الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢

الميزان في تفسير القرآن0%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 481

الميزان في تفسير القرآن

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: العلامة السيد محمد حسين الطباطبائي
تصنيف: الصفحات: 481
المشاهدات: 126436
تحميل: 7209


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 126436 / تحميل: 7209
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

لا يدلّ على الوجوب، ولو كان بالأمر في قوله تعالى: من حيث أمركم الله، فهو إن كان أمراً تكوينيّاً كان خارجاً عن الدلالة اللفظيّة، وإن كان أمراً تشريعيّاً كان للإيجاب الكفائيّ، والدلالة على النهي عن الضدّ على تقدير التسليم إنّما هي للأمر الإيجابيّ العينيّ المولويّ.

قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ ) ، التوبة هي الرجوع إلى الله سبحانه والتطهّر هو الأخذ بالطهارة وقبولها فهو انقلاع عن القذارة ورجوع إلى الأصل الّذي هو الطهارة فالمعنيان يتصادقان في مورد أوامر الله سبحانه ونواهيه، وخاصّة في مورد الطهارة والنجاسة فالائتمار بأمر من أوامره تعالى والانتهاء عن كلّ ما نهى عنه تطهّر عن قذارة المخالفة والمفسدة، وتوبة ورجوع إليه عزّ شأنه، ولمكان هذه المناسبة علل تعالى ما ذكره من الحكم بقوله: إنّ الله يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين، فإنّ من اللّازم أن ينطبق ما ذكره من العلّة على كلّ ما ذكره من الحكم، أعني قوله تعالى: فاعتزلوا النساء في الميحض، وقوله: فأتوهنّ من حيث أمركم الله، والآية أعني قوله: إنّ الله يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين، مطلقة غير مقيّدة فتشمل جميع مراتب التوبة والطهارة كما مرّ بيانه، ولا يبعد استفادة المبالغة من قوله تعالى: المتطهّرين، كما جئ بصيغة المبالغة في قوله: التوّابين، فينتج استفادة الكثرة في التوبة والطهارة من حيث النوع ومن حيث العدد جميعاً، أعني: إنّ الله يحبّ جميع أنواع التوبة سواء كانت بالاستغفار أو بامتثال كلّ أمر ونهي من تكاليفه أو باتّخاذ كلّ اعتقاد من الاعتقادات الحقّة، ويحبّ جميع أنواع التطهّر سواء كان بالاغتسال والوضوء والغسل أو التطهّر بالأعمال الصالحة أو العلوم الحقّة، ويحبّ تكرار التوبة وتكرار التطهّر.

قوله تعالى: ( نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ) ، الحرث مصدرٌ بمعنى الزراعة ويطلق كالزراعة على الأرض الّتي يعمل فيها الحرث والزراعة، وأنّى من أسماء الشرط يستعمل في الزمان كمتى، وربّما استعمل في المكان أيضاً، قال تعالى:( يَا مَرْيَمُ أَنَّىٰ لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ ) آل عمران - ٣٧، فإن كان بمعنى المكان كان لمعنى من أيّ محلّ شئتم، وإن كان بمعنى الزمان كان المعنى في أيّ زمان شئتم،

٢٢١

وكيف كان يفيد الإطلاق بحسب معناه وخاصّة من حيث تقييده بقوله: شئتم، وهذا هو الّذي يمنع الأمر أعني قوله تعالى: فأتوا حرثكم، أن يدلّ على الوجوب إذ لا معنى لإيجاب فعل مع إرجاعه إلى اختيار المكلّف ومشيّته.

ثمّ إنّ تقديم قوله تعالى: نساءكم حرث لكم، على هذا الحكم وكذا التعبير عن النساء ثانياً بالحرث لا يخلو عن الدلالة على أنّ المراد التوسعة في إتيان النساء من حيث المكان أو الزمان الّذي يقصدن منه دون المكان الّذي يقصد منهنّ، فإن كان الإطلاق من حيث المكان فلا تعرّض للآية الإطلاق الزمانيّ ولا تعارض له مع قوله تعالى في الآية السابقة: فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهنّ حتّى يطهرن الآية، وإن كان من حيث الزمان فهو مقيّدٌ بآية المحيض، والدليل عليه اشتمال آية المحيض على ما يأبى معه أن ينسخه آية الحرث، وهو دلالة آية المحيض على أنّ المحيض أذىً وأنّه السبب لتشريع حرمة إتيانهنّ في المحيض والمحيض أذى دائماً، ودلالتها أيضاً على أنّ تحريم الإتيان في المحيض نوع تطهير من القذارة والله سبحانه يحبّ التطهّر دائماً، ويمتنّ على عباده بتطهيرهم كما قال تعالى:( مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ ) المائدة - ٦.

ومن المعلوم أنّ هذا اللسان لا يقبل التقييد بمثل قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم، المشتمل أوّلاً على التوسعة، وهو سبب كان موجوداً مع سبب التحريم وعند تشريعه ولم يؤثّر شيئاً فلا يتصوّر تأثيره بعد استقرار التشريع وثانياً على مثل التذييل الّذي هو قوله تعالى: وقدّموا لأنفسكم واتّقوا الله واعلموا أنّكم ملاقوه وبشّر المؤمنين، ومن هذا البيان يظهر: أنّ آية الحرث لا تصلح لنسخ آية المحيض سواء تقدّمت عليها نزولاً أو تأخّرت.

