الميزان في تفسير القرآن الجزء ٣

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 432

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 432
المشاهدات: 86106
تحميل: 6278


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 432 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 86106 / تحميل: 6278
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 3

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

قلت: فما آية المحدّث ؟ قال: يأتيه الملك فينكت في قلبه كيت وكيت.

وفيه عن حمران بن أعين قال: أخبرني أبوجعفر عليهما السلام: أنّ عليّاً كان محدّثاً فقال أصحابنا: ما صنعت شيئاً إلّا سألته من يحدّثه ؟ فقضي أنّي لقيت أباجعفر فقلت: ألست أخبرتني: أنّ عليّاً كان محدّثاً ؟ قال: بلى قلت: من كان يحدّثه ؟ قال ملك. قلت: فأقول: إنّه نبيّ أو رسول ؟ قال: لا بل قل مثله مثل صاحب سليمان وصاحب موسى، ومثله مثل ذي القرنين. أما سمعت أنّ عليّاً سئل عن ذي القرنين أنبيّاً كان ؟ قال لا ولكن كان عبداً أحبّ الله فأحبّه، وناصح الله فنصحه فهذا مثله.

اقول: والروايات في معنى المحدّث عن أئمّة أهل البيت كثيرة جدّاً رواها في البصائر والكافي والكنز والاختصاص وغيرها، ويوجد في روايات أهل السنّة أيضاً.

وأمّا الفرق الوارد في الأخبار المذكورة بين النبيّ والرسول والمحدّث فقد مرّ الكلام في الفرق بين الرسول والنبيّ وأن الوحي بمعنى تكليم الله سبحانه لعبده فهو يوجب العلم اليقينيّ بنفس ذاته من غير حاجة إلى حجّة فمثله في الإلقاءآت الإلهيّة مثل العلوم البديهيّة الّتي لا تحتاج في حصولها للإنسان إلى سبب تصديقيّ كالقياس ونحوه.

وأمّا المنام فالروايات كما ترى تفسّره بمعنى غير المعنى المعهود منه أعني الرؤيا يراها الإنسان في النوم العاديّ العارض له في يومه وليلته بل هو حال يشبه الإغماء تسكن فيه حواسّ الإنسان النبيّ فيشاهد عند ذلك نظير ما نشاهده في اليقظة ثمّ يسدّده الله سبحانه بإفاضته على نفسه اليقين بأنّه من جانب الله سبحانه لا من تصرّف الشيطان.

وأمّا التحديث فهو سماع صوت الملك غير أنّه بسمع القلب دون سمع الحسّ وليس من قبيل الخطور الذهنيّ الّذي لا يسمّى سمع صوت إلّا بنحو من المجاز البعيد ولذلك ترى أنّ الروايات تجمع فيه بين سماع الصوت والنكت في القلب، وتسمّيه مع ذلك تحديثاً وتكليماً فالمحدّث يسمع صوت الملك في تحديثه ويعيه بسمعه نظير

٢٤١

ما نسمعه ويسمعه من الكلام المعتاد والأصوات المسموعة في عالم المادّة غير أنّه لا يشاركه في ما يسمعه من كلام الملك غيره ولذا كان أمراً قلبيّاً.

وأمّا علمه بأنّ ما حدّث به من كلام الملك لا من نزغة الشيطان فذلك بتأييد من الله سبحانه وتسديد كما يشير إليه ما في رواية محمّد بن مسلم المتقدّمة: أنّه يعطي السكينة والوقار حتّى يعلم أنّه ملك وذلك أنّ النزغة الشيطانيّة إمّا باطل في صورته الباطلة عند الإنسان المؤمن فظاهر أنّه ليس من حديث الملائكة المكرمين الّذين لا يعصون الله، وأمّا باطل في صورة حقّ وسيستتبع باطلاً فالنور الإلهيّ الّذي يلازم العبد المؤمن يبيّن حاله. قال تعالى:( أو من كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشى به في الناس ) الأنعام - ١٢٢. والنزغة والوسوسة مع ذلك كلّه لا تخلو عن اضطراب في النفس وتزلزل في القلب كما أنّ ذكر الله وحديثه لا ينفكّ عن الوقار وطمأنينة الباطن. قال تعالى:( ذلكم الشيطان يخوّف أوليائه ) آل عمران - ١٧٥ وقال:( ألا بذكر الله تطمئنّ القلوب ) الرعد - ٢٨ وقال:( إنّ الّذين اتّقوا إذا مسّهم طائف من الشيطان تذكّروا فإذا هم مبصرون ) الأعراف - ٢٠١ فالسكينة والطمأنينة عندما يلقى إلى الإنسان من حديث أو خاطر دليل كونه إلقائاً رحمانيّاً كما أنّ الاضطراب والقلق دليل على كونه إلقاءً شيطانيّاً ويلحق بذلك العجلة والجزع والخفّة ونحوها.

وأمّا ما في الروايات من أنّ المحدّث يسمع الصوت ولا يعاين الملك فمحمول على الجهة دون التمانع بين المعنيين بمعنى أنّ الملاك في كون الإنسان محدّثاً أن يسمع الصوت من غير لزوم الرؤية فإن اتّفق أن شاهد الملك حين ما يسمع الصوت فليس ذلك لأنّه محدّث وذلك لأنّ الآيات صريحة في رؤية بعض المحدّثين للملائكة حين التحديث كقوله تعالى في مريم:( فأرسلنا إليها روحنا فتمثّل لها بشراً سويّاً قالت إنّي أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيّاً قال إنّما أنا رسول ربّك لأهب لك غلاماً زكيّاً الآيات ) مريم - ١٩ وقوله تعالى - في زوجة إبراهيم في قصّة البشارة -:( ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلاماً قال سلام - إلى أن قال -وامرأته قائمة فضحكت فبشّرناها

٢٤٢

بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً إنّ هذا لشئ عجيب قالوا أتعجبين من أمر الله رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنّه حميد مجيد ) هود - ٧٣.

وهيهنا وجه آخر: وهو أن يكون المراد بالمعاينة المنفيّة معاينة حقيقة الملك في نفسه دون مثاله الّذي يتمثّل به فإنّ الآيات لا تثبت أزيد من معاينة المثال كما هو ظاهر.

وهيهنا وجه آخر ثالث احتمله بعضهم: وهو أنّ المنفيّ من المعاينة الوحي التشريعيّ بأن يظهر للمحدّث فيلقي إليه حكماً شرعيّاً وذلك صون من الله لمقام المشرّعين من أنبيائه ورسله. ولا يخلو عن بعد.

