الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 423
المشاهدات: 194028
تحميل: 7855


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194028 / تحميل: 7855
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

صبّابة الجنبات تسمع حولها

للرعد شقشقةَ القُروم البزّلِ(١)

تُرضى ثراك بواكفٍ متدفِّقٍ

يُروي صداك وقاطرٍ مُتسلسلِ

حتّى يرى زوّار قبرك أنَّهم

حطّوا رحالهمُ بوادٍ مبقلِ

و متى ونتْ أو قصَّرت أهدابها

أمددتها منّي بدمعٍ مسبلِ

____________________

١ - القروم جمع قرم:الفحل من الابل. البزل جمع بازل:الفحل المسن.

٢٦١

ألقرن الخامس

٣٩

سيدنا الشريف المرتضى

المولود ٣٥٥

المتوفّى ٤٣٦

لو لم يُعاجله النَّوى لتحيَّرا

وقصاره وقد انتأوا أن يقصرا

أفكلّما راع الخليط تصوّبت

عبرات عين لم تقلّ فتكثرا

قد أوقدتْ حرَّى الفراق صبابةً

لم تستعر ومرين دمعاً ما جرى

شغفٌ يكتِّمه الحياء ولوعةٌ

خفيت وحقَّ لمثلها أن تظهرا

أين الركائب ؟! لم يكن ما عُلنه

صبراً ولكن كان ذاك تصبَّرا

لبَّين داعية النَّوى فأريننا

بين القباب البيض موتاً أحمرا

وبعدن بالبين المشتِّت ساعة

فكأنَّهنَّ بعدنَ عنّا أشهرا

عاجوا على ثمد البطاح وحبّهم

أجرى العيون غداة بانوا أبحرا

وتنكّبوا وعر الطريق وخلّفوا

ما في الجوانح من هواهم أوعرا

أمّا السلوُّ فإنَّه لا يهتدي

قصد القلوب وقد حشين تذكّرا

قد رمتُ ذاك فلم أجده وحقِّ مَن

فقد السبيل إلى الهدى أن يُعذرا

أهلاً بطيف خيال مانعةٍ لنا

يقظى ومفضلة علينا في الكرى

ما كان أنعمنا بها من زورةٍ

لو باعدتْ وقت الورود المصدرا

جزعت لو خطات المشيب وإنَّما

بلغ الشباب مدى الكمال فنوَّرا

والشيب إن أنكرتَ فيه مورداً

لا بدَّ يورده الفتى إن عمَّرا

يبيضُّ بعد سواده الشَّعر الذي

إن لم يزره الشيب واراه الثرى

زمن الشبيبة لأعدتك تحيَّة

وسقاك منهمر الحيا ما استغزرا

فلطالما أضحى ردائي ساحباً

في ظلّك الوافي وعودي أخضرا

٢٦٢

أيّام يرمقني الغزال إذا رنا

شغفاً ويطرقني الخيال إذا سرى

ومرنِّحٌ في الكور تحسب أنَّه

اصطبح العقار وإنما اغتبق السرى

بطلٌ صفاه للخداع مزلَّة

فاذا مشى فيه الزماع تغشمرا

أمّا سألت به فلا تسأل به

نأياً يناغي في البطالة مزمرا

واسأل به الجرد العتاق مغيرة

يخبطن هاماً أو يطأن سنوَّرا

يحملن كلِّ مدجَّج يقري الظبا

علقاً وأنفاس السوافي عثيرا

قومي الذين وقد دجت سبل الهدى

تركوا طريق الدين فينا مُقمرا

غلبوا على الشرف التليد وجاوزوا

ذاك التليد تطرّفاً وتخيّرا

كم فيهمُ من قسورٍ متخمّطٍ

يُردي إذا شاء الهزبر القسورا

متنمِّر والحرب إن هتفتْ به

أدَّته بسّام المحيّا مُسفرا

وملوّمٍ في بذله ولطالما

أضحى جديراً في العلا أن يشكرا

ومرفِّع فوق الرِّجال تخاله

يوم الخطابة قد تسنَّم منبرا

جمعوا الجميل إلى الجمال وإنمَّا

ضمّوا إلى المرأى الممدِّح مخبرا

سائلْ بهم بذراً واُحداً والتي

ردَّت جبين بني الضّلال مُعفّرا

لِلَّه درُّ فوارس في خيبر

حملوا عن الإسلام يوماً منكرا

عصفوا لسلطان اليهود وأولجوا

تلك الجوانح لوعةً وتحسّرا

واستلحموا أبطالهم واستخرجوا

الأزلام من أيديهمُ والميسرا

وبمرحب ألوى فتىً ذو جمرةٍ

لا تُصطلي وبسالةٍ لا تُقترى(١)

إن حزِّ حزِّ مطبّقاً أو قال قا

ل مصدَّقاً أو رام رام مظهَّرا

فثناه مصفرَّ البنان كأنّما

لطخ الحمام عليه صبغاً أصفرا

شهق العقاب بشلوه ولقد هفتْ

زمناً به شمُّ الذوائب والذرى

أمّا الرسول فقد أبان ولاءه

لو كان ينفع حايراً أن يُنذرا

أمضى مقالاً لم يقله معرِّضاً

وأشاد ذكراً لم يشده معذّرا

وثنى إليه رقابهم وأقامه

عَلماً على باب النجاة مشهّرا

____________________

١ - لا تقترى:لا تقدر ولا تخمن.

٢٦٣

ولقد شفى يوم ( الغدير ) معاشراً

ثلجت نفوسهم وأودى معشرا

قلعت به أحقادهم فمرجّعٌ

نفساً ومانع أنّةٍ أن تجهرا

يا راكباً رقصتْ به مهريِّةٌ

أشبت لساحته الهموم فأصحرا

عُج بالغريِّ فإنّ فيه ثاوياً

جبلاً تطأطأ فاطمأنَّ به الثرى

واقر السّلام عليه من كلفٍ به

كشفت له حجب الصباح فأبصرا

ولو استطعتُ جعلت دار إقامتي

تلك القبور الزُّهر حتّى اُقبرا

أخذنا القصيدة من الجزء الأوَّل من ديوان ناظمها وهي مفتتح ديوانه والديوان مرتّبُ على السنين في ستّة أجزاء توجد منه نسخةٌ مقروَّةٌ على نفس السيِّد الشريف علم الهدى. وذكر إبن شهر اشوب لسيِّدنا الشريف المرتضى أبياتاً قالها في عيد ( الغدير ) راجع الجزء الثالث من مناقبه ص ٣٢.