فمحصّل معنى الآية: أنّ نسبة النساء إلى المجتمع الإنسانيّ نسبة الحرث إلى الإنسان فكما أنّ الحرث يحتاج إليه لإبقاء البذور وتحصيل ما يتغذّى به من الزاد لحفظ الحياة وإبقائها كذلك النساء يحتاج اليهنّ النوع في بقاء النسل ودوام النوع لأنّ الله سبحانه جعل تكوّن الإنسان وتصوّر مادّته بصورته في طباع أرحامهنّ، ثمّ جعل طبيعة الرجال وفيهم بعض المادّة الأصليّة مائلة منعطفة إليهنّ، وجعل بين الفريقين مودّة ورحمة،

٢٢٢

وإذا كان كذلك كان الغرض التكوينيّ من هذا الجعل هو تقديم الوسيلة لبقاء النوع فلا معنى لتقييد هذا العمل بوقت دون وقت، أو محلّ دون محلّ إذا كان ممّا يؤدّي إلى ذلك الغرض ولم يزاحم أمراً آخر واجباً في نفسه لا يجوز إهماله، وبما ذكرنا يظهر معنى قوله تعالى وقدّموا لأنفسكم.

ومن غريب التفسير الاستدلال بقوله تعالى: نسائكم حرث لكم الآية، على جواز العزل عند الجماع والآية غير ناظرة إلى هذا النوع من الإطلاق، ونظيره تفسير قوله تعالى وقدّموا لأنفسكم، بالتسمية قبل الجماع.

قوله تعالى: ( وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) ، قد ظهر: أنّ المراد من قوله: قدّموا لأنفسكم وخطاب الرجال أو مجموع الرجال والنساء بذلك الحثّ على إبقاء النوع بالتناكح والتناسل، والله سبحانه لا يريد من نوع الإنسان وبقائه إلّا حياة دينه وظهور توحيده وعبادته بتقواهم العامّ، قال تعالى:( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ) الذاريات - ٥٦، فلو أمرهم بشئ ممّا يرتبط بحياتهم وبقائهم فإنّما يريد توصّلهم بذلك إلى عبادة ربّهم لا إخلادهم إلى الأرض وانهماكهم في شهوات البطن والفرج، وتيههم في أودية الغيّ والغفلة.

فالمراد بقوله: قدّموا لأنفسكم وإن كان هو الاستيلاد وتقدّمة أفراد جديدي الوجود والتكوّن إلى المجتمع الإنسانيّ الّذي لا يزال يفقد أفراداً بالموت والفناء، وينقص عدده بمرور الدهر لكن لا لمطلوبيّتهم في نفسه بل للتوصّل به إلى إبقاء ذكر الله سبحانه ببقاء النسل وحدوث أفراد صالحين ذوي أعمال صالحة تعود مثوباتها وخيراتها إلى أنفسهم وإلى صالحي آبائهم المتسبّبين إليهم كما قال تعالى:( وَنَكْتُبُ مَا قَدَّمُوا وَآثَارَهُمْ ) يس - ١٢.

وبهذا الّذي ذكرنا يتأيّد: أنّ المراد بتقديمهم لأنفسهم تقديم العمل الصالح ليوم القيامة كما قال تعالى:( يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ) النبأ - ٤١، وقال تعالى أيضاً:( وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُم مِّنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِندَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا ) المزّمل - ٢٠، فقوله تعالى:( وَقَدِّمُوا لِأَنفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلَاقُوهُ ) الخ، مماثل السياق

٢٢٣

لقوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ) الحشر - ١٨، فالمراد (والله أعلم) بقوله تعالى: وقدّموا لأنفسكم تقديم العمل الصالح، ومنه تقديم الأولاد برجاء صلاحهم للمجتمع، وبقوله تعالى: واتّقوا الله، التقوى بالأعمال الصالحة في إتيان الحرث وعدم التعدّي عن حدود الله والتفريط في جنب الله وانتهاك محارم الله، وبقوله تعالى: واعلموا أنّكم ملاقوه إلخ الأمر بتقوى الله بمعنى الخوف من يوم اللقاء وسوء الحساب كما أنّ المراد بقوله تعالى في آية الحشر واتّقوا الله إنّ الله خبير بما تعملون الآية، التقوى بمعنى الخوف، وإطلاق الأمر بالعلم وإرادة لازمه وهو المراقبة والتحفّظ والاتّقاء شائع في الكلام، قال تعالى:( وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ ) الأنفال - ٢٤، أي اتّقوا حيلولته بينكم وبين قلوبكم ولمّا كان العمل الصالح وخوف يوم الحساب من اللوازم الخاصّة بالإيمان ذيل تعالى كلامه بقوله: وبشّر المؤمنين، كما صدّر آية الحشر بقوله: يا أيّها الّذين آمنوا.

( بحث روائي)

في الدرّ المنثور: أخرج أحمد وعبد بن حميد والدارمي ومسلم وأبوداود والترمذيّ والنسائيّ وابن ماجة وأبو يعلى وابن المنذر وأبو حاتم والنحاس في ناسخه وأبو حيّان والبيهقيّ في سننه عن أنس: أنّ اليهود كانوا إذا حاضت المرأة منهم أخرجوها من البيت ولم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يجامعوها في البيوت، فسئل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم عن ذلك فأنزل الله: ويسألونك عن المحيض قل هو أذى فاعتزلوا النساء في المحيض الآية، فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم جامعوهنّ في البيوت واصنعوا كلّ شئ إلّا النكاح، فبلغ ذلك اليهود فقالوا ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئاً إلّا خالفنا فيه، فجاء اُسيد بن خضيّر وعباد بن بشر فقالا: يا رسول الله إنّ اليهود قالت: كذا وكذا أفلا نجامعهنّ؟ فتغيّر وجه رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى ظنّنا أن قد وجد عليهما، فخرجا، فاستقبلهما هديّة من لبن إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فأرسل في أثرهما فسقاهما فعرفا أنّه لم يحد عليهما.

وفي الدرّ المنثور عن السدّي في قوله: ويسألونك عن المحيض، قال: الّذي سأل عن ذلك ثابت بن الدحداح.

٢٢٤

أقول: وروي مثله عن مقاتل أيضاً.

