أنّه دعاهم أوّلا إلى الصلاح بالنهي عن نقص المكيال والميزان، وعاد ثانياً فأمر بايفاء المكيال والميزان ونهى عن بخس الناس أشياءهم إشارة إلى أنّ مجرّد التحرّز عن نقص المكيال والميزان لا يكفى في إعطاء هذا الأمر حقّه - وإنّما نهى عنه أوّلا لتكون معرفة إجماليّة هي كالمقدّمة لمعرفة التكليف تفصيلا - بل يجب أن يوفى الكائل والوازن مكياله وميزانه ويعطياهما حقّهما ولا يبخسا ولا ينقصا الأشياء المنسوبة إلى الناس بالمعاملة حتّى يعلما أنّهما أدّيا إلى الناس أشياءهم وردّا إليهم مالهم على ما هو عليه.

وقوله:( وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) قال الراغب: العيث والعثىّ يتقاربان نحو جذب وجبذ إلّا أنّ العيث أكثر ما يقال في الفساد الّذى يدرك حسّاً والعثىّ فيما يدرك حكماً يقال: عثى يعثى عثيّا، وعلى هذا( وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) وعثا يعثو عثوّا. انتهى.

وعلى هذا فقوله:( مُفْسِدِينَ ) حال من ضمير( َلَا تَعْثَوْا ) لإفادة التأكيد نظير ما يفيده قولنا: لا تفسدوا إفسادا.

والجملة أعني قوله:( وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) نهى مستأنف عن الفساد في الأرض من قتل أو جرح أو أيّ ظلم مالىّ أو جاهىّ أو عرضىّ لكن لا يبعد أن يستفاد من السياق كون الجملة عطفا تفسيريّا للنهى السابق فيكون نهيا تأكيديّا عن التطفيف ونقص المكيال والميزان لأنّه من الفساد في الأرض.

بيان ذلك: أنّ الاجتماع المدنىّ الدائر بين افراد النوع الإنسانيّ مبنىّ على المبادلة حقيقة فما من مواصلة ومرابطة بين فردين من أفراد النوع إلّا وفيه إعطاء و

٣٧٩

أخذ فلا يزال المجتمعون يتعاونون في شؤون حياتهم يفيد فيه الواحد غيره ليستفيد منه ما يمثّله أو يزيد عليه، ويدفع إليه نفعاً ليجذب منه إلى نفسه نفعاً وهو المعاملة والمبادلة.

ومن أظهر مصاديق هذه المبادلة المعاملات الماليّة وخاصّة في الأمتعة الّتى لها حجم أو وزن ممّا يكتال أو يوزن فإنّ ذلك من أقدم ما تنبّه الإنسان لوجوب إجراء سنّة المبادلة فيه.

فالمعاملات الماليّة وخاصّة البيع والشرى من أركان حياة الإنسان الاجتماعيّة يقدّر الواحد منهم ما يحتاج إليه في حياته الضروريّة بالكيل أو الوزن، وما يجب عليه أن يبذله في حذائه من الثمن ثمّ يسير في حياته بانياً لها على هذا التقدير والتدبير.

فإذا خانه معامله ونقص المكيال والميزان من حيث لا يشعر هو فقد أفسد تدبيره وأبطل تقديره، واختلّ بذلك نظام معيشته من الجهتين معاً من جهة ما يقتنيه من لوازم الحياة بالاشتراء ومن جهة ما يبذله من الثمن الزائد الّذى يتعب نفسه في تحصيله بالاكتساب فيسلب إصابة النظر وحسن التدبير في حياته ويتخبّط في مسيرها خبط العشواء وهو الفساد.

وإذا شاع ذلك في مجتمع فقد شاع الفساد فيما بينهم ولم يلبثوا دون أن يسلبوا الوثوق والاطمئنان واعتماد بعضهم على بعض ويرتحل ذلك الأمن العامّ من بينهم وهو النكبة الشاملة الّتى تحيط بالصالح والطالح والمطفّف والّذى يوفى المكيال والميزان على حدّ سواء، وعاد بذلك اجتماعهم اجتماعاً على المكر وإفساد الحياة لا اجتماعا على التعاون لسعادتها، قال تعالى:( وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَٰلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا ) أسرى: ٣٥.

قوله تعالى: ( بَقِيَّتُ اللهِ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُم بِحَفِيظٍ ) البقيّة بمعنى الباقي والمراد به الربح الحاصل للبائع وهو الّذى يبقى له بعد تمام المعاملة فيضعه في سبيل حوائجه، وذلك أنّ المبادلة وإن لم يوضع بالقصد الأوّل

٣٨٠

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406