٢٤٣

( سورة آل عمران الآيات ٦١ - ٦٣)

فَمَنْ حَاجّكَ فِيهِ مِن بَعْدِمَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمّ نَبْتَهِل فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللّهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ( ٦١) إِنّ هذَا لَهُوَ الْقَصَصُ الْحَقّ وَمَا مِنْ إِلهٍ إِلّا اللّهُ وَإِنّ اللّهَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ( ٦٢) فَإِن تَوَلّوْا فَإِنّ اللّهَ عَلِيمٌ بِالْمُفْسِدِينَ( ٦٣)

( بيان)

قوله تعالى: ( فمن حاجّك فيه من بعد ما جائك من العلم ) الفاء للتفريع، وهو تفريع المباهلة على التعليم الإلهيّ بالبيان البالغ في أمر عيسى بن مريم عليهماالسلام مع ما أكّده في ختمه بقوله: الحقّ من ربّك فلا تكن من الممترين. والضمير في قوله: فيه راجع إلى عيسى أو إلى الحقّ المذكور في الآية السابقة.

وقد كان البيان السابق منه تعالى مع كونه بياناً إلهيّاً لا يرتاب فيه مشتملاً على البرهان الساطع الّذي يدلّ عليه قوله: إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم الآية فالعلم الحاصل فيه علم من جهة البرهان أيضاً ولذلك كان يشمل أثره رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وغيره من كلّ سامع فلو فرض تردّد من نفس السامع المحاجّ من جهة كون البيان وحياً إلهيّاً لم يجز الارتياب فيه من جهة كونه برهاناً يناله العقل السليم، ولعلّه لذلك قيل: من بعد ما جائك من العلم ولم يقل: من بعد ما بيّناه لهم.

وهيهنا نكتة اُخرى وهي أنّ في تذكيره (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بالعلم تطييباً لنفسه الشريفة أنّه غالب بإذن الله، وأنّ ربّه ناصره وغير خاذله البتّة.

٢٤٤

قوله تعالى: ( فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ) المتكلّم مع الغير في قوله: ندع غيره في قوله: أبنائنا ونسائنا وأنفسنا فإنّه في الأوّل مجموع المتخاصّمين من جانب الإسلام والنصرانيّة، وفي الثاني وما يلحق به من جانب الإسلام، ولذا كان الكلام في معنى قولنا: ندع الأبناء والنساء والأنفس فندعو نحن أبنائنا و نسائنا وأنفسنا وتدعون أنتم أبنائكم ونسائكم وأنفسكم ففي الكلام إيجاز لطيف.

والمباهلة والملاعنة وإن كانت بحسب الظاهر كالمحاجّة بين رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين رجال النصارى لكن عمّمت الدعوة للأبناء والنساء ليكون أدلّ على اطمينان الداعي بصدق دعواه وكونه على الحقّ لما أودعه الله سبحانه في قلب الإنسان من محبّتهم والشفقة عليهم فتراه يقيهم بنفسه، ويركب الأهوال والمخاطرات دونهم، وفي سبيل حمايتهم والغيرة عليهم والذبّ عنهم. ولذلك بعينه قدّم الأبناء على النساء لأنّ محبّة الإنسان بالنسبة إليهم أشدّ وأدوم.

ومن هنا يظهر فساد ما ذكره بعض المفسّرين: أنّ المراد بقوله: ندع أبنائنا وأبنائكم إلخ ندع نحن أبنائكم ونسائكم وأنفسكم، وتدعوا أنتم أبنائنا ونسائنا وأنفسنا وذلك لإبطاله ما ذكرناه من وجه تشريك الأبناء والنساء في المباهلة.

وفي تفصيل التعداد دلالة اُخرى على اعتماد الداعي وركونه إلى الحقّ، كأنّه يقول: ليباهل الجمع الجمع فيجعل الجمعان لعنة الله على الكاذبين حتّى يشمل اللعن والعذاب الأبناء والنساء والأنفس فينقطع بذلك دابر المعاندين، وينبتّ أصل المبطلين.

وبذلك يظهر أنّ الكلام لا يتوقّف في صدقه على كثرة الأبناء ولا على كثرة النساء ولا على كثرة الأنفس فإنّ المقصود الأخير أن يهلك أحد الطرفين بمن عنده من صغير وكبير وذكور واُناث. وقد أطبق المفسّرون واتّفقت الرواية وأيّده التاريخ: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) حضر للمباهلة ولم يحضر معه إلّا علىّ وفاطمة والحسنان عليهم السلام فلم يحضر لها إلّا نفسان وابنان ومرأة واحدة وقد امتثل أمر الله سبحانه فيها.

٢٤٥

على أنّ المراد من لفظ الآية أمر، والمصداق الّذي ينطبق عليه الحكم بحسب الخارج أمر آخر، وقد كثر في القرآن الحكم أو الوعد والوعيد للجماعة ومصداقه بحسب شأن النزول واحد كقوله تعالى:( الّذين يظاهرون منكم من نسائهم ماهنّ اُمّهاتهم الآية ) المجادلة - ٢ وقوله تعالى:( والّذين يظاهرون من نسائهم ثمّ يعودون لما قالوا ) المجادلة - ٣ و قوله تعالى:( لقد سمع الله قول الّذين قالوا إنّ الله فقير ونحن أغنياء ) آل عمران - ١٨١ وقوله تعالى:( ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو ) البقرة - ٢١٩ إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة الّتي وردت بلفظ الجمع ومصداقها بحسب شأن النزول مفرد.

قوله تعالى: ( ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين ) الابتهال من البهلة بالفتح والضمّ وهي اللعنة، هذا أصله ثمّ كثر استعماله في الدعاء والمسألة إذا كان مع إصرار وإلحاح.

وقوله: فنجعل لعنة الله كلبيان للابتهال، وقد قيل: فنجعل ولم يقل: فنسأل إشارة إلى كونها دعوة غير مردودة حيث يمتاز بها الحقّ من الباطل على طريق التوقّف والابتناء.