وفي التهذيب عن الصادقعليه‌السلام في حديث في قوله تعالى: فأتوهنّ من حيث أمركم الله الآية، قالعليه‌السلام : هذا في طلب الولد فاطلبوا الولد من حيث أمركم الله.

وفي الكافي: سئل عن الصادقعليه‌السلام : ما لصاحب المرئه الحائض منها؟ فقالعليه‌السلام : كلّ شئ ما عدا القبل بعينه.

وفيه أيضاً عنهعليه‌السلام : في المرئه ينقطع عنها دم الحيض في آخر أيّامها، قالعليه‌السلام : إذا أصاب زوجها شبق فليأمر فلتغسل فرجها ثمّ يمسّها إن شآء، قبل أن تغتسل، وفي رواية: والغسل أحبّ إلىّ.

أقول: والروايات في هذه المعاني كثيرة جدّاً وهي تؤيّد قرائة يطهرن بالتخفيف وهو انقطاع الدّم كما قيل: إنّ الفرق بين يطهرن ويتطهّرن أنّ الثاني قبول الطهارة، ففيه معنى الاختيار فيناسب الاغتسال، بخلاف الأوّل فإنّه حصول الطهارة، فليس فيه معنى الاختيار فيناسب الطهارة بانقطاع الدم، والمراد بالتطهّر إن كان هو الغسل بفتح الغين أفاد استحباب ذلك، وإن كان هو الغسل بضمّ الغين أفاد استحباب الإتيان بعد الغسل كما أفادهعليه‌السلام بقوله: والغسل أحبّ إلىّ، لاحرمة الإتيان قبله أعني فيما بين الطهارة والتطهّر لمنافاته كون يطهرن غاية مضروبة للنهى، فافهم ذلك.

وفي الكافي أيضاً عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى: إنّ الله يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين، قال: كان الناس يستنجون بالكرسف والأحجار ثمّ اُحدث الوضوء وهو خلق كريم فأمر به رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم صنعه فأنزل الله في كتابه: إنّ الله يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين.

اقول: والأخبار في هذا المعنى كثيرة، وفي بعضها: أنّ أوّل من استنجى بالماء براء بن عازب فنزلت الآية وجرت به السنّة.

وفيه عن سلام بن المستنير، قال: كنت عند أبي جعفرعليه‌السلام فدخل عليه حمران بن أعين وسأله عن أشياء، فلمّا همّ حمران بالقيام قال لأبي جعفرعليه‌السلام : اُخبرك - أطال الله بقاك وأمتعنا بك -: إنّا نأتيك فما نخرج من عندك حتّى يرقّ قلوبنا وتسلو أنفسنا عن

٢٢٥

الدنيا وهوّن علينا ما في أيدي الناس من هذه الأموال، ثمّ نخرج من عندك فإذا صرنا مع الناس والتجّار أحببنا الدنيا، قال: فقال أبو جعفرعليه‌السلام إنّما هي القلوب، مرّة تصعب ومرّة تسهل ثمّ قال أبو جعفرعليه‌السلام أمّا إنّ أصحاب محمّد قالوا: يا رسول الله نخاف علينا من النفاق؟ قال: فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : ولم تخافون ذلك؟ قالوا: إذا كنّا عندك فذكّرتنا ورغّبتنا وجلنا ونسينا الدنيا وزهدنا حتّى كنّا نعاين الآخرة والجنّة والنار ونحن عندك، فإذا خرجنا من عندك ودخلنا هذه البيوت - وشممنا الأولاد ورأينا العيال والأهل يكاد أن نحوّل عن الحالة الّتي كنّا عليها عندك، وحتّى كأنّا لم نكن على شئ، أفتخاف علينا أن يكون ذلك نفاقاً؟ فقال لهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : كلّا إنّ هذه خطوات الشيطان فيرغبكم في الدنيا، والله لو تدومون على الحالة الّتي وصفتم أنفسكم بها لصافحتكم الملائكة، ومشيّتم على الماء، ولو لا أنّكم تذنبون فتستغفرون الله تعالى لخلق خلقاً حتّى يذنبوا فيستغفروا الله تعالى فيغفر لهم، إنّ المؤمن مفتّنٌ توّاب، أمّا سمعت قول الله عزّوجلّ: إنّ الله يحبّ التوّابين ويحبّ المتطهّرين، وقال تعالى: استغفروا ربّكم ثمّ توبوا إليه.

أقول: وروي مثله العيّاشيّ في تفسيره، قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لو تدومون على الحالة، إشارة إلى مقام الولاية وهو الانصراف عن الدنيا والإشراف على ما عند الله سبحانه، وقد مرّ شطر من الكلام فيها في البحث عن قوله تعالى:( الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ ) البقرة - ١٥٦.

وقولهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : لولا أنّكم تذنبون الخ، إشارة إلى سرّ القدر، وهو انسحاب حكم أسمائه تعالى إلى مرتبة الأفعال وجزئيّات الحوادث بحسب ما لمفاهيم الأسماء من الاقتضائات، وسيجئ الكلام فيه في ذيل قوله تعالى:( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) الحجر - ٢١، وسائر آيات القدر، وقوله أما سمعت قول الله عزّوجلّ: إنّ الله يحبّ التوّابين الخ، من كلام أبى جعفرعليه‌السلام ، والخطاب لحمران، وفيه تفسير التوبة والتطهّر بالرجوع إلى الله تعالى من المعاصي وإزالة قذارات الذنوب عن النفس، ورينها عن القلب، وهذا من استفادة مراتب الحكم من حكم بعض المراتب،

٢٢٦

نظير ما ورد في قوله تعالى:( لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) الواقعة - ٧٩، من الاستدلال به على أنّ علم الكتاب عند المطهّرين من أهل البيت، والاستدلال على حرمة مسّ كتابة القرآن على غير طهارة.

