الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 423
المشاهدات: 193846
تحميل: 7846


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 193846 / تحميل: 7846
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

وقع القصاص بهم وليسوا مقنعاً

يرضى وأين مِن السِّماء غبارُ ؟!

ضاقت بهم سعة الفجاج وربَّما

نام الوليُّ ولا ينام الثارُ

فتهنّ بالأجر الجزيل وميتة

درجت عليها قبلك الأخيارُ

مات الوصيُّ بها وحمزة عمّه

وابن البتول وجعفر الطيّارُ

وقال في يوم الخميس وقد نُقل الصالح إلى تربته بالقرافة:

يا مُطلق العبرات وهي غزارُ

ومقيِّد الزفرات وهي حرارُ

ما بال دمعك وهو ماءٌ سافحٌ

يُذكى به من حدّ وجدك نارُ ؟!

لا تتَّخذني قدوةً لك في الأسى

فلديَّ منه مشاعرٌ وشعارُ

خفِّض عليك فإنَّ زند بليَّتي

وارٍ وفي صدري صدّى واُوارُ

إن كان في يدك الخيار ؟ فإنَّني

وَلهانُ لم أترك وما أختارُ

في كلِّ يوم لي حنينُ مضلّة

يؤدى لها بعد الحوار حوارُ

عاهدتُ دمعي أن يقرَّ فخانني

قلبٌ لسائله الهموم قرارُ

هل عند محتقر يسير بليَّة

إنَّ الصغار من الهموم كبارُ ؟!

ومنها:

حتّى إذا شيَّدتها ونصبتها

علماً يُحجُّ فناؤه ويُزارُ

ومنها:

أكفيل آل محمَّد ووليّهم

في حيث عرف وليّهم إنكارُ

ومنها:

ولقد وفى لك من صنائعك امرؤٌ

بثنائه تستسمع السمّارُ

أوفى أبو حسن بعهدك عندما

خذلت يمينٌ أختها ويسارُ

غابت حماتك واثقين ولم تغب

فكأنَّهم بحضوره حُضّارُ

ومنها:

ملك جناية سيفه وسنانه

في كلِّ جبّار عصاره جُبارُ

جمعت له فرق القلوب على الرِّضى

والسيف جامعهنَّ والدينارُ

وهما اللذان إذا أقاما دولة

دانت وكان لأمرها استمرارُ

٣٦١

وإذا هما افترقا ولم يتناصرا

عزَّ العدوّ وذلَّت الأنصارُ

يا خير من نقضت له عقد الحبى

وغدا إليه النقض والإمرارُ

ومضت أوامره المطاعة حسب ما

يقضى به الإيراد والإصدار

إنَّ الكفالة والوزارة لم يزل

يومى إليك بفضلها ويُشارُ

كانت مسافرة إليك وتعبد الأ

خطار ما لم تركب الأخطارُ

حتّى إذا نزلت عليك وشاهدت

ملكاً لزند الملك منه اُوارُ

ألقت عصاها في ذراك وعرَّيت

عنها السّروج وحطّت الأوكارُ

لِلَّه سيرتك التي أطلقتها

وقيودها التأريخ والأشعارُ

جلّت فصلّى خاطري في مدحها

وكبت ورائي قُرّحٌ ومهارُ

والخيل لا يرضيك منها مخبرٌ

إلّا إذا ما لزَّها المضمارُ

ومدائحي ما قد علمتَ وطالما

سبقت ولم يبلل لهنَّ عذارَ

إن أخَّرتني عن جنابكِ محنةٌ

بأقلّ منها تبسط الأعذارُ

فلديَّ من حسن الولاء عقيدةٌ

يرضيك منها الجهر والأسرارُ

وقال يرثيه ويمدح ولده الملك الناصر العادل بن الصالح أنشدها في مشهده بالقرافة في شعبان سنة سبع وخمسين وخمسمائة:

أرى كلَّ جمع بالرَّدى يتفرَّقُ

وكلّ جديد بالبلي يتمزَّقُ

وما هذه الأعمار إلّا صحائفٌ

تؤرَّخ وقتاً ثمَّ تمحى وتمحقُ

ومنها:

ولمّا تقضّى الحول إلّا ليالياً

تضاف إلى الماضي قريباً وتلحق

وعجنا بصحراء القرافة والأسى

يغرِّب في أكبادنا ويُشرّقُ

عقدنا على ربِّ القوافي عقائلا

تغرُّ إذا هانت جيادٌ وأينقُ

وقلنا له:خذ بعض ما كنتَ منعماً

به وقضاء الحقِّ بالحرِّ أليقُ

عقود قواف من قوافيك تُنتقي

ودرُّ معانٍ من معانيك يُسرق

نثرنا على حصباء قبرك درَّها

- صحيحاً ودرُّ الدمع في الخدِّ يفلقُ

ويقول فيها:

٣٦٢

وجدناكُم يا آل رُزّيك خير من

تنصُّ إليه اليعملات وتعنقُ

وفدنا إليكم نطلب الجاه والغنى

فأكرم ذو مثوى وأغنى مملّقُ

وعلّمتمونا عزَّة النفس بالنَّدى

وملقى وجوه لم يشنها التملّقُ

وصيَّرتم الفسطاط بالجود كعبةً

يطوف بركنيها العراق وجلّقُ(١)

فلا سِتركم عن مرتجٍ قطُّ مرتجٌ

ولا بابكم عن معلق الحظِّ مغلقُ

وليسِ لقلب في سواكم علاقةٌ

ولا لِيدٍ إلّا بكم متعلّقُ

نماذج من شعر الملك الصالح

ذكر إبن شهر آشوب كثيراً من شعره في كتابه [ مناقب آل أبي طالب ] منه قوله:

محمَّد خاتم الرُّسل الذي سبقت

به بشارة قُسٍّ وإبن ذي يزنِ

وأنذر النّطقاء الصّادقون بما

يكون من أمره والطهر لم يكنِ

ألكامل الوصف في حلمٍ وفي كرمٍ

والطاهر الأصل من ذمٍّ ومن دَرَنَ

ظلُّ الإ~له ومفتاح النجاة وينـ

ـبوع الحياة وغيث العارض الهتنِ

فاجعله ذخرك في الدارين معتصماً

به وبالمرتضى الهادي أبي الحسنِ

وله:

ولايتي لأمير المؤمنين علي

بها بلغت الذي أرجوه من أملي

إن كان قد أنكر الحسّاد رتبته

في جوده فتمسَّك يا أخي بهلِ(٢)

وله:

كأنِّي اذ جعلت إليك قصدي

قصدت الرُّكن بالبيت الحرامِ

وخيِّل لي بأنّي في مقامي

لديه بين زمزم والمقامِ

أيا مولاي ذكرك في قعودي

ويا مولاي ذكرك في قيامي

وأنت إذا انتبهت سمير فكري

كذلك أنت اُنسي في مقامي

وحبّك إن يكن قد حلَّ قلبي

ففي لحمي استكنَّ وفي عظامي

____________________

١ - جلق بكسرتين وتشديد اللام:اسم لكورة الغوطة كلها وقيل. بل هى دمشق نفسها.

