الميزان في تفسير القرآن الجزء ٣

الميزان في تفسير القرآن13%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 432

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 89900 / تحميل: 7011
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٣

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

قلت: فما آية المحدّث ؟ قال: يأتيه الملك فينكت في قلبه كيت وكيت.

وفيه عن حمران بن أعين قال: أخبرني أبوجعفر عليهما السلام: أنّ عليّاً كان محدّثاً فقال أصحابنا: ما صنعت شيئاً إلّا سألته من يحدّثه ؟ فقضي أنّي لقيت أباجعفر فقلت: ألست أخبرتني: أنّ عليّاً كان محدّثاً ؟ قال: بلى قلت: من كان يحدّثه ؟ قال ملك. قلت: فأقول: إنّه نبيّ أو رسول ؟ قال: لا بل قل مثله مثل صاحب سليمان وصاحب موسى، ومثله مثل ذي القرنين. أما سمعت أنّ عليّاً سئل عن ذي القرنين أنبيّاً كان ؟ قال لا ولكن كان عبداً أحبّ الله فأحبّه، وناصح الله فنصحه فهذا مثله.

اقول: والروايات في معنى المحدّث عن أئمّة أهل البيت كثيرة جدّاً رواها في البصائر والكافي والكنز والاختصاص وغيرها، ويوجد في روايات أهل السنّة أيضاً.

وأمّا الفرق الوارد في الأخبار المذكورة بين النبيّ والرسول والمحدّث فقد مرّ الكلام في الفرق بين الرسول والنبيّ وأن الوحي بمعنى تكليم الله سبحانه لعبده فهو يوجب العلم اليقينيّ بنفس ذاته من غير حاجة إلى حجّة فمثله في الإلقاءآت الإلهيّة مثل العلوم البديهيّة الّتي لا تحتاج في حصولها للإنسان إلى سبب تصديقيّ كالقياس ونحوه.

وأمّا المنام فالروايات كما ترى تفسّره بمعنى غير المعنى المعهود منه أعني الرؤيا يراها الإنسان في النوم العاديّ العارض له في يومه وليلته بل هو حال يشبه الإغماء تسكن فيه حواسّ الإنسان النبيّ فيشاهد عند ذلك نظير ما نشاهده في اليقظة ثمّ يسدّده الله سبحانه بإفاضته على نفسه اليقين بأنّه من جانب الله سبحانه لا من تصرّف الشيطان.

وأمّا التحديث فهو سماع صوت الملك غير أنّه بسمع القلب دون سمع الحسّ وليس من قبيل الخطور الذهنيّ الّذي لا يسمّى سمع صوت إلّا بنحو من المجاز البعيد ولذلك ترى أنّ الروايات تجمع فيه بين سماع الصوت والنكت في القلب، وتسمّيه مع ذلك تحديثاً وتكليماً فالمحدّث يسمع صوت الملك في تحديثه ويعيه بسمعه نظير

٢٤١

ما نسمعه ويسمعه من الكلام المعتاد والأصوات المسموعة في عالم المادّة غير أنّه لا يشاركه في ما يسمعه من كلام الملك غيره ولذا كان أمراً قلبيّاً.

وأمّا علمه بأنّ ما حدّث به من كلام الملك لا من نزغة الشيطان فذلك بتأييد من الله سبحانه وتسديد كما يشير إليه ما في رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة: أنّه يعطي السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه ملك وذلك أنّ النزغة الشيطانيّة إمّا باطل في صورته الباطلة عند الإنسان المؤمن فظاهر أنّه ليس من حديث الملائكة المكرمين الّذين لا يعصون الله، وأمّا باطل في صورة حقّ وسيستتبع باطلاً فالنور الإلهيّ الّذي يلازم العبد المؤمن يبيّن حاله. قال تعالى:( أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به في الناس ) الأنعام - ١٢٢. والنزغة والوسوسة مع ذلك كلّه لا تخلو عن اضطراب في النفس وتزلزل في القلب كما أنّ ذكر الله وحديثه لا ينفكّ عن الوقار وطمأنينة الباطن. قال تعالى:( ذلكم الشيطان يخوّف أوليائه ) آل عمران - ١٧٥ وقال:( ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب ) الرعد - ٢٨ وقال:( إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون ) الأعراف - ٢٠١ فالسكينة والطمأنينة عندما يلقى إلى الإنسان من حديث أو خاطر دليل كونه إلقائاً رحمانيّاً كما أنّ الاضطراب والقلق دليل على كونه إلقاءً شيطانيّاً ويلحق بذلك العجلة والجزع والخفّة ونحوها.

وأمّا ما في الروايات من أنّ المحدّث يسمع الصوت ولا يعاين الملك فمحمول على الجهة دون التمانع بين المعنيين بمعنى أنّ الملاك في كون الإنسان محدّثاً أن يسمع الصوت من غير لزوم الرؤية فإن اتّفق أن شاهد الملك حين ما يسمع الصوت فليس ذلك لأنّه محدّث وذلك لأنّ الآيات صريحة في رؤية بعض المحدّثين للملائكة حين التحديث كقوله تعالى في مريم:( فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشراً سويّاً قالت إنّي أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّاً قال إنّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكيّاً الآيات ) مريم - ١٩ وقوله تعالى - في زوجة إبراهيم في قصّة البشارة -:( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام - إلى أن قال -وامرأته قائمة فضحكت فبشّرناها

٢٤٢

بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد ) هود - ٧٣.

وهيهنا وجه آخر: وهو أن يكون المراد بالمعاينة المنفيّة معاينة حقيقة الملك في نفسه دون مثاله الّذي يتمثّل به فإنّ الآيات لا تثبت أزيد من معاينة المثال كما هو ظاهر.

وهيهنا وجه آخر ثالث احتمله بعضهم: وهو أنّ المنفيّ من المعاينة الوحي التشريعيّ بأن يظهر للمحدّث فيلقي إليه حكماً شرعيّاً وذلك صون من الله لمقام المشرّعين من أنبيائه ورسله. ولا يخلو عن بعد.

٢٤٣

( سورة آل عمران الآيات ٦١ - ٦٣)

فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ( ٦١) إِنّ هذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ وَمَا مِنْ إِلهٍ إِلّا اللّهُ وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( ٦٢) فَإِن تَوَلّوْا فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ( ٦٣)

( بيان)

قوله تعالى: ( فمن حاجّك فيه من بعد ما جائك من العلم ) الفاء للتفريع، وهو تفريع المباهلة على التعليم الإلهيّ بالبيان البالغ في أمر عيسى بن مريم عليهماالسلام مع ما أكّده في ختمه بقوله: الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين. والضمير في قوله: فيه راجع إلى عيسى أو إلى الحقّ المذكور في الآية السابقة.

وقد كان البيان السابق منه تعالى مع كونه بياناً إلهيّاً لا يرتاب فيه مشتملاً على البرهان الساطع الّذي يدلّ عليه قوله: إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية فالعلم الحاصل فيه علم من جهة البرهان أيضاً ولذلك كان يشمل أثره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وغيره من كلّ سامع فلو فرض تردّد من نفس السامع المحاجّ من جهة كون البيان وحياً إلهيّاً لم يجز الارتياب فيه من جهة كونه برهاناً يناله العقل السليم، ولعلّه لذلك قيل: من بعد ما جائك من العلم ولم يقل: من بعد ما بيّناه لهم.

وهيهنا نكتة اُخرى وهي أنّ في تذكيره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالعلم تطييباً لنفسه الشريفة أنّه غالب بإذن الله، وأنّ ربّه ناصره وغير خاذله البتّة.

٢٤٤

قوله تعالى: ( فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ) المتكلّم مع الغير في قوله: ندع غيره في قوله: أبنائنا ونسائنا وأنفسنا فإنّه في الأوّل مجموع المتخاصّمين من جانب الإسلام والنصرانيّة، وفي الثاني وما يلحق به من جانب الإسلام، ولذا كان الكلام في معنى قولنا: ندع الأبناء والنساء والأنفس فندعو نحن أبنائنا و نسائنا وأنفسنا وتدعون أنتم أبنائكم ونسائكم وأنفسكم ففي الكلام إيجاز لطيف.

والمباهلة والملاعنة وإن كانت بحسب الظاهر كالمحاجّة بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين رجال النصارى لكن عمّمت الدعوة للأبناء والنساء ليكون أدلّ على اطمينان الداعي بصدق دعواه وكونه على الحقّ لما أودعه الله سبحانه في قلب الإنسان من محبّتهم والشفقة عليهم فتراه يقيهم بنفسه، ويركب الأهوال والمخاطرات دونهم، وفي سبيل حمايتهم والغيرة عليهم والذبّ عنهم. ولذلك بعينه قدّم الأبناء على النساء لأنّ محبّة الإنسان بالنسبة إليهم أشدّ وأدوم.

ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعض المفسّرين: أنّ المراد بقوله: ندع أبنائنا وأبنائكم إلخ ندع نحن أبنائكم ونسائكم وأنفسكم، وتدعوا أنتم أبنائنا ونسائنا وأنفسنا وذلك لإبطاله ما ذكرناه من وجه تشريك الأبناء والنساء في المباهلة.

وفي تفصيل التعداد دلالة اُخرى على اعتماد الداعي وركونه إلى الحقّ، كأنّه يقول: ليباهل الجمع الجمع فيجعل الجمعان لعنة الله على الكاذبين حتّى يشمل اللعن والعذاب الأبناء والنساء والأنفس فينقطع بذلك دابر المعاندين، وينبتّ أصل المبطلين.

وبذلك يظهر أنّ الكلام لا يتوقّف في صدقه على كثرة الأبناء ولا على كثرة النساء ولا على كثرة الأنفس فإنّ المقصود الأخير أن يهلك أحد الطرفين بمن عنده من صغير وكبير وذكور واُناث. وقد أطبق المفسّرون واتّفقت الرواية وأيّده التاريخ: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حضر للمباهلة ولم يحضر معه إلّا علىّ وفاطمة والحسنان عليهم السلام فلم يحضر لها إلّا نفسان وابنان ومرأة واحدة وقد امتثل أمر الله سبحانه فيها.

٢٤٥

على أنّ المراد من لفظ الآية أمر، والمصداق الّذي ينطبق عليه الحكم بحسب الخارج أمر آخر، وقد كثر في القرآن الحكم أو الوعد والوعيد للجماعة ومصداقه بحسب شأن النزول واحد كقوله تعالى:( الّذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهنّ اُمّهاتهم الآية ) المجادلة - ٢ وقوله تعالى:( والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا ) المجادلة - ٣ و قوله تعالى:( لقد سمع الله قول الّذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء ) آل عمران - ١٨١ وقوله تعالى:( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) البقرة - ٢١٩ إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الّتي وردت بلفظ الجمع ومصداقها بحسب شأن النزول مفرد.

قوله تعالى: ( ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) الابتهال من البهلة بالفتح والضمّ وهي اللعنة، هذا أصله ثمّ كثر استعماله في الدعاء والمسألة إذا كان مع إصرار وإلحاح.

وقوله: فنجعل لعنة الله كلبيان للابتهال، وقد قيل: فنجعل ولم يقل: فنسأل إشارة إلى كونها دعوة غير مردودة حيث يمتاز بها الحقّ من الباطل على طريق التوقّف والابتناء.

وقوله: الكاذبين مسوق سوق العهد دون الاستغراق أو الجنس إذ ليس المراد جعل اللعنة على كلّ كاذب أو على جنس الكاذب بل على الكاذبين الواقعين في أحد طرفي المحاجّة الواقعة بينه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين النصارى حيث قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ الله لا إله غيره وإنّ عيسى عبده ورسوله، وقالوا: إنّ عيسى هو الله أو إنّه ابن الله أو إنّ الله ثالث ثلاثة.

