الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب9%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199707 / تحميل: 8563
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

يا غريب الديار صبري غريبُ

وقتيل الأعداء نومي قتيلُ

بي نزاعٌ يطغى إليك وشوقٌ

وغرامٌ وزفرةٌ وعويلُ

ليت انّي ضجيع قبرك أو

أن ثراه بمدمعي مطلولُ

لا أغبّ الطفوف في كلِّ يومٍ

من طراق الأنواء غيثٌ هطولُ

مطرٌ ناعمٌ وريحٌ شمال

ونسيمٌ غضُّ وظلُّ ظليلُ

يا بني أحمد إلى كم سناني

غائبٌ عن طعانه ممطولُ ؟!

وجيادي مربوطةٌ والمطايا ؟!

ومقامي يروع عنه الدخيلُ ؟!

كم إلى كم تعلو الطغاة ؟!

وكم يحكم في كلِّ فاضل مفضولُ ؟!

قد أذاع الغليل قلبي ولكن

غير بِدعٍ إن استطبَّ العليلُ

ليت إنّي أبقى فأمترق النّاس

وفي الكفِّ صارمٌ مسلولُ

وأجرُّ القنا لثارات يوم الطـ

فِّ يستلحق الرَّعيل الرَّعيلُ

صبغ القلب حبّكم صبغة الشيب

وشيبي لولا الرَّدى لا يحولُ

أنا مولاكُم وإن كنت منكم

والدي ( حيدر ) واُمي ( البتولُ )

وإذا الناس أدركوا غاية الفخر

شآهم مَن قال جدّي الرَّسولُ

يفرح الناس بي لأنّي فضل

والأنام الذي أراه فضولُ

فهمُ بين مُنشد ما اُقفّيه سر

ـوراً وسامعٍ ما أقولُ

ليت شعري مَن لائمي في مقالٍ

ترتضيه خواطرٌ وعقولُ ؟!

أترك الشيء عاذري فيه كل الناس

من أجل أن لحاني عذولُ

هو سؤلي إن أسعد الله جَدّي

ومعالي الأمور للذمر سولُ(١)

____________________

١ - الذمر:الشجاع ج أذمار:والذمارة الشجاعة.

٢٢١

ألقرن الخامس

٣٧

أبو محمّد الصوري

ألمولود ح ٣٣٩

ألمتوفّى ٤١٩

ولائك خير ما تحت الضميرِ

وأنفس ما تمكّن في الصدورِ

وها أنا بتُّ أحسس منه ناراً

أمتُّ بحرِّها نار السعيرِ

أبا حسن تبيَّن غدر قوم

لعهد الله من عهد ( الغديرِ )

وقد قام النبيُّ بهم خطيباً

فدلَّ المؤمنين على الأميرِ

أشار إليه فيه بكلِّ معنى

بنوه على مخالفة المشيرِ

فكم مِن حاضر فيهم بقلبٍ

يخالفه على ذاك الحضورِ

طوى يوم ( الغدير ) لهم حقوداً

أنال بنشرها يوم ( الغدير )

فيا لك منه يوماً جرَّ قوماً

إلى يوم عبوسٍ قمطريرِ

لأمرٍ سوَّلته لهم نفوسٌ

وغرَّتهم به دار الغرورِ

ولست من الكثير فيطمئنّوا

بانَّ الله يعفو عن كثيرِ

وله في أهل البيت عليهم السَّلام:

عيونٌ منعن الرقاد العيونا

جعلن لكلِّ فُؤاد فُنونا

فكُنَّ المنى لجميع الورى

وكنَّ لمن رامهنَّ المنونا

وقلبٌ تُقلِّبه الحادثات

على ما تشاء شمالاً يمينا

يصون هواه عن العالمين

ومدمعه يستذلُّ المصونا

فمالي وكتمان داء الهوى ؟!

وقد كان ما خفته أن يكونا

وكان ابتداء الهوى بي مجو

ناً فلمّا تمكّن أمسى جُنونا

٢٢٢

وكنت أظنُّ الهوى هيِّناً

فلاقيت منه عذاباً مهينا

فلو كنت شاهد يوم الوداع

رأيت جفوناً تناجي جفونا

فهل ترك البين مَن أرتجيه

من الأوَّلين والآخرينا ؟!

سوى حبّ آل نبيِّ الهدى

فحبّهمُ أمل والآملينا

همُ عُدَّتي لوفاتي همُ

نجاتي هم الفوز للفائزينا

همُ مورد الحوض للواردين

وهم عروة الله للواثقينا

همُ عون من طلب الصالحات

فكن بمحبَّتهم مُستعينا

همُ حجَّة الله في أرضه

وإن جحد الحجَّة الجاحدونا

هم الناطقون هم الصّادقون

وأنتم بتكذيبهم كاذبونا

هم الوارثون علوم النبيِّ

فما بالكم لهمُ وارثونا ؟!

حقدتم عليهم حقوداً مضت

وأنتم بأسيافهم مسلمونا

جحدتم موالاة مولاكمُ

ويوم ( الغدير ) لها مؤمنونا

وأنتم بما قاله المصطفى

وما نصَّ من فضله عارفونا

وقلتم:رضينا بما قلته

وقالت نفوسكمُ:ما رضينا

فأيّكمُ كان أولى بها ؟!

وأثبت أمراً من الطيِّبينا ؟!

وأيّكمُ كان بعد النبيَّ وصياً ؟!

ومَن كان فيكم أمينا ؟!

وأيّكمُ نام في فرشه

وأنتم لمهجته طالبونا ؟!

ومَن شارك الطهر في طائر

وأنتم بذاك له شاهدونا ؟!

لحا الله قوماً رأوا رشدكم

مبيناً فضلّوا ضلالاً مبينا

وله في أهل البيت عليهم السلام:

ما طوَّل الليل القصيرا

ونهى الكواكب أن تغورا

إلّا وفي يده عزيما

ت يحلّ بها الاُمورا

ذو مقلةٍ لا تستقلّ

ضنىّ وإن أضنت كثيرا

ليست تفتِّر عن دمي

وترى بها أبداً فتورا

وترى بها ضعفاً يُر

ـيك المستجار المستجيرا

٢٢٣

فيما يُنازعني عذولاً

أو يُسامحني عذيرا

أترى بوادر فتنتي

فيما ترى إلّا بدورا ؟!

لو شاء لاختصر الغرام

بها من اختصر الحصورا

ولقد لبست ثياب نفسـ

ـك مالكاً أو مُستعيرا

وتمثَّل الشيطان لي

ليغرَّني رشؤاً غريرا

فخلعتها ولبست ثوب

الفتك سحّاباً جرورا

ما شئت فاقلع عنه

واستغفر تجد ربّاً غفورا

ما لم يكن من معشر

غدروا وقد شهدوا الغديرا

وتوامروا ما بينهم

أن ينصبوا فيها أميرا

من كلِّ صدرٍ موغرٍ

ملأت ضغائنه الصدورا

مترشّحٍ للملك قد

نصبت سريرته السريرا

وتوارثوها ليس تخر

ج عنهمُ شبراً قصيرا

هذا إلى أن قام قايم آ

ل أحمد مُستثيرا

وتسلّم الإسلام أقتم

مظلماً فكساه نورا

[ ألقصيدة ]

وله في أهل البيت عليهم السَّلام:

نكرت معرفتي لَمّا حكَمْ

حاكم الحبِّ عليها لي بدمْ

فبدت من ناظريها نظرةٌ

أدخلتها في دمي تحت التّهمْ

وتمكَّنت فأضنيت ضنىً

كان بي منها واسقمت سقمْ

وصبت بعد اجتناب صفوةٍ

بدَّلت من قولها:لا. بنعمْ

وفقدت الوجد فيها والأسى

فتألَّمت لفقدان الألمْ

ما لعيني وفؤادي كلّما

كتمت باحَ ؟! وإن باحت كتمْ؟!

طال بي خُلفهما فاتَّفقت

لي همومٌ في الرزايا وهممْ

ورزايا المصطفى في أهله

فاتحاتٌ للرَّزايا وختمْ

يا بني الزَّهراء ماذا إكتست

فيكم الأيّام من عتب وذمْ ؟!

_١٤_

٢٢٤

يا طوافاً طاف طوفان به

وحطيماً بقنا الخطً حطمْ

أيّ عهدٍ يُرتجى الحفظ له

بعد عهد الله فيكم والذممْ؟!

لا تسلّيت وأنوارٌ لكم

غشيتها من بني حرب ظُلمْ

ركبوا بحر ضلال سلموا

فيه والإسلام فيهم ما سلمْ

ثمَّ صارت سنَّةً جاريةً

كلُّ من أمكنه الظلم ظَلمْ

وعجيبٌ إنَّ حقّاً بكمُ

قام في الناس وفيكم لم يقمْ

والولا فهو لمن كان على

قول عبد المحسن الصوري قسمْ

وأبيكم والذي وصّى به

لأبيكم جدُّكم في يوم خُمْ

لقد احتجَّ على اُمتَّه

بالذي نالكمُ باقي الاُممْ

( ألشاعر )

أبو محمّد عبد المحسن بن محمّد بن أحمد بن غالب(١) بن غلبون الصوري من حسنات القرن الرّابع ونوابغ رجالاته، وقد مدَّ له البقاء إلى أوليات القرن الخامس، جمع شعره بين جزالة اللفظ وفخامة المعنى، كما إنَّه لا تعدوه رقَّة الغزل وشدَّة الجَدل، فهو عند الحِجاج يُدلي بحجَّته القويمة، وعند الوصف لا يأتي إلّا بصورةٍ كريمة، و ديوان شعره المحتوي على خمسة آلاف بيت تقريباً الحافل بالرَّقايق والحقايق يتكفَّل البرهنة على هذه الدَّعاوي، وهو نصُّ في تشيّعه كما عدَّه إبن شهر اشوب من شعراء أهل البيت المجاهرين، وما ذكرناه من شعره يُمثِّل روحه المذهبيَّة، ونزعته الطائفيَّة الحميدة، وتعصّبه لآل البيت النبويّ، واعترافه بحقهم الثابت، ونبذه ما وراء ذلك نبذاً لا مرتجع إليه، وفي ديوانه غير ما ذكرناه شواهد وتلويحات لطيفة نحو قوله في صبيٍّ اسمه عمر:

نادمني من وجهه روضة

مشرقة يمرح فيه النظرْ

فانظر معي تنظر إلى معجز

سيف عليٍّ بين جفني عمرْ

وقد ترجمه إبن أبي شبانة في تكملة أمل الآمل وهو لا يترجم إلّا المتمسِّك

____________________

١ - في تتميم يتيمة الدهر ج ١ ص ٣٥:طالب. وهو تصحيف.

٢٢٥

بحجزة أهل البيت الطاهر، وترجمه الثعالبي في ( يتيمة الدهر ) ج ١ ص ٢٥٧ وذكر من شعره ٢٢٥ بيتاً، وأثنى عليه وانتخب من ديوانه أبياتا في ( تتميم يتيمته ) ج ١ ص ٣٥ وعقد إبن خلكان له ترجمةً ضافيةً أطراه ووصف شعره في ج ١ ص ٣٣٤، و قال:توفّي يوم الأحد تاسع شوال سنة تسع عشرة وأربعمائة وعمره ثمانون أو أكثر، وذكره إبن كثير في تاريخه ج ١٢ ص ٢٥، ومن شعره في أهل البيت صلوات الله عليهم:

توقَّ إذا ما حرمة العدل جلَّتِ

ملامي لتقضي صبوتي ما تمنَّتِ

أغرّك إن لم تستفزّك لوعة

بقلبي ولا استبكاك بينٌ بمقلتي

لك الخير هذا حين شئت تلومني

لجاجاً فإلّا لمت أيّام شرَّتي

غداة اُجيب العيس إذ هي حنَّت

وأحدو إذا ورق الحمايم غنَّتِ

وأنتهب الأيّام حتّى كأنَّني

اُدافع من بعد الحلول منيَّتي

واستصغر البلوى لمن عرف الهوى

واستكثر الشكوى وإن هي قلَّتِ

اُطيل وقوفي في الطلول كأنَّني

اُحاول منها أن تَردَّ تحيَّتي

ليالي ألقى كلّ مهضومة الحشى

إذا عدلت فيما جناه تجنَّتِ

أصدُّ فيدعوني إلى الوصل طرفها

وإن أنا سارعت الإجابة صدَّتِ

وإن قلت سقمي وكلّت سقم طرفها

بإبطال قولي أو بإدحاض حجَّتي

وإن سمعت وانار قلبي شناعة

عليها أجابتني بوانار وجنتي

وأصرف همّي عن هواها بهمَّتي

عزوفاً فتثنيني إذا ما تثنَّتِ

وأنشد بين البين والهجر مهجتي

ولم أدر في أيّ السبيلين ضلّتِ

وما أحسب الأيّام أيّام هجرها

تطاولني إلّا لتقصر مدَّتي

دعوا الاُمَّة اللّاتي استحلّت تكن

مع الاُمَّة اللّاتي بغت فاستحلّتِ

فما يقتدي إلّا بها في اغتصابها

ولا أقتدي إلّا بصبر أئمَّتي

أليس بنو الزَّهراء أدهى رزيَّةً

عليكم إذا فكّرتمُ في رزيَّتي

حُماتي إذا لانت قناتي وعدَّتي

إذا لمن تكن لي عدَّة عند شدَّتي

أقامت لحرب الله حزب أئمَّة

إذا هي ضلّت عن سبيل أضلّتِ

قلوبٌ على الدين العتيق تألَّفت

لهم ومن الحقِّ القديم استملّتِ

٢٢٦

بماذا ترى تحتجُّ يا آل أحمد

على أحمد فيكم إذا ما استعدَّتِ ؟!

