الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢

الميزان في تفسير القرآن16%

الميزان في تفسير القرآن مؤلف:
تصنيف: تفسير القرآن
الصفحات: 481

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 481 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 131664 / تحميل: 8004
الحجم الحجم الحجم
الميزان في تفسير القرآن

الميزان في تفسير القرآن الجزء ٢

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

من التاريخ والمستفيض أو المتواتر من الأخبار يدلّ على أنّ الصحابة أنفسهم كان يعامل بعضهم مع بعض في الفتن والاختلافات الواقعة بعد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم هذه المعاملة، من غير أنّ يستثنوا أنفسهم من ذلك استناداً إلى عصمة أو بشارة أو اجتهاد أو استثناء من الله ورسوله، الزائد على هذا المقدار من البحث لا يناسب وضع هذا الكتاب. وفي أمالي المفيد عن أبي بصير قال: سمعت أباعبداللهعليه‌السلام يقول: لم يزل الله جلّ اسمه عالماً بذاته ولا معلوم، ولم يزل قادراً بذاته ولا مقدور، قلت: - جعلت فداك - فلم يزل متكلّماً؟ قال: الكلام محدث، كان الله عزّوجلّ وليس بمتكلّم ثمّ أحدث الكلام.

وفي الاحتجاج عن صفوان بن يحيى، قال: سأل أبو قرّة المحدّث عن الرضاعليه‌السلام فقال: أخبرني - جعلت فداك - عن كلام الله لموسى فقال: الله أعلم بأيّ لسان كلّمه بالسريانيّة أم بالعبرانيّة فأخذ أبو قرّة بلسانه فقال: إنّما أسألك عن هذا اللسان فقال أبو الحسنعليه‌السلام : سبحإنّ الله عمّا تقول ومعاذ الله أن يشبه خلقه أو يتكلّم بمثل ما هم متكلّمون ولكنّه سبحانه ليس كمثله شئ ولا كمثله قائل فاعل، قال: كيف؟ قال: كلام الخالق لمخلوق ليس ككلام المخلوق لمخلوق، ولا يلفظ بشق فم ولسان، ولكن يقول له كن فكان، بمشيّته ما خاطب به موسى من الأمر والنهى من غير تردّد في نفس - الخبر -.

وفي نهج البلاغة في خطبة لهعليه‌السلام : متكلّم لابرويّة، مريد لابهمّة، الخطّبة.

وفي النهج أيضاً في خطبة لهعليه‌السلام : الّذي كلّم موسى تكليماً، وأراه من آياته عظيماً، بلا جوارح ولا أدوات ولا نطق ولالهوات، الخطبة.

اقول: والأخبار المرويّة عن أئمّة أهل البيت في هذا المعنى كثيرة، وهي مطبقة على أنّ كلامه تعالى الّذي يسمّيه الكتاب والسنّة كلاماً صفة فعل لا صفة ذات.

( بحث فلسفي)

ذكرالحماء: أنّ ما يسمّى عند الناس قولاً وكلاماً وهو نقل الإنسان لمتكلّم ما في ذهنه من المعنى بواسطة أصوات مؤلّفة موضوعة لمعنى فإذا قرع سمع المخطّب أو السامع

٣٤١

نقل المعنى الموضوع له الّذي في ذهن المتكلّم إلى ذهن المخطّب أو السامع، فحصل بذلك الغرض منه وهو التفهيم والتفهّم، قالوا: وحقيقة الكلام متقوّمة بما يدلّ على معنى خفيّ مضمر، وأمّا بقيّة الخصوصيّات ككونه بالصوت الحادث في صدر الإنسان ومروره من طريق الحنجرة واعتماده على مقاطع الفم وكونه بحيث يقبل أن يقع مسموعاً لاأزيد عدداً أو أقلّ ممّا ركّبت عليه أسماعنا فهذه خصوصيّات تابعة للمصاديق وليست بدخيلة في حقيقة المعنى الّذي يتقوّم بها الكلام.

فالكلام اللفظيّ الموضوع الدالّ على ما في الضمير كلام، وكذا الإشارة الوافية لإرائه المعنى كلام كما ان إشارتك بيدك: أن اقعد أو تعال ونحو ذلك أمر وقول، وكذا الوجودات الخارجيّة لمّا كانت معلولة لعللها، ووجود المعلول لمسانخته وجود علّته وكونه رابطاً متنزّلاً له يحكي بوجوده وجود علّته، ويدلّ بذاته على خصوصيّات ذات علّته الكاملة في نفسها لو لا دلالة المعلول عليها. فكلّ معلول بخصوصيّات وجوده كلام لعلّته تتكلّم به عن نفسها وكمالاتها، ومجموع تلك الخصوصيّات بطور اللفّ كلمة من كلمات علّته، فكلّ واحد من الموجودات بما ان وجوده مثال لكمال علّته الفيّاضة، وكلّ مجموع منها، ومجموع العالم الإمكانيّ كلام الله سبحانه يتكلّم به فيظهر المكنون من كمال أسمائه وصفاته، فكما أنّه تعالى خالق للعالم والعالم مخلوقه كذلك هو تعالى متكلّم بالعالم مظهر به خبايا الأسماء والصفات والعالم كلامه.

بل الدقّة في معنى الدلالة على المعنى يوجب القول بكون الذات بنفسه دالّاً على نفسه فإنّ الدلالة بالأخرة شأن وجوديّ ليس ولا يكون لشئ بنحو الأصالة إلّا لله وبالله سبحانه، فكلّ شئ دلالته على بارئه وموجده فرع دلالة ما منه على نفسه ودلالته لله سبحانه هو الدالّ على نفس هذا الشئ الدالّ، وعلى دلالته لغيره. فهو سبحانه هو الدالّ على ذاته بذاته وهو الدالّ على جميع مصنوعاته فيصدق على مرتبة الذات الكلام كما يصدق على مرتبة الفعل الكلام بالتقريب المتقدّم، فقد تحصّل بهذا البيان أنّ من الكلام ما هو صفة وهو الذات وهو الذات من حيث دلالته على الذات، ومنه ما هو صفة الفعل، وهو الخلق والإيجاد من حيث دلالة الموجود على ما

٣٤٢

عند موجده من الكمال.

اقول: ما نقلنا على تقدير صحّته لا يساعد عليه اللفظ اللغويّ، فإنّ الّذي أثبته الكتاب والسنّة هو أمثال قوله تعالى: منهم من كلّم الله، وقوله: وكلّم الله موسى تكليماً، وقوله: قال الله يا عيسى، وقوله: وقلنا يا آدم، وقوله: إنّا أوحينا إليك، وقوله: نبّأني العليم الخبير، ومن المعلوم أنّ الكلام والقول بمعنى عين الذات لا ينطبق على شئ من هذه الموارد.

واعلم أنّ بحث الكلام من أقدم الأبحاث العلميّة الّتي اشتغلت به الباحثون من المسلمين (وبذلك سمّي علم الكلام به) وهي أنّ كلام الله سبحانه هل هو قديم أو حادث؟

ذهبت الأشاعرة إلى القدم غير أنّهم فسّروا الكلام بأنّ المراد بالكلام هو المعاني الذهنيّة الّتي يدلّ عليه الكلام اللّفظيّ، وتلك المعاني علوم الله سبحانه قائمة بذاته قديمة بقدمها، وأمّا الكلام اللّفظيّ وهو الأصوات والنغمات فهي حادثة زائدة على الذات بالضرورة.

وذهبت المعتزلة إلى الحدوث غير أنّهم فسّروا الكلام بالألفاظ الدالّة على المعنى التامّ دلالة وضعيّة فهذا هو الكلام عند العرف، قالوا: وأمّا المعاني النفسيّة الّتي تسمّيه الأشاعرة كلاماً نفسيّاً فهي صور علميّة وليست بالكلام.

وبعبارة اُخرى: إنّا لا نجد في نفوسنا عند التكلّم بكلام غير المفاهيم الذهنيّة الّتي هي صور علميّة فإنّ اُريد بالكلام النفسيّ ذلك كان علماً لا كلاماً، وإن اُريد به أمر آخر وراء الصورة العلميّة فإنّا لا نجد ورائها شيئاً بالوجدان، هذا.

وربّما أمكن أن يورد عليه بجواز أن يكون شئ واحد بجهتين أو باعتبارين مصداقاً لصفتين أو أزيد وهو ظاهر، فلم لا يجوز أن تكون الصورة الذهنيّة علماً من جهة كونه انكشافاً للواقع، وكلاماً من جهة كونه علماً يمكن إفاضته للغير؟

اقول: والّذي يحسم مادّة هذا النزاع من أصله أنّ وصف العلم في الله سبحانه بأيّ معنى أخذناه أي سواء اُخذ علماً تفصيليّاً بالذات وإجماليّاً بالغير، أو اُخذ علماً

٣٤٣

تفصيليّاً بالذات وبالغير في مقام الذات، وهذان المعنيان من العلم الّذي هو عين الذات، أو اُخذ علماً تفصيليّاً قبل الإيجاد بعد الذات أو اُخذ علماً تفصيليّاً بعد الإيجاد وبعد الذات جميعاً، فالعلم الواجبيّ على جميع تصاويره علم حضوريّ غير حصوليّ. والّذي ذكروه وتنازعوا عليه إنّما هو من قبيل العلم الحصوليّ الّذي يرجع إلى وجود مفاهيم ذهنيّة مأخوذة من الخارج بحيث لا يترتّب عليها آثارها الخارجيّة فقد أقمنا البرهان في محلّه: أنّ المفاهيم والمهيّات لاتتحقّق إلّا في ذهن الإنسان أو ما قاربه جنساً من أنواع الحيوان الّتي تعمل الأعمال الحيويّة بالحواسّ الظاهرة والإحساسات الباطنة.

وبالجملة فالله سبحانه أجلّ من أن يكون له ذهن يذهن به المفاهيم والمهيّات الاعتباريّة ممّا لاملاك لتحقيقه إلّا الوهم فقط نظير مفهوم العدم والمفاهيم الاعتباريّة في ظرف الاجتماع، ولو كان كذلك لكان ذاته المقدّسة محلّا للتركيب، ومعرضاً لحدوث الحوادث، وكلامه محتملاً للصدق والكذب إلى غير ذلك من وجوه الفساد تعالى عنها وتقدّس.

وأمّا معنى علمه بهذه المفاهيم الواقعة تحت الألفاظ فسيجئ إنشاء الله بيانه في موضع يليق به.

٣٤٤

( سورة البقرة آية ٢٥٥)

اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ( ٢٥٥ )

( بيان)

قوله تعالى: ( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) ، قد تقدّم في سورة الحمد بعض الكلام في لفظ الجلالة، وأنّه سواء اُخذ من أله الرجل بمعنى تاه ووله أو من أله بمعنى عبد فلازم معناه الذات المستجمع لجميع صفات الكمال على سبيل التلميح.

وقد تقدّم بعض الكلام في قوله تعالى: لا إله إلّا هو، في قوله تعالى:( وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ ) البقرة - ١٦٣، وضمير هو وإن رجع إلى اسم الجلالة لكن اسم الجلالة لمّا كان علماً بالغلبة يدلّ على نفس الذات من حيث إنّه ذات وإن كان مشتملاً على بعض المعاني الوصفيّة الّتي يلمح باللّام أو بالإطلاق إليها، فقوله: لا إله إلّا هو، يدلّ على نفي حقّ الثبوت عن الآلهة الّتي تثبت من دون الله.

وأمّا اسم الحيّ فمعناه ذو الحياة الثابتة على وزان سائر الصفات المشبّهة في دلالتها على الدوام والثبات.

والناس في بادي مطالعتهم لحال الموجودات وجدوها على قسمين: قسم منها لا يختلف حاله عند الحسّ ما دام وجوده ثابتاً كالأحجار وسائر الجمادات، وقسم منها ربّما تغيّرت حاله وتعطّلت قواه وأفعاله مع بقاء وجودها على ما كان عليه عند الحسّ، وذلك كالإنسان وسائر أقسام الحيوان والنبات فإنّا ربّما نجدها تعطّلت قواها ومشاعرها وأفعالها ثمّ يطرأ عليها الفساد تدريجاً، وبذلك أذعن الإنسان بأنّ هناك وراء الحواسّ أمراً آخر

٣٤٥

هو المبدأ للإحساسات والإدراكات العلميّة والأفعال المبتنية على العلم والإرادة وهو المسمّى بالحياة ويسمّى بطلانه بالموت، فالحياة نحو وجود يترشّح عنه العلم والقدرة.

وقد ذكر الله سبحانه هذه الحياة في كلامه ذكر تقرير لها، قال تعالى:( اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا ) الحديد - ١٧، وقال تعالى:( أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِي الْمَوْتَىٰ ) فصّلت - ٣٩، وقال تعالى:( وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ ) الفاطر - ٢٢، وقال تعالى:( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ) الأنبياء - ٣٠، فهذه تشمل حياة أقسام الحيّ من الإنسان والحيوان والنبات.