٢ - اشار الى سورة هل اتى ونزولها في العترة الطاهرة عليهم السلام.

٣٦٣

فلولا أنت لم تُقبل صلاتي

ولولا أنت لم يُقبل صيامي

عسى اُسقى بكأسك يوم حشري

ويبرد حين أشربّها اُو امي

وله:

يا عروة الدين المتين

وبحر علم العارفينا

يا قبلةً للأولياءِ

وكعبةً للطايفينا

من أهل بيتٍ لم يزالوا

في البريَّة مُحسنينا

ألتّائبين العابدين

الصائمين القائمينا

ألعالمين الحافظين

الرّاكعين الساجدينا

يا من إذا نام الورى

باتوا قياماً ساهرينا

وله:

قومٌ علومهمٌ عن جدِّهم اُخذت

عن جبرئيل وجبريلٌ عن الله

هم السفينة ما كنّا لنطمع أن

ننجو من الهول يوم الحشر لولا هي

ألخاشعون إذا جنَّ الظلام فما

تغشاهمُ سنةٌ تنفي بأنباِه

ولا بدت ليلةٌ إلّا وقابلها

من التهجّد منهم كلّ أوّاهِ

وليس يشغلهم عن ذكر ربِّهمُ

تغريد شاد ولا ساقٍ ولا طاهي

سحايبٌ لم تزل بالعلم هاميةً

أجلّ من سحب تهمي بأمواِه

وله:

إنّ النبيَّ محمَّداً ووصيَّه

وابنيه وإبنته البتول الطاهره

أهل العباء فإنَّني بولائهم

أرجو السلامة والنجا في الآخره

وأرى محبَّة مَن يقول بفضلهم

سبباً يُجير من السبيل الحايره

أرجو بذاك رضا المهيمن وحده

يوم الوقوف على ظهور الساحره

وله يمدح أمير المؤمنينعليه‌السلام :

هو النور نور الله والنور مشرقٌ

علينا ونور الله ليس يزولُ

سما بين أملاك السَّماوات ذكره

نبيهٌ فما أن يعتريه خمولُ

وله:

٣٦٤

لا تعذلنِّي إنَّني لا أقتفي

سبل الضَّلال لقول كلِّ عذولِ

عند التباهل ما علمنا سادساً

تحت الكسا منهم سوى جبريلِ

وله في أمير المؤمنين وأولاده الأئمَّة الطاهرين عليهم السَّلام:

بحبِّ عليٍّ ارتقي منكب العلى

وأسحب ذيلي فوق هام السحائبِ

إمامي الذي لمّا تلفَّظتُ باسمه

غلبتُ به من كان بالكثر غالبي

أئمَّة حقٍّ لو يسرّون في الدُّجى

بلا قمرٍ لاستصحبوا بالمناسبِ

بهم تبلغ الآمال من كلِّ آملٍ

بهم تُقبل التوبات من كلِّ تائبِ

وله في زهد أمير المؤمنينعليه‌السلام :

ذاك الذي طلّق الدنيا لعمري عن

زهد وقد سفرت عن وجهها الحسنِ

وأوضح المشكلّات الخافيات وقد

دقت عن الفكر واعتاصت على الفطنِ

وله في العترة الطاهرة صلوات الله عليهم:

آل رسول الإله~ قومٌ

مقدارهم في العُلى خطيرُ

إذ جاءهم سائلٌ يتيمٌ

وجاء من بعده أسيرُ

أخافهم في المعاد يومٌ

معظَّم الهول قمطريرُ

فقد وقوا شرَّ ما اتَّقوه

وصار عقباهم السرورُ

في جنَّةٍ لا يرون فيها

شمساً ولا ثَمَّ زمهريرُ

يطوف ولدانهم عليهم

كأنَّهم لؤلؤٌ نثيرُ

لباسهم في جنان عدن

سندسها الأخضر الحريرُ

جزاهمُ ربّهم بهذا

وهو لما قد سعوا شكورُ

وله في المعنى(١) :

إنَّ الأبرار يشربون بكأس

كان حقّاً مزاجها كافورا

ولهم أنشأ المهيمن عيناً

فجَّروها عباده تفجيرا

وهداهم وقال:يوفون بالنّذ

ر فمن مثلهم يوفّي النذورا ؟!

ويخافون بعد ذلك يوماً

هائلاً كان شرُّه مُستطيرا

____________________

١ - مر حديث هذا المعنى في الجزء الثالث من كتابنا ص ١٠٦ - ١١١، ١٦٩، ٢٤٣

٣٦٥

يُطعمون الطَّعام ذا الُيتم

والمسكين في حب ربِّهم والأسيرا

إنَّما نطعم الطعام لوجه الله

لا نبتغي لديكم شكورا

غير أنّا نخاف من ربِّنا يوماً

عبوساً عصبصباً قمطريرا

فوقاهم إ~لههم ذلك اليوم

يُلقّون نضرةً وسرورا

وجزاهم بأنَّهم صبروا

في السرِّ والجهر جَنَّةً وحريرا

متكئين لا يرون لدى الجنَّة

شمساً كلّا ولا زمهريرا

وعليهم ظلالها دانياتُ

ذلّلت في قطوفها تيسيرا

وبأكواب فضَّةٍ وقوارير

قوارير قُدِّرت تقديرا

ويطوف الولدان فيها عليهم

فيخالون لؤلؤاً منثورا

بكؤسٍ قد مزّجت زنجبيلا

لذَّة الشاربين تشفي الصّدورا

ويُحلّون بالأساور فيها

وسقاهم ربّي شراباً طهورا

وعليهم فيها ثيابٌ من السندس

خضرٌ في الخلد تلمع نورا

إنَّ هذا لكم جزاءٌ من الله

وقد كان سعيكم مشكورا

وله في المعنى ايضاً:

والله أثنى عليهم

لمّا وفوا بالنذورِ

وخصَّهم وحباهم

بجنَّةٍ وحريرِ

لا يعرفون بشمس

فيها ولا زمهريرِ

يسقون كاساً رحيقاً

مزيجة الكافور

وله في المعنى ايضاً:

في هل أتى إن كنت تقرأ هل أتى

ستصيب سعيهم بها مشكورا

إذ أطعموا المسكين ثمَّة أطعموا

الطفل اليتيم وأطعموا المأسورا

قالوا:لوجه الله نطعمكم فلا

منكم جزاءً نبتغي وشكورا

إنّا نخاف ونتَّقي من ربِّنا

يوماً عبوساَ لم يزل مجذورا

فوقوا بذلك شرّ يوم باسل

ولقوا بذلك نضرةً وسرورا

وجزاهمُ ربُّ العباد بصبرهم

يوم القيامة جنَّةً وحريرا

٣٦٦

وسقاهمُ من سلسبيل كأسها

بمزاجها قد فجِّرت تفجيرا

يُسقون فيها من رحيق تختم

بالمسك كان مزاجها كافورا

فيها قواريرٌ وأكوابٌ لها

من فضَّة قد قدِّرت تقديرا

يسعى بها ولدانها فتخالهم

للحسن منهم لؤلؤا منثورا

وله في المعنى المذكور:

هل أتى فيهمُ تنزَّل فيها

فضلهم محكماً وفي السّوراتٍ

يُطعمون الطَّعام خوفاً فقيراً

ويتيماً وعانياً في العناتِ

إنما نُطعم الطعام لوجه

الله لا للجزاء في العاجلاتِ

فجزاهم بصبرهم جنَّة الخلد

بها من كواعب خيراتِ

ومن شعر الملك الصالح قصيدته التي جارى بها قصيدة دعبل الخزاعي الشهيرة التي أوَلها:

مدارس آياتٍ خلت من تلاوةٍ

ومنزل وحي مُقفر العرصاتِ

وأول قصيدة الملك قوله:

ألايمُ دع لومي على صبواتي

فما فات يمحوه الذي هو آتِ

وما جزعي من سيِّئاتٍ تقدَّمت

ذهاباً إذا اتبعتها حسناتِ

ألا إنَّني أقلعت عن كلِّ شبهةٍ

وجانبت غرقي أبحر الشبهاتِ

شغلت عن الدنيا بحبّيَ معشراً

بهم يصفح الرَّحمن عن هفواتي

وقال في آخرها:

اُعارض من قول الخزاعيِّ دعبلاً

وإن كنت قد أقللت في مدحاتي

[ مدارس آياتٍ خلت من تلاوةٍ

ومنزل وحيٍ مقفر العرصاتِ ](١)

وفي ( أنوار الربيع ) ص ٣١٢:ومن الإستثناء الذي ما خرج حجاب السمع ألطف منه قول الصالح طلايع، وقد ألزم الأمير إبن سنان بمال رفع عليه لكونه كان يتولّى أموالاً له واعتقله فأرسل إليه يمتُّ بقديم الخدمة والتشيّع الموافق لمذهبه فقال الصّالح:

____________________

١ - انوار الربيع ص ٣١٢. الرائق ذكر من القصيدة ٤٠ بيتاً.

٣٦٧

أتى ابن سنان ببهتانه

يحصِّن بالدِّين ما في يديهِ

برئت من الرَّفض إلّا له

وتبت من النّصب إلّا عليهِ

وكان قدر المال ستّين ألف دينار فأخذ منه اثنى عشر ألفاً وترك له الباقي.

كتب الملك الصالح إلى صاحب الروم قلج أرسلان بن مسعود في تنافس وقع بينه وبين نور الدين محمود بن زنكي:

نقول ولكن:أين من يتفهَّمُ

ويعلم وجه الرأي والرأي مبهمُ ؟!

وما كلُّ مَن قاس الاُمور وساسها

يوفَّق للأمر الذي هو أحزمُ

وما أحدٌ في الملك يبقى مخلّداً

وما أحدٌ ممّا قضى الله يسلمُ

أمن بعد ما ذاق العدى طعم حربكم

بفيهم وكانت وهي صابٌ وعلقمُ

رجعتم إلى حكم التنافس بينكم

وفيكم من الشحناء نارٌ تضرَّمُ ؟!

أما عندكم مَن يتقي الله وحده ؟!

أما في رعاياكم من الناس مُسلمُ؟!

تعالوا لعلَّ الله ينصر دينكم

إذا ما نصرنا الدين نحن وأنتمُ

وننهض نحو الكافرين بعزمةٍ

بأمثالها تحوى البلاد وتُقسمُ

ويأتي من شعر المترجم في ترجمة الفقيه عمارة اليمني، ووقفت من شعر الملك الصالح على شطر مهمّ في أهل البيت عليهم السَّلام مدحاً ورثاءاً يربو على ألف و أربعمائة بيتاً. وقد جمعها سيِّدنا العلّامة السيِّد أحمد العّطار في كتابه ( الرائق ) و لعلَّ ما فاته من شعره في أهل البيت عليهم السَّلام نزرٌ يسيرٌ.

توجد ترجمة طلايع الملك الصالح في كثير من الكتب والمعاجم منها:

وفيات الأعيان ١ ص ٢٥٩. ألكامل لابن الأثير ١١ ص ١٠٣. ألخطط للمقريزي ٤ ص ٨١ تاريخ إبن كثير ١٢ ص ٢٤٣. روض المناظر لابن شحنة. تاريخ أبي الفدا ٣ ص ٤٠. مرآة الجنان ٣ ص ٣١٠. أنوار الربيع ص ٣١٢. تحفة الأحباب للسخاوي ١٧٦ شذرات الذهب ٤ ص ١٧٧. نسمة السحر الجزء الثاني. خواصّ العصر الفاطمي ٢٣٤ دائرة المعارف لفريد وجدي ٥ ص ٧٧١. الأعلام للزركلي ٢ ص ٤٤٩.

تاريخ مصر الحديث لجرجي زيدان ١ ص ٢٩٨. شهداء الفضيلة ص ٥٧.

