الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢

الميزان في تفسير القرآن12%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131681 / تحميل: 8007
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

في ذمته أو كان له مال تجدد له بعد الحجر ـ ولو بالاستدانة أو قبول الهدية مثلاً ـ أو أذن له الغرماء بدفع الثمن من ماله المحجور عليه.

مسألة 333 : تثبت الشفعة للشريك وإن كان سفيهاً أو صبياً أو مجنوناً فيأخذ لهم الولي بها ، بل إذا أخذ السفيه بها بإذن الولي صح. نعم إذا كان الولي هو الوصي أو الحاكم ليس له ذلك إلا مع رعاية الغبطة والمصلحة بخلاف الأب والجد فإنه تكفي فيهما رعاية عدم المفسدة كما هو الحال في سائر التصرفات.

مسألة 334 : إذا أسقط الولي عن الصبي أو المجنون أو السفيه حق الشفعة ـ مع رعاية ما تقدم ـ لم يكن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد ، وكذا إذا لم يكن الأخذ بها مصلحة فلم يطالب. أما إذا ترك المطالبة بها مساهلة منه في حقهم فالظاهر أن لهم المطالبة بها بعد البلوغ والعقل والرشد.

مسألة 335 : إذا كان المبيع مشتركاً بين الولي والمولى عليه فباع الولي سهم المولىّ عليه جاز له أن يأخذ بالشفعة لنفسه على الأقوى.

مسألة 336 : إذا باع الولي سهم نفسه جاز له أن يأخذ بالشفعة للمولى عليه ، وكذا الحكم في الوكيل إذا كان شريكاً مع الموكل.

١٠١

فصل

في الأخذ بالشفعة

مسألة 337 : الأخذ بالشفعة من الإنشائيات المعتبر فيها الإيقاع ويتحقق ذلك بالقول مثل أن يقول : أخذت المبيع الكذائي بثمنه ، وبالفعل مثل أن يدفع الثمن إلى المشتري ويستقل بالمبيع.

مسألة 338 : لا يجوز للشفيع أخذ بعض المبيع وترك بعضه الآخر بل إما أن يأخذ الجميع أو يدع الجميع.

مسألة 339 : الشفيع يتملك المبيع بإعطاء قدر الثمن إلى المشتري لا بأكثر منه ولا بأقل سواء أكانت قيمة المبيع السوقية مساوية للثمن أم زائدة أم ناقصة ، ولا يلزم أن يعطي عين الثمن في فرض التمكن منها بل له أن يعطي مثله إن كان مثلياً.

مسألة 340 : إذا كان الثمن قيمياً ففي ثبوت الشفعة للشريك بأن يأخذ المبيع بقيمة الثمن حين البيع إشكال ، فالأحوط له عدم الأخذ بالشفعة إلا برضى المشتري كما أن الأحوط للمشتري إجابته إذا أخذ بها.

مسألة 341 : إذا غرم المشتري شيئاً من أجرة الدلال أو غيرها أو تبرع بشيء للبائع من خلعة ونحوها لم يلزم الشفيع تداركه.

مسألة 342 : إذا حط البائع شيئاً من الثمن للمشتري بعد البيع لم يكن للشفيع تنقيصه.

مسألة 343 : الأقوى لزوم المبادرة إلى الأخذ بالشفعة فيسقط مع المماطلة والتأخير بلا عذر ولا يسقط إذا كان التأخير عن عذر ـ ولو كان عرفياً ـ كجهله بالبيع أو جهله باستحقاق الشفعة ، أو توهمه كثرة الثمن فبان قليلا ،

١٠٢

أو كون المشتري زيداً فبان عمراً ، أو أنه اشتراه لنفسه فبان لغيره أو العكس ، أو أنه واحد فبان اثنين أو العكس ، أوإن المبيع النصف بمائة فتبين أنه الربع بخمسين ، أو كون الثمن ذهباً فبان فضة ، أو لكونه محبوساً ظلماً أو بحق يعجز عن أدائه ، وكذا أمثال ذلك من الأعذار.

مسألة 344 : المبادرة اللازمة في استحقاق الأخذ بالشفعة يراد منها المبادرة على النحو المتعارف الذي جرت به العادة ، فإذا كان مشغولاً بعبادة واجبة أو مندوبة لم يجب عليه قطعها.

مسألة 345 : إذا كان مشغولاً بأكل أو شرب لم يجب قطعه ولا يجب عليه الإسراع في المشي.

مسألة 346 : يجوز له إن كان غائباً انتظار الرفقة إذا كان الطريق مخوفاً ، أو انتظار زوال الحر أو البرد إذا جرت العادة بانتظاره لمثله ، وقضاء وطره من الحمام إذا علم بالبيع وهو في الحمام وأمثال ذلك مما جرت العادة بفعله لمثله ، نعم يشكل مثل عيادة المريض وتشييع المؤمن ونحو ذلك إذا لم يكن تركه موجباً للطعن فيه وكذا الاشتغال بالنوافل ابتداءً ، والأظهر السقوط في كل مورد صدقت فيه المماطلة عرفاً.

مسألة 347 : إذا كان غائباً عن بلد البيع وعلم بوقوعه وكان يتمكن من الأخذ بالشفعة ولو بالتوكيل فلم يبادر إليه سقطت الشفعة.

مسألة 348 : لا ينتقل المبيع إلى الشفيع بمجرد قوله : ( أخذت بالشفعة ) مثلاً ، بل لابد من تعقبه بدفع الثمن إلا أن يرضى المشتري بالتأخير ، فإذا قال ذلك وهرب أو ماطل أو عجز عن دفع الثمن بقي المبيع على ملك المشتري لا أنه ينتقل بالقول إلى ملك الشفيع وبالعجز أو الهرب أو المماطلة يرجع إلى ملك المشتري.

مسألة 349 : إذا باع المشتري قبل أخذ الشفيع بالشفعة لم تسقط بل

١٠٣

جاز للشفيع الأخذ من المشتري الأول بالثمن الأول فيبطل الثاني وتجزي الإجازة منه في صحته له ، وله الأخذ من المشتري الثاني بثمنه فيصح البيع الأول.

مسألة 350 : إذا زادت العقود على اثنين فإن أخذ بالأول بطل ما بعده ويصح مع إجازته ، وإن أخذ بالأخير صح ما قبله ، وإن أخذ بالمتوسط صح ما قبله وبطل ما بعده ويصح مع إجازته.

مسألة 351 : إذا تصرف المشتري في المبيع بوقف أو هبة غير معوضة أو بجعله صداقاً أو غير ذلك مما لا شفعة فيه كان للشفيع الأخذ بالشفعة بالنسبة إلى البيع فتبطل التصرفات اللاحقة له.

مسألة 352 : الشفعة من الحقوق فتسقط بالإسقاط ، ويجوز أخذ المال بإزاء إسقاطها وبإزاء عدم الأخذ بها ، لكن على الأول لا يسقط إلا بالإسقاط فإذا لم يسقطه وأخذ بالشفعة صح ولم يستحق المال المبذول ، بل الظاهر صحة الأخذ بالشفعة على الثاني أيضاً. ويصح الصلح على سقوطها فيسقط بذلك.

مسألة 353 : الظاهر أنه لا إشكال في أن حق الشفعة لا يقبل الانتقال إلى غير الشفيع.

مسألة 354 : إذا باع الشريك نصيبه قبل الأخذ بالشفعة فالظاهر سقوطها خصوصاً إذا كان بيعه بعد علمه بالشفعة.

مسألة 355 : المشهور اعتبار العلم بالثمن في جواز الأخذ بالشفعة ، فإذا أخذ بها وكان جاهلاً به لم يصح لكن الصحة لا تخلو من وجه.

مسألة 356 : إذا تلف تمام المبيع قبل الأخذ بالشفعة سقطت.

مسألة 357 : إذا تلف بعضه دون بعض لم تسقط وجاز له أخذ الباقي بتمام الثمن من دون ضمان على المشتري.

١٠٤

مسألة 358 : إذا كان التلف بعد الأخذ بالشفعة فإن كان التلف بفعل المشتري ضمنه.

مسألة 359 : إذا كان التلف بغير فعل المشتري ضمنه المشتري أيضاً فيما إذا كان التلف بعد المطالبة ومسامحة المشتري في الإقباض.

مسألة 360 : في انتقال الشفعة إلى الوراث إشكال وعلى تقدير الانتقال ليس لبعض الورثة الأخذ بها ما لم يوافقه الباقون.

مسألة 361 : إذا أسقط الشفيع حقه قبل البيع لم يسقط ، وكذا إذا شهد على البيع أو بارك للمشتري إلا أن تقوم القرينة على إرادة الإسقاط بالمباركة بعد البيع.

مسألة 362 : إذا كانت العين مشتركة بين حاضر وغائب وكانت حصة الغائب بيد ثالث فعرضها للبيع بدعوى الوكالة عن الغائب جاز الشراء منه والتصرف فيه ما لم يعلم كذبه في دعواه ، وهل يجوز للشريك الحاضر الأخذ بالشفعة بعد إطلاعه على البيع؟ إشكال ، وإن كان الجواز أقرب فإذا حضر الغائب وصدق فهو ، وإن أنكر كان القول قوله بيمينه ما لم يكن مخالفاً للظاهر فإذا حلف انتزع الحصة من يد الشفيع وكان له عليه الأجرة إن كانت ذات منفعة مستوفاة أو غيرها على تفصيل تقدم في المسألة (78) ، فإن دفعها إلى المالك رجع بها على مدعي الوكالة.

مسألة 363 : إذا كان الثمن مؤجلاً جاز للشفيع الأخذ بالشفعة بالثمن المؤجل ، والظاهر جواز إلزامه بالكفيل ، ويجوز أيضاً الأخذ بالثمن حالاً إن رضي المشتري به أو كان شرط التأجيل للمشتري على البائع.

