الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب18%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الجزء ١ المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 199721 / تحميل: 8564
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

صبّابة الجنبات تسمع حولها

للرعد شقشقةَ القُروم البزّلِ(١)

تُرضى ثراك بواكفٍ متدفِّقٍ

يُروي صداك وقاطرٍ مُتسلسلِ

حتّى يرى زوّار قبرك أنَّهم

حطّوا رحالهمُ بوادٍ مبقلِ

و متى ونتْ أو قصَّرت أهدابها

أمددتها منّي بدمعٍ مسبلِ

____________________

١ - القروم جمع قرم:الفحل من الابل. البزل جمع بازل:الفحل المسن.

٢٦١

ألقرن الخامس

٣٩

سيدنا الشريف المرتضى

المولود ٣٥٥

المتوفّى ٤٣٦

لو لم يُعاجله النَّوى لتحيَّرا

وقصاره وقد انتأوا أن يقصرا

أفكلّما راع الخليط تصوّبت

عبرات عين لم تقلّ فتكثرا

قد أوقدتْ حرَّى الفراق صبابةً

لم تستعر ومرين دمعاً ما جرى

شغفٌ يكتِّمه الحياء ولوعةٌ

خفيت وحقَّ لمثلها أن تظهرا

أين الركائب ؟! لم يكن ما عُلنه

صبراً ولكن كان ذاك تصبَّرا

لبَّين داعية النَّوى فأريننا

بين القباب البيض موتاً أحمرا

وبعدن بالبين المشتِّت ساعة

فكأنَّهنَّ بعدنَ عنّا أشهرا

عاجوا على ثمد البطاح وحبّهم

أجرى العيون غداة بانوا أبحرا

وتنكّبوا وعر الطريق وخلّفوا

ما في الجوانح من هواهم أوعرا

أمّا السلوُّ فإنَّه لا يهتدي

قصد القلوب وقد حشين تذكّرا

قد رمتُ ذاك فلم أجده وحقِّ مَن

فقد السبيل إلى الهدى أن يُعذرا

أهلاً بطيف خيال مانعةٍ لنا

يقظى ومفضلة علينا في الكرى

ما كان أنعمنا بها من زورةٍ

لو باعدتْ وقت الورود المصدرا

جزعت لو خطات المشيب وإنَّما

بلغ الشباب مدى الكمال فنوَّرا

والشيب إن أنكرتَ فيه مورداً

لا بدَّ يورده الفتى إن عمَّرا

يبيضُّ بعد سواده الشَّعر الذي

إن لم يزره الشيب واراه الثرى

زمن الشبيبة لأعدتك تحيَّة

وسقاك منهمر الحيا ما استغزرا

فلطالما أضحى ردائي ساحباً

في ظلّك الوافي وعودي أخضرا

٢٦٢

أيّام يرمقني الغزال إذا رنا

شغفاً ويطرقني الخيال إذا سرى

ومرنِّحٌ في الكور تحسب أنَّه

اصطبح العقار وإنما اغتبق السرى

بطلٌ صفاه للخداع مزلَّة

فاذا مشى فيه الزماع تغشمرا

أمّا سألت به فلا تسأل به

نأياً يناغي في البطالة مزمرا

واسأل به الجرد العتاق مغيرة

يخبطن هاماً أو يطأن سنوَّرا

يحملن كلِّ مدجَّج يقري الظبا

علقاً وأنفاس السوافي عثيرا

قومي الذين وقد دجت سبل الهدى

تركوا طريق الدين فينا مُقمرا

غلبوا على الشرف التليد وجاوزوا

ذاك التليد تطرّفاً وتخيّرا

كم فيهمُ من قسورٍ متخمّطٍ

يُردي إذا شاء الهزبر القسورا

متنمِّر والحرب إن هتفتْ به

أدَّته بسّام المحيّا مُسفرا

وملوّمٍ في بذله ولطالما

أضحى جديراً في العلا أن يشكرا

ومرفِّع فوق الرِّجال تخاله

يوم الخطابة قد تسنَّم منبرا

جمعوا الجميل إلى الجمال وإنمَّا

ضمّوا إلى المرأى الممدِّح مخبرا

سائلْ بهم بذراً واُحداً والتي

ردَّت جبين بني الضّلال مُعفّرا

لِلَّه درُّ فوارس في خيبر

حملوا عن الإسلام يوماً منكرا

عصفوا لسلطان اليهود وأولجوا

تلك الجوانح لوعةً وتحسّرا

واستلحموا أبطالهم واستخرجوا

الأزلام من أيديهمُ والميسرا

وبمرحب ألوى فتىً ذو جمرةٍ

لا تُصطلي وبسالةٍ لا تُقترى(١)

إن حزِّ حزِّ مطبّقاً أو قال قا

ل مصدَّقاً أو رام رام مظهَّرا

فثناه مصفرَّ البنان كأنّما

لطخ الحمام عليه صبغاً أصفرا

شهق العقاب بشلوه ولقد هفتْ

زمناً به شمُّ الذوائب والذرى

أمّا الرسول فقد أبان ولاءه

لو كان ينفع حايراً أن يُنذرا

أمضى مقالاً لم يقله معرِّضاً

وأشاد ذكراً لم يشده معذّرا

وثنى إليه رقابهم وأقامه

عَلماً على باب النجاة مشهّرا

____________________

١ - لا تقترى:لا تقدر ولا تخمن.

٢٦٣

ولقد شفى يوم ( الغدير ) معاشراً

ثلجت نفوسهم وأودى معشرا

قلعت به أحقادهم فمرجّعٌ

نفساً ومانع أنّةٍ أن تجهرا

يا راكباً رقصتْ به مهريِّةٌ

أشبت لساحته الهموم فأصحرا

عُج بالغريِّ فإنّ فيه ثاوياً

جبلاً تطأطأ فاطمأنَّ به الثرى

واقر السّلام عليه من كلفٍ به

كشفت له حجب الصباح فأبصرا

ولو استطعتُ جعلت دار إقامتي

تلك القبور الزُّهر حتّى اُقبرا

أخذنا القصيدة من الجزء الأوَّل من ديوان ناظمها وهي مفتتح ديوانه والديوان مرتّبُ على السنين في ستّة أجزاء توجد منه نسخةٌ مقروَّةٌ على نفس السيِّد الشريف علم الهدى. وذكر إبن شهر اشوب لسيِّدنا الشريف المرتضى أبياتاً قالها في عيد ( الغدير ) راجع الجزء الثالث من مناقبه ص ٣٢.

( ألشاعر )

ألسيِّد المرتضى علم الهدى ذو المجدين أبو القاسم عليُّ بن الحسين بن موسى ابن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام .

لا عتب على اليراع إذا وقف عن تحديد عظمة الشريف المبجّل، كما أنّه لا لوم على المِدره اللسن إذا تلجلج في الإفاضة عن رفعة مقامه، فإنَّ نواحي فضله لا تنحصر بواحدة، ولا أنَّ مآثره معدودةٌ يحاولها البليغ المفوَّه، ويتحرّى الإبانة عنها الكاتب المتشدِّق، أو يلقى عنها الخطيب المفصح، فإلى أيّ منصّةٍ من الفضيلة نحوت فله فيها الموقف الأسمى، وإلى أيِّ صهوةٍ وقع خيالك فله هنالك مرتبعٌ ممنّعٌ، فهو إمام الفقه، ومؤسِّس اُصوله، واُستاذ الكلام، ونابغة الشِّعر، وراوية الحديث، وبطل المناظرة، والقدوة في اللغة، وبه الاُسوة في العلوم العربيَّة كلّها، وهو المرجع في تفسير كتاب الله الغزيز، وجماع القول إنّك لا تجد فضيلةً إلّا وهو إبن بجدتها.

أضف إلى ذلك كله نسبه الوضّاح، وحسبه المتألّق، وأواصره النبويَّة الشذيَّة، ومآثره العلويَّة الوضيئة إلى أياديه الواجبة في تشييد المذهب، ومساعيه المشكورة عند الإماميَّة جمعاء، وهي التي خلّدت له الذكر الحميد، والعظمة الخالدة، ومن هذه الفضائل ما خطّه مزبره القويم من كتب ورسائل إستفاد بها أعلام الدين في أجيالهم و

٢٦٤

أدوارهم وإليك أسماؤها:

١ الشافي في الإمامة ط

٢ ألملخص في الاُصول

٣ ألذخيرة في الاُصول

٤ جمل العلم والعمل

٥ ألغُرر والدُّرر ط

٦ تكملة الغُرر

٧ ألمقنع في الغيبة

٨ ألخلاف في الفقه

٩ ألناصريَّة في الفقه ط

١٠ ألحلبيَّة الاولى

١١ الحلبيَّة الأخيرة

١٢ ألمسائل الجرجانيَّة

١٣ ألمسائل الطوسيَّة

١٤ ألمسائل الصباويَّة

١٥ ألمسائل التبانيات(١)

١٦ ألمسائل السلّاريَّة

١٧ مسائل في عدَّة آيات

١٨ ألمسائل الرازيَّة

١٩ ألمسائل الكلاميَّة

٢٠ ألمسائل الصيداويَّة

٢١ الديلميَّة في الفقه

٢٢ كتاب البرق

٢٣ طيف الخيال

٢٤ الشيب والشباب ط

٢٥ ألمقمصة

٢٦ ألمصباح في الفقه

٢٧ نصر الرِّواية

٢٨ ألذريعة في أصول الفقه

٢٩ شرح بائية الحميري

٣٠ تنزيه الأنبياء ط

٣١ إبطال القول بالعدد

٣٢ ألمحكم والمتشابه

٣٣ ألنجوم والمنجّمون

٣٤ متولِّي غسل الإمام

٣٥ الاُصول الاعتقاديَّة

٣٦ أحكام أهل الآخرة

٣٧ معنى العصمة

٣٨ ألوجيزة في الغيبة

٣٩ تقريب الاُصول

٤٠ طبيعة المسلمين

٤١ رسالةٌ في علم الله

٤٢ رسالةٌ في الإرادة

٤٣ ايضاً رسالةٌ في الإرادة

٤٤ رسالةٌ في التَّوبة

٤٥ رسالة في التأكيد

٤٦ رسالةٌ في المتعة

٤٧ دليل الخطاب

٤٨ طرق الإستدلال

٤٩ كتاب الوعيد

٥٠ شرح قصيدةٍ له

٥١ ألحدود والحقايق

٥٢ مفردات في أصول الفقه

٥٣ ألموصليَّة ثلاث مسائل

٥٤ ألموصليَّة الثانية تسع مسائل

٥٥ ألموصليَّة الثالثة ١٠٩ مسئلة

٥٦ ألمسائل الطرابلسيَّة الاولى

٥٧ ألطرابلسيَّة الأخيرة ١٣ مسئلة(٢)

٥٨ مسائل ميافارقين ٦٥ مسئلة

٥٩ ألمسائل الرازيَّة ١٤ مسئلة

       

____________________

١ - سئلها الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الملك التبان المتوفى ٤١٩ وهي ٦٦ مسئلة في عشرة فصول.

٢ - سئلها الشيخ أبو الفضل ابراهيم بن الحسن الابانى.

٢٦٥

٦٠ ألمسائل المحمَّديّات ٥ مسائل

٦١ ألمسائل البادرات ٢٤ مسئلة

٦٢ ألمسائل المصريَّة الاولى ٥ مسائل

٦٣ ألمصريّات الثانية

٦٤ ألمسائل الرمليّات ٧ مسائل

٦٥ مسائل في فنون شتّى نحو مائة مسئلة

٦٦ ألمسائل الرسيّة الاولى(١)

٦٨ المسائل الرسيّة الثانية

٦٨ الإنتصار فيما انفردت به الإماميَّة ط

٨٩ تفضيل الأنبياء على الملائكة

٧٠ ألنقض على ابن جنّي في الحكاية والمحكي

٧١ ديوان شعره يزيد على عشرين ألف بيت

٧٢ ألصرفة في بيان إعجاز القرآن

٧٣ الرِّسالة الباهرة في العترة الطاهرة

٧٤ نقض مقالة إبن عدي فيما لا يتناهى

٧٥ جواب الملاحدة في قِدم العالم

٧٦ تتمَّة الأعراض من جمع أبي رشيد

٧٧ نكاح أمير المؤمنين إبنته من عمر

٧٨ إنقاذ البشر من القضاء والقدر ط

٧٩ ألرّد على أصحاب العدد في شهر رمضان

٨٠ تفسير الحمد وقطعة من سورة البقرة

٨١ ألردّ على إبن عدي في حدوث الأجسام

٨٢ تفسيرقوله تعالى:قل تعالواتل ماحرَّم ربّكم عليكم

٨٣ كتاب الثمانين(٢)

٨٤ ألكلام على من تعلّق بقوله:ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر

٨٥ تفسير قوله:ليس على الَّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا.

٨٦ تتبّع أبيات للمتنّبي التي تكلّم عليها إبن جنّي.

كلمات الثناء عليه

أبو القاسم المرتضى حاز من العلوم ما لم يُدانه فيه احدٌ في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان متكلّماً شاعراً أديباً عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا(٣)

أبو القاسم نقيب النقباء الفقيه النظّار المصنِّف بقيَّة العلماء وأوحد الفضلاء رأيته فصيح اللسان يتوقَّد ذكاءً(٤)

ألمرتضى متوحِّدٌ في علومٍ كثيرة، مجمعٌ على فضله، مقدَّمٌ في العلوم مثل علم الكلّام والفقه وأصول الفقه والأدب والنحو والشعر ومعاني الشعر واللغة وغير

____________________

١ - ٢٨ مسئلة سئلها العلامة ابو الحسين الحسين بن محمد بن الناصر الحسيني الرسي.

