الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 423
المشاهدات: 193874
تحميل: 7846


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193874 / تحميل: 7846
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

يا غريب الديار صبري غريبُ

وقتيل الأعداء نومي قتيلُ

بي نزاعٌ يطغى إليك وشوقٌ

وغرامٌ وزفرةٌ وعويلُ

ليت انّي ضجيع قبرك أو

أن ثراه بمدمعي مطلولُ

لا أغبّ الطفوف في كلِّ يومٍ

من طراق الأنواء غيثٌ هطولُ

مطرٌ ناعمٌ وريحٌ شمال

ونسيمٌ غضُّ وظلُّ ظليلُ

يا بني أحمد إلى كم سناني

غائبٌ عن طعانه ممطولُ ؟!

وجيادي مربوطةٌ والمطايا ؟!

ومقامي يروع عنه الدخيلُ ؟!

كم إلى كم تعلو الطغاة ؟!

وكم يحكم في كلِّ فاضل مفضولُ ؟!

قد أذاع الغليل قلبي ولكن

غير بِدعٍ إن استطبَّ العليلُ

ليت إنّي أبقى فأمترق النّاس

وفي الكفِّ صارمٌ مسلولُ

وأجرُّ القنا لثارات يوم الطـ

فِّ يستلحق الرَّعيل الرَّعيلُ

صبغ القلب حبّكم صبغة الشيب

وشيبي لولا الرَّدى لا يحولُ

أنا مولاكُم وإن كنت منكم

والدي ( حيدر ) واُمي ( البتولُ )

وإذا الناس أدركوا غاية الفخر

شآهم مَن قال جدّي الرَّسولُ

يفرح الناس بي لأنّي فضل

والأنام الذي أراه فضولُ

فهمُ بين مُنشد ما اُقفّيه سر

ـوراً وسامعٍ ما أقولُ

ليت شعري مَن لائمي في مقالٍ

ترتضيه خواطرٌ وعقولُ ؟!

أترك الشيء عاذري فيه كل الناس

من أجل أن لحاني عذولُ

هو سؤلي إن أسعد الله جَدّي

ومعالي الأمور للذمر سولُ(١)

____________________

١ - الذمر:الشجاع ج أذمار:والذمارة الشجاعة.

٢٢١

ألقرن الخامس

٣٧

أبو محمّد الصوري

ألمولود ح ٣٣٩

ألمتوفّى ٤١٩

ولائك خير ما تحت الضميرِ

وأنفس ما تمكّن في الصدورِ

وها أنا بتُّ أحسس منه ناراً

أمتُّ بحرِّها نار السعيرِ

أبا حسن تبيَّن غدر قوم

لعهد الله من عهد ( الغديرِ )

وقد قام النبيُّ بهم خطيباً

فدلَّ المؤمنين على الأميرِ

أشار إليه فيه بكلِّ معنى

بنوه على مخالفة المشيرِ

فكم مِن حاضر فيهم بقلبٍ

يخالفه على ذاك الحضورِ

طوى يوم ( الغدير ) لهم حقوداً

أنال بنشرها يوم ( الغدير )

فيا لك منه يوماً جرَّ قوماً

إلى يوم عبوسٍ قمطريرِ

لأمرٍ سوَّلته لهم نفوسٌ

وغرَّتهم به دار الغرورِ

ولست من الكثير فيطمئنّوا

بانَّ الله يعفو عن كثيرِ

وله في أهل البيت عليهم السَّلام:

عيونٌ منعن الرقاد العيونا

جعلن لكلِّ فُؤاد فُنونا

فكُنَّ المنى لجميع الورى

وكنَّ لمن رامهنَّ المنونا

وقلبٌ تُقلِّبه الحادثات

على ما تشاء شمالاً يمينا

يصون هواه عن العالمين

ومدمعه يستذلُّ المصونا

فمالي وكتمان داء الهوى ؟!

وقد كان ما خفته أن يكونا

وكان ابتداء الهوى بي مجو

ناً فلمّا تمكّن أمسى جُنونا

٢٢٢

وكنت أظنُّ الهوى هيِّناً

فلاقيت منه عذاباً مهينا

فلو كنت شاهد يوم الوداع

رأيت جفوناً تناجي جفونا

فهل ترك البين مَن أرتجيه

من الأوَّلين والآخرينا ؟!

سوى حبّ آل نبيِّ الهدى

فحبّهمُ أمل والآملينا

همُ عُدَّتي لوفاتي همُ

نجاتي هم الفوز للفائزينا

همُ مورد الحوض للواردين

وهم عروة الله للواثقينا

همُ عون من طلب الصالحات

فكن بمحبَّتهم مُستعينا

همُ حجَّة الله في أرضه

وإن جحد الحجَّة الجاحدونا

هم الناطقون هم الصّادقون

وأنتم بتكذيبهم كاذبونا

هم الوارثون علوم النبيِّ

فما بالكم لهمُ وارثونا ؟!

حقدتم عليهم حقوداً مضت

وأنتم بأسيافهم مسلمونا

جحدتم موالاة مولاكمُ

ويوم ( الغدير ) لها مؤمنونا

وأنتم بما قاله المصطفى

وما نصَّ من فضله عارفونا

وقلتم:رضينا بما قلته

وقالت نفوسكمُ:ما رضينا

فأيّكمُ كان أولى بها ؟!

وأثبت أمراً من الطيِّبينا ؟!

وأيّكمُ كان بعد النبيَّ وصياً ؟!

ومَن كان فيكم أمينا ؟!

وأيّكمُ نام في فرشه

وأنتم لمهجته طالبونا ؟!

ومَن شارك الطهر في طائر

وأنتم بذاك له شاهدونا ؟!

لحا الله قوماً رأوا رشدكم

مبيناً فضلّوا ضلالاً مبينا

وله في أهل البيت عليهم السلام:

ما طوَّل الليل القصيرا

ونهى الكواكب أن تغورا

إلّا وفي يده عزيما

ت يحلّ بها الاُمورا

ذو مقلةٍ لا تستقلّ

ضنىّ وإن أضنت كثيرا

ليست تفتِّر عن دمي

وترى بها أبداً فتورا

وترى بها ضعفاً يُر

ـيك المستجار المستجيرا

٢٢٣

فيما يُنازعني عذولاً

أو يُسامحني عذيرا

أترى بوادر فتنتي

فيما ترى إلّا بدورا ؟!