مسألة 364 : إذا تقايل المتبايعان قبل أخذ الشريك بالشفعة فالمشهور عدم سقوطها بالإقالة ، بل لو أخذ الشفيع بها كشف ذلك عن بطلان الإقالة فيكون نماء المبيع بعدها للمشتري ونماء الثمن للبائع كما كان الحال قبلها

١٠٥

كذلك ، ولكن لا يبعد سقوطها حينئذ ، وأما لو كان التقايل بعد أخذ الشريك بالشفعة لم يمنع ذلك عن صحة الإقالة فيرجع البائع بعوض المبيع إلى المشتري.

مسألة 365 : إذا كان للبائع خيار رد العين فالظاهر أن الشفعة لا تسقط به لكن البائع إذا فسخ قبل أخذ الشريك بالشفعة يرجع المبيع إليه ولا شفعة وإن فسخ بعده رجع بالمثل أو القيمة ، وهكذا الحكم في سائر الخيارات الثابتة للبائع أو المشتري غير ما يسقط بخروج العين عن ملك المشتري كخيار العيب.

مسألة 366 : إذا كانت العين معيبة فإن علمه المشتري فلا خيار له ولا أرش ، فإذا أخذ الشفيع بالشفعة فإن كان عالماً به فلا شيء له وإن كان جاهلاً كان له الخيار في الرد وليس له اختيار الأرش ، وأذا كان المشتري جاهلاً كان له الرد فإن لم يمكن ـ ولو لأخذ الشريك بالشفعة قبل ذلك ـ كان له الأرش ، وأما الشفيع الجاهل بالعيب حين أخذه بالشفعة فيتخير بين الرد إلى المشتري وبين مطالبته بالأرش حتى وإن كان قد أسقطه عن البائع على الأقرب.

مسألة 367 : إذا اتفق اطلاع المشتري على العيب بعد أخذ الشفيع فالظاهر أن له أخذ الأرش وعليه دفعه إلى الشفيع ، وأذا اطلع الشفيع عليه دون المشتري فليس له مطالبة البائع بالأرش بل له إعلام المشتري بالحال ويتخير بين رد العين المعيبة إليه وبين مطالبته بالأرش.

١٠٦

كتاب الإجارة

١٠٧
١٠٨

وهي المعاوضة على المنفعة عملاً كانت أو غيره ، فالأول مثل إجارة الخياط للخياطة ، والثاني مثل إجارة الدار.

وفيه فصول :

فصل في شروطها

مسألة 368 : لابد فيها من الإيجاب والقبول ، فالإيجاب مثل قول الخياط : آجرتك نفسي ، وقول صاحب الدار : آجرتك داري ، والقبول مثل قول المستأجر : قبلت ، ويجوز وقوع الإيجاب من المستأجر ، مثل : استأجرتك لتخيط ثوبي وأستأجرت دارك ، فيقول المؤجر : قبلت ، ويكفي في الأخرس الإشارة المفهمة للإيجار أو الاستئجار.

مسألة 369 : تجري المعاطاة في الإجارة ـ كما تجري في البيع ـ فلو سلّم المؤجر ماله للمستأجر بقصد الإيجار وقبضه المستأجر بقصد الاستئجار صحت الإجارة.

مسألة 370 : يشترط في صحة الإجارة أمور بعضها في المتعاقدين ، وبعضها في العين المستأجرة ، وبعضها في المنفعة المقصودة بالإجارة ، وبعضها في الأجرة.

١٠٩

( شرائط المتعاقدين )

يشترط في المؤجر والمستأجر أن يكون كل منهما بالغاً عاقلا مختارا ، كما يشترط في المؤجر أن يكون مالكا للمنفعة المقصودة بالإيجار وفي المستأجر أن يكون مالكاً للأجرة ، ويشترط فيهما أن لا يكونا محجورين لسفه أو تفليس ، فلا تصح إجارة الصبي والمجنون والمكره ـ إلا أن يكون الإكراه بحق ـ كما لا تصح إجارة الفضولي ، ولا إجارة السفيه أمواله مطلقاً ، ولا إجارة المفلس أمواله التي حجر عليها.

مسألة 371 : إذا أجر السفيه نفسه لعمل فالأظهر بطلان الإجارة ـ ما لم تتعقب بإجازة الولي ـ وأما إذا آجر المفلس نفسه فالأظهر صحتها.

مسألة 372 : إذا لم يكن المؤجر مالكاً للمنفعة ـ ولم يكن ولياً ولا وكيلاً ـ توقفت صحة الإجارة على إجازة المالك ، وأذا كان محجوراً عليه لسفه توقفت صحتها على إجازة الولي ، وإن كان محجوراً عليه لفلس توقفت صحتها على إجازة الغرماء ، وإن كان مكرهاً توقفت صحتها على الرضا لا بداعي الإكراه.

( شرائط العين المستأجرة )

وهي أمور :

1 ـ التعيين ، فلا يصح إجارة المبهم كما لو قال : ( آجرتك إحدى دوري ) نعم يصح إجارة الكلي في المعين كسيارة من عدة سيارات متماثلة.

2 ـ المعلومية ، فإن كانت عيناً معينة فإما بالمشاهدة وأما بذكر الأوصاف التي تختلف بها الرغبات في إجارتها لو كانت غائبة ، وكذا لو كانت كلية.

١١٠

3 ـ التمكن من التسليم ، فلا تصح الإجارة من دونه حتى مع الضميمة على الأحوط ، نعم يكفي تمكن المستأجر من الاستيلاء على العين المستأجرة فتصح إجارة الدابة الشاردة مثلاً إذا كان المستأجر قادراً على أخذها.

4 ـ إمكان الانتفاع بها مع بقاء عينها ، فلا تصح إجارة الخبز ونحوه من المأكولات للأكل.

5 ـ قابليتها للانتفاع المقصود من الإجارة ، فلا تصح إجارة الأرض للزراعة إذا لم يكن المطر وافياً ولم يمكن سقيها من النهر أو غيره.

( شرائط المنفعة المقصودة بالإجارة )

وهي أمور :

1 ـ أن تكون محللة ، فلو انحصرت منافع المال في الحرام أو اشترط الانتفاع بخصوص المحرم منها ، أو أوقع العقد مبنياً على ذلك بطلت الإجارة ، كما لو آجر الدكان بشرط أن يباع أو يحفظ فيه الخمر ، أو آجر الحيوان بشرط أن يحمل الخمر عليه.

2 ـ أن تكون لها مالية يبذل المال بإزائها عند العقلاء على الأحوط.

3 ـ تعيين نوع المنفعة إذا كانت للعين منافع متعددة ، فلو أجر حيواناً قابلاً للركوب ولحمل الأثقال وجب تعيين حق المستأجر من الركوب أو الحمل أو كليهما.

4 ـ معلومية المنفعة ، وهي أما بتعيين المدة مثل سكنى الدار سنة أو شهراً ، وأما بتعيين المسافة مثل ركوب السيارة فرسخاً أو فرسخين ، وأما بتعيين العمل كخياطة الثوب المعين على كيفية معينة أو سياقة السيارة إلى مكة أو غيرها من البلاد المعروفة من طريق معين.

١١١

ولابد في الأولين من تعيين الزمان ، فإذا استأجر الدار للسكنى سنة ، والسيارة للركوب فرسخا من دون تعيين الزمان ، بطلت الإجارة ، إلا أن تكون قرينة على التعيين كالإطلاق الذي هو قرينة على التعجيل.

مسألة 373 : لا يعتبر تعيين الزمان في الإجارة على الخياطة ونحوها من الأعمال ، فيجب الإتيان به متى طالب المستأجر ، هذا إذا لم تختلف الأغراض باختلاف الأزمنة التي يقع فيها العمل ، والا فلابد من تعيين الزمان فيه أيضاً.

( شرائط الأجرة )

يعتبر في الأجرة معلوميتها ، فإذا كانت من المكيل أو الموزون أو المعدود لابد من معرفتها بالكيل أو الوزن أو العد ، وما يعرف منها بالمشاهدة لابد من مشاهدته أو وصفه على نحو ترتفع الجهالة.

ويجوز أن تكون الأجرة عيناً خارجية أو كلياً في الذمة ، أو عملاً أو منفعة أو حقاً قابلاً للنقل والانتقال كحق التحجير.

مسألة 374 : إذا استأجر سيارة للحمل فلابد من تعيين الحمل ، وأذا استأجر دراجة للركوب فلابد من تعيين الراكب ، وأذا استأجر ماكنة لحرث جريب من الأرض فلابد من تعيين الأرض. نعم إذا كان اختلاف الراكب أو الحمل أو الأرض لا يوجب اختلافاً في الأغراض النوعية لم يجب التعيين.

مسألة 375 : إذا قال آجرتك الدار شهراً أو شهرين أو قال آجرتك كل شهر بدرهم مهما أقمت فيها بطلت الإجارة ، وأذا قال : آجرتك شهراً بدرهم فإن زدت فبحسابه صح في الشهر الأول وبطل في غيره ، هذا إذا كان بعنوان الإجارة ، أما إذا كان بعنوان الجعالة بأن يجعل المنفعة لمن يعطيه درهماً أو كان من قبيل الإباحة بالعوض بأن يبيح المنفعة لمن يعطيه درهما فلا

١١٢

بأس.

مسألة 376 : إذا قال : إن خطت هذا الثوب بدرز فلك درهم وإن خطته بدرزين فلك درهمان ، فإن قصد الجعالة كما هو الظاهر صح وإن قصد الإجارة بطل ، وكذا إن قال : إن خطته هذا اليوم فلك درهم وإن خطته غداً فلك نصف درهم. والفرق بين الإجارة والجعالة أن في الإجارة تشتغل ذمة العامل بالعمل للمستأجر حين العقد وكذا تشتغل ذمة المستأجر بالعوض ولأجل ذلك صارت عقداً وليس ذلك في الجعالة فإن اشتغال ذمة المالك بالعوض يكون بعد عمل العامل من دون اشتغال لذمة العامل بالعمل أبداً ، ولأجل ذلك صارت إيقاعا.