وعلى هذا فمن الواضح أن لو كانت الدعوى والمباهلة عليها بين النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين النصارى أعني كون أحد الطرفين مفرداً والطرف الآخر جمعاً كان من الواجب التعبير عنه بلفظ يقبل الانطباق على المفرد والجمع معاً كقولنا: فنجعل لعنة الله على من كان كاذباً فالكلام يدلّ على تحقّق كاذبين بوصف الجمع في أحد طرفي المحاجّة والمباهلة على أيّ حال: إمّا في جانب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإمّا في جانب النصارى، وهذا

٢٤٦

يعطى أن يكون الحاضرون للمباهلة شركاء في الدعوى فإنّ الكذب لا يكون إلّا في دعوى فلمن حضر مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهم علىّ وفاطمة والحسنان عليهم السلام شركة في الدعوى والدعوة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهذا من أفضل المناقب الّتي خصّ الله به أهل بيت نبيّه عليهم السلام كما خصّهم باسم الأنفس والنساء والأبناء لرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من بين رجال الاُمّة ونسائهم وأبنائهم.

فإن قلت: قد مرّ أنّ القرآن يكثر إطلاق لفظ الجمع في مورد المفرد وأنّ إطلاق النساء في الآية مع كون من حضرت منهنّ للمباهلة منحصرة في فاطمة عليها السلام فما المانع من تصحيح استعمال لفظ الكاذبين بهذا النحو؟

قلت: إنّ بين المقامين فارقاً وهو أنّ إطلاق الآيات لفظ الجمع في مورد المفرد إنّما هو لكون الحقيقة الّتي تبيّنها أمراً جائز التحقّق من كثيرين يقضي ذلك بلحوقهم بمورد الآية في الحكم، وأمّا فيما لا يجوز ذلك لكون مورد الآية ممّا لا يتعدّاه الحكم ولا يشمل غيره الوصف فلا ريب في عدم جوازه نظير قوله تعالى:( وإذ تقول للّذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتّق الله ) الأحزاب - ٣٧ وقوله تعالى:( لسان الّذي يلحدون إليه أعجمىّ وهذا لسان عربيّ مبين ) النحل - ١٠٣ وقوله تعالى:( إنّا أحللنا لك أزواجك اللّاتى آتيت اُجورهنّ - إلى أن قال -وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيّ إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) الأحزاب - ٥٠.

وأمر المباهلة في الآية ممّا لا يتعدّى مورده وهو مباهلة النبيّ مع النصارى فلو لم يتحقّق في المورد مدّعون بوصف الجمع في كلا الطرفين لم يستقم قوله: الكاذبين بصيغة الجمع البتّة.

فإن قلت: كما أنّ النصارى الوافدين على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أصحاب دعوى وهي أنّ المسيح هو الله أو ابن الله أو هو ثالث ثلاثة من غير فرق بينهم أصلاً ولا بين نسائهم وبين رجالهم في ذلك كذلك الدعوى الّتي كانت في جانب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهي أنّ

٢٤٧

الله لا إله إلّا هو وأنّ عيسى بن مريم عبده ورسوله كان القائمون بها جميع المؤمنين من غير اختصاص فيه بأحد من بينهم حتّى بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا يكون لمن أحضره فضل على غيره غير أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحضر من أحضر منهم على سبيل الانموذج لما اشتملت عليه الآية من الأبناء والنساء والأنفس. على أنّ الدعوى غير الدعوة وقد ذكرت أنّهم شركاء في الدعوة.

قلت: لو كان إتيانه بمن أتى به على سبيل الانموذج لكان من اللازم أن يحضر على الأقلّ رجلين ونسوة وأبناءً ثلاثة فليس الإتيان بمن أتى به إلّا للانحصار وهو المصحّح لصدق الامتثال بمعنى أنّه لم يجد من يمتثل في الإتيان به أمره تعالى إلّا من أتى به وهو رجل وامرأة وابنان.

وإنّك لو تأمّلت القصّة وجدت أنّ وفد نجران من النصارى إنّما وفدوا على المدينة ليعارضوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويحاجّوه في أمر عيسى بن مريم فإنّ دعوى أنّه عبدالله ورسوله إنّما كانت قائمة به مستندة إلى الوحي الّذي كان يدّعيه لنفسه، وأمّا الّذين اتّبعوه من المؤمنين فما كان للنصارى بهم شغل، ولا لهم في لقائهم هوىً كما يدلّ على ذلك قوله تعالى في صدر الآية: فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل، وكذا قوله تعالى - قبل عدّة آيات -: فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعن.

ومن هنا يظهر: أنّ إتيان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمن أتى به للمباهلة لم يكن إتياناً بنحو الانموذج إذ لا نصيب للمؤمنين من حيث مجرّد إيمانهم في هذه المحاجّة والمباهلة حتّى يعرضوا للعن والعذاب المتردّد بينهم وبين خصمهم. وإنّما أتى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمن أتى به من جهة أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان طرف المحاجّة والمداعاة فكان من حقّه أن يعرض نفسه للبلاء المترقّب على تقدير الكذب فلو لا أنّ الدعوى كانت قائمة بمن أتى به منهم كقيامها بنفسه الشريفة لم يكن لإتيانه بهم وجه فإتيانه بهم من جهة انحصار من هو قائم بدعواه من الأبناء والنساء والأنفس بهم لا من

٢٤٨

جهة الإتيان بالانموذج فقد صحّ أنّ الدعوى كانت قائمة بهم كما كانت قائمة به.

ثمّ إنّ النصارى إنّما قصدوه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا لمجرّد أنّه كان يرى أنّ عيسى ابن مريم (عليه السلام) عبدالله ورسوله ويعتقد ذلك بل لأنّه كان يدّعيه ويدعوهم إليه فالدعوة هي السبب العمدة الّتي بعثهم على الوفود والمحاجّة فحضوره وحضور من حضر معه للمباهلة لمكان الدعوى والدعوة معاً فقد كانوا شركائه في الدعوة الدينيّة كما شاركوه في الدعوى كما ذكرناه.

فإن قلت: هب إنّ إتيانه بهم لكونهم منه، وانحصار هذا الوصف بهم لكنّ الظاهر - كما تعطيه العادة الجارية - أنّ إحضار الإنسان أحبّائه وأفلاذ كبده من النساء والصبيان في المخاطر والمهاول دليل على وثوقه بالسلامة والعافية و الوقاية فلا يدلّ إتيانه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهم على أزيد من ذلك، وأمّا كونهم شركاء في الدعوة فهو بمعزل عن أن يدلّ عليه فعله.

قلت: نعم صدر الآية لا يدلّ على أزيد ممّا ذكر لكنّك قد عرفت أن ذيلها أعنى قوله: على الكاذبين يدلّ على تحقّق كاذبين في أحد طرفي المحاجّة والمباهلة البتّة، ولا يتمّ ذلك إلّا بأن يكون في كلّ واحد من الطرفين جماعة صاحبة دعوى إمّا صادقة أو كاذبة فالّذين أتى بهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مشاركون معه في الدعوى وفي الدعوة كما تقدّم فقد ثبت أنّ الحاضرين كانوا بأجمعهم صاحبي دعوى ودعوة معه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وشركاء في ذلك.

فإن قلت: لازم ما ذكرته كونهم شركاء في النبوّة.

قلت: كلّا فقد تبيّن(١) فيما أسلفناه من مباحث النبوّة أنّ الدعوة والتبليغ ليسا بعين النبوّة والبعثة وإن كانا من شؤونها ولوازمها، ومن المناصب والمقامات الإلهيّة الّتي يتقلّدها غير النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمر خاصّ من الله تعالى. وكذا تبيّن ممّا تقدّم(٢) من مبحث الإمامة أيضاً أنّهما ليسا بعين الإمامة وإن كانا من لوازمها بوجه.

____________________

(١) في تفسير آية ٢١٣ من سورة البقرة من المجلد الثاني.

(٢) في تفسير آية ١٢٤ من سورة البقرة من المجلد الاول.

٢٤٩

قوله تعالى: ( إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إله إلّا الله ) هذا إشارة إلى ما تقدّم من قصص عيسى (عليه السلام) والكلام مشتمل على قصر القلب أي ما قصصناه هو الحقّ دون ما تدّعيه النصارى من أمر عيسى.

وفي الإتيان بإنّ واللام وضمير الفصل تأكيد بالغ لتطييب نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتشجيعه في أمر المباهلة بإيقاظ صفة يقينه وبصيرته ووثوقه بالوحي الّذي أنزله الله سبحانه إليه، ويتعقّبه التأكيد الثاني بإيراد الحقيقة بلازمها وهو قوله: وما من إله إلّا الله فإنّ هذه الجملة لازمة كون القصص المذكور حقّاً.

قوله تعالى: ( وإنّ الله لهو العزيز الحكيم ) معطوف على أوّل الآية وهو بما فيه من التأكيد البالغ تطييب آخر وتشجيع لنفس النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ الله لا يعجز عن نصرة الحقّ وتأييده ولا أنّه يغفل أو يلهو عن ذلك بإهمال أو جهل فإنّه هو العزيز (فلا يعجز عمّا أراده) الحكيم (فلا يجهل ولا يهمل) لا ما عملته أوهام خصماء الحقّ من إله غير الله سبحانه.

ومن هنا يظهر وجه الإيتان بالاسمين: العزيز الحكيم، وأنّ الكلام مسوق لنصر القلب أو الإفراد.

قوله تعالى: ( فإنّ الله عليم بالمفسدين ) لمّا كان الغرض من المحاجّة وكذا المباهلة بحسب الحقيقة هو إظهار الحقّ لم يكن يعقل التولّى عن الطريق لمريد الغرض والمقصد فلو كانوا أرادوا بذلك إظهار الحقّ وهم يعلمون أنّ الله سبحانه ولىّ الحقّ لا يرضى بزهوقه ودحوضه لم يتولّوا عنها فإن تولّوا فإنّما هو لكونهم لا يريدون بالمحاجّة ظهور الحقّ بل الغلبة الظاهريّة والاحتفاظ على ما في أيديهم من حاضر الوضع، والسنّة الّتي استحكمت عليه عادتهم، فهم إنّما يريدون ما تزيّنه لهم أهواؤهم وهوساتهم من شكل الحياة، لا الحياة الصالحة الّتي تنطبق على الحقّ والسعادة فهم لا يريدون إصلاحاً بل إفساد الدنيا بإفساد الحياة السعيدة فإن تولّوا فإنّما هو لأنّهم مفسدون.

ومن هنا يظهر أنّ الجزاء وضع فيه السبب مكان المسبّب أعني الإفساد مكان عدم إرادة ظهور الحقّ.

٢٥٠

وقد ضمّن الجزاء وصف العلم حيث قيل: فإنّ الله عليم ثمّ اُكّد بإنّ ليدلّ على أنّ هذه الصفة متحقّقة في نفوسهم ناشبة في قلوبهم فيشعر بأنّهم سيتولّون عن المباهلة لا محالة وقد فعلوا وصدّقوا قول الله بفعلهم.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ عن الصادق (عليه السلام): أنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان سيّدهم الأهتم والعاقب والسيّد، وحضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون الناقوس وصلّوا، فقال أصحاب رسول الله: يا رسول الله هذا في مسجدك؟ فقال: دعوهم فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله فقالوا إلى ما تدعو ؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، وأنّ عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث. قالوا: فمن أبوه ؟ فنزل الوحي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم، أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدث وينكح ؟ فسألهم النبيّ. فقالوا نعم: قال فمن أبوه ؟ فبهتوا فأنزل الله: إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب الآية وقوله: فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم - إلى قوله - فنجعل لعنه الله على الكاذبين فقال رسول الله: فباهلوني فإن كنت صادقاً اُنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذباً اُنزلت عليّ فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيّد والعاقب والأهتم إن باهلنا بقومه باهلناه فإنّه ليس نبيّاً وإن باهلنا باهل بيته خاصّة لم نباهله فإنّه لا يقدم إلى أهل بيته إلّا وهو صادق فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعه أميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال النصارى: من هؤلاء ؟ فقيل لهم هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه عليّ بن أبي طالب، وهذا ابنته فاطمة، وهذا ابناه الحسن والحسين ففرقوا فقالوا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة فصالحهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الجزية وانصرفوا.