لو شاء لاختصر الغرام

بها من اختصر الحصورا

ولقد لبست ثياب نفسـ

ـك مالكاً أو مُستعيرا

وتمثَّل الشيطان لي

ليغرَّني رشؤاً غريرا

فخلعتها ولبست ثوب

الفتك سحّاباً جرورا

ما شئت فاقلع عنه

واستغفر تجد ربّاً غفورا

ما لم يكن من معشر

غدروا وقد شهدوا الغديرا

وتوامروا ما بينهم

أن ينصبوا فيها أميرا

من كلِّ صدرٍ موغرٍ

ملأت ضغائنه الصدورا

مترشّحٍ للملك قد

نصبت سريرته السريرا

وتوارثوها ليس تخر

ج عنهمُ شبراً قصيرا

هذا إلى أن قام قايم آ

ل أحمد مُستثيرا

وتسلّم الإسلام أقتم

مظلماً فكساه نورا

[ ألقصيدة ]

وله في أهل البيت عليهم السَّلام:

نكرت معرفتي لَمّا حكَمْ

حاكم الحبِّ عليها لي بدمْ

فبدت من ناظريها نظرةٌ

أدخلتها في دمي تحت التّهمْ

وتمكَّنت فأضنيت ضنىً

كان بي منها واسقمت سقمْ

وصبت بعد اجتناب صفوةٍ

بدَّلت من قولها:لا. بنعمْ

وفقدت الوجد فيها والأسى

فتألَّمت لفقدان الألمْ

ما لعيني وفؤادي كلّما

كتمت باحَ ؟! وإن باحت كتمْ؟!

طال بي خُلفهما فاتَّفقت

لي همومٌ في الرزايا وهممْ

ورزايا المصطفى في أهله

فاتحاتٌ للرَّزايا وختمْ

يا بني الزَّهراء ماذا إكتست

فيكم الأيّام من عتب وذمْ ؟!

_١٤_

٢٢٤

يا طوافاً طاف طوفان به

وحطيماً بقنا الخطً حطمْ

أيّ عهدٍ يُرتجى الحفظ له

بعد عهد الله فيكم والذممْ؟!

لا تسلّيت وأنوارٌ لكم

غشيتها من بني حرب ظُلمْ

ركبوا بحر ضلال سلموا

فيه والإسلام فيهم ما سلمْ

ثمَّ صارت سنَّةً جاريةً

كلُّ من أمكنه الظلم ظَلمْ

وعجيبٌ إنَّ حقّاً بكمُ

قام في الناس وفيكم لم يقمْ

والولا فهو لمن كان على

قول عبد المحسن الصوري قسمْ

وأبيكم والذي وصّى به

لأبيكم جدُّكم في يوم خُمْ

لقد احتجَّ على اُمتَّه

بالذي نالكمُ باقي الاُممْ

( ألشاعر )

أبو محمّد عبد المحسن بن محمّد بن أحمد بن غالب(١) بن غلبون الصوري من حسنات القرن الرّابع ونوابغ رجالاته، وقد مدَّ له البقاء إلى أوليات القرن الخامس، جمع شعره بين جزالة اللفظ وفخامة المعنى، كما إنَّه لا تعدوه رقَّة الغزل وشدَّة الجَدل، فهو عند الحِجاج يُدلي بحجَّته القويمة، وعند الوصف لا يأتي إلّا بصورةٍ كريمة، و ديوان شعره المحتوي على خمسة آلاف بيت تقريباً الحافل بالرَّقايق والحقايق يتكفَّل البرهنة على هذه الدَّعاوي، وهو نصُّ في تشيّعه كما عدَّه إبن شهر اشوب من شعراء أهل البيت المجاهرين، وما ذكرناه من شعره يُمثِّل روحه المذهبيَّة، ونزعته الطائفيَّة الحميدة، وتعصّبه لآل البيت النبويّ، واعترافه بحقهم الثابت، ونبذه ما وراء ذلك نبذاً لا مرتجع إليه، وفي ديوانه غير ما ذكرناه شواهد وتلويحات لطيفة نحو قوله في صبيٍّ اسمه عمر:

نادمني من وجهه روضة

مشرقة يمرح فيه النظرْ

فانظر معي تنظر إلى معجز

سيف عليٍّ بين جفني عمرْ

وقد ترجمه إبن أبي شبانة في تكملة أمل الآمل وهو لا يترجم إلّا المتمسِّك

____________________

١ - في تتميم يتيمة الدهر ج ١ ص ٣٥:طالب. وهو تصحيف.

٢٢٥

بحجزة أهل البيت الطاهر، وترجمه الثعالبي في ( يتيمة الدهر ) ج ١ ص ٢٥٧ وذكر من شعره ٢٢٥ بيتاً، وأثنى عليه وانتخب من ديوانه أبياتا في ( تتميم يتيمته ) ج ١ ص ٣٥ وعقد إبن خلكان له ترجمةً ضافيةً أطراه ووصف شعره في ج ١ ص ٣٣٤، و قال:توفّي يوم الأحد تاسع شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة وعمره ثمانون أو أكثر، وذكره إبن كثير في تاريخه ج ١٢ ص ٢٥، ومن شعره في أهل البيت صلوات الله عليهم:

توقَّ إذا ما حرمة العدل جلَّتِ

ملامي لتقضي صبوتي ما تمنَّتِ

أغرّك إن لم تستفزّك لوعة

بقلبي ولا استبكاك بينٌ بمقلتي

لك الخير هذا حين شئت تلومني

لجاجاً فإلّا لمت أيّام شرَّتي

غداة اُجيب العيس إذ هي حنَّت

وأحدو إذا ورق الحمايم غنَّتِ

وأنتهب الأيّام حتّى كأنَّني

اُدافع من بعد الحلول منيَّتي

واستصغر البلوى لمن عرف الهوى

واستكثر الشكوى وإن هي قلَّتِ

اُطيل وقوفي في الطلول كأنَّني

اُحاول منها أن تَردَّ تحيَّتي

ليالي ألقى كلّ مهضومة الحشى

إذا عدلت فيما جناه تجنَّتِ

أصدُّ فيدعوني إلى الوصل طرفها

وإن أنا سارعت الإجابة صدَّتِ

وإن قلت سقمي وكلّت سقم طرفها

بإبطال قولي أو بإدحاض حجَّتي

وإن سمعت وانار قلبي شناعة

عليها أجابتني بوانار وجنتي

وأصرف همّي عن هواها بهمَّتي

عزوفاً فتثنيني إذا ما تثنَّتِ

وأنشد بين البين والهجر مهجتي

ولم أدر في أيّ السبيلين ضلّتِ

وما أحسب الأيّام أيّام هجرها

تطاولني إلّا لتقصر مدَّتي

دعوا الاُمَّة اللّاتي استحلّت تكن

مع الاُمَّة اللّاتي بغت فاستحلّتِ

فما يقتدي إلّا بها في اغتصابها

ولا أقتدي إلّا بصبر أئمَّتي

أليس بنو الزَّهراء أدهى رزيَّةً

عليكم إذا فكّرتمُ في رزيَّتي

حُماتي إذا لانت قناتي وعدَّتي

إذا لمن تكن لي عدَّة عند شدَّتي

أقامت لحرب الله حزب أئمَّة

إذا هي ضلّت عن سبيل أضلّتِ

قلوبٌ على الدين العتيق تألَّفت

لهم ومن الحقِّ القديم استملّتِ

٢٢٦

بماذا ترى تحتجُّ يا آل أحمد

على أحمد فيكم إذا ما استعدَّتِ ؟!

وأشهر ما يروونه عنه قوله:

تركت كتاب الله فيكم وعترتي

ولكنَّ دنياهم سعت فسعوا لها

فتلك التي فلّت ضميراً عن الَّتي

وله في أهل البيت سلام الله عليهم:

أصبحوا يفرقون من افراقي

فاستغاثوا في نكستي بالفراقِ

ما صبرتم لقد بخلتم على المدنف

حقّاً حتّى بطول السياقِ

راحة ما اعتمدتموها بقتلي

ربَّ خير أتى بغير اتِّفاقِ

سوف أمضي وتلحقون ولا علم

لكم ما يكون بعد اللِّحاقِ

حيث لا يجمع القضيَّة من يجمع

بين الخصمين ماضٍ وباقِ

ما لهم لا خلقت فيهم فما أغفل

قومي عن الدم المهراق ؟!

ربَّ ظهر قلّبته مثل ما يُقلب

ظهر المجنِّ للإرشاقِ

بعد ما قادني فلم أدر حتّى

صرت ما بين ملتقى الأحداقِ

وأراني أسير عينيك منهنَّ

فماذا تراهُ في إطلاقي ؟!

مسَّةٌ من هواك بي لا من الجنِّ

فهل من مُغرمٍ أو راقِ ؟!

غير أن يبرد احتراقي بوصلٍ

أو بوعدٍ أو أن يبلَّ اشتياقي

أو يعيد الكرى عليَّ كما كان

لا موحشي من خيالك الطرَّاقِ

ما لنومي كأنَّه كان في

أوَّل دمعي جرى من الآماقِ ؟!

غير مسترجع فيرجى وهل ير

جع للعين أدمع في سباقِ ؟!

بأبي شادن توثَّقت بالإيما

ن منه قبل شدِّ وثاقي

فهو إلّا يكن لحرب فحربٌ

علّمته خيانة الميثاقِ

نفرٌ من اُميَّة نَفَر الإ

سلام من بينهم نفور إباقِ

أنفقوا في النِّفاق ما غصبوه

فاستقام النِّفاق بالإنفاقِ

وهي دار الغرور قصّر باللو

م فيها تطاول العشّاقِ

وأراها لا تستقيم لذي الزهـ

ـد إذ المال مال بالأعناقِ

فلهذا أبناء أحمد أبناء عليٍّ

طرايد الآفاقِ

٢٢٧

فقراء الحجاز بعد الغنى الأكبر

أسرى الشام قتلى العراقِ

جانبتهم جوانب الأرض حتّى

خلت أنَّ السماء ذات انطباقِ

إن اُقصّر يا آل أحمد أو أغر

ق كان التقصير كالإغراقِ

لستُ في وصفكم بهذا وهذا

لا حقاً غير أن تروا إلحاقي

إنَّ أهل السماء فيكم وأهل الأ

رض ما دامتا لأهل افتراقِ

عرفت فضلكم ملائكة الله

فدانت وقومكم في شقاقِ

يستحقّون حقَّكم زعموا ذلك

- سحقاً - لهم من استحقاقِ

وأرى بعضهم يبايع بعضاً

بانتظام من ظلمكم واتَساقِ

واستثاروا السيوف فيكم فقمنا

نستثير الأقلام في الأوراقِ

أيّ عين ؟ لولا القيامة والمر

جوّ فيها من قدرة الخلّاقِ

فكأنّي بهم يودّون لو أنَّ الخـ

ـوالي من الليالي البواقي

ليتوبوا إذا يُذادون عن أكر

م حوض عليه أكرم ساقِ

وإذا ما القوا تقاسمت النار

عليّاً بالعدل يوم التَّلاقِ

قيل:هذا بما كفرتم فذوقوا

ما كسبتم يا بؤس ذاك المذاقِ

وقال في يوم عاشورا يمدح الإمام الحاكم بأمر الله:

خلا طرفه بالسقم دوني يلازمه

إلى أن رمى سهماً فصرت اُساهمه

فأصبح بي ما لست أدري أمثله

بجفنيه ؟! أم لا يعدل السقم قاسمه ؟!

لئن كان أخفى الصدر صدا من الجوى

ففي العين عنواناته وتراجمه

ولم تخفه إنَّ الهوى خفَّ حمله

ولكن لأنَّ النوم ليس يلايمه

ويا رُبَّ ليل قصّر الذكر طوله

فما طلعت حتّى تجلّت غمائمه

وما نمت فيه غير أن لو سألتني

عن الشغل عنه قلت ما قال نائمه

ولكنَّه ألقى على الصبح لونه

فوالاه يوم شاحب الوجه ساهمه

كما جاء يوم في المحرَّم واحدٌ

خبا نورهَ لمّا استحلّت محارمه

طغت عبد شمس فاستقلَّ محلّقاً

إلى الشمس من طغيانها مُتراكمه

فمن مبلغٌ عنّي اُميَّة إنّني

هتفت بما قد كنت عنها اُكاتمه ؟!