وكذلك القول في أقسام الحياة، قال تعالى:( وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا ) يونس - ٧، وقال تعالى:( رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ ) المؤمن - ١١، والإحيائان المذكوران يشتملان على حياتين: إحداهما: الحياة البرزخيّة، والثانية: الحياة الآخرة، فللحياة أقسام كما للحيّ أقسام.

والله سبحانه مع ما يقرّر هذه الحياة الدنيا يعدّها في مواضع كثيرة من كلامه شيئاً رديّاً هيّناً لا يعبأ بشأنه كقوله تعالى:( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا مَتَاعٌ ) الرعد - ٢٦، وقوله تعالى:( تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) النساء - ٩٤، وقوله تعالى:( تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ) الكهف - ٢٨، وقوله تعالى:( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ ) الأنعام - ٣٢، وقوله تعالى:( وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ ) الحديد - ٢٠، فوصف الحياة الدنيا بهذه الأوصاف فعدّها متاعاً والمتاع ما يقصد لغيره، وعدّها عرضاً والعرض ما يعترض ثمّ يزول، وعدّها زينة والزينة هو الجمال الّذي يضمّ على الشئ ليقصد الشئ لأجله فيقع غير ما قصد ويقصد غير ما وقع، وعدّها لهواً واللهو ما يلهيك ويشغلك بنفسه عمّا يهمك، وعدّها لعباً واللعب هو الفعل الّذي يصدر لغاية خياليّة لحقيقيّة، وعدّها متاع الغرور وهو ما يغرّ به الإنسان.

ويفسّر جميع هذه الآيات ويوضحها قوله تعالى:( وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ ) العنكبوت - ٦٤، يبيّن أنّ

٣٤٦

الحياة الدنيا إنّما تسلب عنها حقيقة الحياة أي كمالها في مقابل ما تثبت للحياة الآخرة حقيقة الحياة وكمالها، وهي الحياة الّتي لاموت بعدها، قال تعالى:( آمِنِينَ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَىٰ ) الدخان - ٥٦، وقال تعالى:( لَهُم مَّا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ) ق - ٣٥، فلهم في حياتهم الآخرة أن لايعتريهم الموت، ولايعترضهم نقص في العيش وتنغّص، لكنّ الأوّل من الوصفين أعني الأمن هو الخاصّة الحقيقة للحياة الضروريّة له.

فالحياة الاُخرويّة هي الحياة بحسب الحقيقة لعدم إمكان طروّ الموت عليها بخلاف الحياة الدنيا، لكنّ الله سبحانه مع ذلك أفاد في آيات اُخر كثيرة أنّه تعالى هو المفيض للحياة الحقيقيّة الاُخرويّة والمحيي للإنسان في الآخرة، وبيده تعالى أزمّة الاُمور، فأفاد ذلك أنّ الحياة الاُخرويّة أيضاً مملوكة لامالكة ومسخّرة لا مطلقة أعني أنّها إنّما ملكت خاصّتها المذكورة بالله لا بنفسها.

ومن هنا يظهر أنّ الحياة الحقيقيّة يجب أن تكون بحيث يستحيل طروّ الموت عليها لذاتها ولا يتصوّر ذلك إلّا بكون الحياة عين ذات الحيّ غير عارضة لها ولاطارئة عليها بتمليك الغير وإفاضته، قال تعالى:( وَتَوَكَّلْ عَلَى الْحَيِّ الَّذِي لَا يَمُوتُ ) الفرقان - ٥٨، وعلى هذا فالحياة الحقيقيّة هي الحياة الواجبة، وهي كون وجوده بحيث يعلم ويقدر بالذات.

ومن هنا يعلم: أن القصر في قوله تعالى:( هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) قصر حقيقيّ غير إضافيّ، وأنّ حقيقة الحياة الّتي لا يشوبها موت ولايعتريها فناء وزوال هي حياته تعالى.

فالأوفق فيما نحن فيه من قوله تعالى: الله لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم الآية، وكذا في قوله تعالى:( الم اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ ) آل عمران - ١، أن يكون لفظ الحيّ خبراً بعد خبر فيفيد الحصر لأنّ التقدير، الله الحيّ فالآية تفيد أنّ الحياة لله محضاً إلّا ما أفاضه لغيره.

وأمّا اسم القيّوم فهو على ما قيل: فيعول كالقيّام فيعال من القيام وصف يدلّ على المبالغة والقيام هو حفظ الشئ وفعله وتدبيره وتربيته والمراقبة عليه والقدرة عليه، كلّ

٣٤٧

ذلك مأخوذ من القيام بمعنى الانتصاب للملازمة العاديّة بين الانتصاب وبين كلّ منها.

وقد اثبت الله تعالى أصل القيام باُمور خلقه لنفسه في كلامه حيث قال تعالى:( أَفَمَنْ هُوَ قَائِمٌ عَلَىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ ) الرعد - ٣٣، وقال تعالى - وهو أشمل من الآية السابقة -:( شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) آل عمران - ١٨، فأفاد أنّه قائم على الموجودات بالعدل فلا يعطي ولا يمنع شيئاً في الوجود (وليس الوجود إلّا الإعطاء والمنع) إلّا بالعدل بإعطاء كلّ شئ ما يستحقّه ثمّ بين أنّ هذا القيام بالعدل مقتضى اسميه الكريمين: العزيز الحكيم فبعزّته يقوم على كلّ شئ وبحكمته يعدل فيه.

وبالجملة لمّا كان تعالى هو المبدء الّذي يبتدى منه وجود كلّ شئ وأوصافه وآثاره لامبدء سواه إلّا وهو ينتهي إليه، فهو القائم على كلّ شئ من كل جهة بحقيقة القيام الّذي لا يشوبه فتور وخلل، وليس ذلك لغيره قطّ إلّا بإذنه بوجه، فليس له تعالى إلّا القيام من غير ضعف وفتور، وليس لغيره إلّا أن يقوم به، فهناك حصران: حصر القيام عليه، وحصره على القيام، وأوّل الحصرين هو الّذي يدلّ عليه كون القيّوم في الآية خبراً بعد خبر لله (الله القيّوم)، والحصر الثاني هو الّذي تدلّ عليه الجملة التالية أعني قوله: لا تأخذه سنة ولا نوم.

وقد ظهر من هذا البيان أنّ اسم القيّوم أمّ الأسماء الإضافيّة الثابتة له تعالى جميعاً وهي الأسماء الّتي تدلّ على معان خارجة عن الذات بوجه كالخالق والرازق والمبدأ والمعيد والمحيي والمميت والغفور والرحيم والودود وغيرها.

قوله تعالى: ( لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ ) ، السنة بكسر السين الفتور الّذي يأخذ الحيوان في أوّل النوم، والنوم هو الركود الّذي يأخذ حواسّ الحيوان لعوامل طبيعيّة تحدث في بدنه، والرؤيا غيره وهي ما يشاهده النائم في منامه.

وقد اُورد على قوله: سنة ولا نوم أنّه على خلاف الترتيب الّذي تقتضيه البلاغة فإنّ المقام مقام الترقّي، والترقّي في الإثبات إنّما هو من الأضعف إلى الأقوى كقولنا: فلان يقدر على حمل عشرة أمنان بل عشرين، وفلان يجود بالمئآت بل بالاُلوف وفي النفي

٣٤٨

بالعكس كما نقول: لا يقدر فلان على حمل عشرين ولاعشرة، ولا يجود بالاُلوف ولا بالمئآت، فكان ينبغي أن يقال: لا تأخذه نوم ولاسنة.

والجواب: أنّ الترتيب المذكور لا يدور مدار الإثبات والنفي دائماً كما يقال: فلان يجهده حمل عشرين بل عشرة ولا يصحّ العكس، بل المراد هو صحّة الترقّي وهي مختلفة بحسب الموارد، ولمّا كان أخذ النوم أقوى تأثيراً وأضرّ على القيّوميّة من السنة كان مقتضى ذلك أن ينفى تأثير السنة وأخذها أوّلاً ثمّ يترقّى إلى نفي تأثير ما هو أقوى منه تأثيراً، ويعود معنى لا تأخذه سنة ولا نوم إلى مثل قولنا: لا يؤثّر فيه هذا العامل الضعيف بالفتور في أمره ولاما هو أقوى منه.

قوله تعالى: ( لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ ) لمّا كانت القيّوميّة التامّة الّتي له تعالى لا تتمّ إلّا بأن يملك السماوات والأرض وما فيهما بحقيقة الملك ذكره بعدهما، كما أنّ التوحيد التامّ في الاُلوهيّة لا يتمّ إلّا بالقيّوميّة، ولذلك ألحقها بها أيضاً.

وهاتان جملتان كلّ واحدة منهما مقيّدة أو كالمقيّدة بقيد في معنى دفع الدخل، أعني قوله تعالى: له ما في السماوات وما في الأرض، مع قوله تعالى: من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه، وقوله تعالى: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، مع قوله تعالى: ولا يحيطون بشئ من علمه إلّا بما شاء.

فأمّا قوله تعالى: له ما في السماوات وما في الأرض، فقد عرفت معنى ملكه تعالى (بالكسر) للموجودات وملكه تعالى (بالضمّ) لها، والملك بكسر الميم وهو قيام ذوات الموجودات وما يتبعها من الأوصاف والآثار بالله سبحانه هو الّذي يدلّ عليه قوله تعالى: له ما في السماوات وما في الأرض، فالجملة تدلّ على ملك الذات وما يتبع الذات من نظام الآثار.

وقد تمّ بقوله: القيّوم لا تأخذه سنة ولانوم له ما في السماوات وما في الأرض أنّ السلطان المطلق في الوجود لله سبحانه لا تصرّف إلّا وهو له ومنه، فيقع من ذلك في الوهم أنّه إذا كان الأمر على ذلك فهذه الأسباب والعلل الموجودة في العالم

٣٤٩

ما شأنها؟ وكيف يتصوّر فيها ومنها التأثير ولا تأثير إلّا لله سبحانه؟

فاُجيب بأنّ تصرّف هذه العلل والأسباب في هذه الموجودات المعلولة توسّط في التصرّف، وبعبارة اُخرى شفاعة في موارد المسبّبات بإذن الله سبحانه، فإنّما هي شفعاء، والشفاعة - وهي بنحو توسّط في إيصال الخير أو دفع الشرّ، وتصرّف ما من الشفيع في أمر المستشفع - إنّما تنافي السلطإنّ الإلهيّ والتصرّف الربوبيّ المطلق إذا لم ينته إلى إذن الله، ولم يعتمد على مشيّة الله تعالى بل كانت مستقلّة غير مرتبطة وما من سبب من الأسباب ولا علّة من العلل إلّا وتأثيره بالله ونحو تصرّفه بإذن الله، فتأثيره وتصرّفه نحو من تأثيره وتصرّفه تعالى فلا سلطان في الوجود إلّا سلطانه ولا قيّوميّة إلّا قيّوميّته المطلقة عزّ سلطانه.

وعلى ما بيّناه فالشفاعة هي التوسّط المطلق في عالم الأسباب والوسائط أعمّ من الشفاعة التكوينيّة وهي توسّط الأسباب في التكوين، والشفاعة التشريعيّة أعني التوسّط في مرحلة المجازاة الّتي تثبتها الكتاب والسنّة في يوم القيامة على ما تقدّم البحث عنها في قوله تعالى:( وَاتَّقُوا يَوْمًا لَّا تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا ) البقرة - ٤٨، وذلك أنّ الجملة أعني قوله تعالى: من ذا الّذي يشفع عنده، مسبوقة بحديث القيّوميّة والملك المطلق الشاملين للتكوين والتشريع معاً، بل المتماسّين بالتكوين ظاهراً فلا موجب لتقييدهما بالقيّوميّة والسلطنة التشريعيّتين حتّى يستقيم تذييل الكلام بالشفاعة المخصوصة بيوم القيامة.

فمساق هذه الآية في عموم الشفاعة مساق قوله تعالى:( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ ) يونس - ٣، وقوله تعالى:( اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَىٰ عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُم مِّن دُونِهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا شَفِيعٍ ) الم السجدة - ٤، وقد عرفت في البحث عن الشفاعة أنّ حدّها كما ينطبق على الشفاعة التشريعيّة كذلك ينطبق على السببيّة التكوينيّة، فكل سبب من الأسباب يشفع عند الله لمسبّبه بالتمسّك بصفات فضله وجوده ورحمته لإيصال نعمة الوجود إلى مسبّبه، فنظام

٣٥٠

السببيّة بعينه ينطبق على نظام الشفاعة كما ينطبق على نظام الدعاء والمسألة، قال تعالى:( يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ) الرحمن - ٢٩، وقال تعالى:( وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ ) إبراهيم - ٣٤، وقد مرّ بيانه في تفسير قوله تعالى:( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي ) البقرة - ١٨٦.

