الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 423
المشاهدات: 193853
تحميل: 7846


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193853 / تحميل: 7846
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ألقرن السّادس

٤٧

ألملك الصالح

ولد ٤٩٥

استشهد ٥٥٦

١

سقى الحمى ومحلّاً كنت أعهدهُ

حيا بحور بصوب المزن أجوده

فإن دنى الغيث واستسقت مرابعه

ربا فدمعي بالتِّسكاب ينحدهُ

ويقول فيها:

يا راكب الغيِّ دع عنك الضَّلال

فهذا الرُّشد بالكوفة الغرّاء مشهدهُ

مَن رُدّت الشمس من بعد المغيب له

فأدرك الفضل والأملاك تشهدهُ

ويوم ( خمّ ) وقد قال النبيُّ له

بين الحضور وشالت عضده يدهُ

:مَن كنت مولى هذا يكون له

مولى أتاني به أمرٌ يؤكّدهُ

مَن كان يخذله فالله يخذله

أو كان يعضده فالله يعضدهُ

والباب لمّا دحاهُ وهو في سغبٍ

من الصِّيام وما يخفى تعبّدهُ

وقلقل الحصن فارتاع اليهود له

وكان أكثرهم عمداً يفنِّدهُ

نادى بأعلى السَّما جبريل ممتدحاً

:هذا الوصيُّ وهذا الطّهر أحمدهُ

وفي الفرات حديثٌ إذ طغى فأتى

كلُّ اِليه لخوف الهلك يقصدهُ

فقال للماء:غض طوعاً فبان لهم

حصباؤه حين وافاهُ يهدِّدهُ(١)

٢

م - وله من قصيدة توجد منها ٥٧ بيتاً يمدح بها أمير المؤمنينعليه‌السلام :

____________________

١ - القصيدة ٣٩ بيتاً يوجد شطر منها في مناقب ابن شهر اشوب، والصراط المستقيم للبياضي، وذكرها برمتها العلامة السيد أحمد العطار في كتابه ( الرائق ).

٣٤١

وفي مواقف لا يُحصى لها عددا

ما كان فيها برعديد ولا نكلِ

كم كربة لأخيه المصطفى فرجت

به وكان رهين الحادث الجللِ ؟!

كم بين من كان قد سنَّ الهروب ومَن

في الحرب إن زالت الأجبال لم يزلِ ؟!

في هل أتى بيَّن الرَّحمن رتبته

في جوده فتمسَّك يا أخي بهلِ

عليُّ قال. اسألوني كي أبين لكم علمـ

ـي وغير عليٍّ ذاك لم يقلِ

بل قال:لستُ بخير إذ وليتكمُ

فقوِّموني فإنيِّ غير معتدلِ

إن كان قد أنكر الحسّاد رتبته

فقد أقرَّ له بالحقِّ كلُّ ولي

وفي ( الغدير ) له الفضل الشهير بما

نصَّ النبيُّ له في مجمعٍ حفلِ

٣

قال من قصيدة ذات ٤٤ بيتاً أوَّلها:

لا تبك للجيرة السّارين في الظعنِ

ولا تعرَّج على الأطلال والدمنِ

فليس بعد مشيب الرأس من غزل

ولا حنين إلى إلف ولا سكنِ

وتُب إلى الله واستشفع بخيرته

من خلقه ذي الأيادي البيض والمننِ

( محمَّدٌ ) خاتم الرُّسل الذي سبقت

به بشارة قسّ وابن ذي يزنِ

يقول فيها:

فاجعله ذخرك في الدارين معتصماً

له وبالمرتضى الهادي أبي الحسنِ

وصيِّه ومواسيه وناصره على

أعاديه من قيسٍ ومن يمنِ

أوصى النبيُّ إليه لا إلى أحدٍ

سواه في ( خمّ ) والأصحاب في علنِ

فقال:هذا وصيّي والخليفة مِن

بعدي وذو العلم بالمفروض والسننِ

قالوا:سمعنا فلمّا أن قضى غدروا

والطهر ( أحمد ) ما واروه في الجبنِ

٤

وله من قصيدة ٢٧ بيتاً:

أنا من شيعة الإمام عليِّ

حرب أعدائه وسلم الوليِّ

أنا من شيعة الإمام الذي ما

مال في عمره لفعلٍ دنيِّ

أنا عبدٌ لصاحب الحوض ساقي

من توالى فيه بكأس رويِّ

٣٤٢

أنا عبدٌ لمن أبان لنا المشكل

فارتاض كلّ صعب أبيِّ

والّذي كبّرت ملائكة الله له

عند صرعة العامريِّ

الإمام الذي تخيَّره الله

بلا مرية أخاً لِلنبيَّ

قسماً ما وقاه بالنفس لمّا ب

ـات في الفرش عنه غير عليِّ

ولعمري إذ حلَّ في يوم ( خمّ )

لم يكن موصياً لغير الوصيِّ

٥

وله من قصيدة ذات ٤١ بيتاً مطلعها:

ما كان أوَّل تائهٍ بجماله

بدرٌ منال البدر دون منالهِ

متباينٌ فالعدل من أقواله

ليغرَّنا والجور من أفعالهِ

صرع الفؤاد بسحر طرفٍ فاترٍ

حتّى دنى فأصابه بنبالهِ

متعوِّدٌ لِلرَّمي حاجبه غدا

من قسيه واللحظ بعض نصالهِ

ما بلبل الأصداغ فوق عذاره

إلّا انطوى قلبي على بلبالهِ

يبغي مغالطة العيون بها لكي

يخفى عقاربه مدبّ صلالهِ

ويظلّ من ثقل الضَّلالة تشتكي

ما يستكيه القلب من أغلالهِ

جعل السهاد رقيب عيني في الدجا

كي لا ترى في النوم طيف خيالهِ

وحفظت في يدي اليمين وداده

جهدي وضيَّع مهجتي بشمالهِ

وأباح حسّادي موارد سمعه

وحميت ورد السمع عن عذّالهِ

أغراه تأنيسي له بنفاره عنّى

وإذلالي بفرط دلالهِ

ولربَّما عاتبته فيقول لي:قولي

يكذِّبه بفتح فعالهِ

كمعاشر أخذ النبيّ عهودهم

واستحسنوا الغدر الصراح بآلهِ

خانوه في أمواله وزروا على

أفعاله وعصوه في أقوالهِ

هذا ( أمير المؤمنين ) ولم يكن

في عصره مَن حاز مثل خصالهِ

العلم عند مقاله والجود حـ

ـين نواله والبأس يوم نزالهِ

وأخوه من دون الورى وأمينه

قدماً على المخفيِّ من أحوالهِ

وصّاهمُ بولاية فكأنَّما

وصّاهمُ بخلافه وقتالهِ

٣٤٣

واستنقصوا الدين الحنيف بكتمهم

يوم ( الغدير ) وكان يوم كمالهِ ]

أخذنا هذه القصائد من كتاب ( الرائق ) لسيّدنا العلّامة السيِّد أحمد العطّار و قد ذكر فيه شطراً مهمّاً من شعر الملك الصالح في العترة الطاهرة ولعلّه جلّ ما فيهم ].