٢٢٨

مضت أعصرٌ معوجَّةُ باعوجاجكم

فلا تنكروا إن قوَّم الدَّهر قايمه

وجدَّد عهد المصطفى بعض أهله

وحكّم في الدين الحنيفيِّ حاكمه

فيا أيّها الباكون مصرع جدِّه

دعوا جدَّه تبكي عليه صوارمه

ألا أيّها الثكلى التي من دموعها

إذا هي حيَّت من قتيل جماجمه

لقد خسر الدارين من صدِّ وجهه

فلا أنت مُبقيه ولا الله راحمه

حريصاً على نار الجحيم كأنَّه

يخاف على أبوابها من يُزاحمه

إلى من تراه فوَّض الأمر غيركم

إذا أنتمُ أركانه ودعائمه

فيا لك منها دولة علويَّة

تبدَّت بسعد حاكم الدَّهر خاتمه

[ ألقصيدة ]

وله قوله:

بالّذي ألهم تعذيبي ثناياك العذابا

والذي ألبس خدَّيك من الورد نقابا

والّذي أودع في فيك من الشهد شرابا

والذي صيِّر حظّي منك هجراً واجتنابا

ما الّذي قالته عيناك لقلبي فأجابا ؟!

والذي قالته للدمع فواراها انصبابا ؟

يا غزالاً صاد باللّحظ لقلبي فأصابا

عمرك الله بصبٍّ لا يُرى إلّا مصابا

هذه الأبيات توجد في ديوان المترجَم فنسبتها إلى ( الصنوبري ) كما في كشكول البهائي ج ١ ص ٢٣ في غير محلّه، وأخذ البهائي منها قوله:

يا بدر دجاً فراقه القلب أذابْ

مذ ودَّعني فغاب صبري إذ غابْ

بالله عليك أيّ شيء قالت

عيناك لقلبي المعنَّا فأجابْ ؟!

وللمترجم الصوري:

سفرنَ بدوراً وانتقبنَ أهلّة

ومسن غصوناً والتفتن جواذرا

وأبدين أطراف الشعور تستّرا

فأغدرت الدنيا علينا غدايرا

وربّتما أطلعن والليلُ مقبلٌ

شموس وجوهٍ توفف الليل حايرا

فهنَّ إذا ما شئن أمسين أو إذا

تعرَّضن أن يسبحن كنَّ قوادرا

وقال يرثي شيخ الاُمَّة إبن المعلّم أبا عبد الله محمَّد بن محمَّد بن نعمان المفيد المتوفّى ٤١٣:

٢٢٩

تبارك مَن عمَّ الأنام بفضله

وبالموت بين الخلق ساوى بعدله

مضى مستقلّاً بالعلوم محمّد

وهيهات يأتينا الزَّمان بمثله

جاء في ( بدائع البداية )(١) باسناده عن بكّار بن علي الرياحي انَّه قال:لمَّا وصل عبد المحسن الصوري إلى دمشق جاءني المجدي الشاعر فعرَّفني به وقال:هل لك أن نمضي إليه ونسلّم عليه ؟ فأجبت وقمت معه حتّى أتينا إلى منزله وكان ينزل دائماً إذا قدم في سوق القمح وكان بين يديه دكّان قطّان وفيها رجلٌ أعمى فوقفت به عجوزٌ كبيرةٌ فكلّمها بشيءٍ وهي منصتة له فقال المجدي في الحال:

مُنصتةٌ تسمع ما يقولُ

فقال عبد المحسن في الحال(٢) :

كالخلد لمّا قابلته الغولُ

فقال له المجدي:أحسنت والله يا أبا محمَّد أتيت بتشبيهين في نصف بيت اُعيذك بالله. ا ه‍. ومن لطيف قول الصّوري ما قاله وقد اُستعير منه كتابٌ وحبس عليه كما يوجد في ديوانه:

ماذا جناه كتابي فاستحقَّ به

سجناً طويلاً وتغييباً عن الناسِ

فاطلقه نسأله عمّا كان حلَّ به

في طول سجنك من ضرٍّ ومن باسِ

كتب الشاعر المفلق أحمد بن سلمان الفجري إلى عبد المحسن الصّوري:

أعبد المحسن الصوريِّ لِم قد

جثمت جثوم منهاضٍ كسيرِ؟!

فإن قلتَ:العبالة(٣) أقعدتني

على مضض وعافت عن مسيري

فهذا البحر يحمل هضب رضوي

ويستثني بركن من ثبيرِ

وإن حاولت سير البرّ يوماً

فلست بمثقل ظهر البعيرِ

إذا استحلى أخوك قلاك يوماً

فمثل أخيك موجود النظيرِ

تحرَّك علّ أن تلقى كريماً

تزول بقربه إحن الصدورِ

فما كلُّ البرية مَن تراهُ

ولا كلُّ البلادِ بلاد صورِ

____________________

١ - وذكره ابن عساكر في تاريخه ج ٣ ص ٢٨١.

٢ - في تاريخ ابن عساكر:كالحلد. وهو كما ترى.

٣ - العبالة:الضخامة.

٢٣٠

فأجابه عبد المحسن:

جزاك الله عن ذا النصح خيراً

ولكن جاء في الزَّمن الأخيرِ

وقد حدَّتْ لي السبعون حدّاً

نهى عمّا أمرتَ من المسيرِ

ومذ صارت نفوس الناس حولي

قصاراً عذتُ بالأمل القصيرِ(١)

وقال في صبيٍّ اسمه مقاتل وله فيه شعرٌ كثيرٌ:

تعلّمت وجنته رقيةً

لعقرب الصَّدع فما تلسعُ

صمَّتْ عن العاذل في حبِّه

اُذني فمالي مسمعٌ يسمعُ

ودَّعته والدَّمع في مقلتي

في عبرتي مستعجلٌ مسرعُ

فظنَّ إذ أبصرتها أنَّها

ساير أعضائي بها تدمعُ

وقال:هذا قبل يوم النَّوى

فما ترى بعد النَّوى تصنعُ؟!

في غير وقت الدمع ضيَّعته

قلت:فقلبي عندكم أضيعُ

وقال في مقاتل ايضاً:

احفظ فؤادي فأنت تملكهُ

واستر ضميري فأنت تهتكهُ

هجرك سهلٌ عليك أصعبه

وهو شديدٌ عليَّ مسلكهُ

بسيف عينيك يا مقاتل كم

قتلت قبليَ ممَّن كنت تملكهُ؟!