وأشهر ما يروونه عنه قوله:

تركت كتاب الله فيكم وعترتي

ولكنَّ دنياهم سعت فسعوا لها

فتلك التي فلّت ضميراً عن الَّتي

وله في أهل البيت سلام الله عليهم:

أصبحوا يفرقون من افراقي

فاستغاثوا في نكستي بالفراقِ

ما صبرتم لقد بخلتم على المدنف

حقّاً حتّى بطول السياقِ

راحة ما اعتمدتموها بقتلي

ربَّ خير أتى بغير اتِّفاقِ

سوف أمضي وتلحقون ولا علم

لكم ما يكون بعد اللِّحاقِ

حيث لا يجمع القضيَّة من يجمع

بين الخصمين ماضٍ وباقِ

ما لهم لا خلقت فيهم فما أغفل

قومي عن الدم المهراق ؟!

ربَّ ظهر قلّبته مثل ما يُقلب

ظهر المجنِّ للإرشاقِ

بعد ما قادني فلم أدر حتّى

صرت ما بين ملتقى الأحداقِ

وأراني أسير عينيك منهنَّ

فماذا تراهُ في إطلاقي ؟!

مسَّةٌ من هواك بي لا من الجنِّ

فهل من مُغرمٍ أو راقِ ؟!

غير أن يبرد احتراقي بوصلٍ

أو بوعدٍ أو أن يبلَّ اشتياقي

أو يعيد الكرى عليَّ كما كان

لا موحشي من خيالك الطرَّاقِ

ما لنومي كأنَّه كان في

أوَّل دمعي جرى من الآماقِ ؟!

غير مسترجع فيرجى وهل ير

جع للعين أدمع في سباقِ ؟!

بأبي شادن توثَّقت بالإيما

ن منه قبل شدِّ وثاقي

فهو إلّا يكن لحرب فحربٌ

علّمته خيانة الميثاقِ

نفرٌ من اُميَّة نَفَر الإ

سلام من بينهم نفور إباقِ

أنفقوا في النِّفاق ما غصبوه

فاستقام النِّفاق بالإنفاقِ

وهي دار الغرور قصّر باللو

م فيها تطاول العشّاقِ

وأراها لا تستقيم لذي الزهـ

ـد إذ المال مال بالأعناقِ

فلهذا أبناء أحمد أبناء عليٍّ

طرايد الآفاقِ

٢٢٧

فقراء الحجاز بعد الغنى الأكبر

أسرى الشام قتلى العراقِ

جانبتهم جوانب الأرض حتّى

خلت أنَّ السماء ذات انطباقِ

إن اُقصّر يا آل أحمد أو أغر

ق كان التقصير كالإغراقِ

لستُ في وصفكم بهذا وهذا

لا حقاً غير أن تروا إلحاقي

إنَّ أهل السماء فيكم وأهل الأ

رض ما دامتا لأهل افتراقِ

عرفت فضلكم ملائكة الله

فدانت وقومكم في شقاقِ

يستحقّون حقَّكم زعموا ذلك

- سحقاً - لهم من استحقاقِ

وأرى بعضهم يبايع بعضاً

بانتظام من ظلمكم واتَساقِ

واستثاروا السيوف فيكم فقمنا

نستثير الأقلام في الأوراقِ

أيّ عين ؟ لولا القيامة والمر

جوّ فيها من قدرة الخلّاقِ

فكأنّي بهم يودّون لو أنَّ الخـ

ـوالي من الليالي البواقي

ليتوبوا إذا يُذادون عن أكر

م حوض عليه أكرم ساقِ

وإذا ما القوا تقاسمت النار

عليّاً بالعدل يوم التَّلاقِ

قيل:هذا بما كفرتم فذوقوا

ما كسبتم يا بؤس ذاك المذاقِ

وقال في يوم عاشورا يمدح الإمام الحاكم بأمر الله:

خلا طرفه بالسقم دوني يلازمه

إلى أن رمى سهماً فصرت اُساهمه

فأصبح بي ما لست أدري أمثله

بجفنيه ؟! أم لا يعدل السقم قاسمه ؟!

لئن كان أخفى الصدر صدا من الجوى

ففي العين عنواناته وتراجمه

ولم تخفه إنَّ الهوى خفَّ حمله

ولكن لأنَّ النوم ليس يلايمه

ويا رُبَّ ليل قصّر الذكر طوله

فما طلعت حتّى تجلّت غمائمه

وما نمت فيه غير أن لو سألتني

عن الشغل عنه قلت ما قال نائمه

ولكنَّه ألقى على الصبح لونه

فوالاه يوم شاحب الوجه ساهمه

كما جاء يوم في المحرَّم واحدٌ

خبا نورهَ لمّا استحلّت محارمه

طغت عبد شمس فاستقلَّ محلّقاً

إلى الشمس من طغيانها مُتراكمه

فمن مبلغٌ عنّي اُميَّة إنّني

هتفت بما قد كنت عنها اُكاتمه ؟!

٢٢٨

مضت أعصرٌ معوجَّةُ باعوجاجكم

فلا تنكروا إن قوَّم الدَّهر قايمه

وجدَّد عهد المصطفى بعض أهله

وحكّم في الدين الحنيفيِّ حاكمه

فيا أيّها الباكون مصرع جدِّه

دعوا جدَّه تبكي عليه صوارمه

ألا أيّها الثكلى التي من دموعها

إذا هي حيَّت من قتيل جماجمه

لقد خسر الدارين من صدِّ وجهه

فلا أنت مُبقيه ولا الله راحمه

حريصاً على نار الجحيم كأنَّه

يخاف على أبوابها من يُزاحمه

إلى من تراه فوَّض الأمر غيركم

إذا أنتمُ أركانه ودعائمه

فيا لك منها دولة علويَّة

تبدَّت بسعد حاكم الدَّهر خاتمه

[ ألقصيدة ]

وله قوله:

بالّذي ألهم تعذيبي ثناياك العذابا

والذي ألبس خدَّيك من الورد نقابا

والّذي أودع في فيك من الشهد شرابا

والذي صيِّر حظّي منك هجراً واجتنابا

ما الّذي قالته عيناك لقلبي فأجابا ؟!

والذي قالته للدمع فواراها انصبابا ؟

يا غزالاً صاد باللّحظ لقلبي فأصابا

عمرك الله بصبٍّ لا يُرى إلّا مصابا

هذه الأبيات توجد في ديوان المترجَم فنسبتها إلى ( الصنوبري ) كما في كشكول البهائي ج ١ ص ٢٣ في غير محلّه، وأخذ البهائي منها قوله:

يا بدر دجاً فراقه القلب أذابْ

مذ ودَّعني فغاب صبري إذ غابْ

بالله عليك أيّ شيء قالت

عيناك لقلبي المعنَّا فأجابْ ؟!

وللمترجم الصوري:

سفرنَ بدوراً وانتقبنَ أهلّة

ومسن غصوناً والتفتن جواذرا

وأبدين أطراف الشعور تستّرا

فأغدرت الدنيا علينا غدايرا

وربّتما أطلعن والليلُ مقبلٌ

شموس وجوهٍ توفف الليل حايرا

فهنَّ إذا ما شئن أمسين أو إذا

تعرَّضن أن يسبحن كنَّ قوادرا

وقال يرثي شيخ الاُمَّة إبن المعلّم أبا عبد الله محمَّد بن محمَّد بن نعمان المفيد المتوفّى ٤١٣:

٢٢٩

تبارك مَن عمَّ الأنام بفضله

وبالموت بين الخلق ساوى بعدله

مضى مستقلّاً بالعلوم محمّد

وهيهات يأتينا الزَّمان بمثله

جاء في ( بدائع البداية )(١) باسناده عن بكّار بن علي الرياحي انَّه قال:لمَّا وصل عبد المحسن الصوري إلى دمشق جاءني المجدي الشاعر فعرَّفني به وقال:هل لك أن نمضي إليه ونسلّم عليه ؟ فأجبت وقمت معه حتّى أتينا إلى منزله وكان ينزل دائماً إذا قدم في سوق القمح وكان بين يديه دكّان قطّان وفيها رجلٌ أعمى فوقفت به عجوزٌ كبيرةٌ فكلّمها بشيءٍ وهي منصتة له فقال المجدي في الحال:

مُنصتةٌ تسمع ما يقولُ

فقال عبد المحسن في الحال(٢) :

كالخلد لمّا قابلته الغولُ

فقال له المجدي:أحسنت والله يا أبا محمَّد أتيت بتشبيهين في نصف بيت اُعيذك بالله. ا ه‍. ومن لطيف قول الصّوري ما قاله وقد اُستعير منه كتابٌ وحبس عليه كما يوجد في ديوانه:

ماذا جناه كتابي فاستحقَّ به

سجناً طويلاً وتغييباً عن الناسِ

فاطلقه نسأله عمّا كان حلَّ به

في طول سجنك من ضرٍّ ومن باسِ

كتب الشاعر المفلق أحمد بن سلمان الفجري إلى عبد المحسن الصّوري:

أعبد المحسن الصوريِّ لِم قد

جثمت جثوم منهاضٍ كسيرِ؟!

فإن قلتَ:العبالة(٣) أقعدتني

على مضض وعافت عن مسيري

فهذا البحر يحمل هضب رضوي

ويستثني بركن من ثبيرِ

وإن حاولت سير البرّ يوماً

فلست بمثقل ظهر البعيرِ

إذا استحلى أخوك قلاك يوماً

فمثل أخيك موجود النظيرِ

تحرَّك علّ أن تلقى كريماً

تزول بقربه إحن الصدورِ

فما كلُّ البرية مَن تراهُ

ولا كلُّ البلادِ بلاد صورِ

____________________

١ - وذكره ابن عساكر في تاريخه ج ٣ ص ٢٨١.

٢ - في تاريخ ابن عساكر:كالحلد. وهو كما ترى.

٣ - العبالة:الضخامة.

٢٣٠

فأجابه عبد المحسن:

جزاك الله عن ذا النصح خيراً

ولكن جاء في الزَّمن الأخيرِ

وقد حدَّتْ لي السبعون حدّاً

نهى عمّا أمرتَ من المسيرِ

ومذ صارت نفوس الناس حولي

قصاراً عذتُ بالأمل القصيرِ(١)

وقال في صبيٍّ اسمه مقاتل وله فيه شعرٌ كثيرٌ:

تعلّمت وجنته رقيةً

لعقرب الصَّدع فما تلسعُ

صمَّتْ عن العاذل في حبِّه

اُذني فمالي مسمعٌ يسمعُ

ودَّعته والدَّمع في مقلتي

في عبرتي مستعجلٌ مسرعُ

فظنَّ إذ أبصرتها أنَّها

ساير أعضائي بها تدمعُ

وقال:هذا قبل يوم النَّوى

فما ترى بعد النَّوى تصنعُ؟!

في غير وقت الدمع ضيَّعته

قلت:فقلبي عندكم أضيعُ

وقال في مقاتل ايضاً:

احفظ فؤادي فأنت تملكهُ

واستر ضميري فأنت تهتكهُ

هجرك سهلٌ عليك أصعبه

وهو شديدٌ عليَّ مسلكهُ

بسيف عينيك يا مقاتل كم

قتلت قبليَ ممَّن كنت تملكهُ؟!

أمّا عزائي فلست آمله

فيك وصبري ما لستُ أدركهُ

وقال فيه وهو معذر:

وقف اليل والنهار وقد كا

ن إذا ما أتى النهار يقرُّ

لا يرى رجعه فيكسب عاراً

لا ولا ثمَّ قوَّة فيفرَّ

أين سلطان مقلتيك علينا ؟!

قل له ما يجوز في الحبّ سمرُ

أنت فرَّقت نار خدَّيك حتّى

كلّ قلب صبٍّ لها فيه جمرُ

فبماذا يلقى عذاريك ؟ قل لي

سيما أن تدارك الشعر شعرُ

وعزيزٌ عليَّ إنَّك بالحرب

وَبالسِّلم طول عمرك غرُّ

وخلف المترجم علي أدبه الجمّ وقريضه البديع ولده عبد المنعم ذكره الثعالبي

____________________

١ - راجع ديوانه، وذكرها الثعالبي في يتيمة الدهر ١ ص ٢٦٩.

