الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء ٤

الغدير في الكتاب والسنة والأدب0%

الغدير في الكتاب والسنة والأدب مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الإمامة
الصفحات: 423

الغدير في الكتاب والسنة والأدب

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة الشيخ الأميني
الناشر: دارالكتب الإسلامية
تصنيف: الصفحات: 423
المشاهدات: 194036
تحميل: 7855


توضيحات:

الجزء 1 المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة المقدمة الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 423 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 194036 / تحميل: 7855
الحجم الحجم الحجم
الغدير في الكتاب والسنة والأدب

الغدير في الكتاب والسنة والأدب الجزء 4

مؤلف:
الناشر: دارالكتب الإسلامية
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

نكت الدعي بن الدعيّ ضواحكاً

هي للنبيَّ الخير خير مُقبَّلِ(١)

تمضي بنو هند سيوف الهند

في أوداج أولاد النبيَّ وتعتلي

ناحت ملائكة السّماء لقتلهم

وبكوا فقد اُسقوا كؤوس الذبَّلِ

فأرى البكاء على الزمان محلّلا

والضحك بعد الطفِّ غير محلّلِ

كم قلت للأحزان:دومي هكذا

وتنزّلي في القلب لا تترحَّلي

هذه نبذةٌ من شعره في الأئمَّة عليهم السَّلام، وفي مناقب إبن شهر آشوب منه نبذٌ منثورة على أبواب الكتاب جمعها السيّد في [ أعيان الشيعة ] ولمثول الكتابين للطبع وانتشارهما ضربنا عن ذكر جميعها صفحا، ولم نذكر هاهنا إلّا الخارج عن الكتابين ولو في الجملة.

قال السيِّد في ( الدرجات الرفيعة ):إنَّ الصاحب رحمه الله قال قصيدةً معرّاة من الألف التي هي أكثر الحروف دخولاً في المنثور والمنظوم وأوَّلها:

قد ظلِّ يجري صدري

مَن ليس يعدوه فكري

وهي في مدح أهل بيت عليهم السَّلام في سبعين بيتاً فتعجَّب الناس، وتداولتها الرُّواة فسارت مسير الشمس في كلِّ بلدة، وهبت هبوب الريح في البرِّ والبحر، فاستمرَّ الصاحب على تلك الطريقة، وعمل قصايد كلُّ واحدة منها خاليةٌ من حرفٍ واحدٍ من حروف الهجاء وبقيت عليه واحدة تكون خالية من الواو فانبرى صهره أبو الحسين عليّ لعملها وقال قصيدةً ليست فيها واوٌ ومدح الصاحب بها وأوَّلها:

برقٌ ذكرت به الحبائب

لَمّا بدى فالدَّمع ساكب

كان للصاحب خاتمان نقش أحدهما هذه الكلمات:

على الله توكلّت

وبالخمس توسَّلت

ونقش الآخر:

شفيع إسماعيل في الآخرة

محمَّدٌ والعترةُ الطاهرة

ذكره الشيخ في المجالس وأشار إليه شيخنا الصَّدوق في أوَّل ( عيون الأخبار )

____________________

١ - لم يذكر سيدنا الامين في أعيانِ الشيعة من القصيدة الا هذا البيت.

٦١

ألصاحب ومذهبه

إنَّ كون الصاحب من عُليَّة الشيعة الإماميّة ممّا لا يمتري فيه أيُّ أحد من علماء مذهبه الحقّ، كما يشهد بذلك شعره الكثير الوافر في أئمَّة أهل البيت عليهم السَّلام ونثره المتدفِّق منه لوايح الولاية والتفضيل وهو يهتف بقوله:

فكم قد دعوني رافضيّاً لحبّكم

فلم ينثني عنكم طويل عوائهم

وقد نصَّ على مذهبه هذا السيِّد رضيُّ الدين إبن طاووس في كتاب ( اليقين ) ومرَّ عن المجلسي الأوَّل انَّه من أفقه فقهاء أصحإبنا، واقتفى أثره ولده في مقدِّمات البحار فصرَّح بانَّه كان من الإماميَّة، وعدّه القاضي الشهيد في مجالسه من وزراء الشيعة، ويقول شيخنا الحرّ في أمل الآمل. إنَّه كان شيعيّاً إماميّاً، وعدَّه إبن شهر آشوب في المعالم من شعراء أهل البيت المجاهرين، وشيخنا الشهيد الثاني من أصحإبنا، و في ( معاهد التنصيص ):انَّه كان شيعيّاً جلداً كآل بُويه معتزليّاً، وقبل هذه الشهادات كلّها شهادة الشيخين العَلمين رئيس المحدِّثين الصدوق في ( عيون أخبار الرِّضا )، وشيخنا المفيد فيما حكاه عنه إبن حجر في ( لسان الميزان ) ١ ص ٤١٣، ورسالته في أحوال عبد العظيم الحسني المندرجة في خاتمة ( المستدرك ) ٣ ص ٦١٤(١) من جملة الشواهد أيضاً، وفي ( لسان الميزان ) ١ ص ٤١٣:كان الصاحب إماميَّ المذهب و أخطأ من زعم انَّه كان معتزليّاً، وقد قال عبد الجبّار القاضي لمَّا تقدَّم الصلاة عليه:ما أدري كيف اُصلّي على هذا الرافضيِّ. وعن إبن أبي طيّ:انَّ الشيخ المفيد شهد بأنَّ الكتاب الذي نسب إلى الصاحب في الإعتزال وُضع على لسانه ونُسب إليه وليس هو له.

وهناك نُقولُ متهافتةٌ يبطل، بعضها بعضاً تفيد اعتناق الصاحب مذهب الإعتزال تارةً وتمذهبه بالشافعيَّة اُخرى، وبالحنفيَّة طوراً، وبالزيديَّة مرَّةً، وفي القاذفين مَن يحمل عليه حقداً يُريد تشويه سمعته بكلِّ ما توحي إليه ضغاينه كأبي حيّان التوحيدي ومن حكي عنه طرفي نقيض كشيخنا المفيد الذي ذكرنا حكاية إبن حجر عنه بوضع ما نُسب إلى الصاحب من الكتاب الذي يدلُّ على الإعتزال، ونقل عنه ايضاً نسبته

____________________

١ - نقلا عن نسخة بخط بعض بني بابويه مؤرخة بسنة ٥١٦.

٦٢

إلى جانب الإعتزال.