( ألشاعر )

ألسيِّد المرتضى علم الهدى ذو المجدين أبو القاسم عليُّ بن الحسين بن موسى ابن محمّد بن موسى بن إبراهيم بن الإمام موسى الكاظمعليه‌السلام .

لا عتب على اليراع إذا وقف عن تحديد عظمة الشريف المبجّل، كما أنّه لا لوم على المِدره اللسن إذا تلجلج في الإفاضة عن رفعة مقامه، فإنَّ نواحي فضله لا تنحصر بواحدة، ولا أنَّ مآثره معدودةٌ يحاولها البليغ المفوَّه، ويتحرّى الإبانة عنها الكاتب المتشدِّق، أو يلقى عنها الخطيب المفصح، فإلى أيّ منصّةٍ من الفضيلة نحوت فله فيها الموقف الأسمى، وإلى أيِّ صهوةٍ وقع خيالك فله هنالك مرتبعٌ ممنّعٌ، فهو إمام الفقه، ومؤسِّس اُصوله، واُستاذ الكلام، ونابغة الشِّعر، وراوية الحديث، وبطل المناظرة، والقدوة في اللغة، وبه الاُسوة في العلوم العربيَّة كلّها، وهو المرجع في تفسير كتاب الله الغزيز، وجماع القول إنّك لا تجد فضيلةً إلّا وهو إبن بجدتها.

أضف إلى ذلك كله نسبه الوضّاح، وحسبه المتألّق، وأواصره النبويَّة الشذيَّة، ومآثره العلويَّة الوضيئة إلى أياديه الواجبة في تشييد المذهب، ومساعيه المشكورة عند الإماميَّة جمعاء، وهي التي خلّدت له الذكر الحميد، والعظمة الخالدة، ومن هذه الفضائل ما خطّه مزبره القويم من كتب ورسائل إستفاد بها أعلام الدين في أجيالهم و

٢٦٤

أدوارهم وإليك أسماؤها:

١ الشافي في الإمامة ط

٢ ألملخص في الاُصول

٣ ألذخيرة في الاُصول

٤ جمل العلم والعمل

٥ ألغُرر والدُّرر ط

٦ تكملة الغُرر

٧ ألمقنع في الغيبة

٨ ألخلاف في الفقه

٩ ألناصريَّة في الفقه ط

١٠ ألحلبيَّة الاولى

١١ الحلبيَّة الأخيرة

١٢ ألمسائل الجرجانيَّة

١٣ ألمسائل الطوسيَّة

١٤ ألمسائل الصباويَّة

١٥ ألمسائل التبانيات(١)

١٦ ألمسائل السلّاريَّة

١٧ مسائل في عدَّة آيات

١٨ ألمسائل الرازيَّة

١٩ ألمسائل الكلاميَّة

٢٠ ألمسائل الصيداويَّة

٢١ الديلميَّة في الفقه

٢٢ كتاب البرق

٢٣ طيف الخيال

٢٤ الشيب والشباب ط

٢٥ ألمقمصة

٢٦ ألمصباح في الفقه

٢٧ نصر الرِّواية

٢٨ ألذريعة في أصول الفقه

٢٩ شرح بائية الحميري

٣٠ تنزيه الأنبياء ط

٣١ إبطال القول بالعدد

٣٢ ألمحكم والمتشابه

٣٣ ألنجوم والمنجّمون

٣٤ متولِّي غسل الإمام

٣٥ الاُصول الاعتقاديَّة

٣٦ أحكام أهل الآخرة

٣٧ معنى العصمة

٣٨ ألوجيزة في الغيبة

٣٩ تقريب الاُصول

٤٠ طبيعة المسلمين

٤١ رسالةٌ في علم الله

٤٢ رسالةٌ في الإرادة

٤٣ ايضاً رسالةٌ في الإرادة

٤٤ رسالةٌ في التَّوبة

٤٥ رسالة في التأكيد

٤٦ رسالةٌ في المتعة

٤٧ دليل الخطاب

٤٨ طرق الإستدلال

٤٩ كتاب الوعيد

٥٠ شرح قصيدةٍ له

٥١ ألحدود والحقايق

٥٢ مفردات في أصول الفقه

٥٣ ألموصليَّة ثلاث مسائل

٥٤ ألموصليَّة الثانية تسع مسائل

٥٥ ألموصليَّة الثالثة ١٠٩ مسئلة

٥٦ ألمسائل الطرابلسيَّة الاولى

٥٧ ألطرابلسيَّة الأخيرة ١٣ مسئلة(٢)

٥٨ مسائل ميافارقين ٦٥ مسئلة

٥٩ ألمسائل الرازيَّة ١٤ مسئلة

       

____________________

١ - سئلها الشيخ أبو عبد الله محمد بن عبد الملك التبان المتوفى ٤١٩ وهي ٦٦ مسئلة في عشرة فصول.

٢ - سئلها الشيخ أبو الفضل ابراهيم بن الحسن الابانى.

٢٦٥

٦٠ ألمسائل المحمَّديّات ٥ مسائل

٦١ ألمسائل البادرات ٢٤ مسئلة

٦٢ ألمسائل المصريَّة الاولى ٥ مسائل

٦٣ ألمصريّات الثانية

٦٤ ألمسائل الرمليّات ٧ مسائل

٦٥ مسائل في فنون شتّى نحو مائة مسئلة

٦٦ ألمسائل الرسيّة الاولى(١)

٦٨ المسائل الرسيّة الثانية

٦٨ الإنتصار فيما انفردت به الإماميَّة ط

٨٩ تفضيل الأنبياء على الملائكة

٧٠ ألنقض على ابن جنّي في الحكاية والمحكي

٧١ ديوان شعره يزيد على عشرين ألف بيت

٧٢ ألصرفة في بيان إعجاز القرآن

٧٣ الرِّسالة الباهرة في العترة الطاهرة

٧٤ نقض مقالة إبن عدي فيما لا يتناهى

٧٥ جواب الملاحدة في قِدم العالم

٧٦ تتمَّة الأعراض من جمع أبي رشيد

٧٧ نكاح أمير المؤمنين إبنته من عمر

٧٨ إنقاذ البشر من القضاء والقدر ط

٧٩ ألرّد على أصحاب العدد في شهر رمضان

٨٠ تفسير الحمد وقطعة من سورة البقرة

٨١ ألردّ على إبن عدي في حدوث الأجسام

٨٢ تفسيرقوله تعالى:قل تعالواتل ماحرَّم ربّكم عليكم

٨٣ كتاب الثمانين(٢)

٨٤ ألكلام على من تعلّق بقوله:ولقد كرَّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر

٨٥ تفسير قوله:ليس على الَّذين آمنوا وعملوا الصّالحات جناحٌ فيما طعموا.