وفي العيون بإسناده عن الريّان بن الصلت عن الرضا (عليه السلام) في حديثه مع المأمون

٢٥١

والعلماء في الفرق بين العترة والاُمّة وفضل العترة على الاُمّة وفيه قالت العلماء: هل فسّر الله الاصطفاء في كتابه ؟ فقال الرضا (عليه السلام): فسّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعاً وذكر المواضع من القرآن، وقال فيها: وأمّا الثالثة حين ميّز الله الطاهرين من خلقه، وأمر نبيّه بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عزّوجلّ فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم. قالت العلماء: عنى به نفسه. قال أبوالحسن: غلطتم إنّما عنى به علىّ بن أبي طالب وممّا يدلّ على ذلك قول النبيّ لينتهيّن بنوا وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلاً كنفسي يعني علىّ بن أبي طالب، وعني بالأبناء الحسن والحسين، وعني بالنساء فاطمة فهذه خصوصيّة لا يتقدّمهم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم فيه بشر، وشرف لا يسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس عليّ كنفسه، الحديث.

وعنه بإسناده إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث له مع الرشيد قال الرشيد، له: كيف قلتم: إنا ذرّيّة النبيّ، والنبيّ لم يعقّب، وإنّما العقب للذكر لا للاُنثى، وأنتم ولد البنت ولا يكون له عقب. فقلت: أساله بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلّا ما أعفاني عن هذه المسألة. فقال: تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد عليّ وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم. كذا اُنهي إليّ، ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله، وأنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شئ لا ألف ولا واو إلّا تأويله عندكم، واحتججتم بقوله عزّوجلّ: ما فرّطنا في الكتاب من شئ، وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.

فقلت: تأذن لي في الجواب ؟ فقال: هات. قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس من أبوعيسى يا أميرالمؤمنين ؟ فقال: ليس له أب فقلت: إنّما ألحقه بذراري الأنبياء من طريق مريم وكذلك ألحقنا الله تعالى بذراري النبيّ من اُمنّا فاطمة. أزيدك يا أميرالمؤمنين ؟ قال: هات. قلت: قول الله عزّوجلّ: فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا

٢٥٢

وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبيّ تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين فكان تأويل قوله: أبنائنا الحسن والحسين، ونسائنا فاطمة، وأنفسنا عليّ بن أبي طالب.

وفي سؤالات المأمون عن الرضا (عليه السلام): قال المأمون: ما الدليل على خلافة جدّك عليّ بن أبي طالب ؟ قال: آية أنفسنا قال لولا نسائنا قال لولا أبنائنا.

أقول: قوله: آية أنفسنا يريد أنّ الله جعل نفس عليّ كنفس نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقوله: لو لا نسائنا معناه: أنّ كلمة نسائنا في الآية دليل على أنّ المراد بالأنفس الرجال فلا فضيلة فيه حينئذ. وقوله: لو لا أبنائنا معناه أنّ وجود أبنائنا فيها يدلّ على خلافه فإنّ المراد بالأنفس لو كان هو الرجال لم يكن مورد لذكر الأبناء.

وفي تفسير العيّاشيّ بإسناده عن حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) سئل عن فضائله فذكر بعضها ثمّ قالوا له زدنا فقال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أتاه حبران من أحبار النصارى من أهل نجران فتكلّما في أمر عيسي فأنزل الله هذه الآية: إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم إلى آخر الآية فدخل رسول الله فأخذ بيد عليّ والحسن والحسين وفاطمة ثمّ خرج ورفع كفّه إلى السماء وفرّج بين أصابعه، ودعاهم إلى المباهلة. قال: وقال أبوجعفر عليهماالسلام وكذلك المباهلة يشبّك يده في يده يرفعهما إلى السماء فلمّا رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه: والله لئن كان نبيّاً لنهلكنّ وإن كان غير نبيّ كفانا قومه فكفّا وانصرفا.

اقول: وهذا المعنى أو ما يقرب منه مرويّ في روايات اُخر من طرق الشيعة وفي جميعها أنّ الّذين أتى بهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للمباهلة هم عليّ وفاطمة والحسنان. فقد رواه الشيخ في أماليه بإسناده عن عامر بن سعد عن أبيه، ورواه أيضاً فيه بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق (عليه السلام) ورواه فيه أيضاً بإسناده عن سالم ابن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذرّ رضوان الله عليه ورواه أيضاً فيه بإسناده عن ربيعة ابن ناجد عن عليّ (عليه السلام). ورواه المفيد في كتاب الاختصاص بإسناده عن محمّد بن الزبرقان عن موسى بن

٢٥٣

جعفر عليهما السلام. ورواه أيضاً فيه عن محمّد بن المنكدر عن أبيه عن جدّه ورواه العيّاشيّ في تفسيره عن محمّد بن سعيد الأردنيّ عن موسى بن محمّد بن الرضا عن أخيه. ورواه أيضاً عن أبي جعفر الأحول عن الصادق (عليه السلام) ورواه أيضاً فيه في رواية اُخرى عن الأحول عنه (عليه السلام) وعن المنذر عن عليّ (عليه السلام). ورواه أيضاً فيه بإسناده عن عامر بن سعد. ورواه الفرات في تفسيره معنعناً عن أبي جعفر وعن أبي رافع والشعبيّ وعلىّ (عليه السلام) وشهر بن حوشب. ورواه في روضة الواعظين وفي إعلام الورى، وفي الخرائج وغيرها.

وفي تفسير الثعلبيّ عن مجاهد والكلبيّ: أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتّى نرجع وننظر فلمّا تخالوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمّداً نبيّ مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيّاً قطّ فعاش كبيرهم، ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لنهلكنّ فإن أبيتم إلّا إلف دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول الله وقد غدا محتضناً بالحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه، وعليّ خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمّنوا. فقال أسقف نجران، يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أباالقاسم رأينا أن لا نباهلك. وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا قال: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم فأبوا. قال: فإنّي اُناجزكم. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك كلّ عامّ ألفي حلّة: ألف في صفر، وألف في رجب وثلاثين درعاً عاديّة من حديد فصالحهم على ذلك.

وقال: والّذي نفسي بيده إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا.

٢٥٤

اقول: وروى القصّة: قريباً منه في كتاب المغازي عن ابن إسحاق ورواه أيضاً المالكيّ في الفصول المهمّة عن المفسّرين قريباً منه. ورواه الحمويّ عن ابن جريح قريباً منه.

وقوله: ألف في صفر المراد به المحرّم وهو أوّل السنة عند العرب وقد كان يسمّى صفراً في الجاهليّة فيقال صفر الأوّل وصفر الثاني وقد كانت العرب تنسئ في الصفر الأوّل ثمّ أقرّ الإسلام الحرمة في الصفر الأوّل فسمّي لذلك بشهر الله المحرّم ثمّ اشتهر بالمحرم.

وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب قال أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلن أسبّه، لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إلىّ من حمر النعم، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول حين خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هرون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ؟ وسمعته يقول يوم خيبر: لاُعطيّن الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. قال: فتطاولنا لها. فقال: اُدعوا لي عليّاً فاتي به أرمد العين فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله على يده. ولمّا نزلت هذه الآية: قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي.

اقول: ورواه الترمذيّ في صحيحه. ورواه أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد في كتاب فضائل عليّ. ورواه أيضاً أبو نعيم في الحلية عن عامر بن سعد عن أبيه. ورواه الحموينيّ في كتاب فرائد السمطين.

وفي حلية الأولياء لأبي نعيم بإسناده عن عامر بن أبي وقّاص عن أبيه قال: لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي.

وفيه بإسناده عن الشعبيّ عن جابر قال: قدم على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) العاقب والطيّب فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمّد فقال: كذبتما إن شئتما

٢٥٥

أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام فقالا: فهات إلينا. قال: حبّ الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير. قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى أن يفداه بالغداة فغدا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأخذ بيد عليّ والحسن والحسين وفاطمة فأرسل اليهما فأبيا أن يجيباه وأقرّا له. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والّذي بعثني بالحقّ لو فعلاً لأمطر عليهم الوادي ناراً قال جابر: فيهم نزلت: ندع أبنائنا وأبنائكم قال جابر: أنفسنا وأنفسكم رسول الله وعليّ، وأبنائنا الحسن والحسين، ونسائنا فاطمة.

أقول: ورواه ابن المغازليّ في مناقبه بإسناده عن الشعبيّ عن جابر، ورواه أيضاً الحموينيّ في فرائد السمطين بإسناده عنه. ورواه المالكيّ في الفصول المهمّة مرسلاً عنه. ورواه أيضاً عن أبي داود الطيالسيّ عن شعبة الشعبيّ مرسلاً. ورواه في الدرّ المنثور عن الحاكم وصحّحه وعن ابن مردويه وأبي نعيم في الدلائل عن جابر.

وفي الدرّ المنثور خرج أبونعيم في الدلائل من طريق الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس: أنّ وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم منهم السيّد وهو الكبير، والعاقب وهو الّذي يكون بعده وصاحب رأيهم ثمّ ساق القصّة نحواً ممّا مرّ.

وفيه أيضاً أخرج البيهقيّ في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جدّه: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان: بسم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمّد رسول الله إلى اسقفّ نجران وأهل نجران إن أسلمتم فإنّي أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أمّا بعد فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية من الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فقد آذنتكم بالحرب والسلام. فلمّا قرأ الأسقفّ الكتاب فظع به وذعر ذعراً شديداً فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له: شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقرأه فقال له الأسقفّ ما رأيك ؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرّيّة إسماعيل من النبوّة فما يؤمن أن يكون هذا الرجل ؟ ليس لي في النبوّة رأي، لو كان رأى من أمر الدنيا أشرت عليك فيه، وجهدت

٢٥٦

لك فبعث الأسقفّ إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلّهم قالوا مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة، وعبدالله بن شرحبيل وجبّار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

فانطلق الوفد حتّى أتوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتّى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم ؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما عندي فيه شئ يومى هذا فأقيموا حتّى اُخبركم بما يقال في عيسى صبح الغد فأنزل الله هذه الآية: إنّ مثل عيسى عندالله كمثل آدم خلقه من تراب - إلى قوله-: فنجعل لعنة الله على الكاذبين، فأبوا أن يقرّوا بذلك فلمّا أصبح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة، وله يومئذ عدّة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه: إنّي أرى أمراً مقبلاً إن كان هذا الرجل نبيّاً مرسلاً فلاعنّاه لا يبقى على وجه الأرض منّا شعر ولا ظفر إلّا هلك فقالا له: ما رأيك ؟ فقال: رأيي أن احكّمه فإنّي أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً فقالا له: أنت وذلك، فتلقّى شرحبيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: إنّي قد رأيت خيراً من ملاعنتك. قال: وما هو ؟ قال حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز فرجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية.

وفيه أخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكريّ قال: لمّا نزلت هذه الآية: قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم الآية أرسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم، فقال شابّ من اليهود: ويحكم إليس عهدتم بالأمس إخوانكم الّذين مسخوا قردة وخنازير ؟ لا تلاعنوا فانتهوا.

أقول: والرواية تؤيّد أن يكون الضمير في قوله تعالى: فمن حاجّك فيه راجعاً إلى الحقّ في قوله: الحقّ من ربّك فيتمّ بذلك حكم المباهلة لغير خصوص

٢٥٧

عيسى بن مريم (عليه السلام) وتكون حينئذ هذه قصّة اُخرى واقعة بعد قصّة دعوة وفد نجران إلى المباهلة على ما تقصّه الأخبار الكثيرة المتظافرة المنقولة أكثرها فيما تقدّم.

وقال ابن طاوس في كتاب سعد السعود رأيت في كتاب تفسير ما نزل من القرآن في النبيّ وأهل بيته تأليف محمّد بن العبّاس بن مروان: أنّه روى خبر المباهلة من أحد وخمسين طريقاً عمّن سمّاه من الصحابة وغيرهم وعدّ منهم الحسن بن عليّ عليهما السلام وعثمان بن عفّان وسعد بن أبي وقّاص وبكر بن سمال وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عبّاس وأبا رافع مولى النبيّ وجابر بن عبدالله والبراء بن عازب وأنس بن مالك.

وروى ذلك في المناقب عن عدّة من الرواة والمفسّرين وكذا السيوطيّ في الدرّ المنثور.