وهذا التهافت في النقل يُسقط الثقة بأيِّ النقلين وإن كان النصُّ على تشيّعه معتضداً بكلمات العلماء قبله وبعده، والسيِّد رضيُّ الدين الذَّي عرفت النصَّ عنه بتشيّعه في كتاب ( اليقين ) فقد نُقل عنه حكايته عن الشيخ المفيد وعلم الهدى نسبته إلى الإعتزال، وأنت تعلم أنَّ نصَّه الأوَّل هو معتقده وهذه حكايةٌ محضةٌ، وقد عرفت حال المحكيِّ عن الشيخ المفيد، وأمّا السيِّد المرتضى فالظاهر أنَّ مُنتزع هذه النسبة إليه هو ردُّه على الصاحب في تعصّبه للجاحظ الذي هو من أركان المعتزلة، غير أنّا نحتمل أنَّ هذا التعصّب كان لأدبه لا لمذهبه كتعصّب الشريف الرضيّ للصابي.

وما وقع إلينا في المحكيِّ عن رسالة ( الإبانة ) للصاحب من إنكار النصَّ على أمير المؤمنينعليه‌السلام فهو حكايةٌ محضةٌ عمَّن يقول بذلك بل ما في ( الإبانة ) يكفي بمفرده في إثبات كونه إماميّاً وإليك نصُّ كلامه مشفوعاً بمقاله في ( التذكرة ) حول الإمامة.

قال في ( الإبانة ):زعمت العثمانيَّة وطوائف الناصبيَّة انَّ أمير المؤمنينعليه‌السلام مفضولٌ في أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم غير فاضل واستدلَّت بأنّ أبا بكر وعمر وليا عليه وقالت الشيعة العدليَّة:فقد ولىّ النبيَّعليه‌السلام عليهما عمرو بن العاص في غزوة ذات السلاسل فليقولوا:إنَّه خير منهما، فقالت الشيعة:عليُّعليه‌السلام أفضل الناس بعد النبيِّ فلذلك آخى بينه وبينه حين آخى بين أبي بكر وعمر فلم يكن ليختار لنفسه إلّا الأفضل، وقد ذكر ذلك بقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم :أنت منّي بمنزلة هارون من موسى. ثمَّ إنَّه لم يستثن إلّا النبوَّة وفيه قال:أللهمَّ آتني بأحبِّ خلقك إليك يأكل معي هذا الطير. وقد قال:مَن كنت مولاه فعليُّ مولاه، اللهمّ وال مَن والاه:وعاد من عاداه. إلى آخر الدُّعاء.

وبعدُ:فالفضيلةُ تستحقُّ بالمسابقة وهو أسبقهم إسلاما و قد قال الله تعالى:ألسّابِقون السّابِقون أولئكَ المقرَّبون، وبالجهاد وهو لم يغمد حساماً، ولم يقصر إقداماً، كشّاف الكروب، وفرّاج الخطوب، ومسعر الحروب، وقاتل مرحب، وقالع باب خيبر، وصارع عمرو بن عبد ودّ، ومَن قال فيه النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لاُعطينَّ الراية غداً رجلاً يُحبُّ الله ورسوله ويحبّه اللهُ ورسوله. كرّاراً غير فرّار، وقد قال الله تعالى:

٦٣

فضَّل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيما. وبالعلم والنبيُّصلّى الله عليه وآله وسلّم قال:أنا مدينة العلم وعليُّ بابها. وأثر ذلك بيِّنُ لأنَّهعليه‌السلام لم يسئل من الصحابة أحداً وقد سألوه، ولم يستفتهم وقد استفتوه، حتَّى انَّ عمر يقول:لولا عليُّ لهلك عمر، ويقول:لا أعاشني الله لمشكلة ليس لها أبو الحسن، وقد قال الله تعالى:قُلْ هَلْ يَستَوي الَّذينَ يَعلمونَ والَّذين لا يَعلمون. وبالزُّهد والتقوى والبرِّ والحسنى فإذا كان أعلمهم فهو أتقاهم وقال الله تعالى:إنَّما يخشى الله من عباده العلماء. وبعدُ:فهو الَّذي آثر المسكين واليتيم والأسير عَلى نفسه مخرجاً قوته كلَّ ليلة إليهم عند فطره حتّى أنزل الله تعالى:وَ يُطعموُنَ الطَّعامَ عَلى حبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيرا. فأخبر نبيَّه وعده عليه الجنَّة. والحديث طويلٌ وفضله كثيرٌ، وهو الَّذي تصدق بخاتمه في ركوعه حتّى أنزل الله فيه:إنمَّا وليّكم الله ورسوله.

وزعمت طائفةٌ من الشيعة ذاهلةً عن تحقيق الإستدلال أنَّ عليّاًعليه‌السلام كان في تقيَّة فلذلك ترك الدعوة إلى نفسه. وزعمت أنَّ عليه نصّاً جليّاً لا يحتمل التأويل، وقالت العدليَّة:هذا فاسدٌ، كيف تكون عليه التقيَّة في إقامة الحقِّ وهو سيِّد بني هاشم ؟ وهذا سعد بن عبادة نابذ المهاجرين وفارق الأنصار لم يخش مانعاً ودافعاً وخرج إلى حوران ولم يبايع، ولو جاز خفاء النصِّ الجليِّ عن الاُمَّة في مثل الإمامة لجاز أن يتكتّم صلاةٌ سادسةٌ وشهرٌ يُصام فيه غير شهر رمضان فرضاً، وكلّما أجمع عليه الاُمَّة من أمر الأئمَّة الذين قاموا بالحقِّ وحكموا بالعدل صوابٌ، وأمّا من نابذ عليّاًعليه‌السلام وحاربه وشهر سيفه في وجهه فخارجٌ عن ولاية الله إلّا من تاب بعد ذلك وأصلح إنَّ الله يحبُّ التوّابين ويحبُّ المتطهِّرين. ا ه‍.

ألمراد على ما يفهم من جواب العدليَّة انَّ دعوى تقيّة عليّعليه‌السلام وتركه الدعوة إلى نفسه مع ادِّعاء النصِّ الجليِّ عليه زعمٌ فاسدٌ، وانَّ الإعتقاد بترك الدَّعوة لا يوافق مع القول بالنصِّ الجليِّ إذ لو كان لأبان وما ترك الدَّعوة، والمدَّعي ذاهلٌ عن تحقيق الإستدلال بما ذكر من الكتاب والسنَّة فإنَّهعليه‌السلام دعا إلى نفسه واحتجَّ بأدلّة أوعزت إليها، فنسبة إنكار النصِّ الجليِّ إلى المترجَم بهذه العبارة كما فعله غير واحد في غير محلّه جِدّاً.