مسألة 377 : إذا استأجره على عمل مقيد بقيد خاص من زمان أو مكان أو آلة أو وصف فجاء به على خلاف القيد لم يستحق شيئاً على عمله ، فإن لم يمكن العمل ثانياً تخير المستأجر بين فسخ الإجارة وبين مطالبة الأجير بأجرة المثل للعمل المستأجر عليه فإن طالبه بها لزمه إعطاؤه أجرة المثل ، وإن أمكن العمل ثانياً وجب الإتيان به على النهج الذي وقعت عليه الإجارة.

مسألة 378 : إذا استأجره على عمل بشرط ، بأن كان إنشاء الشرط في ضمن عقد الإجارة أو وقع العقد مبنياً عليه فلم يتحقق الشرط ، كما إذا استأجره ليوصله إلى مكان معين وشرط عليه أن يوصله في وقت محدد فأوصله ولكن في غير ذلك الوقت أو استأجره على خياطة ثوبه وأشترط عليه قراءة سورة من القرآن فخاط الثوب ولم يقرأ السورة ـ كان له فسخ الإجارة وعليه حينئذ أجرة المثل وله إمضاؤها ودفع الأجرة المسماة ، والفرق بين القيد والشرط أن متعلق الإجارة في موارد التقييد حصة خاصة مغايرة لسائر الحصص وأما في موارد الاشتراط فمتعلق الإجارة هو طبيعي العمل ولكن العقد معلق على التزام الطرف بتحقق أمر كالإيصال في الوقت المحدد أو القراءة في المثالين ، ولازم

١١٣

ذلك أن يكون التزامه بالعقد مشروطاً بنفس تحقق الملتزم به ، ومعنى ذلك جعل الخيار لنفسه على تقدير عدم تحققه.

مسألة 379 : إذا استأجر سيارة إلى «كربلاء» مثلاً بدرهم وأشترط له على نفسه أنه إن أوصله المؤجر نهاراً أعطاه درهمين صح.

مسألة 380 : لو استأجر سيارة مثلاً إلى مسافة بدرهمين وأشترط على المؤجر أن يعطيه درهماً واحداً إن لم يوصله نهاراً صح ذلك.

مسألة 381 : إذا استأجر سيارة على أن يوصله المؤجر نهاراً بدرهمين أو ليلاً بدرهم بحيث تكون الإجارة على أحد الأمرين مردداً بينهما فالإجارة باطلة.

مسألة 382 : إذا استأجره على أن يوصله إلى «كربلاء» وكان من نيته زيارة ليلة النصف من شعبان ولكن لم يذكر ذلك في العقد ولم تكن قرينة على التعيين استحق الأجرة وإن لم يوصله ليلة النصف من شعبان.

١١٤

فصل

في مسائل تتعلق بلزوم الإجارة

مسألة 383 : الإجارة من العقود اللازمة لا تنفسخ إلا بالتراضي بين الطرفين أو يكون للفاسخ الخيار ، ولا فرق في ذلك بين أن تكون الإجارة منشأة باللفظ أو بالمعاطاة.

مسألة 384 : إذا باع المالك العين المستأجرة قبل تمام مدة الإجارة لم تنفسخ الإجارة بل تنتقل العين إلى المشتري مسلوبة المنفعة مدة الإجارة وإذا كان المشتري جاهلاً بالإجارة أو معتقداً قلة المدة فتبين زيادتها كان له فسخ البيع وليس له المطالبة بالأرش ، وإذا فسخت الإجارة رجعت المنفعة إلى البائع.

مسألة 385 : لا فرق فيما ذكرناه من عدم انفساخ الإجارة بالبيع بين أن يكون البيع على المستأجر وغيره ، فلو استأجر داراً ثم اشتراها بقيت الإجارة على حالها ويكون ملكه للمنفعة في بقية المدة بسبب الإجارة لا من جهة تبعية العين فلو انفسخت الإجارة رجعت المنفعة في بقية المدة إلى البائع ، ولو فسخ البيع بأحد أسبابه بقي ملك المشتري المستأجر للمنفعة على حاله.

مسألة 386 : إذا باع المالك العين على شخص وأجرها وكيله مدة معينة على شخص آخر واقترن البيع والإجارة زماناً صحا جميعاً فيكون المبيع للمشتري مسلوب المنفعة مدة الإجارة ويثبت الخيار له حينئذ.

مسألة 387 : لا تبطل الإجارة بموت المؤجر ولا بموت المستأجر حتى فيما إذا استأجر داراً على أن يسكنها بنفسه فمات ، فإنه لا تبطل الإجارة بموته

١١٥

ولكن يثبت للمؤجر مع التخلف خيار الفسخ ، نعم إذا اعتبر سكناه على وجه القيدية تبطل بموته.

مسألة 388 : إذا أجر نفسه للعمل بنفسه فمات قبل إنجازه بطلت الإجارة ، نعم إذا تعمد ترك الإتيان به قبل موته لم تبطل الإجارة بل يتخير المستأجر بين الفسخ وبين المطالبة بأجرة مثل العمل.

مسألة 389 : إذا لم يكن المؤجر مالكا للعين المستأجرة بل مالكا لمنفعتها ما دام حياً ـ بوصية مثلاً ـ فمات أثناء مدة الأجارة بطلت حينئذ بالنسبة إلى المدة الباقية ، نعم لما كانت المنفعة في بقية المدة لورثة الموصي فلهم أن يجيزوها بالنسبة إلى تلك المدة فتقع لهم الإجارة وتكون لهم الأجرة.

مسألة 390 : إذا أجر البطن السابق من الموقوف عليهم العين الموقوفة فانقرضوا قبل انتهاء مدة الإجارة بطلت بالنسبة إلى بقية المدة إذا لم تجزها الطبقة المتأخرة ، وفي صورة أخذ الطبقة الأولى للأجرة كلها يكون للمستأجر استرجاع مقدار إجارة المدة الباقية منها من أموال الطبقة الأولى ، وأما إذا أجرها المتولي ـ سواء أكان هو البطن السابق أم غيره ـ ملاحظاً بذلك مصلحة الوقف لم تبطل بموته ، وكذا إذا أجرها لمصلحة البطون اللاحقة إذا كانت له ولاية على ذلك فأنها تصح ويكون للبطون اللاحقة حصتهم من الأجرة.

مسألة 391 : إذا أجر نفسه للعمل أما بالإتيان به مباشرة أو تسبيباً فمات قبل ذلك بطلت الإجارة على تفصيل تقدم في المسألة (388) ، وأما إذا تقبل العمل الكلي في ذمته من دون التقييد بذلك فمات قبل تحقيقه لم تبطل المعاملة بل يجب أداء العمل من تركته كسائر الديون.

مسألة 392 : إذا أجر الولي مال الطفل مدة ، وبلغ الطفل أثناءها كانت صحة الإجارة بالنسبة إلى ما بعد بلوغه موقوفة على إجازته حتى فيما إذا كان

١١٦

عدم جعل ما بعد البلوغ جزءاً من مدة الإيجار على خلاف مصلحة الطفل ، وهكذا الحكم فيما إذا أجر الولي الطفل نفسه إلى مدة فبلغ أثناءها ، نعم إذا كان امتداد مدة الإيجار إلى ما بعد البلوغ هو مقتضى مصلحة ملزمة شرعاً بحيث يعلم عدم رضا الشارع بتركها صح الإيجار كذلك بإذن الحاكم الشرعي ولم يكن للطفل أن يفسخه بعد بلوغه.

مسألة 393 : إذا أجرت المرأة نفسها للخدمة مدة معينة فتزوجت في أثنائها لم تبطل الإجارة وإن كانت الخدمة منافية لحق الزوج.

مسألة 394 : إذا أجرت نفسها بعد التزويج توقفت صحة الإجارة على إجازة الزوج فيما ينافي حقه ونفذت الإجارة فيما لا ينافي حقه.

مسألة 395 : إذا وجد المستأجر في العين المستأجرة عيباً فإن كان عالما به حين العقد فلا أثر له وإن كان جاهلاً به فإن كان موجباً لفوات بعض المنفعة كخراب بعض بيوت الدار قسطت الأجرة ورجع على المالك بما يقابل المنفعة الفائتة وله فسخ العقد من أصله ، هذا إذا لم يكن الخراب قابلاً للانتفاع أصلاً ولو بغير السكنى وإلا لم يكن له إلا خيار العيب. وإن كان العيب موجباً لنقص في المنفعة كبطء سير السيارة كان له الخيار في الفسخ وليس له مطالبة الأرش ، وإن لم يوجب العيب شيئا من ذلك لكن يوجب نقص الأجرة ككون السيارة مخسوفة البدنة كان له الخيار أيضاً ، وإن لم يوجب ذلك أيضاً فلا خيار. هذا إذا كانت العين شخصية أما إذا كانت كلية وكان المقبوض معيباً كان له المطالبة بالصحيح ولا خيار في الفسخ ، وإذا تعذر الصحيح كان له الخيار في أصل العقد.

مسألة 396 : إذا وجد المؤجر عيباً في الأجرة وكان جاهلاً به كان له الفسخ وليس له المطالبة بالأرش وإذا كانت الأجرة كلية فقبض فرداً معيباً منها فليس له فسخ العقد بل له المطالبة بالصحيح فإن تعذر كان له الفسخ.

١١٧

مسألة 397 : يجري في الإجارة خيار الغبن ـ على تفصيل تقدم نظيره في البيع ـ كما يجري فيها خيار العيب وخيار الشرط ـ حتى للأجنبي ـ ومنه خيار شرط رد العوض نظير شرط رد الثمن ، وكذا خيار تخلف الشرط الصريح أو الارتكازي ومنه خيار تبعض الصفقة وتعذر التسليم والتفليس والتدليس والشركة ، ولا يجري فيها خيار المجلس ولا خيار الحيوان ولا خيار التأخير على النحو المتقدم في البيع ، نعم مع التأخير في تسليم أحد العوضين عن الحد المتعارف يثبت الخيار للطرف.