( ألشاعر )

أبو ألغارات الملك الصالح فارس المسلمين نصير الدين طلايع بن رزّيك بن الصالح الإرمني(١) أصله من الشيعة الإماميَّة في العراق كما في [ أعلام الزركلي].

هو من أقوام جمع الله سبحانه لهم الدنيا والدين، فحازوا شرف الدارين، وحُبوا بالعلم الناجع والإمرة العادلة، بينا هو فقيهٌ بارعٌ كما في [ خواصِّ العصر الفاطمي ] وأديبٌ شاعرٌ مجيدٌ كما طفحت به المعاجم، فإذا به ذلك الوزير العادل تزدهي القاهرة بحسن سيرته، وتعيش الاُمَّة المصريَّة بلطف شاكلته، وتزدان الدولة الفاطميَّة بأخذه بالتدابير اللازمة في إقامة الدولة وسياسة الرعيَّة ونشر الأمن وإدامة السلام، وكان كما قال الزركلي في [ الأعلام ] وزيراً عصاميّاً يعدُّ من الملوك، ولقّب بالملك الصّالح، ولقد طابق هذا اللفظ معناه كما يُنبئك عنه تاريخه المجيد، فلقد كان صالحاً بعلمه الغزير وأدبه الرايق، صالحاً بعدله الشامل وورعه الموصوف، صالحاً بسياسته المرضيَّة وحسن مداراته مع الرعيَّة، صالحاً بسيبه الهامر ونداه الوافر، صالحاً بكلِّ فضايله وفواضله دينيَّة ودنيويَّة، وقبل هذه كلّها تفانيه في ولاء أئمَّة الدين عليهم السَّلام و نشر مآثرهم ودفاعه عنهم بفمه وقلمه ونظمه ونثره، وكان يجمع الفقهاء ويناظرهم في الإمامة والقدَر، وكان في نصر التشيّع كالسكّة المحماة كما في ( الخطط والشذرات ).

وله كتاب [ الإعتماد(٢) في الردِّ على أهل العناد ] يتضمَّن إمامة أمير المؤمنينعليه‌السلام والكلام على الأحاديث الواردة فيها، وديوانه مجلّدان فيه كلّ فنٍّ من الشعر، وقد شرح سعيد بن مبارك النحوي الكبير المتوفّى سنة ٥٦٩ بيتاً من شعر المترجم في عشرين كرّاساً، وكان الاُدباء يزدلفون إلى دسته كلَّ ليلة ويدوِّنون شعره، و العلماء يَفدون إليه من كلِّ فجٍّ فلا يخيب أمل آمل منهم، وكان يحمل إلى العلويِّين

____________________

١ - بكسر الهمزة وكسر الميم نسبة الى ارمينية على غير قياس وهي اسم لصقع عظيم واسع.

٢ - الاجتهاد:في شذرات الذهب.

٣٤٤

في المشاهد المقدَّسة كلَّ سنة أموالاً جزيلةً وللأشراف من أهل الحرمين ما يحتاجون إليه من كسوة وغيرها حتّى ألواح الصِّبيان التي يكتب فيها والأقلام وأدوات الكتابة ووقف ناحية ( المقس )(١) لأن يكون ثلثاها على الأشراف من بني الحسنين السبطين الإمامين عليهما السَّلام، وتسعة قراريط منها على أشراف المدينة النبويَّة المنوَّرة، وجعل قيراطاً على مسجد أمين الدولة، وأوقف بلقس بالقليوبيَّة وبركة الحبش(٢) و جدِّد الجامع بالقرافة الكبرى، وبنى الجامع الذي على باب زُويلة بظاهر القاهرة و يسمّى بجامع الصّالح، ولم يترك غزو الإفرنج مدَّة حياته في البرّ والبحر، فكانت بُعوثه إليهم تترى في كلِّ سنة(٣) ولم يزل له صدر الدست وذرى الفخر ونفوذ الأمر وعرش الملك حتّى اختار الله تعالى له على ذلك كلّه الفوز بالشهادة وقُتل غيلةً في دهليز قصره سنة ٥٥٦ يوم الإثنين ١٩ شهر الصيام ودُفن في القاهرة بدار الوزارة ثمَّ نقله ولده العادل إلى القرافة الكبرى.

كلمات حول المترجم

١ - قال إبن الأثير في الجزء الحادي عشر من تاريخه ( الكامل ) ص ١٠٣:في هذه السنة ( يعني سنة ٥٥٦ ) في شعر رمضان قُتل الملك الصّالح وزير العاضد العلوي صاحب مصر وكان سبب قتله انَّه تحكَّم في الدولة ألتحكّم العظيم واستبدَّ بالأمر والنهي وجباية الأموال إليه لصغر العاضد ولأنَّه هو الذي ولّاه ووتر الناس فإنَّه أخرج كثيراً من أعيانَّهم وفرَّقهم في البلاد ليأمن وثوبهم عليه، ثمَّ انَّه زوَّج ابنته من العاضد فعاداه ايضاً الحرم من القصر فارسلت عمَّة العاضد الأموال إلى الأمراء المصريّين و دعتهم إلى قتله وكان أشدُّهم عليه في ذلك إنسانٌ يُقال له:إبن الدّاعي، فوقفوا له في دهليز القصر فلمّا دخل ضربوه بالسَّكاكين على دهش فجرحوه جراحات مهلكة إلّا انَّه حُمل إلى داره وفيه حياةٌ فأرسل إلى العاضد يُعاتبه على الرِّضا بقتله مع أثره في خلافته فأقسم العاضد انَّه لا يعلم بذلك ولم يرض به فقال:إن كنت بريئاً فسلِّم

____________________

١ - بفتح الميم ثم السكون كان قبل الاسلام يسمى ( ام دنين ).

٢ - قال الحموي:هي أرض في وهدة من الارض واسعة طولها نحو ميل مشرفة على نيل مصر خلف القرافة وقف على الاشراف.