٦٤

وقال في ذيل كتابه [ ألتذكرة ] ذكر الصاحب رحمه الله في آخر كتاب:( نهج السبيل ):انَّ أمير المؤمنين عليّاًعليه‌السلام أفضل الصِّحابة بعد النبيِّ صلّى الله عليه وآله وسلّم واستدلَّ عليه بأنّ الأفضليَّةُ تستحقُّ بالسابقة والعلم والجهاد والزهد فوق جميعهم، فلا شكَّ انَّه متقدّمهم وغير متأخّر عنهم، وقد سبقهم بمنازلة الأقران، وقتل صناديد الكفّار وأعلام الضَّلالة، وهو الّذي آخى النبيُّ صلّى الله عليه وآله وسلّم بينه وبينه حين آخى بين أبي بكر وعمر، و رضيه كفواً لسيِّدة نساء العالمين فاطمة الزهراء سلام الله عليهم، ودعا الله أن يوالي مَن والاه ويعادي مَن عاداه، وأخبرنا انَّه منه بمنزلة هارون من موسى لفضل فيه، و قالعليه‌السلام :أللهّم ائتني بأحبِّ الخلق إليك يأكل معي هذا الطائر، ولا يكون أحبّهم إلى الله إلّا أفضلهم، وقال:أنا مدينة العلم وعليّ بابها، وقال:أنا ما سألت الله شيئاً إلّا سألت لعليٍّ مثله حتّى سألت له النبوَّة فقيل:لا ينبغي لأحدٍ من بعدك، ولم يكن يسألها إلّا لفضله. ولهذا استثنى النبوَّة في حديث:أنت منّي بمنزلة هارون من موسى. فصبر على المحن، وثبت على الشدايد، ولم ترده أيّام توليته إلّا خشونةً في الدين، وأكله للجشب(١) ولبساً للخشن، يستقون من علمه، وما يستقي إلّا ممَّن هو أعلم، خير الأوَّلين وخير الآخرين، عهد إليه في الناكثين والقاسطين والمارقين، وقُتل بين يديه عمَّار بن ياسر المشهود له بالجنَّة لبصيرته في أمره، وشبَّهه رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعيسى بن مريمعليه‌السلام كما شبَّهه بهارون، لا تضرب الأمثال إلّا بالأنبياء، وتصدَّق بخاتمة في ركوعه حتّى أنزل فيه:إنَّما وَليّكُمُ الله وَرَسوله. الآية، وآثر المسكين واليتيم والأسير عليّ نفسه حتّى اُنزل فيه:ويُطعمون الطّعام على حبِّه مسكيناً ويتيماً وأسيراً، وقال تعالى:إنّما أنتَ منذرٌ ولكلِّ قوم هاد. فقال صلّى الله عليه وآله وسلّم :أنا المنذر وأنت يا عليّ الهادي، وقال تعالى:و تعيها أذنُ واعيةٌ وقال صلّى الله عليه وآله وسلّم :هي اُذن عليّعليه‌السلام وجعله الله في الدنيا فصلاً بين الإيمان والنِّفاق حتّى قيل:ما كنّا نعرف المنافقين على عهد رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلّا ببغضهم عليّاًعليه‌السلام ، وأخبر انَّه في الآخرة قسيم الجنّة والنار، وقال ابن عبّاس:ما أنزل الله في القرآن يا أيّها الّذين آمنوا إلّا وعليُّ سيِّدها وأبوها وشريفها، وأعلى من ذلك قوله صلّى الله عليه وآله وسلّم :عليُّ يعسوب المؤمنين، وله ليلة الفراش حين نام عليه في مكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم صابراً

____________________

١ - جشب الطعام:غلظ.

٦٥

على ما كان يتوقّع من الذبح صحبة إسحاق ذبيح الله حين صبر على ما ظنّ انّه نازلٌ به من الذبح، وقال فيه مثل عمر بن الخطاب:لولا عليٌ لهلك عمر، ولا أعاشني الله لمشكلّةٍ ليس لها أبو الحسن. ودهره كلّه إسلامٌ و زمانه أجمع إيمانٌ، لم يكفر بالله طرفة عين، عاش في نصرة الإسلام حميداً، ومضى لسبيله شهيداً، جعلنا الله ممّن آثر المحبّة في القربى، وهدانا للّتي هي أحسن وأولى، وحسبنا الله منزل الغيث وفاطر النسم(١) .

وقد أبان عن مذهبه الحقّ [ الإماميَّة ] في شعره بقوله:

بالنصِّ فاعقد إن عقدت يمينا

كلُّ اعتقاد الإختيار رضينا

مكّن لقول إ~لهنا تمكينا

:واختار موسى قومه سبعينا

وقال في قصيدته البائيَّة التّي مرَّت:

لم تعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي

آتي الزَّكاة وكان في المحراب

لم تعلموا أنَّ الوصيَّ هو الذي

حكم ( الغدير ) له على الأصحاب

وله قوله:

إنَّ المحبَّة للوصيِّ فريضةٌ

أعني أمير المؤمنين عليَّا

قد كلّف الله البريَّة كلّها

واختاره للمؤمنين وليّا

وما في ( لسان الميزان ) من اشتهاره بذلك المذهب ( الاعتزال ) وانِّه كان داعية إليه فيدفعه تخطأته أوّلاً من زعم أنّه من معتنقيه، وما نقله عن القاضي عبد الجبّار من انَّه لمّا تقدَّم للصَّلاة عليه قال:ما أدري كيف اُصلّي على هذا الرفضيِّ، وما تكرّر في شعره من قذف أعدائه له بالرَّفض، إلّا أن يُريد إبن حجر الإشتهار المحض دون الحقيقة فليلتئم مع قوله الآخر.

والَّذي أرتأيه ويُساعدني فيه الدليل انَّ الصاحب كغيره من أعلام الإماميَّة كان يوافق المعتزلة في بعض المسائل كمسألة العدل التي تطابقت آراء الشيعة والمعتزلة فيها على مجابهة الأشاعرة في الجبر واستلزامه تجوير الحقِّ تعالى، وإن افترقا من ناحية أخرى في باب التفويض وأمثال هذه، فقد كان يصعب على الباحث التمييز بين

____________________

١ - كل ما ذكره الصاحب من الاحاديث في فضل مولانا أمير المؤمنين ثابت وصحيح عند القوم مبثوث في أجزاء كتإبنا بأسانيده، أخرجه بها الحفاظ في الصحاح والمسانيد.

٦٦

الفريقين فيرمى كلُّ فريق باسم قسيمه، ومن هنا اُتى الصاحب بهذه القذيفة كغيره من أعلام الطايفة مثل علم الهدى السيد المرتضى وأخيه الشريف الرَّضي.