٢٣١

ألقرن الخامس

٣٨

مهيار الديلمي

ألمتوفّى ٤٢٨

١

هل بعد مفترق الأظعان مجتمعُ ؟!

أم هل زمانٌ بهم قد فات يُرتجعُ؟!

تحمّلوا تسع البيداء ركبهمُ

ويحمل القلب فيهم فوق ما يسعُ

مغرِّبين همُ والشمس قد ألفوا

ألا تغيب مغيباً حيثما طلعوا؟!

شاكين لِلبين أجفاناً وأفئدةً

مفجَّعين به أمثال ما فجعوا

تخطو بهم فاتراتٌ في أزمَّتها

أعناقها تحت إكراه النَّوى خُضعُ

تشتاق نعمان لا ترضى بروضته

داراً ولو طاب مصطافٌ ومرتبعُ

فداء وافين تمشي الوافياتُ بهم

دمعٌ دمٌ وحشاً في إثرهم قطعُ

ألليل بعدهمُ كالفجر متَّصلٌ

ما شاء والنوم مثل الوصل منقطعُ

ليت الذين أصاخوا يوم صاح بهم

داعي النوى:ثوِّروا صمّوا كما سمعوا

أوليت ما أخذ التوديع من جسدي

قضى عليَّ فللتعذيب ما يدعُ

وعاذل لجَّ أعصيه ويأمرني

فيهم وأهرب منه وهو يتَّبعُ

يقول:نفسَك فاحفظها فإنَّ لها

حقّاً وإنَّ علاقات الهوى خدعُ

روَّح حشاك ببرد اليأس تسلُ به

ما قيل في الحبِّ إلا أنَّه طمعُ

والدهر لونان والدنيا مقلّبة

ألآن يعلم قلبٌ كيف يرتدعُ

هذي قضايا رسول الله مهملةٌ

غدراً وشمل رسول الله مُنصدعُ

والناس للعهد ما لاقوا وما قربوا

وللخيانة ما غابوا وما شَسَعوا

وآله وهمُ آل الإ~له وهم

رُعاة ذا الدين ضيموا بعده ورُعوا

٢٣٢

ميثاقه فيهمُ ملقىّ واُمَّته

مع مَن بغاهم وعاداهم له شِيَع

تضاع بيعته يوم ( الغدير ) لهم

بعد الرِّضا وتُحاط الروم والبيعُ

مقسَّمين بإيمان همُ جذبوا

بيوعها وبأسياف همُ طبعوا

ما بين ناشر حبلٍ أمس أبرمه

تُعدُّ مسنونةً من بعده البدَعُ

وبين مُقتنص بالمكر يخدعه

عن آجل عاجلٌ حلوٌ فينخدعُ

وقائل لي:عليٌّ كان وارثه

بالنصَّ منه فهل أعطوه ؟! أم منعوا؟!

فقلت:كانت هناتٌ لستُ أذكرها

يجزي بها اللهُ أقواماً بما صنعوا

أبلغ رجالاً إذا سمَّيتهم عُرفوا

لهم وجوهٌ من الشحناء تُمتقعُ

توافقوا وقناةُ الدين مائلة

فحين قامت تلاحوا فيه واقترعوا

أطاع أوَّلهم في الغدر ثانيهم

وجاء ثالثهم يقفو ويتَّبعُ

قفوا على نظر في الحقِّ نفرضه

والعقلُ يفصلُ والمحجوجُ ينقطعُ

بأيّ حكمٍ بنوه يتبعونكمُ

وفخركم أنَّكم صحبٌ له تَبَعُ؟!

وكيف ضاقت على الأهلين تربته

وللأجانب من جنبيه مضطجعُ ؟!

وفيم صيَّرتم الإجماع حجَّتكم

والناس ما اتَّفقوا طوعاً ولا اجتمعوا؟!

أمرٌ ( عليٌّ ) بعيدٌ من مشورته

مستكرَهٌ فيه و ( العبّاس ) يمَتنعُ

وتدَّعيه قريشٌ بالقرابة والـ

ـأنصار لا رُفعٌ فيه ولا وُضعُ

فأيّ خُلف كخلف كان بينكمُ

لولا تُلفَّق أخبارٌ وتصطنعُ ؟!

واسألهمُ يوم ( خُمّ ) بعد ما عقدوا

له الولايةِ لمْ خانوا ولمْ خلعوا ! ؟

قولٌ صحيحٌ ونيّاتٌ بها نَغَلٌ

لا ينفع السيف صَقلٌ تحته طبعُ(١)

إنكارهم يا أمير المؤمنين لها

بعد اعترافهمُ عارٌ به ادَّرعوا

ونكثهم بك ميلاً عن وصيَّتهم

شرعٌ لعمرك ثان بعده شرعوا

تركتَ أمراً ولو طالبته لدرت

معاطسٌ راغمته كيف تُجتدعُ

صبرت تحفظ أمر الله ما اطَّرحوا

ذبّاً عن الدين فاستيقظت إذ هجعوا

ليشرقنَّ بحلو اليومُ مرّ غدٍ

إذا حصدت لهم في الحشر ما زرعوا

____________________

١ - النغل:الضغن وسوء النية. الطبع:الصدأ.

٢٣٣

جاهدت فيك بقولي يوم تختصم الـ

ـأبطال إذ فات سيفي يوم تمتصع(١)

إنَّ اللسان لوصّالٌ إلى طُرقٍ

في القلب لا تهتديها الذُبَّل الشرعُ

آباي في فارسٍ والدين دينكمُ

حّقاً لقد طاب لي اُسٌّ ومرتبعُ

ما زلت مذ يفعتْ سنّي ألوذ بكم

- حتّى محا حقَّكم شكّي - وأنتجعُ

وقد مضتْ فُرُطات إن كفلتُ بكم

فرَّقت عن صُحفي البأس الذي جمعوا

( سلمان ) فيها شفيعي وهو منك إذا الـ

ـآباء عندك في أبنائهم شفعوا

فكن بها منقذاً من هول مُطَّلعي

غداً وأنت من الأعراف مطلَّعُ

سوَّلتُ نفسي غروراً إن ضمنتُ لها

أنّى بذخرٍ سوى حبِّيك أنتفعُ

( ما يتبع الشعر )

قال الاُستاذ أحمد نسيم المصري في التعليق على قول مهيار:

تضاع بيعته يوم ( الغدير ) لهم

بعد الرِّضا وتحاط الروم والبيع

:ألغدير:هو غدير خمّ بين مكّة والمدينة، قيل:إنَّ النبيَّ صلّى الله عليه وآله وسلّم خطب الناس عنده فقال:مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه(٢) .

قال الأميني:ليت شعري هل خفي على الاُستاذ تواتر ذلك الحديث المرويّ عن مائة صحابيّ أو أكثر ؟! أم حبَّذته نزعاته الطائفيَّة أن يسدل عليه أغشية الزور والدجل ؟ ويموِّهه على القاري، ويستر الحقيقة الراهنة بذيل أمانته ؟! ويوعز إلى ضعفه بكلمته:قيل ؟! قل هو نبأٌ عظيمٌ أنتم عنه مُعرضون، والَّذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم.

٢

وله ديوانه في ج ٣ ص ١٥ يرثي بها أهل البيت عليهم السَّلام ويذكر البركة بولائهم فيما صار إليه:

في الظباء الغادين أمسِ غزالُ

قال عنه ما لا يقول الخيالُ

طارقٌ يزعم الفراقَ عتابا

ويرينا أنَّ الملال دلالُ

____________________

١ - تمتصع:تقاتل بالسيف.

٢ - ديوان مهيار ج ٢ ص ١٨٢.

٢٣٤

لم يزل يخدع البصيرة حتّى

سرّنا ما يقول وهو محالُ

لا عدمتُ الأعلام كم نوَّلتني

من منيع صعبٍ عليه النَّوالُ

لم تنغِّص وعداً بمطلٍ، ولم يو

جب له منَّةً عليَّ الوصالُ

فلليلي الطويل شكري، ودين الـ

ـعشق أن تُكرَه الليالي الطوالُ

لمن الظعن غاصبتنا جَمالا ؟!

حبَّذا ما مشت به الاجمالُ !

كاتفاتٍ بيضاءَ دلَّ عليها

أنَّها الشمس أنَّها لا تُنالُ

جمحَ الشوق بالخليع فأهلاً

بحليمٍ له السلوُّ عِقالُ

كنتُ منه أيّام مرتعُ لذّا

تي خصيبٌ وماءُ عيشي زلالُ

حيث ضِلعي مع الشباب وسمعي

غرضٌ لا تصيبه العُذّالُ

يا نديميّ كنتما فافترقنا

فاسلواني، لكلِّ شئٍ زوالُ

ليَ في الشيب صارفٌ ومن الحز

ن على آل أحمدٍ إشغالُ

معشر الرُّشد والهدى حَكم البغـ

ـيُ عليهم سفاهةً والضَّلالُ

ودعاة الله استجابت رجالٌ

لهمُ ثمّ بُدِّلوا فاستحالوا

حملوها يوم ( السَّقيفة ) أوزا

راً تخفُّ الجبال وهي ثِقالُ

ثمَّ جاءوا من بعدها يستقيلو

نَ وهيهات عثرةٌ لا تُقالُ

يا لها سوءةً إذا أحمد قا

م غداً بينهم فقال وقالوا !

ربعُ همّي عليهمُ طللٌ با

قٍ وتَبلى الهمومُ والأطلالُ

يا لَقوم إذ يقتلون عليّاً

وهو للمحل(١) فيهمُ قتّالُ

ويُسرّون بغضه وهو لا تُقـ

ـبُل إلّا بحبِّه الأعمالُ

وتحال الأخبار والله يدري

كيف كانت يوم ( الغدير ) الحالُ(٢)

ولسبطين تابعيه فمسمو

مٌ عليه ثرى البقيع يُهالُ

درسوا قبره ليخفى عن الزوّ

ار هيهات ! كيف يخفى الهلالُ ؟!

وشهيدٍ بالطفِّ أبكَى السَّماوا

ـتِ وكادت له تزول الجبالُ

____________________

١ - المحل:الجدب.

٢ - كذا في ديوانه المخطوط وفي المطبوع:تحال.

٢٣٥

يا غليلي له وقد حُرِّم الماء

عليه وهو الشَّراب الحلالُ

قُطعت وصلةُ النبيِّ بأن تُقـ

ـطع من آل بيته الأوصالُ

لم تنجِّ الكهول سنُّ ولا الشَّـ

بان زهدٌ ولا نجا الأطفالُ

لهفَ نفسي يا آل طه عليكم

لهفةً كسبها جوّى وخبالُ

وقليلٌ لكم ضلوعِيَ تهتـ

زُّ مع الوجد أو دموعي تُذالُ

كان هذا كذا وودّي لكم حسـ

ب وما لي في الدين بعدُ اتِّصالُ

وطروسي سودٌ فكيف بيَ الآ

نَ ومنكم بياضها والصِّقالُ

حبّكم كان فكّ أسري من الشِّر

كَ وفي منكبي له أغلالُ

كم تزمِّلتُ بالمذلَّة حتّى

قمتُ في ثوب عزِّكم أختالُ

بركاتٌ لكم محت من فؤادي

ما أملَّ الضَّلال عَمٌّ وخالُ

ولقد كنتُ عالماً أنَّ إقبا

لي بمدحي عليكمُ إقبالُ

٣

وله من قصيدة يرثي بها أهل البيت عليهم السَّلام وهي ٦٣ بيتاً توجد في ديوانه ج ٤ ص ١٩٨ مطلعها:

لو كنتُ دانيتُ المودَّة قاصياً

ردَّ الحبائبُ يوم بِنّ فؤاديا

إلى أن قال:

وبحيِّ آل محمَّد إطراؤه

مدحاً وميِّتهم رضاه مراثيا

هذا لهم والقوم لا قومي همُ

جنساً وعُقر ديارهم لا داريا

إلَّا المحبَّة فالكريم بطبعه

يجد الكرامَ الأبعدين أدانيا

يا طالبييَّن اشتفّى من دائه الـ

ـمجد الذي عدم الدواء الشافيا

بالضاربين قبابَهم عَرض الفلا

عقل الركائب ذاهباً أو جائيا

شرعوا المحجَّة للرشاد وأرخصوا

ما كان من ثمن البصائر غالبا

وأما وسيِّدهم عليٍّ قولةٌ

تشجي العدوِّ وتُبهج المتواليا

لقد ابتنى شرفاً لهم لو رامه

زُحلٌ بباعٍ كان عنه عالياً

٢٣٦

وأفادهم رقّ الأنام بوقفةٍ

في الرَّوع بات بها عليهم واليا

ما استدرك الانكار منهم ساخطٌ

إلّا وكان بها هنالك راضيا

أضحوا أصادقه فلمّا سادهم

حسدوا فأمسوا نادمين أعاديا

فارحم عدوَّك ما أفادك ظاهراً

نصحاً وعالجَ فيك خلّاً خافياً

وهبِ ( الغدير ) أبوا عليه قوله

بغياً* فقل:عدّوا سواه مساعياً

بدراً واُحداً اُختها من بعدها

وحنين وقّاراً بهنَّ فصاليا(١)

والصخرة الصمّاء أخفى تحتها

ماءاً وغير يديه لم يك ساقيا

وتدبّروا خبرَ اليهود بخيبرٍ

وارضوا بمرحب وهو خصم قاضيا

هل كان ذاك الحصن يرهب هادماً ؟!