٨٦ تتبّع أبيات للمتنّبي التي تكلّم عليها إبن جنّي.

كلمات الثناء عليه

أبو القاسم المرتضى حاز من العلوم ما لم يُدانه فيه احدٌ في زمانه، وسمع من الحديث فأكثر، وكان متكلّماً شاعراً أديباً عظيم المنزلة في العلم والدين والدنيا(٣)

أبو القاسم نقيب النقباء الفقيه النظّار المصنِّف بقيَّة العلماء وأوحد الفضلاء رأيته فصيح اللسان يتوقَّد ذكاءً(٤)

ألمرتضى متوحِّدٌ في علومٍ كثيرة، مجمعٌ على فضله، مقدَّمٌ في العلوم مثل علم الكلّام والفقه وأصول الفقه والأدب والنحو والشعر ومعاني الشعر واللغة وغير

____________________

١ - ٢٨ مسئلة سئلها العلامة ابو الحسين الحسين بن محمد بن الناصر الحسيني الرسي.

٢ - قاله القاضي التنوخي كما في المستدرك ٣ ص ٥١٦.

٣ - النجاشي في فهرسته ص ١٩٢.

٤ - الانساب للمجدي العمري.

٢٦٦

ذلك، له من التصانيف ومسائل البلدان شيءٌ كثيرٌ مشتمل على ذلك فهرسته المعروف(١) .

وقال الشيخ في رجاله:إنَّه أكثر أهل زمانه أدباً وفضلاً، متكلّمٌ فقيهٌ جامع العلوم كلّها مدَّ الله في عمره.

وقال الثعالبي في تتميم يتيمته ج ١ ص ٥٣:قد انتهت الريَّاسة اليوم ببغداد إلى المرتضى في المجد والشرف والعلم والأدب والفضل والكرم وله شعرٌ في نهاية الحسن.

وفي تاريخ ابن خلكان:كان إماماً في علم الكلام والأدب والشعر، وله تصانيف على مذهب الشيعة، ومقالة في اصول الدين، وذكره إبن بسّام في الذخيرة وقال:كان هذا الشريف إمام أئمَّة العراق بين الإختلاف والإتِّفاق، إليه فزع علماءُها، وعنه أخذ عظماءها، صاحب مدارسها، وجماع شاردها وآنسها، ممَّن سارت أخباره، وعرفت به أشعاره، وحمدت في ذات الله مآثره وآثاره، إلى تآليفه في الدين و تصانيفه في أحكام المسلمين ممّا يشهد انَّه فرع تلك الاُصول، ومن أهل ذلك البيت الجليل، وملح الشريف وفضائله كثيرةٌ.

وحكى الخطيب التبريزي:انَّ أبا الحسن عليِّ بن أحمد بن عليِّ بن سلك الفالي(٢) الأديب كان له نسخةٌ لكتاب (الجمهرة ) لابن دريد في غاية الجودة فدعته الحاجة إلى بيعها فباعها فاشتراها الشريف المرتضى بستِّين ديناراً فتصفَّحها فوجد فيها أبياتاً بخطِّ بايعها أبي الحسن المذكور والأبيات قوله:

أنستُ بها عشرين حولاً وبعتها

فقد طال وجدي بعدها وحنيني

وما كان ظنّي أنَّني سأبيعها

ولو خلّدتني في السجون ديوني

ولكن لضعفٍ وافتقارٍ وصبيةٍ

صغارٍ عليهم تستهلُّ شؤوني

فقلت ولم أملك سوابق عبرتي

مقالة مكويِّ الفؤاد حزين

:وقد تخرج الحاجات يا اُمّ مالك

كرائم من ربّ بهنَّ ضنينِ

فأرجع النسخة إليه وترك له الدنانير رحمه الله تعالى.

وقال السيِّد إبن زهرة في ( غاية الإختصار ):علم الهدى الفقيه النظّار، سيِّد

____________________

١ - فهرست الشيخ ص ٩٩، وخلاصة العلامة ص ٤٦.

٢ - نسبة الى فالة وهى بلدة بخوزستان قريبة من اندج.

٢٦٧

الشيعة وإمامهم، فقيه أهل البيت، العالم المتكلّم البعيد، ألشاعر المجيد كان له برُّ وصدقة وتفقّدُ في السِّر عرف ذلك بعد موته رحمه الله، كان أسنَّ من أخيه ولمُ يرَ أخوان مثلهما شرفاً وفضلاً ونُبلاً وجلالةً ورياسةً وتحابباً وتوادداً، لَمّا مات الرَّضي لم يُصلِّ المرتضى عليه عجزاً عن مشاهدة جنازته وتهالكا في الحزن، ترك المرتضى خمسين ألف دينار ومن الآنية والفرش والضياع ما يزيد على ذلك.

وعن الشيخ عزِّ الدين أحمد بن مقبل أنَّه قال:لو حلف إنسان انَّ السيِّد المرتضى كان أعلم بالعربية من العرب لم يكن عندي آثماً، وقد بلغني عن شيخٍ من شيوخ الأدب بمصر انّه قال:والله انّي استفدت من كتاب ( الغرر والدرر ) مسائل لم أجدها في كتاب سيبويه وغيره من كتب النحو، وكان نصير الدين الطوسي إذا جرى ذكره في درسه يقول:صلوات الله عليه، ويلتفت إلى القضاة والمدرِّسين الحاضرين ويقول:كيف لا يُصلّى على السيَّد المرتضى ؟!

في ( عمدة الطالب ) ص ١٨١:كان مرتبته في العلم عاليةً فقهاً وكلاماً وحديثاً و لغةً وأدباً وغير ذلك، وكان متقدِّماً في فقه الإماميَّة وكلامهم ناصراً لأقوالهم.

وفي ( دمية القصر ) ص ٧٥:هو وأخوه من دوح السيّادة ثمران، وفي فلك الريّاسة قمران، وأدب الرضي إذا قرن بعلم المرتضى كان كالفرند في متن الصّارم المنتضى.

وفي ( لسان الميزان ) ٤ ص ٢٢٣ قال ابن طي:هو أوَّل من جعل داره دار العلم وقدرَّها للمناظرة، ويُقال:إنَّه أمر ولم يبلغ العشرين وكان قد حصل على رياسة الدنيا العلم مع العمل الكثير والمواظبة على تلاوة القرآن وقيام الليل وإفادة العلم و كان لا يؤثر على العلم شيئاً مع البلاغة وفصاحة اللهجة.