وقوله: الكاذبين مسوق سوق العهد دون الاستغراق أو الجنس إذ ليس المراد جعل اللعنة على كلّ كاذب أو على جنس الكاذب بل على الكاذبين الواقعين في أحد طرفي المحاجّة الواقعة بينه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين النصارى حيث قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم): إنّ الله لا إله غيره وإنّ عيسى عبده ورسوله، وقالوا: إنّ عيسى هو الله أو إنّه ابن الله أو إنّ الله ثالث ثلاثة.

وعلى هذا فمن الواضح أن لو كانت الدعوى والمباهلة عليها بين النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين النصارى أعني كون أحد الطرفين مفرداً والطرف الآخر جمعاً كان من الواجب التعبير عنه بلفظ يقبل الانطباق على المفرد والجمع معاً كقولنا: فنجعل لعنة الله على من كان كاذباً فالكلام يدلّ على تحقّق كاذبين بوصف الجمع في أحد طرفي المحاجّة والمباهلة على أيّ حال: إمّا في جانب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وإمّا في جانب النصارى، وهذا

٢٤٦

يعطى أن يكون الحاضرون للمباهلة شركاء في الدعوى فإنّ الكذب لا يكون إلّا في دعوى فلمن حضر مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهم علىّ وفاطمة والحسنان عليهم السلام شركة في الدعوى والدعوة مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهذا من أفضل المناقب الّتي خصّ الله به أهل بيت نبيّه عليهم السلام كما خصّهم باسم الأنفس والنساء والأبناء لرسوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من بين رجال الاُمّة ونسائهم وأبنائهم.

فإن قلت: قد مرّ أنّ القرآن يكثر إطلاق لفظ الجمع في مورد المفرد وأنّ إطلاق النساء في الآية مع كون من حضرت منهنّ للمباهلة منحصرة في فاطمة عليها السلام فما المانع من تصحيح استعمال لفظ الكاذبين بهذا النحو؟

قلت: إنّ بين المقامين فارقاً وهو أنّ إطلاق الآيات لفظ الجمع في مورد المفرد إنّما هو لكون الحقيقة الّتي تبيّنها أمراً جائز التحقّق من كثيرين يقضي ذلك بلحوقهم بمورد الآية في الحكم، وأمّا فيما لا يجوز ذلك لكون مورد الآية ممّا لا يتعدّاه الحكم ولا يشمل غيره الوصف فلا ريب في عدم جوازه نظير قوله تعالى:( وإذ تقول للّذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتّق الله ) الأحزاب - ٣٧ وقوله تعالى:( لسان الّذي يلحدون إليه أعجمىّ وهذا لسان عربيّ مبين ) النحل - ١٠٣ وقوله تعالى:( إنّا أحللنا لك أزواجك اللّاتى آتيت اُجورهنّ - إلى أن قال -وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبيّ إن أراد النبيّ أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين ) الأحزاب - ٥٠.

وأمر المباهلة في الآية ممّا لا يتعدّى مورده وهو مباهلة النبيّ مع النصارى فلو لم يتحقّق في المورد مدّعون بوصف الجمع في كلا الطرفين لم يستقم قوله: الكاذبين بصيغة الجمع البتّة.

فإن قلت: كما أنّ النصارى الوافدين على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أصحاب دعوى وهي أنّ المسيح هو الله أو ابن الله أو هو ثالث ثلاثة من غير فرق بينهم أصلاً ولا بين نسائهم وبين رجالهم في ذلك كذلك الدعوى الّتي كانت في جانب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهي أنّ

٢٤٧

الله لا إله إلّا هو وأنّ عيسى بن مريم عبده ورسوله كان القائمون بها جميع المؤمنين من غير اختصاص فيه بأحد من بينهم حتّى بالنبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلا يكون لمن أحضره فضل على غيره غير أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أحضر من أحضر منهم على سبيل الانموذج لما اشتملت عليه الآية من الأبناء والنساء والأنفس. على أنّ الدعوى غير الدعوة وقد ذكرت أنّهم شركاء في الدعوة.

قلت: لو كان إتيانه بمن أتى به على سبيل الانموذج لكان من اللازم أن يحضر على الأقلّ رجلين ونسوة وأبناءً ثلاثة فليس الإتيان بمن أتى به إلّا للانحصار وهو المصحّح لصدق الامتثال بمعنى أنّه لم يجد من يمتثل في الإتيان به أمره تعالى إلّا من أتى به وهو رجل وامرأة وابنان.

وإنّك لو تأمّلت القصّة وجدت أنّ وفد نجران من النصارى إنّما وفدوا على المدينة ليعارضوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ويحاجّوه في أمر عيسى بن مريم فإنّ دعوى أنّه عبدالله ورسوله إنّما كانت قائمة به مستندة إلى الوحي الّذي كان يدّعيه لنفسه، وأمّا الّذين اتّبعوه من المؤمنين فما كان للنصارى بهم شغل، ولا لهم في لقائهم هوىً كما يدلّ على ذلك قوله تعالى في صدر الآية: فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل، وكذا قوله تعالى - قبل عدّة آيات -: فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي لله ومن اتّبعن.

ومن هنا يظهر: أنّ إتيان رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمن أتى به للمباهلة لم يكن إتياناً بنحو الانموذج إذ لا نصيب للمؤمنين من حيث مجرّد إيمانهم في هذه المحاجّة والمباهلة حتّى يعرضوا للعن والعذاب المتردّد بينهم وبين خصمهم. وإنّما أتى (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بمن أتى به من جهة أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كان طرف المحاجّة والمداعاة فكان من حقّه أن يعرض نفسه للبلاء المترقّب على تقدير الكذب فلو لا أنّ الدعوى كانت قائمة بمن أتى به منهم كقيامها بنفسه الشريفة لم يكن لإتيانه بهم وجه فإتيانه بهم من جهة انحصار من هو قائم بدعواه من الأبناء والنساء والأنفس بهم لا من

٢٤٨

جهة الإتيان بالانموذج فقد صحّ أنّ الدعوى كانت قائمة بهم كما كانت قائمة به.

ثمّ إنّ النصارى إنّما قصدوه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لا لمجرّد أنّه كان يرى أنّ عيسى ابن مريم (عليه السلام) عبدالله ورسوله ويعتقد ذلك بل لأنّه كان يدّعيه ويدعوهم إليه فالدعوة هي السبب العمدة الّتي بعثهم على الوفود والمحاجّة فحضوره وحضور من حضر معه للمباهلة لمكان الدعوى والدعوة معاً فقد كانوا شركائه في الدعوة الدينيّة كما شاركوه في الدعوى كما ذكرناه.