أو كان ذاك الباب يفرق داحيا؟!

وتفكّروا في أمر عمرٍو(٢) أوَّلا

وتفكّروا في أمر عمرٍو(٣) ثانيا

أسدان كانا من فرائس سيفه

ولقلّما هابا سواه مدانيا

ورجال ضبَّة عاقدي حُجُزاتهم

يوم البُصيرة من مَعين(٤) تفانيا

ضغموا(٥) بناب واحدٍ ولطالما از

دردوا أراقم قبلها وأفاعيا

ولَخطبُ صفِّين أجلُّ وعندك الـ

ـخبر اليقين إذا سألتَ مُعاويا

( ما يتبع الشعر )

قال الاستاذ أحمد نسيم المصري في شرح قوله:

وهبِ الغدير أبوا عليه قبوله

نهياً فقل:عُدّوا سواه مساعيا

: ألنهي:ألغدير أو شبهه. وللامام عليٍّ وقعةٌ تُسمّى بوقعة ( غدير خمّ ) و

____________________

* كذا في ديوانه المخطوط وفي المطبوع منه:نهيا.

١ - وقاراً:شاداً بلجام الدابة لتسكن. يشير الى ان امير المؤمنين كان آخذاً بلجام بغلة رسول الله صلى‌ الله‌ عليه ‌و آله‌ خوفا من اجفالها.

٢ - يعني عمرو بن ود الذي قتله امير المؤمنين يوم الخندق.

٣ - يعني عمرو بن العاص المترجم في كتابنا ج ٢ ص ١٢٠ - ١٧٦.

٤ - معين اسم مدينة باليمن أو هو حصن بها.

٥ - ضغم الشى:عضه بملاء فمه. يقال:ضغمه ضغمة الاسد.

٢٣٧

الشاعر يُشير إليها. قال الأميني:ليت الاُستاذ بعد شرحه [ النهي ] وجعله بدلاً عن [ البغي ] الموجود في مخطوط ديوانه يُعرب عن معناه الحالي أو المفعولي، ويَعرف أنَّ مثله لا يصلح من مثل مهيار المتضلّع الفحل، وكأنَّه يرى رأي شاكلته إبراهيم ملحم أسود في قوله:يوم الغدير واقعة حرب معروفة(١) فليته دلَّنا على تلك الوقعة المسمّاة بوقعة (الغدير ) وذكر شطراً من تاريخها، يُريدون أن يبدِّلوا كلام الله، و ارتابت قلوبهم في ريبهم يتردَّدون.

( الشاعر )

أبو الحسن(٢) مهيار بن مرزويه الديلمي البغدادي نزيل درب رياح بالكرخ هو أرفع راية للأدب العربيِّ منشورة بين المشرق والمغرب، وأنفس كنز من كنوز الفضيلة، وفي الرَّعيل الأوَّل من ناشري لغة الضّاد، وموطِّدي اُسسها، و رافعي علاليها، ويده الواجبة على اللغة الكريمة ومن يمتّ بها وينتمي إليها لا تزال مذكورةً مشكورةً يشكرها الشعر والأدب، تشكرها الفضيلة والحسب، تشكرها العروبة والعرب، و أكبر برهنةٍ على هذه كلّها ديوانه الضخم الفخم في أجزائه الأربعة الطافح بأفانين الشعر وفنونه وضروب التصوير وأنواعه، فهو يكاد في قريضه يلمسك حقيقة راهنة ممّا يُنضِّده، ويذر المعنى المنظوم كأنَّه تجاه حاسَّتك الباصرة، ولا يأتي إلّا بكلِّ اسلوب رصينٍ، أو رأيٍ صحيفٍ، أو وصفٍ بديعٍ، أو قصدٍ مبتكرٍ، فكان مقدَّماً على أهل عصره مع كثرة فحولة الأدب فيه، وكان يحضر جامع المنصور في أيّام الجمعات ويقرأ على الناس ديوان شعره(٣) ولم أرَ الباخرزي قد بالغ في الثناء عليه بقوله في ( دمية القصر ) ص ٧٦:هو شاعرٌ له في مناسك الفضل مشاعر، وكاتبٌ تحت كلِّ كلمة من كلماته كاعب، وما في قصائده بيت يتحكّم عليه بلوّ وليت، وهي مصبوبةٌ في قوالب القلوب، وبمثلها يعتذر الدهر المذنب عن الذنوب.

أمّا شعره في المذهب فبرهنةٌ وحِجاجٌ فلا تجد فيه إلّا حجَّةً دامغةً، أو ثناءً

____________________

١ - قد أسلفنا الكلام فيه في الجزء الثاني ص ٣٣١.

٢ - وفي بعض المصادر القديمة:أبو الحسين.

٣ - تاريخ الخطيب البغدادي ١٣ ص ٢٧٦.

٢٣٨

صادقاً، أو تظلّماً مفجعاً، ولعلَّ هذه هي التي حدت أصحاب الإحن إلى إخفاء فضله الظاهر والتنويه بحياته الثمينة كما يحقّ له، فبخست حقَّه المعاجم، فلم تأت عند ذكره إلّا بطفائف هي دون بعض ما يجب له، غير أنَّ حقيقة فضله أبرزت نفسها، ونشرت ذكره مع مهبِّ الصَّبا، فأين ما حللت لا تجد للمهيار إلّا ذكراً وشكراً وتعظيماً و تبجيلاً، وعلى ضوء أدبه وكماله يسير السائرون.

ولعمر الحقِّ انّ من المعاجز أنّ فارسيْاً في العنصر يحاول قرض الشعر العربيِّ فيفوق أقرانه ولا يتأتىّ لهم قرانه، ويقتدى به عند الورد والصدَر، ولا بِدع أن يكون من تخرَّج على أئمَّة العربيَّة من بيت النبوَّة وعاصرهم وآثر ولائهم واقتصَّ أثرهم كالعَلمين الشريفين:المرتضى والرضي وشيخهما شيخ الاُمَّة جمعاء [ المفيد ] و نظرائهم أن يكون هكذا، ألا تاهت الظنون، وأكدت المخائل في الحط من كرامة الرَّجل بتقصير ترجمته، أو التقصير في الإبانة عنه، أو التحامل عليه بمخرقة، و الوقيعة فيه برميه بما يدنِّس ذيل أمانته كما فعل إبن الجوزي في ( المنتظم ) فجدع أرنبته باختلاق قضيَّةٍ مكذوبةٍ عليه، ورماه بالغلوّ، وحاشاه عن كلِّ ذلك، إن يقولون إلّا كذِبا.

فهذا مهيار بأدبه الباذخ، وفضله الشامخ، وعرفه الفائح، ونوره الواضح، و مذهبه العلويِّ، وقريضه الخسروانيِّ، قد طبق العالم ثناءً وإطراء ومكرمةً وجلالةً، وما يضرُّه أمسه إن كان مجوسيّاً فارسيّاً فيه، وها هو في يومه مسلمٌ في دينه، علويُّ في مذهبه، عربيُّ في أدبه، وها هو يحدِّث شعره عن ملكاته الفاضلة، ويتضمَّن ديوانه آثار نفسيّاته الكريمة، وخلّد له ذكرى مع الأبد، فهل أبقى [ أبو الحسن مهيار ] ذروةً من الشرف لم يتسنَّمها ؟! أو صهوةً من النبوغ لم يمتطها ؟! ولو كان يؤاخَذِ بشيء من ماضيه لكان من الواجب مؤاخذة الصحابة الأوَّلين كلّهم على ماضيهم التعيس غير أنَّ الإسلام يجبُّ ما قبله، فتراه يتبهَّج بسودد عائلته المالكة التي هي أشرف عائلات فارس، ويفتخر بشرف إسلامه وحسن أدبه بقوله:

أعجبتْ بي بين نادي قومها

أمُّ سعدٍ فمضت تسأل بي

سرّها ما علمت من خلقي

فأرادت علمها ما حسبي

٢٣٩

لا تخالي نسباً يخفضني

أنا من يُرضيك عند النسبِ

قومي استولوا على الدَّهر فتى

ومشوا فوق الرؤوس الحقبِ

عمَّموا بالشمس هاماتهمُ

وبنوا أبياتهم بالشهبِ

وأبي كسرى(١) على أيوانه

أين في الناس أبٌ مثل أبي ؟!

سورة الملك القدامى وعلى

شرف الإسلام لي والأدبِ

قد قبستُ المجد من خير أبٍ

وقبستُ الدين من خير نبي

وضممت الفخر من أطرافه

سودد الفرس ودين العربِ

أسلم المترجم على يد سيِّدنا الشريف الرَّضي سنة ٣٩٤(٢) وتخرّج عليه في الأدب والشعر وتوفي ليلة الأحد لخمس خلون من جمادى الثانية سنة ٤٢٨، ولم أقف على خلاف في تارخ وفاته في الكتب المعاجم التي توجد فيها ترجمته منها:تاريخ بغداد ١٣ ص ٢٧٦، ألمنتظم ج ٨ ص ٩٤، تاريخ إبن خلكان ٢ ص ٢٧٧، مرآة اليافعي ٣ ص ٤٧، دمية القصر ص ٧٦، تاريخ إبن كثير ١٢ ص ٤١، كامل إبن الأثير ٩ ص ١٥٩، تاريخ أبي الفدا ٢ ص ١٦٨، أمل الآمل لشيخنا الحرّ، روض المناظر لابن شحنة، أعلام الزركلي ٣ ص ١٠٧٩، شذرات الذهب ٣ ص ٢٤٧، تاريخ آداب اللغة ٢ ص ٢٥٩، نسمة السحر فيمن تشيِّع وشَعر، دائرة المعارف لفريد وجدي ٩ ص ٤٨٤، سفينة البحار ٢ ص ٥٦٣ مجلّة المرشد ٢ ص ٨٥.

ومن نماذج شعر مهيار في المذهب قوله يمدح أهل البيت عليهم السَّلام:

بكى النار ستراً على الموقد

وغار يغالط في المنجدِ

أحبَّ وصان فوَرىّ هوّى

أضلَّ وخاف فلم ينشدِ ؟!

بعيد الإصاخة عن عاذلٍ

غنيُّ التفرّد عن مُسعدِ

حمولٌ على القلب وهو الضعيف

صبورٌ على الماء وهو الصَّدي

وقورٌ وما الخُرق من حازمٍ

متى ما يَرحُ شيبه يغتدي

____________________

١ - ولد في ايام ملكه نبي العظمة صلى ‌الله‌ عليه ‌و آله‌ ويعزى اليه ( ع ):ولدت في زمن الملك العادل.

٢ - كامل ابن الاثير ٩ ص ١٧٠، المنتظم لإبن الجوزي ٨ ص ٩٤.

_١٥_

٢٤٠

ويا قلبُ إن قادك الغانيات

فكم رسَنٍ فيك لم ينقدِ

أفقْ فكأنّي بها قد اُمرّ

بأفواهها العذْب من موردي

وسوَّدَ ما ابيضَّ من ودِّها

بما بيَّض الدهر من أسودي

وما الشيب أوَّل غدر الزَّمان

بلى من عوائده العوَّدِ

لحَا الله حظّي كما لا يجود

بما أستحقُّ وكم أجتدي

وكم أتعلّل عيش السقيم

اُذمِّمُ يومي وأرجو غدي

لئن نام دهريَ دون المُنى

وأصبح عن نيلها مُقعديِ

ولم أك أحمدُ أفعاله

فلي اُسوةٌ ببني أحمدِ

بخير الورى وبني خيرهم

إذا وَلدُ الخير لم يولدِ

وأكرم حيٍّ على الأرض قام

وميتٍ توسَّد في مَلحدِ

وبيت تقاصر عنه البيوت

وطال عليّاً على الفرقدِ

تحوم الملائكُ من حوله

ويُصبح للواحي دار الندي

ألا سَلْ قريشاً ولُمْ منهمُ

مَن استوجب اللوم أو فنَّدِ

وقل:ما لكم بعد طول الضَّلا

ل لم تشكروا نعمة المرشد؟!