٢ - قاله القاضي التنوخي كما في المستدرك ٣ ص ٥١٦.

٣ - النجاشي في فهرسته ص ١٩٢.

٤ - الانساب للمجدي العمري.

٢٦٦

ذلك، له من التصانيف ومسائل البلدان شيءٌ كثيرٌ مشتمل على ذلك فهرسته المعروف(١) .

وقال الشيخ في رجاله:إنَّه أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً، متكلّمٌ فقيهٌ جامع العلوم كلّها مدَّ الله في عمره.

وقال الثعالبي في تتميم يتيمته ج ١ ص ٥٣:قد انتهت الريَّاسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم وله شعرٌ في نهاية الحسن.

وفي تاريخ ابن خلكان:كان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر، وله تصانيف على مذهب الشيعة، ومقالة في اصول الدين، وذكره إبن بسّام في الذخيرة وقال:كان هذا الشريف إمام أئمَّة العراق بين الإختلاف والإتِّفاق، إليه فزع علماءُها، وعنه أخذ عظماءها، صاحب مدارسها، وجماع شاردها وآنسها، ممَّن سارت أخباره، وعرفت به أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره، إلى تآليفه في الدين و تصانيفه في أحكام المسلمين ممّا يشهد انَّه فرع تلك الاُصول، ومن أهل ذلك البيت الجليل، وملح الشريف وفضائله كثيرةٌ.

وحكى الخطيب التبريزي:انَّ أبا الحسن عليِّ بن أحمد بن عليِّ بن سلك الفالي(٢) الأديب كان له نسخةٌ لكتاب (الجمهرة ) لابن دريد في غاية الجودة فدعته الحاجة إلى بيعها فباعها فاشتراها الشريف المرتضى بستِّين ديناراً فتصفَّحها فوجد فيها أبياتاً بخطِّ بايعها أبي الحسن المذكور والأبيات قوله:

أنستُ بها عشرين حولاً وبعتها

فقد طال وجدي بعدها وحنيني

وما كان ظنّي أنَّني سأبيعها

ولو خلّدتني في السجون ديوني

ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ

صغارٍ عليهم تستهلُّ شؤوني

فقلت ولم أملك سوابق عبرتي

مقالة مكويِّ الفؤاد حزين

:وقد تخرج الحاجات يا اُمّ مالك

كرائم من ربّ بهنَّ ضنينِ

فأرجع النسخة إليه وترك له الدنانير رحمه الله تعالى.

وقال السيِّد إبن زهرة في ( غاية الإختصار ):علم الهدى الفقيه النظّار، سيِّد

____________________

١ - فهرست الشيخ ص ٩٩، وخلاصة العلامة ص ٤٦.

٢ - نسبة الى فالة وهى بلدة بخوزستان قريبة من اندج.

٢٦٧

الشيعة وإمامهم، فقيه أهل البيت، العالم المتكلّم البعيد، ألشاعر المجيد كان له برُّ وصدقة وتفقّدُ في السِّر عرف ذلك بعد موته رحمه الله، كان أسنَّ من أخيه ولمُ يرَ أخوان مثلهما شرفاً وفضلاً ونُبلاً وجلالةً ورياسةً وتحابباً وتوادداً، لَمّا مات الرَّضي لم يُصلِّ المرتضى عليه عجزاً عن مشاهدة جنازته وتهالكا في الحزن، ترك المرتضى خمسين ألف دينار ومن الآنية والفرش والضياع ما يزيد على ذلك.

وعن الشيخ عزِّ الدين أحمد بن مقبل أنَّه قال:لو حلف إنسان انَّ السيِّد المرتضى كان أعلم بالعربية من العرب لم يكن عندي آثماً، وقد بلغني عن شيخٍ من شيوخ الأدب بمصر انّه قال:والله انّي استفدت من كتاب ( الغرر والدرر ) مسائل لم أجدها في كتاب سيبويه وغيره من كتب النحو، وكان نصير الدين الطوسي إذا جرى ذكره في درسه يقول:صلوات الله عليه، ويلتفت إلى القضاة والمدرِّسين الحاضرين ويقول:كيف لا يُصلّى على السيَّد المرتضى ؟!

في ( عمدة الطالب ) ص ١٨١:كان مرتبته في العلم عاليةً فقهاً وكلاماً وحديثاً و لغةً وأدباً وغير ذلك، وكان متقدِّماً في فقه الإماميَّة وكلامهم ناصراً لأقوالهم.

وفي ( دمية القصر ) ص ٧٥:هو وأخوه من دوح السيّادة ثمران، وفي فلك الريّاسة قمران، وأدب الرضي إذا قرن بعلم المرتضى كان كالفرند في متن الصّارم المنتضى.

وفي ( لسان الميزان ) ٤ ص ٢٢٣ قال ابن طي:هو أوَّل من جعل داره دار العلم وقدرَّها للمناظرة، ويُقال:إنَّه أمر ولم يبلغ العشرين وكان قد حصل على رياسة الدنيا العلم مع العمل الكثير والمواظبة على تلاوة القرآن وقيام الليل وإفادة العلم و كان لا يؤثر على العلم شيئاً مع البلاغة وفصاحة اللهجة.

وحكى عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي انَّه قال:كان الشريف المرتضى ثابت الجاش، ينطق بلسان المعرفة، ويردِّد الكلمة المسدَّدة فتمرق مروق السهم من الرمية ما أصاب، وما أخطأ أشوى.

إذا شرع الناس الكلام رأيته

له جانبٌ منه وللناس جانبُ

وقال السيِّد الشيرازي في ( الدرجات الرفيعة ):كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلاً وعلماً وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابةً وجاهاً وكرماً إلى غير ذلك.

٢٦٨

وفي شذرات الذهب ٣ ص ٢٥٦:نقيب الطالبيِّين، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق، كان إماماً في التشيّع والكلام والشعر والبلاغة كثير التصانيف، متبحِّراً في فنون العلم.

ويجد القارئ لدة هذه الكلمات كثيرة في طيِّ الكتب والمعاجم منها:

تاريخ بغداد ١١ ص ٤٠٢

ألمنتظم ج ٨ ص ١٢٠

معجم الاُدباء ٥ ص ١٧٣

خلاصة العلّامة ص ٤٦

رجال إبن داود

أنساب أبي نصر البخاري

ميزان الإعتدال ٢ ص ٢٢٣

غاية الإختصار لابن زهرة

كامل إبن الأثير ٩ ص ١٨١

تاريخ إبن كثير ١٢ ص ٥٣

مرآة الجنان ٣ ص ٥٥

لسان الميزان ٥ ص ١٤١

بغية الوعاة ص ٣٣٥

إتحاف الورى بأخبار اُمّ القرى

صحاح الأخبار ص ٦١

جامع الأقوال في الرِّجال

مجالس المؤمنين ٢٠٩

رجال إبن أبي جامع

تحفة الأزهار لابن شدقم

ألاجازة الكبيرة للسماهيجي

إتقان المقال ص ٩٣

رياض العلماء للميرزا

كشكول البهائي ج ٢

مجمع البحرين مادة:رضا

ملخَّص المقال ص ٨٠

رياض الجنَّة للزنوزي

ألدرجات الرفيعة للسيِّد

ألوسائل ٣ ص ٥٥١

أمل الآمل للشيخ العاملي

منهج المقال للميرزا ص ٢٣١

منتهى المقال ص ٢١٤

عقد اللئالي لأبي علي الرجالي

تتميم الأمل للشيخ الكاظمي

كشكول البحراني ص ٢١٦

ألمقابيس لشيخنا التستري

مستدرك النوري ٣ ص ٥١٥

نسمة السجر لليماني

تنقيح المقال ٢ ص ٢٨٤

ألشيعة وفنون الإسلام ٥٣

ألأعلام ٢ ص ٦٦٧

تاريخ آداب اللغة ٢ ص ٢٨٨

سفينة البحار ١ ص ٥٢٥

ألكنى والألقاب ٢ ص ٤٣٩

هديَّة الأحباب ص ٢٠٣

وفيات الأعلام للرازي خ

دائرة المعارف للبستاني ١٠ ص ٤٥٩، دائرة المعارف لمحمَّد فريد ٤ ص ٢٦٠، معجم المطبوعات ص ١١٢٤، مجلّة العرفان أجزاء المجلد الثاني بقلم العلّامة سيِّدنا المحسن الأمين العاملي.

مشايخه ومن يروي هو عنه

١ - ألشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن نعمان المتوفّى ٤١٢.

٢ - أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري المتوفّى ٣٨٥.

٢٦٩

٣ - ألحسين بن عليّ بن بابويه أخي الصَّدوق.

٤ - أبو الحسن أحمد بن عليّ بن سعيد الكوفي يروي عنه السيِّد كما في إجازة السيِّد ابن أبي الرضا تلميذ الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي.

٥ - أبو عبد الله محمّد بن عمران الكاتب المرزباني الخراساني البغدادي.

٦ - ألشيخ الصَّدوق محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه القمي المتوفّى ٣٨١ كما في الإجازات.

٧ - أبو يحيى إبن نباتة عبد الرَّحيم بن الفارقي المتوفّى ٣٧٤ قرأ عليه كما في الدرجات الرفيعة.

٨ - أبو الحسن عليّ بن محمّد الكاتب يروي عنه في أماليه.

٩ - أبو القاسم عبيد الله بن عثمَّان بن يحيى يروي عنه في الأمالي.

١٠ - أحمد بن سهل الديباجي يروي عنه كما في ( الرياض ) عن ( جامع الاُصول ) لابن الأثير، وفي تاريخ الخطيب البغدادي، وميزان الاعتدال ولسانه لابن حجر:حدَّث عن سهل الديباجي(١) .

تلامذة سيدنا المرتضى

١ - شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي المتوفّى ٤٦٠.

٢ - أبو يعلى سلّار بن عبد العزيز الديلمي.

٣ - أبو الصلاح تقيّ بن نجم الحلبي خليفته في بلاد حلب.

٤ - ألقاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي المتوفّى ٤٨١.

٥ - ألشريف أبو يعلى محمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري المتوفّى ٤٦٣.

٦ - أبو الصمصام ذو الفقار بن معبد الحسيني المروزي.

٧ - ألسيِّد نجيب الدين أبو محمّد الحسن بن محمّد بن الحسن الموسوي.

٨ - ألسيِّد التقيّ بن أبي طاهر الهادي النقيب الرازي.

٩ - ألشيخ أبو الفتح محمّد بن علي الكراجكي المتوفّى ٤٤٩ قرأ عليه كما في فهرست الشيخ منتخب الدين.

____________________

١ - هو سهل بن عبد الله أبو محمد الديباجي.

٢٧٠

١٠ - ألشيخ أبو الحسن سليمان الصهرشتي صاحب كتاب ( قبس المصباح ).

١١ - ألشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمّد الدوريستي.

١٢ - أبو الفضل ثابت بن عبد الله البناني.

١٣ - ألشيخ أحمد بن الحسن بن أحمد النيسابوري الخزاعي يُعدُّ من أجلة تلامذته.

١٤ - ألشيخ المفيد الثاني أبو محمّد عبد الرحمن بن أحمد الرازي.

١٥ - ألشيخ أبو المعالي أحمد بن قدامة كما في إجازة الشيخ فخر الدين الحلّي للسيِّد مهنّا، وإفادات الشيخ المذكور إبن علّامة الحلي ب(١) ٢٥ ص ٥٣.

١٦ - ألشيخ أبو عبد الله محمّد بن علي الحلواني كما في إجازة السيِّد إبن أبي الرِّضا العلوي تلميذ الشيخ نجيب الدين الحلّي ب ٢٥ ص ٨٨.

١٧ - أبو زيد بن كيابكي الحسيني الجرجاني كما في إجازة السيِّد المذكور ب ٢٥ ص ١٠٨.

١٨ - ألشيخ أبو غانم العصمي الهروي الشيعي ب ٢٥ ص ١٠٨.

١٩ - ألفقيه الداعي الحسيني كما في إجازة صاحب المعالم الكبيرة ب ٢٥.

٢٠ - ألسيِّد الحسين بن الحسن بن زيد الجرجاني يروي عن السيِّد المترجَم كما في تاريخ إبن عساكر ٤ ص ٢٩٠.

٢١ - أبو الفرج يعقوب بن إبراهيم البيهقي قرأ على السيِّد قطعةً كبيرةً من ديوان شعره وأجاز له رواية جميعه في ذي القعدة سنة ٤٠٣.

٢٢ - أبو الحسن محمّد بن محمّد البصري أجاز له رواية كتبه وتآليفه في شعبان سنة ٤١٧.

علم الهدى والمعري

قال أبو الحسن العمري في ( المجدي ):إجتمعت بالشريف المرتضى سنة ٤٢٥ ببغداد فرأيته فصيح اللسان يتوقِّد ذكاء، وحضر مجلسه أبو العلاء المعري ذات يوم فجرى ذكر أبي الطيِّب المتنبّي فنقَّصه الشريف وعاب بعض أشعاره فقال أبو العلاء:لو لم يكن لأبي الطيِّب المتنّبي إلا قوله:لكِ يا منازل في القلوب منازل. لكفاه. فغضب

____________________

١ - ألباء أشارة الى بحار الانوار للعلامة المجلسي.