فإن قلت: هب إنّ إتيانه بهم لكونهم منه، وانحصار هذا الوصف بهم لكنّ الظاهر - كما تعطيه العادة الجارية - أنّ إحضار الإنسان أحبّائه وأفلاذ كبده من النساء والصبيان في المخاطر والمهاول دليل على وثوقه بالسلامة والعافية و الوقاية فلا يدلّ إتيانه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بهم على أزيد من ذلك، وأمّا كونهم شركاء في الدعوة فهو بمعزل عن أن يدلّ عليه فعله.

قلت: نعم صدر الآية لا يدلّ على أزيد ممّا ذكر لكنّك قد عرفت أن ذيلها أعنى قوله: على الكاذبين يدلّ على تحقّق كاذبين في أحد طرفي المحاجّة والمباهلة البتّة، ولا يتمّ ذلك إلّا بأن يكون في كلّ واحد من الطرفين جماعة صاحبة دعوى إمّا صادقة أو كاذبة فالّذين أتى بهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) مشاركون معه في الدعوى وفي الدعوة كما تقدّم فقد ثبت أنّ الحاضرين كانوا بأجمعهم صاحبي دعوى ودعوة معه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وشركاء في ذلك.

فإن قلت: لازم ما ذكرته كونهم شركاء في النبوّة.

قلت: كلّا فقد تبيّن(١) فيما أسلفناه من مباحث النبوّة أنّ الدعوة والتبليغ ليسا بعين النبوّة والبعثة وإن كانا من شؤونها ولوازمها، ومن المناصب والمقامات الإلهيّة الّتي يتقلّدها غير النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بأمر خاصّ من الله تعالى. وكذا تبيّن ممّا تقدّم(٢) من مبحث الإمامة أيضاً أنّهما ليسا بعين الإمامة وإن كانا من لوازمها بوجه.

____________________

(١) في تفسير آية ٢١٣ من سورة البقرة من المجلد الثاني.

(٢) في تفسير آية ١٢٤ من سورة البقرة من المجلد الاول.

٢٤٩

قوله تعالى: ( إنّ هذا لهو القصص الحقّ وما من إله إلّا الله ) هذا إشارة إلى ما تقدّم من قصص عيسى (عليه السلام) والكلام مشتمل على قصر القلب أي ما قصصناه هو الحقّ دون ما تدّعيه النصارى من أمر عيسى.

وفي الإتيان بإنّ واللام وضمير الفصل تأكيد بالغ لتطييب نفس رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وتشجيعه في أمر المباهلة بإيقاظ صفة يقينه وبصيرته ووثوقه بالوحي الّذي أنزله الله سبحانه إليه، ويتعقّبه التأكيد الثاني بإيراد الحقيقة بلازمها وهو قوله: وما من إله إلّا الله فإنّ هذه الجملة لازمة كون القصص المذكور حقّاً.

قوله تعالى: ( وإنّ الله لهو العزيز الحكيم ) معطوف على أوّل الآية وهو بما فيه من التأكيد البالغ تطييب آخر وتشجيع لنفس النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّ الله لا يعجز عن نصرة الحقّ وتأييده ولا أنّه يغفل أو يلهو عن ذلك بإهمال أو جهل فإنّه هو العزيز (فلا يعجز عمّا أراده) الحكيم (فلا يجهل ولا يهمل) لا ما عملته أوهام خصماء الحقّ من إله غير الله سبحانه.

ومن هنا يظهر وجه الإيتان بالاسمين: العزيز الحكيم، وأنّ الكلام مسوق لنصر القلب أو الإفراد.

قوله تعالى: ( فإنّ الله عليم بالمفسدين ) لمّا كان الغرض من المحاجّة وكذا المباهلة بحسب الحقيقة هو إظهار الحقّ لم يكن يعقل التولّى عن الطريق لمريد الغرض والمقصد فلو كانوا أرادوا بذلك إظهار الحقّ وهم يعلمون أنّ الله سبحانه ولىّ الحقّ لا يرضى بزهوقه ودحوضه لم يتولّوا عنها فإن تولّوا فإنّما هو لكونهم لا يريدون بالمحاجّة ظهور الحقّ بل الغلبة الظاهريّة والاحتفاظ على ما في أيديهم من حاضر الوضع، والسنّة الّتي استحكمت عليه عادتهم، فهم إنّما يريدون ما تزيّنه لهم أهواؤهم وهوساتهم من شكل الحياة، لا الحياة الصالحة الّتي تنطبق على الحقّ والسعادة فهم لا يريدون إصلاحاً بل إفساد الدنيا بإفساد الحياة السعيدة فإن تولّوا فإنّما هو لأنّهم مفسدون.

ومن هنا يظهر أنّ الجزاء وضع فيه السبب مكان المسبّب أعني الإفساد مكان عدم إرادة ظهور الحقّ.

٢٥٠

وقد ضمّن الجزاء وصف العلم حيث قيل: فإنّ الله عليم ثمّ اُكّد بإنّ ليدلّ على أنّ هذه الصفة متحقّقة في نفوسهم ناشبة في قلوبهم فيشعر بأنّهم سيتولّون عن المباهلة لا محالة وقد فعلوا وصدّقوا قول الله بفعلهم.

( بحث روائي)

في تفسير القمّيّ عن الصادق (عليه السلام): أنّ نصارى نجران لمّا وفدوا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وكان سيّدهم الأهتم والعاقب والسيّد، وحضرت صلاتهم فأقبلوا يضربون الناقوس وصلّوا، فقال أصحاب رسول الله: يا رسول الله هذا في مسجدك؟ فقال: دعوهم فلمّا فرغوا دنوا من رسول الله فقالوا إلى ما تدعو ؟ فقال: إلى شهادة أن لا إله إلّا الله، وأنّي رسول الله، وأنّ عيسى عبد مخلوق يأكل ويشرب ويحدث. قالوا: فمن أبوه ؟ فنزل الوحي على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: قل لهم: ما تقولون في آدم، أكان عبداً مخلوقاً يأكل ويشرب ويحدث وينكح ؟ فسألهم النبيّ. فقالوا نعم: قال فمن أبوه ؟ فبهتوا فأنزل الله: إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب الآية وقوله: فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم - إلى قوله - فنجعل لعنه الله على الكاذبين فقال رسول الله: فباهلوني فإن كنت صادقاً اُنزلت اللعنة عليكم، وإن كنت كاذباً اُنزلت عليّ فقالوا أنصفت فتواعدوا للمباهلة فلمّا رجعوا إلى منازلهم قال رؤساؤهم السيّد والعاقب والأهتم إن باهلنا بقومه باهلناه فإنّه ليس نبيّاً وإن باهلنا باهل بيته خاصّة لم نباهله فإنّه لا يقدم إلى أهل بيته إلّا وهو صادق فلمّا أصبحوا جاؤوا إلى رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ومعه أميرالمؤمنين وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام فقال النصارى: من هؤلاء ؟ فقيل لهم هذا ابن عمّه ووصيّه وختنه عليّ بن أبي طالب، وهذا ابنته فاطمة، وهذا ابناه الحسن والحسين ففرقوا فقالوا لرسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نعطيك الرضا فاعفنا من المباهلة فصالحهم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على الجزية وانصرفوا.