_٢٣_

٣٦٨

الملك العادل

خلّف الصالح ولده رُزّيك بن طلايع الملقَّب بالملك الناصر والعادل، ولي الوزارة بعد والده الصالح ستة عشر شهراً وعدَّة أيّام وكان والده قد أوصاه بأن لا يتعرَّض شاور ولا يغيّر عليه حاله فانّه لا يأمن عصيانه والخروج عليه وكان كما أشار فإنّ العادل حسَّن له أهله عزل شاور واستعمال بعضهم مكانه وخوّفوه منه إن أقرَّه على عمله فأرسل إليه بالعزل فجمع جموعاً كثيرة وسار بهم إلى القاهرة ودخلها يوم الأحد الثاني والعشرين من المحرّم سنة ٥٥٨ وهرب العادل بن الصالح وأهله من القاهرة ليلة العشرين من المحرَّم فاُخذ وقُتل وأخذ موضعه من الوزارة واستولى شاور على ديار مصر، ودُفن العادل في تربة الملك الصالح وبها جماعةٌ اُخرى.

ترجمه الفقيه عمارة في كتابه [ النكت العصريَّة ] ص ٥٣ وقال في ص ٦٦:دخلت قاعة السرِّ من دار الوزارة فيها طيّ بن شاور وضرغام وجماعةٌ من الاُمراء مثل عزِّ الزَّمان، ومرتفع الظهير، ورأس رُزّيك بن الصالح بين أيديهم في طست فما هو إلّا أن لمحته عيني ورددت كمّي على وجهي ورجعت على عقبي، وما ملأت عيني من صورة الرأس وما من هؤلاء الجماعة الذين كان الرأس بين أيديهم إلّا مَن مات قتيلاً وقطعت رأسه عن جسده فأمر طيّ من ردَّني فقلت:والله ما أدخل حتّى تغيب الرأس عن عيني.

فرفع الدست وقال لي ضرغام:لِمَ رجعت ؟ قلت:بالأمس وهو سلطان الوقت الذي نتقلّب في نعمته.

قال:لو ظفر رزّيك بأمير الجيوش أو بنا ما أبقى علينا. قلت:لا خير في شيءٍ يؤول الأمر بصاحبه من الدست إلى الطست ثمَّ خرجت وقلت:

أعزز عليَّ أبا شجاع أن أرى

ذاك الجبين مضرَّجاً بدمائهِ

ما قلّبته سوى رجال قلَّبوا

أيديهمُ من قبل في نعمائهِ

وللفقيه عمارة اليمني شعرٌ كثيرٌ يمدح به الملك العادل رُزّيك بن طلايع ذكره في كتابه [ النكت العصريَّة ] وفي ديوانه، منه قصيدةٌ أوَّلها:

جاور بمجدك أنجم الجوزاءِ

وازدد علوّاً فوق كلِّ علاءِ

وقصيدةٌ اُخرى مُستهلّها:

تبسم في ليل الشباب مشيبُ

فأصبح برد الهمّ وهو قشبُ

٣٦٩

وثالثة مطلعها:

دانت لأمرك طاعة الأقدار

وتواضعت لك عزَّة الأقدارِ

ورابعة أوّلها:

في مثل مدحك شرح القول مختصرُ

وفي طوال القوافي عنده قِصرُ

وخامسة مبدؤها:

لمَّا أراد مدامة الأحداقِ

دبَّتُ حميَّا نشوة الأخلاقِ

وسادسة مطلعها:

لكلِّ مقام في عُلاك مقالُ

يُصدِّقه بالجود منك فِعالُ

وسابعة أوَّلها:

فُقتَ الملوك مهابةً وجلالا

وطرائقاً وخلائقاً وخلالا

وثامنة مطلعها:

لك أن تقول إذا أردتَ وتفعلا

ولمن سعى في ذا المدى أن يخجلا

وتاسعة أوَّلها:

لِلَّه مِن يوم أغرٍّ محجَّلٍ

في ظلِّ محترم الفناء مبجَّلِ

وعاشرة مستهلّها:

لولا جفونٌ ومُقلْ

مكحولةٌ من الكحلْ

ولحظاتٌ لم تزلْ

أرمى نبالا من ثعلْ

وبرَدٌ رُضا به

ألذُّ من طعم العسلْ

يظمأ إلى بروده

مَن علَّ منه ونهلْ

لمَّا وصلت قاطعاً

إذا رأى جِدّي هزلْ

مخالفٌ لو أنَّه

أضمر هجري لوصلْ

وأغيَدٌ منعّمٌ

يميل كلّما اعتدلْ

يهتزُ غصن قدِّه

ليناً إذا ارتجَّ الكفلْ

غرُّ إذا جمّشته

أطرق من فرط الخجلْ

اُريعنٌ مدلَّل

غُزيِّل يأبى الغزلْ

٣٧٠

سألته في قُبلة

من ثغره فما فعلْ

راضته لي مشمولة

ترمي النشاط بالكسلْ

حتّى أتاني صاغراً

يحدوه سكرٌ وثملْ

أمسى بغير شكره

ذاك المصون يبتذلْ

وبات بين عقده

وبين قرطيه جدلْ

وكدت أمحو لعساً

في شفتيه بالقبلْ

فديته من مبسمٍ

ألثمه فلا أملْ

كأنَّه أناملٌ

لمجد الإسلام الأجلْ

معروفهنَّ أبداً

يضحك في وجه الأملْ

وقال يمدحه من قصيدةٍ أوّلها:

أيا اُذن الأيّام إن قلت فاسمعي

لنفثة مصدور وأنَّة موجعِ

وعي كلَّ صوت تسمعين نداءه

فلا خير في اُذن ينادى فلا تعي

ويقول فيها:

ملوكٌ رعوا لي حرمةً صار نبتها

هشيماً رعته النائبات وما رُعي

ورُدَّت بهم شمس العطايا لوفدهم

كما قال قومٌ في عليّ وتوسّعِ

قال الأميني:كذا يوجد البيت الأخير في مختار ديوانه المطبوع في ألمانيا ص ٢٨٨ وهو تصحيفٌ غريبٌ مع التشكيل لحروفه والصحيح:

كما قال قومٌ في عليٍّ ويوشع

وهذا ينمُّ عن ضئولة أمر المتطفَلين على موائد العربيَّة وذهولهم عن معنى البيت الذي لا يستقيم إلّا على ما ذكرناه وقد أوعز الشاعر إلى حديث ردِّ الشمس لمولانا عليّ أمير المؤمنين ويوشع عليهما السَّلام من قبله، هذا أحسن الاحتمالين دعانا إليه حسن ظنِّنا بالقوم وإن كان بعيدا جدّاً، والأقرب ما لا يفوتك عرفانه، والله أعلم.