٢٧١

الشريف وأمر بأبي العلاء فسحب واُخرج، فتعجَّب الحاضرون من ذلك فقال لهم الشريف:أعلمتم ما أراد الأعمى ؟! إنَّما أراد قوله:

وإذا أتتك مذَّمتي من ناقصٍ

فهي الشهادة لي بأنّيَ كامل

قال الطبرسي في الإحتجاج:دخل أبو العلاء المعرّي الدهري على السيِّد المرتضى قدس الله سره فقال له:أيّها السيِّد ما قولك في الكلّ ؟ فقال السيِّد:ما قولك في الجزء ؟ فقال:ما قولك في الشعرى ؟ فقال:ما قولك في التدوير ؟ قال:ما قولك في عدم الإنتهاء ؟ فقال:ما قولك في التحيّز والناعورة ؟ فقال:ما قولك في السبع ؟ فقال:ما قولك في الزايد البري من السبع ؟ فقال:ما قولك في الأربع فقال:ما قولك في الواحد والاثنين ؟ فقال:ما قولك في المؤثِّر ؟ فقال:ما قولك في المؤثِّرات ؟ فقال:ما قولك في النحسين ؟ فقال:ما قولك في السعدين ؟ فبهت أبو العلاء. فقال السيد المرتضى رضي الله عنه عند ذلك ألا كلّ ملحد ملهد.

وقال أبو العلاء:أخذته من كتاب الله عز وجل:يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. وقام وخرج.

فقال السيِّد رضي الله عنه:قد غاب عنّا الرجل وبعد هذا لا يرانا. فسئل السيِّد عن شرح هذه الرموز والإشارات فقال:سئلني عن الكلِّ وعنده الكلُّ قديمٌ ويُشير بذلك إلى عالم سماء العالم الكبير فقال لي:ما قولك فيه ؟ أراد انَّه قديم فأجبته عن ذلك وقلت له:ما قولك في الجزء ؟ لأنَّ عندهم الجزء محدَث وهو المتولَّد عن العالم الكبير وهذا الجزء هو العالم الصغير عندهم، وكان مرادي بذلك انَّه إذا صح أن هذا العالم محدث فذلك الذي أشار إليه إن صحَّ فهو محدث ايضاً، لأنَّ هذا من جنسه على زعمه والشيء الواحد والجنس الواحد لا يكون بعضه قديماً وبعضه محدَثاً فسكت لمّا سمع ما قلته.

وأمَّا الشعرى أراد أنَّها ليست من الكواكب السيّارة لأنَّه قديمٌ، فقلت له:ما قولك في التدوير ؟ أردت انَّ الفلك في التدوير والدورات فالشعرى لا يقدح في ذلك.

وأمَّا عدم الإنتهاء أراد بذلك انَّ العالم لا ينتهي لأنَّه قديم فقلت له:قد صحَّ عندي التحيّز والتدوير وكلاهما يدّلان على الإنتهاء.

٢٧٢

وأمّا السبع أراد بذلك النجوم السيّارة التي عندهم ذوات الأحكام، فقلت له:هذا باطلٌ بالزايد البري الذي يحكم فيه بحكم لا يكون ذلك الحكم منوطاً بهذه النجوم السيّارة التي هي الزهرة، والمشتري، والمرّيخ، وعطارد، والشمس، و القمر، والزُّحل.

وأمّا الأربع أراد بها الطبايع فقلت له:ما قولك في الطبيعة الواحدة الناريَّة يتوّلد منها الدابَّة بجلدها تمسُّ الأيدي ثمَّ تطرح ذلك الجلد على النار فيحترق الزهومات ويبقى الجلد صحيحاً لأنَّ الدابَّة خلقها الله على طبيعة إلنار والنار لا تحترق النار والثلج ايضاً يتولَّد فيه الديدان وهو على طبيعةٍ واحدةٍ، والماء في البحر على طبيعتين يتولَّد عنه السموك والضفادع والحيّات والسلاحف وغيرها وعنده لا يحصل الحيوان إلّا بالأربع فهذا مناقضٌ لهذا.

وأمّا المؤثِّر أراد به الزحل فقلت له:ما قولك في المؤثِّرات أردت. بذلك انَّ المؤثِّرات كلهنَّ عنده مؤثِّرات فالمؤثِّر القديم كيف يكون مؤثِّراً.

وأمّا النحسين أراد بهما أنَّهما من النجوم السيّارة إذا اجتمعا يخرج من بينهما سعداً، فقلت له:ما قولك في السعد بن إذا اجتمعا خرج من بينهما نحس ؟ هذا حكمٌ أبطله الله تعالى ليعلم الناظر أنَّ الأحكام لا تتعلّق بالمسخرات لأنَّ الشاهد يشهد على أنَّ العسل والسكر إذا اجتمعا لا يحصل منهما الحنظل والعلقم، والحنظل والعلقم إذا اجتمعا لا يحصل منهما الدبس والسكر، هذا دليلٌ علي بطلان قولهم.

وأمّا قولي:الأكلّ الملحد ملهد. أردت انَّ كل مشرك ظالمٌ لأنَّ في اللغة ألحد الرجل عن الدين إذا عدل عن الدين، وألهد إذا ظلم. فعلم أبو العلاء ذلك و وأخبرني عن علمه بذلك فقرء:يا بُنيِّ لا تُشرك بالله.الآية.

وقيل:إنَّ المعرّي لَمّا خرج من العراق سُئل عن السيِّد المرتضى [ رض ] فقال:

يا سائلي عنه لَمّا جئت أسئله

ألا هو الرَّجل العاري من العارِ

لو جئته لرأيت الناس في رجل

والدهر في ساعةٍ والأرض في دارِ(١)

____________________

١ - بحار الأنوار ج ٤ ص ٥٨٧.

٢٧٣

علم الهدى وابن المطرز (١)

في ( الدرجات الرفيعة ):انَّ الشريف المرتضى كان جالساً في علية له تشرف على الطريق فرأى إبن المطرز الشاعر وفي رجليه نعلان مقطَّعان وهما يثيران الغبار فقال له:أمِن مثل هذه كانت ركائبك ؟ يشير إلى بيت في قصيدته التي أوَّلها:

سرى مغرباً بالعيش ينتجع الركبا

يُسائل عن بدر الدجى الشرق والغربا

على عذبات الجزع من ماء تغلب

غزالٌ يرى ماء القلوب له شربا

إذا لم تبلِّغني إليك ركائبي

فلا وردت ماءً ولا رعت العشبا

والبيت الأخير هو المشار إليه فقال إبن المطرز:لمّا عادت هبات سيِّدنا الشريف إلى مثل قوله:

يا خليليَّ من ذوابة قيس

في التَّصابي مكارم الأخلاقِ

غنِّياني بذكرهم تطرباني

واسقياني دمعي بكأس دهاقِ

وخذا النوم من جفوني فإنّي

قد خلعت الكرى على العشّاقِ

عادت ركائبي إلى ما ترى فإنَّه وهب ما لا يملك على من لا يقبل، فأمر له الشريف بجائزة.

المرتضى والزعامة

كان سيِّدنا الشريف وقد انتهت إليه رياسة الدين والدنيا من شتّى النواحي منها:

١:غزارة علمه التي حدت العلماء إلى البخوع له والرضوخ لتعاليمه. فكان يختلف إلى منتدى تدريسه الجماهير من فطاحل العلم وألنظر فيميرهم بسائغ علمه، ويُرويهم بنمير أنظاره العالية، فتخرَّج من تحت منبره نوابغ الوقت من فقيهٍ بارعٍ، ومتكلّمٍ مناظرٍ، واُصوليٍّ مدقِّقٍ، وأديبٍ شاعرٍ، وخطيبٍ مُبدعِ، وكان يدرُّ من ماله الطائل(٢) على تلمذته الجرايات والمسانهات ليتفرَّغوا بكلِّهم إلى الدراسة من غير تفكير في أزمَّة المعيشة، فكان شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي يقتضي منه في الشهر إثني عشر ديناراً، والشيخ القاضي إبن البّراج الحلبي يستوفي ثمَّانية دنانير، و

____________________

١ - هو ابو القاسم عبد الواحد البغدادي الشاعر المجيد المتوفى سنة ٤٣٩.

٢ - كان يدخل عليه من أملاكه كل سنة اربعة وعشرون الف دينار كما في ( معجم الادباء ) ١٣ ص ١٥٤.

٢٧٤

كمثلهما بقيَّة تلامذته، وكان قد وقف قرية على كاغذ الفقهاء، ويقال:إنَّ الناس أصابهم في بعض السنين قحطٌ شديدٌ فاحتال رجلٌ يهوديٌ على تحصيل قوته فحضر يوماً مجلس الشريف المرتضى وسأله أن يأذن له في أن يقرأ عليه شيئاً من علم النجوم فأذن له و أمر له بجراية تجري عليه كلّ يوم فقرأ عليه برهة ثمَّ أسلم على يديه(١) وكان لم يرَ لثروته الطائلة قيمةً تجاه مكارمه وكراماته وكان يقول:

وما حزنيَ الإملاق والثروة التي

يذلُّ بها أهل اليسار ضلالُ

أليس يبقِّي المال إلّا ضنانة

وأفقر أقواماً ندى ونوالُ

إذا لم أنل بالمال حاجةَ مُعسرٍ

حصورٍ عن الشكوى فماليَ مالُ

٢:وشرفه الوضّاح النبويّ الذي ألزم خلفاء الوقت تفويض نقابة النقباء الطالبيِّين إليه بعد وفاة أخيه الشريف الرَّضي، وأنت تعلم أهمَّية هذا المنصب يومئذ حيث أخذ فيه السلطة العامَّة على العلويِّين في أقطار العالم يرجع إلى نقيبهم حلّها وربطها وتعليمها وتأديبها والأخذ بظلاماتهم وأخذها منهم والنظر في أمورهم في كلِّ وردٍ وصدرِ.

٣:ورفعة بيته وجلالة منبته فقد كانت سلسلة آباءه من طرفيه متواصلةً من أمير إلى نقيب إلى زعيم إلى شريف، وهذه مشفوعةً بما كان فيه من لباقةٍ وحنكةٍ و حذقٍ في الأمور هي التي أهَّلته لأن تُفوِّض إليه إمارة الحاجّ فكان يسير بهم سيراً سُجحاً ولا يرجع بهم إلّا من دعةٍ إلى دعةٍ، والحجيج بين شاكرٍ لكلاءته، وذاكرٍ لمقدرته، ومُطرٍ أخلاقه، ومتبرِّكٍ بفضائله، ومثنٍ على أياديه.

٤:ولشموخ محلّه وعظمة قدره بين أظهر الناس ومكانته العالية عند الأهلين، وجمعه بين سطوة الحماة وثبت القضاة إنقادت إليه ولاية المظالم، فتولّى النقابة شرقاً وغرباً، وإمارة الحّاج والحرمين، والنظر في المظالم، وقضاء القضاة ثلاثين سنة وأشهراً(٢) .

____________________

١ - الدرجات الرفيعة للعلامة السيد على خان.

٢ - صحاح الاخبار لسراج الدين الرفاعي ص ٦١، والمستدرك ٣ ص ٥١٦ نقلا عن القاضي التنوخي.

٢٧٥

م - قال إبن الجوزي في ( المنتظم ) ٧ ص ٢٧٦:في يوم السبت الثالث من صفر - سنة ٤٠٦ - قلّد الشريف المرتضى ابو القاسم الموسوي الحجّ والمظالم ونقابة النقباء الطالبيِّين وجميع ما كان إلى أخيه الرضي، وجمع الناس لقرائة عهده في الدار الملكيَّة وحضر فخر الملك والأشراف والقضاة والفقهاء وكان في العهد:هذا ما عهد عبد الله أبو العبّاس أحمد الإمام القادر بالله أمير المؤمنين إلى علي بن موسى العلوي حين قرَّبته إليه الأنساب الزكيَّة، وقدَّمته لديه الأسباب القويَّة، واستطلَّ معه بأغصان الدوحة الكريمة، واختصّ عنده بوسائل الحرمة الوكيدة، فقلّد الحجَّ والنقابة وأمره بتقوى الله.إلخ ]

يُلقَّب بالمرتضى، والأجلّ الطاهر، وذي المجدين، ولقِّب بعلم الهدى سنة ٤٢٠ وذلك أنَّ الوزير أبا سعيد محمّد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول له:قل لعلم الهدى يقرء عليك حتّى تبرأ. فقال:يا أمير المؤمنين ومن علم الهدى ؟ فقال:عليُّ بن الحسين الموسوي. فكتب إليه فقال رضي الله عنه:الله الله في أمري فإنّ قبولي لهذا اللقب شناعة عليَّ فقال الوزير:والله ما كتبت إليك إلّا ما أمرني به أمير المؤمنينعليه‌السلام (١)

وكان يُلقَّب بالثمانين لما كان له من الكتب ثمانون ألف مجلّداً ومن القُرى ثمانين قرية تجبى إليه(٢) وكذلك من غيرهما حتّى إنَّ مدَّة عمره كانت ثمانين سنة و ثمانية أشهر، وصنَّف كتابا يقال له الثمانون.

ولادته ووفاته

وُلد سيِّدنا المرتضى في رجب سنة ٣٥٥ وتوفّي يوم الأحد ٢٥ ربيع الأوَّل سنة ٤٣٦ وعلى هذا جلُّ المؤرِّخين لولا كلّهم، نعم:هناك خلافٌ يسير(٣) لا يُعبأ به، وصلّى عليه إبنه وتولّى غسله أبو الحسين النجاشي ومعه الشريف أبو يعلى محمَّد بن

____________________

١ - ذكره شيخنا الشهيد في أربعينه.

٢ - الرسالة الخراجية للمحقق الثاني.