مسألة 398 : إذا حصل الفسخ في عقد الإيجار ابتداء المدة فلا إشكال وإذا حصل أثناء المدة فإن لم يكن الخيار مجعولاً للفاسخ على نحو يقتضي التبعيض وبطلان الإجارة بالنسبة إلى ما بقي خاصة ـ كما هو الحال في شرط الخيار غالباً ـ فالأقوى كونه موجباً لانفساخ العقد في جميع المدة فيرجع المستأجر بتمام المسمى ويكون للمؤجر أجرة المثل بالنسبة إلى ما مضى.

١١٨

فصل

في أحكام التسليم في الإجارة

مسألة 399 : إذا وقع عقد الإجارة ملك المستأجر المنفعة في إجارة الأعيان والعمل في الإجارة على الأعمال بنفس العقد وكذا المؤجر والأجير يملكان الأجرة بنفس العقد ، لكن ليس للمستأجر المطالبة بالمنفعة والعمل مع تأجيل الأجرة وعدم تسليمها إلا إذا كان قد شرط ذلك صريحاً أو كانت العادة جارية عليه ، كما أنه ليس للأجير والمؤجر المطالبة بالأجرة مع عدم تسليم العمل والمنفعة إلا إذا كانا قد اشترطا تقديم الأجرة وإن كان لأجل جريان العادة.

مسألة 400 : يجب على كل منهما تسليم ما عليه تسليمه في الزمان الذي يقتضيه العقد ، ولكن وجوب التسليم على كل منهما مشروط بعدم امتناع الآخر ، ولو امتنع المؤجر من تسليم العين المستأجرة مع بذل المستأجر الأجرة جاز للمستأجر إجباره على تسليم العين كما جاز له الفسخ وأخذ الأجرة إذا كان قد دفعها وله إبقاء الإجارة والمطالبة بقيمة المنفعة الفائتة ، وكذا إذا دفع المؤجر العين ثم أخذها من المستأجر بلا فصل أو في أثناء المدة ، ومع الفسخ في الأثناء يرجع بتمام الأجرة وعليه أجرة المثل لما مضى ، وكذا الحكم فيما إذا امتنع المستأجر من تسليم الأجرة مع بذل المؤجر للعين المستأجرة.

مسألة 401 : تسليم المنفعة يكون بتسليم العين ، وتسليم العمل فيما لا يتعلق بعين للمستأجر في يد الأجير يكون بإتمامه ، وفيما يتعلق بعين له في يد الأجير يكون بإتمام العمل فيها مع تسليمها ـ على تقدير عدم تلفها ـ

١١٩

إلى المستأجر.

مسألة 402 : إذا كان العمل المستأجر عليه في العين التي هي بيد الأجير فتلفت العين بعد تمام العمل قبل دفعها إلى المستأجر من غير تفريط استحق الأجير المطالبة بالأجرة ، فإذا كان أجيراً على خياطة ثوب فتلف بعد الخياطة وقبل دفعه إلى المستأجر استحق مطالبة الأجرة فإذا كان الثوب مضموناً على الأجير استحق عليه المالك قيمة الثوب مخيطاً وإلا لم يستحق عليه شيئا.

مسألة 403 : يجوز للأجير بعد إتمام العمل حبس العين إلى أن يستوفي الأجرة ، وإذا حبسها لذلك فتلفت من غير تفريط لم يضمن.

مسألة 404 : تبطل الإجارة بسقوط العين المستأجرة عن قابلية الانتفاع منها بالمنفعة الخاصة المملوكة ، فإذا استأجر داراً سنة ـ مثلاً ـ فانهدمت قبل دخول السنة أو بعد دخولها بلا فصل بطلت الإجارة ، وإذا انهدمت أثناء السنة تبطل الإجارة بالنسبة إلى المدة الباقية وكان للمستأجر الخيار في فسخ الإيجار ، فإن فسخ رجع على المؤجر بتمام الأجرة المسماة وعليه له أجرة المثل بالنسبة إلى المدة الماضية ، وإن لم يفسخ قسطت الأجرة بالنسبة وكان للمالك حصة من الأجرة بنسبة المدة الماضية.

مسألة 405 : إذا استأجر داراً فانهدم قسم منها ، فإن كانت بحيث لو أعيد بناء القسم المهدوم على الوجه المتعارف لعدت بعد التعمير مغايرة لما قبله في النظر العرفي كان حكمه ما تقدم في المسألة السابقة ، وإن لم تعد كذلك فإن أقدم المؤجر على تعميرها فوراً على وجه لا يتلف شيء من منفعتها عرفاً لم تبطل الإجارة ولم يكن للمستأجر حق الفسخ ، وإن لم يقدم على ذلك وكان قادراً عليه فللمستأجر الزامه به ـ فإن لم يفعل كان له مطالبته بأجرة مثل المنفعة الفائتة كما إن له الخيار في فسخ الإجارة رأساً ـ ولو مع

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

ومن المعلوم أنّ وقوع الخطاء في هذه المرحلة أعني مرحلة الدين ورفع الاختلاف عن الاجتماع يعادل نفس الاختلاف الاجتماعيّ في سدّ طريق استكمال النوع الإنسانيّ، وإضلاله هذا النوع في سيره إلى سعادته، فيعود المحذور من رأس.

قلت: الأبحاث السابقة تكفي مؤنة حلّ هذه العقدة، فإنّ الّذي ساق هذا النوع نحو هذه الفعليّة أعني الأمر الروحي الّذي يرفع الاختلاف إنّما هو الناموس التكوينيّ الّذي هو الإيصال التكوينيّ لكلّ نوع من الأنواع الوجوديّة إلى كماله الوجوديّ وسعادته الحقيقيّة، فإنّ السبب الّذي أوجب وجود الإنسان في الخارج وجوداً حقيقيّاً كسائر الأنواع الخارجيّة هو الّذي يهديه هداية تكوينيّة خارجيّة إلى سعادته، ومن المعلوم أنّ الاُمور الخارجيّة من حيث أنّها خارجيّة لا تعرضها الخطاء والغلط، أعني: أنّ الوجود الخارجيّ لا يوجد فيه الخطاء والغلط لوضوح أنّ ما في الخارج هو ما في الخارج! وإنّما يعرض الخطاء والغلط في العلوم التصديقيّة والاُمور الفكريّة من جهة تطبيقها على الخارج فإنّ الصدق والكذب من خواصّ القضايا، تعرضها من حيث مطابقتها للخارج وعدمها، وإذا فرض أنّ الّذي يهدي هذا النوع إلى سعادته ورفع اختلافه العارض على اجتماعه هو الإيجاد والتكوين لزم أن لا يعرضه غلط ولا خطاء في هدايته، ولا في وسيلة هدايته الّتي هي روح النبوّة وشعور الوحى، فلا التكوين يغلط في وضعه هذا الروح والشعور في وجود النبيّ، ولا هذا الشعور الّذي وضعه يغلط في تشخيصه مصالح النوع عن مفاسده وسعادته عن شقائه، ولو فرضنا له غلطاً وخطائاً في أمره وجب أن يتداركه بأمر آخر مصون عن الغلط والخطاء، فمن الواجب أن يقف أمر التكوين على صواب لا خطاء فيه ولا غلط.

فظهر: أنّ هذا الروح النبويّ لا يحلّ محلّاً إلّا بمصاحبة العصمة، وهي المصونيّة عن الخطاء في أمر الدين والشريعة المشرّعة، وهذه العصمة غير العصمة عن المعصية كما أشرنا إليه سابقاً، فإنّ هذه عصمة في تلقّي الوحى من الله سبحانه، وتلك عصمة في مقام العمل والعبوديّة، وهناك مرحلة ثالثة من العصمة وهي العصمة في تبليغ الوحى، فإنّ كلتيهما واقعتان في طريق سعادة الإنسان التكوينيّة وقوعاً تكوينيّاً،

١٦١

ولا خطاء ولا غلط في التكوين.

وقد ظهر بما ذكرنا الجواب عن إشكال آخر في المقام وهو: أنّه لم لا يجوز أن يكون هذا الشعور الباطنيّ مثل الشعور الفطريّ المشترك أعني الشعور الفكريّ في نحو الوجود بأن يكون محكوماً بحكم التغيّر والتأثّر؟ فإنّ الشعور الفطريّ وإن كان أمراً غير مادّيّ، ومن الاُمور القائمة بالنفس المجرّدة عن المادّة إلّا أنّه من جهة ارتباطه بالمادّة يقبل الشدّة والضعف والبقاء والبطلان كما في مورد الجنون والسفاهة والبلاهة والغباوة وضعف الشيب وسائر الآفات الواردة على القوى المدركة، فكذلك هذا الشعور الباطنيّ أمر متعلّق بالبدن المادّيّ نحواً من التعلّق، وإن سلّم أنّه غير مادّيّ في ذاته فيجب أن يكون حاله حال الشعور الفكريّ في قبول التغيّر والفساد، ومع إمكان عروض التغيّر والفساد فيه يعود الإشكالات السابقة البتّة.

والجواب: أنّا بيّنّا أن هذا السوق أعني سوق النوع الإنسانيّ نحو سعادته الحقيقيّة إنّما يتحقّق بيد الصنع والإيجاد الخارجيّ دون العقل الفكريّ، ولا معنى لتحقّق الخطاء في الوجود الخارجيّ.

وأمّا كون هذا الشعور الباطنيّ في معرض التغيّر والفساد لكونه متعلّقاً نحو تعلّق بالبدن فلا نسلّم كون كلّ شعور متعلّق بالبدن معرضاً للتغيّر والفساد، وإنّما القدر المسلّم من ذلك هذا الشعور الفكريّ (وقد مرّ أنّ الشعور النبويّ ليس من قبيل الشعور الفكريّ) وذلك أنّ من الشعور شعور الإنسان بنفسه، وهو لا يقبل البطلان والفساد والتغيّر والخطاء فإنّه علم حضوريّ معلومه عين المعلوم الخارجيّ، وتتمّة هذا الكلام موكول إلى محلّه.