أتاكم على فترةٍ فاستقام

بكم جائرين عن المقصدِ

وولَّى حميداً إلى ربِّه

ومن سنَّ ما سنَّه يُحمدِ

وقد جعل الأمر من بعده

لحيدر بالخبر المسندِ

وسمّاه مولىّ بإقرار مَن

لو اتَّبع الحقُّ لم يجحدِ

فملتم بها - حسدَ الفضل - عنه

ومن يك خير الورى يُحسدِ

وقلتم:بذاك قضى الإجتماع

ألا إنَّما الحقُّ للمفردِ

يعزُّ على هاشمٍ والنبّي

تلاعب تَيمٍ بها أو عدي

وإرث عليٍّ لأولاده

إذا آية الإرث لم تُفسدِ

فمن قاعد منهمُ خائف

و مِن ثائر قام لم يُسعدِ

تسلّط بغياً أكفِّ النِّفا

ق منهم على سيِّدٍ سيِّدِ

٢٤١

وما صُرفوا عن مقام الصَّلاة

ولاُ عنِّفوا في بُنى(١) المسجدِ

أبوهم واُمّهمُ مَن علمـ

ـتَ فأنقص مفاخرهم أو زدِ

أرى الدين من بعد يوم الحسين

عليلاً له الموتِ بالمرصدِ

وما الشِّرك لِلَّه من قبله

إذا أنت قستَ بمستبعدِ

وما آل حرب جنوا إنَّما

أعادوا الضَّلال على من بُدي

سيعلم مَن فاطمٌ خصمه

بأيِّ نكالٍ غداً يرتدي

ومَن ساء أحمدَ يا سِبطهٌ

فباءَ بقتلك ماذا يدي ؟!

فداؤك نفسي و مَن لي بذا

ك لو انّ مولىً بعبدٍ فُدي

وليت دمي ما سقى الأرض منك

يقوت الرَّدى وأكون الرَّدي

وليت سبقتُ فكنتُ الشهيد

أمامك يا صاحب المشهدِ

عسى الدهرُ يشفي غداً من عدا

ك قلبَ مُغيظٍ بهم مُكمدِ

عسى سطوةُ الحق تعلو المُحال

عسى يُغلب النقص بالسوددِ

وقد فعل الله لكنَّني

أرى كبدي بعدُ لم تبردِ

بسمعي لقائمكم دعوةٌ

يُلبّي لها كلُّ مستنجدِ

أنا العبد والاكمُ عقدُه

إذا القولُ بالقلب لم يُعقدِ

وفيكم ودادي وديني معاً

وإن كان في فارسٍ مولدي

خصمتُ ضلالي بكم فاهتديتُ

ولولاكمُ لم أكن أهتدي

وجرَّدتموني وقد كنتُ في

يد الشرك كالصّارم المغمدِ

ولا زال شعريَ من نائح

ينقَّل فيكم إلى مُنشدِ

وما فاتني نصركم باللسان

إذا فاتني نصركم باليدِ

وقال يرثي أمير المؤمنين عليّاً وولده الحسين ويذكر مناقبهما وكان ذلك من نذائر ما منَّ الله تعالى به من نعمة الإسلام في المحرَّم سنة ٣٩٢(٢) .

يزوِّر عن حسناء زورة خائفِ

تعرُّض طيفٍ آخر الليل طائفِ

____________________

١ - بنى جمع بنية.

٢ - كذا في ديوانه وقد مر عن معاجم انه أسلم سنة ٣٩٤.

٢٤٢

فأشبهها لم تغدُ مسكاً لناشقٍ

كما عوَّدت ولا رحيقاً لراشفِ

قصيَّة دارٍ قرَّب النومُ شخصها

ومانعة أهدى سلام مساعفِ

ألين وتغري بالإباء كأنَّما

تبرّ بهجراني أليَّة حالفِ

وبالغور للناسين عهديَ منزلُ

حنانيك من شاتٍ لديه وصائفِ

اُغالط فيه سائلاً لا جهالةً

فأسأل عنه وهو بادي المعارفِ

ويعذلني في الدار صحبي كأنَّني

على عرصات الحبّ أوَّل واقفِ

خليليَّ إن حالت - ولم أرض - بيننا

طِوالُ الفيافي أو عِراض التنائفِ

فلا زُرَّ ذاك السجفُ إلّا لكاشفٍ

ولا تمَّ ذاك البدر إلّا لكاسفِ

فإن خفتما شوقي فقد تأمنانه

بخاتلةٍ بين القنا والمخاوفِ

بصفراء لو حلَّت قديماً لشارب

لضنَّت فما حلَّتْ فتاةً لقاطفِ

يطوف بها من آل كسرى مقرطقٌ(١)

يحدِّث عنها من ملوك الطوائفِ

سقى الحسن حمراء السلافة خدَّه

فانبع نبتاً أخضراً في السوائفِ(٢)

وأحلف أنَّي شعشعت لي بكفِّه

سلوت سوى همٍّ لقلبي مُحالفِ

عصيت على الأيّام أن ينتزعنه

بنهي عذول أو خداع ملاطفِ

جوى كلَّما استخفي ليخمد هاجه

سنا بارقٍ من أرض كوفان خاطفِ

يذكِّرني مثوى عليٍّ كأنَّني

سمعت بذاك الرزء صيحة هاتفِ

ركبت القوافي ردف شوقي مطّيةٍ

تَخبُّ بجاري دمعي المترادفِ

إلى غايةٍ من مدحه إن بلغتها

هزأتُ بأذيال الرِّياح العواصفِ

وما أنا من تلك المفازِة مدركٌ

بنفسي ولو عرَّضتها للمتالفِ

ولكن تؤدّي الشهد إصبع ذائقٍ

وتعلق ريح المسك راحةُ دائفِ(٣)

بنفسيَ من كانت مع الله نفسه

إذا قلَّ يومَ الحقِّ مَن لم يجازفِ

إذا ما عزوا ديناً فآخر عابدٍ

وإن قسموا دنياً فأوَّل عائفِ

____________________

١ - مقرطق:لابس القرطق وهو قباء ذو طاق واحد.

٢ - يريد بالنبت، العذار. السوائف جمع سائفة:هي القطعة من اللحم.

٣ - الدائف:الخالط الذى يخلط المسك بغيره من الطيب.

٢٤٣

كفى يوم بدر شاهداً وهوازن

لمستأخرين عنهما ومزاحفِ

وخيبر ذات الباب وهي ثقيلة الـ

ـمرام على أيدي الخطوب الخفائفِ

أبا حسن إن أنكروا الحق [واضحاً]

على أنَّه والله إنكارُ عارفِ

فإلّا سعى للبين أخمص بازلٍ

وإلّا سمت للنعل إصبع خاصفِ

وإلّا كما كنت ابن عمٍّ و والياً

وصهراً وصنواً كان من لا يقارفِ

أخصَّك بالتفضيل إلّا لعلمه

بعجزهُم عن بعض تلك المواقفِ

نوى الغدرَ أقوامٌ فخانوك بعده

وما آنفٌ في الغدر إلّا كسالفِ

وهبهم سفاهاً صحَّحوا فيك قوله

فهل دفعوا ما عنده في المصاحفِ

سلامٌ على الإسلام بعدك إنَّهم

يسومونه بالجور خُطَّة خاسفِ

وجدَّدها بالطفِّ بابنك عصبةٌ

أباحوا لذاك القرف(١) حكة قارفِ

يعزُّ على محمّد بابن بنته

صبيبُ دم من بين جنبيَّك واكفِ

أجازوك حقّاً في الخلافة غادروا

جوامع(٢) منه في رقاب الخلائفِ

أيا عاطشاً في مصرع لو شهدتُه

سقيتك فيه من دموعي الذوارفِ

سقى غُلّتي بحرٌ بقبرك إنَّني

على غير إلمام به غير آسفِ

وأهدى إليه الزائرون تحيَّتي

لأشرف إن عيني له لم تشارفِ

وعادوا فذرّوا بين جنبيَّ تربة

شفائي ممّا استحقبوا في المخاوفِ(٣)

اُسرُّ لمن والاك حبَّ موافقٍ

و اُبدي لمن عاداك سبَّ مخالفِ

دعيُّ سعى سعي الاُسود وقد مشى

سواه إليها أمسر مشي الخوالفِ(٤)

وأغرى بك الحسّاد أنّك لم تكن

على صنم فيما رووه بعاكفِ

وكنت حصانَ الجيب من يد غامرٍ

كذاك حصانَ العرض من فم قاذفِ

وما نسبٌ ما بين جنبيَّ تالدٌ

بغالب ودٍّ بين جنبيَّ طارفِ

____________________

١ - ألقرف:ألبغي.

٢ - ألجوامع:الاغلال.

٣ - استحقبوا:ادخروا.

٤ - الخوالف:النساء.

٢٤٤

وكم حاسدٍ لي ودَّ لو لم يعش ولم

اُنابله في تأبينكم واُسايفِ(١)

تصرَّفتُ في مدحيكمُ فتركته

يعضُّ عليَّ الكفَّ عضَّ الصوارفِ(٢)

هواكم هو الدنيا وأعلم أنَّه

يُبيِّضُ يوم الحشر سود الصحائفِ

و اُنشِد قصيدةٌ في مراثي أهل البيت عليهم السَّلام من مرذول الشعر على هذا الروي الذي يجيئ وسُئل أن يعمل أبياتاً في وزنها علي قافيتها فقال هذه في الوقت:

مشين لنا بين ميل وهيفِ

فقل في قناة وقل في نزيفِ(٣)

على كلَ غصن ثمارُ الشبا

ب من مُجتنى دواني القُطوفِ

ومن عجب الحسن أنَّ الثقيـ

ـل منه يُدلُّ بحمل الخفيفِ

خليليَّ ما خُبرُ ما تُبصرا

ن بين خلاخيلها والشّنوفِ(٤)

سلاني به فالجمال اسمه

ومعناه مَفسدةٌ للعفيفِ

أمن عربيَّة تحت الظلام

تولّجُ ذاك الخيال المطيفِ ؟!

سرى عينها أو شبيهاً فكا

د يفضح نوميَ بين الضيوفِ

نعم ودعا ذكرَ عهد الصِّبا

سيلقاه قلبي بعهدٍ ضعيفِ

بآل عليٍّ صروف الزمان

بسطنَ لساني لذمِّ الصروفِ

مصابي على بُعد داري بهم

مصابُ الأليف بفقد الأليفِ

وليس صديقيَ غير الحزين

ليوم ( الحسين ) وغيرَ الأسوفِ(٥)

هو الغصن(٦) كان كميناً فهبَّ

لدى ( كربلاء ) بريحٍ عصوفِ

قتيلٌ به ثار غِلّ النفوس

كما نَغَر الجرحَ حكُّ القُروف(٧)

____________________

١ - انابله:أرميه بالنبل. اسايف:اجالده بالسيف.

٢ - ألصوارف جمع صارف وهو:الناب.

٣ - ألنزيف:ألسكران.

٤ - ألشنوف جمع شنف وهو:القرط يعلق بأعلى الاذن.

٥ - الاسوف:ألسريع الحزن الرقيق القلب.

٦ - كذا في مطبوع ديوانه والصحيح:هو الضغن.

٧ - نغر:أسال. القروف جمع قرف وهي القشرة تعلو الجرح.

٢٤٥

بكلِّ يد أمسِ قد بايعته

وساقت له اليوم أيديٍ الحتوفِ

نسوا جدَّه عند عهدٍ قريب

وتالده مع حقٍّ طريفِ

فطاروا له حاملين النِّفاق

بأجنحة غِشّها في الحفيفِ(١)

يعزُّ عليَّ ارتقاء المنون

إلى جبلٍ منك عالٍ منيفِ

ووجهك ذاك الأغرُّ التريب

يشهَّر وهو على الشمس موفي

على ألعن أمره قد سعى

بذاك الذميلِ وذاك الوجيفِ

وويلُ امّ مأمورهم لو أطاع

لقد باع جنَّته بالطفيفِ

وأنت - وإن دافعوك - الإمام

وكان أبوك برغم الاُنوفِ

لِمَن آية الباب يوم اليهود ؟!

ومَن صاحبُ الجنِّ يوم الخسيف ؟!

ومن جمعَ الدين في يوم بدرٍ

واُحدٍ بتفريق تلك الصفوفِ ؟!

وهدَّم في الله أصنامهم

بمرآى عيون عليها عكوفِ ؟!

أغير أبيك إمام الهدى ؟!

ضياء النديِّ هزبرِ العزيفِ(٢)

تفلّل سيفٌ به ضرَّجوك

لسوَّد خِزياً وجوهَ السّيوفِ

أمرَّ بفيَّ عليك الزّلال

وآلم جِلديَ وقعُ الشّفوفِ(٣)

أتحمل فقدَك ذاك العظيمَ

جوارحٌ جسميَ هذا الضعيفِ؟!