قوله تعالى: ( يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) ، سياق الجملة مع مسبوقيّتها بأمر الشفاعة يقرب من سياق قوله تعالى:( بَلْ عِبَادٌ مُّكْرَمُونَ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُم بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَىٰ وَهُم مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ ) الأنبياء - ٢٨، فالظاهر أنّ ضمير الجمع الغائب راجع إلى الشفعاء الّذي تدلّ عليه الجملة السابقة معنى فعلمه تعالى بما بين أيديهم وما خلفهم كناية عن كمال إحاطته بهم، فلا يقدرون بواسطة هذه الشفاعة والتوسّط المأذون فيه على إنفاذ أمر لا يريده الله سبحانه ولا يرضى به في ملكه، ولا يقدر غيرهم أيضاً أن يستفيد سوئاً من شفاعتهم ووساطتهم فيداخل في ملكه تعالى فيفعل فيه ما لم يقدّره.

وإلى نظير هذا المعنى يدلّ قوله تعالى:( وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا وَمَا بَيْنَ ذَٰلِكَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا ) مريم - ٦٤، وقوله تعالى:( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَىٰ غَيْبِهِ أَحَدًا إِلَّا مَنِ ارْتَضَىٰ مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِّيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَىٰ كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا ) الجنّ - ٢٨، فإنّ الآيات تبيّن إحاطته تعالى بالملائكة والأنبياء لئلّا يقع منهم ما لم يرده، ولا يتنزّلوا إلّا بأمره، ولا يبلّغوا إلّا ما يشاؤه. وعلى ما بيّناه فالمراد بما بين أيديهم: ما هو حاضر مشهود معهم، وبما خلفهم: ما هو غائب عنهم بعيد منهم كالمستقبل من حالهم، ويؤل المعنى إلى الشهادة والغيب.

وبالجملة قوله: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، كناية عن إحاطته تعالى بما هو حاضر معهم موجود عندهم وبما هو غائب عنهم آت خلفهم، ولذلك عقبه بقوله تعالى: ولا يحيطون بشئ من علمه إلّا بما شاء، تبييناً لتمام الإحاطة الربوبيّة والسلطة

٣٥١

الإلهيّة أي إنّه تعالى عالم محيط بهم وبعلمهم وهم لا يحيطون بشئ من علمه إلّا بما شاء.

ولا ينافي إرجاع ضمير الجمع المذكّر العاقل وهو قوله( هُم ) في المواضع الثلاثة إلى الشفعاء ما قدّمناه من أنّ الشفاعة أعمّ من السببيّة التكوينيّة والتشريعيّة، وأنّ الشفعاء هم مطلق العلل والأسباب، وذلك لأنّ الشفاعة والوساطة والتسبيح والتحميد لما كان المعهود من حالها أنّها من أعمال أرباب الشعور والعقل شاع التعبير عنها بما يخصّ اُولي العقل من العبارة. وعلى ذلك جرى ديدن القرآن في بيّناته كقوله تعالى:( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِن لَّا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ ) الأسراء - ٤٤، وقوله تعالى:( ثُمَّ اسْتَوَىٰ إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ ) فصّلت - ١١، إلى غير ذلك من الآيات.

وبالجملة قوله: ولا يحيطون بشئ من علمه إلّا بما شاء، يفيد معنى تمام التدبير وكماله، فإنّ من كمال التدبير أن يجهل المدبّر (بالفتح) بما يريده المدبّر (بالكسر) من شأنه ومستقبل أمره لئلّا يحتال في التخلّص عمّا يكرهه من أمر التدبير فيفسد على المدبّر (بالكسر) تدبيره، كجماعة مسيّرين على خلاف مشتهاهم ومرادهم فيبالغ في التعمية عليهم حتّى لا يدروا من أين سيروا، وفي أين نزلوا، وإلى أين يقصد بهم.

فيبيّن تعالى بهذه الجملة أنّ التدبير له وبعلمه بروابط الأشياء الّتي هو الجاعل لها، وبقيّة الأسباب والعلل وخاصّة اُولوا العلم منها وإن كان لها تصرّف وعلم لكن ما عندهم من العلم الّذي ينتفعون به ويستفيدون منه فإنّما هو من علمه تعالى وبمشيّته وإرادته، فهو من شئون العلم الإلهيّ، وما تصرّفوا به فهو من شئون التصرّف الإلهيّ وأنحاء تدبيره، فلا يسع لمقدم منهم أن يقدم على خلاف ما يريده الله سبحانه من التدبير الجاري في مملكته إلّا وهو بعض التدبير.

وفي قوله تعالى: ولا يحيطون بشئ من علمه إلّا بما شاء، على تقدير أن يراد بالعلم المعنى المصدريّ أو معنى اسم المصدر لا المعلوم دلالة على أنّ العلم كلّه لله ولا يوجد من العلم عند عالم إلّا وهو شئ من علمه تعالى، ونظيره ما يظهر من كلامه تعالى من

٣٥٢

اختصاص القدرة والعزّة والحياة بالله تعالى، قال تعالى:( وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُوا إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ) البقرة - ١٦٥، وقال تعالى:( أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا ) النساء - ١٣٩، وقال تعالى:( هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) المؤمن - ٦٥، ويمكن أن يستدلّ على ما ذكرناه من انحصار العلم بالله تعالى بقوله:( إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) يوسف - ٨٣، وقوله تعالى:( وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ) آل عمران - ٦٦، إلى غير ذلك من الآيات، وفي تبديل العلم بالإحاطة في قوله: ولا يحيطون بشئ من علمه، لطف ظاهر.

قوله تعالى: ( وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) ، الكرسيّ معروف وسمّي به لتراكم بعض أجزائه بالصناعة على بعض، وربّما كنّي بالكرسيّ عن الملك فيقال: كرسيّ الملك، ويراد منطقة نفوذه ومتّسع قدرته.

وكيف كان فالجمل السابقة على هذه الجملة أعني قوله: له ما في السماوات وما في الأرض الخ، تفيد أنّ المراد بسعة الكرسيّ إحاطة مقام السلطنة الإلهيّة، فيتعيّن للكرسيّ من المعنى: أنّه المقام الربوبيّ الّذي يقوم به ما في السماوات والأرض من حيث إنّها مملوكة مدبّرة معلومة، فهو من مراتب العلم، ويتعيّن للسعة من المعنى: أنّها حفظ كلّ شئ ممّا في السماوات والأرض بذاته وآثاره، ولذلك ذيّله بقوله: ولا يؤده حفظهما.

قوله تعالى: ( وَلَا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ ) ، يقال: آده يؤده أوداً إذا ثقل عليه وأجهده وأتعبه، والظاهر أنّ مرجع الضمير في يؤده، هو الكرسيّ وإن جاز رجوعه إليه تعالى، ونفي الأود والتعب عن حفظ السماوات والأرض في ذيل الكلام ليناسب ما افتتح به من نفى السنة والنوم في القيّوميّة على ما في السماوات والأرض.

ومحصّل ما تفيده الآية من المعنى: إنّ الله لا إله إلّا هو له كلّ الحياة وله القيّوميّة المطلقة من غير ضعف ولافتور، ولذلك وقع التعليل بالاسمين الكريمين: العليّ العظيم فإنّه تعالى لعلوّه لا تناله أيدي المخلوقات فيوجبوا بذلك ضعفاً في وجوده وفتوراً في أمره، ولعظمته لا يجهده كثرة الخلق ولا يطيقه عظمة السماوات

٣٥٣

والأرض، وجملة: وهو العليّ العظيم، لا تخلو عن الدلالة على الحصر، وهذا الحصر إمّا حقيقيّ كما هو الحقّ، فإنّ العلوّ والعظمة من الكمال وحقيقة كلّ كمال له تعالى، وإمّا دعوىّ لمسيس الحاجة إليه في مقام التعليل ليختصّ العلوّ والعظمة به تعالى دعوى، فيسقط السماوات والأرض عن العلوّ والعظمة في قبال علوّه وعظمته تعالى.

( بحث روائي)

في تفسير العيّاشيّ عن الصادقعليه‌السلام قال: قال أبوذرّ: يا رسول الله ما أفضل ما اُنزل عليك؟ قال: آية الكرسيّ، ما السماوات السبع والأرضون السبع في الكرسيّ إلّا كحلقة ملقاة بأرض فلاة ثمّ قال: وإنّ فضل العرش على الكرسيّ كفضل الفلاة على الحلقة.

اقول: وروي صدر الرواية السيوطيّ في الدرّ المنثورعن ابن راهويه في مسنده عن عوف بن مالك عن أبي ذرّ، ورواه أيضاً عن أحمد وابن الضريس والحاكم وصحّحه والبيهقيّ في شعب الإيمان عن أبي ذرّ.

وفي الدرّ المنثور أخرج أحمد والطبرانيّ عن أبي أمامة، قال: قلت: يا رسول الله أيّما اُنزل عليك أعظم؟ قال: الله لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم، آية الكرسيّ.

اقول: وروي فيه هذا المعنى أيضاً عن الخطيب البغداديّ في تاريخه عن أنس عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم .

وفيه أيضاً عن الدارميّ عن أيفع بن عبدالله الكلاغيّ، قال: قال: رجل: يا رسول الله أيّ آية في كتاب الله أعظم؟ قال: آية الكرسيّ: الله لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم، الحديث.

اقول: تسمية هذه الآية بآية الكرسيّ ممّا قد اشتهرت في صدر الإسلام حتّى في زمان حياة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم حتّى في لسانه كما تفيده الروايات المنقولة عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم وعن أئمّة أهل البيتعليهم‌السلام وعن الصحابة. وليس إلّا للاعتناء التامّ بها وتعظيم أمرها، وليس إلا لشرافة ما تدلّ عليه من المعنى ورقّته ولطفه، وهو التوحيد الخالص

٣٥٤

المدلول عليه بقوله: الله لا إله إلّا هو، ومعنى القيّوميّة المطلقة الّتي يرجع إليه جميع الأسماء الحسنى ما عدا أسماء الذات على ما مرّ بيانه، وتفصيل جريان القيّوميّة في ما دقّ وجلّ من الموجودات من صدرها إلىّ ذيلها ببيان أنّ ما خرج منها من السلطنة الإلهيّة فهو من حيث إنّه خارج منها داخل فيها، ولذلك ورد فيها أنّها أعظم آية في كتاب الله، وهو كذلك من حيث اشتمالها على تفصيل البيان، فإنّ مثل قوله تعالى،( اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَىٰ ) طه - ٨، وإن اشتملت على ما تشتمل عليه آية الكرسيّ غير أنّها مشتملة على إجمال المعنى دون تفصيله، ولذا ورد في بعض الأخبار أنّ آية الكرسيّ سيّدة آي القرآن رواها في الدرّ المنثور عن أبي هريرة عن النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وورد في بعضها أنّ لكلّ شئ ذروة وذروة القرآن آية الكرسيّ، رواها العيّاشيّ في تفسيره عن عبدالله بن سنان عن الصادقعليه‌السلام .

وفي أمالي الشيخ بإسناده عن أبي أمامة الباهليّ: أنّه سمع عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام يقول: ما أرى رجلاً أدرك عقله الإسلام أو ولد في الإسلام يبيت ليلة سوادها. قلت: وما سوادها؟ قال: جميعها حتّى يقرء هذه الآية: الله لا إله إلّا هو الحيّ القيّوم فقرء الآية إلى قوله: ولا يؤده حفظهما وهو العليّ العظيم. قال: فلو تعلمون ما هي أو قال: ما فيها ما تركتموها على حال إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم قال: أعطيت آية الكرسيّ من كنز تحت العرش، ولم يؤتها نبيّ كان قبلي، قال عليّ فما بتّ ليلة قطّ منذ سمعتها من رسول الله إلّا قرئتها، الحديث.

اقول: وروي هذا المعنى في الدرّ المنثور عن عبيد وابن أبي شيبة والدارميّ ومحمّد بن نصر وابن الضريس عنهعليه‌السلام ، ورواه أيضاً عن الديلميّ عنهعليه‌السلام ، والروايات من طرق الشيعة وأهل السنّة في فضلها كثيرة، وقولهعليه‌السلام : إنّ رسول الله قال: اُعطيت آية الكرسيّ من كنز تحت العرش، روي في هذا المعنى أيضاً في الدرّ المنثور عن البخاريّ في تاريخه وابن الضريس عن انس أنّ النبيّ قال: اُعطيت آية الكرسيّ من تحت العرش، فيه إشارة إلى كون الكرسيّ تحت العرش ومحاطاً له وسيأتي الكلام في بيانه.