٣ - في عمدة الطالب، وصحاح الاخبار في ١٥ ربيع الاول. وفي كامل ابن الاثير آخر ربيع الاول. وفي انساب المجدي آخر سنة ٤٣٦ أو ٤٣٧. وعن خط الشهيد الاول يوم الاحد السادس والعشرين من ربّيع الأول. كلّ هذه مما لا يعبأ به.

٢٧٦

الحسن ألجعفري وسلّار بن عبد العزيز الديلمي كما في رجال النجاشي ص ١٩٣، ودفن في داره عشيَّة ذلك النهار ثمَّ نُقل إلى الحائر المقدِّس ودُفن في مقبرتهم وكان قبره هناك كقبر أبيه وأخيه الشريف الرضي ظاهراً معروفاً مشهوراً كما في عمدة الطالب، وصحاح الأخبار، والدَّرجات الرفيعة.

وهناك فتاوى مجرَّدة من قذف سيِّدنا المترجم بالإعتزال تارةً وبالميل إليه اُخرى وبنسبة وضع كتاب ( نهج البلاغة ) اليه طوراً من أبناء حزمٍ وجوزيٍّ وخلكان وكثير والذهبي، ومّن لفّ لفَّهم من المتأخِّرين(١) وبما أنَّها دعاوي فارغة غير مدعومة بشاهد، وكتب سيِّدنا الشريف يهتف بخلافها ومن عرفه من المنقِّبين لا يشكُّ في ذلك، وقد أثبتنا نسبة ( نهج البلاغة ) إلى الشريف الرضي بترجمته، نضرب عن تفنيد تلكم الهلجات صفحاً.

ولابن كثير في ( البداية والنهاية ) ج ١٢ ص ٥٣ عند ذكر السيِّد سبابُ مقذع وتحاملُ على ابن خلكان في ثنائه عليه جريا على عادته المطَّردة مع عظماء الشيعة [ و كلُّ إناء بالذي فيه ينضحُ ] ونحن لا نُقابله إلّا بما جاء به الذِّكر الحكيم:وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.

نبذة من ديوان المرتضى

ومن شعر سيِّدنا علم الهدى المرتضى نقلاً عن ديوانه قوله يفتخر ويعرِّض ببعض أعدائه يوجد في الجزء الأوّل منه:

أمّا الشباب فقد مضت أيّامه

واستلَّ من كفّي الغداة زمامه

وتنكّرت آياته وتغيَّرتْ

جاراته وتقوَّضت آطامه

ولقد درى مَن في الشباب حياته

أنَّ المشيب إذا علاه حمامه

عوجا نحيِّي الربع يُدللنا الهوى

فلربِّما نفع المحبِّ سلامه

واستعبرا عنّي به إن خانني

جفني فلم يمطر عليه غمامه

فمن الجفون جوامدٌ وذوارف

ومن السّحاب ركامه وجهامه

دمنٌ رضعت بهنَّ أخلاف الصِّبى

لو لم يكن بعد الرِّضاع فطامه

____________________

١ - نظراء جرجي زيدان في آداب اللغة ٢ ص ٢٨٨، والزركلي في الاعلام ص ٦٦٧.

٢٧٧

ولقد مررتُ على العقيق فشفَّني

أن لم تغنّ على الغصون حمامه

وكأنَّه دنفٌ تجلّد مونساً

عوّاده حتّى استبان سقامه

من بعد ما فارقته فكأنَّه

نشوان تمسح تربه آكامه

مرحٌ يهزّ قناته لا يأتلي

أشر الصِّبا وغرامه وعرامه

تندى على حرِّ الهجير ظلاله

ويضيئُ في وقت العشيِّ ظلامه

وكأنَّما أطياره ومياهه

للنازليه قيانه و مُدامه

وكأنَّ آرام النساء بأرضه

للقانصي طرد الهوى آرامه

وكأنَّما برد الصَّبا خوذانه

وكأنّما ورق الشَّباب بشامه

وعَضيهةٌ جائتك من عبقٍ بها

أزرى عليك فلم يجره كلامه

ورماك مجترياً عليك وإنّما

وافاك من قعر الطويّ سلامه

وكأنّما تسفى الرِّياح بعالج

ما قال أو ما سطّرت أقلامه

وكأنَّ زُوراً لفّقت ألفاظه

سلك وهى فانحلَّ عنه نظامه

وإذا الفتى قعدت به أخواله

في المجد لم تنهض به أعمامه

وإذا خصال السوء باعدن أمرءاً

عن قومه لم يُدنه أرحامه

ولكَم رماني قبل رميك حاسدٌ

طاشت ولم تخدش سواه سهامه

ألقى كلاماً لم يضرني وانثنى

ونُدوبه في جلده وكِلامه

هيهات أن ألفى وسيل مسافه

ينجو به يوم السباب لطامه

أو أن أرى في معركٍ وسلاحه

بدل السيوف قذافه وعذامه

ومن البلاء عداوةٌ من خاملٍ

لا خلفه لعُلى ولا قدّامه

كثرث مساويه فصار كمدحه

بين الخلايق عيبه أو ذامه

والخرق كلّ الخرق من متفاوتِ

الأفعال يتلو نقضه إبرامه

جدب الجناب فجاره في أزمة

والضيف موكولٌ إليه طعامه

وإذا علقت بحبله مستعصماً

فكفقع قرقرةٍ يكون زمامه

وإذا عهود القوم كنَّ كنبعهم

فالعهد منه يراعه وثمامه

وأنا الذي أعييت قبلك من رست

أطواده واستشرفت أعلامه

٢٧٨

وتتّبع المعروف حتّى طنّبت

جوراً على سنن الطريق خيامه

وتباذرت أعداؤه سطواته

كالليت يرهب نائياً إرزامه

وترى إذا قابلته عن وجهه

كالبدر أشرق حين تمَّ تمامه

حتّى تذلَّل بعد لايٍ صعبه

وانقاد منبوذاً إليَّ خطامه

يُهدى إليّ على المغيب ثناؤه

وإذا حضرتُ أظلَّني إكرامه

فمضى سليماً من أذاة قوارصي

واستام ذمّي بعده مستامه

والآن يوقظني لنحت صفاته

مَن طال عن أخذ الحقوق نيامه

ويسومني ولإن خلوت فإنَّني

مَقر وفي حنك العدوِّ سمامه

فلبئسما منَّته منّي خالياً

خطراته أو سوَّلت أحلامه

أمّا الطريف من الفخار فعندنا

ولنا من المجد التليد سنامه

ولنا من البيت المحرَّم كلّما

طافت به في موسم أقدامه

ولنا الحطيم وزمزم وتراثها

نعم التراث عن الخليل مُقامه

ولنا المشاعر والمواقف والَّذي

تُهدى إليه من مِنى انعامه

وبجدِّنا وبصنوه دُحيت عن الـ

ـبيت الحرام وزعزعت أصنامه

وهما علينا أطلعا شمس الهدى

حتّى استنار حلاله وحرامه

وأبي الذي تبدو على رغم العدى

غرّاً محجَّلةً لنا أيّامه

كالبدر يكسو الليل أثواب الضحى

والفجر شبّ على الظلام ضرامه

وهو الذي لا يقتفي في موقف

أقدامه نكص به إقدامه

حتّى كأنَّ نجاته هي حتفه

و ورائه ممّا يخاف أمامه

ووقى الرَّسول على الفراش بنفسه

لمّا إراد حمامه أقوامه

ثانيه في كلِّ الأمور وحصنه

في النائبات وركنه ودعامه

لِلَّه درُّ بلائه ودفاعه

واليوم يغشى الدارعين قتامه

وكأنَّما اَجم العوالي غيله

وكأنَّما هو بينها ضرغامه

وترى الصريع دماؤه أكفانه

وحنوطه أحجاره ورغامه

والموت من ماء الترائب ورده

ومن النفوس مزاده ومسامه

٢٧٩

طلبوا مداه ففاتهم سبقاً إلى

أمديشقُّ على الرِّجال مرامه

فمتى أجالوا للفخار قداحهم

فالفائزات قداحه وسهامه

وإذا الاُمور تشابهت واستبهمت

فجلاؤها وشفاؤها أحكامه

وترى النديَّ إذا احتبى لقضيَّة

عوجاً إليها مصغيات هامه

يفضي إلى لبّ البليد بيانه

فيعي وينشيء فهمه إفهامه

بغريب لفظٍ لم تذره سقاته

ولطيف معنى لم يفضّ ختامه

وإذا التفتَّ إلى التقى صادفته

من كلِّ برٍّ وافراً إقامه

فالليل فيه قيامه مُتهجِّداً

يتلو الكتاب وفي النهار صيامه

يطوي الثلاث تعفّفاً وتكرُّماً

حتّى يُصادف زاده معتامه

وتراه عريان اللسان من الخنا

لا يهتدي للأمر فيه ملامه

وعلى الذي يرضي الإ~له هجومه

وعن الذي لا يرتضى احجامه

فمضى بريئاً لم تشنه ذنوبه

يوماً ولا ظفرت به آثامه

ومفاخر ما شئت إن عدَّدتها

فالسيل أطبق لا يعدُّ ركامه

تعلو على مَن رام يوماً نيلها

من يَذبلٍ هضباته واكامه

وقال في الجزء الرابع من ديوانه يرثي الإمام السبط الشهيدعليه‌السلام في يوم عاشوراء سنة ٤٢٧:

أما ترى الرَّبع الذي أقفرا

عراه من ريب البلى ما عرا؟!

لو لم أكن صباً لسكّانه

لم يجر من دمعي له ما جرى

رأيته بعد تمامٍ له

مقلِّبا أبطنه أظهرا

كأنّني شكا وعلماً به

أقرأ من أطلاله أسطرا

وقفت فيه اينقاً ضُمَّرا

شذَّب من أوصالهنَّ السرى

لي باناسي شغلٌ عن هوى

ومعشري أبكي لهم معشرا

أجل بأرض الطفِّ عينيك ما

بين اُناس سربلوا العثيرا

حَكّمَ فيهم بغي أعدائهم

عليهم الذؤبان والأنسرا

تخال من لئلا أنوارهم

ليل الفيافي بهمُ مُقمرا

٢٨٠

وذكره الحافظ الهيثمي في مجمع الزوائد ٩ ص ٦٠ فقال: رواه البزّار واسناده حسن، و رواه ابن حجر في الاصابة ٢ ص ٨٥. وفيه: سهل بدل سهيل وهو أخوه. أو هو هو. والسيوطي في تاريخ الخلفاء ص ٧٣ نقلاً عن ابن سعد والبزّار.

قال الأميني: كنّا نعتقد أنَّ المغالاة يمكن أن تقع في النفسيّات التي لا تدرك بالحواسِّ الظاهرة كالعلم والتقوى وأمثالهما، وأمّا الغلوُّ في المشهودات فلم يَدَع المنطق له مساغاً فسرعان ما يظهر فيه كذب الغالي، ويفتضح به المائن حتّى أوقفنا السير على أمثال هذه الأقاويل، فرأينا الرجل يقول بملأ فيه: إنَّ أبا بكر أسنُّ أصحاب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم و هو يجد في معاجم الصحابة كثيرين هم أسنّ منه بكثير وإليك أسماء اُمَّة منهم:

١ - أماناة بن قيس بن شيبان الكندي. أسلم وقد عاش دهراً، ويقال: أنّه عاش ثلاثمائة وعشرين سنة كما في الاصابة ١: ٦٣.

٢ - أمد بن أبد الحضرمي. أدرك هاشم بن عبد مناف واُميَّة بن عبد شمس و يقال: إنَّه كان في عهد معاوية له ثلاثمائة سنة. صب ١: ٦٣.

٣ - أنس بن مدرك أبو سفيان الخثعمي. قتل مع عليّ كان سيِّد خثعم في الجاهليَّة عاش مائة وأربعاً وخمسين سنة. صب ١: ٧٣.

٤ - أوس بن حارثة الطائي والد خرام صاحب رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عاش مائتي سنة، وأكثر هذه المدَّة من أيّام الجاهليَّة. صب ١: ٨٢.

٥ - ثور - ثوب - بن تلدة. أنشد له الكلبي:

وإن امرأ قد عاش تسعين حجَّة

إلى مائتين كلَّما هو ذاهبُ

قال: ولا أدري ما عاش بعد ما أنشد هذا لمعاوية. وقد يقال. إنَّه كان له يوم بدر عشرون ومائة عاماً. صب ١: ٢٠٥.

٦ - الجعد بن قيس المرادي. أسلم، وكان قد بلغ مائة سنة. صب ١: ٢٣٥.

٧ - حسّان بن ثابت الأنصاري. عاش في الجاهليَّة ستِّين وفي الإسلام ستِّين عاماً. صب ١: ٣٢٦.

٨ - حكيم بن حرام الأسدي ابن أخي خديجة زوج النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولد قبل عام الفيل بثلاثة وعشرين سنة، وتوفّي وهو ابن عشرين ومائة سنة. صب ١: ٣٤٩.

٢٨١

٩ - حمزة بن عبد المطلب عمّ النبيِّ الأعظم ولد قبلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بسنتين أو بأربع صب ١: ٣٥٣.

١٠ - حنيفة بن جبير بن بكر التميمي. أدرك أحفاده النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ولهم صحبة وكانوا يوم ذاك ذا لحى كما في الاصابة ١: ٣٥٩.

١١ - حويطب بن عبد العزَّى بن أبي قيس العامري المتوفَّى سنة ٥٤ له مائة و عشرين عاماً. صب ١: ٣٦٤.