وكما أنّ الخلقة تتنزّل آخذة من الخزائن الّتي عند الله تعالى حتّى تنتهي إلى آخر عالم المقادير على ما قال تعالى:( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) الحجر - ٢١، كذلك أحكام المقادير لا تتنزّل إلّا بالمرور من منازل الحقائق فافهم ذلك، وسيجئ له زيادة توضيح في البحث عن قوله تعالى:( هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ ) آل عمران - ٧.

ومن هنا يستأنس ما مرّت إليه الإشارة: أنّ المراد بالتوبة والتطهّر في الآية على ظاهر التنزيل هو الغسل بالماء فهو إرجاع البدن إلى الله سبحانه بإزالة القذر عنه.

ويظهر أيضاً: معنى ما تقدّم نقله عن تفسير القمّيّ من قولهعليه‌السلام : أنزل الله على إبراهيمعليه‌السلام الحنيفيّة، وهي الطهارة، وهي عشرة أشياء: خمسةٌ في الرأس وخمسة في البدن، فأمّا الّتي في الرأس: فأخذ الشارب، وإعفاء اللحى، وطمّ الشعر، والسواك، والخلال، وأمّا الّتي في البدن: فأخذ الشعر من البدن، والختان، وقلم الأظفار والغسل من الجنابة والطهور بالماء، وهي الحنفيّة الطاهرة الّتي جاء بها إبراهيم فلم تنسخ ولا تنسخ إلى يوم القيامة الحديث، والأخبار في كون هذه الاُمور من الطهارة كثيرة، وفيها: أنّ النوره طهور.

وفي تفسير العيّاشيّ: في قوله تعالى: نساؤكم حرث لكم الآية: عن معمر بن خلاد عن أبي الحسن الرضاعليه‌السلام أنّه قال: أيّ شئ تقولون في إتيان النساء في أعجازهنّ؟ قلت بلغني أنّ أهل المدينة لا يرون به بأساً، قالعليه‌السلام : إنّ اليهود كانت تقول إذا أتى الرجل من خلفها خرج ولده أحول فأنزل الله: نساؤكم حرثٌ لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم، يعني من خلف أو قدّام، خلافاً لقول اليهود في أدبارهنّ.

وفيه عن الصادقعليه‌السلام في الآية فقالعليه‌السلام : من قدامها ومن خلفها في القبل.

وفيه عن أبي بصير عن أبي عبداللهعليه‌السلام قال: سألته عن الرجل يأتي أهله في

٢٢٧

دبرها فكره ذلك وقال: وإيّاكم ومحاشّ النساء، وقال: إنّما معنى نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم، أيّ ساعه شئتم.

وفيه عن الفتح بن يزيد الجرجانيّ قال: كتبت إلى الرضاعليه‌السلام في مثله، فورد الجواب سألت عمّن أتى جارية في دبرها والمرأة لعبة لا تؤذي وهي حرث كما قال الله.

أقول: والروايات في هذه المعاني عن أئمّة أهل البيت كثيرة، مرويّة في الكافي والتهذيب وتفسيري العيّاشيّ والقمّيّ، وهي تدلّ جميعاً: أنّ الآية لاتدلّ على أزيد من الإتيان من قدامهنّ، وعلى ذلك يمكن أن يحمل قول الصادقعليه‌السلام في رواية العيّاشيّ عن عبدالله بن أبي يعفور، قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن إتيان النساء في أعجازهنّ قال: لا بأس ثمّ تلا هذه الآية: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم.

اقول: الظاهر أنّ المراد بالإتيان في أعجازهنّ هو الإتيان من الخلف في الفرج، والاستدلال بالآية على ذلك كما يشهد به خبر معمّر بن خلّاد المتقدّم.

وفي الدرّ المنثور: أخرج ابن عساكر عن جابر بن عبدالله، قال: كانت الأنصار تأتي نسائها مضاجعة، وكانت قريش تشرح شرحاً كثيراً فتزوّج رجل من قريش امرأة من الأنصار فأراد أن يأتيها فقالت: لا إلّا كما يفعل فأخبر بذلك رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم فاُنزل:( فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ) أي قائماً وقاعداً ومضطجعاً بعد أن يكون في صمام واحد.

اقول: وقد روي في هذا المعنى بعدّة طرق عن الصحابة في سبب نزول الآية، وقد مرّت الرواية فيه عن الرضاعليه‌السلام .

وقوله: في صمام واحد أي في مسلك واحد، كناية عن كون الإتيان في الفرج فقط، فإنّ الروايات متكاثرة من طرقهم في حرمة الإتيان من أدبار النساء، رووها بطرق كثيرة عن عدّة من الصحابة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وقول أئمّة أهل البيت وإن كان هو الجواز على كراهة شديدة على ما روته أصحابنا بطرقهم الموصولة إليهمعليهم‌السلام إلّا أنّهمعليهم‌السلام لم يتمسّكوا فيه بقوله تعالى: نسائكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم الآية، كما مرّ بيانه بل استدلّوا عليه بقوله تعالى حكاية عن لوط:

٢٢٨

قال:( قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ ) الحجر - ٧١، حيث عرضعليه‌السلام عليهم بناته وهو يعلم أنّهم لا يريدون الفروج ولم ينسخ الحكم بشئ من القرآن.

والحكم مع ذلك غير متّفق عليه فيما رووه من الصحابة، فقد روي عن عبدالله ابن عمر ومالك بن أنس وأبي سعيد الخدريّ وغيرهم: أنّهم كانوا لا يرون به بأساً وكانوا يستدلّون على جوازه بقوله تعالى: نساؤكم حرث لكم الآية حتّى أنّ المنقول عن ابن عمر أنّ الآية إنّما نزلت لبيان جوازه.