وأمّا نسبته إلى الشافعيَّة فيدفعها عزوه إلى الحنفيَّة، ومن أبدع التناقض قول أبي حيّان في كتاب [ الإمتاع ج ١ ص ٥٥] انَّه كان يتشيَّع لمذهب أبي حنيفة ومقالة الزيديَّة، وأمّا انتسابه إلى الزيديَّة فيدفعه تعداده الأئمة عليهم السَّلام في شعره كقوله:

بمحمَّدٍ ووصيِّه وإبنيهما

ألطاهرين وسيِّد العبّادِ

ومحمَّدٍ وبجعفر بن محمَّد

وسميِّ مبعوث بشاطي الوادي

وعليٍّ الطوسيِّ ثمَّ محمَّد

وعليٍّ المسموم ثمَّ الهادي

حسن وأتبع بعده بإمامةٍ

لِلقائم المبعوث بالمرصادِ

وقوله:

بمحمَّدٍ ووصيِّه وابنيهما

وبعابدٍ وبباقرين وكاظمِ

ثمَّ الرِّضا ومحمَّدٍ ثمَّ ابنه

والعسكريِّ المتّقي والقائمِ

أرجو النجاة من المواقف كلها

حتّى أصير إلى نعيمٍ دائمِ

وقوله:

نبيُّ والوصيُّ وسيِّدانِ

و زينُ العابدين و باقرانِ

وموسى والرِّضا والفاضلان

بهم أرجو خلودي في الجنانِ

وقوله أرجوزةً:

يا زائراً قد قصد المشاهدا

وقطع الجبال والفدافدا

فأبلغ النبيَّ من سلامي

ما لا يَبيد مدَّة الأيّامِ

حتّى إذا عدت لأرض الكوفة

ألبلدة الطاهرة المعروفة

وصرت في الغريِّ في خير وطن

سلّم على خير الورى أبي الحسن

ثَمَّة سر نحو بقيع الغرفدِ

مسلّماً على أبي محمَّدِ

وعُد إلى الطفِّ بكربلاءِ

أهد سلامي أحسن الإهداءِ

لخير مَن قد ضمَّه الصعيدُ

ذاك الحسين السيِّد الشهيدُ

٦٧

واجنب إلى الصحراء بالبقيعِ

فثَمَّ أرض الشرف الرَّفيعِ

هناك زين العابدين الأزهرُ

وباقر العلم وثمَّ جعفرُ

أبلغهمُ عنّي السَّلام راهنا

قد ملأ البلاد والمواطنا

واجنب إلى بغداد بعد العيسا

مسلّماً على الزكيِّ موسى

واعجل إلى طوس على أهدى سكنْ

مبلّغاً تحيَّتي أبا الحسنْ

وعُد لبغداد بطير أسعدِ

سلّم على كنز التّقى محمَّدِ

وأرض سامراء أرض العسكرِ

سلّم على عليٍّ ن المطهَّرِ

والحسن الرضيِّ في أحواله

من منبع العلوم في أقواله

فإنَّهم دون الأنام مفزعي

ومَن إليهم كلّ يوم مرجعي

وله اُرجوزةٌ اُخرى يعدُّ فيها الأئمَّة الهداة ويُسمّيهم. م - وقصيدةٌ في الإمام أبي الحسن الرِّضا ثامن الحجج صلوات الله عليهم، تذكر في مقدِّمة ( عيون الأخبار ) لشيخنا الصَّدوق، وقصيدةُ اُخرى فيهعليه‌السلام ايضاً ألا وهي:

يا زائراً قد نهضا

مُبتدراً قد ركضا

وقد مضى كأنّه

البرق إذا ما أومضا

أبلغ سلامي زاكياً

بطوس مولاي الرِّضا

سبط النبيَّ المصطفى

وإبن الوصيِّ المرتضى

من حاز عزَّا أقعسا

وشاد مجداً أبيضا

وقل له عن مخلصٍ

يرى الولا مفترضا

:في الصَّدر نفح حرقةٍ

تترك قلبي حَرَضا

من ناصبين غادروا

قلب الموالي مُمرضا

صرَّحت عنهم مُعرضاً

ولم أكن معرِّضا

نابذتهم ولم أبل

إن قيل:قد ترفَّضا

يا حبِّذا رفضي لمن

نابَذَكم وأبغضا

ولو قدرتُ زرته

ولو على جمر الغضا

لكنّني مُعتقلٌ

بقيد خطب عَرَضا

٦٨

جعلتُ مدحي بدلاً

من قصده وعوضا

أمانةً مورده

على الرِّضا ليرتضى

رام بن عبّادٍ بها

شفاعةً لن تُدحضا

نوادر فيها المكارم

١ - يُحكى أنَّ الصاحب إستدعى في بعض الأيّام شراباً فأحضروا قدحاً فلمّا أراد أن يشربه قال له بعض خواصِّه:لا تشربه فإنَّه مسمومٌ - وكان الغلام الذي ناوله واقفاً - فقال للمحذِّر:ما الشاهد على صحَّة قولك ؟ فقال:تجربَّه في الّذي ناولك إيّاه. قال:لا أستجيز ذلك ولا استحلّه. قال:فجرِّ به في دُجاجة قال:ألتمثيل بالحيوان لا يجوز. ورد القدح وأمر بقلبه، وقال:للغلام انصرف عني ولا تدخل داري، وأمر بإقرار جاريةٍ وجرايته عليه، وقال لا يُدفع اليقين بالشكّ، والعقوبة بقطع الرِّزق نذالة.

٢ - كتب إليه بعض العلويِّين يُخبره بأنَّه قد رُزق مولوداً ويسأله أن يسمِّيه ويكنِّيه فوقَّع في رقعته:

أسعدك الله بالفارس الجديد، والطالع السعيد، فقد والله ملأ العين قرَّة، و النفس مسَّرة مستقرَّة، والاسم عليٌّ ليعلي الله ذكره، والكنية أبو الحسن ليحسن الله أمره، فإنّي أرجو له فضل جِدِّه، وسعادة جَدِّه، وقد بعثتُ لتعويذه ديناراً من مائة مثقال، قصدتُ به مقصد الفال، رجاء أن يعيش مائة عام، ويخلص خلاص الذهب الأبرز من نُوبَ الأيّام، والسَّلام.

٣ - كتب بعض أصحاب الصاحب إليه رقعةً في حاجة فوقَّع فيها، ولمّا رُدَّت إليه لم يَر فيها توقيعاً، وقد تواترت الأخبار بوقوع التوقيع فيها، فعرضها على أبي العبّاس الضّبي فم أزال يتصفَّحها حتّى عثر بالتوقيع وهو ألفٌ واحدة، وكان في الرقعة:فإن رأى مولانا أن ينعم بكذا ؟ فَعَلَ. فأثبت الصاحب أمام ( فَعَل ) ألفاً يعني:أفعَلُ.