ومن عجيب الكلام ما ذكره بعض المفسّرين حيث قال: إنّ الروايات متّفقة على أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اختار للمباهلة عليّاً وفاطمة وولديهما، ويحملون كلمة نسائنا على فاطمة وكلمة أنفسنا على عليّ فقط. ومصادر هذه الروايات الشيعة ومقصدهم منها معروف وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتّى راجت على كثير من أهل السنّة ولكنّ واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية فإنّ كلمة نسائنا لا يقولها العربيّ ويريد بها بنته لا سيّما إذا كان له أزواج ولا يفهم هذا من لغتهم. وأبعد من ذلك أن يراد بأنفسنا عليّ ثمّ إنّ وفد نجران الّذين قالوا: إنّ الآية نزلت فيهم لم يكن معهم نساؤهم وأولادهم وكلّ ما يفهم من الآيه أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يدعوا المحاجّين والمجادلين في عيسى من أهل الكتاب إلى الاجتماع رجالاً ونسائاً وأطفالاً ويجمع هو المؤمنين رجالاً ونسائاً وأطفالاً ويبتهلون إلى الله تعالى بأن يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى.

وهذا الطلب يدلّ على قوّة يقين صاحبه، وثقته بما يقول كما يدلّ امتناع من دعوا إلى ذلك من أهل الكتاب سواء كانوا نصارى نجران أو غيرهم على امترائهم في حجاجهم ومما راتهم فيما يقولون، وزلزالهم فيما يعتقدون، وكونهم على غير بيّنة و

٢٥٨

لا يقين، وأنّى لمن يؤمن بالله أن يرضى بأن يجتمع هذا الجمع من الناس المحقّين والمبطلين في صعيد واحد متوجّهين إلى الله في طلب لعنه وإبعاده من رحمته ؟ وأيّ جرأة على الله واستهزاء بقدرته وعظمته أقوى من هذا؟

قال: أمّا كون النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين كانوا على يقين ممّا يعتقدون في عيسى (عليه السلام) فحسبنا في بيانه قوله تعالى: من بعد ما جاءك من العلم فالعلم في هذه المسائل الاعتقاديّة لا يراد به إلّا اليقين، وفي قوله: ندع أبنائنا وأبنائكم إلخ وجهان:

أحدهما: أنّ كلّ فريق يدعو الآخر فأنتم تدعون أبنائنا ونحن ندعو أبنائكم، وهكذا الباقي.

وثانيهما: أنّ كلّ فريق يدعو أهله فنحن المسلمون ندعو أبنائنا ونسائنا وأنفسنا وأنتم كذلك.

ولا إشكال في وجه من وجهي التوزيع في دعوة الأنفس، وإنّما الإشكال فيه على قول الشيعة، ومن شايعهم على القول بالتخصيص. انتهى.

اقول: وهذا الكلام - وأحسب أنّ الناظر فيه يكاد يتّهمنا في نسبته إلى مثله، واللبيب لا يرضى بإيداعه وأمثاله في الزبر العلميّة - إنّما أوردناه على وهنه وسقوطه ليعلم أنّ النزعة والعصبيّة إلى أين يورد صاحبه من سقوط الفهم وردائة النظر فيهدم كلّ ما بنى عليه ويبني كلّ ما هدمه ولا يبالي، ولأنّ الشرّ يجب أن يعلم ليجتنب عنه.

والكلام في مقامين: أحدهما: دلالة الآية على أفضليّة عليّ (عليه السلام)، وهو بحث كلاميّ خارج عن الغرض الموضوع له هذا الكتاب، وهو النظر في معاني الآيات القرآنيّة.

وثانيهما: البحث عمّا ذكره هذا القائل من حيث تعلّقه بمدلول آية المباهلة، والروايات الواردة في ما جرى بين النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين وفد نجران، وهذا بحث تفسيريّ داخل في غرضنا.

وقد عرفت ما تدلّ عليه الآية، وأنّ الّذي نقلناه من الأخبار المتكثّرة

٢٥٩

المتظافرة هو الّذي يطابق مدلول الآية. وبالتأمّل في ذلك يتّضح وجوه الفساد في هذه الحجّة المختلقة والنظر الواهي الّذي لا يرجع إلى محصّل. وهاك تفصيلها:

منها: أنّ قوله: ومصادر هذه الروايات الشيعة - إلى قوله: وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتّى راجت على كثير من أهل السنّة بعد قوله: إنّ الروايات متّفقة ليت شعري أيّ روايات يعنى بهذا القول ؟ أمراده هذه الروايات المتظافرة الّتي أجمعت على نقلها وعدم طرحها المحدّثون، وليست بالواحدة والاثنتين والثلاث أطبق على نقلها وتلقّيها بالقبول أهل الحديث، وأثبتها أرباب الجوامع في جوامعهم، ومنهم مسلم في صحيحه والترمذيّ في صحيحه وأيّدها أهل التاريخ.

ثمّ أطبق المفسّرون على إيرادها وإيداعها في تفاسيرهم من غير اعتراض أو ارتياب، وفيهم جمع من أهل الحديث والتاريخ كالطبريّ وأبي الفداء بن كثّير والسيوطيّ وغيرهم.

ثمّ من الّذي يعنيه من الشيعة المصادر لهذه الروايات ؟ أيريد بهم الّذين تنتهي إليهم سلاسل الأسناد في الروايات أعني سعد بن أبي وقّاص وجابر بن عبدالله وعبدالله بن عبّاس وغيرهم من الصحابة ؟ أو التابعين الّذين نقلوا عنهم بالأخذ والرواية كأبي صالح والكلبيّ والسديّ والشعبيّ وغيرهم، وأنّهم تشيّعوا لنقلهم ما لا يرتضيه بهواه فهؤلاء وأمثالهم ونظراؤهم هم الوسائط في نقل السنّة، ومع رفضهم لا تبقى سنّة مذكورة ولا سيرة مأثورة وكيف يسع لمسلم أو باحث حتّى ممّن لا ينتحل بالإسلام أن يبطل السنّة ثمّ يروم أن يطلّع على تفاصيل ما جاء به النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من تعليم وتشريع والقرآن ناصّ بحجّيّة قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسيرته وناصّ ببقاء الدين على حياته، ولو جاز بطلان السنّة من رأس لم يبق للقرآن أثر ولا لإنزاله ثمر.

أو أنّه يريد أنّ الشيعة دسّوا هذه الأحاديث في جوامع الحديث وكتب التاريخ فيعود محذور سقوط السنّة وبطلان الشريعة بل يكون البلوى أعمّ والفساد أتمّ.

ومنها: قوله: وحملون كلمة نسائنا على فاطمة، وكلمة أنفسنا على عليّ

٢٦٠

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

فتحصّنوا عنه بالحصون، وتمادى بهم التحصّن قريباً من سنة ونصف حتّى ظهر فيهم القحط والوباء.

وأصرّ بخت نصّر على المحاصرة حتّى فتح الحصون، وذلك في سنة خمسمائة وستّ وثمانين قبل المسيح، وقتل نفوسهم، وخرب ديارهم وخرّبوا بيت الله وأفنوا كلّ آية وعلامة دينيّة وبدّلوا هيكلهم تلّاً من تراب، وفقدت عند ذلك التوراة والتابوت الّذي كانت تجعل فيه.

وبقى الأمر على هذا الحال خمسين سنة تقريباً وهم قاطنون ببابل وليس من كتابهم عين ولا أثر ولا من مسجدهم وديارهم إلّا تلال ورياع.

ثمّ لمّا جلس كورش من ملوك فارس على سرير الملك وكان من أمره مع البابليّين ما كان وفتح بابل ودخله أطلق اُسراء بابل من بني اسرائيل وكان عزرا المعروف من المقرّبين عنده فأمّره عليهم وأجاز له أن يكتب لهم كتابهم التوراة ويبني لهم الهيكل ويعيدهم إلى سيرتهم الاُولى وكان رجوع عزرا بهم إلى بيت المقدس سنة أربعمائة وسبعة وخمسين قبل المسيح وبعد ذلك جمع عزرا كتب العهد العتيق وصحّحها وهي التوراة الدائرة اليوم(١) .

وأنت ترى بعد التدبّر في القصّة أنّ سند التوراة الدائرة اليوم مقطوعة غير متّصلة بموسى (عليه السلام) إلّا بواحد (وهو عزرا) لا نعرفه أوّلاً ولا نعرف كيفيّة اطّلاعه وتعمّقه ثانياً ولا نعرف مقدار أمانته ثالثاً، ولا نعرف من أين أخذ ما جمعه من أسفار التوراة رابعاً، ولا ندري بالاستناد إلى أيّ مستند صحّح الأغلاط الواقعة أو الدائرة خامساً.

وقد أعقبت هذه الحادثة المشئومة أثراً مشئوماً آخر وهو إنكار عدّة من باحثي المورّخين من الغربيّين وجود موسى وما يتبعه، وقولهم: إنّه شخص خياليّ كما قيل

____________________

(١) مأخوذ من قاموس الكتاب المقدّس تأليف مستر هاكس الامريكائي الهمداني ومآخذ اُخرى من التواريخ.

٣٤١

نظيره في المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام. لكنّ ذلك لا يسع لمسلم فإنّ القرآن الشريف يصرّح بوجوده (عليه السلام) وينصّ عليه.

٢ - قصّة المسيح والإنجيل:

اليهود مهتمون بتاريخ قوميّتهم وضبط الحوادث الظاهرة في الأعصار الّتي مرّت بهم، ومع ذلك فإنّك لو تتبّعت كتبهم ومسفوراتهم لم تعثر فيها على ذكر المسيح عيسى بن مريم (عليه السلام): لا على كيفيّة ولادته ولا على ظهوره ودعوته ولا على سيرته والآيات الّتي أظهرها الله على يديه ولا على خاتمة حياته من موت أو قتل أو صلب أو غير ذلك. فما هو السبب في ذلك؟ وما هو الّذي أوجب خفاء أمره عليهم أو إخفائهم أمره؟

والقرآن يذكر عنهم أنّهم قذفوا مريم ورموها بالبهتان في ولادة عيسى، وأنّهم ادّعوا قتل عيسى. قال تعالى:( وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم إنّا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبّه لهم وإنّ الّذين اختلفوا فيه لفي شكّ منه ما لهم به من علم إلّا اتّباع الظنّ وما قتلوه يقيناً ) النساء - ١٥٧.

فهل كانت دعواهم تلك مستندة إلى حديث دائر بينهم كانوا يذكرونه بين قصصهم القوميّة من غير أن يكون مودعاً في كتاب؟ وعند كلّ اُمّة أحاديث دائرة من واقعيّات وأساطير لا اعتبار بها ما لم تنته إلى مآخذ صحيحة قويمة.

أو أنّهم سمعوا من النصارى الذكر المكرّر من المسيح وولادته وظهوره ودعوته فأخذوا ذلك من أفواههم وباهتوا مريم، وادّعوا قتل المسيح؟ لا طريق إلى استبانة شئ من ذلك غير أنّ القرآن - كما يظهر بالتدبّر في الآية السابقة - لا ينسب إليهم صريحاً إلّا دعوى القتل دون الصلب، ويذكر أنّهم على ريب من الأمر وأنّ هناك اختلافاً.

وأمّا حقيقة ما عند النصارى من قصّة المسيح وأمر الإنجيل والبشارة فهي أنّ قصّته (عليه السلام) وما يتعلّق بها تنتهي عندهم إلى الكتب المقدّسة عندهم وهي الأناجيل الأربعة الّتي هي أناجيل متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا، وكتاب أعمال الرسل للوقا،

٣٤٢

وعدّة رسائل لبولس وبطرس ويعقوب ويوحنّا ويهودا. واعتبار الجميع ينتهي إلى اعتبار الأناجيل فلنشتغل بها:

أمّا إنجيل متّى فهو أقدم الأناجيل في تصنيفه وانتشاره ذكر بعضهم أنّه صنّف سنة ٣٨ الميلاديّة، وذكر آخرون أنّه كتب ما بين سنة ٥٠ إلى سنة ٦٠(١) فهو مؤلّف بعد المسيح.

والمحقّقون من قدمائهم ومتأخّريّهم على أنّه كان أصله مكتوباً بالعبرانيّة ثمّ ترجم إلى اليونانيّة وغيرها أمّا النسخة الأصليّة العبرانيّة فمفقودة، وأمّا الترجمة فلا يدري حالها، ولا يعرف مترجمها(٢) .