ولهفي عليك مقالُ الخبيـ

ـر:إنَّك تُبرد حرَّ اللهيفِ

أنشرُك ما حملَ الزائرو

ن أم المسك خالط ترب الطفوفِ؟!

كأنَّ ضريحك زهر الربيـ

ـع هبَت عليه نسيم الخريفِ

اُحبِّكمُ ما سعى طائفٌ

وحنَّت مطوَّقةٌ في الهُتوفِ

وإن كنتُ من فارس فالشريـ

ـف معتلِقٌ ودُّه بالشريفِ

ركبتُ - على مَن يعاديكمُ

ويفسد تفضيلكم بالوقوفِ -

____________________

١ - الحفيف:أجنحة الطائر.

٢ - العزيف:صوت الرمال اذا هبت عليها الرياح. ولعل الصحيح:الغريف. معجمة العين مهملة الراء:وهو الاجمة.

٣ - الشفوف جمع شف وهو:الثوب الرقيق.

٢٤٦

سوابقَ من مدحكم لم أهبْ

صعوبةَ ريِّضها والقطوفِ(١)

تُقطِّرُ غيريَ أصلابها

و تزلقُ أكفالها بالرَّديفِ(٢)

وقال يمدح أهل البيت عليهم السَّلام وهي من أوَّل قوله:

سلا من سلا:مَن بنا استبدلا ؟!

وكيف محا الآخر الأوَّلا ؟!

وأيّ هوّى حادث العهد أمـ

ـس أنساه ذاك الهوى المُحولا ؟!(٣)

وأين المواثيق، والعاذلات

يضيق عليهنَّ أن تعذلا ؟!

أكانت أضاليلَ وعدِ الزما

ن أم حُلم الليل ثمَّ انجلى ؟!؟!

وممّا جرى الدَّمع فيه سؤا

ل مَن تاه بالحسن أن يُسألا

أقول برامةَ:يا صاحبيَّ

مَعاجاً - وإن فعلا -:أجملا

قفا لعليل فإنَّ الوقوف

وإن هو لم يشفِه عَلّلا

بغربيِّ وجرةَ ينشدنه

- وإن زادنا صلة - منزلا(٤)

وحسناء لو أنصفتْ حسنها

لكان من القبح أن تبخلا

رأت هجرها مرخصاً من دمي

على النأي عِلقاً قديماً غلا(٥)

ورُبَّتَ واشٍ بها منبض(٦)

اسابقه الردَّ أن يُنبلا

رأى ودَّهاً طللاً ممحِلاً

فلفَّق ما شاء أن يَمحلا

وألسنة كأعالي الرِّماح

رددتُ وقد شرعتْ ذُبَّلاً(٧)

ويأبى لحسناء إن أقبلتْ

تعرُّضها قمراً مُقبلا

سقى الله ليلاتنا بالغويـ

ـر فيما أعلَّ وما أنهلا(٨)

____________________

١ - الريض:الدابة أول ما تراض وهى صعبة. القطوف:الدابة التى تسيئ المسير وتبطي.

٢ - تقطر:تلقى الانسان على قطره أي على أعلى ظهره الرديف:الراكب خلف الراكب

٣ - المحول:الذي أتت عليه حول بعد حول أي سنون.

٤ - كذا في ديوانه والصحيح كما ينشده ادباء النجف الاشرف:

بغربي وجرة ينشد به

- وان زادنا ضلة - منزلا

٥ - العلق:الشيئ النفيس.

٦ - النبض:الذي يشد وتر القوس لتصوت.

٧ - الذبل جمع ذابل وهو الدقيق من الرماح.

٨ - العل:الشربّ الثاني. النهل:أول الشرب.

٢٤٧

حياً كلّما أسبلت مقلةٌ

- حنيناً له - عبرةً أسبلا

وخصَّ وإن لم تعد ليلةً

خلت فالكري بعدها ما حَلا

وفي الطيفُ فيها بميعاده

وكان تعوَّد أن يمطُلا

فما كان أقصر ليلي به

وما كان لو لم يُزر أطولا

مساحبُ قصَّر عنّي المشيـ

ـبُ ما كان منها الصِّبا ذيَّلا

ستصرفني نزوات الهمو

م بالإرَب الجِدِّ أن أهزلا

وتنحتُ من طرفي زفرةٌ

مباردها تأكلّ المنصلا(٧)

وأغرى بتأمين آل النبيَّ

إن نسَّب الشعر أو غزَّلا

بنفسي نجومهم المخمَداتِ

ويأبى الهدى غير أن تُشعَلا

وأجسام نورٍ لهم في الصعيـ

ـد تملؤه فيُضيئ الملا

ببطن الثرى حملُ ما لم تُطق

على ظهرها الأرض أن تحملا

تفيض فكانت ندًى أبحرا

وتهوي فكانت عُلاً أجبُلا

سل المتحدّي بهم في الفخا

ر أين سمت شرفات العلا ؟!

بمن باهل الله أعداءه

فكان الرَّسول بهم أبهلا ؟!

وهذا الكتاب وإعجازه

على مَن ؟ وفي بيت مَن نُزِّلا ؟!

وبدرٌ، وبدرٌ، به الدين تـ

مَّ من كان فيه جميلَ البلا ؟!

و مَن نام قومٌ سواه وقام ؟

ومن كان أفقه أو أعدلا ؟!

بمن فُصل الحكم يوم الجنين

فطبَّق في ذلك المَفصلا ؟!(١)

مساعٍ اُطيل بتفصيلها

كفى معجزاً ذكرُها مجملا

يميناً لقد سُلّط الملحدون

على الحقِّ أو كاد أن يبطلا

فلولا ضمانٌ لنا في الطهور

قضى جدَلُ القول أن نخجلا

أ ألله يا قومُ يقضي النبيُّ

مطاعاً فيُعصى وما غُسِّلا ؟!

____________________

٧ - المنصل. السيف.

١ - يقال للرجل اذا أصاب مهجة الصواب:طبق المفصل. وقصد الجنين إحدى قضايا الإمام عليه ‌السلام.

٢٤٨

ويوصي فنخرص دعوى عليـ

ـه في تركه دينه مهملا ؟!

ويجتمعون على زعمهم

ويُنبيك سعد(١) بما أشكلا

فيُعقب إجماعُهم أن يبيـ

ـت مفضولهم يقدمُ الأفضلا

وأن يُنزع الأمر من أهله

لأنَّ ( عليّاً ) له اُهِّلا

وساروا يحطَّون في آله

بظلمهمُ كلكلاً كلكلا(٢)

تدب عقارب من كيدهم

فتفنيهمُ أوّلاً أوَّلا

أضاليل ساقت مصابَ الحسين

وما قبلَ ذاك وما قد تلا

اُميَّةُ لابسةٌ عارها

وإن خفي الثار أو حُصِّلا

فيوم ( السقيفة ) يا بن النبيَّ

طرَّق يومك في ( كربلا )

وغصبُ أبيك على حقِّه

واُمِّك حَسَّن أن تُقتلا

أيا راكباً ظهرَ مجدولةٍ

تخال إذا انبسطت أجدلا(٣)

شأت أربَعَ الريح في أربعٍ

إذا ما انتشرن طوين الفلا

إذا وكّلت طرفها بالسما

ء خيل بإدراكها وُكِّلا

فعزَّت غزالتها غُرَّةً

وطالت غزال الفلا أيطلا(٤)

كطيِّك في منتهىً واحد(٥)

- لنُدرك يثربَ - أو مرقلا(٦)

فصل ناجياً وعليَّ الأمان

لمن كان في حاجةٍ موصَلا

تحمَّلْ رسالة صبٍّ حملتَ

فناد بها أحمد المرسَلا

وحيِّ وقل:يا نبيَّ الهدى

تأشَّب(٧) نهجُك واستوغلا

____________________

١ - بشير الى سعد بن عبادة أمير الخزرج وقد أبى بيعة أبي بكر وبقي على ذلك حتى مات وقصته مودوعة في التاريخ.

٢ - الكلكل:ألصدر أوما بين الترقوتين.

٣ - المجدولة. من جدل الولد إذا قوى وصلب عظمه. الاجدل:الصقر.

٤ - عزت:غلبت. ألغزالة:ألشمس عند ارتفاعها الايطل:الخاصرة.

٥ - كذا في مطبوع ديوانه والمحفوظ عند أدباء النجف الاشرف:أظنك في متنها واخداً والوخد ضرب من سير الابل سريع.

٦ - ألمرقل:ألمسرع في سيره.

٧ - تأشب:اختلط.

٢٤٩

قضيتَ فأرمضنا ما قضيت

وشرعك قد تمَّ واستكملا

فرامَ ابنُ عمِّك فيما سننـ

ـتَ أن يتقبَّل أو يَمثُلا

فخانك فيه من الغادريـ

ـن من غيَّر الحقَّ أو بدَّلا

إلى أن تحلّت بها تيمها

وأضحت بنو هاشمُ عطَّلا

ولمّا سرى أمرُ تيمٍ أطا

ل بيت عديٍّ لها الأحبلا(١)

ومدَّت اُميَّة أعناقها

وقد هوّن الخطب واستسهلا

فنال ابن عُفّان ما لم يكن

يُظنُّ وما نال بلُ نوِّلا

فقرَّ وأنعم عيش يكو

ن من قبله خشناً قُلقلا(٢)

وقلَّبها أردشيريَّةً

فحرَّق فيها بما أشعلا

وساروا فساقوه أو أوردوه

حياضَ الرَّدى منهلاً منهلا

ولمّا امتطاها ( عليٌّ ) اخو

ك ردَّ إلى الحقِّ فاستثقِلا

وجاؤا يسومونه القاتلين

وهم قد ولوا ذلك المقتَلا

وكانت هناةٌ وأنت الخصيم

غداً والمعاجَل من اُمهلا

لكم آل ياسين مدحي صفا

وودِّي حَلا وفؤادي خلا

وعندي لأعدائكم نافذا

ت قوليَ [ ما ] صاحبَ المِقولا(٣)

إذا ضاق بالسير ذرعُ الرفيق

ملأتُ بهنَّ فروجَ الملا

فواقرُ من كلِّ سهمٍ تكون

له كلُّ جارحةٍ مقتَلا

وهلّا ونهج طريق النجاة

بكم لاح لي بعد ما أشكلا ؟!

ركبتُ لكم لَقَمي فاستننت(٤)

وكنتُ اُخابطه مجهلا

وفُكَّ من الشِّرك أسري وكا

نُ غلّا على منكبيُ مقفلا

____________________

١ - كذا في ديوانه المطبوع والمحفوظ عند خطبائنا:

ولمّا سرى أمرُ تيمٍ وطالَ

مدَّت عديٌّ لها الأرجلا

٢ - ألقلقل:غير القار.

٣ - ألمقول:اللسان.

٤ - اللقم:معظم الطريق وواضحه. استننت:ذهبت في واضح الطريق.

٢٥٠

اُواليكمُ ما جرت مزنةٌ

وما اصطخب الرعد أو جلجلا

وأبرأ ممّن يُعاديكمُ

فإنَّ البرائة أصلُ الولا

ومولاكمُ لا يخاف العقاب

فكونوا له في غدٍ موئلا

وقال يذكر مناقب أمير المؤمنين صلوات الله عليه وما مُني به من أعدائه:

إن كنت ممَّن يلج الوادي فسلْ

بين البيوت عن فؤادي:ما فعلْ

وهل رأيتَ - والغريب ما ترى -

واجدَ جسمٍ قبله منه يضِلّ؟!

وقل لغزلان النقا:مات الهوى

وطُلّقتْ بعدكمُ بنت الغزلْ

وعادَ عنكنَّ يخيبُ قانصٌ

مدَّ الحبالات لكنَّ فاحتبلْ(١)

يا من يرى قتلىَ السيوف حُظرتْ

دمائهم، أللهَ في قتلىَ المقَلْ

ما عند سكّان مِنىً في رجلٍ

سباه ظبيٌ وهو في ألف رَجُلْ

دافع عن صفحته شوكُ القنا

وجرحته أعين السِّرب النجلْ

دمٌ حرامٌ للأخ المسلم في

أرضٍ حرامٍ يالَ نُعم كيف حلْ ؟!

قلتِ:شكا، فأين دعوى صبره ؟

كُرّى اللحاظّ واسئلي عن الخبلْ

عنَّ هواكِ فأذلَّ جَلَدي

والحبُّ مارقَّ له الجَلد وذلْ(٢)

من دلَّ مسراك عليَّ في الدُّجى ؟

هيهات في وجهك بدرٌ لا يَدلْ

رمتِ الجمال فملكتِ عنوةً

أعناقَ ما دقَّ من الحسن وجلّ

لواحظاً علّمت الضّرب الظبا

على قوامٍ علّم الطعنَ الأسلْ(٣)

يا من رأى بحاجر مجاليا

من حيث ما استقبلها فهي قِبَلْ

إذا مررتَ بالقباب من قُبا

مرفوعة وقد هوت شمس الأصُلْ(٤)

فقل لأقمار السماء:اختمري

فحلبةُ الحسن لأقمار الكللْ

____________________

١ - فاحتبل:فصيد بالحبالة.