وحكى عن الشيخ أبي إسحاق الشيرازي انَّه قال:كان الشريف المرتضى ثابت الجاش، ينطق بلسان المعرفة، ويردِّد الكلمة المسدَّدة فتمرق مروق السهم من الرمية ما أصاب، وما أخطأ أشوى.

إذا شرع الناس الكلام رأيته

له جانبٌ منه وللناس جانبُ

وقال السيِّد الشيرازي في ( الدرجات الرفيعة ):كان الشريف المرتضى أوحد أهل زمانه فضلاً وعلماً وكلاماً وحديثاً وشعراً وخطابةً وجاهاً وكرماً إلى غير ذلك.

٢٦٨

وفي شذرات الذهب ٣ ص ٢٥٦:نقيب الطالبيِّين، وشيخ الشيعة ورئيسهم بالعراق، كان إماماً في التشيّع والكلام والشعر والبلاغة كثير التصانيف، متبحِّراً في فنون العلم.

ويجد القارئ لدة هذه الكلمات كثيرة في طيِّ الكتب والمعاجم منها:

تاريخ بغداد ١١ ص ٤٠٢

ألمنتظم ج ٨ ص ١٢٠

معجم الاُدباء ٥ ص ١٧٣

خلاصة العلّامة ص ٤٦

رجال إبن داود

أنساب أبي نصر البخاري

ميزان الإعتدال ٢ ص ٢٢٣

غاية الإختصار لابن زهرة

كامل إبن الأثير ٩ ص ١٨١

تاريخ إبن كثير ١٢ ص ٥٣

مرآة الجنان ٣ ص ٥٥

لسان الميزان ٥ ص ١٤١

بغية الوعاة ص ٣٣٥

إتحاف الورى بأخبار اُمّ القرى

صحاح الأخبار ص ٦١

جامع الأقوال في الرِّجال

مجالس المؤمنين ٢٠٩

رجال إبن أبي جامع

تحفة الأزهار لابن شدقم

ألاجازة الكبيرة للسماهيجي

إتقان المقال ص ٩٣

رياض العلماء للميرزا

كشكول البهائي ج ٢

مجمع البحرين مادة:رضا

ملخَّص المقال ص ٨٠

رياض الجنَّة للزنوزي

ألدرجات الرفيعة للسيِّد

ألوسائل ٣ ص ٥٥١

أمل الآمل للشيخ العاملي

منهج المقال للميرزا ص ٢٣١

منتهى المقال ص ٢١٤

عقد اللئالي لأبي علي الرجالي

تتميم الأمل للشيخ الكاظمي

كشكول البحراني ص ٢١٦

ألمقابيس لشيخنا التستري

مستدرك النوري ٣ ص ٥١٥

نسمة السجر لليماني

تنقيح المقال ٢ ص ٢٨٤

ألشيعة وفنون الإسلام ٥٣

ألأعلام ٢ ص ٦٦٧

تاريخ آداب اللغة ٢ ص ٢٨٨

سفينة البحار ١ ص ٥٢٥

ألكنى والألقاب ٢ ص ٤٣٩

هديَّة الأحباب ص ٢٠٣

وفيات الأعلام للرازي خ

دائرة المعارف للبستاني ١٠ ص ٤٥٩، دائرة المعارف لمحمَّد فريد ٤ ص ٢٦٠، معجم المطبوعات ص ١١٢٤، مجلّة العرفان أجزاء المجلد الثاني بقلم العلّامة سيِّدنا المحسن الأمين العاملي.

مشايخه ومن يروي هو عنه

١ - ألشيخ المفيد محمّد بن محمّد بن نعمان المتوفّى ٤١٢.

٢ - أبو محمّد هارون بن موسى التلعكبري المتوفّى ٣٨٥.

٢٦٩

٣ - ألحسين بن عليّ بن بابويه أخي الصَّدوق.

٤ - أبو الحسن أحمد بن عليّ بن سعيد الكوفي يروي عنه السيِّد كما في إجازة السيِّد ابن أبي الرضا تلميذ الشيخ نجيب الدين يحيى بن سعيد الحلّي.

٥ - أبو عبد الله محمّد بن عمران الكاتب المرزباني الخراساني البغدادي.

٦ - ألشيخ الصَّدوق محمّد بن عليِّ بن الحسين بن بابويه القمي المتوفّى ٣٨١ كما في الإجازات.

٧ - أبو يحيى إبن نباتة عبد الرَّحيم بن الفارقي المتوفّى ٣٧٤ قرأ عليه كما في الدرجات الرفيعة.

٨ - أبو الحسن عليّ بن محمّد الكاتب يروي عنه في أماليه.

٩ - أبو القاسم عبيد الله بن عثمَّان بن يحيى يروي عنه في الأمالي.

١٠ - أحمد بن سهل الديباجي يروي عنه كما في ( الرياض ) عن ( جامع الاُصول ) لابن الأثير، وفي تاريخ الخطيب البغدادي، وميزان الاعتدال ولسانه لابن حجر:حدَّث عن سهل الديباجي(١) .

تلامذة سيدنا المرتضى

١ - شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي المتوفّى ٤٦٠.

٢ - أبو يعلى سلّار بن عبد العزيز الديلمي.

٣ - أبو الصلاح تقيّ بن نجم الحلبي خليفته في بلاد حلب.

٤ - ألقاضي عبد العزيز بن البرّاج الطرابلسي المتوفّى ٤٨١.

٥ - ألشريف أبو يعلى محمّد بن الحسن بن حمزة الجعفري المتوفّى ٤٦٣.

٦ - أبو الصمصام ذو الفقار بن معبد الحسيني المروزي.

٧ - ألسيِّد نجيب الدين أبو محمّد الحسن بن محمّد بن الحسن الموسوي.

٨ - ألسيِّد التقيّ بن أبي طاهر الهادي النقيب الرازي.

٩ - ألشيخ أبو الفتح محمّد بن علي الكراجكي المتوفّى ٤٤٩ قرأ عليه كما في فهرست الشيخ منتخب الدين.

____________________

١ - هو سهل بن عبد الله أبو محمد الديباجي.

٢٧٠

١٠ - ألشيخ أبو الحسن سليمان الصهرشتي صاحب كتاب ( قبس المصباح ).

١١ - ألشيخ أبو عبد الله جعفر بن محمّد الدوريستي.

١٢ - أبو الفضل ثابت بن عبد الله البناني.

١٣ - ألشيخ أحمد بن الحسن بن أحمد النيسابوري الخزاعي يُعدُّ من أجلة تلامذته.

١٤ - ألشيخ المفيد الثاني أبو محمّد عبد الرحمن بن أحمد الرازي.