٣٥٥

وفي الكافي عن زرارة قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ: وسع كرسيّه السماوات والأرض، السماوات والأرض وسعن الكرسيّ أو الكرسيّ وسع السماوات والأرض؟ فقالعليه‌السلام : إنّ كلّ شئ في الكرسيّ.

اقول: وهذا المعنى مرويّ عنهم في عدّة روايات بما يقرب من هذا السؤال والجواب وهو بظاهره غريب، إذ لم يرو قرائة كرسيّه بالنصب والسماوات والأرض بالرفع حتّى يستصحّ بها هذا السؤال، والظاهر أنّه مبنيّ على ما يتوهّمه الأفهام العاميّة أنّ الكرسيّ جسم مخصوص موضوع فوق السماوات أو السماء السابعة (أعني فوق عالم الأجسام) منه يصدر أحكام العالم الجسمانيّ، فيكون السماوات والأرض وسعته إذ كان موضوعاً عليها كهيئة الكرسيّ على الأرض، فيكون معنى السؤال أنّ الأنسب أنّ السماوات والأرض وسعت الكرسيّ فما معنى سعته لها؟ وقد قيل بنظير ذلك في خصوص العرش فاُجيب بأنّ الوسعة من غير سنخ سعة بعض الأجسام لبعض.

وفي المعاني عن حفص بن الغياث قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن قول الله عزّوجلّ: وسع كرسيّه السماوات والأرض، قال: علمه.

وفيه أيضاً عنهعليه‌السلام في الآية السماوات والأرض وما بينهما في الكرسيّ، والعرش هو العلم الّذي لا يقدّر أحد قدره.

أقول: ويظهر من الروايتين: أنّ الكرسيّ من مراتب علمه تعالى كما مرّ استظهاره، وفي معناهما روايات اُخرى.

وكذا يظهر منهما وممّا سيجئ: أنّ في الوجود مرتبة من العلم غير محدودة أعني أنّ فوق هذا العالم الّذي نحن من أجزائها عالماً آخر موجوداتها اُمور غير محدودة في وجودها بهذه الحدود الجسمانيّة، والتعيّنات الوجوديّة الّتي لوجوداتنا، وهي في عين أنّها غير محدودة معلومة لله سبحانه أي أنّ وجودها عين العلم، كما أنّ الموجودات المحدودة الّتي في الوجود معلومة لله سبحانه في مرتبة وجودها أي إنّ وجودها نفس علمه تعالى بها وحضورها عنده، ولعلّنا نوفّق لبيان هذا العلم المسمّى بالعلم الفعليّ

٣٥٦

فيما سيأتي من الموارد المناسبة.

وما ذكرناه من علم غير محدود هو الّذي يرشد إليه قولهعليه‌السلام في الرواية: والعرش هو العلم الّذي لا يقدّر أحد قدره، ومن المعلوم أنّ عدم التقدير والتحديد ليس من حيث كثرة معلومات هذا العلم عدداً، لاستحالة وجود عدد غير متناه، وكلّ عدد يدخل الوجود فهو متناه، لكونه أقلّ ممّا يزيد عليه بواحد، ولو كان عدم تناهي العلم أعني العرش لعدم تناهي معلوماته كثرة لكان الكرسيّ بعض العرش لكونه أيضاً علماً وإن كان محدوداً، بل عدم التناهي والتقدير إنّما هو من جهة كمال الوجود أي إنّ الحدود والقيود الوجوديّة يوجب التكثّر والتميّز والتمايز بين موجودات عالمنا المادّيّ، فتوجب انقسام الأنواع بالأصناف والأفراد، والأفراد بالحالات، والإضافات غير موجودة فينطبق على قوله تعالى:( وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلَّا عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلَّا بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ) الحجر - ٢١، وسيجئ تمام الكلام فيه إنشاء الله تعالى.

وهذه الموجودات كما أنّها معلومة بعلم غير مقدّر أي موجودة في ظرف العلم وجوداً غير مقدّر كذلك هي معلومة بحدودها، موجودة في ظرف العلم بأقدارها وهذا هو الكرسيّ على ما يستظهر.

وربّما لوح إليه أيضاً قوله تعالى فيها: يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم، حيث جعل المعلوم: ما بين أيديهم وما خلفهم، وهما أعني ما بين الأيدي وما هو خلف غير مجتمع الوجود في هذا العالم المادّيّ، فهناك مقام يجتمع فيه جميع المتفرّقات الزمانيّة ونحوها، وليست هذه الوجودات وجودات غير متناهية الكمال غير محدودة ولا مقدّرة وإلّا لم يصحّ الاستثناء من الإحاطة في قوله تعالى: ولا يحيطون بشئ من علمه إلّا بما شاء، فلا محالة هو مقام يمكن لهم الإحاطة ببعض ما فيه فهو مرحلة العلم بالمحدودات والمقدّرات من حيث هي محدودة مقدّرة والله اعلم.

وفي التوحيد عن حنّان قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام عن العرش والكرسيّ فقالعليه‌السلام إنّ للعرش صفات كثيرة مختلفة له في كلّ سبب وصنع في القرآن صفة على حدة، فقوله: ربّ العرش العظيم يقول: ربّ الملك العظيم، وقوله: الرحمن على العرش استوى،

٣٥٧

يقول على الملك احتوى، وهذا علم الكيفوفيّة في الأشياء، ثمّ العرش في الوصل مفرد عن الكرسيّ، لأنّهما بابان من أكبر أبواب الغيوب، وهما جميعاً غيبان، وهما في الغيب مقرونان، لأنّ الكرسيّ هو الباب الظاهر من الغيب الّذي منه مطلع البدع ومنه الأشياء كلّها، والعرش هو الباب الباطن الّذي يوجد فيه علم الكيف والكون والقدر والحدّ والمشيّة وصفة الإرادة وعلم الألفاظ والحركات والترك وعلم العود والبدء، فهما في العلم بابان مقرونان، لأنّ ملك العرش سوى ملك الكرسيّ، وعلمه أغيب من علم الكرسيّ، فمن ذلك قال: ربّ العرش العظيم، أي صفته أعظم من صفة الكرسيّ، وهما في ذلك مقرونان: قلت: جعلت فداك فلم صار في الفضل جار الكرسيّ؟، قالعليه‌السلام : إنّه صار جارها لأنّ علم الكيفوفيّة فيه، وفيه الظاهر من أبواب البداء وإنّيّتها وحدّ رتقها وفتقها، فهذان جاران أحدهما حمل صاحبه في الظرف، وبمثل صرف العلماء، وليستدلّوا على صدق دعواهما لأنّه يختصّ برحمته من يشاء وهو القوّي العزيز.

أقول: قولهعليه‌السلام : لأنّ الكرسيّ هو الباب الظاهر من الغيب، قد عرفت الوجه فيه إجمالاً، فمرتبه العلم المقدّر المحدود أقرب إلى عالمنا الجسمانيّ المقدّر المحدود ممّا لا قدر له ولا حدّ، وسيجئ شرح فقرات الرواية في الكلام على قوله تعالى:( إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ ) الأعراف - ٥٤، وقولهعليه‌السلام : وبمثل صرّف العلماء، إشارة إلى أنّ هذه الألفاظ من العرش والكرسيّ ونظائرها أمثال مصرّفة مضروبة للناس وما يعقلها إلّا العالمون.

وفي الاحتجاج عن الصادقعليه‌السلام : في حديث: كلّ شئ خلق الله في جوف الكرسيّ خلا عرشه فإنّه أعظم من أن يحيط به الكرسيّ.

اقول: وقد تقدّم توضيح معناه، وهو الموافق لسائر الروايات، فما وقع في بعض الأخبار أنّ العرش هو العلم الّذي اطّلع الله عليه أنبيائه ورسله، والكرسيّ هو العلم الّذي لم يطّلع عليه أحداً كما رواه الصدوق عن المفضّل عن الصادقعليه‌السلام كأنّه من وهم الراوي بتبديل موضعي اللفظين أعني العرش والكرسيّ، أو أنّه مطروح

٣٥٨

كالرواية المنسوبة إلى زينب العطّارة.

وفي تفسير العيّاشيّ عن عليّعليه‌السلام قال: إنّ السماء والأرض وما بينهما من خلق مخلوق في جوف الكرسيّ، وله أربعة أملاك يحملونه بأمر الله.

اقول: ورواه الصدوق عن الأصبغ بن نباتة عنهعليه‌السلام ، ولم يرو عنهمعليهم‌السلام للكرسيّ حملة إلّا في هذه الرواية، بل الأخبار إنّما تثبت الحملة للعرش وفقاً لكتاب الله تعالى كما قال:( الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ ) المؤمن - ٧، وقال تعالى:( وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ ) الحاقّة - ١٧، ويمكن أن يصحّح الخبر بأنّ الكرسيّ - كما سيجئ بيانه - يتّحد مع العرش بوجه اتّحاد ظاهر الشئ بباطنه. وبذلك يصحّ عدّ حملة أحدهما حملة للآخر.

وفي تفسير العيّاشيّ أيضاً عن معوية بن عمّار عن الصادقعليه‌السلام قال: قلت: من ذا الّذي يشفع عنده إلّا بإذنه قال: نحن اُولئك الشافعون.

اقول: ورواه البرقيّ أيضاً في المحاسن، وقد عرفت أنّ الشفاعة في الآية مطلقة تشمل الشفاعة التكوينيّة والتشريعيّة معاً، فتشمل شفاعتهمعليهم‌السلام ، فالرواية من باب الجري.

٣٥٩

( سورة البقرة آية ٢٥٦ - ٢٥٧)

لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ( ٢٥٦ ) اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ ( ٢٥٧ )

( بيان)

قوله تعالى: ( لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ) ، الإكراه هو الإجبار والحمل على الفعل من غير رضى، والرشد بالضمّ والضمّتين: إصابة وجه الأمر ومحجّة الطريق ويقابله الغىّ، فهما أعمّ من الهدى والضلال، فإنّهما إصابة الطريق الموصل وعدمها على ما قيل، والظاهر أنّ استعمال الرشد في إصابة محجّة الطريق من باب الانطباق على المصداق، فإنّ إصابة وجه الأمر من سالك الطريق أن يركب المحجّة وسواء السبيل، فلزومه الطريق من مصاديق إصابة وجه الأمر، فالحقّ أنّ معنى الرشد والهدى معنيان مختلفان ينطبق أحدهما بعناية خاصّة على مصاديق الآخر وهو ظاهر، قال تعالى:( فَإِنْ آنَسْتُم مِّنْهُمْ رُشْدًا ) النساء - ٦، وقال تعالى:( وَلَقَدْ آتَيْنَا إِبْرَاهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ ) الأنبياء - ٥١، وكذلك القول في الغيّ والضلال، ولذلك ذكرنا سابقاً: أنّ الضلال هو العدول عن الطريق مع ذكر الغاية والمقصد، والغىّ هو العدول مع نسيان الغاية فلا يدري الإنسان الغويّ ماذا يريد وماذا يقصد.

وفي قوله تعالى: لا إكراه في الدين، نفى الدين الإجباري، لما أنّ الدين وهو سلسلة من المعارف العلميّة الّتي تتبعها اُخرى عمليّة يجمعها أنّها اعتقادات، والاعتقاد والإيمان من الاُمور القلبيّة الّتي لا يحكم فيها الإكراه والإجبار، فإنّ الإكراه

٣٦٠

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

طهرت تغسل رأسها بالخطمي؟ فقال: يجزيها الماء "(١) .

٢٧٥٩ - وروى جميل عنه عليه السلام أنه قال " في الحائض إذا قدمت مكة يوم التروية إنها تمضي كما هي إلى عرفات فتجعلها حجة ثم تقيم حتى تطهر فتخرج إلى التنعيم فتحرم فتجعلها عمرة "(٢) .

٢٧٦٠ - وروى صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت حتى تخرج إلى عرفات، فقال: تصير حجة مفردة وعليها دم اضحيتها "(٣) .

٢٧٦١ - وروى صفوان، عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن رجل كانت معه امرأة فقدمت مكة وهي لا تصلي فلم تطهر إلا يوم التروية وطهرت وطافت بالبيت ولم تسع بن الصفا والمروة(٤) حتى شخصت إلى عرفات هل تعتد بذلك الطواف أو تعيد قبل الصفا والمروة؟ قال: تعتد بذلك الطواف الاول وتبني عليه"(٥) .

٢٧٦٢ - وروى أبان، عن زرارة قال: " سألته عن امرأة طافت بالبيت فحاضت

___________________________________

(١) يدل على استحباب اجتناب المحرمة من الخطمى. (م ت)

(٢) يدل على أنها إذا قدمت مكة وهى حائض تجعل عمرتها حجة وتحج وتعتمر بعده.