٣٧١

ألقرن السّادس

٤٨

ابن العودي النيل ى

ألمولود ٤٧٨

ألمتوفّى ح ٥٥٨

متى يشتفي من لاعج القلب مغرمُ

وقد لجَّ في الهجران مَن ليس يرحمُ ؟!

إذا همَّ أن يسلو أبي عن سُلوِّه

فؤادٌ بنيران الأسى يتضرَّمُ

ويثنيه عن سلوانه لفضيلةٍ

عهود التَّصابي والهوى المتقدّمُ

رمته بلحظٍ لا يكاد سليمه

من الخبل والوجد المبرِّح يسلمُ

إذا ما تلظَّت في الحشا منه لوعةٌ

طفتها دموعٌ من أماقيه تسجمُ

مقيمٌ على أسر الهوى وفؤاده

تغور به أيدي الهموم وقتهمُ

يجنّ الهوى عن عاذليه تجلّداً

فيبدي جواه ما يجنُّ ويكتمُ

يعلّل نفساً بالأماني سقيمةً

وحسبك من داءٍ يصحُّ ويسقمُ

وقد غفلت عنّا الليالي وأصبحت

عيون العدى عن وصلنا وهي نُوَّمُ

فكم من غصون قد ضممت ثديّها

إليَّ وأفواه بها كنت ألثمُ

اُجيل ذراعي لاهياً فوق منكب

وخصراً غدا من ثقله يتظلَّمُ

وأمتاح راحاً من شنيب كأنَّه

من الدرِّ والياقوت في السِّلكُ ينظمُ

فلمّا علاني الشيب وابيضَّ عارضي

وبان الصبا واعوجَّ منّي المقوّمُ

وأضحى مشيبي للعذار ملثمَّاً

به ولرأسي بالبياض يُعمِّمُ

وأمسيت من وصل الغواني ممنّعاً

كأنِّيِ من شيبي لديهنَّ مجرمُ

بكيت على ما فات منّي ندامة

كأنِّيَ خنسٌ في البكا أو متمّمُ

وأصفيت مدحي للنبيِّ وصنوه

وللنّفر البيض الذين همُ همُ

هم التين والزيتون آل محمَّد

همُ شجر الطوبى لمن يتفهَّمُ

٣٧٢

هُم جنَّة المأوى هم الحوض في غدٍ

هم اللوح والسقف الرَّفيع المعظمُ

همُ آل عمران همُ الحجّ والنسا

هم سبأ والذاريات و مريمُ

همُ آل ياسين وطاها وهل أتى

هم النحل والأنفال إن كنت تعلمُ

هم الآية الكبرى هم الركن والصَّفا

هم الحجُّ والبيت العتيق المكرَّمُ

همُ في غدٍ سُفن النَّجاة لمن وعى

هم العروة الوثقى التي ليس تفصمُ

همُ الجنب جنب الله في البيت والورى

هم العين عين الله في الناس تعلمُ

همُ الآل فينا والمعالي هم العُلى

ينمّم في منهاجهم حيث يمَّموا

همُ الغاية القصوى همُ منتهى العُلى

سل النصَّ في القرآن يُنبئك عنهمُ

همُ في غدٍ للقادمين سقاتهم

إذا وردوا والحوض بالماء مفعمُ

فلولا همُ لم يخلق الله خلقه

ولا هبطا للنسل حوّا وآدمُ

همُ باهلوا نجران من داخل العبا

فعاد المناوي فيهمُ وهو مفحمُ

وأقبل جبريلٌ يقول مفاخراً

لميكال:مَن مثلي وقد صرت منهمُ؟!

فمن مثلهم في العالمين وقد غدا

لهم سيِّد الأملاك جبريل يخدمُ ؟!

ومَن ذا يُساويهم بفضلٍ ونعمةٍ

من الناس والقرآن يُؤخذ عنهمُ ؟!

أبوهم أمير المؤمنين وجدُّهم

أبو القاسم الهادي النبيُّ المكرَّمُ

همُ شرعوا الدين الحنيفيّ والتقى

وقاموا بحكم الله من حيث يحكمُ

وخالهم إبراهيم والاُمّ فاطم

وعمّهم الطيّار في الخُلد يُنعمُ

إلى الله أبرا من رجالٍ تتابعوا

على قتلهم يا للورى كيف أقدموا ؟!

حموهم لذيذ الماء والورد مفعمٌ

وأسقوهمُ كأس الرَّدى وهو علقمُ

وعاثوا بآل المصطفى بعد موته

بما قتل الكرّار بالأمس منهمُ

وثاروا عليه ثورةً جاهليَّةً

على أنَّه ما كان في القوم مسلمُ

وألقوهمُ في الغاضريّات صُرَّعاً

كأنَّهمُ قفُّ على الأرض جُثَّمُ(١)

تحاماهمُ وحش الفلا وتنوشهم

بأرياشها طير الفلا وهي حُوَّمُ(٢)

____________________

١ - القف:ما يبس من أحرار البقول وذكورها. جثم جمع جاثم من جثم جثماً:تليد بالأرض، ولزم مكانه فلم يبرح.

٢ - حوم جمع حائم من حام على الشيئ وحوله:دار به وحام الرجل:عطش.

٣٧٣

بأسيافهم أردوهمُ ولدينهم

اُريق بأطراف القنا منهمُ الدَّمُ

وما قدمت يوم الطفوف اُميَّةٌ

على السبط إلّا بالذين تقدَّموا

وأنّى لهم أن يبرأوا من دمائهمٍ

وقد أسرجوها للخصام وألجموا

وقد علموا أنَّ الولاء لحيدر

ولكنَّه ما زال يُؤذى ويُظلمُ

تعدّوا عليه واستبدّوا بظلمه

واُخِّر وهو السيِّد المتقدَّمُ

وقد زعموها فلتةً كان بدؤها

وقال:اقتلوا من كان في ذاك يخصمُ

وأفضوا إلى الشورى بها بين ستَّة

وكان ابن عوف منهم المتوسِّمُ

وما قصدوا إلّا ليُقتل بينهم

عليُّ وكان الله للطّهر يعصمُ

وإلَّا فليثٌ لا يُقاس بأضبعٍ

وأين من الشمس المنيرة أنجمُ ؟!

فواعجباً من أين كانوا نظائراً ؟!

وهل غيره طبِّ من الغيِّ فيهمُ ؟!