وأمّا إنجيل مرقس: فمرقس هذا كان تلميذاً لبطرس، ولم يكن من الحواريّين وربّما ذكروا أنّه إنّما كتب إنجيله بإشارة بطرس وأمره، وكان لا يرى إلهيّة المسيح(٣) ولذلك ذكر بعضهم أنّه إنّما كتب إنجيله للعشائر وأهل القرى فعرّف المسيح تعريف رسول إلهيّ مبلّغ لشرائع الله(٤) وكيف كان فقد كتب إنجيله سنة ٦١ ميلاديّة.

وأما إنجيل لوقا: فلوقا هذا لم يكن حواريّاً ولا رأى المسيح وإنّما تلقّن النصرانيّة من بولس، وبولس كان يهوديّاً متعصّباً على النصرانيّة يوذي المؤمنين بالمسيح ويقلّب الاُمور عليهم ثمّ اتّفق مفاجأة أن ادّعى أنّه صرع وفي حال الصرع لمسه المسيح ولامه وزجره عن الإساءة إلى متّبعيه وأنّه آمن بالمسيح وأرسله المسيح ليبشّر بإنجيله.

____________________

(١) قاموس الكتاب المقدّس للمستر هاكس مادّة - متى.

 (٢) كتاب ميزان الحقّ واعتراف به على تردّد في قاموس الكتاب المقدّس.

 (٣) نقل ذلك عبد الوهّاب النجّار في قصص الأنبياء عن كتاب مروج الاخبار في تراجم الاخبار لبطرس قرماج.

(٤) ذكره في قاموس الكتاب المقدّس. يقول فيه: إن نصّ تواتر السلف على أن مرقس كتب إنجيله برومية وانتشر بعد وفاة بطرس وبولس لكنّه ليس له كثير اعتبار لأن ظاهر إنجيله أنّه كتبه لأهل القبائل والقرويين لا لأهل البلاد وخاصّة الروميّة. فتدبّر في كلامه !

٣٤٣

وبولس هذا هو الّذي شيّد أركان النصرانيّة الحاضرة على ما هي عليها(١) فبني التعليم على أنّ الإيمان بالمسيح كاف في النجاة من دون عمل وأباح لهم أكل الميتة ولحم الخنزير ونهى عن الختنة وكثير ممّا في التوراة(٢) مع أنّ الإنجيل لم يأت إلّا مصدّقاً لما بين يديه من التوراة، ولم يحلّل إلّا أشياء معدودة. وبالجملة إنّما جاء عيسى ليقوّم شريعة التوراة ويردّ إليها المنحرفين والفاسقين لا ليبطل العمل ويقصر السعادة على الإيمان الخالي.

وقد كتب لوقا إنجيله بعد إنجيل مرقس. وذلك بعد موت بطرس وبولس. وقد صرّح جمع بأنّ إنجيله ليس كتاباً إلهاميّاً كسائر الأناجيل(٣) كما يدلّ عليه ما وقع في مبتدء إنجيله.

وأمّا إنجيل يوحنّا فقد ذكر كثير من النصارى أنّ يوحنّا هذا هو يوحنّا بن زبديّ الصيّاد أحد التلاميذ الإثنى عشر (الحواريّين) الّذي كان يحبّه المسيح حبّاً شديداً(٤) .

وذكروا أنّ (شيرينطوس) و(أبيسون) وجماعتهما لمّا كانوا يرون أنّ المسيح ليس إلّا إنساناً مخلوقاً لا يسبق وجوده وجود اُمّه اجتمعت أساقفة آسيا وغيرهم في سنة ٩٦

____________________

(١) راجع مادّة بولس من قاموس الكتاب المقدّس.

(٢) راجع كتاب أعمال الرسل ورسائل بولس.

(٣) قال في أوّل إنجيل لوقا:( لأجل أن كثيرين راموا كتب قصص الاُمور الّتي نحن بها عارفون كما عهد الينا اولئك الأوّلون الّذين كانوا من قبل معاينين وكانوا خداما للكلمة رأيت أنا أيضاً إذ كنت تابعا لكلّ شئ بتحقيق أن أكتب اليك أيّها العزيز ثاوفيلا) ودلالته على كون الكتاب نظريا غير إلهامي ظاهرة وقد نقل ذلك أيضاً عن مستر كدل في رسالة اللّهمّ وصرح جيروم أن بعض القدماء كانوا يشكون في البابين الأوّلين من إنجيل لوقا وأنّهما ما كانا في نسخة فرقة مارسيوني وجزم إكهارن في كتابه ص ٩٥ أن من ف ٤٣ إلى ٤٧ من الباب ٢٢ من إنجيل لوقا الحاقية وذكر إكهارن أيضاً في ص ٦١ من كتابه: قد اختلط الكذب الروائي ببيان المعجزات الّتي نقلها لوقا والكاتب ضمه على طريق المبالغة الشاعرية لكن تمييز الصدق عن الكذب في هذا الزمان عسير وقول:( كلي مي شيس أن متّى ومرقس يتخالفان في التحرير وإذا اتفقا ترجح قولهما على قول لوقا) نقل عن قصص الأنبياء للنجّار - ص ٤٧٧.

(٤) راجع قاموس الكتاب المقدّس مادّة يوحنّا.

٣٤٤

ميلاديّة عند يوحنّا والتمسوا منه أن يكتب ما لم يكتبه الآخرون في أناجيلهم ويبيّن بنوع خصوصيّ لاهوت المسيح فلم يسعه أن ينكر إجابة طلبهم(١) .

وقد اختلفت كلماتهم في السنة الّتي اُلّف فيها هذا الإنجيل فمن قائل أنّها سنة ٦٥ وقائل أنّها سنة ٩٦ وقائل أنّها سند ٩٨.

وقال جمع منهم إنّه ليس تأليف يوحنّا التلميذ: فبعضهم على أنّه تأليف طالب من طلبة المدرسة الاسكندريّة(٢) وبعضهم على أنّ هذا الإنجيل كلّه وكذا رسائل يوحنّا ليست من تصنيفه بل إنّما صنّفه بعضهم في ابتداء القرن الثاني، ونسبه إلى يوحنّا ليعتربه الناس(٣) وبعضهم على أنّ إنجيل يوحنّا كان في الأصل عشرين باباً فألحقت كنيسة (أفاس) الباب الحادي والعشرين بعد موت يوحنّا(٤) فهذه حال هذه الأناجيل الأربعة وإذا أخذنا بالقدر المتيقّن من هذه الطرق انتهت إلى سبعة رجال هم: متّى، مرقس، لوقا، يوحنّا، بطرس، بولس، يهوذا، ينتهي ركونهم كلّه إلى هذه الأناجيل الأربعة وينتهي الأربعة إلى واحد هو أقدمها وأسبقها وهو إنجيل متّى وقد مرّ أنّه ترجمة مفقود الأصل لا يدري من الّذي ترجمه؟ وكيف كان أصله. وعلى ما ذا كان يبني تعليمه أبرسالة المسيح أم باُلوهيّته.

وهذا الإنجيل الموجود يترجم أنّه ظهر في بني إسرائيل رجل يدعى عيسى بن يوسف النجّار وأقام الدعوة إلى الله، وكان يدّعي أنّه ابن الله مولود من غير أب بشريّ وأنّ أباه أرسله ليفدي به الناس عن ذنوبهم بالصلب والقتل، وأنّه أحيى الميّت وأبرء الأكمه والأبرص وشفى المجانين بإخراج الجنّ من أبدانهم، وأنّه كان له إثنا عشر تلميذاً: أحدهم متّى صاحب الإنجيل بارك لهم وأرسلهم للدعوة وتبليغ الدين المسيحيّ إلخ.

____________________

(١) نقله في قصص الأنبياء عند جرجس زوين الفتوحي اللبناني في كتابه.

 (٢) نقل ذلك من كتاب (كاتلك هر الد) في المجلد السابع المطبوع سنة ١٨٤٤ ص ٢٠٥ نقله عن استادلن (عن القصص) وأشار إليه في القاموس في مادّة يوحنّا.

 (٣) قال ذلك (بر طشنيدر) على ما نقل عن كتاب الفاروق المجلد الأوّل (عن القصص).

(٤) المدرك السابق.

٣٤٥

 فهذا ملخّص ما تنتهى إليه الدعوة المسيحيّة على انبساطها على شرق الأرض وغربها، وهو لا يزيد على خبر واحد مجهول الاسم والرسم، مبهم العين والوصف.

وهذا الوهن العجيب في مبدء القصّة هو الّذي أوجب لبعض أحرار الباحثين من اُروبه أن أدّعى أنّ المسيح عيسى بن مريم شخص خياليّ صوّره بعض النزعات الدينيّة على حكومات الوقت أو لها وتأيّد ذلك بموضوع خرافيّ آخر يشبهه كلّ الشبه في جميع شئون القصّة وهو موضوع (كرشنا) الّذي تدّعي وثنيّة الهند القديمة أنّه ابن الله نزل عن لاهوته، وفدى الناس بنفسه صلباً ليخلّصهم من الأوزار والخطايا كما يدّعى في عيسى المسيح حذو النعل بالنعل (كما سيجئ ذكره).

وأوجب لآخرين من منتقدي الباحثين أن يذهبوا إلى أنّ هناك شخصين مسمّيين بالمسيح: المسيح غير المصلوب، والمسيح المصلوب. وبينهما من الزمان ما يزيد على خمسة قرون.

وأنّ التاريخ الميلاديّ الّذي سنتنا هذه سنة الف وتسعمائة وستّة وخمسين منه لا ينطبق على واحد منهما بل المسيح الأوّل غير المصلوب يتقدّم عليه بما يزيد على مأتين وخمسين سنة وقد عاش نحواً من ستّين سنة والمسيح الثاني المصلوب يتأخّر عنه بما يزيد على مأتين وتسعين سنة وقد عاش نحواً من ثلاث وثلاثين سنة(١)

على أنّ عدم انطباق التاريخ الميلاديّ على ميلاد المسيح في الجملة ممّا لم يسع للنصارى إنكاره(٢) وهو سكتة تاريخيّة.

على أنّ هيهنا اُموراً مريبة موهمة اُخرى فقد ذكروا أنّه كتب في القرنين الأوّلين من الميلاد أناجيل كثيرة اُخرى ربّما أنهوها إلى نيّف ومائة من الأناجيل والأناجيل الأربعة منها ثمّ حرّمت الكنيسة جميع تلك الأناجيل إلّا الأناجيل الأربعة

____________________

(١) وقد فصل القول في ذلك الزعيم الفاضل (بهروز) في كتاب ألفه جديداً في البشارات النبوّية وأرجو أن أوفق لايداع شذرة منه في تفسير آخر سورة النساء من هذا الكتاب والقدر المتيقن (الّذي يهمنا منه) اختلال التاريخ المسيحي.

(٢) راجع مادّة مسيح من قاموس الكتاب المقدس.

٣٤٦

الّتي عرفت قانونيّة لموافقة متونها تعليم الكنيسة(١) .

ومن جملة الأناجيل المتروكة إنجيل برنابا الّذي ظهرت نسخة منها منذ سنين فترجمت إلى العربيّة والفارسيّة، وهو يوافق في عامّة قصصه ما قصّه القرآن في المسيح عيسى بن مريم(٢) .

ومن العجيب أنّ الموادّ التاريخيّة المأثورة عن غير اليهود أيضاً ساكتة عن تفاصيل ما ينسبه الإنجيل إلى الدعوة المسيحيّة من حديث البنوّة والفداء وغيرهما. ذكر المورّخ الإمريكيّ الشهير (هندريك ويلم وان لون) في تأليفه في تاريخ البشر كتاباً كتبه الطبيب (إسكولابيوس كولتلوس) الروميّ سنة ٦٢ الميلاديّة إلى ابن أخيه (جلاديوس أنسا) وكان جنديّاً في عسكر الروم بفلسطين، يذكر فيه أنّه عاد مريضاً بروميّة يسمّى بولس فأعجبه كلامه وقد كان بولس كلّمه بالدعوة المسيحيّة، وذكر له طرفاً من أخبار المسيح ودعوته.

ثمّ يذكر أنّه ترك بولس ولم يره حتّى سمع بعد حين أنّه قتل في طريق (أوستى) ثمّ يسأل ابن أخيه أن يبحث عن أخبار هذا النبيّ الاسرائيليّ الّذي كان يذكره بولس وعن أخبار بولس نفسه ويكتب إليه ما بلغه من ذلك.