١٥ - ألشيخ أبو المعالي أحمد بن قدامة كما في إجازة الشيخ فخر الدين الحلّي للسيِّد مهنّا، وإفادات الشيخ المذكور إبن علّامة الحلي ب(١) ٢٥ ص ٥٣.

١٦ - ألشيخ أبو عبد الله محمّد بن علي الحلواني كما في إجازة السيِّد إبن أبي الرِّضا العلوي تلميذ الشيخ نجيب الدين الحلّي ب ٢٥ ص ٨٨.

١٧ - أبو زيد بن كيابكي الحسيني الجرجاني كما في إجازة السيِّد المذكور ب ٢٥ ص ١٠٨.

١٨ - ألشيخ أبو غانم العصمي الهروي الشيعي ب ٢٥ ص ١٠٨.

١٩ - ألفقيه الداعي الحسيني كما في إجازة صاحب المعالم الكبيرة ب ٢٥.

٢٠ - ألسيِّد الحسين بن الحسن بن زيد الجرجاني يروي عن السيِّد المترجَم كما في تاريخ إبن عساكر ٤ ص ٢٩٠.

٢١ - أبو الفرج يعقوب بن إبراهيم البيهقي قرأ على السيِّد قطعةً كبيرةً من ديوان شعره وأجاز له رواية جميعه في ذي القعدة سنة ٤٠٣.

٢٢ - أبو الحسن محمّد بن محمّد البصري أجاز له رواية كتبه وتآليفه في شعبان سنة ٤١٧.

علم الهدى والمعري

قال أبو الحسن العمري في ( المجدي ):إجتمعت بالشريف المرتضى سنة ٤٢٥ ببغداد فرأيته فصيح اللسان يتوقِّد ذكاء، وحضر مجلسه أبو العلاء المعري ذات يوم فجرى ذكر أبي الطيِّب المتنبّي فنقَّصه الشريف وعاب بعض أشعاره فقال أبو العلاء:لو لم يكن لأبي الطيِّب المتنّبي إلا قوله:لكِ يا منازل في القلوب منازل. لكفاه. فغضب

____________________

١ - ألباء أشارة الى بحار الانوار للعلامة المجلسي.

٢٧١

الشريف وأمر بأبي العلاء فسحب واُخرج، فتعجَّب الحاضرون من ذلك فقال لهم الشريف:أعلمتم ما أراد الأعمى ؟! إنَّما أراد قوله:

وإذا أتتك مذَّمتي من ناقصٍ

فهي الشهادة لي بأنّيَ كامل

قال الطبرسي في الإحتجاج:دخل أبو العلاء المعرّي الدهري على السيِّد المرتضى قدس الله سره فقال له:أيّها السيِّد ما قولك في الكلّ ؟ فقال السيِّد:ما قولك في الجزء ؟ فقال:ما قولك في الشعرى ؟ فقال:ما قولك في التدوير ؟ قال:ما قولك في عدم الإنتهاء ؟ فقال:ما قولك في التحيّز والناعورة ؟ فقال:ما قولك في السبع ؟ فقال:ما قولك في الزايد البري من السبع ؟ فقال:ما قولك في الأربع فقال:ما قولك في الواحد والاثنين ؟ فقال:ما قولك في المؤثِّر ؟ فقال:ما قولك في المؤثِّرات ؟ فقال:ما قولك في النحسين ؟ فقال:ما قولك في السعدين ؟ فبهت أبو العلاء. فقال السيد المرتضى رضي الله عنه عند ذلك ألا كلّ ملحد ملهد.

وقال أبو العلاء:أخذته من كتاب الله عز وجل:يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم. وقام وخرج.

فقال السيِّد رضي الله عنه:قد غاب عنّا الرجل وبعد هذا لا يرانا. فسئل السيِّد عن شرح هذه الرموز والإشارات فقال:سئلني عن الكلِّ وعنده الكلُّ قديمٌ ويُشير بذلك إلى عالم سماء العالم الكبير فقال لي:ما قولك فيه ؟ أراد انَّه قديم فأجبته عن ذلك وقلت له:ما قولك في الجزء ؟ لأنَّ عندهم الجزء محدَث وهو المتولَّد عن العالم الكبير وهذا الجزء هو العالم الصغير عندهم، وكان مرادي بذلك انَّه إذا صح أن هذا العالم محدث فذلك الذي أشار إليه إن صحَّ فهو محدث ايضاً، لأنَّ هذا من جنسه على زعمه والشيء الواحد والجنس الواحد لا يكون بعضه قديماً وبعضه محدَثاً فسكت لمّا سمع ما قلته.

وأمَّا الشعرى أراد أنَّها ليست من الكواكب السيّارة لأنَّه قديمٌ، فقلت له:ما قولك في التدوير ؟ أردت انَّ الفلك في التدوير والدورات فالشعرى لا يقدح في ذلك.

وأمَّا عدم الإنتهاء أراد بذلك انَّ العالم لا ينتهي لأنَّه قديم فقلت له:قد صحَّ عندي التحيّز والتدوير وكلاهما يدّلان على الإنتهاء.

٢٧٢

وأمّا السبع أراد بذلك النجوم السيّارة التي عندهم ذوات الأحكام، فقلت له:هذا باطلٌ بالزايد البري الذي يحكم فيه بحكم لا يكون ذلك الحكم منوطاً بهذه النجوم السيّارة التي هي الزهرة، والمشتري، والمرّيخ، وعطارد، والشمس، و القمر، والزُّحل.

وأمّا الأربع أراد بها الطبايع فقلت له:ما قولك في الطبيعة الواحدة الناريَّة يتوّلد منها الدابَّة بجلدها تمسُّ الأيدي ثمَّ تطرح ذلك الجلد على النار فيحترق الزهومات ويبقى الجلد صحيحاً لأنَّ الدابَّة خلقها الله على طبيعة إلنار والنار لا تحترق النار والثلج ايضاً يتولَّد فيه الديدان وهو على طبيعةٍ واحدةٍ، والماء في البحر على طبيعتين يتولَّد عنه السموك والضفادع والحيّات والسلاحف وغيرها وعنده لا يحصل الحيوان إلّا بالأربع فهذا مناقضٌ لهذا.

وأمّا المؤثِّر أراد به الزحل فقلت له:ما قولك في المؤثِّرات أردت. بذلك انَّ المؤثِّرات كلهنَّ عنده مؤثِّرات فالمؤثِّر القديم كيف يكون مؤثِّراً.