ولكن اُمورٌ قدِّرت لضلالهم

ولِلَّه صنعٌ في الإرادة محكمُ

عصوا ربَّهم فيه ضلالاً فأهلكوا

كما هلكت من قبل عاد وجرهمُ

فما عذرهم للمصطفى في معادهم

إذا قال:لِمْ خنتم عليّاً وجرتمُ ؟!

وما عذرهم إن قال:ماذا صنعتمُ

بصنويَ من بعدي ؟! وماذا فعلتم ؟!

عهدتُ إليكم بالقبول لأمره

فِلم حلتمُ عن عهدهِ وغدرتمُ ؟!

نبذتم كتاب الله خلف ظهوركم

وخالفتموه ؟ بئس ما قد صنعتمُ

وخلَّفت فيكم عترتي لهداكمُ

فكم قمتمُ في ظلّهم وقعدتمُ ؟!

قلبتم لهم ظهر المجنّ وجرتمُ

عليهم وإحساني إليكم كفرتمُ

وما زلتمُ بالقتل تطغون فيهمُ

إلى أن بلغتم فيهمُ ما أردتمُ

كأنَّهمُ كانوا من الرّوم فالتقت

سراياكمُ صلبانهم وظفرتمُ

ولكن أخذتم من بنيَّ بثاركم

فحسبكمُ خزياً على ما اجترأتمُ

منعتم تراثي ابنتي لا أباً لكم

فلم أنتمُ آباءكم قد ورثتمُ ؟!

وقلتم: نبيُّ لا تُراث لولده

أللَأجنبيَّ الإرث فيما زعمتمُ ؟!

فهذا سليمانٌ لداود وارثٌ

ويحيي لزكريّا فِلم ذا منعتمُ ؟!

فإن كان منه للنبوَّة وارثاً ؟!

كما قد حكمتم في الفتاوى وقلتمُ

٣٧٤

فقد ينبغي نسل النبيِّين كلّهم

ومن جاء منهم بالنبوَّة يوسمُ

وقلتم:حرامُ متعة الحجِّ والنسا

أعن ربِّكم ؟! أم عنكمُ ما شرعتمُ ؟!

زناتكم تعفون عنهم ومن أتى

إليكم من المستمتعين قتلتمُ

ألم يأت:ما استمتعتمُ من حليلةٍ

فآتوا لها من أجرها ما فرضتمُ ؟!

فهل نسخ القرآن ما كان قد أتى

بتحليله ؟! أم أنتمُ قد نسختمُ ؟!

وكلُّ نبيٍّ جاء قبل وصيِّه

مطاعٌ وأنتم للوصيِّ عصيتمُ

ففعلكمُ في الدين أضحى منافياً

لفعلي وأمري غير ما قد أمرتمُ

وقلتم:مضى عنّا بغير وصيّةٍ

ألم يوص لو طاوعتمُ وامتثلتمُ ؟!

وقد قال:من لم يوص من قبل موته

يمت جاهلاً. بل أنتمُ قد جهلتمُ

نصبتُ لكم بعدي إماماً يدلّكم

على الله فاستكبرتمُ وظلمتمُ

وقد قلت في تقديمه وولائه

عليكم بما شاهدتمُ وسمعتمُ

:عليُّ غدا منّي محلّاً وقربةً

كهارون من موسى فِلمْ عنه حلتمُ ؟!

شقيتم به شقوى ثمود بصالح

وكلُّ امرئٍ يبقى له ما يُقدِّمُ

و ملتم إلى الدنيا فضلّت عقولكم

ألا كلُّ مغرورٍ بدنياه يندمُ

لحى الله قوماً أجلبوا وتعاونوا

على ( حيدر ) فيما أساؤا وأجرموا

زووا عن أمير النحل بالظلم حقَّه

عناداً له والطّهر يغضي ويكظمُ

وقد نصَّها يوم ( الغدير ) محمَّدُ

وقال:ألا يا أيّها الناس فاعلموا

لقد جاءني في النصِّ:بلّغ رسالتي

وها أنا في تبليغها المتكلّمُ

عليُّ وصيّي فاتبعوه فإنَّه

إمامكمُ بعدي إذا غبتُ عنكمُ

فقالوا:رضيناه إماماً وحاكماً

علينا ومولىً وهو فينا المحكّمُ

رأوا رشدهم في ذلك اليوم وحده

ولكنَّهم عن رشدهم في غدٍ عموا

فلمّا توفّي المصطفى قال بعضهم:

أيحكم فينا ؟ لا، وباللّاتِ نقسمُ

ونازعه فيها رجال ولم يكن

لهم قدمٌ فيها ولا متقدّمُ

وظلّوا عليها عاكفين كأنَّهم

على غرَّةٍ كلُّ لها يتوسَّمُ

يقيمُ حدود الله في غير حقِّها

ويفتي إذا استفتي بما ليس يعلمُ

٣٧٥

يُكفِّر هذا رأي هذا بقوله

وينقض هذا ما له ذاك يبرمُ

وقالوا:اختلاف الناس في الفقه رحمةٌ

فلم يك من هذا يحلُّ ويحرمُ

أربّان للإنسان ؟! أم كان دينهم

على النقص من دون الكمال فتمَّموا؟!

أم الله لا يرضى بشرع نبيِّه

فعادوا وهم في ذاك بالشرع أقومُ ؟!

أم المصطفى قد كان في وحي ربِّه

ينقِّص في تبليغه ويُجمجم ؟!

أم القوم كانوا أنبياءاً صوامتاً

فلمّا مضى المبعوث عنهم تكلّموا ؟!

أم الشَّرع فيه كان زيغٌ عن الهدى

فسوَّوه من بعد النبيِّ وقوَّموا ؟!

أم الدين لم يكمل على عهد أحمد

فعادوا عليه بالكمال وأحكموا ؟!

أما قال:إنّي اليوم أكملتُ دينكم

وأتممتُ بالنعماء منّي عليكمُ ؟!

وقال:أطيعوا الله ثمَّ رسوله

تفوزوا ولا تعصوا اُولي الأمر منكمُ

فِلمْ حرَّموا ما كان حلّاً ؟! وحلّلوا

بفتواهمُ ما جاز وهو محرَّمُ ؟!

ترى الله فيما قال قد زلَّ ؟! أم هَذا

نبيُّ الهدى ؟! أم كان جبريل يوهمُ ؟!