٣ - الخطط ج ٤ ص ٨١ وص ٣٢٤، تحفة الاحباب للسخاوى ص ١٧٦.

٣٤٥

عمّتك إلىّ حتّى أنتقم منها فأمر بأخذها فأرسل إليها فأخذها قهراً واحضرت عنده فقتلها ووصّى بالوزارة لابنه رزّيك ولقّب العادل فانتقل الأمر إليه بعد وفاة أبيه، وللصّالح أشعارٌ حسنةٌ بليغةٌ تدلُّ على فضل غزير فمَنها في الإفتخار:

أبى الله إلّا أن يدوم لنا الدّهرُ

ويخدمنا في ملكنا العزُّ والنصرُ

علمنا بأنَّ المال تفنى اُلوفه

ويبقى لنا من بعده الأجر والذكرُ

خلطنا النّدى بالباس حتّى كأنَّنا

سحاب لديه البرق والرعد والقطرُ

قِرانا إذا رحنا إلى الحرب مرَّة

قِراناً ومن أضيافنا الذئب والنَّسرُ

كما أنّنا في السِّلم نبذل جودنا

ويرتع في إنعامنا العبد والحرُّ

وكان الصّالح كريماً فيه أدب وله شعرٌ جيِّد وكان لأهل العلم عنده إتِّفاقٌ، ويرسل إليهم العطاء الكثير، بلغه أنَّ الشيخ أبا محمَّد بن الدّهان النحوي البغدادي المقيم بالموصل قد شرح بيتاً من شعره وهو هذا:

تجنَّب سمعي ما يقول العواذلُ

وأصبح لي شغلٌ من الغز وشاغلُ

فجهَّز إليه هديَّة سنيَّة ليرسلها إليه فقُتل قبل إرسالها، وبلغه ايضاً انَّ إنساناً من أعيان الموصل قد أثنى عليه بمكّة فأرسل إليه كتاباً يشكره ومعه هديِّة، وكان الصالح إماميّاً لم يكن على مذهب العلوييِّن المصريِّين، وَلمّا ولى العاضد الخلافة وركب سمع الصالح ضجَّة عظيمة فقال:ما الخبر ؟ فقيل:إنَّهم يفرحون فقال:كأنّي بهؤلاء الجهلة وهم يقولون:ما مات الأوَّل حتّى استخلف هذا.وما علموا أنَّني كنت من ساعة استعرضهم استعراض الغنم قال عمارة(١) :دخلت على الصالح قبل قتله بثلاثة أيّام فناولني قرطاساً فيه بيتان من شعر وهما:

نحن في غفلةٍ ونومٍ وللمو

ت عيونٌ يقظانةٌ لا تنامُ

قد رحلنا إلى الحِمام سنيناً

ليت شعري متى تكون اِلحمام ؟!

فكان آخر عهدي به. وقال عمارة ايضاً:ومن عجيب الإتِّفاق إنَّني أنشدت إبنه قصيدة أقول فيها:

أبوك الذي تسطو الليالي بحدِّه

وأنت يمينٌ إن سطا وشمالُ

____________________

١ - أحد شعراء الغدير في القرن السادس يأتي شعره وترجمته في هذا الجزء.

٣٤٦

لرتبته العظمى وإن طال عمره

إليك مصيرٌ واجبٌ ومنالُ

تخالصك اللحظ المصون ودونها

حجابٌ شريف لا انقضى وحجالُ

فانتقل الأمر عليه بعد ثلاثة أيّام.

٢ - وقال إبن خلكان في تاريخه ج ١ ص ٢٥٩:دخل الصّالح إلى القاهرة و تولىّ الوزارة في أيّام الفائز، واستقلَّ بالاُمور وتدبير أحوال الدولة، وكان فاضلاً محبّاً لأهل الفضايل، سمحاً في العطاء سهلاً في اللقاء جيِّد الشعر ومن شعره:

كم ذا يُرينا الدَّهر من أحداثه

عبراً وفينا الصدُّ والإعراضُ

ننسى الممات وليس يجري ذكره

فينا فتذكرنا به الأمراضُ

ومنه ايضاً:

ومهفهف ثمل القوام سرت إلى

أعطافه النشوات من عينيهِ

ماضي اللحاظ كأنَّما سلَّت يدي

سيفي غداة الرَّوع من جفنيهِ

قد قلت إذ خطَّ العذار بمسكه

في خدِّه ألفيه لا لاميهِ

:ما الشعر دبَّ بعارضيه وإنَّما

أصداغه نفضت على خدّيهِ

ألنّاس طوع يدي وأمري نافذٌ

فيهم وقلبي الآن طوع يديهِ

فاعجب بسلطان يعمُّ بعدله

ويجور سلطان الغرام عليهِ

والله لولا اسم الفرار وإنَّه

مستقبحٌ لفررت منه إليه

وأنشد لنفسه بمصر:

مشيبك فقد نضا صبغ الشَّباب

وحلَّ الباز في وكر الغرابِ

تنام ومقلة الحدثان يقظى

وما ناب النَّوائب عنك نابِ

وكيف بقاء عمرك وهو كنزٌ

وقد أنفقت منه بلا حسابِ ؟!

وكان المهذّب عبد الله بن أسعد الموصلي نزيل حمص قد قصده من الموصل و مدحه بقصيدته الكافيَّة التي أوّلها:

أما كفاك تلاقي في تلاقيكا

ولست تقم إلّا فرط حبّيكا

وفيم تغضب إن قال الوشاة سلا

وأنت تعلم أنيّ لست أسلوكا ؟!

لا نلت وصلك إن كان الذي زعموا

ولا شفى ظمأي جواد ابن رزّيكا

٣٤٧

وهي من نخب القصايد.