١٢ - حيدة بن معاوية العامري. مات وهو عمُّ ألف رجل وامرأة وأدرك عبد المطلب بن هاشم جدَّ النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وكان بالغاً مبلغ الرجال. صب ١: ٣٦٥.

١٣ - خنابة بن كعب العبسي. كان له على عهد معاوية بن أبي سفيان مائة و أربعون سنة وله قوله في الاصابة ١: ٤٦٣:

حويت من الغايات تسعين حِجَّة

وخمسين حتّى قيل: أنت المقزَّعُ

١٤ - خويلد بن مرة الهذلي أبو خراش، أدرك الاسلام شيخاً كبيراً. صب ١: ٤٦٥.

١٥ - ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم أبو أروى الهاشمي. كان أسنّ من عمَه العبّاس الآتي ذكره. صب ١: ٥٠٦.

١٦ - سعيد بن يربوع القرشي المخزومي المتوفّى ٥٤ وله ١٢٠ / ٢٤ عاماً. صب ٢: ٥٢.

١٧ - سلمة السلمي، أقبل إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وأسلم وهو شيخٌ كبيرٌ.

١٨ - سلمان أبو عبد الله الفارسي مات سنة ٣٢ / ٣ / ٦ روى أبو الشيخ عن العباس بن يزيد انَّه قال: أهل العلم يقولون: عاش سلمان ثلثمائة وخمسين سنة، فأمّا مائتان وخمسون فلا يشكّون فيها. صب ٢: ٦٢.

١٩ - ابو سفيان القرشي الأموي. كان أسنّ من أبي بكر باثني عشر عاماً وعدَّة أشهر. صب ٢: ١٧٩.

٢٠ - صرمة بن أنس أبو قيس الأوسي. أدرك الإسلام فأسلم وهو شيخٌ كبيرٌ عاش نحواً من مائة وعشرين عاماً وهو القائل كما في الاصابة ٢: ١٨٣.

بدا ليَ أنّي عشت تسعين حِجَّة

وعشراً وما بعدها لي ثمانيا

٢٨٢

فلم ألفها لمـّا مضت وعدتها

يحسبها في الدهر إلّا لياليا

٢١ - صرمة بن مالك الأنصاري، أدرك الاسلام فأسلم وهو شيخٌ كبيرٌ. صب ٢: ١٨٣.

٢٢ - طارق بن المرقع الكناني، كان في حجَّة الوداع شيخاً كبيراً. ٢: ٢٢١.

٢٣ - الطفيل بن زيد الحارثي، هو الذي أخبر عمر بأمر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الجاهليَّة، وكان يوم ذاك قد أتت عليه مائة وستون سنة. صب ٢: ٢٢٤.

٢٤ - عاصم بن عديّ العجلاني توفّي سنة خمس وأربعين وله مائة وعشرون سنة. صب ٢: ٢٤٦.

٢٥ - العبّاس بن عبد المطلب عمُّ النبيِّ الأعظم، ولد قبل رسول الله بسنتين أو ثلاث صب ٢: ٢٧١.

٢٦ - عبد الله بن الحارث بن اُميَّة، أدرك الاسلام وهو شيخٌ كبيرٌ. صب ٢: ٢٩١.

٢٧ - عدي بن حاتم الطائي، مات بعد الستِّين وبلغ مائة وثمانين كما قاله أبو حاتم السجستاني، أو مائة وعشرين كما في قول خليفة. صب ٢: ٤٦٨.

٢٨ - عدي بن وداع الدوسي، من رجال الجاهليَّة أدرك الاسلام فأسلم وغزا وتوفّي وله ثلاثمائة سنة. صب ٢: ٤٧٢.

٢٩ - عمرو بن المـُسبِّح(١) الطائي، مات وله مائة وخمسون عاماً. قال ابن قتيبة: لست أدري أقبض قبل وفاة النبيِّ أم بعده. صب ٣: ١٦.

٣٠ - فضالة بن زيد العدواني، سأله معاوية: كم أتت لك يا فضالة؟ قال: عشرون ومائة سنة. صب ٣: ٢١٤.

٣١ - قباث بن أشيم، سأله عثمان بن عفان: أنت أكبر أم رسول الله؟ فقال رسول الله أكبر منِّي وأنا أسنُّ منه. صب ٣: ٢٢١.

٣٢ - قردة بن نفاثة السلولي، أدرك الاسلام وهو شيخٌ كبيرٌ وعاش ومائة وخمسين

____________________

١ - بضم الميم وفتح المهملة وتشديد الموحدة كما في الاصابة ٣: ١٦، وفي المعارف لابن قتيبة ١٣٦: المسيح.

٢٨٣

سنة وله كما في الاصابة ٣: ٢٣١ من أبيات:

بان الشباب فلم أحفل به بالا

وأقبل الشيب والإسلام إقبالا

٣٣ - لبيد بن ربيعة بن عامر الكلابي الجعفري، توفّي سنة ٤١ وهو ابن مائة و أربعين أو مائة وسبع وخمسين سنة أو مائة وستين سنة. صب ٣: ٣٢٦.

٣٤ - اللجاج الغطفاني، وفد إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو ابن سبعين وعاش ومائة وعشرين سنة. صب ٣: ٣٢٨.

٣٥ - المستوعز بن ربيعة بن كعب، كان من فرسان العرب في الجاهليَّة عاش إلى أيّام معاوية وكان له ٣٢٠ / ٣٠ سنة. صب ٣: ٤٩٢.

٣٦ - معاوية بن ثور البكائي، أسلم بيد النبيِّ وهو شيخٌ كبيرٌ صب ١: ١٥٦.

وفي بعض المعاجم كان ابن مائة سنة.

٣٧ - منقذ بن عمرو الأنصاري، كان قد أتى عليه مائة وثلاثون في حياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما في اُسد الغابة.

٣٨ - النابغة الجعدي، عاش في الجاهليَّة مائتي سنة، ومات وهو ابن ٢٢٥ / ٣٠. عاماً وهو القائل كما في الاصابة ٣: ٥٣٨:

ألا زعمت بنو أسد بأنِّي

أبو ولد كبير السنّ فاني؟

فمن يك سائلاً عنِّي؟ فانّي

من الفتيان أيّام الختانِ

أتت مائةٌ لعام ولدت فيه

وعشر بعد ذاك وحِجتّانِ

وقد أبقت صروف الدهر منِّي

كما أبقت من السيف اليماني

وقال أبو حاتم: عاش مائتي سنة وهو القائل:

قال: أمامة كم عمرت زمانه

وذبحت من عنز على الأوثانِ؟

ولقد شهدت عكاظ قبل محلّها

فيها وكنت اُعدّ من الفتيانِ

والمنذر بن محرَّق في ملكه

وشهدت يوم هجائن النعمانِ

وعمرت حتّى جاء أحمد بالهدى

وقوارع تُتلى من القرآنِ

ولبست في الاسلام ثوباً واسعاً

من سيب لا حرم ولا منّانِ

٣٩ - نوفل بن الحرث بن عبد المطلب الهاشمي إبن عمّ النبيِّ الطاهر. كان أَسنَّ من

٢٨٤

أسلم من بني هاشم حتّى من عمَّيه حمزة والعبّاس المذكورين صب ٣: ٥٧٧.

٤٠ - نوفل بن معاوية بن عروة الدئلي، كان ممَّن عاش في الجاهليَّة ستِّين وفي الإسلام ستِّين سنة. صب ٣: ٥٧٨.

وقبل هؤلاء كلّهم أبو قحافة والد الخليفة فانَّه كان أبكر سنّاً من الخليفة لا محالة إن لم تُصغِّره المعاجز من إبنه كما صغَّرت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وجعله غلاماً وشابّاً لا يُعرف بين يدي أبي بكر وهو أكر منه.

راجع في تراجم هؤلاء المذكورين المعارف لابن قتيبة، معجم الشعراء للمرزباني، الاستيعاب لأبي عمر، اُسد الغابة لابن الأثير، تاريخ ابن كثير، الاصابة لابن حجر، مرآة الجنان لليافعي، شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي. ونحن إقتصرنا منها بذكر الاصابة مرموزاً بـ (صب) روماً للاختصار.

هؤلاء جملةٌ ممَّن وقفنا على أسمائهم ممَّن أربوا على أبي بكر في السنِّ من الصحابة الأوَّلين، وهب أنّا غضضنا الطرف عن كلِّ ذلك فهلاّ نسائل القوم عن وجه الفضيلة في كبر السنِّ؟ أوَ ليس في الاُمم والأجيال من طعنوا في السنِّ فبلغوا من العمر عتيّاً، وفيهم الحالي بالفضائل والعاطل عنها، وإذا مُدح أحدهم فانَّها يمدح بمآثره لا بطول عمره، ومهما طال عمر الخليفة فإنَّ أكثره إنقضى في الجاهليَّة، بُعث النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم للخليفة ثمان وثلاثون سنة وقد مرَّ في الجزء الثالث ص ٢٢٠ انَّهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صلّى سبع سنين ولم يصلّ معه غير عليّ أمير المؤمنين. إذن فلأبي بكر عند إسلامه خمس وأربعون عاماً و توفّي وهو ابن ثلاث وستّين، فقد اشغل في الاسلام ثمان عشرة سنة، وهذه المدَّة الأخيرة هي التي يمكن أن تزدان بشيء من المناقب فهل ازدانت أو لا؟

وفي الغابة أحسب انَّه ليس للقوم غاية يعتدُّ بها في كبر السنِّ والاهتمام بذلك غير انَّهم جعلوا الحجر الأساسي للخلافة الراشدة أشياء منها: انَّ أبا بكر قُدَّم على أمير المؤمنين لأنَّه شيخٌ محنَّك لا تِرَة لأحد عنده فيُبغض، وعلى هذا الأساس جعلوه تارة أكبر سنّاً من النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقد عرفت حاله في صفحة ٢٧٠ واخرى أنَّه كان شيخاً يُعرف والنبيٌّ شابّاً لا يُعرف، وأوقفناك على حقيقة الحال في ص ٢٥٧. وآونة انَّه أسنّ الصحابة ليحسموا مادَّة النقض بشيوخ في الصحابة كلّهم أكبر من الامام أمير المؤمنينعليه‌السلام

٢٨٥

وفيهم رؤساء وأعاظم، وما عرفوا انَّ المستقبل الكشّاف سيوقف الباحثين على اناس هم أكبر من الرجل سنّاً، وأوفر علماً، وأبلغ حُنكةً، وأقدم شرفاً، وأسبق إسلاماً.

- ١٤ -

أبو بكر في كفَّة الميزان

أخرج الخطيب في تاريخه ١٤ ص ٧٨ من طريق عبد الله بن أحمد بن حنبل عن الهذيل عن مطرح بن يزيد عن عبيد الله بن زحر عن عليِّ بن زيد(١) عن القاسم بن عبد الرحمن عن أبي امامة: قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم دخلت الجنّة فسمعت فيها خشفة بين يديَّ.

فقلت: ما هذا؟ قال بلال: فمضيت فإذا أكثر أهل الجنَّة فقراء المهاجرين وذراري المسلمين ولم أر فيها أحداً أقلّ من الاغنياء والنساء « إلى أن قال » : ثمَّ خرجنا من أحد أبواب الجنَّة الثانية فلمّا كنت عند الباب اُتيت بكفّة فوضعت فيها ووضعت اُمَّتي في كفَّة فرجحت بها، ثمَّ اُتي بأبي بكر فوضع في كفَّة وجيء بجميع اُمَّتي فوضعوا في كفَّة فرجع أبو بكر، ثمَّ اُتي بعمر فوضع في كفَّة وجيء بجميع اُمَّتي فوضعوا فرجح عمر، ثمَّ رُفع الميزان إلى السماء. وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الاصول ص ٢٨٨.

(رجال الرواية)

١ - مطرح بن يزيد الكوفي قال الدوري عن ابن معين: ليس بشيء وقال أبو زرعة: ضعيف الحديث وقال أبو حاتم: ليس بالقويِّ ضعيف الحديث يروي أحاديث عن ابن زحر عليِّ بن يزد فلا أدري البلاء منه أو من عليِّ بن يزيد. وقال الآجري عن أبي داود: زعموا انَّ البليَّة من قِبَل عليِّ بن يزيد: وقال النسائي: ضعيفٌ ليس بشيء وقال ابن عدي: يجانب روايته عن ابن زحر والضعف على حديثه بيّن.

ميزان الاعتدال ٣: ١٧٤، تهذيب التهذيب ١٠ ص ١٧١.

٢ - عبيد الله بن زحر الأفريقي، مجمعٌ على ضعفه كما في الميزان. ضعَّفه أحمد: وقال ابن معين: ليس بشيء كلُّ حديثه عندي ضعيفٌ. وقال ابن المديني: منكر الحديث. وقال الحاكم: ليِّن الحديث. وقال ابن عدي: يقع في أحاديثه ما لا يتابع عليه. وقال أبو مسهر: صاحب كل معضلة. وقال الدارقطني: ضعيفٌ، وقال ابن حبّان: يروي الموضوعات عن

____________________

١ - كذا والصحيح: يزيد.

٢٨٦

الاثبات. فاذا روى عن عليّ بن يزيد بن أتى بالطامّات وإذا إجتمع في إسناد خبر عبد الله بن زحر وعليُّ بن يزيد والقاسم بن عبد الرحمن لم يكن مَتن ذلك الخبر إلّا ما عملته أيديهم(١) .

قال الأميني: هذه الرواية ممّا اجتمع فيه هؤلاء الثلاثة فهو ممّا عملته أيديهم.