ففي الدرّ المنثور عن الدار قطنيّ في غرائب مالك مسنداً عن نافع قال: قال لي ابن عمر: أمسك عليّ المصحف يا نافع! فقرأ حتّى أتى على، نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم، قال لي: تدري يا نافع فيمن نزلت هذه الآية؟ قلت: لا، قال: نزلت في رجل من الأنصار أصاب امرأته في دبرها فأعظم الناس ذلك، فأنزل الله( سَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّىٰ شِئْتُمْ ) الآية، قلت له: من دبرها في قبلها قال لا إلّا في دبرها.

اقول: وروي في هذا المعنى عن ابن عمر بطرق كثيرة، قال: وقال ابن عبد البرّ: الرواية بهذا المعنى عن ابن عمر صحيحة معروفة عنه مشهورة.

وفي الدرّ المنثور أيضاً: أخرج ابن راهويه وأبو يعلى وابن جرير والطحاويّ في مشكل الآثار وابن مردويه بسند حسن عن أبي سعيد الخدريّ: أن رجلاً أصاب امرأته في دبرها، فإنّكر الناس عليه ذلك، فأنزلت، نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم، الآية.

وفيه أيضاً أخرج الخطيب في رواة مالك عن أبي سليمان الجوزجانيّ، قال: سألت مالك بن انس عن وطى الحلائل في الدبر. فقال لي: الساعة غسلت رأسي عنه.

وفيه أيضاً: أخرج الطحاويّ من طريق إصبغ بن الفرج عن عبدالله بن القاسم، قال: ما أدركت أحداً أقتدي به في ديني يشكّ في أنّه حلال يعني: وطى المرأة في دبرها ثمّ قرأ: نساؤكم حرث لكم، ثمّ قال: فأيّ شئ أبين من هذا؟

وفي سنن أبي داود عن ابن عبّاس قال: إنّ ابن عمر - والله يغفر له - أوهم أنّما

٢٢٩

كان هذا الحيّ من الأنصار وهم أهل وثن مع هذا الحيّ من يهود وهم أهل كتاب، وكان يرون لهم فضلاً عليهم في العلم، فكانوا يقتدون بكثير من فعلهم، وكان من أمر أهل الكتاب أن لا يأتوا النساء إلّا على حرف، وذلك أسرّ ما تكون المرأة، وكان هذا الحيّ من الأنصار قد أخذوا بذلك من فعلهم، وكان هذا الحيّ من قريش يشرحون النساء شرحاً منكراً، ويتلذّذون مقبلات ومدبرات ومستلقيات فلمّا قدم المهاجرون المدينة تزوّج رجل منهم امرأة من الأنصار فذهب يصنع بها ذلك فأنكرته عليه فقالت: إنّما كنّا نؤتي على حرف فاصنع ذلك وإلّا فأجتنبني فسرى أمرهما فبلغ ذلك رسول الله، فأنزل الله عزّوجلّ: نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم، أي مقبلات ومدبرات ومستلقيات، يعني بذلك موضع الولد.

اقول: ورواه السيوطيّ في الدرّ المنثور بطرق اُخرى أيضاً عن مجاهد، عن ابن عبّاس.

وفيه أيضاً: أخرج ابن عبد الحكم: أنّ الشافعيّ ناظر محمّد بن الحسن في ذلك، فاحتجّ عليه ابن الحسن بأنّ الحرث إنّما يكون في الفرج فقال له: فيكون ما سوى الفرج محرّماً فالتزمه فقال: أرأيت لو وطأها بين ساقيها أو في أعكانها (الأعكان جمع عكنة بضمّ العين: ما انطوى وثنى من لحم البطن) أفي ذلك حرث: قال: لا، قال، أفيحرم؟ قال: لا، قال: فكيف تحتجّ بما لا تقولون به.

وفيه أيضاً: أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير، قال: بينا أنا ومجاهد جالسان عند ابن عبّاس إذ أتاه رجل فقال: ألا تشفيني من آية المحيض؟ قال: بلى فأقرأ: ويسألونك عن المحيض إلى قوله: فأتوهنّ من حيث أمركم الله فقال: ابن عبّاس: من حيث جاء الدم من ثمّ أمرت أن تأتي فقال: كيف بالآية نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنّى شئتم؟ فقال: اي، ويحك، وفي الدبر من حرث؟ لو كان ما تقول حقّاً كان المحيض منسوخاً إذا شغل من ههنا جئت من ههنا، ولكن أنّى شئتم من الليل والنهار.

اقول: واستدلاله كما ترى مدخول، فإنّ آية المحيض لاتدلّ على أزيد من

٢٣٠

حرمة الإتيان من محلّ الدم عند المحيض فلو دلّت آية الحرث على جواز إتيان الأدبار لم يكن بينها نسبة التنافي أصلاً حتّى يوجب نسخ حكم آية المحيض؟ على أنّك قد عرفت أنّ آية الحرث أيضاً لا تدلّ على ما راموه من جواز إتيان الأدبار، نعم يوجد في بعض الروايات المرويّة عن ابن عبّاس: الاستدلال على حرمة الإتيان من محاشيهنّ بالأمر الّذي في قوله تعالى: فأتوهنّ من حيث أمركم الله الآية، وقد عرفت فيما مرّ من البيان أنّه من أفسد الاستدلال، وأنّ الآية تدلّ على حرمة الإتيان من محلّ الدم ما لم يطهرن وهي ساكتة عما دونه، وأنّ آية الحرث أيضاً غير دالّة إلّا على التوسعة من حيث الحرث، والمسألة فقهية إنّما اشتغلنا بالبحث عنها بمقدار ما تتعلّق بدلالة الآيات.