٣ - قال المقريزي في ( الخططْ ) ج ٤ ص ٨١ - ٧٣:زار الملك الصالح مشهد الإمام عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه في جماعة من الفقراء وإمام مشهد عليٍّ رضي الله عنه يومئذ السِّيد إبن معصوم(١) فزار طلايع وأصحابه وباتوا هنالك فرأى السيِّد في منامه الإمام صلوات الله عليه يقول له:قد ورد عليك الليلة أربعون فقيرا من جملتهم رجلٌ يقال له:طلايع بن رزّيك من أكبر محبِّينا فقل له:إذهب فإنّا قد وليّناك مصر.فلمّا أصبح أمر من يُنادي:مَن فيكم اسمه طلايع بن رزّيك ؟ فليقم إلى السيِّد إبن معصوم.فجاء طلايع إلى السيِّد وسلّم عليه فقصَّ عليه رؤياه، فرحل إلى مصر وأخذ أمره في الرُقيّ، فلمّا قتل نصر بن عبّاس الخليفة الظافر إسماعيل استثارت نساء القصر لأخذ ثاراته بكتاب في طيّه شعورهنَّ، فحشد طلايع الناس يريد النكبة بالوزير القاتل، فلمّا قرب من القاهرة فرَّ الرَّجل ودخل طلايع المدينة بطمأنينة وسلام، فخلعت عليه خلايع الوزارة وُلقّب بالملك الصالح، فارس المسلمين، نصير الدين، فنشر الأمن وأحسن السيرة.

[ ثمَّ ذكر حديث قتله(٢) ] وقال:كان شجاعاً كريماً جواداً فاضلاً محبّاً لأهل الأدب جيِّد الشعر رجل وقته فضلاً وعقلاً وسياسةً وتدبيراً، وكان مهاباً في شكله، عظيماً في سطوته، وجمع أموالاً عظيمة، وكان محافظاً علي الصَّلوات فرايضها ونوافلها شديد المغالاة في التشيّع صنَّف كتاباً سمّاه [ الإعتماد في الردِّ على أهل العناد ] جمع له الفقهاء وناظرهم عليه وهو يتضمَّن إمامة عليِّ بن أبي طالبعليه‌السلام ، وله شعرٌ كثيرٌ يشتمل على مجلّدين في كلِّ فنّ فمنه في إعتقاده:

يا اُمَّةً سلكت ضلالاً بيِّناً

حتى استوى إقرارها وجحودها

قلتم:ألا إنَّ المعاصي لم تكن

إلّا بتقدير الإ~له وجودها

لو صحَّ ذا كان الإله بزعمكم

منع الشريعة أن تُقام حدودها

____________________

١ - قال السيد ابن شدقم في ( تحفة الازهار ):كان أبو الحسن بن معصوم ابن ابي الطيب أحمد سيداً شريفاً جليلا عظيم الشأن رفيع المنزلة كان في المشهد الغروي كبيراً عظيماً ذا جاه وحشمة ورفعة وعز واحترام عليه سكينة ووقار. ا ه‍. وهو جد الاسرة الكريمة النجفية المعروفة اليوم ببيت خرسان.

٢ - راجع كتابنا شهداء الفضيلة ص ٥٨.

٣٤٨

حاشا وكّلا أن يكون إ~لهنا

ينهى عن الفحشاء ثمَّ يريدها

وله قصيدةٌ سمّاها [ الجوهريَّة في الردِّ على القدريَّة ].ثمَّ قال:ويُروى انَّه لمّا كانت الليلة التي قُتل في صبيحتها قال:هذه الليلة ضرب في مثلها الإمام أمير المؤمنينعليه‌السلام وأمر بقراءة مقتله واغتسل وصلّى مائة وعشرين ركعةً أحيى بها ليله وخرج ليركب فعثر وسقطت عمامته واضطرب لذلك وجلس في دهليز دار الوزارة فأحضر ابن الصيف وكان يلفُّ عمايم الخلفاء والوزراء وله على ذلك الجاري الثقيل ليصلح عمامته وعند ذلك قال له رجلٌ:إنَّ هذا الذي جرى يُتطيَّر منه فإن رأى مولانا أن يؤخِّر الركوب فعل.فقال:ألطيرة من الشيطان وليس إلى التأخير سبيلٌ.ثمّ ركب فكان من أمره ما كان.

وقال في ج ٢ ص ٢٨٤:قال إبن عبد الظاهر:مشهد الإمام الحسين صلوات الله عليه قد ذكرنا انَّ طلايع بن رزّيك المنعوت بالصّالح كان قد قصد نقل الرأس الشريف من عسقلان(١) لما خاف عليها من الفرنج وبني جامعه خارج باب زويلة ليدفنه به و يفوز بهذا الفخار فغلبه أهل القصر على ذلك وقالوا:لا يكون ذلك إلّا عندنا فعمدوا إلى هذا المكان وبنوه له ونقلوا الرخام إليه وذلك في خلافة الفائز على يد طلايع في سنة تسع وأربعين وخمسمائة.

وسمعت من يحكي حكاية يستدلُّ بها على بعض شرف هذا الرأس الكريم المبارك وهي:أنَّ السلطان الملك الناصر رحمه الله لمّا أخذ هذا القصر وشي إليه بخادم له قدرَ في الدولة المصريَّة وكان ببده زمام القصر وقيل له:انَّه يعرف الأموال التي بالقصر والدفائن فاُخذ وسُئل فلم يجب بشيء وتجاهل فأمر صلاح الدين نوّابه بتعذيبه فأخذه متولّي العقوبة وجعل على رأسه خنافس وشدَّ عليها قرمزية، وقيل:إنَّ هذه أشدُّ العقوبات، وإنَّ الإنسان لا يطيق الصبر عليها ساعة إلّا تنقب دماغه وتقتله ففعل ذلك به مراراً وهو لا يتأوَّه وتوجد الخنافس ميتة فعجب من ذلك وأحضره وقال له:هدا سرُّ فيك ولا بدَّ أن تعرِّفني به.فقال:والله ما سبب هذا إلّا أنّي لمّا وصلت رأس الإمام الحسين حملتها.قال:وأيّ سرٍّ أعظم من هذا. وراجع في شأنه فعفا عنه. إنتهى.

٤ - وقال الشعراني في مختصر تذكرة القرطبي ص ١٢١:قد ثبت انَّ طلايع

____________________

١ - مدينة بالشام من اعمال فلسطين على ساحل البحر يقال لها:عروس الشام.

٣٤٩

ابن رزّيك الذي بنى المشهد بالقاهرة نقل الرأس إلى هذا المشهد بعد أن بذل في نقلها نحو أربعين ألف دينار، وخرج هو وعسكره فتلقّاها من خارج مصر حافياً مكشوف الرأس هو وعسكره، وهو في برنس حرير أخضر في القبر الذي هو في المشهد موضوعة على كرسيٍّ من خشب الآبانوس، ومفروشٌ هناك نحو نصف أردب من الطيب كما أخبرني بذلك خادم المشهد، إلى أن قال في ص ١٢٢:فزر يا أخي هذا المشهد بالنيَّة الصالحة إن لم يكن عندك كشف فقول الإمام القرطبي:إنَّ دفن الرأس في مصر باطلٌ صحيحٌ في أيّام القرطبي فإنَّ الرأس إنَّما نقلها طلايع إبن رزِّيك بعد موت القرطبي:قال الأميني:هذا التصحيح لقول القرطبي يكشف عن جهل الشعراني بترجمة القرطبي وطلايع، وقد خفي عليه انَّ القرطبي توفّي سنة ٦٧١ بعد وفاة طلايع الملك الصالح بمائة وخمس عشر سنة فإنَّه توفّي سنة ٥٥٦ ونطفة القرطبي لم تنعقد بعدُ.