٣ - علي بن يزيد الألهاني. قال ابن معين: عليُّ بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة ضعاف كلّها. وقال يعقوب: واهي الحديث كثير المنكرات. وقال الجوزجاني: رأيت غير واحد من الأئمة ينكر أحاديثه التي يرويها عنه عبيد الله بن زحر. وقال أبو زرعة: ليس بالقويِّ وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث أحاديثه منكرة، وقال البخاري: منكر الحديث ضعيفٌ. وقال النسائي: ليس بثقة متروك الحديث. وقال الأزدي والدارقطني والبرقي: متروكٌ. وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث. وقال الساجي: إتَّفق أهل العلم على ضعفه. وقال أبو نعيم: منكر الحديث. وقال ابن حجر: متَّهمٌ.

ميزان الاعتدال ٢: ٢٤٠: تهذيب التهذيب ٧ ص ١٣، ٣٩٦.

٤ - القاسم بن عبد الرَّحمن الشامي. قال أحمد: هذه المناكير التي يرويها عنه جعفر وبشر ومطرح مناكير ممَّا يرويها الثقات انَّها من قِبَل القاسم. وقال الأثرم: حملها أحمد على القاسم. وقال: ما أرى هذا إلّا من قِبَل القاسم. وقال الحرّاني: قال أحمد: ما أرى البلاء إلّا من القاسم. وقال الغلابي منكر الحديث. وقال ابن حبّان: يروي عن الصحابة المعضلات. ميزان الاعتدال ٢: ٣٤، تهذيب التهذيب ٨ ص ٣٢٣.

وهذا الحديث ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد ٩: ٥٩ فقال: رواه أحمد و الطبراني وفيهما: مطرح بن زياد وعليُّ بن يزيد الألهاني وكلاهما مجمعٌ على ضعفه.

قال الأميني: هذا شأن الرواية سنداً ورجاله كما ترى، واستدلَّ الهيثمي على ضعفه بما في متنه راجع مجمع الزوائد ٩ ص ٥٩.

- ١٥ -

توسُّل الشمس بأبي بكر

قال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : عُرض عليَّ كلُّ شيىء ليلة المعراج حتّى الشمس فانِّي سلّمت عليها وسألتها عن كسوفها فأنطقها الله تعالى وقالت: لقد جعلني الله تعالى على عجلة

____________________

١ - تهذيب التهذيب ٧ - ١٣.

٢٨٧

تجري حيث يريد فأنظر إلى نفسي بعين العجب فنزل بي العجلة فأوقع في البحر فأرى شخصين أحدهما يقول: أحد أحد. والآخر يقول: صدق صدق. فأتوسَّل بهما إلى الله تعالى فينقذني من الكسوف، فأقول: يا ربِّ من هما؟ فيقول: الذي يقول: أحد أحد هو حبيبي محمَّدصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم . والذي يقول: صدق صدق هو أبو بكر الصدِّيق رضي الله عنه.

« نزهة المجالس ٢ ص ١٨٤ »

أنا لا أحكِّم في هذه الرواية إلّا علماء علم الفلك سواء في ذلك القدماء منهم والمحدثون. وقد تكلَّمنا في صحيفة ٢٣٨ عن العجلة التي حملت الشمس وبحثنا عنها بحثاً ضافياً، وليت الهيئيِّين درسوا هذه الرواية فأخذوا عنها علماً غزيراً، وعرفوا أنَّ الكسوف يكون بغمس الشمس في البحر عقوبة على نظرها إلى نفسها بعين العجب وإنَّ إنجلائها يتمُّ بالتوسُّل، ولعلَّ المستقبل الكشّاف يأتي بمن يُعلّم الاُمَّة بسرِّ خسوف القمر وتتأتَّى به للمجالس نزهة بعد نزهة.

وهنا أسؤلةٌ جمَّةٌ:

١ - ليس الكسوف يخصُّ بهذه الاُمَّة فحسب، ولا بأيّام حياة أبي بكر خاصَّة، فمن ذا الذي كان يقول: صدق صدق. قبل ميلاد أبي بكر؟ ومن ذا الذي يقولها بعد وفاته؟ وبمن كانت الشمس تتوسَّل قبل ذلك؟ وبمن تتوسَّل به بعده؟.

٢ - أين كان يقول أبو بكر: صدق صدق؟ أيقولها وهو في محلّة بمرأى من الناس ومسمع فيُسمعها الشمس بالاعجاز؟ أو كان يحضر على ذلك البحرِ الذي لم يحدَّد بأيِّ ساحل فيغيب عن الناس وتطوى له المسافة بخرق العادات؟ فَلِم لم يُحدَّث عنه ذلك ولو مرَّة واحدة؟ أو انَّه يذهب هو ويدع قالبه المثالي بين الناس فيحسبونه هو هو؟ أو انَّه يثبت في مكانه فيرسل قالبه ذلك فتحسبه الشمس أنَّه هو؟

٣ - هب انَّ الشمس تحمل حياةً روحيَّةً فهل تحمل معها نفساً أمَّارة بالسوء بها تعجب بنفسها؟ أنا لا أدري. وعلى فرض ثبوت النفس الأمّارة فما بالها تدأب على المعصية وهي ترى استمرار العقوبة مع كلِّ عصيان؟ فهل هي تتوب بعد كلِّ معصية ثمَّ تعود إليها بنسيان العقاب أو غلبة الشهوة؟ ومن المعلوم انَّ الكسوف لم ينقطع ليلة المعراج فهو من الكائنات المتجدّدة إلى انقراض العالم فكأنَّ الشمس حينئذ كانت

_١٨_

٢٨٨

تخبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بتصميمها على الاستمرار على المعصية منذ كلِّ كسوف فمتى تتوب هذه العاصية الشاعرة؟ أنا لا أدري. وفي ذمَّة الصفوري صاحب الكتاب الخروج عن عهدة هذه الأسؤلة. فهل يخرج؟ أنا لا أدري، وهذا ايضاً من الغلوِّ في الفضائل والحبِّ المعمي والمصمِّ.

- ١٦ -

كلبةٌ من الجنِّ مأمورة

عن أنس بن مالك قال. كنّا جلوساً عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إذ أقبل إليه رجلٌ من أصحابه وساقاه تشخبان دماً فقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ! ما هذا؟ قال: يا رسول الله! مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني. فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : اجلس فجلس بين يدي النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، فلمّا كان بعد ذلك بساعة إذ أقبل إليه رجلٌ آخر من أصحابه وساقاه تشخبان دماً مثل الأوَّل فقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ما هذا؟ فقال: يا رسول الله! إنّي مررت بكلبة فلان المنافق فنهشتني قال: فنهض النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : وقال لأصحابه: هلمّوا بنا إلى هذه الكلبة نقتلها فقاموا كلُّهم وحمل كلُّ واحد منهم سيفه فلمّا أتوها وأرادوا أن يضربوها بالسيوف وقعت الكلبة بين يدي رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقالت بلسان طَلِقَ ذلِق: لا تقتلني يا رسول الله! فانّي مؤمنةٌ بالله ورسوله فقال: ما بالك نهشت هذين الرَّجلين؟ فقالت: يا رسول الله! إنّي كلبةٌ من الجنِّ مأمورة أن أنهش مَن سبَّ أبا بكر وعمر رضي الله عنهما. فقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا هذين! أما سمعتما ما تقول الكلبة؟ قالا: نعم يا رسول الله! إنّا تائبان إلى الله عزَّ وجلَّ « عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص ١٠٥ »

قال الأميني: ما أعظم شأن هذه الكلبة وأثبتها في ميدان البسالة حتّى استدعى أمرها أن يتجهَّز لحربها النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ويحمل عليها أصحابه شاهرين السيوف؟ فهل هي كلبةٌ أو أسدٌ ضارٍ؟ أو عفرنى باسل؟ أو حشدٌ لُهام؟ وأحسب أنَّ الَّذين نهشتهما كانا من هيّابة الصحابة فانَّ شجعانهم ما كانوا يبالون بالضراغم فضلاً عن الكلاب.

وأين كانت هذه الكلبة عمَّن كان ينال من أبي بكر غير الرجلين في ذلك العهد و بعد العهد النبويِّ وهلمَّ جرّا؟ فلم تُشهد لها نهشة، ولا سمع لها عواء، فليتهيَّأ صاحب عمدة التحقيق لتحليل هذه المسائل وذلك بعد الغضِّ عن إسناده الموهوم.

٢٨٩

ثمَّ ما أخرس ألسنة أُولئك الصحابة الحضور يوم أطلق الله لسان تلك الكلبة الطلقة الذلقة عن بثِّ هذه الفضيلة الرابية؟ ومثلها تتوفَّر الدواعي لنقلها، وما أذهل الحفّاظ وأئمة الحديث وأرباب السير عن روايتها؟ فلا يجدها الباحث في المسانيد والصحاح والفضائل ومعاجم السير وأعلام النبوَّة ودلائلها إلى أن بشَّر بها العبيدي آل الصدِّيق بعد لأي من عمر الدهر وقذف بهذه الاُكذوبة أنس بن مالك.

أهكذا تكون المغالاة في الفضائل؟.. لعلَّها تكون.

نعم لِلَّه كلابٌ مفترسة وأُسودٌ ضارية سلّطها الله على أعدائه بدعاء نبيِّه الأعظم أو أحد من أولاده الصّادقين صلوات الله عليه وعليهم، منها: كلبٌ سلّطه الله على لهب بن أبي لهب بدعاء النبيِّ الأقدس كما مرَّ في الجزء الاوّل ص ٢٦١ ط ٢. ومنها، كلب. أخذ برأس عتبة بدعاء رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم كما مرَّ في ج ١ ص ٢٦١ ط ٢ قال الحلبي في السيرة النبويَّة ١ ص ٣١٠: ووقع مثل ذلك لجعفر الصّادق قيل له: هذا فلان ينشد الناس هجاءكم يعني أهل البيت بالكوفة فقال لذلك القائل: هل علقت من قوله بشيء! قال: نعم. قال: فأنشد. فأنشد:

صلبنا لكم زيداً على جذع نخلة

ولم أرَ مهديّاً على الجذع يصلبُ

وقستم بعثمان عليّاً سفاهة

وعثمان خيرٌ من عليّ وأطيبُ

فعند ذلك رفع جعفر يديه وقال: أللّهم إن كان كاذباً فسلِّط عليه كلباً من كلابك فخرج ذلك الرجل فافترسه الأسد. وإنَّما سمِّي الأسد كلباً لأنَّه يشبه الكلب في انّه إذا بال رفع رجله.

قال الأميني: الشاعر المفترَس هو الحكيم الأعور أحد الشعراء المنقطعين إلى بني اُميَّة بدمشق وقصَّته هذه من المتسالم عليه غير أنَّ في معجم الادباء كما مرَّ في الجزء الثاني ص ١٩٧ ط ٢ من كتابنا هذا أنَّ الداعي على الرَّجل هو عبد الله بن جعفر. وأحسبه تصحيف أبي عبد الله جعفر، فعلى كلّ قد وقع من أهله في محلّه.

- ١٧ -

هبة أبي بكر لمحبِّيه

عن عكرمة عن إبن عبّاس قال: قال عليٌّ رضي الله عنه: كنت جالساً مع رسول

٢٩٠

اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وليس معنا ثالثٌ إلّا الله عزَّ وجلَّ فقال: يا عليُّ تريد أن اُعرِّفك بسيِّد كهول أهل الجنَّة وأعظمهم عند الله قدراً ومنزلة يوم القيامة؟ فقلت: أي وعيشك يا رسول الله! قال: هذان المقبلان. قال عليٌّ: فالتفتُّ فإذا أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. ثمَّ رأيت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم تبسَّم ثمَّ قطب وجهه حتّى ولجا المسجد فقال ابو بكر: يا رسول الله! لمـّا قربنا من دار أبي حنيفة تبسَّمت لنا ثمَّ قطبت وجهك فلِمَ ذلك يا رسول الله؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لمـّا صرتما لجانب دار أبي حنيفة عارضكما إبليس ونظر في وجوهكما ثمَّ رفع يديه إلى السَّماء أسمعه وأراه وأنتما لا تسمعانه ولا تريانه وهو يدعو ويقول: أللّهم إنّي أسألك بحقِّ هذين الرجلين أن لا تعذِّبني بعذاب باغضي هذين الرجلين.

قال أبو بكر: ومَن هو الذي يبغضنا يا رسول الله! وقد آمنّا بك وآزرناك وأقررنا بما جئت به من عند ربِّ العالمين؟ قال: نعم يا أبا بكر! قومٌ يظهرون في آخر الزمان يقال لهم: الرافضة يرفضون الحقَّ، ويتأوَّلون القرآن على غير صحَّته وقد ذكرهم الله عزَّو جلَّ في كتابه العزيز وهو قوله: يحرِّفون الكلم عن مواضعه(١) فقال: يا رسول الله! فما جزاء من يبغضنا عند الله؟ قال يا أبا بكر! حسبك انَّ إبليس لعنه الله تعالى يستجير بالله تعالى أن لا يعذِّبه بعذاب باغضيكما. قال: يا رسول الله! هذا جزاء من قد أبغض فما جزاء من قد أحبِّ؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أن تهديا له هديَّة من أعمالكما. فقال: أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله اُشهد الله وملائكته إنّي قد وهبت لهم ربع أجري - أي عملي - منذ آمنت بالله إلى أن نلقاه. فقال عمر رضي الله عنه: وأنا مثل ذلك يا رسول الله. قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : فضعا خطَّكما بذلك. قال عليٌّ كرَّم الله وجهه: فأخذ أبو بكر زجاجة وقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم اكتب. فكتب:

بسم الله الرَّحمن الرَّحيم يقول عبد الله عتيق بن أبي قحافة: إنّي قد اُشهدت الله ورسوله ومن حضر من المسلمين انِّي قد وهبت ربع عملي لمحبّي في دار الدنيا منذ آمنت بالله إلى أن ألقاه، وبذلك وضعت خطِّي.