فقد تبيّن ممّا مرّ اُمور:أحدها: انسياق الاجتماع الإنساني إلى التمدّن والاختلاف.

ثانيها: أنّ هذا الاختلاف القاطع لطريق سعادة النوع لا يرتفع ولن يرتفع بما يضعه العقل الفكريّ من القوانين المقرّرة.

ثالثها: أنّ رافع هذا الاختلاف إنّما هو الشعور النبويّ الّذي يوجده الله سبحانه

١٦٢

في بعض آحاد الإنسان لا غير.

رابعها: أنّ سنخ هذا الشعور الباطنيّ الموجود في الأنبياء غير سنخ الشعور الفكريّ المشترك بين العقلاء من أفراد الإنسان.

خامسها: أنّ هذا الشعور الباطنيّ لا يغلط في إدراكه الاعتقادات والقوانين المصلحة لحال النوع الإنسانيّ في سعادته الحقيقيّة.

سادسها: أنّ هذه النتائج (ويهمّنا من بينها الثلثة الأخيرة أعني: لزوم بعثة الأنبياء، وكون شعور الوحى غير الشعور الفكريّ سنخاً، وكون النبيّ معصوماً غير غالط في تلقّي الوحى) نتائج ينتجها الناموس العامّ المشاهد في هذه العالم الطبيعيّ، وهو سير كلّ واحد من الأنواع المشهودة فيه نحو سعادته بهداية العلل الوجوديّة الّتي جهّزتها بوسائل السير نحو سعادته والوصول إليها والتلبّس بها، والإنسان أحد هذه الأنواع، وهو مجهّز بما يمكنه به أن يعتقد الاعتقاد الحقّ ويتلبّس بالملكات الفاضلة، ويعمل عملاً صالحاً في مدينة صالحة فاضلة، فلا بدّ أن يكون الوجود يهيّئ له هذه السعادة يوماً في الخارج ويهديه إليه هداية تكوينيّة ليس فيها غلط ولا خطاء على ما مرّ بيانه.

١٦٣

( سورة البقرة آية ٢١٤)

أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَىٰ نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ ( ٢١٤ )

( بيان)

قد مرّ أنّ هذه الآيات آخذة من قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً ) إلى آخر هذه الآية، ذات سياق واحد يربط بعضها ببعض.

قوله تعالى: ( أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ ) ، تثبيت لما تدلّ عليه الآيات السابقة، وهو أنّ الدين نوع هداية من الله سبحانه للناس إلى ما فيه سعادتهم في الدنيا والآخرة، ونعمة حباهم الله بها، فمن الواجب أن يسلّموا له ولا يتّبعوا خطوات الشيطان، ولا يلقوا فيه الاختلاف، ولا يجعلوا الدواء دائاً، ولا يبدّلوا نعمة الله سبحانه كفراً ونقمة من اتّباع الهوى وابتغاء زخرف الدنيا وحطامها فيحلّ عليهم غضب من ربّهم كما حلّ ببني إسرائيل حيث بدّلوا نعمة الله من بعد ما جائتهم، فإنّ المحنة دائمة، والفتنة قائمة، ولن ينال أحد من الناس سعادة الدين وقرب ربّ العالمين إلّا بالثبات والتسليم.

وفي الآية التفات إلى خطاب المؤمنين بعد تنزيلهم في الآيات السابقة منزلة الغيبة، فإنّ أصل الخطاب كان معهم ووجه الكلام إليهم في قوله: يا أيّها الّذين آمنوا ادخلوا في السلم كافّة، وإنّما عدل عن ذلك إلى غيره لعناية كلاميّة أوجبت ذلك، وبعد انقضاء الوطر عاد إلى خطابهم ثانياً

وكلمة أم منقطعة تفيد الإضراب، والمعنى على ما قيل: بل أحسبتم أن تدخلوا الجنّة الخ، والخلاف في أم المنقطعة معروف، والحقّ أنّ أم لإفاده الترديد، وأنّ الدلالة على معنى الإضراب من حيث انطباق معنى الإضراب على المورد، لا أنّها دلالة وضعيّة، فالمعنى في المورد مثلاً: هل انقطعتم بما أمرناكم من التسليم بعد الإيمان والثبات على

١٦٤

نعمة الدين، والاتّفاق والاتّحاد فيه أم لا بل حسبتم أن تدخلوا الجنّة الخ.

قوله تعالى: ( وَلَمَّا يَأْتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلِكُم ) ، المثل بكسر الميم فسكون الثاء، والمثل بفتح الميم والثاء كالشبه والشبه، والمراد به ما يمثّل الشئ ويحضره ويشخّصه عند السامع، ومنه المثل بفتحتين، وهو الجملة أو القصّة الّتي تفيد استحضار معنى مطلوب في ذهن السامع بنحو الاستعارة التمثيليّة كما قال تعالى:( مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ) الجمعة - ٥، ومنه أيضاً المثل بمعنى الصفة كقوله تعالى:( انظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ ) الفرقان - ٩، وإنّما قالوا لهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : مجنون وساحر وكذّاب ونحو ذلك، وحيث أنّه تعالى يبيّن المثل الّذي ذكره بقوله: مسّتهم البأساء والضرّاء إلخ فالمراد به المعنى الأوّل.

قوله تعالى: ( مَّسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ ) إلى آخره لمّا اشتدّ شوق المخاطب ليفهم تفصيل الإجمال الّذي دلّ عليه بقوله: ولمّا يأتكم مثل الّذين، بيّن ذلك بقوله: مسّتهم البأساء والضرّاء والبأساء هو الشدّة المتوجّهة إلى الإنسان في خارج نفسه كالمال والجاه والأهل والأمن الّذي يحتاج إليه في حياته، والضرّاء هي الشدّة الّتي تصيب الإنسان في نفسه كالجرح والقتل والمرض، والزلزلة والزلزال معروف وأصله من زلّ بمعنى عثر، كرّرت اللفظة للدلالة على التكرار كأنّ الأرض مثلاً تحدث لها بالزلزلة عثرة بعد عثرة، وهو كصّر وصرصر، وصّل وصلصل، وكبّ وكبكب، والزلزال في الآية كناية عن الاضطراب والادّهاش.

قوله تعالى: ( حَتَّىٰ يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ ) ، قرء بنصب يقول، والجملة على هذا في محلّ الغاية لما سبقها، وقرء برفع يقول والجملة على هذا لحكاية الحال الماضية، والمعنيان وإن كانا جميعاً صحيحين لكنّ الثاني أنسب للسياق، فإنّ كون الجملة غاية يعلّل بها قوله: وزلزلوا لا يناسب السياق كلّ المناسبة.

قوله تعالى: ( مَتَىٰ نَصْرُ اللَّه ) ، الظاهر أنّه مقول قول الرسول والّذين آمنوا معه جميعاً، ولا ضير في أن يتفّوّه الرسول بمثل هذا الكلام استدعائاً وطلباً للنصر الّذي وعد به الله سبحانه رسله والمؤمنين بهم كما قال تعالى:( وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا

١٦٥

الْمُرْسَلِينَ إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ ) الصافّات - ١٧٢، وقال تعالى:( كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ) المجادلة - ٢١، وقد قال تعالى أيضاً:( حَتَّىٰ إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جَاءَهُمْ نَصْرُنَا ) يوسف - ١١٠، وهو أشدّ لحناً من هذه الآية.

والظاهر أيضاً أنّ قوله تعالى: ألا إنّ نصر الله قريب مقول له تعالى لا تتمّة لقول الرسول والّذين آمنوا معه

والآية (كما مرّت إليه الإشارة سابقاً) تدلّ على دوام أمر الابتلاء والامتحان وجريانه في هذه الاُمّة كما جرى في الاُمم السابقة.

وتدل أيضاً على اتّحاد الوصف والمثل بتكرّر الحوادث الماضية غابراً، وهو الّذي يسمّى بتكرّر التاريخ وعوده.

١٦٦

( سورة البقرة آية ٢١٥)

يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ( ٢١٥ )

( بيان)

قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلْ مَا أَنفَقْتُم مِّنْ خَيْرٍ ) ، قالوا: إنّ الآية واقعة على اُسلوب الحكمة، فإنّهم إنّما سألوا عن جنس ما ينفقون ونوعه، وكان هذا السؤال كاللّغو لمكان ظهور ما يقع به الإنفاق وهو المال على أقسامه، وكان الأحقّ بالسؤال إنّما هو من ينفق له: صرف الجواب إلى التعرّض بحاله وبيان أنواعه ليكون تنبيهاً لهم بحقّ السؤال.

والّذي ذكروه وجه بليغ غير أنّهم تركوا شيئاً، وهو أنّ الآية مع ذلك متعرّضه لبيان جنس ما ينفقونه، فإنّها تعرّضت لذلك: أوّلاً بقولها: من خير، إجمالاً، وثانياً بقولها: وما تفعّلوا من خير فإنّ الله به عليم، ففي الآية دلالة على أنّ الّذي ينفق به هو المال كائناً ما كان، من قليل أو كثير، وأنّ ذلك فعل خير والله به عليم، لكنّهم كان عليهم أن يسألوا عمّن ينفقون لهم ويعرفوه، وهم: الوالدان والأقربون واليتامى والمساكين وابن السبيل.

ومن غريب القول ما ذكره بعض المفسّرين: أنّ المراد بما في قوله تعالى: ماذا له ينفقون ليس هو السؤال عن المهيّة فإنّه اصطلاح منطقيّ لا ينبغي أن ينزّل عليه الكلام العربيّ ولا سيّما أفصح الكلام وأبلغه، بل هو السؤال عن الكيفيّة، وأنّهم كيف ينفقونه، وفي أيّ موضع يضعونه، فاُجيب بالصرف في المذكورين في الآية، فالجواب مطابق للسؤال لا كما ذكره علماء البلاغة!.