٢٣١

( سورة البقرة آية ٢٢٤ - ٢٢٧)

وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( ٢٢٤ ) لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ ( ٢٢٥ ) لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِن فَاءُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ( ٢٢٦ ) وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( ٢٢٧ )

( بيان)

قوله تعالى: ( وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِّأَيْمَانِكُمْ أَن تَبَرُّوا ) إلى آخر الآية، العرضة بالضمّ من العرض وهو كإرائة الشئ للشئ حتّى يرى صلوحه لما يريده ويقصده كعرض المال للبيع وعرض المنزل للنزول وعرض الغذاء للأكل، ومنه ما يقال للهدف: إنّه عرضة للسهام، وللفتاة الصالحة للازدواج إنّها عرضة للنكاح، وللدابّة المعدّة للسفر إنّها عرضة للسفر وهذا هو الأصل في معناها، وأمّا العرضة بمعنى المانع المعرض في الطريق وكذا العرضة بمعنى ما ينصب ليكون معرضاً لتوارد الواردات وتواليها في الورود كالهدف للسهام حتّى يفيد كثرة العوأرض إلى غير ذلك من معانيها فهي ممّا لحقها من موارد استعمالها غير دخيلة في أصل المعنى.

والأيمان جمع يمين بمعنى الحلف مأخوذة من اليمين بمنى الجارحة لكونهم يضربون بها في الحلف والعهد والبيعة ونحو ذلك فاشتقّ من آلة العمل اسم للعمل، للملازمة بينها كما يشتقّ من العمل اسمٌ لآلة العمل كالسبّابة للإصبع الّتي يسبّ بها.

ومعنى الآية (والله أعلم): ولا تجعلوا الله عرضة تتعلّق بها أيمانكم الّتي عقدتموها بحلفكم أن لا تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين الناس فإنّ الله سبحانه لا يرضى أن يجعل اسمه ذريعة للامتناع عمّا أمر به من البرّ والتقوى والإصلاح بين الناس، ويؤيّد هذا

٢٣٢

المعنى ما ورد من سبب نزول الآية على ما سننقله في البحث الروائيّ إنشاء الله.

وعلى هذا يصير قوله تعالى: أن تبرّوا لخ، بتقدير، لا، أي أن لا تبرّوا، وهو شائع مع أن المصدريّة كقوله تعالى( يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّوا ) النساء - ١٧٦، اي أن لا تضلّوا أو كراهة أن تضلّوا، ويمكن أن لا يكون بتقدير، لا، وقوله تعالى: أن تبرّوا، متعلّقاً بما يدلّ عليه قوله تعالى: ولا تجعلوا، من النهى أي ينهاكم الله عن الحلف الكذائيّ أو يبيّن لكم حكمه الكذائيّ أن تبرّوا وتتّقوا وتصلحوا بين الناس، ويمكن أن يكون العرضة بمعنى ما يكثر عليه العرض فيكون نهياً عن الإكثار من الحلف بالله سبحانه، والمعنى لا تكثروا من الحلف بالله فإنّكم إن فعلتم ذلك أدّاكم إلى أن لا تبرّوا ولا تتّقوا ولا تصلحوا بين الناس، فإنّ الحلّاف المكثر من اليمين لا يستعظم ما حلف به ويصغّر أمر ما أقسم به لكثرة تناوله فلا يبالي الكذب فيكثر منه هذا عند نفسه، وكذا يهون خطبه وينزل قدره عند الناس لاستشعارهم أنّه لا يرى لنفسه عند الناس قدم صدق ويعتقد أنّهم لا يصدّقونه فيما يقول، ولا أنّه يوقّر نفسه بالاعتماد عليها، فيكون على حدّ قوله تعالى:( وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَّهِينٍ ) القلم - ١٠، والأنسب على هذا المعنى أيضاً عدم تقدير لا في الكلام بل قوله تعالى: أن تبرّوا منصوب بنزع الخافض أو مفعول له لما يدلّ عليه النهي في قوله ولا تجعلوا، كما مرّ.

وفي قوله تعالى: والله سميع عليم نوع تهديد على جميع المعاني أنّ المعنى الأوّل أظهرها كما لا يخفى.

قوله تعالى: ( لَّا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ ) إلى آخر الآية، اللغو من الأفعال مالا يستبعد أثراً، وأثر الشئ يختلف فاختلاف جهاته ومتعلّقاته، فلليمين أثرٌ من حيث إنّه لفظ، وأثر من حيث إنّه مؤكّد للكلام، وأثر من حيث إنّه عقد وأثر من حيث حنثه ومخالفة مؤدّاه، وهكذا إلّا أنّ المقابلة في الآية بين عدم المؤاخذة على لغو اليمين وبين المؤاخذة على ما كسبت القلوب وخاصّة من حيث اليمين تدلّ على أنّ المراد بلغو اليمين ما لا يؤثّر في قصد الحالف، وهو اليمين الّذي لا يعقد صاحبه على شئ من قول: لا والله وبلى والله.

٢٣٣

والكسب هو اجتلاب المنافع بالعمل بصنعة أو حرفة أو نحوهما وأصله في اقتناء ما يرتفع به حوائج الإنسان المادّيّة ثمّ استعير لكلّ ما يجتلبه الإنسان بعمل من أعماله من خير أو شرّ ككسب المدح والفخر وبحسن الذكر بحسن الخلق والخدمات النوعيّة وكسب الخلق الحسن والعلم النافع والفضيلة بالأعمال المناسبة لها، وكسب اللوم والذمّ، واللعن والطعن، والذنوب والآثام، ونوهما بالأعمال المستتبعة لذالك، فهذا هو معنى الكسب والاكتساب، وقد قيل في الفرق بينهما أن الاكتساب اجتلاب الإنسان المنفعة لنفسه، والكسب أعمّ ممّا يكون لنفسه أو غيره مثل كسب العبد لسيّده وكسب الوليّ للمولّى عليه ونحو ذلك.

وكيف كان فالكاسب والمكتسب هو الإنسان لاغير.