وفي العيون بإسناده عن الريّان بن الصلت عن الرضا (عليه السلام) في حديثه مع المأمون

٢٥١

والعلماء في الفرق بين العترة والاُمّة وفضل العترة على الاُمّة وفيه قالت العلماء: هل فسّر الله الاصطفاء في كتابه ؟ فقال الرضا (عليه السلام): فسّر الاصطفاء في الظاهر سوى الباطن في اثني عشر موضعاً وذكر المواضع من القرآن، وقال فيها: وأمّا الثالثة حين ميّز الله الطاهرين من خلقه، وأمر نبيّه بالمباهلة بهم في آية الابتهال فقال عزّوجلّ فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم. قالت العلماء: عنى به نفسه. قال أبوالحسن: غلطتم إنّما عنى به علىّ بن أبي طالب وممّا يدلّ على ذلك قول النبيّ لينتهيّن بنوا وليعة أو لأبعثنّ إليهم رجلاً كنفسي يعني علىّ بن أبي طالب، وعني بالأبناء الحسن والحسين، وعني بالنساء فاطمة فهذه خصوصيّة لا يتقدّمهم فيها أحد، وفضل لا يلحقهم فيه بشر، وشرف لا يسبقهم إليه خلق إذ جعل نفس عليّ كنفسه، الحديث.

وعنه بإسناده إلى موسى بن جعفر (عليه السلام) في حديث له مع الرشيد قال الرشيد، له: كيف قلتم: إنا ذرّيّة النبيّ، والنبيّ لم يعقّب، وإنّما العقب للذكر لا للاُنثى، وأنتم ولد البنت ولا يكون له عقب. فقلت: أساله بحقّ القرابة والقبر ومن فيه إلّا ما أعفاني عن هذه المسألة. فقال: تخبرني بحجّتكم فيه يا ولد عليّ وأنت يا موسى يعسوبهم وإمام زمانهم. كذا اُنهي إليّ، ولست أعفيك في كلّ ما أسألك عنه حتّى تأتيني فيه بحجّة من كتاب الله، وأنتم تدّعون معشر ولد عليّ أنّه لا يسقط عنكم منه شئ لا ألف ولا واو إلّا تأويله عندكم، واحتججتم بقوله عزّوجلّ: ما فرّطنا في الكتاب من شئ، وقد استغنيتم عن رأي العلماء وقياسهم.

فقلت: تأذن لي في الجواب ؟ فقال: هات. قلت: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم ومن ذرّيّته داود وسليمان وأيّوب ويوسف وموسى وهارون وكذلك نجزي المحسنين وزكريّا ويحيى وعيسى وإلياس من أبوعيسى يا أميرالمؤمنين ؟ فقال: ليس له أب فقلت: إنّما ألحقه بذراري الأنبياء من طريق مريم وكذلك ألحقنا الله تعالى بذراري النبيّ من اُمنّا فاطمة. أزيدك يا أميرالمؤمنين ؟ قال: هات. قلت: قول الله عزّوجلّ: فمن حاجّك فيه من بعد ما جاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبنائنا

٢٥٢

وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين، ولم يدّع أحد أنّه أدخل النبيّ تحت الكساء عند المباهلة مع النصارى إلّا عليّ بن أبي طالب وفاطمة والحسن والحسين فكان تأويل قوله: أبنائنا الحسن والحسين، ونسائنا فاطمة، وأنفسنا عليّ بن أبي طالب.

وفي سؤالات المأمون عن الرضا (عليه السلام): قال المأمون: ما الدليل على خلافة جدّك عليّ بن أبي طالب ؟ قال: آية أنفسنا قال لولا نسائنا قال لولا أبنائنا.

أقول: قوله: آية أنفسنا يريد أنّ الله جعل نفس عليّ كنفس نبيّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقوله: لو لا نسائنا معناه: أنّ كلمة نسائنا في الآية دليل على أنّ المراد بالأنفس الرجال فلا فضيلة فيه حينئذ. وقوله: لو لا أبنائنا معناه أنّ وجود أبنائنا فيها يدلّ على خلافه فإنّ المراد بالأنفس لو كان هو الرجال لم يكن مورد لذكر الأبناء.

وفي تفسير العيّاشيّ بإسناده عن حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: إنّ أميرالمؤمنين (عليه السلام) سئل عن فضائله فذكر بعضها ثمّ قالوا له زدنا فقال: إنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أتاه حبران من أحبار النصارى من أهل نجران فتكلّما في أمر عيسي فأنزل الله هذه الآية: إنّ مثل عيسى عند الله كمثل آدم إلى آخر الآية فدخل رسول الله فأخذ بيد عليّ والحسن والحسين وفاطمة ثمّ خرج ورفع كفّه إلى السماء وفرّج بين أصابعه، ودعاهم إلى المباهلة. قال: وقال أبوجعفر عليهماالسلام وكذلك المباهلة يشبّك يده في يده يرفعهما إلى السماء فلمّا رآه الحبران قال أحدهما لصاحبه: والله لئن كان نبيّاً لنهلكنّ وإن كان غير نبيّ كفانا قومه فكفّا وانصرفا.