(٣) رواه الشيخ ره في الاستبصار ج ٢ ص ٣١٠: وفيه " عليها دم تهريقه وهى اضحيتها " وقال الشيخ محمولة على الاستحباب دون الوجوب لانه إذا فاتتها المتعة صارت حجتها مفردة وليس على المفرد هدى انتهى، وقيل: لعل في العدول عن الهدى إلى الاضحية اشعارا بان ذلك على الاستحباب.

(٤) اما لضيق الوقت أو لنسيان، وقيل: ظاهر العبارة مشعر بأنه لم يفت منها من أفعال العمرة الا السعى فتكون قد قصرت وأحرمت بالحج.

(٥) الظاهر أنها قصرت وأحلت وأهلت بالحج ولم تسع فحينئذ تقضى السعى ولو طافت وذهبت إلى عرفات فيمكن أن تصير حجها مفردا ويكون عدم الاحتياج إلى الطواف لذلك، أو يكون مغتفرا بالنظر إلى المعذور الجاهل أو أحدهما وهو الاظهر من الخبر. (م ت)

٣٨١

قبل أن تصلي الركعتين فقال: ليس عليها إذا طهرت إلا الركعتين وقد قضت الطواف "(١) .

٢٧٦٣ - وروى أبان، عن فضيل بن يسار عن أبي جعفر عليه السلام قال: " إذا طافت المرأة طواف النساء فطافت أكثر من النصف فحاضت نفرت إن شاء‌ت "(٣) .

٢٧٦٤ - وروى صفوان، عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن جارية لم تحض خرجت مع زوجها وأهلها فحاضت فاستحيت أن تعلم أهلها وزوجها حتى قضت المناسك وهي على تلك الحالة وواقعها زوجها ورجعت إلى الكوفة، فقالت لاهلها: قد كان من الامر كذا وكذا، فقال: عليها سوق بدنة والحج من قابل(٣) وليس على زوجها شئ ".

٢٧٦٥ - وروى فضالة بن أيوب، عن الكاهلي قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن النساء في إحرامهن، فقال: يصلحن ما أردن أن يصلحن(٤) فإذا وردن الشجرة أهللن بالحج ولبين عند الميل أول البيداء، ثم يؤتى بهن مكة يبادر بهن الطواف السعي(٥) فإذا قضين طوافهن وسعيهن قصرن وجازت(٦) متعة، ثم أهللن يوم التروية بالحج

___________________________________

(١) يدل على أنها إذا حاضت بعد الطواف وقبل الصلاة صحت متعتها.

(٢) قال العلامة المجلسى رحمه الله: لعل الاوفق باصول الاصحاب حمله على الاستنابة في بقية الطواف وان كان ظاهر الخبر الاجتزاء بذلك كظاهر كلام الشيخ في التهذيب (ج ١ ص ٥٦٠ والعلامة في التحرير والاحوط الاستنابة.

(٣) سوق بدنة حمل على ما إذا كانت عالمة بالحكم واستحيت عن اظهار ذلك (المرآة) والحج بسبب أنها كانت محرمة لم تحل لان الطوافين اللذين وقع منها كانا باطلين لعدم الطهارة لكن الجماع وقع بعد الموقفين الا أن يقال عمرة التمتع بمنزلة جزء الحج فكانها كانت في العمرة لعدم التحلل فيكون قبل المشعر كما في الرواية وقبل الموقفين كما قاله الاصحاب أو لان حجها كانت باطلة فليزم عليها حجة الاسلام لا حج العقوبة وهو الاظهر. (م ت)

(٤) يعنى من حلق العانة أو نتفها والنورة وغير ذلك ولما قبح ذكر بعض هذه الاشياء عبر عنه بهذه العبارة. (م ت)

(٥) لئلا يحصل الحيض بالتأخير. (م ت)

(٦) في بعض النسخ " صارت ".

٣٨٢

وكانت عمرة وحجة، وإن اعتللن كن على حجهن(١) ولم يفردن حجهن ".

٢٧٦٦ - وروى حريز، عن محمد بن مسلم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن امرأة طافت ثلاثة أطوف أو أقل من ذلك ثم رأت دما، فقال: تحفظ مكانها فإذا طهرت طافت منه واعتدت بما مضى "(٢) .

وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام مثله.

قال مصنف هذا الكتاب - رضي الله عنه -: وبهذا الحديث افتي دون الحديث الذي رواه:

٢٧٦٧ - ابن مسكان، عن إبراهيم بن إسحاق، عمن سأل أبا عبدالله عليه السلام " عن امرأة طافت أربعة أشواط وهي معتمرة ثم طمثت، قال: تتم طوافها وليس عليها غيره، ومتعتها تامة، ولها أن تطوف بين الصفا والمروة لانها زادت على النصف وقد قضت متعتها فلتستأنف بعد الحج، وإن هي لم تطف إلا ثلاثة أشواط فلتستأنف بعد الحج فان أقام بها جمالها بعد الحج فلتخرج إلى الجعر انه أو إلى التنعيم فلتعتمر "(٣) .

لان هذا الحديث إسناده منقطع والحديث الاول رخصة ورحمة، وإسناده متصل وإنما لا تسعى الحائض التي حاضت قبل الاحرام بين الصفا والمروة وتقضي المناسك

___________________________________

(١) أى حج التمتع بقرينة " ولم يفردن حجهن " ويحتمل أن يكون المراد حج الافراد وقوله " ولم يفردن " أى في أول الامر بل ان حصل العذر أفردن.(م ت)

(٢) قال المولى المجلسى رحمه الله: يدل على الاكتفاء بالثلاث وان لم يتجاوز النصف.

وحمله الشيخ على طواف النافلة وقال: ان طواف الفريضة متى نقص عن النصف يجب على صاحبه استينافه من أوله ولا يجوز البناء عليه ان كان أقل من النصف ويجوز في النافلة البناء.

(٣) ذكر المصنف للمعارضة خبرا واحدا مع أنه وردت أخبار كمرسل الكلينى عن أحمد بن عمر الحلال عن أبى الحسن عليه السلام وما رواه في الضعيف عن أبى بصير عن أبى عبدالله عليه السلام في الكافى ج ٤ ص ٤٤٨ و ٤٤٩، وما رواه الشيخ في الضعيف عن سعيد الاعرج عن الصادق عليه السلام في التهذيب ج ١ ص ٥٥٩.

٣٨٣

كلها لانها لا تقدر أن تقف بعرفة إلا عشية عرفة ولا بالمشعر(١) إلا يوم النحر ولا ترمي الجمار إلا بمنى(٢) وهذا إذا طهرت قضته.

باب الوقت الذى إذا أدركه الانسان يكون مدركا للتمتع  (٣)

٢٧٦٨ - روى ابن أبي عمير، عن هشام بن سالم، ومرازم، وشعيب عن أبي عبدالله عليه السلام " في الرجل المتمتع يدخل ليلة عرفة فيطوف ويسعى ثم يحرم(٤) فيأتي منى فقال: لا بأس ".

٢٧٦٩ - وروى الحسين بن سعيد(٥) عن حماد، عن محمد بن ميمون قال: " قدم أبوالحسن عليه السلام متمتعا ليلة عرفة فطاف وأحل وأتى بعض جواريه، ثم أهل

___________________________________

(١) لعل مراده أنه إذا حاضت قبل السعى أو قبل احرام الحج انما تؤخر السعى وتقضيه بعد، بخلاف مناسك الحج فانها تفعلها حائضا لان لافعال الحج أوقاته معينة لا يمكن تجاوزها فليس لها أن تؤخرها إلى أن تطهر فهى مقدورة فيها بخلاف السعى (سلطان) أقول: روى الشيخ في الاستبصار ج ٢ ص ٣١٤ مسندا عن عمر بن يزيد قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الطامث، قال تقضى المناسك كلها غير أنها لا تطوف بين الصفا والمروة، قال: قلت: فان بعض ما تقضى من المناسك أعظم من الصفا والمروة والموقف فما بالها تقضى المناسك ولا تطوف بين الصفا والمروة؟ قال: لان الصفا والمروة تطوف بهما إذا شاء‌ت، وان هذه المواقف لا تقدر أن تقضيها إذا فاتها ".

(٢) كل ذلك في الايام المخصوصة.

(٣) وسيأتى الكلام فيه ان شاء الله تعالى.

(٤) في الكافى ج ٤ ص ٤٤٣ ثم يحل ثم يحرم ".

(٥) في أكثر النسخ " روى الحلبى عن أحدهما عن حماد، عن محمد بن ميمون " وهو تصحيف والصواب ما في بعض النسخ كما في الكافى والتهذيب ولذا اخترناه في المتن.

٣٨٤

بالحج وخرج "(١) .

٢٧٧٠ - وروي عن أبي بصير قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " المرأة تجئ متمتعة فتطمث قبل أن تطوف بالبيت فيكون طهرها ليلة عرفة، فقال عليه السلام: إن كانت تعلم أنها تطهر وتطوف وتحل من إحرامها وتلحق الناس بمنى فلتفعل ".

٢٧٧١ - وروى النضر، عن شعيب العقرقوفي قال: " خرجت أنا وحديد فانتهينا إلى البستان(٢) يوم التروية فتقدمت على حمار فقدمت مكة وطفت وسعيت وأحللت من تمتعي، ثم أحرمت بالحج، وقدم حديد من الليل فكتبت إلى أبي الحسن عليه السلام استفتيته في أمره، فكتب إلي: مره يطوف ويسعى ويحل من متعته ويحرم بالحج ويلحق الناس بمنى ولا يبيتن بمكة "(٣) .

٢٧٧٢ - وروى الحسن بن محبوب، عن علي بن رئاب، عن ضريس الكناسي عن أبي جعفر عليه السلام قال: " سألته عن رجل خرج متمتعا بعمرة إلى الحج فلم يبلغ مكة إلا يوم النحر، فقال: يقيم بمكة على إحرامه ويقطع التلبية حين يدخل الحرم فيطوف بالبيت ويسعى ويلحق رأسه ويذبح شاته، ثم ينصرف إلى أهله، ثم قال: هذا لمن اشترط على ربه عند إحرامه أن يحله حيث حبسه، فإن لم يشترط فإن عليه الحج والعمرة من قابل "(٤) .

___________________________________

(١) أى خرج إلى منى والخبر يدل على ادراك التمتع بادراك ليلة عرفة.

(٢) هو وادى فاطمة أو قرية النارنج أو غيرهما، ويوم التروية هو الثامن من ذى الحجة. (م ت)

(٣) النهى للكراهة لاستحباب البيتوتة بمنى مهما أمكن ولو ببعض الليل.

(٤) ذكر هذا الخبر في باب الاشتراط في الاحرام أو في الباب الذى بعده أنسب، و قال في المدارك: استشكل العلامة في المنتهى بان الحج الفائت ان كان واجبا لم يسقط فرضه في العام المقبل بمجرد الاشتراط، وان لم يكن واجبا لم يجب بترك الاشتراط، قال: والوجه في هذه الرواية حمل الزام الحج في القابل مع ترك الاشتراط على شدة الاستحباب وهو حسن وقوله: " ويحلق رأسه " أى يأتى بعمرة مفردة، وقوله " ويذبح شاته " الظاهر أن المراد بهادم الاضحية.

٣٨٥

باب الوقت الذى متى أدركه الانسان كان مدركا للحج

٢٧٧٣ - روى ابن أبي عمير، عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أدرك المشعر الحرام على خمسة من الناس فقد أدرك الحج "(١) .

٢٧٧٤ - وروى ابن أبي عمير، عن جميل بن دارج عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أدرك الموقف بجمع يوم النحر من قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج "(٢) .

٢٧٧٥ - وروى عبدالله بن المغيرة، عن إسحق بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " من أدرك المشعر الحرام(٣) قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج ".

ورواه إسحاق بن عمار عن أبي الحسن موسى بن جعفر عليهما السلام(٤) .

٢٧٧٦ - وروى معاوية بن عمار قال: قال لي أبو عبدالله عليه السلام: " إذا ادرك الزوال(٥) فقد أدرك الموقف ".

___________________________________

(١) الظاهر أنه كناية عن ادراك آخر وقت الوقوف بالمشعر حيث هب الناس، ويدل على ادراك الحج باضطرارى المشعر.

وفى بعض النسخ " وعليه خمسة من الناس ".

(٢) يعنى أنه لا يفوت حجة من حيث فوت الوقوف بالمشعر حيث أدرك وقوفه الاضطرارى وهو بعد طلوع الشمس إلى الزوال، لا أنه يكفى عن جميع المناسك.

قال العلامة رحمه الله في القواعد: لو أدرك عرفة اختيارا والمزدلفة اضطرارا أو بالعكس أو أحدهما اختيارا صح حجه، ولو أدرك الاضطراريين فالاقرب الصحة، ولو أدرك أحد الاضطراريين خاصة بطل ويتخلل من فاته الحج بعمرة مفردة ثم يقضيه واجبا مع وجوبه كما فاته والاندبا ويسقط باقى الافعال عنه لكن يستحب له الاقامة بمنى أيام التشريق ثم يعتمر للتخلل.