( كلام في معنى القلب في القرآن)

وهذا من الشواهد على أنّ المراد بالقلب هو الإنسان بمعنى النفس والروح، فإنّ التعقّل والتفكّر والحبّ والبغض والخوف وأمثال ذلك وإن أمكن أن ينسبه أحدٌ إلى القلب باعتقاد أنّه العضو المدرك في البدن على ما ربّما يعتقده العامّة كما ينسب السمع إلى الاُذن والإبصار إلى العين والذوق إلى اللسان، لكنّ الكسب والاكتساب ممّا لا ينسب إلّا إلى الإنسان البتّة.

ونظير هذه الآية قوله تعالى:( فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ ) البقرة - ٢٨٣، وقوله تعالى:( وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُّنِيبٍ ) ق - ٣٣.

والظاهر: أن الإنسان لما شاهد نفسه وسائر أصناف الحيوان وتأمّل فيها ورأى أنّ الشعور والإدراك ربّما بطل أو غاب عن الحيوان بإغماء أو صرع أو نحوهما، والحياة المدلول عليها بحركة القلب ونبضانه باقية بخلاف القلب قطع على أنّ مبدء الحياة هو القلب، أي إنّ الروح الّتي يعتقدها في الحيوان أوّل تعلّقها بالقلب وإن سرت منه إلى جميع أعضاء الحياة، وإنّ الآثار والخواصّ الروحيّة كالإحساسات الوجدانيّة مثل الشعور والإرادة والحبّ والبغض والرجاء والخوف

٢٣٤

وأمثال ذلك كلّها للقلب بعناية أنّه أوّل متعلّق للروح، وهذا لا ينافي كون كلّ عضو من الأعضاء مبدئاً لفعله الّذي يختصّ به كالدماغ للفكر والعين للإبصار والسمع للوعي والرئة للتنفّس ونحو ذلك، فإنّها جميعاً بمنزلة الآلات الّتي يفعل بها الأفعال المحتاجة إلى توسيط الآلة.

وربّما يؤيّد هذا النظر: ما وجده التجارب العلميّ أنّ الطيور لا تموت بفقد الدماغ إلّا أنّها تفقد الإدراك ولا تشعر بشئ وتبقى على تلك الحال حتّى تموت بفقد الموادّ الغذائيّة ووقوف القلب عن ضرباته.

وربّما أيّده أيضاً: أنّ الأبحاث العلميّة الطبيعيّة لم توفّق حتّى اليوم لتشخيص المصدر الّذي يصدر عنه الأحكام البدنيّة أعني عرش الأوامر الّتي يمتثلها الأعضاء الفعّالة في البدن الإنسانيّ، إذ لا ريب أنّها في عين التشتّت والتفرّق من حيث أنفسها وأفعالها مجتمعة تحت لواء واحد منقادة لأمير واحد، وحدة حقيقيّة.

ولا ينبغي أن يتوهّم أنّ ذلك كان ناشئاً عن الغفلة عن أمر الدماغ وما يخصّه من الفعل الإدراكيّ، فإنّ الإنسان قد تنبّه لما عليه الرأس من الأهميّة منذ أقدم الأزمنة، والشاهد عليه ما نرى في جميع الاُمم والملل على اختلاف ألسنتهم من تسمية مبدء الحكم والأمر بالرأس، واشتقاق اللغات المختلفة منه، كالرأس والرئيس والرئاسة، ورأس الخيط، ورأس المدّة، ورأس المسافة، ورأس الكلام، ورأس الجبل، والرأس من الدوابّ والأنعام، ورئاس السيف.

فهذا - على ما يظهر - هو السبب في إسنادهم الإدراك والشعور وما لا يخلو عن شوب إدراك مثل الحبّ والبغض والرجاء والخوف والقصد والحسد والعفّة والشجاعة والجرأة ونحو ذلك إلى القلب، ومرادهم به الروح المتعلّقة بالبدن أو السارية فيه بواسطته، فينسبونها إليه كما ينسبونها إلى الروح وكما ينسبونها إلى أنفسهم، يقال: أحببته وأحبّته روحي وأحبّته نفسي وأحبّه قلبي ثمّ استقرّ التجوّز في الاستعمال فاُطلق القلب واُريد به النفس مجازاً كما ربّما تعدّوا عنه إلى الصدر فجعلوه لاشتماله على القلب مكاناً لأنحاء الإدراك والأفعال والصفات الروحيّة.

٢٣٥

وفي القرآن شئ كثير من هذا الباب، قال تعالى:( يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ) الانعام - ١٢٥، وقال تعالى:( أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ ) الحجر - ٩٧، وقال تعالى:( وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ ) الأحزاب - ١٠، وهو كناية عن ضيق الصدر، وقال تعالى:( إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ) المائدة - ٧، وليس من البعيد أن تكون هذه الإطلاقات في كتابه تعالى إشارة إلى تحقيق هذا النظر وإن لم يتّضح كلّ الاتّضاح بعدُ.

وقد رجّح الشيخ أبو علي بن سينا كون الإدراك للقلب بمعنى أنّ دخالة الدماغ فيه دخالة الآلة فللقلب الإدراك وللدماغ الوساطة.

ولنرجع إلى الآية ولا يخلو قوله تعالى: ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم، عن مجاز عقليّ فإنّ ظاهر الإضراب عن المؤاخذة في بعض أقسام اليمين وهو اللغو إلى بعض آخر أن تتعلّق بنفسه ولكن عدل عنه إلى تعليقه بأثره وهو الإثم المترتّب عليه عند الحنث ففيه مجازٌ عقليّ وإضراب في إضراب للإشارة إلى أنّ الله سبحانه لا شغل له إلّا بالقلب كما قال تعالى:( وَإِن تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُم بِهِ اللَّهُ ) البقرة - ٢٨٤، وقال تعالى:( وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ ) الحجّ - ٣٧.