____________________

(١) ولقد لام (شيلسوس) الفيلسوف في القرن الثاني النصارى في كتابه (الخطاب الحقيقي) على تلاعبهم بالاناجيل، ومحوهم بالغد ما أدرجوه بالامس، وفي سنة ٣٨٤ م أمر البابا داماسيوس أن تحرر ترجمة لاتينية جديدة من العهدين القديم والحديث تعتبر قانونيّة في الكنائس وكان تيودوسيس الملك قد ضجر من المخاصمات الجدلية بين الاساقفة، وتمت تلك الترجمة الّتي تسمى (فولكانا) وكان ذلك خاصّا بالاناجيل الاربعة: متّى ومرقس ولوقا ويوحنّا وقد قال مرتب تلك الاناجيل: (بعد أن قابلنا عددا من النسخ اليونانية القديمة رتبناها بمعنى أننا نقحنا ماكان فيها مغايرا للمعنى، وأبقينا الباقي على ماكان عليه) ثمّ إن هذه الترجمة قد ثبتها المجمع (التريدنتيني) سنة ١٥٤٦ أي بعدها بأحد عشر قرنا، ثمّ خطأها سيستوس الخامس سنة ١٥٩٠ وأمر بطبع نسخ جديدة ثمّ خطأ كليمنضوس الثامن هذه النسخة الثانية أيضاً، وأمر بطبعة جديدة منقحة هي الدارجة اليوم عند الكاثوليكيين (تفسير الجواهر - الجزء الثاني - ص ١٢١ الطبعة الثانية).

(٢) وقد وجد هذا الانجيل بالخط الايطالي منذ سنين وترجمه إلى العربيّة الدكتور خليل سعاده بمصر وترجمه إلى الفارسيّة الحبر الفاضل (سردار كابلي) بإيران.

٣٤٧

فكتب إليه (جلاديوس أنسا) بعد ستّة أسابيع من معسكر الروم باُورشليم: أنّي سألت عدّة من شيوخ البلد ومعمّريهم عن عيسى المسيح فوجدتهم لا يحسنون مجاوبتي فيما أسألهم( هذا والسنة سنة ٦٢ ميلاديّة وهم شيوخ !) .

حتّى لقيت بيّاع زيتون فسألته هل يعرفه؟ فأنعم لي في الجواب ثمّ دلّني على رجل اسمه يوسف، و ذكر أنّه كان من أتباعه ومحبّيه وأنّه خبير بقصصه بصير بأخباره يستطيع أن يجيبك فيما تسأله عنه.

فلقيت يوسف اليوم بعد ما تفحّصت أيّاماً فوجدته شيخاً هرماً وقد كان قديماً يصطاد السمك في بعض البحيرات من هذه الناحية.

كان الرجل على كبر سنّه صحيح المشاعر جيّد الحافظة وقصّ لي جميع الأخبار والقضايا الحادثة في ذلك الأوان، أوان الاغتشاش والفتنة.

ذكر أنّ فونتيوس فيلاطوس كان حاكماً على سامرا ويهوديّه في عهد القيصر (تي بريوس).

فاتّفق أن وقع أيّام حكومته فتنة في اُورشليم فسافر فونتيوس فيلاطوس إليه لإخماد ما فيه من نار الفتنة وكانت الفتنة هي ما شاع يومئذ أنّ ابن نجّار من أهل الناصرة يدعو الناس ويستنهضهم على الحكومة.

فلمّا تحقّقوا أمره تبيّن أنّ ابن النجّار المتّهم شابّ عاقل متين لم يرتكب ما يوجب عليه سياسة غير أنّ رؤساء المذهب من اليهود كانوا يخالفونه ويباغضونه بأشدّ ما يكون وقد قالوا لفيلاطوس إنّ هذا الشابّ الناصريّ يقول: لو أنّ يونانيّاً أو روميّاً أو فلسطينيّاً عامل الناس وعاشرهم بالعدالة والشفقة كان عند الله كمن صرف عمره في مطّلعة كتاب الله وتلاوة آياته.

وكأنّ هذه التعرّضات والاقتراحات لم تؤثّر في فيلاطوس أثرها لكنّه لما سمع ازدحام الناس قبال المعبد وهم يريدون أن يقبضوا على عيسى وأصحابه ويقطّعوهم إرباً إرباً رأى أنّ الأصلح أن يقبض هو على هذا الشابّ النجّار ويسجنة حتّى لا يقتل بأيدي الناس في غوغائهم.

٣٤٨

وكان فيلاطوس لم يتّضح له سبب ما ينقمه الناس من عيسى كلّ الاتّضاح وكلّما كلّم الناس في أمره وسألهم واستوضحهم علت أصواتهم وتنادوا (هو كافر) (هو ملحد) (هو خائن) فلم ينته الأمر إلى طائل.

حتّى استقرّ رأي فيلاطوس أن يكلّم عيسى بنفسه فأشخصه وكلّمه وسأله عمّا يقصده بما يبلّغه من الدين فأجابه عيسى أنّه لا يهتمّ بأمر الحكومة والسياسة ولا له في ذلك غرض وأنّه يهتمّ بالحياة الروحانيّة أكثر ممّا يهتمّ بأمر الحياة الجسمانيّة وأنّه يعتقد أنّ الإنسان يجب أن يحسن إلى الناس ويعبد الله الفرد الواحد وحده الّذي هو في حكم الأب لجميع أرباب الحياة من المخلوقات.

وكان فيلاطوس ذا خبرة في مذاهب الرواقيّين وسائر فلاسفة يونان فكأنّه لم ير في ما كلّمه به عيسى موضع غمضة ولا محلّ مؤاخذة ولذلك عزم ثانياً أن يخلّص هذا النبيّ السليم المتين من شرّ اليهود وسوّف في حكم قتله وإنجازه.

لكنّ اليهود لم يرضوا بذلك ولم يتركوه على حاله بل أشاعوا عليه أنّه فتن بأكاذيب عيسى وأقاويله وأنّ فيلاطوس يريد الخيانة على قيصر، وأخذوا يستشهدون عليه ويسجّلون الطوامير على ذلك يريدون به عزله من الحكومة، وقد كان برز قبل ذلك فتن وانقلابات في فلسطين. والقوى المؤمّنة القيصريّة قليلة العدّة لا تقوى على إسكات الناس فيها كلّ القوّة.

وكان على الحكّام وسائر المأمورين من ناحية قيصر أن لا يعاملوا الناس بما يجلب شكواهم وعدم رضايتهم.

فلهذه الأسباب لم ير فيلاطوس بدّاً من أن يفدي هذا الشابّ المسجون للأمن العامّ، ويجيب الناس فيما سألوه من قتله.

وأمّا عيسى فإنّه لم يجزع من الموت بل استقبله على شهامة من نفسه وقد عفى قبل موته عمّن تسبّب إلى قتله من اليهود ثمّ قضى به على الصليب و الناس يسخرون منه ويشتمونه ويسبّونه.

٣٤٩

قال (جلاديوس أنسا) هذا ما قصّ لي يوسف من قصّة عيسى ودموعه تجري على خدّيه وحين ودّعني للمفارقة قدّمت إليه شيئاً من المسكوك الذهبيّ لكنّه أبى أن يأخذه، وقال لي يوجد هيهنا من هو أفقر منّي فأعطه إيّاه.

وسألته عن بولس رفيقك المعهود فما كان يعرفه معرفة تامّة. والقدر الّذي تبيّن من أمره أنّه كان رجلاً خيّاماً ثمّ ترك شغله واشتغل بالتبليغ لهذا المذهب الجديد مذهب الربّ الرؤوف الرحيم الإله الّذي بينه وبين (يهوّه) إله يهود الّذي لا نزال نسمعه من علماء اليهود من الفرق ما هو أبعد ممّا بين السماء والأرض.

والظاهر أنّ بولس سافر أوّلاً إلى آسيا الصغرى ثمّ إلى يونان وأنّه كان يقول للعبيد والأرقّاء إنّهم جميعاً أبناء لأب يحبّهم ويرأف بهم وأنّ السعادة ليست تخصّ بعض الناس دون بعض بل تعمّ جميع الناس من فقير وغنيّ بشرط أن يعاشروا على المواخاة ويعيشوا على الطهارة والصداقة انتهى ملخّصاً.

هذه عامّة فقرات هذا الكتاب ممّا يرتبط بما نحن فيه من البحث.

وبالتأمّل في جمل مضامين هذا الكتاب يتحصّل للمتأمّل أنّ ظهور الدعوة المسيحيّة كيف كان في بني إسرائيل بعيد عيسى (عليه السلام). وأنّه لم يكن إلّا ظهور دعوة نبويّة بالرسالة من عند الله لا ظهور دعوة إلهيّة بظهور اللاهوت ونزولها إليهم وتخليصهم بالفداء!

ثمّ إنّ عدّة من تلامذة عيسى أو المنتسبين إليه كبولس وتلامذة تلامذتهم سافروا بعد وقعة الصلب إلى مختلف أقطار الأرض من الهند وإفريقيّة وروميّة وغيرها وبسطوا الدعوة المسيحيّة لكنّهم لم يلبثوا دون أن اختلفوا في مسائل أصليّة من التعليم كلاهوت المسيح وكفاية الإيمان بالمسيح عن العمل بشريعة موسى وكون دين الإنجيل ديناً أصيلاً ناسخاً لدين موسى أو كونه تابعاً لشريعة التوراة مكمّلاً إيّاها(١) فافترقوا عند ذلك فرقاً.

____________________

(١) يشير إليه كتاب الرسل ووسائل بولس، وقد اعترضت به النصارى

٣٥٠

والّذي يجب الإمعان فيه أنّ الاُمم الّتي بسطت الدعوة المسيحيّة وظهرت فيها أوّل ظهورها كالروم والهند وغيرهما كانوا قبلها منتحلين بالوثنيّة الصابئة أو البرهمنيّة أو البوذائيّة وفيها اُصول من مذاق التصوّف من جهة والفلسفة البرهمنيّة من جهة وفيها جميعاً شطر وافر من ظهور اللاهوت في مظهر الناسوت. على أنّ القول بتثليث الوحدة ونزول اللاهوت في لباس الناسوت وتحمّلها الصلب(١) والعذاب فدائا كان دائراً بين القدماء من وثنيّة الهند والصين ومصر وكلدان والآشور والفرس وكذا قدماء وثنيّة الغرب كالرومان والاسكندناويّين وغيرهم على ما يوجد في الكتب المؤلّفة في الاديان والمذاهب القديمة.

ذكر (دوان) في كتابه (خرافات التوراة وما يماثلها في الأديان الاُخرى): إذا رجعنا البصر إلى الهند نرى أنّ أعظم وأشهر عبادتهم اللاهوتيّة هو التثليث ويسمّون هذا التعليم بلغتهم (ترى مورتى) وهي عبارة مركّبة من كلمتين بلغتهم السنسكريتيّة (ترى) ومعناها الثلاثة و(مورتى) ومعناها هيآت أو أقانيم وهي (برهما، وفشنو، وسيفا) ثلاثة أقانيم متّحدة لا ينفكّ عن الوحدة فهي إله واحد بزعمهم.

ثمّ ذكر: أنّ برهما عندهم هو الأب وفشنو هو الابن، وسيفا هو روح القدس.

ثمّ ذكر أنّهم يدعون سيفا (كرشنا)(٢) الربّ المخلّص والروح العظيم الّذي ولد منه (فشنو) الإله الّذي ظهر بالناسوت على الأرض ليخلّص الناس فهو أحد الأقانيم الثلاثة الّتي هي الإله الواحد.

____________________

(١) القتل بالصلب على الصليب من القواعد القديمة جدّاً فقد كانوا يقتلون من اشتدّ جرمه وفظع دنبه بالصلب الّذي هو من أشدّ أسباب القتل عذاباً وأسوئها ذكراً، وكانت الطريقة فيه أن يصنع من خشبتين تقاطع إحديهما الاُخرى ما هو على شكل الصليب المعروف بحيث ينطبق عليه إنسان لو حمل عليه ثمّ يوضع المجرم عليه مبسوط اليدين ويدق من باطن راحتيه على طرفي الخشبة المعترضة بالمسامير، وكذا تدق قدماه على الخشبة وربّما شدتا من غير دقّ ثمّ تقام الخشبة بنصب طرفها على الأرض بحيث يكون ما بين قدمه إلى الأرض ما يقرب من ذراعين فيبقى الصليب على ذلك يوماً أو أيّاماً ثمّ تكسر قدماه من الساقين ويقتل على الصليب أو ينزل فيقتل بعد الانزال، وكان المصلوب يعذب قبل الصلب بالجلد أو المثلة وكان من العار الشنيع على قوم أن يقتل واحد منهم بالصلب.