وأمّا النحسين أراد بهما أنَّهما من النجوم السيّارة إذا اجتمعا يخرج من بينهما سعداً، فقلت له:ما قولك في السعد بن إذا اجتمعا خرج من بينهما نحس ؟ هذا حكمٌ أبطله الله تعالى ليعلم الناظر أنَّ الأحكام لا تتعلّق بالمسخرات لأنَّ الشاهد يشهد على أنَّ العسل والسكر إذا اجتمعا لا يحصل منهما الحنظل والعلقم، والحنظل والعلقم إذا اجتمعا لا يحصل منهما الدبس والسكر، هذا دليلٌ علي بطلان قولهم.

وأمّا قولي:الأكلّ الملحد ملهد. أردت انَّ كل مشرك ظالمٌ لأنَّ في اللغة ألحد الرجل عن الدين إذا عدل عن الدين، وألهد إذا ظلم. فعلم أبو العلاء ذلك و وأخبرني عن علمه بذلك فقرء:يا بُنيِّ لا تُشرك بالله.الآية.

وقيل:إنَّ المعرّي لَمّا خرج من العراق سُئل عن السيِّد المرتضى [ رض ] فقال:

يا سائلي عنه لَمّا جئت أسئله

ألا هو الرَّجل العاري من العارِ

لو جئته لرأيت الناس في رجل

والدهر في ساعةٍ والأرض في دارِ(١)

____________________

١ - بحار الأنوار ج ٤ ص ٥٨٧.

٢٧٣

علم الهدى وابن المطرز (١)

في ( الدرجات الرفيعة ):انَّ الشريف المرتضى كان جالساً في علية له تشرف على الطريق فرأى إبن المطرز الشاعر وفي رجليه نعلان مقطَّعان وهما يثيران الغبار فقال له:أمِن مثل هذه كانت ركائبك ؟ يشير إلى بيت في قصيدته التي أوَّلها:

سرى مغرباً بالعيش ينتجع الركبا

يُسائل عن بدر الدجى الشرق والغربا

على عذبات الجزع من ماء تغلب

غزالٌ يرى ماء القلوب له شربا

إذا لم تبلِّغني إليك ركائبي

فلا وردت ماءً ولا رعت العشبا

والبيت الأخير هو المشار إليه فقال إبن المطرز:لمّا عادت هبات سيِّدنا الشريف إلى مثل قوله:

يا خليليَّ من ذوابة قيس

في التَّصابي مكارم الأخلاقِ

غنِّياني بذكرهم تطرباني

واسقياني دمعي بكأس دهاقِ

وخذا النوم من جفوني فإنّي

قد خلعت الكرى على العشّاقِ

عادت ركائبي إلى ما ترى فإنَّه وهب ما لا يملك على من لا يقبل، فأمر له الشريف بجائزة.

المرتضى والزعامة

كان سيِّدنا الشريف وقد انتهت إليه رياسة الدين والدنيا من شتّى النواحي منها:

١:غزارة علمه التي حدت العلماء إلى البخوع له والرضوخ لتعاليمه. فكان يختلف إلى منتدى تدريسه الجماهير من فطاحل العلم وألنظر فيميرهم بسائغ علمه، ويُرويهم بنمير أنظاره العالية، فتخرَّج من تحت منبره نوابغ الوقت من فقيهٍ بارعٍ، ومتكلّمٍ مناظرٍ، واُصوليٍّ مدقِّقٍ، وأديبٍ شاعرٍ، وخطيبٍ مُبدعِ، وكان يدرُّ من ماله الطائل(٢) على تلمذته الجرايات والمسانهات ليتفرَّغوا بكلِّهم إلى الدراسة من غير تفكير في أزمَّة المعيشة، فكان شيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي يقتضي منه في الشهر إثني عشر ديناراً، والشيخ القاضي إبن البّراج الحلبي يستوفي ثمَّانية دنانير، و

____________________

١ - هو ابو القاسم عبد الواحد البغدادي الشاعر المجيد المتوفى سنة ٤٣٩.

٢ - كان يدخل عليه من أملاكه كل سنة اربعة وعشرون الف دينار كما في ( معجم الادباء ) ١٣ ص ١٥٤.

٢٧٤

كمثلهما بقيَّة تلامذته، وكان قد وقف قرية على كاغذ الفقهاء، ويقال:إنَّ الناس أصابهم في بعض السنين قحطٌ شديدٌ فاحتال رجلٌ يهوديٌ على تحصيل قوته فحضر يوماً مجلس الشريف المرتضى وسأله أن يأذن له في أن يقرأ عليه شيئاً من علم النجوم فأذن له و أمر له بجراية تجري عليه كلّ يوم فقرأ عليه برهة ثمَّ أسلم على يديه(١) وكان لم يرَ لثروته الطائلة قيمةً تجاه مكارمه وكراماته وكان يقول:

وما حزنيَ الإملاق والثروة التي

يذلُّ بها أهل اليسار ضلالُ

أليس يبقِّي المال إلّا ضنانة

وأفقر أقواماً ندى ونوالُ

إذا لم أنل بالمال حاجةَ مُعسرٍ

حصورٍ عن الشكوى فماليَ مالُ

٢:وشرفه الوضّاح النبويّ الذي ألزم خلفاء الوقت تفويض نقابة النقباء الطالبيِّين إليه بعد وفاة أخيه الشريف الرَّضي، وأنت تعلم أهمَّية هذا المنصب يومئذ حيث أخذ فيه السلطة العامَّة على العلويِّين في أقطار العالم يرجع إلى نقيبهم حلّها وربطها وتعليمها وتأديبها والأخذ بظلاماتهم وأخذها منهم والنظر في أمورهم في كلِّ وردٍ وصدرِ.

٣:ورفعة بيته وجلالة منبته فقد كانت سلسلة آباءه من طرفيه متواصلةً من أمير إلى نقيب إلى زعيم إلى شريف، وهذه مشفوعةً بما كان فيه من لباقةٍ وحنكةٍ و حذقٍ في الأمور هي التي أهَّلته لأن تُفوِّض إليه إمارة الحاجّ فكان يسير بهم سيراً سُجحاً ولا يرجع بهم إلّا من دعةٍ إلى دعةٍ، والحجيج بين شاكرٍ لكلاءته، وذاكرٍ لمقدرته، ومُطرٍ أخلاقه، ومتبرِّكٍ بفضائله، ومثنٍ على أياديه.

٤:ولشموخ محلّه وعظمة قدره بين أظهر الناس ومكانته العالية عند الأهلين، وجمعه بين سطوة الحماة وثبت القضاة إنقادت إليه ولاية المظالم، فتولّى النقابة شرقاً وغرباً، وإمارة الحّاج والحرمين، والنظر في المظالم، وقضاء القضاة ثلاثين سنة وأشهراً(٢) .

____________________

١ - الدرجات الرفيعة للعلامة السيد على خان.