اقول: وهذا المعنى أو ما يقرب منه مرويّ في روايات اُخر من طرق الشيعة وفي جميعها أنّ الّذين أتى بهم النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للمباهلة هم عليّ وفاطمة والحسنان. فقد رواه الشيخ في أماليه بإسناده عن عامر بن سعد عن أبيه، ورواه أيضاً فيه بإسناده عن عبد الرحمن بن كثير عن الصادق (عليه السلام) ورواه فيه أيضاً بإسناده عن سالم ابن أبي الجعد يرفعه إلى أبي ذرّ رضوان الله عليه ورواه أيضاً فيه بإسناده عن ربيعة ابن ناجد عن عليّ (عليه السلام). ورواه المفيد في كتاب الاختصاص بإسناده عن محمّد بن الزبرقان عن موسى بن

٢٥٣

جعفر عليهما السلام. ورواه أيضاً فيه عن محمّد بن المنكدر عن أبيه عن جدّه ورواه العيّاشيّ في تفسيره عن محمّد بن سعيد الأردنيّ عن موسى بن محمّد بن الرضا عن أخيه. ورواه أيضاً عن أبي جعفر الأحول عن الصادق (عليه السلام) ورواه أيضاً فيه في رواية اُخرى عن الأحول عنه (عليه السلام) وعن المنذر عن عليّ (عليه السلام). ورواه أيضاً فيه بإسناده عن عامر بن سعد. ورواه الفرات في تفسيره معنعناً عن أبي جعفر وعن أبي رافع والشعبيّ وعلىّ (عليه السلام) وشهر بن حوشب. ورواه في روضة الواعظين وفي إعلام الورى، وفي الخرائج وغيرها.

وفي تفسير الثعلبيّ عن مجاهد والكلبيّ: أنّه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لمّا دعاهم إلى المباهلة قالوا: حتّى نرجع وننظر فلمّا تخالوا قالوا للعاقب - وكان ذا رأيهم - يا عبد المسيح ما ترى ؟ فقال: والله لقد عرفتم يا معشر النصارى أنّ محمّداً نبيّ مرسل ولقد جاءكم بالفصل من أمر صاحبكم، والله ما باهل قوم نبيّاً قطّ فعاش كبيرهم، ولا نبت صغيرهم ولئن فعلتم لنهلكنّ فإن أبيتم إلّا إلف دينكم، والإقامة على ما أنتم عليه فوادعوا الرجل وانصرفوا إلى بلادكم.

فأتوا رسول الله وقد غدا محتضناً بالحسين آخذاً بيد الحسن وفاطمة تمشي خلفه، وعليّ خلفها وهو يقول: إذا أنا دعوت فأمّنوا. فقال أسقف نجران، يا معشر النصارى إنّي لأرى وجوهاً لو سألوا الله أن يزيل جبلاً من مكانه لأزاله بها فلا تباهلوا فتهلكوا ولا يبقى على وجه الأرض نصرانيّ إلى يوم القيامة. فقالوا: يا أباالقاسم رأينا أن لا نباهلك. وأن نقرّك على دينك ونثبت على ديننا قال: فإذا أبيتم المباهلة فأسلموا، يكن لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم فأبوا. قال: فإنّي اُناجزكم. فقالوا: ما لنا بحرب العرب طاقة ولكن نصالحك على أن لا تغزونا، ولا تخيفنا، ولا تردّنا عن ديننا على أن نؤدّي إليك كلّ عامّ ألفي حلّة: ألف في صفر، وألف في رجب وثلاثين درعاً عاديّة من حديد فصالحهم على ذلك.

وقال: والّذي نفسي بيده إنّ الهلاك قد تدلّى على أهل نجران ولو لاعنوا لمسخوا قردة وخنازير، ولاضطرم عليهم الوادي ناراً ولاستأصل الله نجران وأهله حتّى الطير على رؤوس الشجر، ولما حال الحول على النصارى كلّهم حتّى يهلكوا.

٢٥٤

اقول: وروى القصّة: قريباً منه في كتاب المغازي عن ابن إسحاق ورواه أيضاً المالكيّ في الفصول المهمّة عن المفسّرين قريباً منه. ورواه الحمويّ عن ابن جريح قريباً منه.

وقوله: ألف في صفر المراد به المحرّم وهو أوّل السنة عند العرب وقد كان يسمّى صفراً في الجاهليّة فيقال صفر الأوّل وصفر الثاني وقد كانت العرب تنسئ في الصفر الأوّل ثمّ أقرّ الإسلام الحرمة في الصفر الأوّل فسمّي لذلك بشهر الله المحرّم ثمّ اشتهر بالمحرم.

وفي صحيح مسلم عن عامر بن سعد بن أبي وقّاص عن أبيه قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً فقال: ما يمنعك أن تسبّ أبا تراب قال أمّا ما ذكرت ثلاثاً قالهنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فلن أسبّه، لأن يكون لي واحدة منهنّ أحبّ إلىّ من حمر النعم، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) يقول حين خلّفه في بعض مغازيه فقال له عليّ: يا رسول الله خلّفتني مع النساء والصبيان ؟ فقال له رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): أما ترضى أن تكون منّي بمنزلة هرون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي ؟ وسمعته يقول يوم خيبر: لاُعطيّن الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله. قال: فتطاولنا لها. فقال: اُدعوا لي عليّاً فاتي به أرمد العين فبصق في عينيه ودفع الراية إليه ففتح الله على يده. ولمّا نزلت هذه الآية: قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم ونسائنا ونسائكم وأنفسنا وأنفسكم ثمّ نبتهل دعا رسول الله عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً وقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي.

اقول: ورواه الترمذيّ في صحيحه. ورواه أبو المؤيّد الموفّق بن أحمد في كتاب فضائل عليّ. ورواه أيضاً أبو نعيم في الحلية عن عامر بن سعد عن أبيه. ورواه الحموينيّ في كتاب فرائد السمطين.

وفي حلية الأولياء لأبي نعيم بإسناده عن عامر بن أبي وقّاص عن أبيه قال: لمّا نزلت هذه الآية دعا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي.

وفيه بإسناده عن الشعبيّ عن جابر قال: قدم على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) العاقب والطيّب فدعاهما إلى الإسلام فقالا: أسلمنا يا محمّد فقال: كذبتما إن شئتما

٢٥٥

أخبرتكما ما يمنعكما من الإسلام فقالا: فهات إلينا. قال: حبّ الصليب وشرب الخمر وأكل لحم الخنزير. قال جابر: فدعاهما إلى الملاعنة فواعداه إلى أن يفداه بالغداة فغدا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأخذ بيد عليّ والحسن والحسين وفاطمة فأرسل اليهما فأبيا أن يجيباه وأقرّا له. فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والّذي بعثني بالحقّ لو فعلاً لأمطر عليهم الوادي ناراً قال جابر: فيهم نزلت: ندع أبنائنا وأبنائكم قال جابر: أنفسنا وأنفسكم رسول الله وعليّ، وأبنائنا الحسن والحسين، ونسائنا فاطمة.