(٢) وهو المعبر عنه ابلانكليزية (كرس) وهو المسيح المخلص.

٣٥١

 وذكر أيضاً: أنّهم يرمزون للاُقنوم الثالث بصورة حمامة كما يقوله النصارى.

وقال مستر (فابر) في كتابه (أصل الوثنيّة) كما نجد عند الهنود ثالوثاً مؤلّفاً من (برهما) و(فشنو) و(سيفا) نجد عند البوذيّين ثالوثاً فإنّهم يقولون: إنّ (بوذ) إله له ثلاثة أقانيم. وكذلك بوذيو (جينست) يقولون: إنّ (جيفا) مثلّث الأقانيم.

قال: والصينيّون يعبدون بوذه ويسمّونه (فو) ويقولون إنّه ثلاثة أقانيم كما تقول الهنود.

وقال دوان في كتابه المتقدّم ذكره: وكان قسّيسوا هيكل منفيس بمصر يعبّرون عن الثالوث المقدّس للمبتدئين بتعلّم الدين بقولهم: إنّ الأوّل خلق الثاني والثاني خلق الثالث وبذلك تمّ الثالوث المقدّس.

وسأل توليسو ملك مصر الكاهن تنيشوكي أن يخبره: هل كان قبله أحد أعظم منه؟ وهل يكون بعده أحد أعظم منه فأجابه الكاهن: نعم يوجد من هو أعظم وهو الله قبل كلّ شئ ثمّ الكلمة ومعهما روح القدس ولهذه الثلاثة طبيعة واحدة، وهم واحد بالذات وعنهم صدرت القوّة الأبديّة فاذهب يا فاني يا صاحب الحياه القصيرة.

وقال بونويك في كتابه (عقائد قدماء المصريّين) أغرب كلمة عمّ انتشارها في ديانة المصريّين هي قولهم بلاهوت الكلمة، وأنّ كلّ شئ حصل بواسطتها، وأنّها منبثقة من الله، وأنّها هي الله انتهى. وهذا عين العبارة الّتي يبتدي بها إنجيل يوحنّا.

وقال (هيجين) في كتاب (الإنكلوساكسون) كان الفرس يدعون متروساً الكلمة والوسيط ومخلّص الفرس.

ونقل عن كتاب سكّان اُوروبة الأوّلين: أنّه كان الوثنيّون القدماء يقولون: إنّ الإله مثلّث الأقانيم.

ونقل عن اليونان والرومان والفنلنديّين والاسكندناويّين قضيّة الثالوث السابق الذكر وكذا القول بالكلمة عن الكلدانيّين والآشوريّين والفينيقيّين.

وقال دوان في كتابه (خرافات التوراة وما يقابلها من الديانات الاُخرى) (ص ١٨١ - ١٨٢) ما ترجمته بالتلخيص:

٣٥٢

(إنّ تصوّر الخلاص بواسطة تقديم أحد الآلهة ذبيحة فدائا عن الخطيئة قديم العهد جدّاً عند الهنود الوثنيّين وغيرهم) وذكر شواهد على ذلك:

منها قوله: يعتقد الهنود أنّ كرشنا المولود البكر - الّذي هو نفس الإلهة فشنو الّذى لا ابتداء له ولا انتهاء على رأيهم - تحرّك حنوّاً كي يخلّص الأرض من ثقل حملها فأتاها وخلّص الإنسان بتقديم ذبيحة عنه.

وذكر أنّ (مسترمور) قد صوّر كرشنا مصلوباً كما هو مصوّر في كتب الهنود مثقوب اليدين والرجلين، وعلى قميصه صورة قلب الإنسان معلّقاً، ووجدت له صورة مصلوباً وعلى رأسه إكليل من الذهب. والنصارى تقول: إن يسوع صلب وعلى رأسه إكليل من الشوك.

وقال (هوك) في ص ٣٢٦ من المجلد الأوّل من رحلته: ويعتقد الهنود الوثنيّون بتجسّد بعض الآلهة وتقديم ذبيحة فداء للناس من الخطيئة.

وقال (موريفور ليمس) في ص ٢٦ من كتابه (الهنود) ويعتقد الهنود الوثنيّون بالخطيئة الأصليّة وممّا يدلّ على ذلك ما جاء في مناجاتهم وتوسّلاتهم الّتي يتوسّلون بها بعد (الكياتري) وهو إنّي مذنب ومرتكب الخطيئة، وطبيعتي شريرة، وحملتني اُمّي بالإثم فخلّصني يا ذا العين الحندقوقيّة يا مخلّص الخاطئين من الآثام والذنوب.

وقال القسّ (جورج كوكس) في كتابه (الديانات القديمة) في سياق الكلام عن الهنود: ويصفون كرشنا بالبطل الوديع المملوء لاهوتاً لأنّه قدّم شخصه ذبيحة.

ونقل (هيجين) عن (اندارا دا الكروزوبوس) وهو أوّل اُوروبيّ دخل بلاد التيبال والتبّت: أنّه قال في الإله (اندرا) الّذي يعبدونه: أنّه سفك دمه بالصلب وثقب المسامير لكي يخلّص البشر من ذنوبهم وأنّ صورة الصلب موجودة في كتبهم.

وفي كتاب (جورجيوس) الراهب صورة الإله (اندرا) هذا مصلوباً، وهو بشكل صليب أضلاعه متساوية العرض متفاوتة الطول فالرأسيّ اقصرها - وفيه صورة وجهه - والسفلى أطولها ولو لا صورة الوجه لما خطر لمن يرى الصورة أنّها تمثّل شخصاً هذا.

٣٥٣

وأمّا ما يروى عن البوذيّين في بوذا فهو أكثر انطباقاً على ما يرويه النصارى عن المسيح من جميع الوجوه حتّى أنّهم يسمّونه المسيح، والمولود الوحيد، ومخلّص العالم ويقولون إنّه إنسان كامل وإله كامل تجسّد بالناسوت، وأنّه قدّم نفسه ذبيحة ليكفّر ذنوب البشر ويخلّصهم من ذنوبهم فلا يعاقبوا عليها، ويجعلهم وارثين لملكوت السماوات بيّن ذلك كثير من علماء الغرب: منهم (بيل) في كتابه و(هوك) في رحلته و(موالر) في كتابه تاريخ الآداب السنسكريتيّة وغيرهم.(١)

فهذه نبذة أو اُنموذجة من عقيدة تلبّس اللاهوت بالناسوت، وحديث الصلب والفداء في الديانات القديمة الّتي كانت الاُمم متمسّكين بها منكبّين عليها يوم شرعت الديانة النصرانيّة تنبسط على الأرض وأخذت الدعوة المسيحيّة تأخذ بمجامع القلوب في المناطق الّتي جال الدعاة المسيحيّون فيها فهل هذا إلّا أنّ الدعاة المسيحيّين أخذوا اُصول المسيحيّة وأفرغوها في قالب الوثنيّة واستمالوا بذلك قلوب الناس في تقبّل دعوتهم وهضم تعليمهم؟

ويؤيّد ذلك ما ترى في كلمات بولس وغيره من الطعن في حكمة الحكماء وفلسفتهم والإزراء بطرق الاستدلالات العقليّة وأنّ الإله الربّ يرجّح بلاهة الأبله على عقل العاقل.

وليس ذلك إلّا لأنّهم قابلوا بتعليمهم مكاتب التعقّل والاستدلال فردّه أهله بأنّه لا طريق إلى قبوله بل إلى تعقّله الصحيح من جهة الاستدلال فوضعوا الأساس على المكاشفة والامتلاء بالروح المقدّس فشاكلوا بذلك ما يصرّ به جهلة المتصوّفة أنّ طريقتهم طور وراء طور العقل.

ثمّ إنّ الدعاة منهم ترهبوا وجالوا في البلاد (على ما يحكيه كتاب أعمال الرسل والتواريخ) وبسطوا الدعوة المسيحيّة واستقبلتهم في ذلك العامّة في شتات البلاد، كان من سرّ موفّقيّتهم وخاصّة في إمبراطوريّة الروم هي الضغطة الروحيّة الّتي عمّت

____________________

(١) يجد القارئ هذه المنقولات في تفسير المنار - الجزء السادس في تفسير النساء وفي دوائر المعارف وفي كتاب العقائد الوثنيّة في الديانة النصرانيّة وغيرها.

٣٥٤

البلاد من فشوّ الظلم والتعدّي، وشمول أحكام الاسترقاق والاستعباد، والبون البعيد في حياة الطبقة الحاكمة والمحكومة والآمرة والمأمورة والفصل الشاسع بين عيشة الاغنياء وأهل الإتراف والفقراء والمساكين والأرقّاء.

وقد كانت الدعاة تدعو إلى المواخاة والمحابّة و التساوي والمعاشرة الجميلة بين الناس ورفض الدنيا وعيشتها الكدرة الفانية والاقبال على الحياة الصافية السعيدة الّتي في ملكوت السماء ولهذا بعينه ما كان يعني بحالهم الطبقة الحاكمة من الملوك والقياصرة كلّ العناية، ولا يقصدونهم بالأذى والسياسة والطرد.

فلم يزالوا يزيدون عدداً من غير تظاهر وتنافس وينمون قوّة وشدّة حتّى حصل لهم جمّ غفير في إمبراطوريّة الروم وإفريقيّة والهند وغيرها من البلاد. ولم يزالوا كلّما بنوا كنيسة وفتحوا بابها على وجوه الناس هدموا بذلك واحداً من بيوت الأوثان وأغلقوا بابه.

وكانوا لا يعتنون بمزاحمة رؤساء الوثنيّة في هدم أساسهم، ولا بملوك الوقت وحكّامه في التعالي عن خضوعهم وفي مخالفة أحكامهم ودساتيرهم وربّما كان ذلك يؤدّيهم إلى الهلاك والقتل والحبس والعذاب فكان لا تزال تقتل طائفة وتسجن اُخرى وتشرّد ثالثة.

وكان الأمر على هذه الصفة إلى أوان ملك القيصر (كنستانتين) فآمن بالملّة المسيحيّة وأعلن بها فأخذ التنصّر بالرسميّة وبنيت الكنائس في الروم وما يتبع إمبراطوريّته من الممالك وذلك في النصف الأخير من القرن الرابع الميلاديّ.

تمركزت النصرانيّة يومئذ في كنيسة الروم وأخذت تبعث القسّيسين إلى أكناف الأرض من البلاد التابعة يبنون الكنائس والديرات ومدارس يدرسون بها التعليم الإنجيليّ.

والّذي يجب إلتفات النظر إليه أنّهم وضعوا البحث على اُصول مسلّمة إنجيليّة فأخذوا التعاليم الإنجيليّة كمسألة الأب والابن والروح، ومسألة الصلب والفداء وغير ذلك اُصولاً مسلّمة وبنوا البحث والتنقير عليها.

٣٥٥

وهذا أوّل ما ورد على أبحاثهم الدينيّة من الوهن والوهي فإنّ استحكام البناء المبنيّ وإن بلغ ما بلغ واستقامته لا يغني عن وهن الأساس المبنيّ عليه شيئاً وما بنوا عليه من مسألة تثليث الوحدة والصلب والفداء أمر غير معقول.

وقد اعترف عدّة من باحثيهم في التثليث بأنّه أمر غير معقول لكنّهم اعتذروا عنه بأنّه من المسائل الدينيّة الّتي يجب أن تقبل تعبّداً فكم في الأديان من مسألة تعبديّة تحيلها العقول.

وهو من الظنون الفاسدة المتفرّعة على أصلهم الفاسد، وكيف يتصوّر وقوع مسألة مستحيلة في دين حقّ؟ ونحن إنّما نقبل الدين ونميّز كونه دين حقّ بالعقل وكيف يمكن عند العقل أن تشتمل العقيدة الحقّة على أمر يبطله العقل ويحيله؟ وهل هذا إلّا تناقض صريح؟

نعم يمكن أن يشتمل الدين على ممكن يخرق العادة الجارية، والسنّة الطبيعيّة القائمة، وأمّا المحال الذاتيّ فلا البتّة.