٢ - ألجلد:ألصبر. الجلد:القوي الشديد.

٣ - الظبا جمع الظبة:حد السيف. الاسل:الرمح.

٤ - قبا اسم موضع بالمدينة فيه مسجد لرسول الله صلى‌ الله ‌عليه‌ و آله ‌و سلم. الاصل ج أصل وهو :وقت ما بعد العصر الى المغرب.

٢٥١

أين ليالينا على الخيف ؟! وهلْ

يردُّ عيشاً بالحمى قولك:هلْ ؟!

ما كنَّ إلّا حُلماً روَّعه الصُّـ

ـبحُ وظلّا ًكالشبابِ فانتقلْ

ما جمعتْ قطُّ الشبابَ والغنى

يد امرئ ولا المشيبَ والجذلْ

يا ليت ما سوَّد أيّام الصِّبا

أعدى بياضاً في العذارين نزلْ

ما خلتُ سوداء بياضي نصَلت

حتّى ذوي أسود رأسي فنصَلْ(١)

طارقةٌ من الزَّمان أخذتْ

أواخرَ العيش بفرطات الاُوَلْ

قد أنذرتْ مبيضَّة أن حذَّرتْ

ونطق الشيبُ بنصحٍ لو قُبلْ

ودلَّ ما حطَّ عليك من سني

عمرك أنَّ الحظَّ فيما قد رحلْ

كم عِبرةٍ وأنت من عظاتها

ملتفتٌ تتبع شيطانَ الأملْ

ما بين يُمناك وبين اُختها

إلّا كما بين مناك والأجلْ

فاعمل من اليوم لما تلقى غداً

أو لا فقل خيراً تُوفَّق للعملْ

ورد خفيف الظهر حوض اُسرةٍ

إن ثقَّلوا الميزانَ في الخير ثقلْ

اُشددْ يداً بحبِّ آل أحمد

فإنَّه عقدةُ فوزٍ لا تُحَلْ

وابعث لهم مراثياً ومِدَحاً

صفوةَ ما راض الضميرُ ونخلْ

عقائلاً تصان بابتذالها

وشارداتٍ وهي للساري عُقُلْ

تحملُ من فضلهم ما نهضت

بحمله أقوى المصاعيب الذُّللْ(٢)

موسومةً في جبهات الخيل أو

معلّقاتٍ فوق أعجاز الابلْ

تنثو(٣) العلاء سيِّداً فسيِّداً

عنهم وتنعى بطلاً بعدَ بطلْ

ألطيِّبون اُزُراً تحت الدُّجى

ألكائنون وَزَراً يوم الوجلْ(٤)

والمنعمون والثرى مُقطّبٌ

من جدبه والعام غضبان أزلْ(٥)

خير مُصلٍّ مَلكاً وبشراً

وحافياً داس الثرى ومنتعِلْ

____________________

١ - نصل:خرج من خضابه.

٢ - المصاعيب الذلل:الفحول المذللة.

٣ - تنثو من نث نثا الخبر:أفشاه.

٤ - ازر جمع ازار. الوزر:الملجا والكنف.

٥ - الازل:الشديد الضيق. يقال:ازْل، ازِل. للمبالغة.

٢٥٢

همْ وأبوهم شرفاً واُمّهم

أكرمَ من تحوي السماءُ وتظلْ

لا طُلقاء منعمٌ عليهمُ

ولا يحارون إذا الناصر قَلْ

يستشعرون:اللهُ أعلى في الورى

وغيرهم شعاره:اُعلُ هبلْ(١)

لم يتزخرف وثَنٌ لعابدٍ

منهم يُزيغ قلبَه ولا يُضلْ

ولا سرى عرقُ الإماءِ فهمُ

خبائث ليست مَريئات الاُكُلْ

يا راكباً تحمله عيديَّةٌ(٢)

مهويَّةُ الظهر بعضَّات الرّحَلْ

ليس لها من الوَجا منتصرٌ

إذا شكا غاربها حيف الإطِلْ(٣)

تشرب خمساً وتجرُّ رعيها

والماءُ عِدُّ والنبات مكتهلْ(٤)

إذا اقتضتْ راكبها تعريسةً

سوَّفها الفجر ومنّاها الطَّفلْ(٥)

عرِّج بروضات الغريِّ سائفاً

أزكى ثرًى وواطئاً أعلى محلّْ

وأدِّ عنّي مبلغاً تحيِّتي

خير الوصيِّين أخا خيرِ الرُّسلْ

سمعاً أمير المؤمنين إنَّها

كنايةٌ لم تك فيها منتحِلْ

ما لقريشٍ ما ذقتك عهدَها

ودامجتك ودَّها على دَخَل(٦)

وطالبتك عن قديم غلِّها

بعد أخيك بالتراث والذَّحَلْ

وكيف ضمّوا أمرهم واجتمعوا

فاستوزروا الرأي وأنت منعزلْ؟!

وليس فيهم قادحٌ بريبةٍ

فيك ولا قاضٍ عليك بوهَلْ(٧)

ولا تُعدُّ بينهم منقبةٌ

إلّا لك التفصيل منها والجُملْ

وما لقوم نافقوا محمَّداً

عمر الحياة وبغوا فيه الغَيلْ ؟!

____________________

١ - اشار الى قول ابى سفيان يوم احد اعل هبل:هبل بالضم اسم صنم لهم معروف.

٢ - عيدية:نسبة الى فحل تنسب اليه كرام النجائب، أو نسبة الى حى يقال له:بنو العيد تنسب إليه النوق العيدية.

٣ - الوجا:الحفا. الغارب:الكاهل الأطل:ألخاصرة.

٤ - الخمس:ورد الابل على الماء في اليوم الخامس. تجر:تعيد ما في جوفها لتأكله ثانية. الرعى:الكلا. العد:الغزير الذي لا ينقطع. المكتهل من النبات:ما تم طوله ونوره.

٥ - التعريسة:نزول المسافر آخر الليل للاستراحة. الطفل:قبيل غروب الشمس.

٦ - ماذقتك:شابت ودها ولم تخلص. دامجتك:جمعت لك ودها. الدخل:الخداع.

٧ - الوهل:ألخوف والضعف.

٢٥٣

وتابعوه بقلوبٍ نزل الـ

ـفرقان فيها ناطقاً بما نزلْ

مات فلم تنعَقْ على صاحبه

ناعقةٌ منهم ولم يُرغِ جَملْ

ولا شكا القائم في مكانه

منهم ولا عنَّفهم ولا عذَلْ

فهل تُرى مات النفاق معهُ ؟!

أم خلصت أديانهم لمّا نُقلْ؟!

لا والذي أيَّده بوحيه

وشدَّه منك بركنٍ لم يَزُلْ

ما ذاك إلّا أنَّ نيّاتهمُ

في الكفر كانت تلتوي وتعتدلْ

وإنَّ وُدّاً بينهم دلَّ على

صفائه رضاهُم بما فعلْ

وهبهمُ تخرُّصاً قد ادَّعوا

إنَّ النِّفاق كان فيهم وبطلْ

فما لهم عادوا وقد وليتهم

فذكروا تلك الحزازات الاُوَلْ

وبايعوك عن خداعٍ كلّهم

باسطُ كفٍّ تحتها قلبٌ نغِلْ

ضرورة ذاك كما عاهد مَن

عاهد منهم أحمداً ثمَّ نكلْ

وصاحب الشورى لما ذاك ترى

عنك وقد ضايقه الموت عدلْ

والأمويُّ ما له أخَّركم

وخصَّ قوماً بالعطاء والنفَلْ؟!

وردَّها عجماءَ كسرويَّةً

يضاع فيها الدين حفظاً للدولْ

كذاك حتّى أنكروا مكانه

وهم عليك قدَّموه فقبلْ

ثمَّ قسمتَ بالسَّواء بينهم

فعظم الخطب عليهم وثقُلْ

فشُحذتْ تلك الظّبا وحُفرتْ

تلك الزُّبى واُضرمت تلك الشّعلْ

مواقفٌ في الغدر يكفي سُبَّةً

منها وعاراً لهمُ يوم الجملْ

يا ليت شعري عن أكفٍّ أرهفتْ

لك المواضي وانتحتك بالذُّبُلْ(١)

واحتطبت تبغيك بالشرِّ على

أيِّ اعتذارٍ في المعاد تتَّكلْ ؟!

أنسيَتْ صفقتها أمس على

يديك ألّا غَيرٌ ولا بدلْ ؟!

وعن حصانٍ أبرزت يُكشف باسـ

ـتخراجها سترُ النبيِّ المنسدلْ ؟!

تطلب أمراً لم يكن ينصره

بمثلها في الحرب إلّا مَن خذَلْ

يا للرِّجال ولتَيمٍ تدَّعي

ثأرَ بني اُميّة وتنتحلْ

____________________

١ - ألمواضي:السيوف الماضية:الذبل:الرماح الدقيقة الطويلة.

٢٥٤

وللقتيل يُلزمون دمَه

- وفيهمُ القاتلُ - غير من قتلْ

حتّى إذا دارت رحى بغيهمُ

عليهمُ وسبق السيف العذَلْ

وأنجز النَّكثُ العذاب فيهمُ

بعد اعتزالٍ منهمُ بما مُطلْ

عاذوا بعفو ماجدٍ معوّدٍ

للصبر حمّالٍ لهم على العللْ

أطت بهم أرحامهم فلم تطع

ثائرة الغيظ ولم تشف الغللْ

فنجَّت البقا عليهم مَن نجا

وأكلَ الحديدُ منهم من أكلْ

واحتجَّ قومٌ بعد ذاك لهمُ

بفاضحات ربِّها يوم الجدَلْ

فقلَّ منهم من لوى ندامةً

عنانَه عن المصاع(١) فاعتزلْ

وانتزع العامل(٢) من قناته

فردّ بالكره فشدَّ فحملْ

والحال تُنبي أنَّ ذاك لم يكن

عن توبةٍ وأنَّما كان فشلْ

ومنهمُ من تاب بعد موته

وليس بعد الموت للمرء عملْ

وإن تكن ذات الغبيط أقلعت

برغم مَن اسند ذاك ونقلْ

فما لها تمنع من دفن ابنه

لولا هناتٌ جرحها لم يندملْ؟!

وما الخبيثان ابن هند وابنه

وإن طغى خطبهما بعدُ وجلْ

بمبدعَين في الذي جاءا به

وإنَّما تقفَّيا تلك السبلْ

إن يحسدوك فلفرط عجزهم

في المشكلاتِ ولما فيك كملْ

ألصنو أنت والوصيُّ دونهم

ووارثُ العلم وصاحب الرسُلْ

وآكلُ الطائر و الطاردُ لِلصِّـ

ـل ومن كلّمه قبلك صِلْ ؟!(٣)

وخاصفُ النعل وذو الخاتم والـ

ـمنهل في يوم القليب والمعِلْ

وفاصل القضيَّة العسراء في

يوم الحنين وهو حُكمٌ ما فصلْ

ورجعةٌ الشَّمس عليك نبأٌ

تشعَّب الألبات فيه وتضِلّ

فما ألوم حاسداً عنك انزوى

غيظاً ولا ذا قدَمٍ فيك تزلْ

____________________

١ - المصاع. التجمح.

٢ - العامل:صدر الرمح وهو ما يلي السنان.

٣ - ألصل: ألثعبان.

٢٥٥

يا صاحبَ الحوض غداً لاحُلّئت(١)

نفسٌ تواليك عن العَذب النهلْ

ولا تسلّط قبضة النار على

عُنقٍ إليك بالوداد ينفتلْ

عاديتُ فيك النّاسَ لم أحفل بهم

حتّى رموني عن يدٍ إلّا الأقلْ

تفرَّغوا يعترقون غيبةً

لحمي وفي مدحك عنهم لي شُغلْ

عدلتُ أن ترضى بأن يسخط مَن

نُقلّه الأرض عليَّ فاعتدلْ

ولو يُشقُّ البحر ثمَّ يلتقي

فلقاه(٢) فوقي في هواك لم اُبَلْ

علاقةٌ بي بكمُ سابقةٌ

لمَجد سلمان إليكم تتَّصلْ

ضاربةٌ في حبِّكم عروقها

ضرب فحول الشَّوْل في النوق البزلْ(٣)

تضمّني من طرفي في حبلكم

مودَّةٌ شاخت ودينٌ مقتبلْ

فضّلتُ آبائي الملوكَ بكمُ

فضيلة الإسلام أسلاف المللْ

لذاكمُ اُرسلها نوافذاً

لأمّ مَن لا يتَّقيهنَّ الهَبَلْ(٤)

يمرقن زُرقاً من يدي حدائداً

تُنحى أعاديكم بها وتنتبلْ(٥)

صوائباً إمّا رميتُ عنكُم

وربما أخطأ رامٍ من ثُعلْ(٦)

وله يرثي شيخ الاُمَّة ابن المعلّم محمَّد بن محمَّد بن نعمان المفيد المتوفّى ٤١٣:

ما بعد يومك سلوةٌ لمعلّلِ

منّي ولا ظفرتْ بسمعٍ معذَّلِ

سوَّى المصاب بك القلوب على الجوى

فيدُ الجليد على حشا المتلملِ(٧)

وتشابه الباكون فيك فلم يبن

دمع المحقِّ لنا من المتعمِّلِ

كنّا نُعيَّر بالحلوم إذا هفتْ

جزعاً وتهزأ بالعيونِ الهمَّلِ

فاليوم صار العذر للفاني أسىً

واللوم للمتماسك المتجمِّلِ

____________________

١ - حلئت:منعت من الورد.