أقول: ورواه ابن المغازليّ في مناقبه بإسناده عن الشعبيّ عن جابر، ورواه أيضاً الحموينيّ في فرائد السمطين بإسناده عنه. ورواه المالكيّ في الفصول المهمّة مرسلاً عنه. ورواه أيضاً عن أبي داود الطيالسيّ عن شعبة الشعبيّ مرسلاً. ورواه في الدرّ المنثور عن الحاكم وصحّحه وعن ابن مردويه وأبي نعيم في الدلائل عن جابر.

وفي الدرّ المنثور خرج أبونعيم في الدلائل من طريق الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس: أنّ وفد نجران من النصارى قدموا على رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم منهم السيّد وهو الكبير، والعاقب وهو الّذي يكون بعده وصاحب رأيهم ثمّ ساق القصّة نحواً ممّا مرّ.

وفيه أيضاً أخرج البيهقيّ في الدلائل من طريق سلمة بن عبد يشوع عن أبيه عن جدّه: أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) كتب إلى أهل نجران قبل أن ينزل عليه طس سليمان: بسم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب من محمّد رسول الله إلى اسقفّ نجران وأهل نجران إن أسلمتم فإنّي أحمد إليكم الله إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب. أمّا بعد فإنّي أدعوكم إلى عبادة الله من عبادة العباد، وأدعوكم إلى ولاية من الله من ولاية العباد فإن أبيتم فالجزية، وإن أبيتم فقد آذنتكم بالحرب والسلام. فلمّا قرأ الأسقفّ الكتاب فظع به وذعر ذعراً شديداً فبعث إلى رجل من أهل نجران يقال له: شرحبيل بن وداعة فدفع إليه كتاب النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقرأه فقال له الأسقفّ ما رأيك ؟ فقال شرحبيل: قد علمت ما وعد الله إبراهيم في ذرّيّة إسماعيل من النبوّة فما يؤمن أن يكون هذا الرجل ؟ ليس لي في النبوّة رأي، لو كان رأى من أمر الدنيا أشرت عليك فيه، وجهدت

٢٥٦

لك فبعث الأسقفّ إلى واحد بعد واحد من أهل نجران فكلّهم قالوا مثل قول شرحبيل فاجتمع رأيهم على أن يبعثوا شرحبيل بن وداعة، وعبدالله بن شرحبيل وجبّار بن فيض فيأتونهم بخبر رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم).

فانطلق الوفد حتّى أتوا رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فسألهم وسألوه فلم تزل به وبهم المسألة حتّى قالوا له: ما تقول في عيسى بن مريم ؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ما عندي فيه شئ يومى هذا فأقيموا حتّى اُخبركم بما يقال في عيسى صبح الغد فأنزل الله هذه الآية: إنّ مثل عيسى عندالله كمثل آدم خلقه من تراب - إلى قوله-: فنجعل لعنة الله على الكاذبين، فأبوا أن يقرّوا بذلك فلمّا أصبح رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) الغد بعد ما أخبرهم الخبر أقبل مشتملاً على الحسن والحسين في خميلة له وفاطمة تمشي خلف ظهره للملاعنة، وله يومئذ عدّة نسوة، فقال شرحبيل لصاحبيه: إنّي أرى أمراً مقبلاً إن كان هذا الرجل نبيّاً مرسلاً فلاعنّاه لا يبقى على وجه الأرض منّا شعر ولا ظفر إلّا هلك فقالا له: ما رأيك ؟ فقال: رأيي أن احكّمه فإنّي أرى رجلاً لا يحكم شططاً أبداً فقالا له: أنت وذلك، فتلقّى شرحبيل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال: إنّي قد رأيت خيراً من ملاعنتك. قال: وما هو ؟ قال حكمك اليوم إلى الليل وليلتك إلى الصباح فمهما حكمت فينا فهو جائز فرجع رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يلاعنهم وصالحهم على الجزية.

وفيه أخرج ابن جرير عن علباء بن أحمر اليشكريّ قال: لمّا نزلت هذه الآية: قل تعالوا ندع أبنائنا وأبنائكم الآية أرسل رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) إلى عليّ وفاطمة وابنيهما الحسن والحسين، ودعا اليهود ليلاعنهم، فقال شابّ من اليهود: ويحكم إليس عهدتم بالأمس إخوانكم الّذين مسخوا قردة وخنازير ؟ لا تلاعنوا فانتهوا.

أقول: والرواية تؤيّد أن يكون الضمير في قوله تعالى: فمن حاجّك فيه راجعاً إلى الحقّ في قوله: الحقّ من ربّك فيتمّ بذلك حكم المباهلة لغير خصوص

٢٥٧

عيسى بن مريم (عليه السلام) وتكون حينئذ هذه قصّة اُخرى واقعة بعد قصّة دعوة وفد نجران إلى المباهلة على ما تقصّه الأخبار الكثيرة المتظافرة المنقولة أكثرها فيما تقدّم.

وقال ابن طاوس في كتاب سعد السعود رأيت في كتاب تفسير ما نزل من القرآن في النبيّ وأهل بيته تأليف محمّد بن العبّاس بن مروان: أنّه روى خبر المباهلة من أحد وخمسين طريقاً عمّن سمّاه من الصحابة وغيرهم وعدّ منهم الحسن بن عليّ عليهما السلام وعثمان بن عفّان وسعد بن أبي وقّاص وبكر بن سمال وطلحة والزبير وعبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن عبّاس وأبا رافع مولى النبيّ وجابر بن عبدالله والبراء بن عازب وأنس بن مالك.

وروى ذلك في المناقب عن عدّة من الرواة والمفسّرين وكذا السيوطيّ في الدرّ المنثور.