وهذا الطريق المذكور من البحث هو الّذي أوجب وقوع الخلاف والمشاجرة بين الباحثين المتفكّرين منهم في أوائل انتشار صيت النصرانيّة وانكباب المحصّلين على الأبحاث المذهبيّة في مدارس الروم والإسكندريّة وغيرهما.

فكانت الكنيسة تزيد كلّ يوم في مراقبتها لوحدة الكلمة وتهيّئ مجمعاً مشكّلاً عند ظهور كلّ قول حديث وبدعة جديدة من البطارقة والأساقفة لإقناعهم بالمذهب العامّ وتكفيرهم ونفيهم وطردهم وقتلهم إذا لم يقنعوا.

وأوّل مجمع عقدوه مجمع نيقيه لمّا قال أريوس: إنّ اُقنوم الابن غير مساو لاُقنوم الأب وإنّ القديم هو الله والمسيح مخلوق.

اجتمعت البطارقة والمطارنة والأساقفة في قسطنطينيّة بمحضر من القيصر كنستانتين وكانوا ثلاث مائة وثلاثة عشر رجلاً واتّفقوا على هذه الكلمة( نؤمن بالله الواحد الأب مالك كلّ شئ وصانع ما يرى وما لا يرى وبالابن الواحد يسوع المسيح

٣٥٦

ابن الله الواحد، بكر الخلائق كلّها، وليس بمصنوع، إله حقّ من إله حقّ، من جوهر أبيه الّذي بيده اُتقنت العوالم وكلّ شئ، الّذي من أجلنا ومن أجل خلاصنا نزل من السماء، وتجسّد من روح القدس، وولد من مريم البتول، وصلب أيّام فيلاطوس، ودفن، ثمّ قام في اليوم الثالث، وصعد إلى السماء، وجلس عن يمين أبيه، وهو مستعدّ للمجئ تارة اُخرى للقضاء بين الأموات والأحياء ونؤمن بروح القدس الواحد، روح الحقّ الّذي يخرج من أبيه، وبمعموديّة(١) واحدة لغفران الخطايا، وبجماعة واحدة قدسيّة مسيحيّة - جاثليقيّة وبقيام أبداننا(٢) والحياة أبد الآبدين(٣) ) .

هذا هو المجمع الأوّل، وكم من مجمع بعد ذلك عقدوه للتبرّي عن المذاهب المستحدثة كمذهب النسطوريّة واليعقوبيّة والأليانيّة واليليارسيّة و المقدانوسيّة والسباليوسيّة والنوئتوسيّة والبولسيّة وغيرها.

ومع هذا كانت الكنيسة تقوم بالواجب من مراقبتها، ولا تتوانى ولا تهن في دعوتها وتزيد كلّ يوم في قوّتها وسيطرتها حتّى وفّقت لجلب سائر دول اُوروبه إلى التنصّر كفرنسا و الإنجليز والنمسا والبروس والإسبانيا والبرتغال والبلجيك وهولاندا وغيرهم إلّا الروسيا أواخر القرن الخامس الميلاديّ سنة ٤٩٦.

ولم تزل تتقدّم وترتقي الكنيسة من جانب، ومن جانب آخر كانت تهاجم الاُمم الشماليّة والعشائر البدويّة على الروم، والحروب والفتن تضعّف سلطنة القياصرة،

____________________

(١) المراد بالمعمودية طهارة الباطن وقداسته.

(٢) أورد عليه أنّه يستلزم القول بالمعاد الجسمانيّ والنصارى تقول بالمعاد الروحانيّ كما يدلّ عليه الانجيل وأظنّ أنّ الانجيل إنّما يدلّ على عدم وجود اللذائذ الجسمانيّة الدنيويّة في القيامة وأمّا كون الإنسان روحاً مجرّداً من غير جسم فلا دلالة فيه عليه بل يدلّ على أنّ الإنسان يصير في المعاد كالملائكة لا ازدواج بينهم وظاهر العهدين أنّ الله سبحانه وملائكته جميعاً أجسام فضلا عن الإنسان يوم القيامة.

(٣) الملل والنجل للشهرستاني.

٣٥٧

وآل الأمر إلى أن أجمعت أهل الروم والاُمم المتغلّبة على إلقاء زمام اُمور المملكة إلى الكنيسة كما كانت زمام اُمور الدين بيدها فاجتمعت السلطنة الروحانيّة والجسمانيّة لرئيس الكنيسة اليوم وهو (البابا جريجوار) وكان ذلك سنة ٥٩٠ الميلاديّة.

وضارت كنيسة الروم لها الرئاسة المطلقة للعالم المسيحيّ غير أنّ الروم لمّا كانت انشعبت إمبراطوريّته إلى الروم الغربيّ الّذي عاصمتها رومة، والروم الشرقيّ الّذي عاصمتها قسطنطينيّة كانت قياصرة الروم الشرقيّ يعدّون أنفسهم رؤساء دينيّين لمملكتهم من غير أن يتّبعوا كنيسة روما وهذا مبدأ انشعاب المسيحيّة إلى الكاثوليك، أتباع كنيسة روما والأرثوذوكس وهم غيرهم.

وكان الأمر على ذلك حتّى إذا فتحت قسطنطينيّة بيد آل عثمان، وقتل القيصر (بالي اُولوكوس) وهو آخر قياصرة الروم الشرقيّ وقسّيس الكنيسة اليوم (قتل في كنيسة(أياصوفيا)).

وادّعى وراثة هذا المنصب الدينيّ أعني رئاسة الكنيسة قياصرة روسيا لقرابة سببيّة كانت بينهم وبين قياصرة الروم، وكانت الروس تنصّرت في القرن العاشر الميلاديّ فصارت ملوك روسيا قسّيسي كنيسة أرضهم غير تابعة لكنيسة رومة، وكان ذلك سنة ١٤٥٤ الميلاديّة.

وبقي الأمر على هذا الحال نحواً من خمسة قرون حتّى قتل (تزار نيكولا) وهو آخر قياصرة الروسيا قتل هو وجميع أهل بيته سنة ١٩١٨ الميلاديّة بيد الشيوعيّين فعادت كنيسة رومة تقريباً إلى حالها قبل الانشعاب.

لكنّ الكنيسة في أثر ما كانت تحاول رؤسائها السلطة على جميع جهات حياة الناس في القرون الوسطى الّتي كانت الكنيسة فيها في أوج ارتقائها وإرتفاعها ثار عليها جماهير من المتديّنين تخلّصاً من القيود الّتي كانت تحملها عليهم الكنيسة.

فخرجت طائفة عن تبعيّة أحكام رؤساء الكنيسة والباباوات وطاعتهم مع البقاء على طاعة التعليم الإنجيليّ على ما يفهمه مجامعهم، ويقرّره اتّفاق علمائهم وقسّيسهم وهؤلاء هم الأرثوذكس.

٣٥٨

 وطائفة خرجت عن متابعة كنيسة رومة أصلاً فليسوا بتابعين في التعليم الإنجيليّ لكنيسة رومة ولا معتنين للأوامر الصادرة منها وهؤلاء هم البروتستانت.

فأنشعب العالم المسيحيّ اليوم إلى ثلاث فرق: الكاثوليك وهي التابعة لكنيسة رومة وتعليمها والاُورثوذكس وهي التابعة لتعليم الكنيسة دون نفسها وقد حدثت شعبتهم بحدوث الانشعاب في الكنيسة وخاصّة بعد انتقال كنيسة قسطنطينيّة إلى مسكو بالروسيا (كما تقدّم) والبروتستانت وهي الخارجة عن تبعيّة الكنيسة وتعليمها جميعاً. وقد استقلّت طريقتهم وتظاهرت في القرن الخامس عشر الميلاديّ.

هذا إجمال ما جرى عليه الدعوة المسيحيّة في زمان يقرب من عشرين قرناً والبصير بالغرض الموضوع له هذا الكتاب يعلم أنّ القصد من ذكر جمل تاريخهم:

أوّلا: أن يكون الباحث على بصيرة من التحوّلات التاريخيّة في مذهبهم والمعاني الّتي يمكن أن تنتقل إلى عقائدهم الدينيّة بنحو التوارث أو السراية أو الانفعال بالامتزاج أو الإلف والعادة من عقائد الوثنيّة والأفكار الموروثة منهم أو المأخوذة عنهم.

وثانياً: أنّ اقتدار الكنيسة وخاصّة كنيسة رومة بلغ بالتدريج في القرون الوسطى الميلاديّة إلى نهاية أوجه حتّى كانت لهم سيطرة الدين والدنيا وانقادت لهم كراسيّ الملك بأوربه فكان لهم عزل من شاءوا ونصب من شاءوا(١) .

يروى أنّ البابا مرّة أمر إمبراطور آلمانيا أن يقف ثلاثة أيّام حافياً على باب قصره في فصل الشتاء لزلّة صدرت منه يريد ان يغفرها له(٢) .

ورفس البابا مرّة تاج الملك برجله حيث جائه جاثياً يطلب المغفرة(٣) .

وقد كانوا وصفوا المسلمين لأتباعهم وصفاً لم يدعهم إلّا أن يروا دين الإسلام دين الوثنيّة يستفاد ذلك من الشعارات والأشعار الّتي نظموها في استنهاض النصارى و

____________________

(١) الفتوحات الإسلاميّة.

(٢) المدرك السابق.

(٣) المدرك السابق.

٣٥٩

تهييجهم على المسلمين في الحروب الصليبيّة الّتي نشبت بينهم وبين المسلمين سنين متطاولة.

فإنّهم كانوا(١) يرون أنّ المسلمين يعبدون الأصنام وأنّ لهم آلهة ثلاثة أسماؤها على الترتيب (ماهوم) ويسمّى بافوميد وماهومند وهو أوّل الآلهة وهو (محمّد) وبعده (ايلين) وهو الثاني وبعده (ترفاجان) وهو الثالث وربّما يظهر من بعض كلماتهم أنّ للمسلمين إلهين آخرين وهما (مارتوان) و(جوبين) ولكنّهما بعد الثلاثة المتقدّمة رتبة وكانوا يقولون: إنّ محمّداً بنى دعوته على دعوى الاُلوهيّة وربّما قالوا: إنّه كان اتّخذ لنفسه صنماً من ذهب.

وفي أشعار ريشار الّتي قالها لاستنهاض الإفرنج على المسلمين: (قوموا وقلّبوا ماهومند وترفاجان وألقوهما في النار تقرّباً من إلهكم).

وفي أشعار رولان في وصف (ماهوم) إله المسلمين: (إنّه مصنوع تامّاً من الذهب والفضّة ولو رأيته أيقنت أنّه لا يمكن لصانع أن يصوّر في خياله أجمل منه ثمّ يصنعه عظيمة جثّته جيّدة صنعته وفي سيمائه آثار الجلالة ظاهرة ماهوم مصنوع من الذهب والفضّة يكاد سنا برقه يذهب بالبصر. وقد اُقعد على فيل هو من أحسن المصنوعات وأجودها بطنه خال وربّما أحسّ الناظر من بطنه ضوءاً هو مرصّعة بالأحجار الثمينة المتلالئة، يرى باطنه من ظاهره ولا يوجد له في جودة الصنعة نظير.

ولمّا كانت آلهة المسلمين يوحون إليهم في مواقع الشدّة وقد انهزم المسلمون في بعض حروبهم بعث قائد القوم واحداً في طلب إلههم الّذي كان بمكّة (يعني محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم)). يروي بعض من شاهد الواقعة: أنّ الإله (يعني محمّداً) جائهم وقد أحاط به جمّ غفير من أتباعه وهم يضربون الطبول والعيدان والمزامير والبوقات المعمولة من فضّة ويتغنّون ويرقصون حتّى أتوا به إلى المعسكر بسرور وترح ومرح، وقد كان خليفته منتظراً لقدومه فلمّا رآه قام على ساقه، واشتغل بعبادته بخضوع وخشوع.

____________________

(١) هذا وما بعده إلى آخر الفصل منقول عن ترجمة كتاب (هنري دوكاستري) في الديانة الإسلاميّة الفصل الأوّل منه.

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432