٤ - كتب الصاحب إلى أبي هاشم العلويِّ وقد أهدى إليه في طبق فضَّة عطراً:

العبد زارك نازلاً برواقكا

يستنبط الإشراق من إشراقكا

فاقبل من الطيب الذي أهديته

ما يسرق العطّار من أخلاقكا

والظرف يوجب أخذه مع ظرفه

فأضف به طبقاً إلى أطباقكا

٦٩

٥ - نظر أبو القاسم الزَّعفراني يوماً إلى جميع مَن فيها من الخدم والحاشية عليهم الخزوز الفاخرة الملوَّنة فاعتزل ناحية وأخذ يكتب شيئاً فسأل الصاحب عنه، فقيل:إنَّه في مجلس كذا يكتب. فقال:عليَّ به. فاستهلَّ الزعفرانيُّ ريثمَّا يكمل مكتوبه فأعجله الصاحب، وأمر بأن يؤخذ ما في يده من الدرج، فقام الزعفراني إليه وقال:أيَّد الله الصاحب.

اسمعه ممَّن قاله تزدد به

عجباً فحسن الورد في أغصانه

قال:هات يا أبا القاسم. فأنشده أبياتاً منها:

سواك يعدُّ الغنى ما اقتنى

ويأمره الحرص أن يخزنا

وأنت ابن عبّادٍ ن المرتجى

تعدُّ نوالك نيل المنى

وخيرك من باسط كفّه

وممّن ثناها قريب الجنى

غمرتَ الورى بصنوف الندى

فأصغر ما ملكوه الغنى

وغادرت أشعرهم مفحماً

وأشكرهم عاجزاً ألكنا

أيا مَن عطاياه تُهدي الغنى

إلى راحتي من نأى أو دنا

كسوتَ المقيمين والزائرين

كسى لم يخل مثلها ممكنا

وحاشية الدار يمشون في

ضروب من الخزِّ إلّا أنا

ولست اُذكّر لي جارياً

على العهد يحسن أن يحسنا

فقال الصاحب قرأت في أخبار معن بن زائدة:أنَّ رجلاً قال له:احملني أيّها الأمير، فأمر له بناقةٍ وفرسٍ وبغلةٍ وحمارٍ وجاريةٍ، ثمَّ قال له:لو علمت أنَّ الله تعالى خلق مركوباً غير هذه لحملتك عليه، وقد أمرنا لك من الخزِّ بجبّةٍ، وقميصٍ. ودُرّاعةٍ. وسراويلَ وعمامةٍ. ومنديل. ومطرفٍ. ورداءٍ. وجوربٍ، ولو علمنا لباساً آخر يُتَّخذ من الخزِّ لأعطيناكه، ثمَّ أمر بإدخاله الخزانة، وصبِّ تلك الخلع عليه، وتسليم ما فضل عن لبسه في الوقت إلى غلامه.

٦ - كتب أبو حفص الورّاق الإصبهاني إلى الصاحب:لولا أنَّ الذكرى أطال الله بقاء مولانا الصاحب الجليل - تنفع المؤمنين:وهزَّة الصمصام تعين المصلتين لما ذكرت ذاكراً، ولا هززت ماضياً، ولكن ذا الحاجة لضرورته يستعجل النجح،

٧٠

ويكدّ الجواد السمح، وحال عبد مولانا أدام الله تأييده في الحنطة مختلفةٌ، وجرذان داره عنها منصرفةٌ، فإن رأى أن يخلط عبده بمن أخصب رحله، ولم يشدّ رحله ؟ فَعَل إن شاء الله تعالى، فوقّع الصاحب فيه:

أحسنت أبا حفص قولاً، وسنحسن فعلاً، فبشِّر جرذان دارك بالخصب:و أمنها من الجدب، فالحنطة تأتيك في الأسبوع، ولست عن غيرها من النفقة بممنوع إن شاء الله تعالى.

٧ - عن أبي الحسن العلويِّ الهمداني الشهير بالوصيِّ إنَّه قال:لَمّا توجَّهتُ تلقاء الري في سفارتي إليها من جهة السلطان فَكّرتُ في كلامٍ ألقى به الصاحب، فلم يحضرني ما أرضاه، حين استقبلني في العسكر، وأفضى عناني إلى عنانه جرى على لساني:( ما هذا بشرٌ إن هذا إلّا مَلكٌ كريم ). فقال:إنّي لأجد ريح يوسف لولا أنْ تُفنِّدوني، ثمَّ قال:مرحباً بالرَّسول ابن الرَّسول، الوصيِّ إبن الوصيِّ.

٨ - مرض الصاحب في الأهواز باسهال فكان إذا قام عن الطست ترك إلى جانبه عشرة دنانير، حتّى لا يتبرَّم به الخدم، فكانوا يودّون دوام علّته، وَلمّا عوفي تصدَّق بنحو من خمسين ألف دينار.

٩ - في ( اليتيمة ) عن أبي نصر ابن المرزبان إنّه قال:كان الصاحب إذا شرب ماءً بثلج أنشد على أثره:

قعقعة الثلج بماءٍ عذبِ

تستخرج الحمد من أقصى القلب

ثمَّ يقول:أللهمَّ جدِّد اللعن على يزيد.

١٠ - في ( معجم الاُدباء ) كان إبن الحضيري يحضر مجلس الصاحب بالليالي فغلبته عينه ليلة فنام وخرجت منه ريحٌ لها صوتٌ، فخجل وانقطع عن المجلس، فقال الصاحب:أبلغوه عنّي:

يا بن الحضيريُّ لا تذهب على خجل

لحادث كان مثل الناي والعودِ

فإنّها الريح لا تسطيع تحبسها

إذ لست أنت سليمان بن داود

٧١

غرر كلم للصاحب

تجري مجرى الأمثال

مَن استماح البحر العذب، استخرج اللؤلؤ الرطب.

مَن طالت يده بالمواهب، إمتدَّت إليه ألسنة المطالب.

مَن كفر النعمة، إستوجب النقمة.

مَن نبت لحمه على الحرام، لم يحصده غير الحسام.

مَن غرَّته أيّام السلامة، حدَّثته ألسن الندامة.

مَن لم يهزّه يسير الإشارة، لم ينفعه كثير العبارة.

رُبَّ لطائف أقوال، تنوب عن وظائف أموال.

ألصدر يطفح بما جمعه، وكلُّ إناء مؤدٍّ ما أودعه.

أللبيب تكفيه اللمحة، وتُغنيه اللحظة عن اللفظة.

ألشمس قد تغيب ثمَّ تشرق، والرَّوض قد يذبل ثمَّ يورق.

ألبدر يأفل ثمَّ يطلع، والسيف ينبو ثمَّ يقطع.

ألعلم بالتذاكر، والجهل بالتناكر.

إذا تكرَّر الكلام على السمع، تقرَّر في القلب.

ألضمائر الصحاح أبلغ من الألسنة الفصاح.

ألشيئ يحسن في إبّانه، كما أنّ الثمر يُستطاب في أوانه.

ألآمال ممدودةٌ، والعواري مردودةٌ.

ألذكرى ناجعةٌ، وكما قال الله تعالى نافعةٌ.