قال: وأخذ عمر وكتب مثل ذلك فلمّا فرغ القلم من الكتابة هبط الأمين جبريلعليه‌السلام وقال: يا رسول الله! الربُّ يقرئك السَّلام ويخصُّك بالتحيَّة والإكرام ويقول لك:

____________________

١ - سورة النساء آية: ٤٦. وسورة المائدة آية: ١٣.

٢٩١

هات ما كتبه صاحباك. فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : هذا هو. فأخذه جبريل وعرج به إلى السَّماء ثمَّ إنَّه عاد إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين ما أخذت يا جبريل منِّي؟ قال: هو عند الله تعالى وقد شهد الله فيه، وأشهد حملة العرش وأنا وميكائيل وإسرافيل وقال الله تعالى: هو عندي حتّى يفي أبو بكر وعمر بما قالا يوم القيامة.

عمدة التحقيق للعبيدي المالكي ص ١٠٥ - ١٠٧.

قال الأميني: أنا لا أحاول إطناباً في تفنيد هذه الرِّواية الشبيهة بأساطير القصّاصين أو الرِّوايات الخياليَّة، فإنَّ كلَّ فصل منها شاهد صدق على عدم صحَّتها.

أنا لا أخدش في كهولة الشيخين بما مرَّ في الجزء الخامس ص ٣١٣ ط ٢ من القول المعزوِّ إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا عليُّ أتحبُّ هذه الشيخين؟. ولا بما مرَّ في هذا الجزء ص ٢٤١ من أنَّ أبا بكر له شيبة في الجنَّة وليس لأحد لحية هناك إلّا هو وإبراهيم الخليل ولا بما مرَّ ص ٢٤١ من أنَّ رسول الله كان يقبِّل شيبة أبي بكر. ولا بما مرَّ في صفحة ٢٥٧ من أنَّ أبا بكر كان يوم هجرة النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم الى المدينة شيخاً والنبيُّ شابّاً. ولا بما مرَّ في ص ٢٧٠ من أنَّ أبا بكر كان أكبر من النبيِّ. ولا بما مرَّ في ص ٢٨٠ من أنَّه كان أسنَّ أصحاب النبيِّ.

ولا أتكلّم في عذاب باغضي أبي بكر وعمر وأنَّه ما الذي أربى به على عذابَ من تكبَّر وتجبَّر تِجاه المولى سبحانه وعانده وخالف أمره وهو من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم يغوي عباد الله ويضلّهم عن سبيل الحقِّ؟.

ولا اُناقش في أنَّ إبليس كيف كان يصحُّ له أن يتعوَّذ بالله من عذاب باغضيهما؟ أكان يحبِّهما فلماذا هو؟ أو كان يبغضهما كما يبغض كلَّ مؤمن بالله؟ فالدعاء لماذا؟ وما ذا ينتج له وهو يعلم عذاب مبغضيهما وهو يبغضهما ولا يزال يغري الناس ببغضهما؟.

ولا أمدُّ يراعي إلى الزجاجة المكتوبة فيها تلك الهبة الموهومة لئلاّ تنكسر فتحرم الاُمة المرحومة من تلك البضاعة الغالية.

ولا اُسائل رواة هذه المهزأة عن تلك الشهادات من الله إلى حملة عرشه إلى أمين وحيه إلى ميكائيل وإسرافيل. لماذا هي كلّها؟ وما الذي أحوج المولى سبحانه إلى ذلك الاهتمام البالغ في استحكام ذلك الصكّ؟ وما الذي أهمَّ إدِّخاره عند الله حتى يفي أبو بكر و

٢٩٢

عمر بما قالا يوم القيامة؟

ولا أقول لِماذا تركت الأئمَّة وحفّاظ الحديث هذه الفضيلة العظيمة إلى قرن العبيدي المالكي - القرن الحادي عشر - وفيها بشارةٌ كبيرةٌ لمحبِّ الشيخين وإرشاد للاُمَّة إلى ما فيه نجاتهم نجاحهم والمثوبة الجزيلة بجزاء ربعي أعمالهما؟ ولِماذا شحَّ اولئك الحفظة على الاُمة وسمع العبيدي؟

ولكن هلمَّ معي إلى مفاد الآية الكريمة فهي في موضعين من القرآن الكريم:

١ - من الذين هادوا يحرِّفون الكلم عن مواضعه، ويقولون سمعنا وعصينا سورة النساء آية ٤٦.

٢ - ولقد أخذَ الله ميثاقَ بني إسرائيل وبعثنا منهم اثني عشر نقيباً وقال الله إنِّي معكم لئن أقمتم الصَّلاة وآتيتم الزكاة وآمنتم برسلي وعزَّرتموه وأقرضتم الله قرضاً حسناً لأكفِّرنَّ عنكم سيِّئاتكم ولاُدخلنَّكم جنّات تجري من تحتها الأنهار فمن كفر بعد ذلك منكم فقد ضلَّ سواء السبيل، فبما نقضهم ميثاقهم لعنّاهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرِّفون الكلم عن مواضعه، ونسوا حظّاً ممّا ذكّروا به. سورة المائة ١٢، ١٣.

ألا تعجب من تحريف الكلم باسناد ما ناء به اليهود وبنو إسرائيل بنصِّ القرآن الحكيم إلى قوم لم يأتوا بعدُ وسيضمنهم الزمان في اُخرياته؟ حاشا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أن يقول ذلك، ولكنَّها ورطات القالة، وأهواءٌ وشهوات، حبَّذت الوقيعة في قوم مؤمنين إتَّبعوا النبيَّ الأمين، وهُدوا إلى الصِّراط المستقيم، وهُدوا إلى الطيِّب من القول، وهُدوا إلى صراط الحميد، ومن يعتصم بالله فقد هُدي إلى صراط مستقيم.

- ١٨ -

أبو بكر في قاب قوسين

بلغنا أنَّ النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم لَمّا كان قاب قوسين أو أدنى أخذته وحشة فسمع في حضرة الله تعالى بصوت أبي بكر رضي الله عنه فاطمأنَّ قلبه استأنس بصوت صاحبه.

ذكره العبيدي المالكي في عمدة التحقيق ص ١٥٤ فقال: هذه كرامةٌ للصدِّيق إنفرد بها رضي الله تعالى عنه.

قال الأميني: لِماذا تلك الوحشة؟ ولماذا ذلك الانس؟ وهوصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في ساحة

٢٩٣

القدس الربوبيِّ، وكان لا يأنس إلّا بالله، وكانت نفسه القدسيَّة في كلِّ آناته منعطفة إليها فهل هو يستوحش إذا حصل فيها؟ وهي أزلف مباءة إلى المولى سبحانه لا تقلُّ غيره. حتّى انَّ جبرئيل الأمين إنكفئ(١) عنها فقال: إن تجاوزت احترقت بالنار. لمـّا جذبه الله تعالى إليها وحفَّته قداسةٌ إلـ~ـهية تركته مستعدّاً لتلقِّي الفيض الأقدس، وهل هناك وحشةٌ لمثلهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يسكِّنها صوت أبي بكر؟ وهل كانت لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وهو في مقام الفناء لفتةٌ إلى غيره جلّت عظمته حتى يأنس بصوته؟ لا ها الله، وما كان قلب النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقلُّ غيره سبحانه فهو مستأنسٌ به ومطمأنٌّ بآلائه، فلا مدخل فيه لأيِّ أحد يطمأنّ به، وما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه، ولقد رآه بالاُفق المبين، فأوحى إلى عبده ما أوحى، ما كذب الفؤاد ما رأى، أفتمارونه على ما يرى؟ ولقد رآه نزلةً اخرى عند سدرة المنتهى، ما زاغ البصر وما طغى، لقد رأى من آيات ربِّه الكبرى، ولم تبرح نفسه الكريمة مطمأنَّة ببارئها حتى خوطب بقوله سبحانه: يا أيتها النفس المطمأنَّة ارجعي إلى ربِّك راضيةً مرضيَّة.

هذا مبلغ الرواية من نفس الأمر لكن الغلوَّ في الفضائل آثر أن يعدّوها من فضائل الخليفة وإن كانت مقطوعةً عن الإسناد.

- ١٩ -

الدين وسمعه وبصره

عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنهما قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: لقد هممت أن أبعث إلى الآفاق رجالاً يُعلّمون الناس السنن والفرائض كما بعث عيسى بن مريم الحواريِّين. قيل له: فأين أنت عن أبي بكر وعمر؟ قال: إنَّه لا غني بي عنهما أنَّهما من الدين كالسمع والبصر.

أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ص ٧٤ فقال: هذا حديث تفرَّد به حفص بن عمر العدني عن مسعر. وقال الذهبي في تلخيصه: هو واهٍ.

قال الأميني: قال النسائي: حفص بن عمر ليس بثقة. وقال ابن عدي: عامَّة حديثه غير محفوظة. وقال ابن حبَّان: كان ممَّن يُقلّب الأسانيد لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد.

____________________

١ - الكامل ٢: ٢١، السيرة الحلبية ١: ٤٣١.

٢٩٤

وقال ابن معين: رجل سوء، ليس بثقة. وقال مالك بن عيسى: ليس بشيء، وقال العقيلي: يحدِّث بالأباطيل، وقال أحمد: كان مع حماد(١) في تلك البلايا، وقال أبو داود: منكر الحديث، وقال الدارقطني: ضعيفٌ، ليس بقويّ، متروكٌ(٢) .

هذا على ما فرَّق جمعٌ بينه وبين حفص بن عمر بن دينار الايلي وأمّا إن كان هو هو فقال ابن عدي: أحاديثه كلّها منكرة المتن والسند وهو إلى الضعف أقرب. وقال أبو حاتم: كان شيخاً كذّابا. وقال العقيلي: يحدِّث عن شعبة ومسعر ومالك بن مغول والأئمة بالبواطل، وقال الساجي: كان يكذب، وقال أبو أحمد الحاكم: ذاهب الحديث(٣) .

هذا شأن سند الرواية، وليت شعري أيّ سنَّة أو فريضة كان يعلّمها الرجلان على فرض إرسالهما؟ وبماذا كان يفتيان في الكلالة وإرث الجدِّ والجدّة والتيمم وشكوك الصَلاة إلى مسائل اُخرى عرَّفناك بعضها في الجزء السادس وجملة منها في هذا الجزء؟ وبماذا كانا يجيبان لو سألا عن آيات القرآن وهما يتقاعسان عن معرفة بعض ألفاظها اللغويَّة فكيف بالغوامض والمعضلات؟

ثمَّ بماذا كان غناء الرجلين لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ؟ وبماذا كانا من الدين كالسمع والبصر؟ أبصولاتهما في الحروب؟ أم بأياديهما في الجدوب؟ أم ببصائرهما في الاُمور؟ أم بعلمهما الناجع في الكتاب والسنَّة؟ أم بتوقّف الدعوة عليهما في عاصمة الاسلام؟ أم باناطة تنفيذ الاحكام بهما؟ إقرأ السير ثمَّ استحف الخبر.

م - وقد مرّ في ج ٥ ص ٣٢٥ عن المقدسي: إنّ أبا بكر وعمر من الاسلام بمنزلة السمع والبصر من موضوعات الوليد بن الفضل الوضّاع، وذكر أبو عمر في الاستيعاب ١ ص ١٤٦ مرفوعاً لأبي بكر وعمر: هذان منِّي بمنزلة السمع والبصر من الرَّأس وقال: إسناده ضعيف أخبرنا أبو عبد الله يعيش بن سعيد قال: نا أبو بكر بن محمَّد بن معاوية: قال جعفر بن محمَّد الفريابي: قال عبد السلام بن محمد الحرّاني؟ قال ابن أبي فديك، عن المغيرة بن عبد الرحمن عن المطلب بن عبد إلله بن حنطب عن أبيه.

____________________

١ - أحد الكذّابين الوضّاعين.

٢ - ميزان الاعتدال ١: ٢٦٢، تهذيب التهذيب ٢ ص ٤١٠.

٣ - ميزان الاعتدال ١: ٢٦٣، لسان الميزان ٢ ص ٣٢٤.

٢٩٥

عن جدِّه انّ النبيَّ.... ليس له غير هذا الاسناد والمغيرة بن عبد الرحمن هذا هو الحزامي ضعيفٌ وليس بالمخزومي الفقيه صاحب الرأي (الخ) وقال في ج ١ ص ٣٤٨: حديث مضطرب الأسناد لا يثبت. وفي الاصابة ٢: ٢٩٩: حديث هذان السمع والبصر. في أبي بكر وعمر قال أبو عمر: حديث مضطرب لا يثبت.

أقول في الاسناد المذكور غير واحد من المجاهيل والضعاف ولا ينحصر ضعفه بمكان المغيرة فحسب، وقال فيه ابن معين: إنَّه ليس بشيء. وقال النسائي: ليس بالقويِّ. تهذيب التهذيب ١٠: ٢٦٦.