(٣) رواه الكلينى ج ٤ ص ٤٧٦ بزيادة ههنا وهى " وعليه خمسة من الناس ".

(٤) لعله رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥٣٠ في الصحيح عن محمد بن أبى عمير عن عبدالله بن المغيرة قال: " جاء‌نا رجل بمنى فقال: انى لم أدرك الناس بالموقفين جميعا فقال عبدالله بن المغيرة: فلا حج لك وسأل اسحاق بن عمار فلم يجبه، فدخل اسحاق على أبى الحسن عليه السلام فسأله عن ذلك فقال: إذا أدرك مزدلفة فوقف بها قبل أن تزول الشمس فقد أدرك الحج ".

(٥) أى كان قبل الزوال في المشعر.

٣٨٦

باب تقديم طواف الحج وطواف النساء قبل السعى وقبل الخروج إلى منى (١)

٢٧٧٧ - روى إسحاق بن عمار، عن سماعة بن مهران عن أبي الحسن الماضي عليه السلام قال: " سألته عن رجل طاف طواف الحج وطواف النساء قبل أن يسعى بين الصفا والمروة، قال: لا يضره يطوف بين الصفا والمروة وقد فرغ من حجة "(٢) .

٢٧٧٨ - وروى بان أبي عمير، عن حفص بن البختري، عن أبي الحسن عليه السلام " في تعجيل الطواف قبل الخروج إلى منى فقال: هما سواء أخر ذلك أو قدمه(٣) " يعنى المتمتع(٤) .

٢٧٧٩ - وروى ابن بكير، عن زرارة عن أبي جعفر عليه السلام، وروى جميل عن أبي عبدالله عليه السلام أنهما سألاهما " عن المتمتع يقدم طوافه وسعيه في الحج، فقالا: هما سيان قدمت أو أخرت".

٢٧٨٠ - وروى صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم

___________________________________

(١) دأب المصنف غير دأب الاصحاب في ذكر المناسك أولا ثم بيان أحكامها بل ذكر أولا أحكامها ثم ساق المناسك لاشتمالها على الادعية والاداب الكثيرة. (م ت)

(٢) حمل على الناسى وفى الجاهل خلاف ويمكن الاستدلال بهذا الخبر على عدم وجوب الاعادة عليه أيضا (المرآة) وقال المولى المجلسى رحمه الله: يدل على عدم الاعتداد بطواف النساء إذا وقع قبل السعى، ويؤيده ما رواه الكلينى ج ٤ ص ٥١٢ عن أحمد بن محمد عمن ذكره قال: قلت لابى الحسن عليه السلام: " جعلت فداك متمتع زار البيت فطاف طواف النساء ثم سعى؟ فقال: لا يكون السعى الا قبل طواف النساء، فقلت: عليه شئ؟ فقال: لا يكون السعى الا قبل طواف النساء ".

(٣) قد حمل على ذوى الاعذار

(٤) الظاهر أنه من كلام حفص ويحتمل كونه من المصنف، والاول أظهر.

٣٨٧

عليه السلام عن المتمتع إذا كان شيخا كبيرا أو امرأة تخاف الحيض يعجل الطواف للحج قبل أن يأتي منى؟ قال: نعم من هو هكذا يعجل.

قال: وسألته عن رجل يحرم بالحج من مكة ثم يرى البيت خاليا فيطوف به قبل أن يخرج، عليه شئ؟ فقال: لا "(١) .

باب تأخير الزيارة  (٢)

٢٧٨١ - روي عن إسحاق بن عمار قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن زيارة البيت تؤخر إلى يوم الثالث(٣) ؟ فقال: تعجيلها أحب إلي وليس به بأس إن أخرته(٤) ".

٢٧٨٢ - وفي رواية عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا بأس بأن تؤخر زيارة البيت إلى يوم النفر "(٥) .

٢٧٨٣ - وروى عبيد الله بن علي الحلبي عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته

___________________________________

(١) المشهور أنه يجوز للمفرد والقارن تقديم الطواف على الوقوف بعرفة اختيارا ويجوز للمتمتع اضطرارا كخوف الحيض والنفاس للاخبار: اذ الروايات المذكورة مطلقة الا رواية اسحاق بن عمار فانها تشعر بجواز ذلك للمضطر، ويمكن حمل ما في الروايات عليها أيضا (سلطان) أقول: روى الكلينى ج ٤ ص ٤٥٧ خبر اسحاق وفيه زيادة " قلت: المفرد بالحج إذا طاف بالبيت وبالصفا والمروة يعجل طواف النساء؟ فقال: لا انما طواف النساء بعد ما يأتى منى " والخبر يدل على جواز التقديم بل على وجوبه مع العذر وظاهر التتمة الاطلاق.

(٢) يسمى طواف الزيادة زيادة لان الحاج يأتى من منى فييزور البيت ولا يقيم بمكة بل يرجع إلى منى.

والاولى أن يطوف بالبيت يوم النحر بعد الاتيان بمناسك منى ولو لم يتيسر فالحادى عشر، ولا ينبغى تأخيره عنه وقيل بالحرمة كما في روضة المتيقن.

(٣) أى ثالث النحر وهو الثانى عشر.

(٤) يدل على جواز التأخير واستحباب التعجيل. (م ت)

(٥) رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٥١٨ بزيادة وهى " انما يستحب تعجيل ذلك مخافة

٣٨٨

عن رجل نسي أن يزور البيت حتى أصبح، فقال: لا بأس أنا ربما أخرته حتى تذهب أيام التشريق ولكن لا يقرب النساء والطيب "(١) .

٢٧٨٤ - وروى هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سألته عمن نسي زيارة البيت حتى يرجع إلى أهله، فقال: لا يضره إذا كان قد قضى مناسكه "(٢) .

٢٧٨٥ - وروى هشام بن سالم عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " لا بأس إن أخرت زيارة البيت إلى أن تذهب أيام التشريق إلا أنك لا تقرب النساء ولا الطيب ".

باب حكم من نسى طواف النساء

٦ ٢٧٨ - روى معاوية بن عمار عن أبي عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل نسي طواف النساء حتى رجع إلى أهله، قال: يأمر أن يقضى عنه إن لم يحج فإنه لا تحل له النساء حتى يطوف بالبيت "(٣) .

___________________________________

(١) قال الشيخ بعد نقله في الاستبصار ج ٢ ص ٢٩١: فالوجه في هذه الاخبار أن نحملها على غير المتمتع فانه موسع له تأخير ذلك عن النحر وغده، يدل على ذلك ما رواه الحسين ابن سعيد، عن حماد بن عيسى، عن فضالة، عن معاوية بن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألته عن المتمتع متى يزور البيت؟ قال: يوم النحر أو من الغد ولا يؤخر، والمفرد والقارن ليسا سواء موسع عليهما " على أنه يكره للمتمتع تأخير ذلك أكثر من يومين وان لم يكن ذلك مفسدا للحج يدل على ذلك ما رواه الكلينى في الحسن كالصحيح عن معاوية بن عمار عن الصادق عليه السلام " في زيارة البيت يوم النحر قال: زره فان شغلت فلا يضرك أن تزور البيت من الغد ولا توخر أن تزور من يومك فانه يكره للمتمتع أن يؤخره وموسع للمفرد أن يؤخره ".

(٢) يدل على اغتفار النسيان في ترك الطواف.

ولعل المراد أنه لا يفسد حجه فيعود اليه وجوبا مع المكنة ومع التعذر يستنيب كما في شرح اللمعة، وقد حمل على طواف الوداع

(٣) مروى في الكافى ج ٤ ص ٥١٣ بتقديم وتأخير وزيادة فيه هكذا " قال لا تحل له النساء حتى يزور البيت وقال: يأمر أن يقضى عنه ان لم يحج فان توفى قبل أن يطاف عنه فليقض عنه وليه أو غيره ".

٣٨٩

٢٧٨٧ - وروى ابن أبي عمير، عن أبي أيوب إبراهيم بن عثمان الخزاز قال: " كنت عند أبي عبدالله عليه السلام بمكة فدخل عليه رجل فقال: أصلحك الله إن معنا امرأة حائضا ولم تطف طواف النساء ويأبي الجمال أن يقيم عليها، قال: فاطرق وهو يقول: لا تستطيع ان تتخلف عن اصحابها ولا يقيم عليها جمالها، ثم رفع رأسه إليه فقال: تمضى.

فقد تم حجها "(١) .

٢٧٨٨ - وروى ابن محبوب، عن علي بن رئاب، عن حمران بن أعين عن أبي جعفر عليه السلام " في رجل كان عليه طواف النساء وحده فطاف منه خمسة أشواط بالبيت ثم غمزه بطنه فخاف أن يبدره، فخرج إلى منزله فنفض(٢) ثم غشي جاريته؟ قال: يغتسل ثم يرجع فيطوف بالبيت تمام ما بقي عليه من طوافه ويستغفر ربه ولا يعود "(٣) .

__________________________________

(١) لعله محمول على الاستنابة للعذر كما هو المقطوع به في كلام الاصحاب (المرآة) و قال سلطان العلماء: لعله محمول على عدم استطاعتها الاستنابة وعدم قدرتها على العود، ويمكن أن يكون المراد عدم فساد حجها وان لزم عليها قضاء الطواف.

(٢) في بعض النسخ " فشخص " أى خرج من مكة، وفى بعضها " فنقض " أى وضوء‌ه، وفى بعضها " فشقص " وفى الكافى مثل ما في المتن وقال الفيض رحمه الله " فنفض " بالفاء والضاد المعجمة كناية عن قضاء الحاجة انتهى.

ولعل النفض كناية عن التغوط كانه ينفض عن نفسه النجاسة أو عن الاستنجاء.

في النهاية " ابغنى أحجارا أستنفض بها " أى أستنجى بها وهو من نفض الثوب لان المستنجى ينفض عن نفسه الاذى بالحجر أى يزيله ويدفعه.

(٣) زاد في الكافى ج ٤ ص ٣٧٩ " وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط ثم خرج فغشى فقد أفسد حجه وعليه بدنة ويغتسل ثم يعود فيطوف أسبوعا " وقال في المدارك بعد ايراد تلك الرواية: هى صريحة في انتفاء الكفارة بالوقاع بعد الخمسة بل مقتضى مفهوم الشرط في قوله " وان كان طاف طواف النساء فطاف منه ثلاثة أشواط " الانتفاء إذا وقع ذلك بعد تجاوز الثلاثة، وما ذكره في المنتهى من أن هذا المفهوم معارض بمفهوم الخمسة غير جيد اذ ليس هناك مفهوم وانما وقع السؤال عن تلك المادة والاقتصار في الجواب على بيان حكم المسئول عنه لا يقتضى نفى الحكم عما عداه، والقول بالاكتفاء في ذلك بمجاوزه النصف للشيخ في النهاية ونقل عن ابن ادريس انه اعتبر مجاوزة النصف في صحة الطواف والبناء عليه لاسقوط الكفارة، وما ذكره ابن ادريس من ثبوت الكفارة قبل اكمال السبع لا يخلو من قوة وان كان اعتبار الخمسة لا يخلو من رجحان.

٣٩٠

٢٧٨٩ - وروى ابن محبوب، عن علي بن أبي حمزة، عن أبي بصير عن أبي عبدالله عليه السلام " في رجل نسي طواف النساء، قال: إذا زاد على النصف وخرج ناسيا أمر من يطوف عنه، وله أن يقرب النساء إذا زاد على النصف"(١) .

وروي فيمن ترك طواف النساء انه إن كان طاف الوداع فهو طواف النساء(٢) .

باب انقضاء مشى الماشي

٢٧٩٠ - روي الحسين بن سعيد، عن إسماعيل بن همام المكي، عن أبي الحسن الرضا عن أبيه عليهما السلام قال: قال أبوعبدالله عليه السلام " في الذي عليه المشي إذا رمى الجمرة زار البيت راكبا"(٣) .

__________________________________

(١) أى لا يفسد حجه بالمواقعة لما تقدم.

(٢) روى الكلينى ج ٤ ص ٥١٣ في الموثق كالصحيح وكذا الشيخ في التهذيب عن اسحاق ابن عمار عن أبى عبدالله عليه السلام.

قال: " لو لا ما من الله عزوجل على الناس من طواف النساء لرجع الرجل إلى أهله وليس له أهله " ومعناه ظاهر والاظهر طواف الوداع بدل طواف النساء كما في التهذيب ويظهر من كلام المصنف هنا.