متن السيف ليّنٌ، ولكن حدّه خشنٌ، ومتن الحيَّة ألين، ونابها أخشن عقد المنن في الرِّقاب لا يُبلغ إلّا بركوب الصعاب.

بعض الحلم مذلَّة، وبعض الاستقامة مزلّة.

كتاب المرء عنوان علقه، بل عيار قدره، ولسان فضله، بل ميزان علمه.

٧٢

إنجاز الوعد من دلائل المجد واعتراض المطلّ من إمارات البخل، وتأخير الإسعاف من قرائن الاخلاف.

خير البرِّ ما صفا وضفا، وشرُّه ما تأخَّر وتكدَّر.

فراسة الكريم لا تبطي، وقيافة الشرِّ لا تخطي.

قد ينبح الكلب القمر ؟ فليلقم النابح الحجر.

كم متورّط في عثار رجاء أن يُدرك بثار.

بعض الوعد كنقع الشراب، وبعضه كلمع السراب.

قد يبلغ الكلام حيث تقصر السّهام.

ربما كان الإقرار بالقصور أنطق من لسان الشكور.

ربما كان الإمساك عن الإطالة أوضح في الإبانة والدلالة.

لكلِّ امرئٍ أمل، ولكلِّ وقت عمل.

إن نفع القول الجميل، والأنفع السيف الصقيل.

شجاع ولا كعمرو، مندوبٌ ولا كصخر.

لا يذهبنَّ عليك تفاوت ما بين الشيوخ والأحداث، والنسور والبغاث.

كفران النعم عنوان النقم.

جحد الصنائع داعية القوارع.

تلقِّي الإحسان بالجحود تعريض النعم للشرود.

قد يقوى الضعيف، ويصحو النزيف، ويستقيم المائد، ويستيقظ الهاجد.

للصدر نفثةٌ إذا أحرج، وللمرء بثَّةٌ إذا أحوج.

ما كلّ امرء يستجب للمراد، ويُطيع يد الإرتياد.

قد يٌصلّي البرئ بالقسيم، ويُؤخذ البرّ بالأثيم.

ما كلُّ طالب حقٍّ يُعطاه، ولا كلُّ شائم مزن يسقاه.

وقد أكثر الثعالبي في ذكر أمثال هذه الكلم الحكميَّة في ( يتيمة الدَّهر ) و ذكرها برمَّتها سيَّدنا الأمين في ( أعيان الشيعة ).

هذا مثال الشيعة وهذه أمثلته، هذا وزير الشيعة وهذه حِكَمه، هذا فقيه

٧٣

الشيعة وهذا أدبه، هذا عالم الشيعة وهذه كلمه، هذا متكلّم الشيعة وهذا مقاله، هؤلاء رجال الشيعة وهذه مآثرهم وآثارهم، هكذا فليكن شيعة آل الله وإلّا فلا.

وفاته

توفّي الصاحب ليلة الجمعة الرابع والعشرين من صفر سنة ٣٨٥ بالري ولمّا توفّي عُطلّت المدينة وأسواقها، واجتمع الناس على باب قصره، وينتظرون خروج جنازته، وحضر فخر الدولة وسائر القوّاد، وقد غيّروا بزّاتهم، فلّما خرج نعشه من الباب على أكتاف حامليهِ للصَّلاة عليه قام الناس بأجمعهم إعظاماً، وصاحوا صيحةً واحدةً، وقبَّلوا الأرض، وخرقوا ثيابهم، ولطموا وجوههم، وبلغوا في البكاء و النحيب عليه جهدهم، وصلّى عليه أبو العبّاس الضّبي، ومشى فخر الدولة أمام الجنازة وقعد في بيته للعزاء أيّاماً، وبعد الصَّلاة عليه عُلق نعشه بالسلاسل في بيت إلى أن نُقل إلى إصفهان فدفن في قبَّة هناك تُعرف بباب درية(١) قال إبن خلكان:وهي عامرةٌ إلى الآن وأولاد بنته يتعاهدونها بالتبييض. وقال السِّيد في ( روضات الجنات ) قلت:بل وهي عامرةٌ إلى الآن، وكان أصابها تشعّثٌ وانهدام فأمر الإمام العلّامة محمّد إبراهيم الكرباسي في هذه الأيّام بتجديد عمارتها، ولا يدع زيارتها مع ما به من العجز في الأسبوع والشهر والشهرين، وتُدعى في زماننا بباب الطوقچي والميدان العتيق، و الناس يتبرَّكون بزيارته، ويطلبون عند قبره الحوائج من الله تعالى.

قال الثعالبي في ( اليتيمة ):لمّا كنّى المنجِّمون عمّا يعرض عليه له في سنة موته قال الصاحب:

يا مالك الأرواح والأجسامِ

وخالق النّجوم والأحكامِ

مدِّبر الضياء والظلامِ

لا المشترى أرجوه للانعامِ

ولا أخاف الضرَّ من بهرامِ

وإنَّما النجوم كالأعلامِ

والعلم عند الملِك العلّامِ

يا ربُّ فاحفظني من الأسقامِ

ووقِّني حوادث الأيّامِ

و هجنة الأوزار والآثامِ

____________________

(١) بفتح الدال المهملة وكسر الراء كذا ضبطها السيد في أعيان الشيعة، وتجدها في ( اليتيمة ) وغيرها بالذال المجمعة كما يأتي بعيد هذا في شعراً بي منصور اللجيمي.

٧٤

هبني لحبِّ المصطفى المِعتامِ

وصنوه وآله الكرامِ

ورُثي الصاحب بقصايد كثيرة منها نونيَّة أبي منصور أحمد بن محمَّد اللجيمي منها(١) :

أكافينا العظيم إذا وردنا

ومولانا الجسيم إذا فقدنا

أردنا منك ما أبت الليالي

فأبطل ما أرادت ما أردنا

شققتُ عليك جيبي غير راضٍ

به لك فاتَّخذتُ الوجدِ خدنا

ولو أنّي قتلتُ عليك نفسي

لكان إلى قضاء الحقِّ أدنى

أفِدنا شرح أمرٍ فيه لبسٌ

فإنَّا صائبا كنّا استفدنا

ألم تلك منصفاً عدلاً ؟ فأنّي

عمرت حفيرةً وقلبتُ مدنا

وكيف تركت هذا الخلق حالت

خلائقهم فليس كما عهدنا؟!

تملَّكنا اللئام وصيَّرونا

عبيداً بعد ما كنّا عُبدنا

لئن بلغت رزيَّته قلوباً

فذبن أو أعيناً منّا فجدنا

لمَا بلغت حقائقها ولكن

على الأيّام نعرف مَن فقدنا

وله في رثائه من قصيدة(٢) :

مضى مَن إذا ما أعوز العلم والندى

اُصيبا جميعاً من يديه وفيهِ

مضى من إذا اُفكرتُ في الخلق كلّهم

رجعتُ ولم أظفر له بشبيهِ

ثوى الجود والكافي معاً في حفيرةٍ

ليأنس كلُّ منهما بأخيهِ

هما اصطحبا حيّين ثمَّ تعانقا

ضجيعين في قبرٍ بباب ذريهِ

قد يُعزى بعض هذه الأبيات إلى أبي القاسم بن أبي العلاء الإصبهاني مع حكاية طيفٍ عنه.