٢ - صحاح الاخبار لسراج الدين الرفاعي ص ٦١، والمستدرك ٣ ص ٥١٦ نقلا عن القاضي التنوخي.

٢٧٥

م - قال إبن الجوزي في ( المنتظم ) ٧ ص ٢٧٦:في يوم السبت الثالث من صفر - سنة ٤٠٦ - قلّد الشريف المرتضى ابو القاسم الموسوي الحجّ والمظالم ونقابة النقباء الطالبيِّين وجميع ما كان إلى أخيه الرضي، وجمع الناس لقرائة عهده في الدار الملكيَّة وحضر فخر الملك والأشراف والقضاة والفقهاء وكان في العهد:هذا ما عهد عبد الله أبو العبّاس أحمد الإمام القادر بالله أمير المؤمنين إلى علي بن موسى العلوي حين قرَّبته إليه الأنساب الزكيَّة، وقدَّمته لديه الأسباب القويَّة، واستطلَّ معه بأغصان الدوحة الكريمة، واختصّ عنده بوسائل الحرمة الوكيدة، فقلّد الحجَّ والنقابة وأمره بتقوى الله.إلخ ]

يُلقَّب بالمرتضى، والأجلّ الطاهر، وذي المجدين، ولقِّب بعلم الهدى سنة ٤٢٠ وذلك أنَّ الوزير أبا سعيد محمّد بن الحسن بن عبد الرحيم مرض في تلك السنة فرأى في منامه أمير المؤمنينعليه‌السلام يقول له:قل لعلم الهدى يقرء عليك حتّى تبرأ. فقال:يا أمير المؤمنين ومن علم الهدى ؟ فقال:عليُّ بن الحسين الموسوي. فكتب إليه فقال رضي الله عنه:الله الله في أمري فإنّ قبولي لهذا اللقب شناعة عليَّ فقال الوزير:والله ما كتبت إليك إلّا ما أمرني به أمير المؤمنينعليه‌السلام (١)

وكان يُلقَّب بالثمانين لما كان له من الكتب ثمانون ألف مجلّداً ومن القُرى ثمانين قرية تجبى إليه(٢) وكذلك من غيرهما حتّى إنَّ مدَّة عمره كانت ثمانين سنة و ثمانية أشهر، وصنَّف كتابا يقال له الثمانون.

ولادته ووفاته

وُلد سيِّدنا المرتضى في رجب سنة ٣٥٥ وتوفّي يوم الأحد ٢٥ ربيع الأوَّل سنة ٤٣٦ وعلى هذا جلُّ المؤرِّخين لولا كلّهم، نعم:هناك خلافٌ يسير(٣) لا يُعبأ به، وصلّى عليه إبنه وتولّى غسله أبو الحسين النجاشي ومعه الشريف أبو يعلى محمَّد بن

____________________

١ - ذكره شيخنا الشهيد في أربعينه.

٢ - الرسالة الخراجية للمحقق الثاني.

٣ - في عمدة الطالب، وصحاح الاخبار في ١٥ ربيع الاول. وفي كامل ابن الاثير آخر ربيع الاول. وفي انساب المجدي آخر سنة ٤٣٦ أو ٤٣٧. وعن خط الشهيد الاول يوم الاحد السادس والعشرين من ربّيع الأول. كلّ هذه مما لا يعبأ به.

٢٧٦

الحسن ألجعفري وسلّار بن عبد العزيز الديلمي كما في رجال النجاشي ص ١٩٣، ودفن في داره عشيَّة ذلك النهار ثمَّ نُقل إلى الحائر المقدِّس ودُفن في مقبرتهم وكان قبره هناك كقبر أبيه وأخيه الشريف الرضي ظاهراً معروفاً مشهوراً كما في عمدة الطالب، وصحاح الأخبار، والدَّرجات الرفيعة.

وهناك فتاوى مجرَّدة من قذف سيِّدنا المترجم بالإعتزال تارةً وبالميل إليه اُخرى وبنسبة وضع كتاب ( نهج البلاغة ) اليه طوراً من أبناء حزمٍ وجوزيٍّ وخلكان وكثير والذهبي، ومّن لفّ لفَّهم من المتأخِّرين(١) وبما أنَّها دعاوي فارغة غير مدعومة بشاهد، وكتب سيِّدنا الشريف يهتف بخلافها ومن عرفه من المنقِّبين لا يشكُّ في ذلك، وقد أثبتنا نسبة ( نهج البلاغة ) إلى الشريف الرضي بترجمته، نضرب عن تفنيد تلكم الهلجات صفحاً.

ولابن كثير في ( البداية والنهاية ) ج ١٢ ص ٥٣ عند ذكر السيِّد سبابُ مقذع وتحاملُ على ابن خلكان في ثنائه عليه جريا على عادته المطَّردة مع عظماء الشيعة [ و كلُّ إناء بالذي فيه ينضحُ ] ونحن لا نُقابله إلّا بما جاء به الذِّكر الحكيم:وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما.

نبذة من ديوان المرتضى

ومن شعر سيِّدنا علم الهدى المرتضى نقلاً عن ديوانه قوله يفتخر ويعرِّض ببعض أعدائه يوجد في الجزء الأوّل منه:

أمّا الشباب فقد مضت أيّامه

واستلَّ من كفّي الغداة زمامه

وتنكّرت آياته وتغيَّرتْ

جاراته وتقوَّضت آطامه

ولقد درى مَن في الشباب حياته

أنَّ المشيب إذا علاه حمامه

عوجا نحيِّي الربع يُدللنا الهوى

فلربِّما نفع المحبِّ سلامه

واستعبرا عنّي به إن خانني

جفني فلم يمطر عليه غمامه

فمن الجفون جوامدٌ وذوارف

ومن السّحاب ركامه وجهامه

دمنٌ رضعت بهنَّ أخلاف الصِّبى

لو لم يكن بعد الرِّضاع فطامه

____________________

١ - نظراء جرجي زيدان في آداب اللغة ٢ ص ٢٨٨، والزركلي في الاعلام ص ٦٦٧.