لقد أبدعوا ممّا نووا من خلافهم

وقال:اقبلوا ممّا يقول وسلّموا

وإلّا تركتم إنْ أبيتم رماحنا

وأسيافنا فيكم تسدّى وتلحمُ

وما مات حتَّى أكمل الله دينه

ولم يبق أمرٌ بعد ذلك مبهمُ

ولكنْ حقودٌ أظهرت وضغائنٌ

وبغيٌ وجورٌ بيِّنُ الظلم منهمُ

يُقرَّب مفضولٌ ويُبعَد فاضلٌ

ويَسكت منطيقٌ وينطق أبكمُ

وما أخَّروا فيها عليّاً لموجبٍ

ولكن تعدُّ منهمُ وتظلّمُ

وكم شرعوا في نقضِ ما شاد أحمدُ

ولكنَّ دين الله لا يتهدَّم

وحاشى لدينٍ شيَّد الحقُّ ركنه

بسيف عليّ يعتريه التهدُّمُ

فحسبهمُ في ظلم ( آل محمّد )

من الله في العقبى عقابٌ ومأثمُ

فإن غصبوهم أمر دنيا دنيَّة

فما لهمُ في الحشر أبقى وأدومُ

فهل عظمتْ في الدهر قطُّ مصيبة

على الناس إلّا وهي في الدين أعظمُ؟!

تولّى بإجماع على النّاس أوّلٌ

ونصَّ على الثاني بها وهوُ مغرمُ

وقال:اقيلوني فلستُ بخيركم

فلِمْ نصّها لو صحَّ ما كان يزعمُ؟!

٣٧٦

وأثبتها في جوره بعد موته

صهاكيَّةٌ خشناء للخصم تكلمُ

ولو أدرك الثاني لمولى حذيفة

لوّلاه دون الغير والأنف يُرغمُ

وقد نالها شورى من القوم ثالثُ

وجُرِّد سيفُ للوصي ولهذمُ

أشورى ؟ وإجماعُ ؟ ونصُّ ؟ خلافةٌ

تعالوا على الإسلام نبكي ونلطمُ

وصاحبها المنصوص عنها بمعزلٍ

يُديمُ تلاوات الكتاب ويختمُ

ولو أنَّه كان المولّى عليهمُ

إذن لهداهم فهو بالأمر أعلمُ

هو العالم الحَبر الذي ليس مثله

هو البطل القرم الهزبر الغشمشمُ

وما زال في بدرٍ واُحدٍ وخيبرٍ

يفلُّ جيوش المشركين ويحطمُ

يكرُّ ويعلوهم بقائم سيفه

إلى أن أطاعوا مكرهين وأسلموا

وما دخلوا الإسلام ديناً وإنَّما

منافقة كي يُرفع السَّيف عنهمُ

وقالوا:عليُّ كان في الحكم ظالماً

ليكثر بالدَّعوى عليه التظلّمُ

وقالوا:دماء المسلمين أراقها

وقد كان في القتلى برئُ ومجرمُ

فقلتُ لهم:مهلّا عدمتم صوابكم

وصيُّ النبيُّ المصطفى كيف يظلمُ

أراق دماء المسلمين ؟! فوالّذي

هدانا به ما كان في القوم مسلمُ

ولكنّه للناكثين بعهدهِ

وممَّن تعدّى منهم كان ينقمُ

أما قال:أقضاكم عليُّ محمَّدٌ

كذا قد رواه الناقد المتقدّمُ

فإن جار ظلماً في القضايا بزعمكم

عليُّ فمَن زكّاه لا شكّ أظلمُ

فيا ليتني قد كنت بالأمس حاضراً

فأشركه في قتلهم فننظر واُصمّمُ

وألقى إ~لهي دونهم بدمائهم

فننظر عند الله مَن يتندَّمُ

فمَن كعليٍّ عند كلّ ملمّةٍ

إذا ما التقى الجمعان والنقع مفعمُ ؟!

ومَن ذا يُساميه بعلمٍ ولم يزلْ

يقول:سلوني ما يحلّ ويحرمُ؟!

سلوني ففي جنبيَّ علمٌ ورثته

عن المصطفى ما فاه منِّي به الفمُ

سلوني عن طرق السّموات إنَّني

بها من سلوك الأرض والطرق أعلمُ

ولو كشف الله الغطا لم أزد به

يقيناً على ما كنت أدري وأعلمُ

وكاين له من آيةٍ وفضيلةٍ

ومن مكرمات ما تعمُّ وتكتمُ

٣٧٧

فمَن ختمت أعماله عند موته

بخير فأعمالي بحبِّيه تختمُ

فيا ربّ بالأشباح ( آل محمَّد )

نجوم الهدى للناس والاُفق مظلمُ

وبالقائم المهديّ من ( آل أحمد )

وآبائه الهادين والحقُّ معصمِ

تفضّل على ( العودي ) منك برحمة

فأنت إذا استرحمت تعفو وترحمُ

تجاوز بحسن العفو عن سيّئاته

إذا ما تلظّت في المعاد جهنّمُ

ومنّ عليه من لدنك برأفةٍ

فإنّك أنت المنعم المتكرِّمُ

فإن كان لي ذنبٌ عظيمٌ جنيته

فعفوك والغفران لي منه أعظمُ

وإن كنت بالتشبيب في الشعر ابتدي

فإنِّي بمدح الصفوة الزّهر أختمُ

وله قصيدةٌ اُخرى يذكر فيها حديث الغدير ويراه نصّاً على الإمامة والخلافة لأمير المؤمنينعليه‌السلام بعد النبيِّ الأعظم صلوات الله عليه وآله أوّلها:

بفنا الغريّ وفي عراص العلقم

تمحا الذنوب عن المسئ المجرم

قبران قبرُ للوصيّ وآخرٌ

فيه الحسين فعج عليه وسلّمِ

هذا قتيلٌ بالطفوف على ظماً

وأبوه في كوفان ضُرّج بالدمِ

وإذا دعا داعي الحجيج بمكّة

فإليهما قصد التقيِّ المسلمِ

فاقصدهما وقل:السَّلام عليكما

وعلى الأئمَّة والنبيِّ الأكرمِ

أنتم بنو طاها وقاف والضّحى

وبنو تبارك والكتاب المحكمِ

وبنو الأباطح والمسلخ والصَّفا

والركن والبيت العتيق وزمزمِ

بكم النجاة من الجحيم وأنتمُ

خير البريَّة من سلالة آدمِ

أنتم مصابيح الدُّجى لمن اهتدى

والعروة الوثقى التي لم تُفصمِ

وإليكمُ قصد الوليِّ وأنتمُ

أنصاره في كلِّ خطبٍ مولمِ

وبكم يفوز غداً إذا ما أضرمت

في الحشر للعاصين نار جهنَّمِ

مَن مثلكم في العالمين وعندكمْ

علم الكتاب وعلم ما لم يعلمِ ؟!