ومنها نونيّة أبي القاسم بن أبي العلاء الإصفهاني ذكر منها الثعالبي في ( يتيمة الدهر ) ج ٣ ص ٢٦٣ قوله:

يا كافيَ الملك ما وفيتُ حظّك من

وصف وإن طال تمجيدُ وتأبينُ

____________________

(١) يتيمة الدهر ج ٤ ص ٣٧٥.

(٢) يتيمة الدهر ج ٤ ص ٣٧٥.

٧٥

فقت الصفات فما يرثيك من أحد

إلّا وتزيينه إيّاك تهجينُ

ما متَّ وحدك لكن مات من ولدت

حوّاء طرّاً بل الدنيا بل الدينُ

هذي نواعي العلا مذ متَّ نادبةٌ

من بعد ما ندبتك الخرِّدُ العينُ

تبكي عليك العطايا والصِّلات كما

تبكي عليك الرَّعايا والسلاطينُ

قام السّعاة وكان الخوف أقعدهم

فاستيقظوا بعد ما متَّ الملاعينُ

لا يعجب النّاس منهم إن هم انتشروا

مضى سليمان وانحلَّ الشياطينُ

ومنها داليَّة أبي الفرج بن ميسرة ذكر منها الثعالبي في [ اليتيمة ] ج ٣ ص ٢٥٤ قوله:

ولو قَبِل الفداء لكان يُفدى

وإن حلَّ المصابُ على التفادي

ولكنَّ المنون لها عيونٌ

تكدّ لحاظها في الإنتقادِ

فقل للدَّهر:أنت اُصبت فالبس

برغمك دوننا ثوبي حدادِ

إذا قدَّمت خاتمة الرَّزايا

فقد عرَّضت سوقك للكسادِ

ومنها داليّةٌ لأبي سعيد الرستمي ذكر الثعالبي منها قوله:

أبعد ابن عبّاس يهشُّ إلى السّرى

أخو أمل أو يُستماح جوادُ؟!

أبى الله إلّا أن يموتا بموته

فما لهما حتَّى المعاد معادُ

ومنها لأميَّة أبي الفيّاض سعيد بن أحمد الطبري ذكرها الثعالبي في ( اليتيمة ) ج ٣ ص ٢٥٤.

خليلي كيف يقبلك المقيل ؟

ودهرك لا يقيل و لا يقيلُ

يُنادي كلّ يوم في بنيه

:ألا هبّوا فقد جدَّ الرَّحيلُ

وهم رجلان منتظرٌ غفولٌ

ومُبتدرٌ إذا يُدعى عجولُ

كأنَّ مثال مَن يفنى ويبقى

رعيلٌ سوف يتلوه رعيلُ

فهم ركبٌ وليس لهم ركابٌ

وهم سفرٌ وليس لهم قفولٌ

تدور عليهمُ كأس المنايا

كما دارت على الشربّ الشمولُ

ويحدوهم إلى الميعاد حادٍ

ولكن ليس يقدمهم دليلُ

ألم تر مَن مضى مِن أوَّلينا

وغالتهم من الأيّام غولُ

٧٦

قد احتالوا فما دفع الحويلُ

وأعولنا فما نفع العويلُ؟!؟!

كذاك الدّهر أعمارٌ تزول

وأحوالُ تحول ولا تؤولُ

لنا منه وإن عفنا وخفنا

رسولٌ لا يُصاب لديه سولُ

وقد وضح السبيل فما لخلق

إلى تبديله أبداً سبيلُ

لعمرك إنَّه أمدُ قصيرٌ

ولكن دونه أمدٌ طويلُ

أرى الإسلام أسلمه بنوه

وأسلمهم إلى وَله يهولُ

أرى شمس النهار تكاد تخبو

كأنَّ شعاعها طرفٌ كلّيلُ

أرى القمر المنير بدا ضئيلاً

بلا نور فأضناه النّحولُ

أرى زهر النجوم محدَّقات

كأنَّ سراتها عورٌ وحولُ

أرى شُمّ الجبال لها وجيبٌ

تكاد تذوب منه أو تزولُ

أرى وجه الزَّمان وكلّ وجهٍ

به ممّا يكابده فلولُ

وهذا الجوُّ أكلفُ مقشعرُّ

كأنَّ الجوّ من كمد عليلُ

وهذي الريح أطيبها سمومٌ

إذا هبَّت وأعذبها بليلُ

وللسحب الغزار بكلِّ فجٍّ

دموع لا يُزار بها المحولُ

نعى الناعي إلى الدنيا فتاها

أمين الله فالدنيا ثكولُ

نعى كافي الكفاة فكلُّ حرٍّ

عزيزٍ بعد مصرعه دليلُ

نعى كهف العفاة فكلُّ عين

بما تقذي العيون به كحيلُ

كأنَّ نسيم تربته سحيراً

نسيم الروض تقبله القبولُ

إذا وافى اُنوف الرَّكب قالوا

:سحيق المسك أم تربٌ مهيلُ ؟!

آيا قمر المكارم والمعالي

أبن لي كيف عاجلك الاُفولُ ؟!

أبن لي كيف هالك ما يهول

وغالك بعد عزِّك ما يغولُ ؟!؟!

ويا مَن ساسَ أشتات البريا

وألجم من يقول ومَن يصولُ

أدلت على الليالي من شكاها

وقد جارت عليك فمن يُديلُ

بكاك الدين والدنيا جميعاً

وأهلهما كما يبكى الحمولُ

بكتك البيض والسّمر المواضي

وكنت تعرولها فيمن تعولُ

٧٧

بكتك الخيل معولةً ولكن

بُكاها حين تندبك الصهيلُ

قلوب العالمين عليك قلبٌ

وحظّك من بكائهمُ قليلُ

ولي قلبٌ لصاحبه وفيُّ

يسيل وتحته روحٌ تسيلُ

إذا نظمت يدي في الطرس بيتاً

محاهُ منه منتظمٌ هطولُ

فإن يك ركَّ شعري من ذهولي

فذلك بعض ما يجني الذهولُ

كتبت بما بكيت لأنَّ دمعي

عليك الدَّهر فيّاضُ همولُ

وكنت أعدّ من روحي فداءً

لروحك إن اُريد لها بديلُ

أأحيا بعده وأقرّ عيناً

حياتي بعده هدرٌ غلولُ

حياتي بعده موتُ وَحيُّ

وعيشي بعده سمُّ قتولُ

عليك صلاة ربِّك كلّ حين

تهبُّ بها من الخلد القبولُ

ومنها ميميَّة أبي القاسم غانم بن محمَّد بن أبي العلا الإصبهاني يقول فيها(١) :