ومثله وهو أغرب منه ما ذكره بعض آخر: أنّ السؤال وإن كان بلفظ ما إلّا أنّ

١٦٧

المقصود هو السؤال عن الكيفيّة فإنّ من المعلوم أنّ الّذي ينفق به هو المال، وإذا كان هذا معلوماً لم يذهب إليه الوهم، وتعيّن أنّ السؤال عن الكيفيّة، نظير قوله تعالى:( قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا ) البقرة - ٧٠، فكان من المعلوم أنّ البقرة بهيمة نشأتها وصفتها كذا وكذا، فلا وجه لحمل قوله: ما هي على طلب المهيّة، فكان من المتعيّن أن يكون سؤالاً عن الصفة الّتي بها تمتاز البقرة من غيرها، ولذلك اُجيب بالمطابقة بقوله تعالى:( إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ ) الآية البقرة - ٧١.

وقد اشتبه الأمر على هؤلاء، فإنّ ما وإن لم تكن موضوعة في اللغة لطلب المهيّة الّتي اصطلح عليها المنطق، وهي الحدّ المؤلّف من الجنس والفصل القريبين، لكنّه لا يستلزم أن تكون حينئذ موضوعة للسؤال عن الكيفيّة، حتّى يصحّ لقائل أن يقول عند السؤال عن المستحقّين للانفاق: ماذا اُنفق: أي على من اُنفق؟ فيجاب عنه بقوله: للوالدين والأقربين، فإنّ ذلك من أوضح اللحن.

بل ما موضوعة للسؤال عما يعرّف الشئ سواء كان معرّفاً بالحدّ والمهيّة، أو معرّفاً بالخواصّ والأوصاف، فهي أعمّ ممّا اصطلح عليه في المنطق لا أنّها مغايرة له وموضوعة للسؤال عن كيفيّة الشيئ، ومنه يعلم أنّ قوله تعالى:( يُبَيِّن لَّنَا مَا هِيَ ) وقوله تعالى:( إِنَّهَا بَقَرَةٌ لَّا ذَلُولٌ ) سؤال وجواب جاريان على أصل اللغة، وهو السؤال عمّا يعرّف الشئ ويخصّه والجواب بذلك.

وأمّا قول القائل: إنّ المهيّة لمّا كانت معلومة تعيّن حمل ما على السؤال عن الكيفيّة دون المهيّة فهو من أوضح الخطاء، فإنّ ذلك لا يوجب تغيّر معنى الكلمة ممّا وضع له إلى غيره. ويتلوهما في الغرابة قول من يقول: إنّ السؤال كان عن الأمرين جميعاً: ما ينفقون؟ وأين ينفقون فذكر أحد السؤالين وحذف الآخر، وهو السؤال الثاني لدلالة الجواب عليه! وهو كما ترى.

وكيف كان لا ينبغي الشكّ في أنّ في الآية تحويلاً ما للجواب إلى جواب آخر تنبيهاً على أنّ الأحقّ هو السؤال عن من ينفق عليهم، وإلّا فكون الإنفاق من الخير

١٦٨

والمال ظاهر، والتحوّل من معنى إلى آخر للتنبيه على ما ينبغي التحوّل إليه والاشتغال به كثير الورود في القرآن، وهو من ألطف الصنائع المختصّة به كقوله تعالى:( وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً ) البقرة - ١٧١ وقوله تعالى:( مَثَلُ مَا يُنفِقُونَ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيهَا صِرٌّ ) آل عمران - ١١٧ وقوله تعالى:( مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ ) البقرة - ٢٦١، وقوله تعالى:( يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ ) الشعراء - ٨٩، وقوله تعالى:( قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَن شَاءَ أَن يَتَّخِذَ إِلَىٰ رَبِّهِ سَبِيلًا ) الفرقان - ٥٧، وقوله تعالى:( سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ ) الصافّات - ١٦٠، إلى غير ذلك من كرائم الآيات.

قوله تعالى: ( وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ ) ، في تبديل الإنفاق من فعل الخير هيهنا كتبديل المال من الخير في أوّل الآية إيماء إلى أنّ الإنفاق وإن كان مندوباً إليه من قليل المال وكثيره، غير أنّه ينبغي أن يكون خيراً يتعلّق به الرغبة وتقع عليه المحبّة كما قال تعالى:( لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ ) آل عمران - ٩٢، وكما قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنفِقُوا مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ الْأَرْضِ وَلَا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنفِقُونَ وَلَسْتُم بِآخِذِيهِ إِلَّا أَن تُغْمِضُوا فِيهِ ) البقرة - ٢٦٧.

وايماء إلى أن الإنفاق ينبغى أن لا يكون على نحو الشرّ كالإنفاق بالمنّ والأذى كما قال تعالى:( ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى ) البقرة - ٢٦٢، وقوله تعالى:( وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ ) البقرة - ٢١٩.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور عن ابن عبّاس قال ما رأيت قوماً كانوا خيراً من أصحاب محمّد ما سألوه إلّا عن ثلاث عشرة مسألة حتّى قبض، كلّهنّ في القرآن، منهنّ: يسئلونك عن الخمر والميسر، ويسألونك عن الشهر الحرام، ويسألونك عن اليتامى، ويسألونك عن المحيض، ويسألونك عن الأنفال، ويسألونك ماذا ينفقون، ما كانوا يسألون إلّا عمّا كان ينفعهم.

١٦٩

في المجمع في الآية: نزلت في عمرو بن الجموح - وكان شيخاً كبيراً ذا مال كثير - فقال: يا رسول الله! بماذا أتصدّق؟ وعلى من أتصدّق؟ فأنزل الله هذه الآية.

اقول: ورواه في الدرّ المنثور عن ابن المنذر عن ابن حيّان، وقد استضعفوا الرواية، وهي مع ذلك غير منطبق على الآية حيث لم يوضع في الآية إلّا السؤال عمّا يتصدّق به دون من يتصدّق عليه.

ونظيرها في عدم الانطباق ما رواه أيضاً عن ابن جرير وابن المنذر عن ابن جريح قال: سأل المؤمنون رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم أين يضعون أموالهم؟ فنزلت يسألونك ماذا ينفقون قل ما أنفقتم من خير، فذلك النفقة في التطوّع، والزكوة سوى ذلك كلّه.

ونظيرها في ذلك أيضاً ما رواه عن السدّي، قال: يوم نزلت هذه الآية لم يكن زكاة، وهي النفقة ينفقها الرجل على أهله، والصدقة يتصدّق بها فنسختها الزكاة.

اقول: وليست النسبة بين آية الزكاة:( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ) التوبة - ١٠٣، وبين هذه الآية نسبه النسخ وهو ظاهر إلّا أن يعني بالنسخ معنى آخر.

١٧٠

( سورة البقرة آية ٢١٦ - ٢١٨)

كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( ٢١٦ ) يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمْ عَن دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ٢١٧ ) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ٢١٨ )

( بيان)

قوله تعالى: ( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ) ، الكتابة كما مرّ مراراً ظاهرة في الفرض إذا كان الكلام مسوقاً لبيان التشريع، وفي القضاء الحتم إذا كان في التكوين فالآية تدلّ على فرض القتال على كافّة المؤمنين لكون الخطاب متوجّهاً إليهم إلّا من أخرجه الدليل مثل قوله تعالى:( يْسَ عَلَى الْأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) النور - ٦١، وغير ذلك من الآيات والأدلّة.

ولم يظهر فاعل كتب لكون الجملة مذيّلة بقوله:( وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ) وهو لا يناسب إظهار الفاعل صوناً لمقامه عن الهتك، وحفظاً لاسمه عن الاستخفاف أن يقع الكتابة المنسوبة إليه صريحاً مورداً لكراهة المؤمنين.

والكره بضمّ الكاف المشقّة الّتي يدركها الإنسان من نفسه طبعاً أو غير ذلك، والكره بفتح الكاف: المشقّة الّتي تحمّل عليه من خارج كأن يجبره إنسان آخر على

١٧١

فعل ما يكرهه، قال تعالى:( لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُوا النِّسَاءَ كَرْهًاً ) النساء - ١٩، وقال تعالى:( فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًاً ) فصّلت - ١١، وكون القتال المكتوب كرهاً للمؤمنين إمّا لأنّ القتال لكونه متضمّناً لفناء النفوس وتعب الأبدان والمضارّ الماليّة وارتفاع الأمن والرخص والرفاهية، وغير ذلك ممّا يستكرهه الإنسان في حياته الإجتماعيّة لا محالة كان كرهاً وشاقّاً للمؤمنين بالطبع، فإنّ الله سبحانه وإن مدح المؤمنين في كتابه بما مدح، وذكر أنّ فيهم رجالاً صادقين في إيمانهم مفلحين في سعيهم، لكنّه مع ذلك عاتب طائفة منهم بما في قلوبهم من الزيغ والزلل، وهو ظاهر بالرجوع إلى الآيات النازلة في غزوة بدر واُحد والخندق وغيرها، ومعلوم أنّ من الجائز أن ينسب الكراهة والتثاقل إلى قوم فيهم كاره وغير كاره وأكثرهم كارهون، فهذا وجه.

وإمّا لأنّ المؤمنين كانوا يرون أنّ القتال مع الكفّار مع ما لهم من العدّة والقوّة لا يتمّ على صلاح الإسلام والمسلمين، وأنّ الحزم في تأخيره حتّى يتمّ لهم الاستعداد بزيادة النفوس وكثرة الأموال ورسوخ الاستطاعة، ولذلك كانوا يكرهون الإقدام على القتال والاستعجال في النزال، فبيّن تعالى أنّهم مخطئون في هذا الرأي والنظر، فإنّ لله أمراً في هذا الأمر هو بالغه، وهو العالم بحقيقة الأمر وهم لا يعلمون إلّا ظاهره وهذا وجه آخر.