وحمل على من نسى طواف النساء وطاف طواف الوداع، وقال الفيض رحمه الله: يعنى أن العامة وان لم يوجبوا طواف النساء ولا يأتون به الا أن طوافهم للوداع ينوب مناب طواف النساء وبه تحل لهم النساء، وهذا مما من الله تعالى به عليهم، أو المراد من نسى طواف النساء وطاف طواف الوداع فهو قائم له مقامه بفضل الله ومنه في حل النساء وان لزمه التدارك انتهى، وقال الاستاذ: الالتزام به بالنسبة إلى العارفى المعتقد وجوب هذا الطواف مشكل، وقال في كشف اللثام " يمكن اختصاصه بالعامة الذين لا يعرفون وجوب طواف النساء والمنة على المؤمنين بالنسبة إلى نسائهم الغير العارف منهن " أقول: وهكذا بالنسبة إلى طهارة مولد من يستبصر منهم وقد كان متولدا من أب لم يطف طواف النساء.

(٣) زاد في الكافى ج ٤ ص ٤٥٧ " وليس عليه شئ ". وقوله " زار البيت راكبا " هذا يحتمل أمرين أحدهما أراد زيارة البيت لطواف الحج لانه المعروف بطواف الزيارة وهذا يخالف القولين معا (أن آخر منتهى أفعاله الواجبة وهى رمى الجمار، والآخر هو المشهور أن آخره طواف النساء) فليزم اطراحها، والثانى أن يحمل رمى الجمار على الجميع، ويحتمل زيارة البيت على معناه اللغوى أو على طواف الوداع ونحوها وهذا هو الاظهر.

كذا ذكره سلطان العلماء رحمه الله في حواشى شرح اللمعة.

وقال المولى المجلسى رحمه الله ظاهره جمرة العقبة كما رواه على بن أبى حمزة (في الكافى ج ٤ ص ٤٥٦) عن أبى عبدالله عليه السلام قال: " سألته متى ينقطع مشى الماشى؟ قال: إذا رمى جمرة العقبة وحلق رأسه فقد انقطع مشيه فليزر راكبا " ويمكن أن يكون الوجه خروجه من الاحرام وكان الركوب مرجوحا فتحلل منه أيضا.

٣٩١

٢٧٩١ - وروي " أن من نذر أن يمشي إلى بيت الله حافيا مشى، فإذا تعب ركب "(١) .

٢٧٩٢ - وروي " أنه يمشي من خلف المقام "(٢) .

باب حكم من قطع عليه الطواف بصلاة أو غيرها

٢٧٩٣ - روى يونس بن يعقوب قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رأيت في ثوبي شيئا من دم وأنا أطوف، قال: فاعرف الموضع ثم اخرج فاغسله، ثم عد فابن

___________________________________

(١) رواه الكلينى في الحسن كالصحيح ج ٤ ص ٤٥٨ عن أبى عبدالله عليه السلام، وظاهره عدم انعقاد النذر في الحفاء لعدم رجحانه، بل يجب عليه المشى على أى وجه كان لرجحانه، ويحتمل على بعد أن يكون المراد فليمش حافيا والاول موافق لما فهمه الاصحاب وقال في الدروس: لا ينعقد نذر الحفاء في المشى (المرآة) وقال المولى المجلسى: يدل على مرجوحية الحفاء وعلى تعلق النذر بالمطلق إذا كان القيد مرجوحا.

(٢) قال الفيض رحمه الله لعل المراد بالمشى من خلف المقام مشيه من خلف مقام ابراهيم نحو البيت والاجتزاء به فانه أقل ما يفى به نذره ولهذا اقتصر عليه.

وقال المولى المجلسى رحمه الله: يمكن أن يكون المراد به أنه إذا تعلق النذر بالحج فلا يجب عليه المشى في العمرة بل يمشى بعدما أحرم بالحج من مقام ابراهيم عليه السلام إلى أن يرمى الجمرة وأن يكون المراد به أنه مالم يأت إلى المسجد الحرام للطواف فهو في الاحرام وهو مقدمة الحج فاذا وصل إلى الطواف فيطوف ماشيا ويصلى ثم يشرع في المشى إلى انقضائه، هذا إذا لم يكن مراده في النذر مشى الطريق كما هو المتعارف أن من ينذر الحج ماشيا يقصد به الطريق بل لا يخطر بباله أصل العمرة والحج.

٣٩٢

على طوافك "(١) .

٢٧٩٤ - وروى ابن المغيرة، عن عبدالله بن سنان قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل كان في طواف النساء(٢) فاقيمت الصلاة، قال: يصلي معهم الفريضة(٣) فإذا فرغ بنى من حيث بلغ "(٤) .

٢٧٩٥ - وفي نوادر ابن أبي عمير، عن بعض أصحابنا عن أحدهما عليهما السلام أنه

___________________________________

(١) يدل على وجوب طهارة الثوب أو استحبابها في الطواف وعدم الاعادة في صورة الجهل أو النسيان وفى هامش الوافى: " يمكن أن يستأنس به لاشتراط الطهارة من الخبث واختلفوا فيه وذهب ابن الجنيد وابن حمزة إلى كراهيه الطواف في الثوب النجس سواء كانت النجاسة معفوا عنها أم لا قاله الفاضل التونى في حاشية الروضة " وفى التهذيب باسناده عن يونس بن يعقوب قال " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل يرى في ثوبه الدم وهو في الطواف، قال: ينظر الموضع الذى رأى فيه الدم فيعرفه ثم يخرج فيغسله، ثم يعود فيتم طوافه " و عن البزنطى، عن بعض أصحابه عن أبى عبدالله عليه السلام قال: قلت له: " رجل في ثوبه دم مما لا تجوز الصلاة في مثله فطاف في ثوبه، فقال: أجزأه الطواف فيه ثم ينزعه ويصلى في ثوب طاهر " وقوله " فابن على طوافك " سواء تجاوز عن النصف أو لا، ويمكن تخصيصه بالاول.

(٢) في الكافى ج ٤ ص ٤١٥، في طواف الفريضة " لكن مروى في التهذيب عن محمد بن يعقوب كما في المتن.

(٣) يعنى مع العامة تقية ولا يدل على الجواز أو الرجحان بدونها وظاهره الوجوب (م ت) وصرح المحقق في النافع بجواز القطع لصلاة الفريضة والبناء وان لم يبلغ النصف وربما ظهر من كلام العلامة في المنتهى دعوى الاجماع على ذلك فما ذكره الشهيد من نسبة هذا القول إلى الندرة عجيب.(المدارك).

(٤) كذا في جميع النسخ التى عندنا " والصواب " من حيث قطع " كما في الكافى والتهذيب ج ١ ص ٤٨١ وهامش نسخة مما عندى من نسخ الفقيه.

٣٩٣

قال: " في الرجل يطوف فتعرض له الحاجة، قال: لا بأس بأن يذهب في حاجته أو حاجة غيره ويقطع الطواف، وإذا أراد أن يستريح في طوافه(١) ويقعد فلا بأس به فإذا رجع بنى على طوافه وإن كان أقل من النصف "(٢) .

٢٧٩٦ - وروي عن عبدالرحمن بن الحجاج قال: " سألت أبا إبراهيم عليه السلام عن الرجل يكون في الطواف قد طاف بعضه وبقي عليه بعضه(٣) فيخرج من الطواف إلى الحجر أو إلى بعض المسجد إذا كان لم يوتر فيوتر فيرجع فيتم طوافه أفترى ذلك أفضل أم يتم الطواف ثم يوتر وإن أسفر بعض الاسفار؟ فقال: ابدأ بالوتر واقطع الطواف إذا خفت ثم ائت الطواف "(٤) .

٢٧٩٧ - وروى ابن أبي عمير، عن حفص بن البختري عن أبي عبدالله عليه السلام " فيمن كان يطوف بالبيت فيعرض له دخول الكعبة فدخلها، قال: يستقبل طوافه "(٥) .

___________________________________

(١) قوله " في طوافه " كذا، وليس في التهذيبين ولا في روضة المتقين.

(٢) قوله " فاذا رجع بنى على طوافه " مبنى على كون طوافه طواف نافلة لورود أخبار بأن من قطع طواف الفريضة ان كان تجاوز النصف فليبن وان لم يتجاوز فليستأنف، منها حسنة أبان بن تغلب عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل طاف شوطا أو شوطين ثم خرج مع رجل في حاجة، فقال: ان كان طواف نافلة بنى عليه وان كان طواف فريضة لم يبن عليه " واطلاق بعض الاخبار يقتضى جواز القطع في طواف الفريضة والبناء مطلقا ان كان لحاجة ولعل الاستيناف في طواف الفريضة أحوط وأحوط منه الاتمام ثم الاستيناف ان لم يتجاوز النصف.

(٣) زاد في الكافى ج ٤ ص ٤١٥ ههنا " فيطلع الفجر " ولعل المراد به الفجر الاول.

(٤) في الكافى والتهذيب " ثم أتم الطواف " ولعل السهو من النساخ، فيدل على جواز القطع للوتر إذا خاف فوت الوقت بالاسفار والتنوير، وعلى البناء على الطواف وان لم يتجاوز النصف. (م ت)

(٥) يدل على اعادة الطواف لو قطعه لدخول البيت سواء كان قبل مجاوزة النصف أو بعده ويؤيده ما في الكافى ج ٤ ص ٤١٤ في الموثق كالصحيح عن عمران الحلبى قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل طاف بالبيت ثلاثة أشواط من الفريضة ثم وجد خلوة من البيت فدخله كيف يصنع؟ فقال: يقضى طوافه وقد خالف السنة فليعد طوافه " والسؤال وان كان قبل مجاوزة النصف لكن الاعتبار بعموم الجواب، والتقييد بمخالفة السنة أى لم يقطعه رسول الله صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام لدخول البيت، ويمكن أن يكون المراد بمخالفة السنة القطع قبل مجاوزة النصف وهكذا فهمه أكثر الاصحاب وحملوا الاطلاق عليه، لكن الاول أظهر وان كان الاحوط البناء بعد المجاوزة والاعادة خروجا من الخلاف وعملا بالاخبار مهما أمكن (م ت)

٣٩٤

٢٧٩٨ - وروى حماد بن عثمان، عن حبيب بن مظاهر(١) قال: " ابتدأت في طواف الفريضة فطفت شوطا واحدا، فإذا إنسان قد أصاب أنفي فأدماه فخرجت فغسلته، ثم جثت فابتدأت الطواف فذكرت ذلك لابي عبدالله عليه السلام فقال: بئسما صنعت كان ينبغي لك أن تبني على ما طفت، ثم قال: إما أنه ليس عليك شئ "(٢) .

٢٧٩٩ - وروي عن صفوان الجمال قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " الرجل يأتي أخاه وهو في الطواف، فقال: يخرج معه في حاجته ثم يرجع ويبني على على طوافه "(٣) .

باب السهو في الطواف

٢٨٠٠ - روى صفوان بن يحيى، عن إسحاق بن عمار قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل طاف بالكعبة ثم خرج فطاف بين الصفا والمروة فبينا هو يطوف إذ ذكر أنه قد ترك بعض طوافه بالبيت، قال: يرجع إلى البيت ويتم طوافه ثم يرجع إلى الصفا والمروة فيتم ما بقي "(٤) .

___________________________________

(١) مجهول لكن لا يضر لاجماع العصابة على صحة ما صح عن حماد.

وتوهم أن المراد بأبى عبدالله، الحسين بن على عليهما السلام وبحبيب حبيب بن مظاهر المشهور في غاية البعد.

(٢) يدل على البناء لازالة النجاسة ولو كان قبل المجاوزة وعلى معذورية الجاهل فانه لو لم يكن معذورا لكان الواجب عليه الاعادة لزيادة الشوط عمدا كما سيجيئ. (م ت)

(٣) حمل على النافلة لما في الكافى ج ٤ ص ٤١٣ في الحسن كالصحيح عن أبان بن تغلب وقد تقدم ص ٣٩٤.

(٤) يدل على البناء في الطواف والسعى وان لم يتجاوز النصف وهو أحد القولين في المسألة ذهب اليه الشيخ في التهذيب والمحقق في النافع والعلامة في جملة من كتبه.

والقول الاخر وهو الاشهر بين المتأخرين أنه ان تجاوز النصف في الطواف والسعى يبنى عليهما والا يستأنفهما، ثم ان ظاهر الخبر أنه لا يعيد ركعتى الطواف مع البناء وكلام الاكثر في ذلك مجمل.(المرآة)

٣٩٥

٢٨٠١ - وروي عن أبي أيوب قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط طواف الفريضة قال: فليضم إليها ستا ثم يصلى أربع ركعات "(١) .

وفي خبر آخر(٢) إن الفريضة هي الطواف الثاني والركعتان الاوليان لطواف الفريضة، والركعتان الاخريان والطواف الاول تطوع(٣) .