مضى نجل عبّاد المُرتجى

فمات جميعُ بني آدمِ

اُوارى بقبرك أهل الزمان

فيرجح قبرك بالعالمِ

وله من قصيدة اُخرى في رثاء الصاحب يقول فيها:

هي نفسٌ فرَّقتها زفراتي

ودماءُ أرقتها عبراتي

لشبابٍ عذب المشارع ماضٍ

ومشيب جذب المراتع آتِ

زمنٌ أذرت الجفون عليه

من شؤوني ما كان ذوب حياتي

تتلاقى من ذكره في ضلوعي

ودموعي مصايفٌ ومشاتي

جاد تلك العهود كلّ أجش الـ

ـودق ثرّ الاخلاف جون السراتِ

بل ندى الصاحب الجليل أبي القا

ـسم نجل الأمير كافي الكفاةِ

تتبارى كلتا يديه عطايا

ومنايا حتماً لعافٍ وعاتِ

ضامناً سيبه لغنم مفادٍ

موذناً سيفه بروح مفاتِ

وارتياحٌ يريك في كلِّ عطفٍ

ألف ألف كطلحة الطلحاتِ

ويدٌ لا تزال تحت شكور

لاثم ظهرها وفوق دواةِ

____________________

١ - تتميم يتيمة الدهر ج ١ ص ١٢٠.

٧٨

ومنها تائيَّةٌ رثاه بها صهره السيِّد أبو الحسن عليُّ بن الحسين الحسني أوَّلها(١) :

ألا إنَّها أيدي المكارم شلّتِ

ونفس المعالي إثر فقدك سلّتِ

حرامٌ على الظلماء إن هي قوّضت

وحجرٌ(٢) على شمس الضحى أن تجلّتِ

لتبك على كافي الكفاة مآثرٌ

تباهي النجوم الزهر في حيث حلّتِ

لقد فدحت فيه الرزايا وأوجعت

كما عظمت منه العطايا وجلّتِ

ألا هل أتى الآفاق آية غمَّة

أطلّت ؟! ونعمي أيِّ دهرٍ تولَّتِ ؟!

وهل تعلم الغبراء ماذا تضمَّنت

وأعواد ذاك النعش ماذا أفلّتِ ؟!؟!

فلا أبصرت عيني تهلل بارقٍ

يُحاكي ندى كفَّيك إلّا استهلّتِ

ولو قبلت أرواحنا عنك فديةً

لجدنا بها عند الفداء وقلّتِ

وقال السيِّد أبو الحسن محمَّد بن الحسين الحسني المعروف بالوصيِّ الهمداني المترجَم في يتيمة الدهر في رثائه:

مات الموالي والمحبّ

لأهل بيت أبي ترابِ

قد كان كالجبل المنيعِ

لهم فصار مع التّرابِ(٣)

وله في رثائه:

نوم العيون على الجفون حرامٌ

ودموعهنَّ مع الدماء سجامُ

تبكي الوزير سليل عبّاد العلا

والدين والقرآن والإسلامُ

تبكيه مكّة والمشاعر كلّها

وحجيجها والنسك والإحرامُ

تبكيه طيبة والرَّسول ومن بها

وعقيقها والسهل والأعلامُ

كافي الكفاة قضى حميداً نحبه

ذاك الإمام السيِّد الضرغامُ

مات المعالي والعلوم بموته

فعلى المعالي والعلوم سلامُ

ورثاه سيِّدنا الشريف الرضي [ الآتي ذكره في شعراء القرن الخامس ] بقصيدة

____________________

١ - ذكرها له الحموي في معجم الأدباء والسيد في ( الدرجات الرفيعة )

٢ - الحجر المنع.

٣ - ذكرهما له في ترجمته الثعالبي في ( اليتيمة ) ج ٣ ص ٢٦٠.

٧٩

شرحها أبو الفتح عثمان بن جنّي المتوفّى ٣٩٢ في مجلّد واحد كما ذكره الحموي في ( معجم الاُدباء ) ٥ ص ٣١، ولنشر القصيدة في ديوان ناظمه الشريف وفي غير واحد من المعاجم نضربّ عنها صفحا أوَّلها:

أكذا المنون يُقطِّر الأبطالا ؟!

أكذا الزَّمان يُضعضع الأجيالا ؟!

أكذا تُصاب الاُسد وهي مُدلَّةُ

تحمي الشبول وتمنع الأغيالا ؟!

أكذا تُقام على الفرائس بعدما

ملأت هماهمها الورى أوجالا ؟!

أكذا تحطّ الزاهرات عن العلى

مِن بعد ما شأت العيون منالا ؟!

[ ألقصيدة ١١٢ بيتاً ]

ومرَّ أبو العبّاس الضبّي بباب الصاحب بعد وفاته فقال:

أيّها الباب لم علاك اكتئابُ ؟!

أين ذاك الحجابُ والحُجّابُ ؟!

أين مَن كان يفزع الدهر منه ؟!

فهو اليوم في التراب ترابُ

لا يذهب على القارئ انَّ استدلال مثل الصاحب أحد عمد مراجع اللغة والأدب على أفضليَّة أمير المؤمنين نظماً ونثراً بحديث ( الغدير ) حجَّةُ قويَّةُ على صحَّة إرادة معنى للمولى لا يُبارح الإمامة والخلافة كما أراد هو.

مصادر ترجمة الصاحب

يتيمة الدهر ٣ ص ١٦٩ -٢٦٧

فهرست ابن النديم ص ١٩٤

أنساب السمعاني. معالم العلماء

محاسن إصبهان للمافرّ وخي الأصبهاني

نزهة الألبّاء في طبقات الاُدباء

كامل إبن الأثير ٩ ص ٣٧

معجم الاُدباء ٦ ص ١٦٨ -٣١٧

المنتظم لابن الجوزي ٧ ص ١٧٩

تجارب السلف لابن سنجر ص ٢٤٣

تاريخ إبن خلكان ١ ص ٧٨

مرآة الجنان لليافعي ٢ ص ٤٤١

تاريخ إبن كثير ١١ ص ٣١٤

شرح دراية الحديث للشهيد

نهاية الأرب ٣ ص ١٠٨

شذرات الذهب ٣ ص ١١٣

معاهد التنصيص ٢ ص ١٦٢

بغية الوعاة للسيوطي ص ١٩٦

مجالس المؤمنين للقاضي ص ٣٢٤

بحار الأنوار ج ١٠ ص ٢٦٤ - ٧

ألدرجات الرفيعة للسيِّد علي خان

_٥_

٨٠