ثمَّ مشهد رأس الحسين الذي بناه طلايع احترق سنة ٧٤٠ فاُعيد بناؤه مراراً وأخيراً اُقيم في جواره جامعٌ حتّى إذا كانت أيّام الأمير عبد الرَّحمن كخيا أحد اُمراء المماليك فاُعيد بناء المشهد الحسيني في أواخر القرن الماضي للميلاد وبعد ذلك اُعيد بناؤه برمَّته في أيّام الخديوي السابق، ولم يبق من البناء القديم إلّا القبَّة المغطّية لمقام الإمام فأصبح على ما نشاهده الآن وهو الجامع المعروف بجامع سيِّدنا الحسين(١)

ولادته ووفاته مدايحه ومراثيه

ولد الملك الصالح سنة خمس وتسعين وأربعمائة ومدحه الفقيه عمارة اليمني ( الآتي ذكره ) بقصايد توجد في كتابه (النكت العصريَّة ) منها:

دعوا كلَّ برق شمتمُ غير بارق

يلوح على الفسطاط صادق بشرهِ

وزوروا المقام الصالحيَّ فكلُّ من

على الأرض ينسى ذكره عند ذكرهِ

ولا تجعلوا مقصودكم طلب الغنى

فتجنوا على مجد المقام وفخرهِ

ولكن سلوا منه العُلى تظفروا بها

فكلُّ أمرئٍ يرُجى على قدر قدرهِ

ومدحه في شعبان سنة ٥٠٥ بقصيدة منها:

قصدتك من أرض الحطيم قصائدي

حادي سُراها سنَّةٌ وكتابُ

____________________

١ - تاريخ مصر الحديث ج ١ ص ٢٩٨.

٣٥٠

إن تسألا عمّا لقيت فإنَّني

لا مخفقٌ أملى ولا كذّابُ

لم أنتجع تمد النطاف ولم أقف

بمذانب وقفت بها الأذنابُ

وقال يمدحه:

أعندك أنَّ وجدي واكتئابي

تراجع مذ رجعت إلى اجتنابي؟!

وانَّ الهجر أحدث ليَّ سلواً

يسكّن برده حرَّ التهابي ؟!

وانَّ الأربعين إذا تولَّت

بريعان الصّبا قبح التصابي ؟!

ولو لم ينهني شيبٌ نهاني

صباح الشيب في ليل الشبابِ

وأيّامٌ لها في كلِّ وقت

جناياتٌ تجلّ عن العتابِ

اُقضيِّها وتحسب من حياتي

وقد أنفقتهنَّ بلا حسابِ

وقد حالت بنو رزّيك بيني

وبين الدَّهر بالمنن الرغابِ

ومنها:

ولولا الصّالح انتاش القواقي

لكان الفضل مجتنب الجنابِ

وكنت وقد تخيَّره رجائي

كمن هجر السَّراب إلى الشرابِ

ولم يخفق بحمد الله سعيي

إلى مصر ولا خاب انتخابي

ولكن زرت أبلج يقتضيه

نداه عمارة الأمل الخرابِ

ومنها:

أقمتَ الناصر(١) المحيي فأحيى

رسوماً كنَّ كالرَّسم اليبابِ

وبثَّ العدل في الدنيا فأضحى

قطيع الشاء يأنس بالذئابِ

وأنت شهاب حقٍّ وهو منه

بمنزلة الضِّياء من الشهابِ

سعى مسعاك في كرمٍ وبأس

وشبَّ على خلائقك العذابِ

فأصبح معلم الطرفين لمّا

حوى شرف انتساب واكتسابِ

وُصنتَ الملك من عزمات بدر

بميمون النقيبة والركابِ

بأورع لم يزل في كلِّ ثغرٍ

زعيم القبّ مضروب القبابِ

مخوف البأس في حربٍ وسلمٍ

وحدُّ السيف يُخشى في القرابِ

____________________

١ - هو الملك الناصر العادل بن الصالح بن رزيك -

٣٥١

وقال يمدحه بقصيدة أوّلها:

إذا قدرت على العلياء بالغلبِ

فلا تعرّج على سعي ولا طلبِ

واخطب بألسنة الأغماد ما عجزتْ

عن نيله ألسن الأشعار والخطبِ

ويقول فيها:

ألقى الكفيل أبو الغارات كلكه

على الزَّمان وضاعت حيلة النّوبِ

وداخلت أنفس الأيّام هيبته

حتى استرابت نفوس الشك والريبِ

بثَّ الندى والرَّدى زجراً وتكرمةً

فكلُّ قلبٍ رهين الرعبِ

فما لحامل سيف أو مثقَّفةٍ

سوى التحمّل بين النّاس من إربِ

لمّا تمرَّد بهرام واسرته

جهلاً وراموا قراع النبع بالغربِ

صدعت بالنّاصر المحبي زجاجتهم

وللزجاجة صدعٌ غير منشعبِ

أسرى إليهم ولو أسرى إلى الفلك الأعـ

ـلى لخافت قلوب الأنجم الشهبِ

في ليلة قدحت زرق النّصال بها

ناراً تشبُّ بأطراف القنا الأشبِ

ظنّوا الشجاعة تنجيهم فقارعهم

أبو شجاع قريع المجد والحسبِ

سقوا بأسكر سكراً لا انقضاء له

من قهوة الموت لا من قهوة العنبِ

ومنها:

لِلَّه عزمة محيي الدين كم تركت

بتربة الحيِّ من خدِّ امرئٍ تربِ

سما إليهم سموّ البدر تصحبه

كواكب من سحاب النقع في حجبِ

في فتيةٍ من بني رزّيك تحسبهم

عن جانبيه رحىً دارت على قطبِ

وقال يمدحه بقصيدة منها:

هل القلب إلّا بضعةٌ يتقلّبُ ؟

له خاطرٌ يرضى مراراً ويغضبُ

أم النَّفس إلّا وهدةٌ مطمئنَّة

تفيض شعاب الهمّ منها وتنضبُ ؟!