٢ - الفلق:نصف الشيء اذا شق.

٣ - الشول ج شائلة وهي الناقة ترفع ذنبها. البزل ج بازل:المسن من الابل.

٤ - الهبل:الثكلّ.

٥ - تنتبل:ترمى بالنبل.

٦ - تعل:اسم قبيلة مشهورة بالرمي. في هذه القصيدة أبيات حرفتها يد الطبع المصرية عن ديوانه رمزناها ب‍ خ.

٧ - الجليد:القوي الشديد. المتململ:المتقلب على فراشه مرضا أو جزعا.

_١٦_

٢٥٦

رحل الحِمام بها غنيمة فائز

ما ثار قطُّ بمثلها عن منزلِ

كانت يد الدين الحنيف وسيفهً

فلأبكينَّ على الأشلِّ الأعزلِ(١)

مالي رقدتُ وطالبي مستيقظُ ؟!

وغفلت والأقدار لمّا تغفلِ ؟!

ولويت وجهي عن مصارع اُسرتي

حذر المنيَّةِ والشفار تُحدُّ لي

قد نمَّت الدنيا إليَّ بسرِّها

ودُللتُ بالماضي على المستقبلِ

ورأيتُ كيف يطير في لهواتها(٢)

لحمي وإن أنا بعدُ لَمّا اؤكلِ

و علمتُ مع طيب المحلِّ وخصبه

بتحوّل الجيران كيف تحوّلي

لم أركب الأمل الغَرور مطيَّةً

بَلهاء لم تبلغ مدًى بمؤمِّلِ

ألوى ليمهلني إليَّ زمامها

ووراءها اُلهوب(٣) سوقٍ مُعجلِ

حُلمٌ تزخرفه الحنادس في الكرى

ويقينه عند الصَّباح المنجلي

أحصي السنين يسرُّ نفسي طولها

وقصيرُ ما يُغنيك مثلُ الأطولِ

وإذا مضى يومٌ طربتُ إلى غدٍ

وببضعةٍ منّي مضى أو مَفصلِ

أخشن إذا لاقيتَ يومك أو فلِنْ

واشدد فإنَّك ميِّتٌ أو فاحللِ

سيّان عند يدٍ لقبض نفوسنا

ممدودةٍ فمُ ناهشٍ ومقبِّلِ

سوَّى الرَّدى بين الخصاصة والغنى

فإذا الحريص هو الذي لم يعقلِ

والثائر العادي على أعدائه

ينقادَ قود العاجز المتزمِّلِ

لو فُلَّ غَرْبٌ الموت عن متدرِّعٍ

بعفافه أو ناسك مُتعزِّلِ

أو واحد الحسنات غيرِ مشبّهٍ

بأخٍ وفرد الفضل غير ممثَّلِ

أو قائلٍ في الدين فعّالٍ إذا

قال المفقّه فيه ما لم يفعلِ

وَقت ابن نعمان النزاهةٌ أو نجا

سلماً فكان من الخطوب بمعزلِ

ولجاءه حبُّ السَّلامة مؤذناً

بسلامه من كلِّ داءٍ معضلِ

أو دافعت صدر الرَّدى عُصَب الهدى

عن بحرها أو بدرها المتهلّلِ

____________________

١ - الاشل:الذي شلت يده. ألاعزل:من لم يكن معه سلاح.

٢ - لهوات ج لهاة:اللحمة المشرفة على الحلق في اقصى سقف الفم.

٣ - الالهوب:السوط. ألاصل فيه:الجرى الشديد الذى يثير اللهب واللهب:الغبار الساطع.

٢٥٧

لحمتهُ أيدٍ لا تني في نصره

صدقَ الجهاد وأنفسٌ لا تأتلي(١)

وغدت تطارد عن قناة لسانه

إبناءُ فهرٍ بالقُنيِّ(٢) الذبَّلِ

وتبادرتْ سبقاً إلى عليائها

في نصر مولاها الكرام بنو علي

من كلِّ مفتول القناة بساعدٍ

شطب كصدر السمهريَّة أفتلِ

غير انَ يسبق عزمه أخباره

حتّى يغامر في الرَّعيل الأوَّل

وافي الحجا ويُخال أنَّ برأسه

في الحرب عارض جنَّةٍ أو أخبلِ

ما قنَّعتْ اُفقاً عجاجةُ غارةٍ

إلّا تخرَّق عنه ثوب القسطلِ

تعدو به خيفانةٌ لو أشعرتْ

أنَّ الصهيل يُجمّها لم تصهلِ(٣)

صبّارةٌ إن مسَّها جَهد الطوى

قنعتْ مكان عقيلها بالمسحلِ(٤)

فسَروا فناداهم سراةُ رجالهم

لمجسَّد من هامهم ومُرجَّلِ(٥)

بعداءُ عن وهن التواكل في فتىً

لهمُ على أعدائهم مُتوكّلِ

سمح ببذل النفس فيهم قائمٍ

لِلَّه في نصرِ الهدى مُتبتِّلِ

نزّاع أرشية التنازع فيهمُ

حتّى يسوقَ إليهم النصَّ الجلي

ويبين عندهم الإمامة نازعاً

فيها الحجاج من الكتاب المنزلِ

بطريقة وضحتْ كأنْ لم تشتبه

وأمانةٍ عُرفتْ كأنْ لم تُجهلِ

يصبو لها قلبُ العدوِّ وسمعه

حتّى يُنيب فكيف حالك بالولي ؟!

يا مرسلاً إن كنت مبلغ ميِّت

تحت الصفائح(٦) قول حيّ مرسلِ

فلج الثرى الراوي فقل ( لمحمَّدٍ )

عن ذي فؤاد بالفجيعة مشعلِ

مَن للخصوم اللدِّ بعدك غصَّةٌ

في الصدر لا تهوي ولا هي تعتلي ؟!

مَن للجدال إذا الشفاهُ تقلّصتْ

وإذا اللسان بريقه لم يُبللِ ؟!

____________________

١ - لا تنى من ونى ينى:لا تكلّ ولا تضعف.

٢ - القنى جمع قناة وهو الرمح.

٣ - الخيفانة:الفرس الخفيفة. يجمها:يريحها.

٤ - المسحل:اللجام.

٥ - المجسد:المدهون بالجساد وهو الزعفران. المرجل:الشعر المسرح.

٦ - الصفائح جمع الصفيحة:الحجر العريض.

٢٥٨

مَن بعدَ فقدك ربُّ كلِّ غريبةٍ

بكربك افُترعت وقولةِ فيصلِ ؟!

ولغامضٍ خافٍ رفعتَ قِوامه

وفتحتَ منهُ في الجوابِ المقفلِ ؟!

مَن للطروس يصوغ في صفحاتها

حلياً يقعقع كلّما خِرسَ الحلي ؟!

يبقين لِلذِّكرِ المخلّد رحمةً

لك من فم الراوي وعين المجتلي

أين الفؤاد النّدب غير مُضعَّف ؟!

أين اللسان الصعب غير مفلّل ؟!(١)

تفري به وتحزُّ كلَّ ضريبةٍ

ما كلُّ حزَّةِ مفصل للمنصلِ(٢)

كم قد ضممت لدين آل ( محمَّد )

مِن شاردٍ وهديتَ قلب مضلّلِ

وعقلتَ من ودٍّ عليهم ناشطٍ

لو لم تَرُضه ملاطفاً لم يُعقلِ

لا تطَّبيك(٣) ملالةٌ عن قولةٍ

تروي عن المفضول حقِّ الأفضلِ

فليجزينَّك عنهمُ ما لم يزل

يبلو القلوب ليجتبي وليبتلي

ولتنظرنَّ إلى ( عليٍّ ) رافعاً

ضبعيك يوم البعث ينظر من علِ(٤)

يا ثاوياً - وسَّدتُ منه في الثرى

عَلَماً يطول به البقاءُ وإن بلي -

جَدثا لدى الزوراء بين قصورها

أجللته عن بطن قاع ممُحلِ(٥)

ما كنتُ - قبل أراك تُقبر - خائفاً

من أن تُوارى هضبةٌ بالجندلِ(٦)

من ثلَّ عرشك واستقادك خاطماً(٧)

فانقدتَ يا قطّاع تلك الأحبل ؟!

من فلَّ غرب حسام فيك فردَّه

زُبراً تساقط من يمين الصيقلِ ؟!(٨)

قد كنتَ من قمص الدجى في جنَّةٍ

لاُ تنتحى ومن الحجا في معقلِ

متمنِّعاً بالفضل لا ترنو إلى

مغناك مقلةٌ راصدٍ مُتأمِّلٍ

فمن أيِّ خرم أو ثنيَّةِ غرَّةٍ

طلعت عليك يد الرَّدى المتوغلِ

____________________

١ - الندب:الخفيف في الحاجة اذا ندب اليها خف لقضائها. المفلل:الملثم.

٢ - المنصل:السيف والسنان.

٣ - لا تطبيك:لا تزدهيك.

٤ - من عل:من فوق.

٥ - الممحل:المقفر.

٦ - الهضبة:الجبل المنبسط أو الطويل الممتنع المنفرد. الجندل:الصخرة.

٧ - الخاطم:واضع الخطام بالانف.

٨ - زبر جمع زبرة:القطعة من الحديد.

٢٥٩

ما خلتُ قبلك انّ خدعة قانص

تلجُ العرين وراءَ ليث مُشبلِ

أو أنَّ كفَّ الدَّهر يقوى بطشها

حتّى تظفَّر في ذؤابة يذبُلِ(١)

كانوا يرون الفضل للمـ

ـتقدَّم السبّاق والنقصان في المتقبِّلِ

قول الهوى وشريعةٌ منسوخةٌ

وقضيَّةٌ من عادة لم تعدلِ

حتّى نجمتَ فأجمعوا وتبيِّنوا

أنَّ الأخير مقصِّرٌ بالأوَّلِ

بكر النعيُّ فسكَّ فيكَّ مسامعي

وأعاد صبحي جنح ليلٍ أليلِ

ونزت بنيّاتُ الفؤاد لصوته

نزو الفصائل في زفير المرجلِ(٢)

ما كنت أحسب والزمان مقاتلي

يرمي ويخطئ - أن يومك مقتلي

يومٌ أطلَّ بغُلّةٍ لا يشتفي

منها الهدى وبغمَّةٍ لا تنجلي

فكأنَّه يوم ( الوصيِّ ) مدافعاً

عن حتفه بعد النبيِّ المرسَلِ

ما إن رأت عيناي أكثر باكياً

منه وأوجع رنَّة من مُعولِ

حُشدوا على جنبات نعشك وُقّعاً

حشدَ العطاش على شفيرِ المنهلِ

وتنازفوا الدمع الغريب كأنَّما الـ

إسلام قبلك اُمّه لم تثكلِ

يمشون خلفك والثرى بك روضةٌ

كحل العيونَ بها تراب الأرجلِ

إن كان حظّى من وصالك قبلها

حظَّ المغبِّ ونهزةَ المتقلّلِ

فلأعطينَّك من ودادي ميِّتاً

جهدَ المنيب ورجعةً المتنصّلِ

لو أنفدت عيني عليك دموعها

فليبكينَّك بالقوافي مِقولي

ومتى تلفَّت للنصيحةِ موجعٌ

يبغي السلوِّ ومالَ ميلَ العُذِّلِ

فسلوّك الماءُ الذي لا أستقي

عطشانَ والنارُ التي لا أصطلي

* * *

رقّاصة القطرات تختم في الحصا

وسماً وتفحص في الثرى المتهيِّلِ

نسجت لها كفُّ الجنوب مُلاءةً

رتقاء لا تُفصى بكفِّ الشمألِ

____________________

١ - الذؤابة:الناصية. يذبل بالفتح ثمَّ السكون. جبل بنجد في طريقها.

٢ - الفصائل ج فصيلة:القطعة من لحم الأفخاذ. المرجل:القدر.

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423