وفي قوله تعالى: والله غفورٌ حليم، إشارة إلى كراهة اللغو من اليمين، فإنّه ممّا لا ينبغي صدوره من المؤمن. وقد قال تعالى:( قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ - إلى أن قال -وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ ) المؤمنون - ٣.

قوله تعالى: ( لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَائِهِمْ ) الخ، الإيلاء من الألية بمعنى الحلف، وغلب في الشرع في حلف الزوج أن لا يأتي زوجته غضباً وإضراراً، وهو المراد في الآية، والتربّص هو الانتظار، والفئ هو الرجوع.

والظاهر أنّ تعدّية الإيلاء بمن لتضمينه معنى الابتعاد ونحوه فيفيد وقوع الحلف على الاجتناب عن المباشرة، ويشعر به تحديد التربّص بالأربعة أشهر فإنّها الأمد المضروب للمباشرة الواجبة شرعاً، ومنه يعلم: أنّ المراد بالعزم على الطلاق العزم مع إيقاعه، ويشعر به أيضاً تذييله بقوله تعالى: فإنّ الله سميع عليم، فإنّ السمع إنّما يتعلّق بالطلاق الواقع لا بالعزم عليه.

٢٣٦

وفي قوله تعالى: فإنّ الله غفور رحيم، دلالة على أنّ الإيلاء لا عقاب عليه على تقديرالفئ. وأمّا الكفّارة فهي حكم شرعيّ لا يقبل المغفرة، قال تعالى:( لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَان فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ ) المائدة - ٨٩.

فالمعنى أنّ من آلى من امرأته يتربّص له الحاكم أربعة أشهر فإن رجع إلى حقّ الزوجيّة وهو المباشرة وكفّر وباشر فلا عقاب عليه وإن عزم الطلاق وأوقعه فهو المخلص الآخر، والله سميع عليم.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم الآية، قالعليه‌السلام : هو قول الرجل: لا والله وبلى والله.

وفيه أيضاً عن الباقر والصادقعليهما‌السلام في الآية: يعني الرجل يحلف أن لا يكلم أخاه وما أشبه ذلك أو لا يكلّم اُمّه.

وفي الكافي عن الصادقعليه‌السلام في الآية، قال: إذا دعيت لتصلح بين اثنين فلا تقل علىّ يمين أن لا أفعل.

اقول: والرواية الأولى كما ترى تفسّر الآية بأحد المعنيين، والثانية والثالثة بالمعنى الآخر، ويقرب منهما ما في تفسير العيّاشيّ أيضاً عن الباقر والصادقعليهما‌السلام قالا: هو الرجل يصلح بين الرجل فيحمل ما بينهما من الإثم الحديث، فكأنّ المراد أنّه ينبغي أن لا يحلف بل يصلح ويحمل الإثم والله يغفر له، فيكون مصداقاً للعامل بالآية.

وفي الكافي عن مسعدة عن الصادقعليه‌السلام في قوله تعالى: لا يؤاخذكم الله باللّغو في أيمانكم الآية، قال: اللّغو قول الرجل: لا والله وبلى والله ولا يعقد على شئ.

اقول: وهذا المعنى مرويّ في الكافي عنهعليه‌السلام من غير الطريق، وفي المجمع عنه وعن الباقرعليهما‌السلام .

٢٣٧

وفي الكافي أيضاً عن الباقر والصادقعليهما‌السلام أنّهما قالا: إذا آلى الرجل أن لا يقرب امرأته فليس لها قول ولا حقّ في الأربعة أشهر، ولا إثم عليه في الكفّ عنها في الأربعة أشهر، فإن مضت الأربعة أشهر قبل أن يمسّها فما سكتت ورضيت فهو في حلّ وسعة فإن رفعت أمرها قيل له: إمّا أن تفئ فتمسّها وإمّا أن تطلّق، وعزم الطلاق أن يخلّي عنها، فإذا حاضت وطهرت طلّقها، وهو أحقّ برجعتها ما لم يمض ثلاثة قروء، فهذا الإيلاء الّذي أنزل الله في كتابه وسنّه رسول الله.

وفيه أيضاً عن الصادقعليه‌السلام في حديث: والإيلاء أن يقول: والله لا اُجامعك كذا وكذا أو يقول: والله لأغيظنّك ثمّ يغاظها، الحديث.

اقول: وفي خصوصيّات الإيلاء وبعض ما يتعلّق به خلاف بين العامّة والخاصّة، والبحث فقهيّ مذكور في الفقه.

٢٣٨

( سورة البقرة آية ٢٢٨ - ٢٤٢)

وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ وَلَا يَحِلُّ لَهُنَّ أَن يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ إِن كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَٰلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلَاحًا وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ( ٢٢٨ ) الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَن يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَا وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ( ٢٢٩ ) فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِن بَعْدُ حَتَّىٰ تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِن طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَن يَتَرَاجَعَا إِن ظَنَّا أَن يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ ( ٢٣٠ ) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلَا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِّتَعْتَدُوا وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ( ٢٣١ ) وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُم بِالْمَعْرُوفِ ذَٰلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَن كَانَ مِنكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَٰلِكُمْ أَزْكَىٰ لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ( ٢٣٢ ) وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ

٢٣٩

حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَّهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَن تَرَاضٍ مِّنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُم مَّا آتَيْتُم بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ٢٣٣ ) وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ( ٢٣٤ ) وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُم بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنتُمْ فِي أَنفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِن لَّا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَن تَقُولُوا قَوْلًا مَّعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ ( ٢٣٥ ) لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِن طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ ( ٢٣٦ ) وَإِن طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَن يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَن تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَلَا تَنسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ( ٢٣٧ ) حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ ( ٢٣٨ ) فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا

٢٤٠