فلا تلزمنَّ الناس غير طباعهم

فتتعب من طول التعاب ويتعبوا

فإنَّك إن كشَّفتهم ربما انجلي

رمادهمُ من جمرة تتلهَّبُ

فتاركهمُ ما تاركوك فإنَّهم

إلى الشرِّ مذ كانوا من الخير أقربُ

ولا تغترر منهم بحسن بشاشةٍ

فأكثر إيماض البوارق خُلّبُ

_٢٢_

٣٥٢

واصغ إلى ما قلته تنتفع به

ولا تطّرح نصحي فأنّي مجرِّبُ

فما تنكر الأيّام معرفتي بها

ولا إنَّني أدرى بهنَّ وأدربُ

وإنّي لأقوام جُذيلٌ محكّكٌ

وإنّي لأقوام عُذيقٌ مرجَّبُ

عليمٌ بما ترضى المروءة والتقى

خبيرٌ بما آتي وما أتجنَّبُ

حلبت أفاويق الزَّمان براحةٍ

تدرُّ بها أخلافه حين تخلبُ

وصاحبت هذا الدهر حتّى لقد غدت

عجائبه من خبرتي تتعجَّبُ

ودوَّخت أقطار البلاد كأنَّني

إلى الريح اُعزي أو إلى الخضر اُنسبُ

وعاشرت أقواماً يزيدون كثرةً

على الالف أوعدّ الحصى حين يحسبُ

فما راقني في روضهم قطُّ مرتعٌ

ولا شاقني في وردهم قطُّ مشربُ

تراني وإيّاهم فريقين كلّنا

بما عنده من عزَّة النفس معجبُ

فعندهمُ دنيا وعندي فضيلةٌ

ولا شكَّ إنَّ الفضل أعلى وأغلبُ

على أنَّ ما عندي يدوم بقاؤه

عليَّ ويفني المال عنهم ويذهبُ

اُناسٌ مضى صدرٌ من العمر عندهم

اُصعّد ظنّي فيهمُ وأصوِّبُ

رجوت بهم نيل الغني فوجدته

كما قيل في الأمثال:عنقاء مغربُ

وكسَّل عزم المدح بعد نشاطه

ندى ذمِّه عندي من المدح أوجبُ

كأنَّ القوافي حين تُدعى لشكرهم

على الجمر تمشي أو على الشوك تسحب

أفوه بحقٍّ كلّما رمتُ ذمَّهم

وما غير قول الحقِّ لي قطُّ مذهبُ

وأصدق إلّا أن اُريد مديحهم

فإنّي على حكم الضرورة أكذبُ

ولو علموا صدق المدائح فيهمُ

لكانت مساعيهم تهشُّ وتطربُ

ولكن دروا انَّ الذي جاء مادحاً

بغير الذي فيهم يُسبّ ويُثلبُ

وما زال هذا الأمر دأبي ودأبهم

اُغالب لومي فيهمُ وهو أغلبُ

إلى أن أذلّتني الليالي وأعتبت

وما خلتها بعد الإساءة تعتبُ

فهاجرت نحو الصالح الملك هجرةً

غدت سبباً للأمن وهو المسبَّبُ

وقال يمدحه من قصيدة:

هي البدر من سنة البدر أملحُ

وغرَّتها من غرَّة الصبح أصبحُ

٣٥٣

منعَّمةٌ تسبي العقول بصورةٍ

إلى مثلها لبّ الجوانحُ يجنحُ

كأنَّ الظباء العفر يحكين جيدها

ومقلتها في حين ترنو وتسنحُ

كأنَّ اهتراز الغصن من فوق ردفها

هضيمٌ بأعلى رملة يترنّحُ

تعلّمت من حبّي لها عزَّة الهوى

وقد كنتُ فيه قبلها أتسمَّحُ

وهيَّج نار الوجد والشوق قولها

أحتّى إلى الجوزاء طرفك يطمحُ؟!

فلا جفن إلّا ماؤه ثمَّ يسفح

ولا نار إلا زندها ثمَّ يقدحُ

وما علمت أنّي إذا شفَّني الهوى

إليها بدعوى الصَّبر لا أتبجَّحُ

وإنَّ اعترافي بالتأخّر حيث لا

يقدِّمني فضلٌ أجلُّ وأرجحُ

ألم ترَ فضل الصالح الملك لم يدع

على الأرض من يثني عليه ويمدحُ؟!

كأنَّ مساعي جملة الخلق جملةً

غدت بمساعيه الحميدة تشرحُ

تجمَّع فيه ما تفرَّق في الورى

على انّه أسنى وأسمى وأسمحُ

يُرجّى الندى منه فيغني ويسمح

ويخشى الرَّدى منه فيعفو ويصفحُ

له كلّ يومٍ منَّةٌ مستجدّةٌ

يضوع جميل الذِّكر منها وينفحُ

وقال يمدحه من قصيدة:

من كان لا يعشق الأجياد والحدقا

ثمَّ ادَّعى لذَّة الدنيا فما صدقا

في العشق معنى لطيف ليس يعرفه

من البريّة إلّا كلُّ من عشقا

لا خفَّف الله عن قلبي صبابته

للغانيات ولا عن طرفي الأرقا

ويقول فيها:

لو كنت أملك روحي وارتضيت بها

بذلتها لكِ لا زوراً ولا ملقا

وإنّما الصّالح الهادي تملّكها

بفيض جودٍ رعى آماله وسقى

واقتادها الحظّ حتّى جاورت ملكاً

تمسي ملوك الليالي عندهُ سوقا

قال يمدحه وولده وأخاه فارس المسلمين:

أبيضٌ مجرَّدةٌ ؟! أم عيونْ

تسلّ وأجفانهنَّ الجفونْ ؟!