وإمّا لأنّ المؤمنين لكونهم متربّين بتربية القرآن تعرق فيهم خلق الشفقة على خلق الله، وملكة الرحمة والرأفة فكانوا يكرهون القتال مع الكفّار لكونه مؤدّياً إلى فناء نفوس منهم في المعارك على الكفر، ولم يكونوا راضين بذلك بل كانوا يحبّون أن يداروهم ويخالطوهم بالعشرة الجميلة، والدعوة الحسنة لعلّهم يسترشدوا بذلك، ويدخلوا تحت لواء الإيمان فيحفظ نفوس المؤمنين من الفناء، ونفوس الكفّار من الهلاك الأبديّ والبوار الدائم، فبيّن ذلك أنّهم مخطئون في ذلك، فإنّ الله - وهو المشّرع لحكم القتال - يعلم أنّ الدعوة غير مؤثّرة في تلك النفوس الشقيّة الخاسرة، وأنّه لا يعود من كثير منهم عائد إلى الدين ينتفع به في دنياً أو آخرة، فهم في الجامعة الإنسانيّة كالعضو الفاسد الساري فساده إلى سائر الأعضاء، الّذي لا ينجع فيه علاجٌ دون

١٧٢

أن يقطع ويرمي به، وهذا أيضاً وجه.

فهذه وجوه يوجه بها قوله تعالى:( وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ ) إلّا أنّ الأوّل أنسب نظراً إلى ما اُشير إليه من آيات العتاب، على أنّ التعبير في قوله: كتب عليكم القتال، بصيغة المجهول على ما مرّ من الوجه يؤيّد ذلك.

قوله تعالى: ( وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) ، قد مرّ فيما مرّ أنّ أمثال عسى ولعلّ في كلامه تعالى مستعمل في معنى الترجيّ، وليس من الواجب قيام صفة الرجاء بنفس المتكلّم بل يكفي قيامها بالمخاطب أو بمقام التخاطب، فالله سبحانه إنّما يقول: عسى أن يكون كذا لا لأنّه يرجوه، تعالى عن ذلك، بل ليرجوه المخاطب أو السامع.

وتكرار عسى في الآية لكون المؤمنين كارهين للحرب، محبّين للسلم، فأرشدهم الله سبحانه على خطائهم في الأمرين جميعاً، بيان ذلك: أنّه لو قيل: عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم أو تحبّوا شيئاً وهو شرٌّ لكم، كان معناه أنّه لا عبرة بكرهكم وحبّكم فإنّهما ربّما يخطئان الواقع، ومثل هذا الكلام إنّما يلقى إلى من أخطأ خطأ واحداً كمن يكره لقاء زيد فقط، وأمّا من أخطأ خطائين كان يكره المعاشرة والمخالطة ويحبّ الاعتزال، فالّذي تقتضيه البلاغة أن يشار إلى خطائه في الأمرين جميعاً، فيقال له: لا في كرهك أصبت، ولا في حبّك اهتديت، عسى أن تكره شيئاً وهو خير لك وعسى أن تحبّ شيئاً وهو شرّ لك لأنّك جاهل لا تقدر أن تهتدي بنفسك إلى حقيقة الأمر، ولمّا كان المؤمنون مع كرههم للقتال محبّين للسلم كما يشعر به أيضاً قوله تعالى سابقاً: أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة ولمّا يأتكم مثل الّذين خلوا من قبلكم، نبّههم الله بالخطائين بالجملتين المستقلّتين وهما: عسى أن تكرهوا، وعسى أن تحبّوا.

قوله تعالى: ( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) ، تتميم لبيان خطائهم، فإنّه تعالى تدرّج في بيان ذلك إرفاقاً بأذهانهم، فأخذ أوّلاً بإبداء احتمال خطائهم في كراهتهم للقتال بقوله: عسى أن تكرهوا، فلمّا اعتدلت أذهانهم بحصول الشكّ فيها، وزوال صفة الجهل المركّب كرّ عليهم ثانياً بأنّ هذا الحكم الّذي كرهتموه أنتم إنّما شرّعه

١٧٣

الله الّذي لا يجهل شيئاً من حقائق الاُمور، والّذي ترونه مستند إلى نفوسكم الّتي لا تعلم شيئاً إلّا ما علّمها الله إيّاه وكشف عن حقيقته، فعليكم أن تسلّموا إليه سبحانه الأمر.

والآية في إثباته العلم له تعالى على الإطلاق ونفى العلم عن غيره على الإطلاق تطابق سائر الآيات الدالّة على هذا المعنى كقوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لَا يَخْفَىٰ عَلَيْهِ شَيْءٌ ) آل عمران - ٥، وقوله تعالى:( وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) البقرة - ٢٥٥، وقد سبق بعض الكلام في القتال في قوله:( وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) البقرة - ١٩٠.

قوله تعالى: ( يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ ) ، الآية تشتمل على المنع عن القتال في الشهر الحرام وذمّة بأنّه صدّ عن سبيل الله وكفر، واشتمالها مع ذلك على أنّ إخراج أهل المسجد الحرام منه أكبر عند الله، وأنّ الفتنة أكبر من القتل، يؤذن بوقوع حادثة هي الموجبة للسؤال وأنّ هناك قتلاً، وأنّه إنّما وقع خطائاً لقوله تعالى في آخر الآيات( إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) الآية، فهذه قرائن على وقوع قتل في الكفّار خطائاً من المؤمنين في الشهر الحرام في قتال واقع بينهم، وطعن الكفّار به، ففيه تصديق لما ورد في الروايات من قصّة عبدالله بن جحش وأصحابه.

قوله تعالى: ( قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) ، الصدّ هو المنع والصرف، والمراد بسبيل الله العبادة والنسك وخاصّة الحجّ، والظاهر أن ضمير به راجع إلى السبيل فيكون كفراً في العمل دون الاعتقاد، والمسجد الحرام عطف على سبيل الله أي صدّ عن سبيل الله وعن المسجد الحرام.

والآية تدلّ على حرمة القتال في الشهر الحرام، وقد قيل: إنّها منسوخة بقوله تعالى:( فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ ) التوبة - ٦، وليس بصواب، وقد مرّ بعض الكلام في ذلك في تفسير آيات القتال.

قوله تعالى: ( وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِندَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ ) ، أي والّذي فعله المشركون من إخراج رسول الله والمؤمنين من المهاجرين - وهم أهل المسجد

١٧٤

الحرام - منه أكبر من القتال، وما فتنوا به المؤمنين من الزجر والدعوة إلى الكفر أكبر من القتل، فلا يحقّ للمشركين أن يطعنوا المؤمنين وقد فعلوا ما هو أكبر ممّا طعنوا به، ولم يكن المؤمنون فيما أصابوه منهم إلّا راجين رحمة الله والله غفور رحيم.

قوله تعالى: ( وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ ) إلى آخر الآية حتّى للتعليل أي ليردّوكم.

قوله تعالى: ( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ ) الخ تهديد للمرتدّ بحبط العمل وخلود النار.

( كلام في الحبط)

والحبط هو بطلان العمل وسقوط تأثيره، ولم ينسب في القرآن إلّا إلى العمل كقوله تعالى:( لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ ) الزمر - ٦٥، وقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) محمّد - ٣٣، وذيل الآية يدلّ بالمقابلة على أنّ الحبط بمعنى بطلان العمل كما هو ظاهر قوله تعالى:( وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) هود - ١٦، ويقرب منه قوله تعالى:( وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ) الفرقان - ٢٣.

وبالجملة الحبط هو بطلان العمل وسقوطه عن التأثير، وقد قيل: إنّ أصله من الحبط بالتحريك وهو أن يكثر الحيوان من الأكل فينتفخ بطنه وربّما أدّى إلى هلاكه.

والّذي ذكره تعالى من أثر الحبط بطلان الأعمال في الدنيا والآخرة معاً، فللحبط تعلّق بالأعمال من حيث أثرها في الحياة الآخرة، فإنّ الإيمان يطيّب الحياة الدّنيا كما يطيّب الحياة الآخرة، قال تعالى:( مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) النحل - ٩٧، وخسران سعى الكافر، وخاصّة من ارتدّ إلى الكفر بعد الإيمان، وحبط عمله في الدنيا ظاهر لا غبار عليه، فإنّ قلبه غير متعلّق بأمر ثابت - وهو الله سبحانه - يبتهج به عند النعمة،

١٧٥

ويتسلّى به عند المصيبة، ويرجع إليه عند الحاجة، قال تعالى:( أَوَمَن كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَن مَّثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِّنْهَا ) الانعام - ١٢٢، تبيّن الآية أن للمؤمن في الدنيا حياة ونوراً في أفعاله، وليس للكافر، ومثله قوله تعالى،( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ) طه - ١٢٤، حيث يبيّن أنّ معيشة الكافر وحياته في الدّنيا ضنك ضيّقة متعبة، وبالمقابلة معيشة المؤمن وحياته سعيدة رحبة وسيعة.

وقد جمع الجميع ودلّ على سبب هذه السعادة والشقاوة قوله تعالى:( ذَٰلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَىٰ لَهُمْ ) محمّد - ١١.

فظهر ممّا قرّبناه أنّ المراد بالأعمال مطلق الأفعال الّتي يريد الإنسان بها سعادة الحياة، لا خصوص الأعمال العباديّة، والأفعال القربيّة الّتي كان المرتد عملها وأتى بها حال الإيمان، مضافاً إلى أنّ الحبط وارد في مورد الّذين لا عمل عباديّ، ولا فعل قربيّ لهم كالكفّار والمنافقين كقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَّهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ ) محمّد - ٩، وقوله تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُم مِّن نَّاصِرِينَ ) آل عمران - ٢٢، إلى غير ذلك من الآيات.

فمحصّل الآية كسائر آيات الحبط هو أنّ الكفر والإرتداد يوجب بطلان العمل عن أن يؤثّر في سعادة الحياة، كما أنّ الإيمان يوجب حياة في الأعمال تؤثّر بها أثرها في السعادة، فإن آمن الإنسان بعد الكفر حييت أعماله في تأثير السعادة بعد كونها محبطة باطلة، وإن ارتدّ بعد الإيمان ماتت أعماله جميعاً وحبطت، فلا تأثير لها في سعادة دنيويّة ولا اُخرويّة، لكن يرجى له ذلك إن هو لم يمت على الردّة وإن مات على الردّة حتم له الحبط وكتب عليه الشقاء.