جبريل خادمكم وخادم جدِّكمْ

ولغيركم في ما مضى لم يخدمِ

أبني رسول الله:إنَّ أباكمُ

من دوحةٍ فيها النبوَّةُ ينتمي

آخاه من دون البريّة ( أحمد )

واختصَّه بالأمر لو لمُ يظلم

٣٧٨

نصَّ الولاية والخلافة بعده

يوم ( الغدير ) له برغم اللوَّمِ

ودعا له الهادي وقال ملبيّاً

يا ربِّ قد بلّغت فاشهد واعلمِ

حتَّى إذا قبض النَّبي واصبحوا

مثل الذباب تلوح حول المطعمِ

نكثتْ ببيعته رجالٌ أسلمتْ

أفواههم وقلوبهم لم تسلمِ

وتداولوها بينهم فكأنَّها

كأسٌ تدور على عطاشٍ حُوَّمِ

[ ألقصيدة ٥٧ بيتاً ]

( ألشاعر )

ألرَّبيب أبو المعالي سالم بن عليّ بن سلمان بن عليّ المعروف بابن العودي [ العودي(١) ] التغلبي النيلي نسبة إلى بلدة النيل على نهر النيل المستمدّ من الفرات الممتدّ نحو الشرق الجنوبي وكانت ولادته بها سنة ٤٧٨.

لم أقف على ترجمة [ أبي المعالي ] أبسط مما نشرته مجلّة الغري [ النجفيّة ] الغرّاء في العدد الـ‍ ٢٢ و ٢٣ من السنة السابعة بقلم الدكتور مصطفى جواد البغدادي ذلك البحّاثة المنقِّب وإليك نصّه قال:

كان أبو المعالي من الشعراء الذين اشتهر شعرهم وقلّت أخبار سيرهم، فهو كوكبٌ من كواكب الأدب، ومشاهد نوره مجهولةٌ حقيقته أو حقائق أوصافه، وكان في الأيام التي جمع فيها عماد الدين الإصفهاني أخبار الشعراء ولذلك قال في نعته:شابُّ شبت له نار الذكاء وشاب لنظمه صرف الصهباء بصافي الماء، ودرّ من فيه شؤبوب الفصاحة يسقي من ينشده شعره راح الراحة، وردتُ واسطاً سنة خمسين [ يعني خمسين وخمسمائة ] فذكر لي انَّه كان بها للاسترفاد وقام في بعض الأيّام ينشد خادم الخليفة ( فاتنا )(٢) فسبقه غيره إلى الانشاد، فقعد ولم يعد إليه وسلّم على رفده وعليه وصمّم عزم الرحيل إلى وطنه بالنيل، ولقيته بعد ذلك في سنة أربع وخمسين بالهماميَّة. ا ه‍. واشارة العماد إلى أنَّه كان شابّاً من فلتات الشباب.

ويلوح لنا من أثناء هذا الخبر أنَّ إبن العودي كان مع تحريره انشاده لاسترفاده

____________________

١ - كما في شعره.

٢ - هو شمس الدين أبو الفضائل من أكابر مماليك بني العبّاس كان ناظر واسط يومئذ.

٣٧٩

أبيّ النفس معتمداً بشعره والشاعر الأبيُّ المسترفد لا يورثه إباؤه إلّا الحرمان وإساءة الزَّمان. ومن شعره الذي نقله قطب الدين أبو يعلى محمَّد بن عليّ بن حمزة العلوي الأقساسي تغزّله بامرأة نصف ( أي متوسطة العمر ):

أبى القلب إلّا اُمّ فضل وإن غدت

تُعدّ من النصف الأخير لداتها

لقد زادها عندي المشيب ملاحةً

وإن زعم الواشي وساء عداتها

فإن غيَّرت منها الليالي ففي الحشا

لها حرق ما تنطفي زفراتها

فما نال منها الدَّهر حتّى تكاملت

كمالاً وأعيى الواصفين صفاتها

سبتني بفرعٍ فاحمٍ وبمقلةٍ

لها لحظاتٌ ما تفكُّ عناتها

وثغرٌ زهتْ فيه ثنايا كأنَّها

حصى بَرَد تشفى الصدار(١) شفاتها

ولمّا التقينا بُعدٍ بعد من النَّوى

وقد حان نحوي بالسّلام التفاتها

رأيتُ عليها للجمال بقيَّةٌ

فعاد لنفسي في الهوى نشواتها

وأنشد القاضي عبد المنعم بن مقبل الواسطي له:

هم أقعدوني في الهوى وأقاموا

وأبلوا جفوني بالسهادِ وناموا

وهمْ تركوني للعتاب دريئة

اُؤنِّب في حبّيهم واُلام

ولو أنصفوا في الحبّ قسمة بيننا(٢)

لهاموا كما بي صبوةٌ وهيامُ

ولكنَّهم لمَّا استدرّ لنا الهوى

كرمت بحفظي للوداد ولاموا

ولمّا تنادوا للرَّحيل وقوَّضت

لبينهمُ بالأبرقين خيامُ

رميت بطرفي نحوهم متأمِّلاً

وفي القلب منّي لوعةٌ وضرامُ

وعدتُ وبي ممّا أجنّ صبابةٌ

لها بين أثناه الضلوع كلامُ

إذا هاج بي وجدٌ وشوقٌ كأنَّما

تضمَّر أعشار الفؤاد سهامُ

ولائمة في الحبِّ قلت لها:اقصري

فمثليَ لا يُسلي هواه ملامُ

أأسلو الهوى بعد المشيب ولم يزل

يصاحبني مذ كنت وهو غلامُ ؟!

____________________

١ - وفي نسخة قاضي القضاة الشافعية بالديار المصرية عبد العزيز بن جماعة ( تسقى الصدار سفاتها ) قال الاميني:ما في المتن والهامش فيه تصحيف والصحيح:تشفى الصدى رشفاتها.

٢ - وفي نسخة صلاح الدين الصفدي:ولو أنصفوني قسمة الحب بيننا.

٣٨٠