عجبت لها قضباً باتره

تصول بها المقل الفاتره

٣٥٤

فتغدو لأرواحنا واتره

ظباءٌ فتكن باُسد العرينْ

وغائرةٌ خرجت من كمينْ

إذا ما هززن رماح القدود

حمين النفوس لذيذ الورود

حياض اللّمى ورياض الخدود

فلا تطمعنّك تلك الغصونْ

فإن َّكثيب نقاها مصونْ

وفيهنَّ فتّانةٌ لم تزلْ

أوامر مقلتها تُمتثلْ

ومن أجل سلطانها في المقلْ

تقول لها أعين الناظرينْ

إذا ما رنت:ما الذي تأمرينْ؟

منعّمةٌ ردفها مخصبُ

وما اهتزَّ من خصرها مجذبُ

مقسّمة كلّها يعجبُ

فجسمٌ جرى فيه ماءٌ معينْ

وقلبٌ غدا صخرةً لا تلينْ

أما وعلى الصّالح الأوحدِ

ردى المعتدي وندى المجتدي

وجعد العقوبة سمط اليدِ

ومَن نصر العترة الطاهرينْ

ونعم النصير لهم والمعينْ

لقد شرفت مصر والقاهره

بأيّام دولته القاهره

وأصبح للدَّولة الطاهره

بعزم ابن رزّيك فتحٌ مبينْ

وعزم ابنه ناصر الناصرينْ

إذا ما بدا المَلِك الناصرُ

بدت شيمٌ ما لها حاصرُ

يطول بها الأمل القاصرُ

٣٥٥

كريم السجيَّة طلق الجبينْ

برى الله كلتا يديه يمينْ

فتىّ شأو همَّته لا يُنالْ

فماذا عسى في علاه يُقالْ؟!

وقد حاز أنهى صفات الكمال

وخوَّله الله دنياً ودينْ

وأصخى له كلُّ خلق يدينْ

فلا زال ظلُّ أبيه مديدْ

مدى الدهر في دولة لا تميدْ

وبلّغ في نفسه ما يريدْ

وإخوته السّادة الأكرمينْ

وفي عمِّهم فارس المسلمينْ

وقال يمدح الصّالح ويرثي أهل البيت عليهم السَّلام:

شأن الغرام أجلُّ أن يلحاني

فيه وإن كنت الشفيق الحاني

أنا ذلك الصبُّ الذي قطعت به

صلة الغرام مطامع السّلوانِ

ملئت زجاجة صدره بضميره

فبدت خفيَّة شأنه للشاني

غدرت بموثقها الدموع فغادرت

سرّي أسيراً في يد الاعلانِ

عنَّفت أجفاني فقام بعذرها

وجدٌ يبيح ودائع الأجفانِ

ومنها:

يا صاحبيَّ وفي مجانبة الهوى

رأي الرَّشاد فما الذي تريانِ ؟!

بي ما يذود عن التسبّب أوله

ويزيل أيسره جنون جناني

قبضت على كفِّ الصّبابة سلوة

تنهى النّهى عن طاعة العصيانِ

اُمسي وقلبي بين صبرٍ خاذلٍ

وتجلّدٍ قاصٍ وهمٍّ دانِ

قد سهّلت حزن الكلام لنادب

آل الرَّسول نواعب الأحزانِ

فابذل مشايعة اللسان ونصره

إن فات نصر مهنَّدٍ وسنانِ

واجعل حديث بني الوصي وظلمهم

تشبيب شكوى الدَّهر والخذلانِ

غصبت أميَّة إرث آل محمَّد

سفهاً وشنَّت غارة الشنآنِ

وغدت تخالف في الخلافة أهلها

وتُقابل البرهان بالبهتانِ

٣٥٦

لم تقتنع أحلامها بركوبها

ظهر النِّفاق وغارب العدوانِ

وقعودهم في رتبةٍ نبويَّةٍ

لم يبنها لهمُ أبو سفيانِ

حتّى أضافوا بعد ذلك أنَّهم

أخذوا بثار الكفر في الإيمانِ

فأتى زيادٌ في القبيح زيادة

تركت يزيدَ يزيد في النقصانِ

حربٌ بنو حرب أقاموا سوقها

وتشبَّهت بهمُ بنو مروانِ

لهفي على النفر الذين أكفّهم

غيث الورى ومعونة اللهفانِ

أشلاؤهم مزقٌ بكلِّ ثنيَّةٍ

وجسومهم صرعى بكلِّ مكانِ

مالت عليهم بالتمالئ أمَّةٌ

باعت جزيل الربح بالخسرانِ

دفعوا عن الحقِّ الذي شهدت لهم

بالنصَّ فيه شواهد القرآنِ

ما كان أولاهم به لو أيّدوا

بالصّالح المختار من غسّانِ

أنساهم المختارَ صدقُ ولائه

كم أوَّلٌ أربى عليه الثاني

وقضى شاعرنا الملك الصالح شهيداً يوم الإثنين تاسع عشر من شهر رمضان سنة ستّ وخمسين وخمسمائة ورثاه الفقيه عمارة اليمني بقصيدة أوَّلها:

أفي أهل ذا النادي عليمٌ اُسائله ؟!

فإنّي لما بي ذاهب اللبِّ ذاهله

سمعت حديثاً أحسد الصمّ عنده

ويذهل واعيه ويخرس قاتله

فهل من جواب يستغيث به المنى

ويعلو على حقِّ المصيبة باطله ؟! ؟!

وقد رإبني مَن شاهد الحال إنَّني

أرى الدست منصوباً وما فيه كافله

فهل غاب عنه واستناب سليله ؟!

أم اختار هجراً لا يُرجّى تواصله ؟!

فإنّي أرى فوق الوجوه كآبةً

تدلُّ على أنَّ الوجوه ثواكله

ويقول فيها:

دعوني فما هذا أوان بكائه

سيأتيكمُ طلُّ البكاء ووابله

ولا تنكروا حزني عليه فإنَّني

تقشَّع عنّي وابلٌ كنت آمله

ولِم لا نبكّيه ونندب فقده

وأولادنا أيتامه وأرامله ؟!

فياليت شعري بعد حسن فعاله

وقد غاب عنّاما بنا الله فاعله

أيكرم مثوى ضيفكم وغريبكم

فيمكث أم تطوى ببين مراحله ؟!

٣٥٧

ومنها:

فيا أيَّها الدست الذي غاب صدره

فماجت بلاياه وهاجت بلابله

عهدت بك الطود الذي كان مفزعاً

إذا نزلت بالملك يوماً نوازله

فمَن زلزل الطود الذي ساخ في الثرى

وفي كلِّ أرض خوفه وزلازله ؟!

ومَن سدَّ باب الملك والأمر خارج

إلى سائر الأقطار منه وداخله ؟!

ومَن عوَّق الغازي المجاهد بعدما

أعدّت لغزو المشركين جحافله ؟!

ومَن أكره الرمح الردينيِّ فالنوى

وأرهقه حتّى تحطَّم عامله ؟!

مَن كسر العضب المهنّد فاغتدى

وأجفانه مطروحةٌ و حمائله ؟!

ومَن سلب الإسلام حلية جيده

إلى أن تشكّى وحشة الطرق عاطله ؟!