٢٧٧

ولقد مررتُ على العقيق فشفَّني

أن لم تغنّ على الغصون حمامه

وكأنَّه دنفٌ تجلّد مونساً

عوّاده حتّى استبان سقامه

من بعد ما فارقته فكأنَّه

نشوان تمسح تربه آكامه

مرحٌ يهزّ قناته لا يأتلي

أشر الصِّبا وغرامه وعرامه

تندى على حرِّ الهجير ظلاله

ويضيئُ في وقت العشيِّ ظلامه

وكأنَّما أطياره ومياهه

للنازليه قيانه و مُدامه

وكأنَّ آرام النساء بأرضه

للقانصي طرد الهوى آرامه

وكأنَّما برد الصَّبا خوذانه

وكأنّما ورق الشَّباب بشامه

وعَضيهةٌ جائتك من عبقٍ بها

أزرى عليك فلم يجره كلامه

ورماك مجترياً عليك وإنّما

وافاك من قعر الطويّ سلامه

وكأنّما تسفى الرِّياح بعالج

ما قال أو ما سطّرت أقلامه

وكأنَّ زُوراً لفّقت ألفاظه

سلك وهى فانحلَّ عنه نظامه

وإذا الفتى قعدت به أخواله

في المجد لم تنهض به أعمامه

وإذا خصال السوء باعدن أمرءاً

عن قومه لم يُدنه أرحامه

ولكَم رماني قبل رميك حاسدٌ

طاشت ولم تخدش سواه سهامه

ألقى كلاماً لم يضرني وانثنى

ونُدوبه في جلده وكِلامه

هيهات أن ألفى وسيل مسافه

ينجو به يوم السباب لطامه

أو أن أرى في معركٍ وسلاحه

بدل السيوف قذافه وعذامه

ومن البلاء عداوةٌ من خاملٍ

لا خلفه لعُلى ولا قدّامه

كثرث مساويه فصار كمدحه

بين الخلايق عيبه أو ذامه

والخرق كلّ الخرق من متفاوتِ

الأفعال يتلو نقضه إبرامه

جدب الجناب فجاره في أزمة

والضيف موكولٌ إليه طعامه

وإذا علقت بحبله مستعصماً

فكفقع قرقرةٍ يكون زمامه

وإذا عهود القوم كنَّ كنبعهم

فالعهد منه يراعه وثمامه

وأنا الذي أعييت قبلك من رست

أطواده واستشرفت أعلامه

٢٧٨

وتتّبع المعروف حتّى طنّبت

جوراً على سنن الطريق خيامه

وتباذرت أعداؤه سطواته

كالليت يرهب نائياً إرزامه

وترى إذا قابلته عن وجهه

كالبدر أشرق حين تمَّ تمامه

حتّى تذلَّل بعد لايٍ صعبه

وانقاد منبوذاً إليَّ خطامه

يُهدى إليّ على المغيب ثناؤه

وإذا حضرتُ أظلَّني إكرامه

فمضى سليماً من أذاة قوارصي

واستام ذمّي بعده مستامه

والآن يوقظني لنحت صفاته

مَن طال عن أخذ الحقوق نيامه

ويسومني ولإن خلوت فإنَّني

مَقر وفي حنك العدوِّ سمامه

فلبئسما منَّته منّي خالياً

خطراته أو سوَّلت أحلامه

أمّا الطريف من الفخار فعندنا

ولنا من المجد التليد سنامه

ولنا من البيت المحرَّم كلّما

طافت به في موسم أقدامه

ولنا الحطيم وزمزم وتراثها

نعم التراث عن الخليل مُقامه

ولنا المشاعر والمواقف والَّذي

تُهدى إليه من مِنى انعامه

وبجدِّنا وبصنوه دُحيت عن الـ

ـبيت الحرام وزعزعت أصنامه

وهما علينا أطلعا شمس الهدى

حتّى استنار حلاله وحرامه

وأبي الذي تبدو على رغم العدى

غرّاً محجَّلةً لنا أيّامه

كالبدر يكسو الليل أثواب الضحى

والفجر شبّ على الظلام ضرامه

وهو الذي لا يقتفي في موقف

أقدامه نكص به إقدامه

حتّى كأنَّ نجاته هي حتفه

و ورائه ممّا يخاف أمامه

ووقى الرَّسول على الفراش بنفسه

لمّا إراد حمامه أقوامه

ثانيه في كلِّ الأمور وحصنه

في النائبات وركنه ودعامه

لِلَّه درُّ بلائه ودفاعه

واليوم يغشى الدارعين قتامه

وكأنَّما اَجم العوالي غيله

وكأنَّما هو بينها ضرغامه

وترى الصريع دماؤه أكفانه

وحنوطه أحجاره ورغامه

والموت من ماء الترائب ورده

ومن النفوس مزاده ومسامه

٢٧٩

طلبوا مداه ففاتهم سبقاً إلى

أمديشقُّ على الرِّجال مرامه

فمتى أجالوا للفخار قداحهم

فالفائزات قداحه وسهامه

وإذا الاُمور تشابهت واستبهمت

فجلاؤها وشفاؤها أحكامه

وترى النديَّ إذا احتبى لقضيَّة

عوجاً إليها مصغيات هامه

يفضي إلى لبّ البليد بيانه

فيعي وينشيء فهمه إفهامه

بغريب لفظٍ لم تذره سقاته

ولطيف معنى لم يفضّ ختامه

وإذا التفتَّ إلى التقى صادفته

من كلِّ برٍّ وافراً إقامه

فالليل فيه قيامه مُتهجِّداً

يتلو الكتاب وفي النهار صيامه

يطوي الثلاث تعفّفاً وتكرُّماً

حتّى يُصادف زاده معتامه

وتراه عريان اللسان من الخنا

لا يهتدي للأمر فيه ملامه

وعلى الذي يرضي الإ~له هجومه

وعن الذي لا يرتضى احجامه

فمضى بريئاً لم تشنه ذنوبه

يوماً ولا ظفرت به آثامه

ومفاخر ما شئت إن عدَّدتها

فالسيل أطبق لا يعدُّ ركامه

تعلو على مَن رام يوماً نيلها

من يَذبلٍ هضباته واكامه

وقال في الجزء الرابع من ديوانه يرثي الإمام السبط الشهيدعليه‌السلام في يوم عاشوراء سنة ٤٢٧:

أما ترى الرَّبع الذي أقفرا

عراه من ريب البلى ما عرا؟!

لو لم أكن صباً لسكّانه

لم يجر من دمعي له ما جرى

رأيته بعد تمامٍ له

مقلِّبا أبطنه أظهرا

كأنّني شكا وعلماً به

أقرأ من أطلاله أسطرا

وقفت فيه اينقاً ضُمَّرا

شذَّب من أوصالهنَّ السرى

لي باناسي شغلٌ عن هوى

ومعشري أبكي لهم معشرا

أجل بأرض الطفِّ عينيك ما

بين اُناس سربلوا العثيرا

حَكّمَ فيهم بغي أعدائهم

عليهم الذؤبان والأنسرا

تخال من لئلا أنوارهم

ليل الفيافي بهمُ مُقمرا

٢٨٠