٢٨٠٢ - وفي رواية القاسم بن محمد، عن علي بن أبي حمزة عن أبي عبدالله عليه السلام قال: " سئل وأنا حاضر عن رجل طاف بالبيت ثمانية أشواط، فقال: نافلة أو فريضة؟ فقال: فريضة، قال: يضيف إليها ستة فإذا فرغ صلى ركعتين عند مقام إبراهيم عليه السلام ثم يخرج إلى الصفا والمروة ويطوف بهما، فإذا فرغ صلى ركعتين اخراوين فكان طواف نافلة وطواف فريضة ".

٢٨٠٣ - وروي عن الحسن بن عطية(٤) قال: " سأله سليمان بن خالد وأنا

___________________________________

(١) " فليضم اليها ستا " ليصير طوافين ويكون الاول فريضة والثانى نافلة، " ثم يصلى أربع ركعات " أى بعد الطواف أو ركعتين للفريضة بعده وركعتين للنافلة بعد السعى، وحمل على الزيادة ناسيا. (م ت)

(٢) يعنى يستفاد من خبر آخر.

(٣) قال صاحب المدارك: لم نقف على هذه الرواية مسندة ولعله أشار بها إلى رواية زرارة.

وهى ما رواه الشيخ في الاستبصار ج ٢ ص ٢١٩ في الصحيح عن أبى جعفر عليه السلام أو أبى عبدالله عليه السلام (كما في التهذيب) قال: " ان عليا عليه السلام طاف طواف الفريضة ثمانية فترك سبعة وبنى على واحد وأضاف اليها ستا، ثم صلى ركعتين خلف المقام ثم خرج إلى الصفا والمروة فلما فرغ من السعى بينهما رجع فصلى ركعتين اللتين تركه في المقام الاول ".

ثم قال السيد (ره): مقتضى هذه الرواية وقوع السهو من الامام عليه السلام وقد قطع ابن بابوية بامكانه.

وفيه دلالة على ايقاع صلاة الفريضة قبل السعى وصلاة النافلة بعده.

(٤) الحسن بن عطية الحناط كوفى مولى ثقة روى عن أبى عبدالله عليه السلام.

ولم يذكر المصنف طريقه اليه لكن رواه الشيخ في التهذيب ج ١ ص ٤٨٧ في الصحيح والكلينى في الكافى ج ٤ ص ٤١٨ في الحسن كالصحيح.

٣٩٦

معه عن رجل طاف بالبيت ستة أشواط فقال أبوعبدالله عليه السلام: وكيف يطوف ستة أشواط؟ فقال: استقبل الحجر، فقال: الله أكبر وعقد واحدا(١) فقال: يطوف شوطا، قال سليمان: فإن فاته ذلك حتى أتى أهله؟ قال: يأمر من يطوف عنه "(٢) .

٢٨٠٤ - وروى عنه رفاعة أنه قال " في رجل لا يدري ستة طاف أو سبعة، قال: يبني على يقينه"(٣) .

٢٨٠٥ - وسئل(٤) " عن رجل لا يدري ثلاثة طاف أو أربعة، قال: طواف نافلة أو فريضة؟ قال: أجبني فيهما جميعا قال: إن كان طواف نافلة فابن على ما شئت، وإن كان طواف فريضة فأعد الطواف ".

فان طفت بالبيت طواف الفريضة ولم تدر ستة طفت أو سبعة فأعد طوافك، فإن خرجت وفاتك ذلك فليس عليك شئ(٥)

___________________________________

(١) أى كان منشأ غلطه أنه حين ابتدأ الشوط عقد واحدا، فلما كملت الستة عقد السبعة فظن أنه قد أكمل السبعة.

(٢) يدل على أنه إذا ترك الشوط الواحد ناسيا ورجع إلى أهله لا يلزمه الرجوع ويأمر من يطوف عنه، وعدى المحقق وجماعة هذا الحكم إلى كل من جاز النصف وقال في المدارك: هذا هو المشهور ولم أقف على رواية تدل عليه، والمعتمد البناء ان كان المنقوص شوطا واحدا وكان النقص على وجه الجهل والنسيان والاستيناف مطلقا في غيره انتهى، ويظهر من كلام العلامة في التحرير أنه أيضا اقتصر على مورد الرواية ولم يتعد (المرآة) وقال المولى المجلسى: قوله " حتى أتى أهله " أى رجع إلى بلده ولا يمكنه أو يتعسر عليه الذهاب إلى مكة فيستنيب من يطوف عنه هذا الشوط المنسى، والاحوط أن يبلى النائب به محرما.

(٣) أى على الاقل ويحمل على النافلة أو على البطلان والاعادة حتى يحصل له اليقين. (م ت)

(٤) يمكن أن يكون تتمة خبر رفاعة فيكون صحيحا وأن يكون خبرا آخر. (م ت)

(٥) يؤيده في الكافى ج ٤ ص ٤١٦ في الصحيح عن منصور بن حازم قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن رجل طاف طواف الفريضة فلم يدر ستة أم سبعة، قال: فليعد طوافه، قلت: ففاته؟ قال: ما أرى عليه شيئا والاعادة أحب إلى وأفضل ".

وقال العلامة المجلسى رحمه الله: لا خلاف بين الاصحاب في أنه لا عبرة بالشك بعد الفراغ من الطواف مطلقا، والمشهور أنه لو شك في النقصان في أثناء الطواف يعيد طوافه ان كان فرضا وذهب المفيد وعلى بن بابويه وأبوالصلاح وابن الجنيد وبعض المتأخرين إلى أنه يبنى على الاقل وهو قوى، ولا يبعد حمل أخبار الاستيناف على الاستحباب بقرينة قوله عليه السلام " ما أرى عليه شيئا " بأن يحمل على أنه قد أتى بما شك فيه أو على أن حكم الشك غير حكم ترك الطواف رأسا، وربما يحمل على أنه لا يجب عليه العود بنفسه بل يبعث نائبا وعوده بنفسه أفضل، ولا يخفى بعده.

وقال المحقق الاردبيلى قدس سره: لو كانت الاعادة واجبة لكان عليه شئ ولم يسقط بمجرد الخروج وفوته فالحمل على الاستحباب حمل جيد.

٣٩٧

باب ما يجب على من اختصر شوطا في الحجر (١)

٢٨٠٦ - روى ابن مسكان، عن الحلبي قال: قلت لابي عبدالله عليه السلام: " رجل طاف بالبيت فاختصر شوطا واحدا في الحجر كيف يصنع؟ قال، يعيد الطواف الواحد "(٢) .

٢٨٠٧ - وفي رواية معاوية بن عمار عنه عليه السلام أنه قال: " من اختصر في الحجر

___________________________________

(١) المراد به أنه يجب أن يكون الطواف حول البيت والحجر، لا بمعنى أن الحجر داخل في البيت لما تقدم في الاخبار الصحيحة أنه ليس من البيت ولا قلامة ظفر منه بل لانه كما يجب على الطائف الطواف بالبيت كذلك يجب أن يطوف على حجر اسماعيل تعبدا أو تأسيا بالنبى صلى الله عليه وآله والائمة عليهم السلام، فلو دخل في الحجر وخرج منه وطاف على الكعبة فقط كان ذلك الشوط باطلا ويجب الاتيان بشوط آخر من الركن الذى فيه الحجر الاسود كما ابتدء أولا ويختم به. (م ت)

(٢) مروى في التهذيب ج ١ ص ٤٧٧ وفيه " يعيد ذلك الشوط "، قال في المدارك: هل يجب على من اختصر شوطا في الحجر اعادة ذلك الشوط وحده أو اعادة الطواف من رأس، الاصح الاول لصحيحة الحلبى حيث قال: " يعيد ذلك الشوط " ونحوه روى الحسن بن عطية (في المصدر) ولا يكفى اتمام الشوط من موضع سلوك الحجر بل يجب البداء‌ة من الحجر الاسود لانه الظاهر من الشوط، ولقوله عليه السلام في صحيحة معاوية بن عمار " فليعد طوافه من الحجر الاسود "، ولا ينافى ما ذكرنا من الاكتفاء باعادة الشوط خاصة رواية ابراهيم بن سفيان الاتية لانه غير صريح في توجه الامر إلى اعادة الطواف من أصله فيحتمل تعلقه باعادة ذلك الشوط.

٣٩٨

الطواف فليعد طوافه من الحجر الاسود "(١) .

٢٨٠٨ - وروى الحسين بن سعيد، عن إبراهيم بن سفيان قال: " كتبت إلى أبي الحسن الرضا عليه السلام امرأة طافت طواف الحج فلما كانت في الشوط السابع اختصرت فطافت في الحجر وصلت ركعتي الفريضة وسعت وطافت طواف النساء ثم أتت منى؟ فكتب عليه السلام: تعيد "(٢) .

باب ما جاء في الطواف خلف المقام  (٣)

٢٨٠٩ - روى أبان، عن محمد بن علي الحلبي قال: " سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الطواف خلف المقام، قال: ما أحب ذلك وما أرى به بأسا، فلا تفعله إلا أن لا تجد منه بدا "(٤) .

باب ما يجب على من طاف أو قضى شيئا من المناسك على غير وضوء

٢٨١٠ - روي عن معاوية بن عمار قال: قال أبوعبدالله عليه السلام: " لا بأس بأن

___________________________________

(١) ظاهره الاكتفاء باعادة الشوط، ويدل على أنه لا يكفى اتمام الشوط من حيث سلوك الحجر بل لا بد من الرجوع إلى الحجر واستيناف الشوط كما ذكره الاصحاب. (المرآة)

(٢) يحتمل تعلقه باعادة الطواف من أصله أو باعادة ذلك الشوط كما مر.

(٣) المشهور بين الاصحاب أنه لا بد أن يكون الطواف بين البيت والمقام ويكون من المسافة من الجوانب الثلاثة الاخر أيضا بمقدار تلك المسافة، والمسافة جانب الحجر من الحجر لا من الكعبة فلو بعد عن تلك المسافة ولو بخطوة كان باطلا. (م ت)

(٤) " ما أرى به بأسا " أى في الضرورة أو مطلقا " الا أن لا تجد منه بدا " ظاهره كراهة الخروج عن الحد وحمل على الحرمة، أو في النافلة والاحتياط ظاهر. (م ت)

٣٩٩

تقضي المناسك كلها على غير وضؤ إلا الطواف بالبيت، والوضوء أفضل "(١) .

٢٨١١ - وروى العلاء، عن محمد بن مسلم عن أحدهما عليهما السلام قال: " سألته عن رجل طاف الفريضة وهو على غير طهر، قال: يتوضأ ويعيد طوافه: فان كان تطوعا توضأ(٢) وصلى ركعتين".

٢٨١٢ - وفي رواية عبيد بن زرارة عنه عليه السلام أنه قال: لا بأس بأن يطوف الرجل النافلة على غير وضوء ثم يتوضأ ويصلي، وإن طاف متعمدأ على غير وضوء فليتوضأ وليصل "(٣) ومن طاف تطوعا وصلى ركعتين على غير وضوء فليعد الركعتين ولا يعد الطواف.

٢٨١٣ - وروى صفوان، عن يحيى الازرق قال: قلت لابي الحسن عليه السلام: " رجل سعى بين الصفا والمروة فسعى ثلاثة أشواط أو أربعة ثم بال ثم أتم سعيه بغير وضوء، فقال: لا بأس ولو أتم مناسكه بوضوء كان أحب إلي"(٤) .

___________________________________

(١) أجمع الاصحاب على اشتراط الطهارة في الطواف الواجب، واختلفوا في المندوب والمشهور عدمه والاستحباب كما في سائر المناسك، وقوله: " والوضوء أفضل " أى في غير الطواف بقرينة استثناء الطواف (م ت) ونقل عن أبى الصلاح الاشتراط لاطلاق بعض الروايات.

(٢) يدل كالسابق على اشتراط الطهارة في الواجب دون المندوب وعلى اشتراطها للصلاة المندوبة. (م ت)

(٣) لعل هذا لرفع توهم أن الكلام السابق مخصوص بالسهو (سلطان) والخبر في التهذيب ج ١ ص ٤٨٠ إلى هنا.

والباقى يمكن أن يكون من تتمة الخبر أو من كلام المصنف أخذه من صحيحة حريز عن أبى عبدالله عليه السلام " في رجل طاف تطوعا وصلى ركعتين وهو على غير وضوء، فقال: يعيد الركعتين ولا يعيد الطواف " راجع التهذيب ج ١ ص ٤٨٠.

(٤) نقل عن ابن أبى عقيل القول بوجوب الطهارة للسعى والمشهور الاستحباب.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409

410

411

412

413

414

415

416

417

418

419

420

421

422

423

424

425

426

427

428

429

430

431

432

433

434

435

436

437

438

439

440

441

442

443

444

445

446

447

448

449

450

451

452

453

454

455

456

457

458

459

460

461

462

463

464

465

466

467

468

469

470

471

472

473

474

475

476

477

478

479

480

481