ومن عجيب الكلام ما ذكره بعض المفسّرين حيث قال: إنّ الروايات متّفقة على أنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) اختار للمباهلة عليّاً وفاطمة وولديهما، ويحملون كلمة نسائنا على فاطمة وكلمة أنفسنا على عليّ فقط. ومصادر هذه الروايات الشيعة ومقصدهم منها معروف وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتّى راجت على كثير من أهل السنّة ولكنّ واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية فإنّ كلمة نسائنا لا يقولها العربيّ ويريد بها بنته لا سيّما إذا كان له أزواج ولا يفهم هذا من لغتهم. وأبعد من ذلك أن يراد بأنفسنا عليّ ثمّ إنّ وفد نجران الّذين قالوا: إنّ الآية نزلت فيهم لم يكن معهم نساؤهم وأولادهم وكلّ ما يفهم من الآيه أمر النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يدعوا المحاجّين والمجادلين في عيسى من أهل الكتاب إلى الاجتماع رجالاً ونسائاً وأطفالاً ويجمع هو المؤمنين رجالاً ونسائاً وأطفالاً ويبتهلون إلى الله تعالى بأن يلعن الكاذب فيما يقول عن عيسى.

وهذا الطلب يدلّ على قوّة يقين صاحبه، وثقته بما يقول كما يدلّ امتناع من دعوا إلى ذلك من أهل الكتاب سواء كانوا نصارى نجران أو غيرهم على امترائهم في حجاجهم ومما راتهم فيما يقولون، وزلزالهم فيما يعتقدون، وكونهم على غير بيّنة و

٢٥٨

لا يقين، وأنّى لمن يؤمن بالله أن يرضى بأن يجتمع هذا الجمع من الناس المحقّين والمبطلين في صعيد واحد متوجّهين إلى الله في طلب لعنه وإبعاده من رحمته ؟ وأيّ جرأة على الله واستهزاء بقدرته وعظمته أقوى من هذا؟

قال: أمّا كون النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والمؤمنين كانوا على يقين ممّا يعتقدون في عيسى (عليه السلام) فحسبنا في بيانه قوله تعالى: من بعد ما جاءك من العلم فالعلم في هذه المسائل الاعتقاديّة لا يراد به إلّا اليقين، وفي قوله: ندع أبنائنا وأبنائكم إلخ وجهان:

أحدهما: أنّ كلّ فريق يدعو الآخر فأنتم تدعون أبنائنا ونحن ندعو أبنائكم، وهكذا الباقي.

وثانيهما: أنّ كلّ فريق يدعو أهله فنحن المسلمون ندعو أبنائنا ونسائنا وأنفسنا وأنتم كذلك.

ولا إشكال في وجه من وجهي التوزيع في دعوة الأنفس، وإنّما الإشكال فيه على قول الشيعة، ومن شايعهم على القول بالتخصيص. انتهى.

اقول: وهذا الكلام - وأحسب أنّ الناظر فيه يكاد يتّهمنا في نسبته إلى مثله، واللبيب لا يرضى بإيداعه وأمثاله في الزبر العلميّة - إنّما أوردناه على وهنه وسقوطه ليعلم أنّ النزعة والعصبيّة إلى أين يورد صاحبه من سقوط الفهم وردائة النظر فيهدم كلّ ما بنى عليه ويبني كلّ ما هدمه ولا يبالي، ولأنّ الشرّ يجب أن يعلم ليجتنب عنه.

والكلام في مقامين: أحدهما: دلالة الآية على أفضليّة عليّ (عليه السلام)، وهو بحث كلاميّ خارج عن الغرض الموضوع له هذا الكتاب، وهو النظر في معاني الآيات القرآنيّة.

وثانيهما: البحث عمّا ذكره هذا القائل من حيث تعلّقه بمدلول آية المباهلة، والروايات الواردة في ما جرى بين النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وبين وفد نجران، وهذا بحث تفسيريّ داخل في غرضنا.

وقد عرفت ما تدلّ عليه الآية، وأنّ الّذي نقلناه من الأخبار المتكثّرة

٢٥٩

المتظافرة هو الّذي يطابق مدلول الآية. وبالتأمّل في ذلك يتّضح وجوه الفساد في هذه الحجّة المختلقة والنظر الواهي الّذي لا يرجع إلى محصّل. وهاك تفصيلها:

منها: أنّ قوله: ومصادر هذه الروايات الشيعة - إلى قوله: وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا حتّى راجت على كثير من أهل السنّة بعد قوله: إنّ الروايات متّفقة ليت شعري أيّ روايات يعنى بهذا القول ؟ أمراده هذه الروايات المتظافرة الّتي أجمعت على نقلها وعدم طرحها المحدّثون، وليست بالواحدة والاثنتين والثلاث أطبق على نقلها وتلقّيها بالقبول أهل الحديث، وأثبتها أرباب الجوامع في جوامعهم، ومنهم مسلم في صحيحه والترمذيّ في صحيحه وأيّدها أهل التاريخ.

ثمّ أطبق المفسّرون على إيرادها وإيداعها في تفاسيرهم من غير اعتراض أو ارتياب، وفيهم جمع من أهل الحديث والتاريخ كالطبريّ وأبي الفداء بن كثّير والسيوطيّ وغيرهم.

ثمّ من الّذي يعنيه من الشيعة المصادر لهذه الروايات ؟ أيريد بهم الّذين تنتهي إليهم سلاسل الأسناد في الروايات أعني سعد بن أبي وقّاص وجابر بن عبدالله وعبدالله بن عبّاس وغيرهم من الصحابة ؟ أو التابعين الّذين نقلوا عنهم بالأخذ والرواية كأبي صالح والكلبيّ والسديّ والشعبيّ وغيرهم، وأنّهم تشيّعوا لنقلهم ما لا يرتضيه بهواه فهؤلاء وأمثالهم ونظراؤهم هم الوسائط في نقل السنّة، ومع رفضهم لا تبقى سنّة مذكورة ولا سيرة مأثورة وكيف يسع لمسلم أو باحث حتّى ممّن لا ينتحل بالإسلام أن يبطل السنّة ثمّ يروم أن يطلّع على تفاصيل ما جاء به النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) من تعليم وتشريع والقرآن ناصّ بحجّيّة قول النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) وسيرته وناصّ ببقاء الدين على حياته، ولو جاز بطلان السنّة من رأس لم يبق للقرآن أثر ولا لإنزاله ثمر.

أو أنّه يريد أنّ الشيعة دسّوا هذه الأحاديث في جوامع الحديث وكتب التاريخ فيعود محذور سقوط السنّة وبطلان الشريعة بل يكون البلوى أعمّ والفساد أتمّ.

ومنها: قوله: وحملون كلمة نسائنا على فاطمة، وكلمة أنفسنا على عليّ

٢٦٠