ومَن أسكت الفضل الذي كان فضله

خطيباً إذا التفَّت عليه محافله ؟!

وما هذه الضوضاء من بعد هيبةٍ

إذا خامرت جسماً تخلّت مفاصله ؟!

كأنَّ أبا الغارات لم يُشن غارة

يريك سواد الليل فيها قساطله

ولا لمعت بين العجاج نصوله

ولا طرَّزت ثوب الفجاج مناصله

ولا صارفي عالي ركابيه موكبٌ

ينافس فيه فارس الخيل راجله

ولا مرحت فوق الدروع يراعه

كما مرحت تحت السّروج صواهله

ولاُ قسمت ألحاظه بين مخلصٍ

جميل السجايا أو عدوّ يُجامله

ولا قابل المحراب والحرب عاملاً

من البأس والاحسان ما الله قابله

تعجَّبت من فعل الزَّمان بنفسه

ولا شكَّ إلّا أنَّه جنَّ عاقله

بمن تفخر الأيّام بعد طلائع

ولم يك في إبنائها من يُماثله ؟!

أتنزل بالهادي الكفيل صروفها

وقد خيّمت فوق السَّماك منازله ؟!

وتسعى المنايا منه في مهجة امرئ

سعت همم ؟ إلأقدار فيما تحاوله

ورثاه بقصيدة اُخرى منها:

تنكَّد بعد الصّالح الدَّهر فاغتدت

مجالس أيَّامي وهنَّ غيوبُ

أيجدب خدِّي من ربيع مدامعي

وربعي من نعمي يديه خصيبُ ؟!

وهل عنده انَّ الدخيل من الجوى

مقيمٌ بقلبي ما أقام عسيبُ ؟!

٣٥٨

وإنْ برقت سنّي لذكر حكايةٍ

فإنَّ فؤادي ما حييتُ كئيبُ

ورثاه بقصيدة أوَّلها:

طمع المرء في الحياة غرورُ

وطويل الآمال فيها قصيرُ

ولكم قدَّر الفتى فأتته

نُوبٌ لم يحط بها التقديرُ

منها:

فضَّ ختم الحياة عنكِ حمامٌ

لا يراعي إذناً ولا يستشيرُ

ما تخطَّى إلى جلالك إلّا

قدرٌ أمره علينا قديرُ

بذرتْ عمرك الليالي سفاهاً

فسيعلمن ما جنى التبذيرُ

وقال:

ليت يوم الإثنين لم يتبسَّم

عن محيَّاه للّيالي ثُغورُ

طلعتْ شمسه بيوم عبوسٍ

حيّر الطير شرُّه المستطيرُ

وتجلّى صباحه عن جبينٍ

إثمد الليل فوقه مذرورُ

صَبَحَ المجد في صبيحة ذاك اليـ

ـوم غبراءَ صيلمٌ عنقفيرُ(١)

بلغ الدهر عندها ما تمنّى

وعليها كان الزَّمان يدورُ

حادثٌ ظلّت الحوادث ممَّا

شاهدته من جوره تستجيرُ

ترجف الأرض حين يذكر عنه

وتكاد السَّماء منه تمورُ

طبَّق الأرض من مصاب أبي الغا

رات خطبٌ له النجوم تغورُ

ومنها:

لك رضوان زائرٌ ولقومٍ

هلكوا فيه منكرٌ ونكيرُ

حفظتْ عهدك الخلافة حفظاً

أنت منها به خليقٌ جديرُ

أحسنتْ بعدك الصنيعة فينا

فاستوت منك غيبةٌ وحضورُ

وأبى الله أن يتمَّ عليها

ما نوى حاسدٌ لها أو كفورُ

ضيَّقوا حفرة المكيدة لكن

ضاق بالناكثين ذاك الحفيرُ

____________________

١ - صبح القوم صبحاً:أتاهم صباحاً. صيلم:الامر الشديد. يقال:وقعد صيلمة أي مستأصلة عنقفير أحسبه مصحف ( خنشفير ) أي الداهية.

٣٥٩

وتجرَّوا على القصور بغدرٍ

وسراج الوفاء فيها ينيرُ

حَرَمٌ آمنٌ وشهرٌ حرامٌ

هتكتْ منهما عرىّ وستورُ

لا صيامٌ نهاهمُ لا إمامٌ

طاهرٌ تربُ أخمصيه طهورُ

أخفروا ذمَّة الهدى بعد علمٍ

ويقينٍ انَّ الإمام خفيرُ

وإذا ما وفت خدور البوادي

بذمامٍ فما تقول القصورُ ؟!

غضب العاضد الإمام فكادت

فرقاً منه أن تذوب الصخورُ

أدرك الثأر من عداه بعزمٍ

لم يكن في النشاط منه فتورُ

واستقامتْ بنصره وهداه

حجَّة الله واستمرَّ المريرُ

دُفِن الملك الصالح بالقاهرة ثمَّ نقل ولده العادل سنة سبع وخمسين وخمسمائة في تاسع صفر تابوت أبيه من القاهرة إلى مشهد بني له في القرافة(١) في وزارته وحفر سرداباً يوصل فيه من دار الوزارة إلى دار سعيد السعداء وعمل فيه الفقيه عمارة اليمني قصائد منها:

خربت ربوع المكرمات لراحل

عمرت به الأجداث وهي قفارُ

نعش الجدود العاثرات مشيَّعٌ

عميتْ برؤية نعشه الأبصارُ

نعشٌ تودُّ بنات نعشٍ لو غدت

ونظامها أسفاً عليه نثارُ

شخص الأنام إليه تحت جنازة

خفضتْ برفعة قدرها الأقدارُ

ومنها:

وكأنَّها تابوت موسى أودعت

في جانبيه سكينةٌ ووقارُ

أوطنته دار الوزارة ريثما

بُنيت لنقلته الكريمة دارُ

وتغاير الهَرمان والحرمان في

تابوته وعلى الكريم يغارُ

آثرت مصراً منه بالشَّرف الذي

حسدت قرافتها له الأمصارُ

غضب الإ~له على رجال أقدموا

جهلاً عليه وآخرين أشاروا

لا تعجبن لقدار ناقة صالح

فلكلِّ عصر صالحٌ و قدارُ

أحللت دار كرامة لا تنقضي

أبداً وحلَّ بقاتليك بوارُ

____________________

١ - جبانة في مصر والكلام فيها طويل بسط القول فيها المقريزي في الخطط ج ٤ ص ٣١٧.

٣٦٠