- ٢٠ -

أبو بكر ومنزلته عند الله

عن ابن عبّاس قال. كان أبو بكر مع النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم في الغار فعطش عطشاً شديداً فشكا إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال له النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : إذهب إلى صدر الغار فاشرب. قال أبو بكر: فانطلقت إلى صدر الغار فشربت ماءً أحلى من العسل وأبيض من اللبن وأذكى رائحة من المسك ثمَّ عدت إلى النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فقال: شربت؟ قلت: نعم. قال: ألا اُبشِّرك يا أبا بكر؟ قلت: بلى يا رسول الله! قال: إنَّ الله تبارك وتعالى أمر الملك الموكّل بأنهار الجنَّة أن اخرق نهراً من جنَّة الفردوس إلى صدر الغار ليشرب أبو بكر فقلت: يا رسول الله! ولي عند الله هذه المنزلة؟ فقال النبيُّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : نعم وأفضل، والذي بعثني بالحقِّ نبيّاً لا يدخل الجنّة مبغضك ولو كان له عمل سبعين نبيّاً.

الرياض النضرة ١ ص ٧١، مرقاة الوصول ص ١١٤.

قال الأميني: كيف تصحّ هذه الرواية قد ضرب عنها حفّاظ الحديث وأئمّة التاريخ والسير صفحا؟ مع ما فيها من نبأ عظيم وكرامة هامّة وهي بين أيديهم وهم يهتمون بجمع دلائل النبوَّة ومعاجز الرسالة، فلم تخرّج في أصل، ولم تذكر في سيرة، وإنَّما ذكرها السيوطي في الخصايص ١ ص ١٨٧ فقال: أخرجه ابن عساكر بسند واهٍ.

ولماذا خصَّت روايتها بابن عبّاس وقد ولد في شعب أبي طالب قبل الهجرة بقليل فكان يوم الغار ابن سنة أو سنتين ولم يسندها إلى أحد ولم يكن في الغار غير النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وصاحبه؟ فأين روايتهما إيّاها؟ وأين اولئك الصحابة عنها؟ أيحقّ لحكيم أو حافظ أن

٢٩٦

يرسل مثل هذه الواهية إرسال المسلّم في عدّ الفضائل؟

نعم: للقوم في محبّة أبي بكر وصاحبه روايات تشبه بالقصص الخياليَّة نسجتها يد الغلوِّ في الفضائل وإليك منها:

١ - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً، لَمَّا وُلد أبو بكر في تلك الليلة اطّلع الله على جنَّة عدن فقال: وعزَّتي وجلالي لا أدخلك إلّا من أحبَّ هذا المولود.

من موضوعات أحمد بن عصمة النيشابوري كما مرَّ في ج ٥ ص ٣٠٠ ط ٢.

٢ - عن أبي هريرة مرفوعاً: إنَّ في السَّماء الدنيا ثمانين ألف ملك يستغفرون الله لمن أحبَّ أبا بكر وعمر، وفي السَّماء الثانية ثمانون ألف ملك يلعنون من أبغض أبا بكر وعمر.

من طامّات أبي سعيد الحسن بن علي البصري كما أسلفنا في ج ٥: ٣٠٠ ط ٢.

٣ - عن أنس إنَّ يهوديّاً أتى أبا بكر فقال: والذي بعث موسى وكلَّمة تكليما إنِّي لاُحبّك فلم يرفع أبو بكر رأسه تهاوناً باليهوديِّ فهبط جبرئيل على النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وقال: يا محمَّد إنَّ العليَّ الأعلى يقرأ عليك السَّلام ويقول لك: قل لليهوديِّ: إنَّ الله قد أحاد عنك النار. الحديث. إقرأ واحكم بعد قرائتك القرآن والتدبّر في الآي النازلة في عذاب الكفّار. من موضوعات أبي سعيد البصري راجع الجزء الخامس ص ٣٠١ ط ٢.

٤ - عن أنس مرفوعاً: إنَّ لله تعالى في كلِّ ليلة جمعة مائة ألف عتيق من النار إلّا رجلين فانَّهما يدخلان في اُمَّتي وليسا منهم، وإنَّ الله لا يعتقهما فيمن عتق منهم مع أهل الكبائر في طبقتهم، مصفَّدين مع عبدة الأوثان: مبغضي أبو بكر وعمر، وليس هم داخلين في الإسلام وإنَّما هم يهود هذه الاُمَّة الخ.

من وضع أبي شاكر مولى المتوكِّل كما مرَّ في ج ٥ ص ٣٠٣ ط ٢.

٥ - عن عبد الله بن عمر مرفوعاً: إنَّ الله أمرني بحبِّ أربعة: أبي بكر، وعمر، و عثمان، وعليّ. من بلايا السنجري كما مرَّ ج ٥: ٣١٠ ط ٢.

٦ - عن أبي هريرة مرفوعاً قال لعليّ: أتحبُّ هذين الشيخين؟ قال: نعم يا رسول الله! قال: احبّهما تدخل الجنَّة. من صناعة الاشناني كما مرَّ ج ٥: ٣١٣ ط ٢.

٧ - عن جابر مرفوعاً: لا يبغض أبا بكر وعمر مؤمن ولا يحبّهما منافقٌ.

٢٩٧

من موضوعات معلّى الطحان راجع ج ٥: ٣٢٣ ط ٢.

٨ - عن أبي هريرة مرفوعاً: هذا جبريل يخبرني عن الله: ما أحبَّ أبا بكر و عمر إلّا مؤمن تقيّ، ولا أبغضهما إلّا منافقٌ شقيٌّ.

من موضوعات ابراهيم الأنصاري كما مرَّ ج ٥ ص ٣٢٦ ط ٢.

٩ - عن أبي سعيد مرفوعاً، من أبغض عمر فقد أبغضني راجع ٥: ٣٢٩ ط ٢.

١٠ - عن عليّ مرفوعاً قد أخذ الله بكم الميثاق في اُمِّ الكتاب لا يحبُّكم « يعني أبا بكر. وعمر. وعثمان. وعليّاً » إلّا مؤمن تقيٌّ، ولا يبغضكم إلّا منافقٌ شقيٌّ.

من موضوعات ابراهيم الأنصاري كما مرَّ ج ٥: ٣٢٦ ط ٢.

١١ - عن عليّ مرفوعاً في أبي بكر: من أحبَّني فليحبَّه، ومن أراد كرامتي فليكرمه مرَّ في الجزء الخامس ص ٣٥٥ ط ٢.

١٢ - عن أنس مرفوعاً: إنَّ لعرش الرَّحمن ثلاثمائة وستِّين قائمة، كلُّ قائمة كطباق الدنيا ستّين ألف مرَّة، بين كلِّ قائمتين ستّون ألف صخرة، كلُّ صخرة مثل الدنيا ستّون ألف مرَّة، في كلِّ صخرة ستّون ألف عالم، كلُّ عالم مثل الثقلين ستّون ألف مرَّة.

قد ألهمهم الله تعالى الاستغفار لمن يحبُّ أبا بكر وعمر، ويلعنون مبغضهما إلى يوم القيامة(١) .

كأنَّ لعدد ستِّين ألف خاصَّةٌ عند واضع هذه الخرافة فجعل سلسلة الأكوان الخياليَّة على ذلك العدد، ليست هذه كلّها إلّا حلقة بلاء جاءت بها رماة القول على عواهنه المغالون في الفضائل تجاه الحقائق الراهنة، غير أنّا لا نخدش العواطف ببسط القول في متونها، ونكل القضاء فيها إلى ضمير الباحث النابه الحرِّ.

- ٢١ -

النبيُّ مؤيَّدٌ بالشيخين

عن أبي أروى الدوسي قال كنت جالساً عند النبيِّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاطّلع أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، الحمد الذي أيَّدني بكما.

قال الأميني: أخرجه الحاكم في المستدرك ٣ ص ٧٤ من طريق ابن أبي فديك

____________________

١ - عمدة التحقيق للعبيدى المالكى ص ١٨٣ نقلا عن كتاب العقائق.

٢٩٨

وهو وإن وثَّقه ابن معين غير أنَّ ابن سعد قال: ليس بحجَّة، عن:

عاصم بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب، ضعَّفه أحمد وابن معين وابو حاتم، وابن عدي، وقال الفروي: وليس بقويّ، وقال الجوزجاني: يضعف حديثه وقال البخاري: منكر الحديث، وقال الترمذي: متروكٌ ليس بثقة، وقال ابن حبّان: يخطيء ويخالف وقال ايضاً: منكر الحديث جِدّاً يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الاثبات، لا يجوز الاحتجاج به إلّا فيما وافق الثقات، وقال ابن الجارود: ليس حديثه بحجَّة. وتكلّم النسائي على أحمد بن صالح حيث وثَّقه. عن:

سهيل بن أبي صالح قال ابن معين: حديثه ليس بحجَّة. وقال أبو حاتم: حديثه لا يُحتجُّ به، وقال ابن حبَّان يخطئ، وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى: لم يزل أهل الحديث يتَّقون حديثه. وذكر العقيلي عن يحيى انَّه قال: هو صويلح وفيه لين عن:

محمَّد بن ابراهيم بن الحارث المدني وثَّقه غير واحد غير أنَّ امام الحنابلة أحمد قال: في حديثه شيىءٌ يروي أحاديث مناكير أو منكرة(١) والحديث ذكره ابن حجر في الاصابة ٤ ص ٥ وضعّفه.

هذا مجمل القول في رجال سند الرواية، وأمّا متنه فكما ترى آيةٌ في الغلوِّ.

- ٢٢ -

الأشباح الخمسة من ذريّة آدم

عن أنس بن مالك قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم يقول: أخبرني جبريل انَّ الله تعالى لمـّا خلق آدم وأدخل الروح في جسده أمرني أن آخذ تفّاحةً من الجنَّة فأعصرها في حلقه فعصرتها في فمه فخلقك الله من النقطة الأولى أنت يا محمَّد، ومن الثانية أبا بكر، ومن الثالثة عمر، ومن الرابعة عثمان، ومن الخامسة عليّ. فقال آدم: من هؤلاء الذين كرَّمتهم؟ فقال الله تعالى: هؤلاء خمسة أشباح من ذرّيتك، وقال: هؤلاء اكرم عندي من جميع خلقي. قال: فلمّا عصى آدم ربَّه. قال: ربِّ بحرمة أولئك الأشباح الخمسة الذي فضَّلتهم إلّا تبت عليَّ فتاب الله عليه.

____________________

١ - راجع ميزان الاعتدال ٢: ٤ و ج ١: ٤٣٢، تهذيب التهذيب ج ٩ ص ٦، ٦١ ج ٤ ٢٦٣، ج ٥ وبهذا الطريق اخرجه البزار كما في الصواعق ص ٤٧.

٢٩٩

ذكره الحافظ محبّ الدين الطبري في الرياض النضرة ١: ٣٠، وابن حجر في الصواعق ص ٥٠ نقلاً عن رياض المحبّ الطبري وقال: عهدته عليه.

قال الأميني: ما أبعد المسافة بين من يجوِّز توسّل آدم أوَّل الأنبياء إلى الله تعالى باناس عاديِّين في سياق توسّله بأفضل الرسل والسيِّد الأوصياء عليهما وآلهما السَّلام، و بين مَن ينكر التوسُّل لأيِّ أحد، بأيِّ أحد، ولا يرى لتوسّل آدم بالنبيِّ الأعظمصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أيّ قيمة وكرامة، فيعتقد الأوَّل صحَّة مثل هذه الرواية التي حكم السيوطي بانَّها كذبٌ موضوعٌ، وارتضاه ابن حجر في نقله عنه كما في كشف الخفاء، وإن عدَّه في صواعقه من الفضائل زعماً منه بأنَّ الدهر لم يأت بعده بمن يناقشه في الحساب، وصافقهما على التكذيب والوضع العجلوني فقال في كشف الخفاء ١: ٢٣٣: قال ابن حجر الهيثمي نقلاً عن السيوطي: كذبٌ موضوعٌ.

ومتن الراوية أوضح شاهد على ذلك غير انَّ المغالات في الفضائل إختلقتها لمعارضة ما ورد في قوله تعالى: فتلقّى آدم من ربِّه كلمات فتاب عليه « سورة البقرة »

أخرج الديلمي في مسند الفردوس كما في الدر المنثور ١: ٦٠ باسناده عن عليّ قال سألت النبيَّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن قول الله: فتلقّى آدم من ربِّه كلمات فتاب عليه؟ فقال: إن الله أهبط آدم بالهند وحواء بجدَّه - إلى أن قال -: حتى بعث الله إليه جبريل، وقال: يا آدم ألم أخلقك بيدي: ألم أنفخ فيك من روحي؟ ألم أسجد لك ملائكتي؟ ألم أُزوِّجك حوّاء أمتي: قال: بلى. قال: فما هذا البكاء؟ قال وما يمنعني من البكاء؟ وقد اُخرجت من جوار الرَّحمن. قال: فعليك بهؤلاء الكلمات فانَّ الله قابلٌ توبتك، وغافرٌ ذنبك. قل: أللهمّ إنيِّ أسألك بحقِّ محمَّد وآل محمَّد سبحانك لا إ~له إلا أنت، عملت سوءً، وظلمت نفسي فاغفر لي إنَّك أنت الغفور الرَّحيم، فهؤلاء الكلمات التي تلقَّى آدم.

وأخرج ابن النجار عن ابن عبّاس قال: سألت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن الكلمات التي تلقَّاها آدم من ربِّه فتاب عليه؟ قال: سأل بحقِّ محمَّد وعليّ وفاطمة والحسن والحسين إلّا تبت عليَّ. فتاب عليه « الدر المنثور ١: ٦٠ »

وأخرجه الفقيه ابن المغازلي في المناقب كما في ينابيع المودَّة ص ٢٣٩.

٣٠٠

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423