أمّا عزائي فلست آمله

فيك وصبري ما لستُ أدركهُ

وقال فيه وهو معذر:

وقف اليل والنهار وقد كا

ن إذا ما أتى النهار يقرُّ

لا يرى رجعه فيكسب عاراً

لا ولا ثمَّ قوَّة فيفرَّ

أين سلطان مقلتيك علينا ؟!

قل له ما يجوز في الحبّ سمرُ

أنت فرَّقت نار خدَّيك حتّى

كلّ قلب صبٍّ لها فيه جمرُ

فبماذا يلقى عذاريك ؟ قل لي

سيما أن تدارك الشعر شعرُ

وعزيزٌ عليَّ إنَّك بالحرب

وَبالسِّلم طول عمرك غرُّ

وخلف المترجم علي أدبه الجمّ وقريضه البديع ولده عبد المنعم ذكره الثعالبي

____________________

١ - راجع ديوانه، وذكرها الثعالبي في يتيمة الدهر ١ ص ٢٦٩.

٢٣١

ألقرن الخامس

٣٨

مهيار الديلمي

ألمتوفّى ٤٢٨

١

هل بعد مفترق الأظعان مجتمعُ ؟!

أم هل زمانٌ بهم قد فات يُرتجعُ؟!

تحمّلوا تسع البيداء ركبهمُ

ويحمل القلب فيهم فوق ما يسعُ

مغرِّبين همُ والشمس قد ألفوا

ألا تغيب مغيباً حيثما طلعوا؟!

شاكين لِلبين أجفاناً وأفئدةً

مفجَّعين به أمثال ما فجعوا

تخطو بهم فاتراتٌ في أزمَّتها

أعناقها تحت إكراه النَّوى خُضعُ

تشتاق نعمان لا ترضى بروضته

داراً ولو طاب مصطافٌ ومرتبعُ

فداء وافين تمشي الوافياتُ بهم

دمعٌ دمٌ وحشاً في إثرهم قطعُ

ألليل بعدهمُ كالفجر متَّصلٌ

ما شاء والنوم مثل الوصل منقطعُ

ليت الذين أصاخوا يوم صاح بهم

داعي النوى:ثوِّروا صمّوا كما سمعوا

أوليت ما أخذ التوديع من جسدي

قضى عليَّ فللتعذيب ما يدعُ

وعاذل لجَّ أعصيه ويأمرني

فيهم وأهرب منه وهو يتَّبعُ

يقول:نفسَك فاحفظها فإنَّ لها

حقّاً وإنَّ علاقات الهوى خدعُ

روَّح حشاك ببرد اليأس تسلُ به

ما قيل في الحبِّ إلا أنَّه طمعُ

والدهر لونان والدنيا مقلّبة

ألآن يعلم قلبٌ كيف يرتدعُ

هذي قضايا رسول الله مهملةٌ

غدراً وشمل رسول الله مُنصدعُ

والناس للعهد ما لاقوا وما قربوا

وللخيانة ما غابوا وما شَسَعوا

وآله وهمُ آل الإ~له وهم

رُعاة ذا الدين ضيموا بعده ورُعوا

٢٣٢

ميثاقه فيهمُ ملقىّ واُمَّته

مع مَن بغاهم وعاداهم له شِيَع

تضاع بيعته يوم ( الغدير ) لهم

بعد الرِّضا وتُحاط الروم والبيعُ

مقسَّمين بإيمان همُ جذبوا

بيوعها وبأسياف همُ طبعوا

ما بين ناشر حبلٍ أمس أبرمه

تُعدُّ مسنونةً من بعده البدَعُ

وبين مُقتنص بالمكر يخدعه

عن آجل عاجلٌ حلوٌ فينخدعُ

وقائل لي:عليٌّ كان وارثه

بالنصَّ منه فهل أعطوه ؟! أم منعوا؟!

فقلت:كانت هناتٌ لستُ أذكرها

يجزي بها اللهُ أقواماً بما صنعوا

أبلغ رجالاً إذا سمَّيتهم عُرفوا

لهم وجوهٌ من الشحناء تُمتقعُ

توافقوا وقناةُ الدين مائلة

فحين قامت تلاحوا فيه واقترعوا

أطاع أوَّلهم في الغدر ثانيهم

وجاء ثالثهم يقفو ويتَّبعُ

قفوا على نظر في الحقِّ نفرضه

والعقلُ يفصلُ والمحجوجُ ينقطعُ

بأيّ حكمٍ بنوه يتبعونكمُ

وفخركم أنَّكم صحبٌ له تَبَعُ؟!

وكيف ضاقت على الأهلين تربته

وللأجانب من جنبيه مضطجعُ ؟!

وفيم صيَّرتم الإجماع حجَّتكم

والناس ما اتَّفقوا طوعاً ولا اجتمعوا؟!

أمرٌ ( عليٌّ ) بعيدٌ من مشورته

مستكرَهٌ فيه و ( العبّاس ) يمَتنعُ

وتدَّعيه قريشٌ بالقرابة والـ

ـأنصار لا رُفعٌ فيه ولا وُضعُ

فأيّ خُلف كخلف كان بينكمُ

لولا تُلفَّق أخبارٌ وتصطنعُ ؟!

واسألهمُ يوم ( خُمّ ) بعد ما عقدوا

له الولايةِ لمْ خانوا ولمْ خلعوا ! ؟

قولٌ صحيحٌ ونيّاتٌ بها نَغَلٌ

لا ينفع السيف صَقلٌ تحته طبعُ(١)

إنكارهم يا أمير المؤمنين لها

بعد اعترافهمُ عارٌ به ادَّرعوا

ونكثهم بك ميلاً عن وصيَّتهم

شرعٌ لعمرك ثان بعده شرعوا

تركتَ أمراً ولو طالبته لدرت

معاطسٌ راغمته كيف تُجتدعُ

صبرت تحفظ أمر الله ما اطَّرحوا

ذبّاً عن الدين فاستيقظت إذ هجعوا

ليشرقنَّ بحلو اليومُ مرّ غدٍ

إذا حصدت لهم في الحشر ما زرعوا

____________________

١ - النغل:الضغن وسوء النية. الطبع:الصدأ.