١٧٦

ومن هنا يظهر بطلان النزاع في بقاء أعمال المرتدّ إلى حين الموت والحبط عنده أو عدمه.

توضيح ذلك: أنّه ذهب بعضهم إلى أنّ أعمال المرتدّ السابقة على ردّته باقية إلى حين الموت، فإن لم يرجع إلى الإيمان بطلت بالحبط عند ذلك، واستدلّ عليه بقوله تعالى( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) الآية وربّما أيّده قوله تعالى:( وَقَدِمْنَا إِلَىٰ مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا ) الفرقان - ٢٣، فإنّ الآية تبيّن حال الكفّار عند الموت، ويتفرّع عليه أنّه لو رجع إلى الإيمان تملّك أعماله الصالحة السابقة على الارتداد.

وذهب آخرون إلى أنّ الردّة تحبط الأعمال من أصلها فلا تعود إليه وإن آمن من بعد الارتداد، نعم له ما عمله من الأعمال بعد الإيمان ثانياً إلى حين الموت، وأمّا الآية فإنّما أخذت قيد الموت لكونها في مقام بيان جميع أعماله وأفعاله الّتي عملها في الدنيا!

وأنت بالتدبّر فيما ذكرناه تعرف: أن لا وجه لهذا النزاع أصلاً، وأنّ الآية بصدد بيان بطلان جميع أعماله وأفعاله من حيث التأثير في سعادته!

وهنا مسألة اُخرى كالمتفرّعة على هذه المسألة وهي مسألة الإحباط والتكفير، وهي أنّ الأعمال هل تبطل بعضها بعضاً أو لا تبطل بل للحسنة حكمها وللسيّئة حكمها؟ نعم الحسنات ربّما كفّرت السيّئآت بنصّ القرآن.

ذهب بعضهم إلى التباطل والتحابط بين الأعمال وقد اختلف هؤلاء بينهم، فمن قائل بأنّ كلّ لاحق من السيّئة تبطل الحسنة السابقة كالعكس، ولازمه أن لا يكون عند الإنسان من عمله إلّا حسنة فقط أو سيّئة فقط، ومن قائل بالموازنة وهو أن ينقص من الأكثر بمقدار الأقلّ ويبقى الباقي سليماً عن المنافي، ولازم القولين جميعاً أن لا يكون عند الإنسان من أعماله إلّا نوع واحد حسنة أو سيّئة لو كان عنده شئ منهما.

ويردّهما أوّلاً قوله تعالى:( وَآخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَن يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) التوبة - ١٠٢، فإنّ الآية ظاهرة في اختلاف الأعمال وبقائها على حالها إلى أن تلحقها توبة من الله سبحانه، وهو ينافي التحابط

١٧٧

بأيّ وجه تصوّروه.

وثانياً: أنّه تعالى جرى في مسألة تأثير الأعمال على ما جرى عليه العقلاء في الاجتماع الإنسانيّ من طريق المجازاة، وهو الجزاء على الحسنة على حدة وعلى السيّئة على حدة إلّا في بعض السيّئآت من المعاصي الّتي تقطع رابطة المولويّة والعبوديّة من أصلها فهو مورد الإحباط، والآيات في هذه الطريقة كثيرة غنيّة عن الإيراد.

وذهب آخرون إلى أنّ نوع الأعمال محفوظة، ولكلّ عمل أثره سواء في ذلك الحسنة والسيّئة.

نعم الحسنة ربّما كفّرت السيّئة كما قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَتَّقُوا اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) الأنفال - ٢٩، وقال تعالى:( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) الآية البقرة - ٢٠٣، وقال تعالى:( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ ) النساء - ٣٠، بل بعض الأعمال يبدّل السيّئة حسنة كما قال تعالى:( إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ) الفرقان - ٧٠.

وهنا مسألة اُخرى هي كالأصل لهاتين المسألتين، وهي البحث عن وقت استحقاق الجزاء وموطنه، فقيل: إنّه وقت العمل، وقيل: حين الموت، وقيل: الآخرة، وقيل: وقت العمل بالموافاة بمعنى إنّه لو لم يدم على ما هو عليه حال العمل إلى حين الموت وموافاته لم يستحقّ ذلك إلّا أن يعلم الله ما يؤل إليه حاله ويستقرّ عليه، فيكتب ما يستحقّه حال العمل.

وقد استدلّ أصحاب كلّ قول بما يناسبه من الآيات، فإنّ فيها ما يناسب كلّاً من هذه الأوقات بحسب الانطباق، وربّما استدلّ ببعض وجوه عقليّة ملفّقة.

والّذي ينبغي أن يقال: إنّا لو سلكنا في باب الثواب والعقاب والحبط والتكفير وما يجري مجراها مسلك نتائج الأعمال على ما بيّناه في تفسير قوله تعالى:( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلًا مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ) البقرة - ٢٦، كان لازم ذلك كون النفس الإنسانيّة ما دامت متعلّقة بالبدن جوهراً متحوّلاً قابلاً للتحوّل في ذاته وفي آثار ذاته من الصور الّتي تصدر عنها وتقوم بها نتائج وآثار سعيدة أو شقيّة، فإذا صدر منه

١٧٨

حسنة حصل في ذاته صورة معنويّة مقتضية لاتّصافه بالثواب، وإذا صدر منه معصية فصورة معنويّة تقوم بها صورة العقاب، غير أنّ الذات لمّا كانت في معرض التحوّل والتغيّر بحسب ما يطرؤها من الحسنات والسيّئآت كان من الممكن أن تبطل الصورة الموجودة الحاضرة بتبدّلها إلى غيرها، وهذا شأنها حتّى يعرضها الموت فتفارق البدن وتقف الحركة ويبطل التحوّل واستعداده، فعند ذلك يثبت لها الصور وآثارها ثبوتاً لا يقبل التحوّل والتغير إلا بالمغفرة أو الشفاعة على النحو الّذي بيّناه سابقاً.

وكذا لو سلكنا في الثواب والعقاب مسلك المجازاة على ما بيّناه فيما مرّ كان حال الإنسان من حيث اكتساب الحسنة والمعصية بالنسبة إلى التكاليف الإلهيّة وترتّب الثواب والعقاب عليها حاله من حيث الإطاعة والمعصية في التكاليف الإجتماعيّة وترتّب المدح والذمّ عليها، والعقلاء يأخذون في مدح المطيع والمحسن وذمّ العاصي والمسئ بمجرّد صدور الفعل عن فاعله، غير أنّهم يرون ما يجازونه به من المدح والذمّ قابلاً للتغيّر والتحوّل لكونهم يرون الفاعل ممكن التغيّر والزوال عمّا هو عليه من الانقياد والتمرّد، فلحوق المدح والذمّ على فاعل الفعل فعليّ عندهم بتحقّق الفعل غير أنّه موقوف البقاء على عدم تحقّق ما ينافيه، وأمّا ثبوت المدح والذم ولزومهما بحيث لا يبطلان قطّ فإنّما يكون إذا ثبت حاله بحيث لا يتغيّر قطّ بموت أو بطلان استعداد في الحياة.

ومن هنا يعلم: أنّ في جميع الأقوال السابقة في المسائل المذكورة انحرافاً عن الحقّ لبنائهم البحث على غير ما ينبغي أن يبنى عليه.

وأنّ الحقّ أوّلاً: أنّ الإنسان يلحقه الثواب والعقاب من حيث الاستحقاق بمجرّد صدور الفعل الموجب له لكنّه قابل للتحوّل والتغيّر بعد، وإنّما يثبت من غير زوال بالموت كما ذكرناه.

وثانياً: أنّ حبط الأعمال بكفر ونحوه نظير استحقاق الأجر يتحقّق عند صدور المعصية ويتحتّم عند الموت.

وثالثاً: أنّ الحبط كما يتعلّق بالأعمال الاُخرويّة كذلك يتعلّق بالأعمال الدنيويّة.

ورابعاً: أنّ التحابط بين الأعمال باطل بخلاف التكفير ونحوه.

١٧٩

( كلام في أحكام الأعمال من حيث الجزاء)

من أحكام الأعمال: أنّ من المعاصي ما يحبط حسنات الدنيا والآخرة كالارتداد. قال تعالى:( وَمَن يَرْتَدِدْ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) وكالكفر بآيات الله والعناد فيه. قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُم بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ) آل عمران - ٢٢، وكذا من الطاعات ما يكفّر سيّئآت الدنيا والآخرة كالإسلام والتوبة، قال تعالى:( قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ وَأَنِيبُوا إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لَا تُنصَرُونَ وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُم ) الزمر - ٥٥، وقال تعالى:( فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَىٰ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَىٰ ) طه - ١٢٤.

وأيضاً: من المعاصي ما يحبط بعض الحسنات كالمشاقّة مع الرسول، قال تعالى:( إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَشَاقُّوا الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَىٰ لَن يَضُرُّوا اللَّهَ شَيْئًا وَسَيُحْبِطُ أَعْمَالَهُمْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلَا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ ) سورة محمّد - ٣٣، فإنّ المقابلة بين الآيتين تقضي بأن يكون الأمر بالإطاعة في معنى النهي عن المشاقّة، وإبطال العمل هو الإحباط، وكرفع الصوت فوق صوت النبيّ، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) الحجرات - ٢.

وكذا من الطاعات ما يكفّر بعض السيّئآت كالصلوات المفروضة، قال تعالى:( وَأَقِمِ الصَّلَاةَ طَرَفَيِ النَّهَارِ وَزُلَفًا مِّنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ) هود - ١١٤، وكالحجّ، قال تعالى:( فَمَن تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ) البقرة - ٢٠٣، وكاجتناب الكبائر، قال تعالى:( إِن تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ )

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481