٢٣٣

جاهدت فيك بقولي يوم تختصم الـ

ـأبطال إذ فات سيفي يوم تمتصع(١)

إنَّ اللسان لوصّالٌ إلى طُرقٍ

في القلب لا تهتديها الذُبَّل الشرعُ

آباي في فارسٍ والدين دينكمُ

حّقاً لقد طاب لي اُسٌّ ومرتبعُ

ما زلت مذ يفعتْ سنّي ألوذ بكم

- حتّى محا حقَّكم شكّي - وأنتجعُ

وقد مضتْ فُرُطات إن كفلتُ بكم

فرَّقت عن صُحفي البأس الذي جمعوا

( سلمان ) فيها شفيعي وهو منك إذا الـ

ـآباء عندك في أبنائهم شفعوا

فكن بها منقذاً من هول مُطَّلعي

غداً وأنت من الأعراف مطلَّعُ

سوَّلتُ نفسي غروراً إن ضمنتُ لها

أنّى بذخرٍ سوى حبِّيك أنتفعُ

( ما يتبع الشعر )

قال الاُستاذ أحمد نسيم المصري في التعليق على قول مهيار:

تضاع بيعته يوم ( الغدير ) لهم

بعد الرِّضا وتحاط الروم والبيع

:ألغدير:هو غدير خمّ بين مكّة والمدينة، قيل:إنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم خطب الناس عنده فقال:مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه(٢) .

قال الأميني:ليت شعري هل خفي على الاُستاذ تواتر ذلك الحديث المرويّ عن مائة صحابيّ أو أكثر ؟! أم حبَّذته نزعاته الطائفيَّة أن يسدل عليه أغشية الزور والدجل ؟ ويموِّهه على القاري، ويستر الحقيقة الراهنة بذيل أمانته ؟! ويوعز إلى ضعفه بكلمته:قيل ؟! قل هو نبأٌ عظيمٌ أنتم عنه مُعرضون، والَّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.

٢

وله ديوانه في ج ٣ ص ١٥ يرثي بها أهل البيت عليهم السَّلام ويذكر البركة بولائهم فيما صار إليه:

في الظباء الغادين أمسِ غزالُ

قال عنه ما لا يقول الخيالُ

طارقٌ يزعم الفراقَ عتابا

ويرينا أنَّ الملال دلالُ

____________________

١ - تمتصع:تقاتل بالسيف.

٢ - ديوان مهيار ج ٢ ص ١٨٢.

٢٣٤

لم يزل يخدع البصيرة حتّى

سرّنا ما يقول وهو محالُ

لا عدمتُ الأعلام كم نوَّلتني

من منيع صعبٍ عليه النَّوالُ

لم تنغِّص وعداً بمطلٍ، ولم يو

جب له منَّةً عليَّ الوصالُ

فلليلي الطويل شكري، ودين الـ

ـعشق أن تُكرَه الليالي الطوالُ

لمن الظعن غاصبتنا جَمالا ؟!

حبَّذا ما مشت به الاجمالُ !

كاتفاتٍ بيضاءَ دلَّ عليها

أنَّها الشمس أنَّها لا تُنالُ

جمحَ الشوق بالخليع فأهلاً

بحليمٍ له السلوُّ عِقالُ

كنتُ منه أيّام مرتعُ لذّا

تي خصيبٌ وماءُ عيشي زلالُ

حيث ضِلعي مع الشباب وسمعي

غرضٌ لا تصيبه العُذّالُ

يا نديميّ كنتما فافترقنا

فاسلواني، لكلِّ شئٍ زوالُ

ليَ في الشيب صارفٌ ومن الحز

ن على آل أحمدٍ إشغالُ

معشر الرُّشد والهدى حَكم البغـ

ـيُ عليهم سفاهةً والضَّلالُ

ودعاة الله استجابت رجالٌ

لهمُ ثمّ بُدِّلوا فاستحالوا

حملوها يوم ( السَّقيفة ) أوزا

راً تخفُّ الجبال وهي ثِقالُ

ثمَّ جاءوا من بعدها يستقيلو

نَ وهيهات عثرةٌ لا تُقالُ

يا لها سوءةً إذا أحمد قا

م غداً بينهم فقال وقالوا !

ربعُ همّي عليهمُ طللٌ با

قٍ وتَبلى الهمومُ والأطلالُ

يا لَقوم إذ يقتلون عليّاً

وهو للمحل(١) فيهمُ قتّالُ

ويُسرّون بغضه وهو لا تُقـ

ـبُل إلّا بحبِّه الأعمالُ

وتحال الأخبار والله يدري

كيف كانت يوم ( الغدير ) الحالُ(٢)

ولسبطين تابعيه فمسمو

مٌ عليه ثرى البقيع يُهالُ

درسوا قبره ليخفى عن الزوّ

ار هيهات ! كيف يخفى الهلالُ ؟!

وشهيدٍ بالطفِّ أبكَى السَّماوا

ـتِ وكادت له تزول الجبالُ

____________________

١ - المحل:الجدب.

٢ - كذا في ديوانه المخطوط وفي المطبوع:تحال.

٢٣٥

يا غليلي له وقد حُرِّم الماء

عليه وهو الشَّراب الحلالُ

قُطعت وصلةُ النبيِّ بأن تُقـ

ـطع من آل بيته الأوصالُ

لم تنجِّ الكهول سنُّ ولا الشَّـ

بان زهدٌ ولا نجا الأطفالُ

لهفَ نفسي يا آل طه عليكم

لهفةً كسبها جوّى وخبالُ

وقليلٌ لكم ضلوعِيَ تهتـ

زُّ مع الوجد أو دموعي تُذالُ

كان هذا كذا وودّي لكم حسـ

ب وما لي في الدين بعدُ اتِّصالُ

وطروسي سودٌ فكيف بيَ الآ

نَ ومنكم بياضها والصِّقالُ

حبّكم كان فكّ أسري من الشِّر

كَ وفي منكبي له أغلالُ

كم تزمِّلتُ بالمذلَّة حتّى

قمتُ في ثوب عزِّكم أختالُ

بركاتٌ لكم محت من فؤادي

ما أملَّ الضَّلال عَمٌّ وخالُ

ولقد كنتُ عالماً أنَّ إقبا

لي بمدحي عليكمُ إقبالُ

٣

وله من قصيدة يرثي بها أهل البيت عليهم السَّلام وهي ٦٣ بيتاً توجد في ديوانه ج ٤ ص ١٩٨ مطلعها:

لو كنتُ دانيتُ المودَّة قاصياً

ردَّ الحبائبُ يوم بِنّ فؤاديا

إلى أن قال:

وبحيِّ آل محمَّد إطراؤه

مدحاً وميِّتهم رضاه مراثيا

هذا لهم والقوم لا قومي همُ

جنساً وعُقر ديارهم لا داريا

إلَّا المحبَّة فالكريم بطبعه

يجد الكرامَ الأبعدين أدانيا

يا طالبييَّن اشتفّى من دائه الـ

ـمجد الذي عدم الدواء الشافيا

بالضاربين قبابَهم عَرض الفلا

عقل الركائب ذاهباً أو جائيا

شرعوا المحجَّة للرشاد وأرخصوا

ما كان من ثمن البصائر غالبا

وأما وسيِّدهم عليٍّ قولةٌ

تشجي العدوِّ وتُبهج المتواليا

لقد ابتنى شرفاً لهم لو رامه

زُحلٌ بباعٍ كان عنه عالياً

٢٣٦

وأفادهم رقّ الأنام بوقفةٍ

في الرَّوع بات بها عليهم واليا

ما استدرك الانكار منهم ساخطٌ

إلّا وكان بها هنالك راضيا

أضحوا أصادقه فلمّا سادهم

حسدوا فأمسوا نادمين أعاديا

فارحم عدوَّك ما أفادك ظاهراً

نصحاً وعالجَ فيك خلّاً خافياً

وهبِ ( الغدير ) أبوا عليه قوله

بغياً* فقل:عدّوا سواه مساعياً

بدراً واُحداً اُختها من بعدها

وحنين وقّاراً بهنَّ فصاليا(١)

والصخرة الصمّاء أخفى تحتها

ماءاً وغير يديه لم يك ساقيا

وتدبّروا خبرَ اليهود بخيبرٍ

وارضوا بمرحب وهو خصم قاضيا

هل كان ذاك الحصن يرهب هادماً ؟!

أو كان ذاك الباب يفرق داحيا؟!

وتفكّروا في أمر عمرٍو(٢) أوَّلا

وتفكّروا في أمر عمرٍو(٣) ثانيا

أسدان كانا من فرائس سيفه

ولقلّما هابا سواه مدانيا

ورجال ضبَّة عاقدي حُجُزاتهم

يوم البُصيرة من مَعين(٤) تفانيا

ضغموا(٥) بناب واحدٍ ولطالما از

دردوا أراقم قبلها وأفاعيا

ولَخطبُ صفِّين أجلُّ وعندك الـ

ـخبر اليقين إذا سألتَ مُعاويا

( ما يتبع الشعر )

قال الاستاذ أحمد نسيم المصري في شرح قوله:

وهبِ الغدير أبوا عليه قبوله

نهياً فقل:عُدّوا سواه مساعيا

: ألنهي:ألغدير أو شبهه. وللامام عليٍّ وقعةٌ تُسمّى بوقعة ( غدير خمّ ) و

____________________

* كذا في ديوانه المخطوط وفي المطبوع منه:نهيا.

١ - وقاراً:شاداً بلجام الدابة لتسكن. يشير الى ان امير المؤمنين كان آخذاً بلجام بغلة رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌و آله‌ خوفا من اجفالها.

٢ - يعني عمرو بن ود الذي قتله امير المؤمنين يوم الخندق.

٣ - يعني عمرو بن العاص المترجم في كتابنا ج ٢ ص ١٢٠ - ١٧٦.

٤ - معين اسم مدينة باليمن أو هو حصن بها.

٥ - ضغم الشى:عضه بملاء فمه. يقال:ضغمه ضغمة الاسد.

٢٣٧

الشاعر يُشير إليها. قال الأميني:ليت الاُستاذ بعد شرحه [ النهي ] وجعله بدلاً عن [ البغي ] الموجود في مخطوط ديوانه يُعرب عن معناه الحالي أو المفعولي، ويَعرف أنَّ مثله لا يصلح من مثل مهيار المتضلّع الفحل، وكأنَّه يرى رأي شاكلته إبراهيم ملحم أسود في قوله:يوم الغدير واقعة حرب معروفة(١) فليته دلَّنا على تلك الوقعة المسمّاة بوقعة (الغدير ) وذكر شطراً من تاريخها، يُريدون أن يبدِّلوا كلام الله، و ارتابت قلوبهم في ريبهم يتردَّدون.

( الشاعر )

أبو الحسن(٢) مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي نزيل درب رياح بالكرخ هو أرفع راية للأدب العربيِّ منشورة بين المشرق والمغرب، وأنفس كنز من كنوز الفضيلة، وفي الرَّعيل الأوَّل من ناشري لغة الضّاد، وموطِّدي اُسسها، و رافعي علاليها، ويده الواجبة على اللغة الكريمة ومن يمتّ بها وينتمي إليها لا تزال مذكورةً مشكورةً يشكرها الشعر والأدب، تشكرها الفضيلة والحسب، تشكرها العروبة والعرب، و أكبر برهنةٍ على هذه كلّها ديوانه الضخم الفخم في أجزائه الأربعة الطافح بأفانين الشعر وفنونه وضروب التصوير وأنواعه، فهو يكاد في قريضه يلمسك حقيقة راهنة ممّا يُنضِّده، ويذر المعنى المنظوم كأنَّه تجاه حاسَّتك الباصرة، ولا يأتي إلّا بكلِّ اسلوب رصينٍ، أو رأيٍ صحيفٍ، أو وصفٍ بديعٍ، أو قصدٍ مبتكرٍ، فكان مقدَّماً على أهل عصره مع كثرة فحولة الأدب فيه، وكان يحضر جامع المنصور في أيّام الجمعات ويقرأ على الناس ديوان شعره(٣) ولم أرَ الباخرزي قد بالغ في الثناء عليه بقوله في ( دمية القصر ) ص ٧٦:هو شاعرٌ له في مناسك الفضل مشاعر، وكاتبٌ تحت كلِّ كلمة من كلماته كاعب، وما في قصائده بيت يتحكّم عليه بلوّ وليت، وهي مصبوبةٌ في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر الدهر المذنب عن الذنوب.

أمّا شعره في المذهب فبرهنةٌ وحِجاجٌ فلا تجد فيه إلّا حجَّةً دامغةً، أو ثناءً

____________________

١ - قد أسلفنا الكلام فيه في الجزء الثاني ص ٣٣١.

٢ - وفي بعض المصادر القديمة:أبو الحسين.

٣ - تاريخ الخطيب البغدادي ١٣ ص ٢٧٦.

٢٣٨

صادقاً، أو تظلّماً مفجعاً، ولعلَّ هذه هي التي حدت أصحاب الإحن إلى إخفاء فضله الظاهر والتنويه بحياته الثمينة كما يحقّ له، فبخست حقَّه المعاجم، فلم تأت عند ذكره إلّا بطفائف هي دون بعض ما يجب له، غير أنَّ حقيقة فضله أبرزت نفسها، ونشرت ذكره مع مهبِّ الصَّبا، فأين ما حللت لا تجد للمهيار إلّا ذكراً وشكراً وتعظيماً و تبجيلاً، وعلى ضوء أدبه وكماله يسير السائرون.

ولعمر الحقِّ انّ من المعاجز أنّ فارسيْاً في العنصر يحاول قرض الشعر العربيِّ فيفوق أقرانه ولا يتأتىّ لهم قرانه، ويقتدى به عند الورد والصدَر، ولا بِدع أن يكون من تخرَّج على أئمَّة العربيَّة من بيت النبوَّة وعاصرهم وآثر ولائهم واقتصَّ أثرهم كالعَلمين الشريفين:المرتضى والرضي وشيخهما شيخ الاُمَّة جمعاء [ المفيد ] و نظرائهم أن يكون هكذا، ألا تاهت الظنون، وأكدت المخائل في الحط من كرامة الرَّجل بتقصير ترجمته، أو التقصير في الإبانة عنه، أو التحامل عليه بمخرقة، و الوقيعة فيه برميه بما يدنِّس ذيل أمانته كما فعل إبن الجوزي في ( المنتظم ) فجدع أرنبته باختلاق قضيَّةٍ مكذوبةٍ عليه، ورماه بالغلوّ، وحاشاه عن كلِّ ذلك، إن يقولون إلّا كذِبا.

فهذا مهيار بأدبه الباذخ، وفضله الشامخ، وعرفه الفائح، ونوره الواضح، و مذهبه العلويِّ، وقريضه الخسروانيِّ، قد طبق العالم ثناءً وإطراء ومكرمةً وجلالةً، وما يضرُّه أمسه إن كان مجوسيّاً فارسيّاً فيه، وها هو في يومه مسلمٌ في دينه، علويُّ في مذهبه، عربيُّ في أدبه، وها هو يحدِّث شعره عن ملكاته الفاضلة، ويتضمَّن ديوانه آثار نفسيّاته الكريمة، وخلّد له ذكرى مع الأبد، فهل أبقى [ أبو الحسن مهيار ] ذروةً من الشرف لم يتسنَّمها ؟! أو صهوةً من النبوغ لم يمتطها ؟! ولو كان يؤاخَذِ بشيء من ماضيه لكان من الواجب مؤاخذة الصحابة الأوَّلين كلّهم على ماضيهم التعيس غير أنَّ الإسلام يجبُّ ما قبله، فتراه يتبهَّج بسودد عائلته المالكة التي هي أشرف عائلات فارس، ويفتخر بشرف إسلامه وحسن أدبه بقوله:

أعجبتْ بي بين نادي قومها

أمُّ سعدٍ فمضت تسأل بي

سرّها ما علمت من خلقي

فأرادت علمها ما حسبي

٢٣٩

لا تخالي نسباً يخفضني

أنا من يُرضيك عند النسبِ

قومي استولوا على الدَّهر فتى

ومشوا فوق الرؤوس الحقبِ

عمَّموا بالشمس هاماتهمُ

وبنوا أبياتهم بالشهبِ

وأبي كسرى(١) على أيوانه

أين في الناس أبٌ مثل أبي ؟!

سورة الملك القدامى وعلى

شرف الإسلام لي والأدبِ

قد قبستُ المجد من خير أبٍ

وقبستُ الدين من خير نبي

وضممت الفخر من أطرافه

سودد الفرس ودين العربِ

أسلم المترجم على يد سيِّدنا الشريف الرَّضي سنة ٣٩٤(٢) وتخرّج عليه في الأدب والشعر وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادى الثانية سنة ٤٢٨، ولم أقف على خلاف في تارخ وفاته في الكتب المعاجم التي توجد فيها ترجمته منها:تاريخ بغداد ١٣ ص ٢٧٦، ألمنتظم ج ٨ ص ٩٤، تاريخ إبن خلكان ٢ ص ٢٧٧، مرآة اليافعي ٣ ص ٤٧، دمية القصر ص ٧٦، تاريخ إبن كثير ١٢ ص ٤١، كامل إبن الأثير ٩ ص ١٥٩، تاريخ أبي الفدا ٢ ص ١٦٨، أمل الآمل لشيخنا الحرّ، روض المناظر لابن شحنة، أعلام الزركلي ٣ ص ١٠٧٩، شذرات الذهب ٣ ص ٢٤٧، تاريخ آداب اللغة ٢ ص ٢٥٩، نسمة السحر فيمن تشيِّع وشَعر، دائرة المعارف لفريد وجدي ٩ ص ٤٨٤، سفينة البحار ٢ ص ٥٦٣ مجلّة المرشد ٢ ص ٨٥.

ومن نماذج شعر مهيار في المذهب قوله يمدح أهل البيت عليهم السَّلام:

بكى النار ستراً على الموقد

وغار يغالط في المنجدِ

أحبَّ وصان فوَرىّ هوّى

أضلَّ وخاف فلم ينشدِ ؟!

بعيد الإصاخة عن عاذلٍ

غنيُّ التفرّد عن مُسعدِ

حمولٌ على القلب وهو الضعيف

صبورٌ على الماء وهو الصَّدي

وقورٌ وما الخُرق من حازمٍ

متى ما يَرحُ شيبه يغتدي

____________________

١ - ولد في ايام ملكه نبي العظمة صلى ‌الله‌ عليه ‌و آله‌ ويعزى اليه ( ع ):ولدت في زمن الملك العادل.

٢ - كامل ابن الاثير ٩ ص ١٧٠، المنتظم لإبن الجوزي ٨ ص ٩٤.

_١٥_

٢٤٠